+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

اتجاهات الروايات اليمنية البدائية
عبدالله بن محمد مسلم

عندما نحاول دراسة الاتجاهات السائدة في الروايات اليمنية في بداية أمرها نجد ثلاثة اتجاهات في الكتابة الروائية وهي:

أولاً– الاتجاه التقليدي المؤسس وهو الذي جاء محاكاة للرواية التقليدية العربية بأبعادها الموضوعية والتاريخية منها والعاطفية وبأبعادها الفنية الكلاسيكية والرومانسية وأبرز ممثلي هذا الاتجاه في اليمن هم محمد محمود الزبيري، وعلي محمد عبده، وعبدالله محمد الطيب أرسلان، والكاتب الصحفي محمد علي لقمان “المحامي”.  فقد كان شأن الروايات التقليدية الأولى إرشادياً في موضوعها ويلاحظ فيها تقاطع السياق السردي بالأشعار التي تلخص المواقف كما تقوم على فكرة الصراع بين الخير والشر وتنتقل بالقارئ من التفاؤل إلى التشاؤم أو العكس وتسعى إلى إبراز أثر البيئة في تربية الأجيال.[1]

 وأما قيمتها الأساسية فهي تنبع من كونها أول عمل روائي يسجل معرفة اليمن بهذا الفن الحديث وعلى الرغم من كونها محاولة أولى في هذا السبيل فإنها كما يقول الناقد الدكتور عبدالحميد إبراهيم “ذات لمسات فنية مبكرة فهي أول رواية يمنية عُثر عليها تتخذ من ذلك الشكل الجديد قالباً وتقدم شخصيات تدور حول محور معين. قد لا يكون الصراع فيها غنياً ولا العلاقات متداخلة ولكنها تنبَّهت إلى كثير من الحيل الروائية الجديدة ففي مواطن كثيرة تتخذ من وصف الطبيعة خلفية لتجسيد حركة الشخصيات فقد تتحدث عن جبل شمسان – مثلاً- الذي يقف شامخاً وتحته الكثير من أبنائه الضالين المنحرفين ويبدو في وقفته غاضباً مخيفاً كأنه يوحي للعدنيين ما ناله من الكدر والغضب لوصولهم إلى تلك الدرجة من الجهل المشين وفي مواطن كثيرة أيضاً يصف الأمكنة والقصور ويتحدث عن عادات اليمن الشعبية وهو يميل في أحايين كثيرة إلى التحليل النفسي ولا يقف بالشخصية عند عواطفها الظاهرة”[2] . والنموذج الثاني عن بدايات الرواية في اليمن فهو رواية “مأساة واق الواق” للشاعر الشهيد محمد محمود الزبيري وهي مشروع وطني سياسي خلاّق وبنية تراجيدية نائحة تعكس عذاب الإنسان في اليمن وغربته عن العصر وشكواه من حكامه الظالمين وحنينه إلى العدل والمساواة والشعور الكامل بالآدمية. والبنية الفنية للرواية تأتي على شكل منامات يتولى شأنها منوّم مغناطيسي وتذكر بـ “رسالة الغفران” للمعري من ناحية  ورواية “سيرة عيسى بن هشام” للمويلحي من ناحية ثانية.

والناقد الدكتور حاتم الصكر يكتب في هذا الصدد: “أن ملحمية هذه الرواية تكاد تكون من أبرز سماتها فقد استعرضت جملة موضوعات في عمل واحد وجمعت بين الملائكة والبشر والشهداء والطغاة بين الأرض والسماء وبين الجنة والجحيم وكل ذلك يؤهل هذا العمل ليكون ملحمة تروي للعالم في وقت من الزمن ما كانت عليه الأوضاع في يمن ما قبل الثورة مستعرضة بطولات المناضلين اليمنيين وغيرهم في السجون والمعتقلات وفي ساحات الأعدام عند مواجهة الموت، ساعة يُقْتَل الإبن ذبحاً أمام عيني والده وساعة تندب الأم أبناءها الثلاثة وهي واقفة شامخة تفضح الطاغية الكبير وتنذره من عواقب فعلته كأنها عرّافة “دلف” في الأساطير اليونانية” [3].

ثانياً–  الاتجاه التجديدي الذي تجاوز الاتجاه السابق في اقترابه من البناء الروائي الحديث والنظر إلى الرواية بوصفها فناً أدبياً له شكله وخصوصيته ومرجعيته الفنية وأتباع هذا الاتجاه يشكلون عدداً لا بأس به من الروائيين والروائيات ومن بينهم محمد عبدالولي الذي قد نجح في مجموعاته القصصية الثلاث في بناء تجربة سردية تبعث على الإعجاب. وكانت تجاربه القصصية بلا أدنى تحيزأو مبالغة وهي التي أحدثت تحولاً بالقصة القصيرة في اليمن من مجال الحكاية إلى مجال الفن القصصي كما ينبغي أن يكون، وكتب الأديب الراحل عمر الجاوي بهذا الصدد في مقدمة روايته “يموتون غرباء” “أن القصة اليمنية شهدت في حياة محمد عبدالولي ازدهاراً لم يسبق له مثيل ويعود الفضل في ذلك إلى تنوّع تجربته وثقافته وموهبته الفنية التي صقلها بدراسة فن القصة إذ لم يعتمد على جهده الفردي الذي اكتسبه من القراءة المتواصلة وإنما تابع في أثناء دراسته في مصر كل الندوات والمحاضرات التي كرست مناقشاتها حول العمل الروائي كما أنه درس في معهد جوركي للآداب في موسكو مدة عامين. لقد تعرف عن كتب بكبار أساتذة القصة القصيرة العرب والأجانب وسمع تقييماً من كبار الأساتذة لإنتاجه القصصي المترجم إلى اللغة الروسية. وكان يحب في بداية حياته القصصية تشيخوف ويوسف إدريس وحنا مينه وغيرهم إلى درجة الجنون ورغم ذلك، لم يقع كغيره من الناشئين في شبكة التقليد والمحاكاة. وظل يكتب على سجيته دون التفات إلى حصيلته الثقافية” [4].

ثالثاً–   الاتجاه الأحدث وأتباعه قلة أو نخبة صغيرة العدد من المبدعين الشبان وأعمالهم الأولى تبشر بإنتاج رواية متمردة في الفكرة واللغة والبناء رواية تكسر خط السرد المتعارف عليه وترفض في الوقت ذاته فكرة الترابط المنطقي للأحداث وما تفرضه نمطية الحبكة وتسعى جاهدة إلى إثبات ما يقال عن التداخل بين الأجناس الأدبية وإلغاء الحواجز بين الشعر والنثر أو بين الرواية والشعر مع اهتمام واسع بالرمز والمبشرون بهذا الاتجاه هم حبيب سروري ومحمد عبدالوكيل جازم وسمير عبد الفتاح وهند هيثم التي استطاعت أن تحقق شيئاً من الوجود اللافت في الشعر والقصة القصيرة كما في الرواية حيث شهدت الساحة الأدبية في العقود الأخيرة عدداً لا بأس به من الروائيات ومنهن شفيقة زوقري صاحبة رواية “مصارعة الموت” عام 1970م ورمزية الإرياني في رواياتيها القصيرتين “ضحية الجشع” و”قتلنا القات” بدون تاريخ ونبيلة الزبير في رواية “إنه جسدي” 2004م ونادية الكوكباني في رواية “حب ليس إلاَّ” في عام 2006م.

وقد اشار حبيب سروري إلى هذا الإتجاه الأحدث قائلا “تمنيت أن أفتتح حياتي مع تيماء بإحدى هاتين البدايتين، لم أعرف كيف أُفَضِّلُ إحداهما على الأخرى لاسيّما أنَّ اختيار إحداهما يعني إلغاء الأخرى تماماً.. لم ينقصني إلا رؤية تيماء فقط! تيماء التي طال انتظاري لها صار قاتلاً. إلهي كيف لي أن أراها؟ كيف لي أن ألمسها؟ أين هي؟ أريدها أمامي عارية كالواقع متفجِّرة كينبوع. صرت أبحث عنها نصف مجنون أتوسلها بالتجلي بالحضور سأجدها قريباً سأراها ستجيء حقاً هي نفسها كما حلمتُ بها كما رسمتها في خيالي” [5].

إن الاتجاه الأحدث في الكتابة الروائية هو هذا التيار المتمرد الذي أخذ على عاتقه التحرر نهائياً من قبضة الأسلوب الروائي التقليدي الذي يعتمد عليه الخطاب الحكائي ويفرض للعمل السردي بداية ووسطاً ونهاية وفي مناخ التطور الإبداعي الذي يواكب التبدلات والمتغيرات الثقافية الراهنة تشهد النصوص المسرودة تحولاً جوهرياً في الشكل كما في المضمون ويواصل التيار التحديثي في الرواية العربية تمرده من خلال تجاوزه لما أسميناه بالاتجاه التجديدي ويحاول الابتعاد عن رسم الشخصيات وتنامي أدوراها داخل إطار زمني ومكاني محددين. إنه باختصار شديد تيار يبحث أو بالأصح يؤسس كتابة سردية فنية منغلقة داخل نظام مفتوح على التداعيات الحرة إذ جاز التعبير.

وفي اليمن كما في غيره من الأقطار العربية تتحرك المحاولات وتقدم نماذجها المثيرة للجدل. وبين يدي الآن نماذج أربعة لروايات تنتمي إلى أنساق الحداثة في صورتها المتوازنة حيناً والمخاتلة حينا وكلها تعبر عن ظمأ لا محدود للخروج بشكل جديد للرواية من خلال اقتراح تقنية تبدو لأول وهلة مفككة وغامضة لكنها ما تلبث أن تتوضح وتلين من خلال احتفائها بالأشياء وبالبشر وبالمكان والزمان من منظور مغاير لما كان الأمر عليه في الرواية التقليدية أو الجديدة ويتجلى هذا الاتجاه أو المنحى عبر أعمال لثلاثة روائيين وروائية وهم –كما سبقت الإشارة اليهم حبيب سروري محمد عبدالوكيل جازم سمير عبدالفتاح وهند هيثم.

أما رواية “نهايات قمحية” لمحمد عبدالوكيل جازم فقد تتميز بمجموعة من السمات الفنية منها نجاحها في كسر خط الترتيب السردي والتجرد من الترابط المنطقي للأحداث واستخدامها الناجح لشعرية الموقف تلك التي تُعدُّ من أهم عناصر شعرية التعبير. والمدهش أن شابة لم تكمل العشرين من عمرها تقتحم عالم سرد جديد استطاعت أن تعرض خبرة الحياة الطويلة؛ بما اختزنته حياتها الصغيرة من اطلاع على روائع الأدب العربي والعالمي ومن وعي مبكر بالهموم التي يعاني منها المجتمع العربي. وإذا ما استمرت في تصاعدها الملحوظ، فإنها ستكون واحدة من أهم الروائيين والروائيات في الوطن العربي.[6]

الهوامش:

[1]  – الخطاب الروائي في اليمن ـ لهشام علي ـ ص- 34.

[2]  – القصة اليمنية المعاصرة، د:عبدالحميد إبراهيم: ، بيروت ـ دار العودة، 1977م ،ط1، ص149.

[3]  – (مأساة واق الواق)، د. حاتم الصكر:   مجلة دراسات يمنية، صنعاء، العدد 77 إبريل-  يونيو 2005م ، ص27.

[4]  – الأعمال الكاملة لمحمد عبدالولي، عمر الجاوي: دار العودة، بيروت1981م، المقدمة، ص7.

[5]   – رواية  “دملان”، لحبيب سروري ـ ص240.

[6]  – مقاربات أولية عن واقع الرواية في اليمن ، الدكتور عبدالعزيز المقالح ـ مجلة ” الغيمان” اليمن العدد الرابع ـ 2008م ـ ص 10ـ 17.

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of