+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

عبد الله البردوني : شاعرا يمنيا عظيما ما أنصفه الدهر
* د. علي رضا

هو أحد رموز الشعر العربي اليمني الحديث وشاعر ثوري عظيم يأبى الخنوع والخضوع أمام الدكتاتورية ، دعا إلى قيم الحرية والعدالة والتحديث ، وشن حربا على كل أشكال من القبح والقمع طول حياته وبسبب ذلك واجه الصعوبات والمضايقات والتحرشات في حياته وعاش فقيرا معدما دون أن يعلم به أحد.

ولد عام 1929م في قرية البردون شرق مدينة ذمار محافظة ذمار ، أصيب بالجدري وهو في الخامسة/السادسة من عمره ، وعميت إحدى عينيه كليا في البداية وبقي بصيص من الرؤية في الأخرى لكن لم يدم هذا طويلا ، وأصابته ضربة الشمس والصداع وفقد بصره تماما ، التحق بالكتّاب في قريته وحفظ ثلث القرآن الكريم ثم انتقل إلى مدينة ذمار ودرس في مدارسها عشر سنوات حيث أكمل حفظ القرآن الكريم وكذلك قراءة القرآن الكريم برواية ” نافع وحفص ” في المدرسة الشمسية ، وفي المدرسة الشمسية ظهرت قريحته الشعرية وبدأ بكتابة الألوان المختلفة من شعره.

انتقل إلى صنعاء ، وأطلق أصحاب صنعاء لقب البردوني نسبة إلى قريته ” بردون ” ، أكمل دراسته في دارالعلوم ، وتخرج فيها عام 1953م ، تم تعيينه كأستاذ للآداب العربية في المدرسة ذاتها ، ثم تنقل في عدد من الوظائف الحكومية مثل مسئول عن البرامج في الإذاعة اليمنية وغير ذلك، وفي آخر سفره إلى الأردن للعلاج توقف قلبه عن الخفقان بعد أن خلّد اسمه كواحد من رموز الشعر اليمني الحديث.

أصدر البردوني خلال مسيرته الأدبية ثماني دراسات نقدية و12 ديوانا، هي وفق الصدور: “من أرض بلقيس”، “في طريق الفجر”، “مدينة الغد”، “لعيني أم بلقيس”، “السفر إلى الأيام الخضر”، “وجوه دخانية في مرايا الليل”، “زمان بلا نوعية”، “ترجمة رملية لأعراس الغبار”، “كائنات الشوق الآخر”، “رواغ المصابيح”، “جواب العصور”، “رجعة الحكيم بن زائد”. وقد صدرت هذه الأعمال في مجلدين عن الهيئة العامة للكتاب عام 2002، ثم أعيد طباعتها مرارا. أما الدراسات النقدية فهي ” رحلة في الشعر اليمني قديمه وحديثه ” ، ” قضايا يمنية ” ، ” فنون الأدب الشعبي في اليمن ” ، ” الثقافة الشعبية تجارب وأقاويل يمنية ” ، ” من أول قصيدة إلى آخر طلقة : دراسة في شعر الزبيري وحياته ” ، ” أشتات ” ، ” اليمن الجمهوري “.

يقول د. عبد الحميد الحسامي ” للبردوني عددا من السمات الأسلوبية التي ميزته عن غيره، ومنها: اللغة الشعرية التي تمكّن من انتزاعها من البيئة المحلية اليمنية وإدراجها في سياق النص الشعري الفصيح، وتخصيب نصه بالرموز الإنسانية التي تمنح النص ثراء دلاليا وتوسع أفقه الثقافي، واشتغال نصه الشعري على أسلوب المفارقة، الأمر الذي منحه طاقة جديدة، وفتح أمام المتلقي مفاجآت من شأنها أن تكسر أفق التلقي، واستلهام المعطيات السردية في النص، والشغف بالتجريب الذي لا ينبت عن الأفق الرؤيوي للشاعر”.

ومضى يقول ” أن البردوني علامة فارقة في مسيرة الشعر العربي الحديث ، لآنه تمكن من تطويع القصيدة لمقتضيات حركة الحداثة الشعرية من زاويتي الرؤية والبنية ، مع الحفاظ على الشكل الخليلي الذي ظل وفيا له دون سائر شعراء العربية الذين جايلوه “

أما قصيدته ” أبو تمام وعروبة اليوم ” ، فهي القصيدة التي ألقاها في الذكرى الألفية للشاعر العربي ” أبو تمام ” التي استضافتها الموصل العراقية للفترة من 11 إلى 15 ديسمبر 1971م ، تعتبر هذه القصيدة من أهم قصائده التي اشتهر على إثرها ونال إعجاب الأدباء والشعراء بها ، وحصل على جائزة مهرجان الموصل ، والتي قال فيها :

ما أصدق السيف! إن لم ينضه الكذب وأكذب السيف إن لم يصدق الغضب
بيض الصفائح أهــدى حين تحملها أيد إذا غـلبت يعلـــــو بهـا الغــلب
وأقبح النصر.. نصر الأقوياء بل فهم.. سوى فهم كم باعوا.. وكم كسبوا
أدهى من الجهل علم يطمئن إلى أنصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا
قالوا: هم البشر الأرقى وما أكلوا شيئا …. كما أكلوا الإنسان أو شربوا
ماذا جرى ….. يا أبا تمام تسألني ؟ عفوا سأروي …ولا تسأل… وما السبب
يدمي السؤال حياء حين نســأله كيف احتفت العدى (حيفا ) أو (النقب )
من ذا يلبي ؟ أما اصرار معتصم كلا وأخزى من ( الأفشين ) ما صلبوا
اليوم عادت علوج (الروم) فاتحة وموطن العرب المسلوب والسلب
ماذا فعلنا ؟ غصبنا كالرجال ولم نصدق … وقد صدق التنجيم والكتب
فأطفأت شهب (الميراج) أنجمنا وشمسنا .. وتحدت نارها الحطب
وقاتلت دوننا الأبواق صــامدة أما الرجال فماتوا …. ثم أو هربوا
حكامنا إن تصدوا للحمى اقتحموا وإن تصدى له المستعمر انسحبوا
هو يفرشون لجيش الغزو أعينهم ويدعــون وثوبا قبـــل أن يثبوا
الحاكمون و واشنطن حكومتهم واللامعون … وما شعوا ولا غربوا
القاتلون نبوغ الشـعب ترضــية للمعتدين وما أجدتــهم القـــرب
لهم شموخ ( المثنى ) ظاهر ولهم هوى إلى بابك الخرمي ينتسب
ماذا ترى يا (ابا تمام) هل كذبت أحسابنا ؟ أو تناسى عرقه الذهب
عروبة اليوم أخرى لا ينم على وجودها اسم ولا لون ولا لقب

ويختتمها قائلا:

” حبيب” مازال فـي عينيك أسئلة تبدو.. وتنســى حــــكاياها فتنتقب
وما تزال بحلقي ألف مبكية من رهبة البوح تستحيي وتضطرب
يكفيك أن عدانا أهدروا دمنا ونحن من دمنا نحســـو ونحــتلب
سحائب الغزو تشوينا وتحجبنا يومًا ستحبل من إرعادنا السحب؟
ألا ترى يا “أبا تمام” بارقنا ( إن السماء ترجى حين تحتجب)[1]

كان البردوني شاعرا ثوريا عنيفا في ثوريته وجريئا في قوله عند سلطان جائر ، ومشعلا متوجها في سبيل الحرية والاستقلال ، ومناضلا كبيرا ضد الرجعية والدكتاتورية وكافة أشكال القهر والقمع ، وسيفا مسلولا ضد الظلم والعدوان والتخلف والفساد ، مجاهرا بآرائه عارفا ما سيتسبب له من متاعب ، وشوكة حادة في حلق العهد الامامي البائد حيث انه قاوم هذا العهد بأشعاره الثورية وصوّر فيها معاناة أهل البد بما فيها الظلم والفقر والجهل والمرض في أسلوب إبداعي جذاب حتى زُجّ في الزنزانة في عهد الامام أحمد حميد الدين وذاق فيها بمرارة العيش ، فقد صوّر كل هذا في قصيدته “رحلة التِّيه ” قائلا إنه كانت اجتمعت ثلاثة ( العمى والقيد والجرح) في واحد:

هدني السجن وأدمي القيد ساقي فتعاييت بجرحى و وثـــــــاقي
واضعت الخطو في شوك الدجى والعمى والقيد والجرح رفاقي
ومللت الجرح حتى ………ملّني جرحي الدّامي ومكثي وانطلاقي
وتــلاشيت فلــم يبـق ســـــوى ذكريات الدمع في وهم المــآقي
في سبيل الفجر ما لاقيتُ فــي رحلة التيه وما ســـوف ألاقي
سوف يفني كل قيد وقــــوى كلِّ سفاح وعطرُ الجرح باقي
سوف تهدي نار جرحى إخوتي وأُعير الأنجم الوسني احتراقي
فلنا شــــعب فمـن ينــكرني وهو في دمعي وسهدي واشتياقي ؟[2]

أحب البردوني وطنه بطريقته الخاصة وربط مصيره الشخصي بالوطن متمنيا بمستقبله الزاهر، وحاول أن يمثل آلام ومعاناة أهل بلده بأشعاره الجذابة وجاهد لاستيراد حقوقهم المهضومة حتى تناسى نفسه وهمومه ، وحمل همومهم ، وأصبح صوتا للمظلومين والمضطهدين يتردد صداه في سماء الدكتاتورية والاستعمارية ويقضّ نومهما وفي قصيدته الرائعة ” حين يصحو الشعب ” إنه يقول:

يا زفير الشعب : حرِّق دولة تحتسي من جرحك القاني مداما
لا تقل : قد سئمتْ إجرامها من رأى الحيّات قد صارت حماما ؟
أنت بانيها فجــرّب هدمــها هــدم ما شيدتَه أدنــــى مـــــراما
لا تقل فيها قوى الموت وقل : ضعفنا صـــــوّرها مــوتا زؤاما
سوف تدري دولة الظلم غدا حين يصحو الشعب من أقوى انتقاما ؟
ســوف تدري لمن النصر إذا أيقــظ البعث العفاريت النيــــاما
إن خـــلف الليل فـــجرا نائما وغــــدا يصــحو فيجتـــاح الظلاما
وغدا تخضّر أرضي ، وترى في مكان الشوك وردا وخزامى[3]

كان البردوني شاعرا عبقريا ومصوّرا بارعا لبيئته وما يشمل فيها من التقاليد والعادات والمنافسات والصراعات ، وقد صوّر حياته الملفوفة بالوحدة والفقر والحزن في قصيدته ” في الليل ” عندما يذهب إلى بيته الذي وصفه بالكوخ مذهولا مذعورا قلقا من كل شيء ويختلج في قلبه كثير من التساؤلات المتعلقة بالمعاناة والصعوبات فرسم صور هذه التساؤلات بألوان مختلفة بريش فكره على لوحة القصيدة حتى سمّي بشاعر الأسئلة:

أ مشــــفق حـــولي ولا إشفاق إلا المنـــى والكوخ والإخفاق
البرد والكوخ المسجى والهواء حولي وقلبـــي والجراح رفاق
وهنا الدجى يسطو على كوخي كما يسطو على المستضعف العملاق
فلمن هنا أصغي ؟ وكيف ؟ وما هنا إلا أنا ، والصمت ، والإطراق
أغفى الوجوه ونام سُمار الدجــــى إلا أنا ، والشـــعر والأشـــواق
وحدي هنا في الليل ترتجف المنى حولي ويرتعش الجوي الخفاق
وهنـــا وراء الكوخ بستـــان ذوتْ أغصـــانه وتهـــاوت الأوراق
فكأنــــه نعـــش يموج بصمتـــه حلم القبـــور ويعصف الإرهاق
نســـى الربيع مكانه وتشــــاغلت عنــــه الحيــــاة وأجفل الإشراق
عريان يلتحف الســكينة والدجـــى وتئن تحت جـــذوعه الأعراق
والليل يرتجـــل الهمـوم فتشتكي فيه الجــراح وتصرخ الأعماق[4]

يمتاز البردوني بأسلوبه الفكاهي والسخري ، واستخدم به لنقد الأوضاع السياسية والاجتماعية والأدبية ولتعبير عن معاناته ومعاناة شعبه ، وكان له مهارة خاصة وملكة نادرة فيه يختلف عن الشعراء والأدباء الآخرين وبسبب ذلك ألقى حياته في الخطر فعرض عليه الرئيس اليمني ذات مرة حراسة الدولة لكن البردوني رفضها قائلا : ” انديرا غاندي قتلها حراسها “. ولما شكته جماعات غاضبة إلى عبد الرحمن الإرياني – رئيس يمني سابق – فقال لتلك الجماعة وللإرياني : ” ليس على الأعمى حرج ” هكذا كان قادرا على الفكاهة والنكتة حيث ان الكلمات الفكاهية والسخرية تخرج من فمه بديهيا حتى في أشد المواقف جدية.

لم يكن يرى الوجوه فلا يعرف إذا غضب منه الغاضبون ، لذلك كان الناس يتميزون في حضرته غيضا ، وهو يرشقهم بعباراته الساخرة ، فقصيدته ” من حماسيات يعرب الغازاتي ” الرائعة الجميلة تكشف عن جوانب هذه السخرية التي صبغت أدب البردوني بلون ميزه عن بقية الأدباء حيث إنه صوّر صورتين للعرب صورة للماضي المجيد وصورة للحال الضئيل قائلا:

   نحن أحفاد عنترة نحن أولاد حيدرة
كلنا نسـل خــــالـد والسيوف المشهرة
يعـــربيون إنمــــا أمّنا اليــوم لنـــدره
امــــراء وفوقنـــا عيـن ريجن مؤمّره
وســـكاكيننا على أعين الشعب مخبره
نحن للمتعدي يد وعلى الشعب مجزره

ثم التفت إلى أحوال الأمة العربية فوجد البطولات التي يفتخر بها العربي قد تغيرت تماما وحلّ مكانها الذل والهوان والرضوخ والاستسلام فقال متأسفا لأحوالهم وساخرا لأوضاعهم :

في الملاهي لنا الأمام في الحروب لنا المؤخره
نحن في اللهو أقوياء وفي الحروب مســـخره
إننــــا أجبن الـــورى عنـــدما الحرب مسعره
ونمــور على الظباء وعلـــى الصــــقر قبره
نحن في الهزل وثبة نحن في الجد قهــــقره[5]

نال الشاعر أوسمة وجوائز كثيرة ، ومن تلك الأوسمة والجوائز وسام الأدب والفنون في عدن ، وجائزة مهرجان أبي تمام بالموصل في العراق ، وجائزة شوقي وحافظ في القاهرة ، وجدير بالذكر أنه في عام 1982م أصدرت هيئة الأمم المتحدة عملية فضية ترسم عليها صورة البردوني كمعاق تمكن من تجاوز عجزه ونجح في حياته.

وعلى الرغم من هذا كله ، إن الشاعر البردوني لم ينل حقه ولم تقدر انجازاته العلمية والأدبية حق قدرها في الأوساط العلمية والأدبية فعلى الأدباء والباحثين أن يتذكروا الشاعر العظيم ويجعلوا إبداعه الشعري محل دراسات نقدية متنوعة ، ويبذلوا ما في وسعهم بإعطاء حقه المهضوم.

مراجع البحث:

[1]  ديوان عبد الله البردوني (الجزء الأول ) ص: 224 – 229

[2]  ديوان عبد الله البردوني (الجزء الأول ) ص: 363

[3]  ديوان عبد الله البردوني (الجزء الأول ) ص : 266

[4]  ديوان عبد الله البردوني ( الجزء الأول ) ص: 143

[5]  ديوان عبد الله البردوني (الجزء الثاني ) ص : 1077-1078

المصادر والمراجع

  1. العمري د. حسين عبد الله ، 1422 هـ /2001 م ، تاريخ اليمن الحديث المعاصر ، دار الفكر المعاصر ، بيروت ، لبنان ،
  2. البردوني عبد الله ، 1998م ، الثقافة والثورة في الیمن ، الطبعة الرابعة ، دار الفكر ، دمشق .
  3. رحومة محمود ، 1991م ، الدائرة والخروج ،دراسة في شعر البردّ وني ، كلیة الدراسات العربیة ، جامعة المنیا ، مصر.
  4. البردوني عبد الله ، 2002م ، ديوان المجلد الأول والثاني (الأعمال الشعرية ) ، الهيئة العامة للكتاب ، صنعاء .
  5. الذبياني مساعد بن سعد ، 1431 هـ ، السخرية في شعر عبد الله البردوني (بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير) ، الذبياني ، جامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية.
  6. ، د محمد القضاة ، 1997م ، شعر عبدلله البرد وّني ، الطبعة الأولى ، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر ، بیروت.
  7. ناجي ھلال ، 1969م ، شعراء الیمن المعاصرون ، مؤسسة المعارف ، بیروت
  8. المشوح د. ولید، 2000م ، الصورة الشعریة عند عبد الله البرد وّني ، كتاب الریاض ، مؤسسة الیمامة الصحفیة ، 2000م .
  9. د أحمد إسماعیل ، 1418 هـ ، 1998م ، عبد لله البرد وّني حیاته وشعره ، الطبعة الأولى ، مركز الحضارة العربیة .

المقالات

  1. المقرمي عبد الغني ، أكتوبر 2016، عبد الله البردوني ….شاعر ظلم حيا وميتا ، الجزيرة نت.
  2. عبد الله البردوني شاعرا ثوريا يابى الخنوع ، مقالة ألقاها يحيى صالح دحامي المستشار الثقافي اليمني في قسم اللغة العربية بجامعة ملية اسلامية بنيو دلهي
  3. الحلي زيد ، عبد الله البردوني : حوار من الذاكرة على ورق عتيق ، موقع انترنت ” الناقد العراقي “.

الأستاذ المساعد كلية بهانغر، التابعة لجامعة كولكاتا*

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of