رواية”خوارم العشق السّبعة” للرّوائيّ المغربيّ جمال بوطيّب[1] تنتصر للبطل الشّيء،وهو العشق،وتنشغل به،وتحطّم الشّكل السّرديّ كاملاً لأجله،ولذلك لا نستطيع أن نجد في هذه الرّواية الشّكل السّرديّ الرّوائيّ بأيّ شكل من الأشكال،بل نستطيع أن نقول بكلّ جرأة أنّ عناصر الرّواية بشكلها الاعتيادي من أحداث وسرد وعقده وشخصيّات وتأزم تكاد تكون مختفية تماماً من هذه الرّواية التي لا نجد فيها إلا وصفات على شكل لافتات وفتات من الرّسائل،فلا نعرف من هذه الرّواية إلاّ أنّنا أمام قصتي عشق متداخلتين في علاقة خفيّة لا نستطيع تبيّنها أبداً،وأقطابها هم العاشقون:تركيّة صدوعي ولبانة الرّبيعيّ وعبد الرّحيم الدّباشي وآدم إبراهيمي،ولا نجد سرداً في الرّواية يقودنا إلى تلك العلاقة العشقيّة التي جمعت بين هؤلاء العاشقين،إنّما نعرف أنّهم يكابدون الحبّ،ويدركون خوارمه،كما يدركون كيفيّة قتله،وبخلاف ذلك لا سرد أو أحداث بأيّ شكل من هذه الأشكال،إنّما يهيمن البطل الشّيء على فكرة الرّواية،ولا يتجاوزه الرّوائيّ إلى غيره،بل هو معنيّ به،في حين يغفل العناصر الأخرى في شكلها التّلقيديّ،ويقدّمها لنا في فرضيّة التّوقّع التي تلقي على كاهل القارئ بمهمّة توقّع الأحداث،واختراع نسق ما للأحداث والأسباب والنّهايات.
هذه الرّواية تقّدم تصوّراً جديداً للرّواية ذات السّيرة الذّاتيّة المفترضة،فهذه الرّواية هي سيرة مفترضة للعشق الذي يلعب دور البطولة في هذه الرّواية حيث النّصوص فيها تمزج بين” السّيري بالرّوائيّ،وتتوغّل في استكشاف مناطق الذّات المسكوت عنها خاصة فيما يتّصل بالجنس والعلاق العائليّة وأصقاع الغربة المقلقة المفضية إلى تعدّد الذات وانقساماتها وإلى أسئلة الوجود والكينونة.”[2]
وهي تبني عالماً قائماً على فكرة واحدة،وهي فكرة الحبّ من منطلق أنّ “رواية قصة ما تفترض بناء عالم،ويستحبّ أن يكون هذا العالم كثيفاً في أبسط جزئياته،”[3] والجزئيّات البسيطة المسيطرة في هذه الرّواية هي جزئيّات العشق وسلوكيّات الحبّ،وذلك في شكل روائيّ خاص يؤمن بأنّ” المعنى الذي يقدّمه أيّ عمل فنّيّ هو خاصّ بهذا العمل بالذّات،وبالشّكل الخاصّ الذي جاء عليه.”[4]
وهذه الرّواية تتكوّن من قسمين،القسم الأوّل من سبعة عناوين كلّ منها يقدّم واحدة من خوارم العشق المفترضة،في حين أنّ الجزء الثّاني من هذه الرّواية،وهو يمثّل الجزء الأكبر من حجم الرّوائيّ إذ يتربّع على نحو ثلثي مساحة الرّواية فيعقده المؤلّف تحت عنوان”وصفة لقتل الحبّ”.ففي الجزء الأوّل من الرّواية نجد لافتات وصفيّة تحت خوارق العشق،وما يليها هو تنظير في الحبّ دون الالتفات إلى أيّ سرد روائيّ،أو تقديم أيّ تصوّر تخيليّ للعلاقة العشقيّة التي نحن في صدد قراءة خوارم العشق فيها،وبذلك يقودنا الرّوائيّ نحو البطل الشّيء،وهو العشق،ويضرب صفحاً عمّا سوى ذلك،وهذه الخوارم العشقيّة السّبعة،ويذكر منها اثنتين في الجزء الأوّل من الرّواية على لسان عبد الرّحيم الدّباشيّ وحبيبته لبانة الرّبيعيّ،وهي:
1-“تكسر قارورة عطر أهداك إيّاها الحبيب وأنت تتزينين بها،معناه أنّك كنت تتعطّرين لغيره”[5]
2- “حين يرنّ هاتفك مرّات ومرّات،ولا تردّ،معناه أنّك منشغل عنّي بأخرى.”[6]
أمّا في الجزء من الرّواية فترد الخوارم الخمسة الأخرى،وهي مشفوعة برسائل متبادلة بين تركيّة صدوعي وحبيبها آدم إبراهيمي،وهذه الرّسائل تتراوح بين جمل قصيرة لا تتجاوز سطر وبين عدّة سطور لا غير،وجميعها بلا استثناء تقدّم فلسفات وتنظيرات في العشق من منطلق”إنّ كلام المرأة هو إحضار لها،ولو تكلّمت فهذا يعني أنّها حضرت وصارت كائناً حيّاً محسوساً،”[7] وهذه الرّسائل لا تقدّم أيّ أحداث أو تفاصيل،فلا نعرف شيئاً عن العاشقين سوى أنّهما يعيشا حالة الحبّ،وكلّ منهما يعاتب الآخر لتقصيره في أدائه في السّلوك العشقيّ،ولذلك تأتي هذه الرّواية لأجل أن ترصد بعض ملامح انكسارات العشق التي تجملها فيما يلي:
3- “عسرة إلى مياسرة،وعلى القائظ أن يشرب جرعات احتماليّة إضافيّة”[8]
4- ” حين تتّهمك أنثى بالخيانة،فكّر أنّها تخفي خيانتها لا غير”[9]
5- “شيئان اثنان يدمّران الحبّ،وصفة تركيّة صدوعيّ أو بخور يأتيك به الحبيب،وتتبخّر به بإرادتك وفي غيابه”[10]
6- “حين تقرأ رسالتي ولا تردّ،أعرف أنّك تستصغرها وتؤكّد بها وفاءك لأخرى.”[11]
7- “حين تؤذيني أنا من يحبّك حدّ العمى،فأسامحك توقّعي أنّ حبّي سيخفت حدّ القبس.”[12]
ويختم الرّوائيّ روايته بخاتمة بعنوان” اعتراف”،ويعترف بأنّه قدّم رواية دون أيّ خيط سرديّ كان،وفي ذلك يقول :”اندفعتُ وراء تداعيات تركية وآدم،عفواً لبنانة وعبد الرّحيم،وانفرط منّي خيط السّرد،فلم أنجح في تلخيص الرّواية،لذلك عودوا إلى الصّفحة 13،واقرؤوا الرّواية كاملة غير منقوصة.”[13] ويبدو أنّ الرّوائيّ في هذه الرّواية في إغفاله للسّرد ينطلق من إيمانه النّقديّ التنظيريّ حيث يقول:” إذا كان الحكي هو كلّ خطاب شفويّ أو كتابيّ مقدّم لقصة ما،فإنّ السّرد هو الفعل الذي ينتج هذا الحكي .بهذا المعنى نجد سرداً في كلّ التّراث الإبداعيّ العربيّ: نقوشات القبائل العربيّة القديمة وأخبارهم الميثولوجيّة وصنعهم لأصنام وعبادتها.”[14]
من الواضح أنّ الرّوائيّ في هذه الرّواية عندما جعل الشّيء/العشق بطلاً فقد تعامل معه بمنطق الجسد الآدمي الذي يخوض تجاربه الخاصّة،ويجد له صيغة وجوديّة،فكما أنّ الجسد البشريّ يُعدّ “فاعلاً يعانق بدنيّاً محيطه ثم يتملّكه بعد أنسنته،ويجعله عالمه المألوف والمفهوم المليء بالمعاني والقيم والذي يستطيع أن يتقاسمه كتجربة مع أيّ فاعل آخر يكون هو أيضاً مندمجاً في المرجعيّات الثّقافيّة،”[15] فإنّ الجسد الرّوائيّ يغدو في سيرورة حياتيّة خاصّة عندما يدخل في علاقات خاصّة منبثقة من مرجعيّات ثقافيّة ليقدم فكرة ما،والفكرة المسيطرة في هذه الرّواية كانت فكرة العشق الذي لعب دور البطولة المطلقة،وتسوّد على الحالة السّرديّة كاملة.
الهوامش
[1] جمال بوطيب :أديب وناقد وأستاذ جامعيّ مغربيّ،وُلد في عام1968هو عضو جمعيّات وهيئات وطنيّة وعربيّة مختلفة, له مؤلّفات عديدة. حاصل على الدّكتوراه في الأدب الحديث تخصّص الرّواية والنّقد والمسرح،يعمل أستاذاً جامعيّاً في كلّيّة الآداب في مدينة فاس. يتوزّع إنتاجه بين الكتابة السّرديّة والشّعريّة والنّقديّة.
[2] محمد برادة:الرّواية العربيّة بين المحليّة والعالميةّ:الرّواية العربيّة الكونيّة أفقاً،بحث من كتاب الرّواية العربيّة ممكنات السّرد،أعمال النّدوة الرّئيسيّة لمهرجان القرين الثّقافيّ الحادي عشر،الكويت،2008،ص27.
[3] أمبرتو إيكو: آليّات الكتابة السّرديّة،ترجمة سعيد بنكراد،ط1،دار الحوار للنّشر والتّوزيع،اللاذقية،سوريا،2009،ص33.
[4] كين روبنسون:صناعة العقل دور الثقافة والتّعليم في تشكيل عقلك المبدع،ترجمة رامة موصللي،ط1،وزارة الثقافة الأردنيّة،عمان،الأردن،2009،ص138.
[5] جمال بوطيّب:خوارم العشق السّبعة،ط1،مجلّة مقاربات:مجلّة العلوم الإنسانيّة،ط1،فاس،المغرب،2009،ص15.
[6] نفسه:ص 27.
[7] عبد الله الغذّامي:ثقافة الوهم:مقاربات حول المرأة والجسد واللّغة،ط1،المركز الثّقافي العربيّ،بيروت،لبنان،ص40
[8] جمال بوطيّب:خوارم العشق السّبعة،ص36.
[9] نفسه:ص71.
[10] نفسه:ص87.
[11] نفسه:ص87.
[12] نفسه:ص111
[13] نفسه: ص119.
[14] جمال بوطيّب:الجسد السّردي:أحاديّة الدّال وتعدّد المرجع،ط1،IMBH للطّباعة والنّشر،أسفي،المغرب،2006،ص10.
[15] دافيد لو بروتون:سوسيولوجيا الجسد،ترجمة إدريس المحمدي،ط1،روافد للنّشر والتّوزيع،القاهرة،مصر،2013،ص17
Leave a Reply