+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

المحيض مقدس
د. محسن عتيق خان

 

(1)

بلغ شهر فبراير منتهاه فبدأ الشلال المتجمد يعود إلى الحياة رويدا رويدا، والجليد الكثيف على منحدرات الجبل ينصهر ببطء إذ ازدادت أشعة الشمس حمرة و حرارة وجعلت الفضاء ممتعا بعد أن مضت ثلاثة شهور على البرد القارس. بدت الأشجار المثقلة بالثلوج كأنها تنفض فروعها لتخفيض ثقلها، و من ألقى نظرة على هذا الجبل خيل له كأنه يرى رداء أبيض يطوى على الرداء الأخضر، فالمشهد يتغير من أبيض مذهل إلى أخضر مدهش لافت للنظر.

خرجت سائرة من بيت جدها القديم وتوقفت متثائبة على الباب قليلا، ثم ألقت نظرة حولها على جبال الوادي وبدأت تقطع المسار المنعرج حتى وصلت أمام باب البيت الجديد لأبيه الذي بناه حاليا على شفا الطريق الضيق التي تصل هذه القرية بالمدينة الجبلية السياحية القريبة لينتهز فرصة زيارة السائحين و يكتسب بعض المال عن طريق عرض الأطباق المحلية  مع الشائ للزائرين. عبرت الطريق وألقت نظرة مختلسة في داخل البيت من الباب المفتوح فوجدت أمها نائمة مع المولود الجديد بينما كانت النار في فسحة محفرة من الجدار على وشك الانطفاء. بحثت عيناها عن أبيه في البيت وعندما لم يجد له أثرا، لم تر من المناسب أن تعكر نوم أمها فهزت كتفيها وتوجهت إلى الشلال القريب ماشية على قدميها بخفة.

كان الشلال مشعا بالحيوية، وكانت هناك بعض كتلات الثلج لا تزال تحاول أن تقاوم أشعة الشمس التي كانت تخلق منظرا جميلا بوقعها على الماء المتدفق من فوهة الشلال. إنها أزاحت قبعتها الشتوية وفضفضت على كتفيها شعرها الأسود الجميل الذي كان يصل إلى خاصرتها الرشيقة، ثم تقدمت إلى مجرى الماء ووضعت قدمها اليمنى على حجر صغير، وبعد أن توصلت إلى تسوية عادلة، وتيقنت من أنها لا تسقط، وضعت قدمها اليسرى على ذلك الحجر ودعت الماء البارد يداعب قدميها بينما كان الهواء النقي الممتع يتلاعب بشعرها الفضفاض. كانت فتاة مراهقة فائقة الجمال لم تتجاوز إلا الخامسة عشر من عمرها، ووجودها لدى الشلال بين الفطرة الخلابة بدا كأن هناك مناسفة قائمة بين جمال الإنسان وجمال الفطرة، وكأن الفطرة تمثل أمامها خاضعة وراغمة أنفها. إنها لم تستطع أن تبقى هكذا إلا لعدة ثوان، ولم تتمكن من أن تتحمل برودة الماء أكثر من ذلك فعادت على عقبيها وجلست على حجر قريب للشلال وبدأت تضفر -بيد معتادة- شعرها الذي كان يقبل شفتيها الحمراوين و خديها الناعمتين بمساعدة الهواء العطر. جاءت إلى هذا الشلال لأول مرة منذ بدأ انصهار الجليد في هذا الموسم، وقالت في نفسها “الماء لا يزال بارد جدا ولكن يمكننا أن نغسل ملابسنا، فسوف أجمع صديقاتي و آتي إلى هنا عند الظهيرة.” إنها تنشقت الهواء الطرئ ثم أخذت طريقها إلى بيت جدتها مرورا ببيوت صديقاتها وهي تدعوهن للجمع عند الشلال في الظهيرة لغسل الملابس.

ضحكات الفتيات وابتساماتهن، وتلاعباتهن كانت تمزج بصوت الشلال وتصدر ترنما ساحرا إذ وقفت على الطريق إحدى سيارات السياحين ولعلهم كانوا يذهبون إلى الشلال الكبير على بعد حوالى عشرة كيلومترات من هنا، ولم توقفوا هنا إلا لالتقاط بعض الصور عند هذا الشلال الصغير. إنهم اقتربوا إلى فوهة الشلال للتلاعب بالماء، وبعد قليل بدؤوا يتراجعون إلى سيارتهم، ولكن احدا منهم توقف قليلا محدقا إليهن، وبصفة خاصة إلى سائرة التي كانت منغمسة في غسل الملابس ولكن عندما شعرت بحرارة عينيه على خديها رفعت وجهها فالتقت عيناها بالعينين السوداوين الجذابتين اللتين كانتا تحرقان صدرها وتخلقان الخلجان فيها. إنها تذكرت بأن هذا هو الفتى الذي ذهب بإحدى صديقاتها في السنة الماضية وهي لم تعد بعد، و هناك شائعات كثيرة عنها في القرية، فيقول البعض أن أباها الفقير باعها بمبلغ كبير، والبعض يقولون أن أباها زوجها به. بينما كانت تفكر في هذه الشائعات شعرت كأنها فقدت بضع خفقات قلبها وعندما نفضت رأسها وخرجت من أفكارها وجدت أن ذلك الشاب قد ذهب، ولكن الكراهية لذلك الشباب قد جعلت مكانا لها في قلبها.

رأت هذا الشباب عدة مرات بعد ذلك وهو يشرب الشائ أمام دكان أبيه، أو يحدق في الفتيات عند الشلال، وبعد بضعة أيام عندما غاب ذلك الشاب عن الأنظار هي أدركت بأنه ذهب بصديقتها الأخرى، وكانت هناك شائعات مثل شائعات السنة الماضية، فلم تبق لها من ثلاث صديقاتها إلا صديقة واحدة. بكت مع صديقتها بكاء طويلا ودعت على هذا الشاب وكذلك على ابوي الفتاتين الغائبتين، ولكن لم تكن تعرف بأنه قد قُدرت لها مأساة أكبر من ذلك، المأساة التي ستنهب عنها كل شئ.

بعد حوالى ثلاثة أشهر، عندما كانت القرية غارقة في نوم عميق في إحدى ليالي شهر يونيو عام 2013 سُمعت أصوات رعد عنيفة تصم الآذان وتشيب الأطفال من هولها، وتبعها هطل غزير كأن سحابة انشقت، وأمطرت السماء طول الليل واستمرت حتى ليل اليوم التالي، وفاضت الأودية والشلالات. فلم يتكمن أحد من الخروج من بيته، ومن استطلاع أخبار الآخرين، وعندما انقطع المطر في صباح اليوم الثالث خرجت سائرة مع جدتها لتستفسر عن أحوال أبيه وأمه ولكن دهشت عندما لاحظت بأنه ليس هناك أثر للبيت على الشارع، ثم استدارت وألقت نظرة على الجبال حولها فوجدتها غير مأهولة، كانت الأشجار قد انقلعت، والأحجار قد انشقت، فالسيل الجارف، والانهيار الأرضي قد أطاحت بجميع بيوت القرية، وأهلكت أهاليها، وبقاء بيتها ليس إلا معجزة في مثل هذه الحالة. كانت في حالة حيرة ودهشة ولم تدرك ماذا تفعل إذ سمعت صوتا فاستدارت ووجدت جدتها ملقاة على الأرض، فقد كانت قواها قد خارت، ولبت نداء ربها ولعلها لم تستطع أن تصبر على ما حدث بالقرية، وبابنها الوحيد وزوجته ومولودهما الجديد.

التصقت سائرة بجثة جدتها وأجهشت بالبكاء، بكت طويلا ولم تدري ماذا تفعل، فلم يكن هناك امرأة تواسيها ورجل يعزيها. منحدرات الجبال حولها بدت مخيفة في حالة الخراب والدمار، والطريق بدا مثل شفا جرف هار بسبب الانهيار الأرضي. كانت الشمس على وشك الغروب و هي لا تزال عاكفة على الجثة إذ مرت على رأسها مروحية الإنقاذ الحكومية وتذكرت على الفور قصة جدتها التي كانت أسرتها عانت من دمار الفيضانات في طفولتها وأنقذتها مروحية حكومية فقامت وبدأت تحرك وشاحا ولكن المروحية مضت ففقدت أملها، وبدأت تبكي من جديد ولكن سرعان ما شهدت المروحية عائدة فصعدت بسرعة على مكان عال وبدأت تحرك الوشاح، ولعلها كانت حسن الحظ إذ اقتربتها المروحية وأركبتها وهي لا تزال تبكي و تشير إلى جثة جدتها، ولكن لم يكن هناك مكان للجثة على المروحية.

كان المخيم مزدحما بالناس بمن فيهم سكان الجبل، والسُياح، وزوار الأماكن المقدسة. كل واحد قلق و حزين، فهذا فقد ابنه، و ذلك خسر اباه، و هناك نساء ورجال خسروا أسراتهم وفقدوا أقاربهم وأصدقائهم. فقد طرأ على المخيم فضاء الحزن والألم، هذا يبكي في زاوية و ذلك يبكي في ناحية. مشت سارة على ممر بين طابوري الخيام محدقة في وجوه الناس آملة في أن تجد من يعرفها، وتعثر على من يؤاسيها، إنها لم تفقد أملها بعد فاستمرت في سيرها حتى وصل نهاية المخيم حيث تقف بعض الشاحنات المليئة بمواد الأغذية. إنها تقلبت إلى اليمين ودخلت في ممر آخر بين طابورين من الخيم بدأت تمشي وبعد حوالى عشر دقائق عندما كادت أن تصل نهاية الممر رأت نفس الشاب الذي كانت رأته عند الشلال قبل عدة أشهر، ولكنها هذه المرة لم تشعر بالكراهية تجاهه كأنها نسيت غياب صاحبتيها عن القرية، بل ظهر على وجهها نوع من الطمأنينة إذ وجدت وجها وحيدا تعرفه بين آلاف من الوجوه المجهولة، فأسرعت قدماه إلى ذلك الشاب بدون أن تتأكد من أن لقاءه خير لها أم شر. عندما ألقت نفسها عليه دُهش ذلك الرجل وشعر كأنه هُجم عليه فجأة ولكن عندما رأى وجه الفتاة عرفها على الفور رغم ملابسها الوسخة ووجهها الذابل وبدأ يلامس شعرها ويربت ظهرها حتى تملكت على أعصابها فأجهشت بالبكاء وكان رأسها لا يزال على كتفه اليمنى. قالت له بين البكاء وذرف الدموع الحارة “فقدت كل شيئ، فقدت أبي، وأمي، وأخي الصغير، وأخيرا جدتي، فقدت صديقاتي، فقدت القرية كلها.” فقال له: “هوني عليك، أنا هنا، سأعتني بك وأراعيك.” ثم أجلسها في مكان وجاء لها بكأس من الماء.

في مساء اليوم التالي كانت تجلس في شاحنة بجنب السائق مع ذلك الشاب الذي لا تعرف غيره بدون أن تدري أين تذهب، فقد اعتمدت على هذا الشباب اعتمادا كليا إذ أرادت أن تغادر جهنم المخيم في أسرع وقت ممكن فليس هناك ماء وافر، ولا مواد الغذاء، ويتم توزيع الحزم الغذائية المجانية بطريقة كأنها تلقى أمام الكلاب، وهي رغم ذلك لا تكفي لجميع الواردين في المخيم الذي يزداد سكانه يوما و ليلة. كانت جاءت معه بحثا عن المأوى حيث تحصل لها بعض الراحة بعد كل هذه المشاكل والمتاعب، وفقدان الأسرة والقرية والأقرباء.

عندما فتحت عينيها وجدت الشاحنة تدخل في مدينة كبيرة في الآونة الآخيرة من الليل، وشعرت بأن رائحة السائق في جنبه قد ازدادت نتنا وخباثة. قلبت وجهها عابثة إلى اليسار فوجد شيليندر الشاب الذي تعرفت عليه يغفو فأغلقت عينيها مرة أخرى وتظاهرت بأنها نائمة ولم يمض على هذه الحالة نصف ساعة حتى شعرت بأن شيليندر يحضه من يدها اليسرى لإيقاظها ففتحت عينيها وسألت بإشارة لطيفة ماذا يريد. عندما رآها شيليندر تفتنح عينيها قال لها: “عجلي، فقد وصلنا” فأدركت بأن الشاحنة واقفة، والسائق قد نزل لشرب الشاى في مطعم على جانب الطريق.

نزلا من الشاحنة و دخلا في زقاق ضيق، كلاهما مشيا حوالى خمس عشرة دقيقة حتى وقف عند مبنى ذي أربعة طوابق. فوقفت معه، وعندما بدأ يتسلق الأدراج تبعته بدون أي سؤال حتى وصلا الطابق الثالث حيث فتح الشقة الواقعة في الجانب الأيمن وأشار لها أن تدخل خلفه.

كانت الشقة من المستوى المتوسط و تتضمن على غرفتين و قاعة فقط، كانت هناك جميع سلع الراحة متوفرة ومرتبة بأناقة، هي ألقت نفسها على الكنبة في قاعة الاستقبال وأغلقت عينيها حتى طرأت عليها غفوة من جديد فقد وجدت هذه الراحة بعد زمن طويل وبدت كأنها لا تبالي بأي شئ  ولكنها كانت تشعر بنوع من الخوف الداهم عاجلا أو آجلا، وكان الحزن العميق قد خيم على وجهها الذي بدا مثل ورد ذابل، ولونها الوردي الجميل كان قد مال إلى سواد خفيف.

كان اليوم هادئا ومضى بسكون، أحضر شيليندر الفطور والغداء من المطعم القريب وعند العشاء منعته عن الذهاب لاشتراء الطعام ودخلت في المطبخ  فطبخت عشاء ساذجا، وأكلت معه ملأ البطن ثم استعدت للنوم. لم  يكن الفراش متوفرا إلا في غرفة واحدة فنامت بجنبه إذ لم يكن هناك خيار آخر وكانت قد أنست إليه، وسرعان ما غرقت في النوم ولكن ما ان انتصف الليل استيقظت خائفة إذ شعرت بشئ يسير على جسمها و يهوم من هناك وهناك وفي أقل من ثانية أدركت بأنه ليس من حشرات الأرض بل يدا رجل تلامسان بدنها وتحاولان أن تعصرا صدرها، كانت قد دهشت وصُدمت بصدمة عنيفة و قبل أن تحاول أن تفوه بكلمة شعر بشفتيه على شفتها السفليى في محاولة لسد سبيل صراخها المتوقع، برك فوق جسمها الناعم وبدأ ينهشها ويعريها من جميع ملابسها حتى أصبحت عارية تماما، كانت دموعها قد خلصت بالبكاء الدائم ولكن ظهرت مرة أخرى في عينيها وبدأت تسيل على خديها الورديتين. عندما شعرت بشئ حار مثل القضيب الحديدي يشق طريقه بين أحشائها ويعرفها إلى أصعب ألم في حياتها فلم تفهم ماذا يحدث بها؟ وما هو نوع الكرب الذي تعاني منه؟ وفي بضع دقائق نشأت بين الألم والكرب لذة من نوع جديد لم تكن تعرفها، ولم تكن تسمعها.

هذه التجربة المريرة تكررت كل ليلة بدون رضاها لطول أسبوع حتى سلمت نفسها إليه، وخلال هذا الأسبوع مر بذهنها خاطر جازم يحثها على الفرار من البيت ولكن لم تكن تعرف أين تذهب و أين تخفي نفسها، و من يضمن لها أن لا يتكرر هذا معها، وكلما حاولت المغادرة وجدت الباب مغلقا عليها.

في نهاية الأسبوع لم يحضر شيليندر في الليل فنامت ملأ العيون بدون أن تعرف أن اليوم القادم سيكون الأسوأ لها، وفي الصباح استيقظت عندما سمعت ضحكات بعض النسوة التي كن يجلسن في قاعة الشقة تتحادثن في أشياء مختلفة. خرجت من الغرفة فرأت شيليندر جالسا معهن وفي يديه بعض حزمات الربيات وعلي شفتيه ابتسامات شريرة. عندما لاحظتها النسوة دهشن بجمالها وسألت إحداهن قائلة “هل هي باكرة” فأجاب شيليندر والابتسامة لا تزال تلعب بشفتيه “وهل وجدت باكرة عندي في السابق .”فضحكت المرأة  قائلة “أنت لا تترك أحدا.”

في المساء، نُقلت سائرة إلى مبنى في حي أولال ساتليت تاون في نفس المدينة، كان المبنى الذي نُقلت إليه سارة يقع في نهاية زقاق ضيق، ويحرسه عدد من الحراس ذوي أجسام عملاقة يؤكدون أن لا يخرج منه أحد بدون إذنهم. دخلت سائرة في مهجع المبنى فوجدت عديدا من الفتيات ذات وجوه  مصفرة وبدون نشاط وحيوية وما إن غادرت المرأة التي جاءت معها لتريها فراشها المخصص إذ التفتت إليها فتاتان كانتا تحدقان فيها، إنها أولا لم تعرهما انتباهها ولكن بعد ثوان رفعت عينيها وحدقت في ملامح وجههما فعرفت على الفور أنهما صديقتاها من قريتها واللتان جاءت مع نفس الشاب قبل أن جرفتها السيول. كانت ملامح وجههما كما كانت من قبل ولكن نضارتهما ونداوتهما قد ذهبت، وعيونهما قد فقدت بريقها، والاصفرار قد حل محل الحمرة.عانقتهما قبل أن تفوها بكلمة وبكت بكاء طويلا ولم تقولا إلا كلمة واحدة “كيف وقعت أنت في هذه الشبكة كان أبوك أكثر منا مالا.”

عندما هدأت قليلا قصت لهما كل ما حدث في القرية من سيول وهلاك و دمار، والمحنة التي عانت منها بعد النجاة من السيول حتى وصلت هذا المبنى. فبكت صاحبتاها معها ولم تكونا تسمع عن الفيضانات في القرية، أخبرتاها كيف خدع شيليند أبويهما بحيلة وظيفة قيمة لهما.

وأخبرتاها ماذا يجري في هذا المبنى وأي نوع من الوظيفة تشتغلان بها. أخبرتاها بأنهما حاولتا مرتين ولكنهما فشلتا وواجهتا الشتم والضرب العنيفين. كانت هناك محادثات طويلة عن ذكريات طيبة، وعن المصائب اللاحقة ولم تنم إحداهن إلا عندما ظهرت تباشير الفجر.

كانت الساعة الثامنة صباحا إذ رن جرس الساعة فبدأت الفتيات يستيقظن ويستعدن لوظيفتهن المعروفة، ولكن رنين الجرس بدا لها كأنه يثقب في عظامها بينما كان قلبها يرتجف، وشعرت بنفسها يكاد يختنق. كانت تريد  أن تستمر في النوم وتبعد عن نفسها صباح أخبث يوم في حياتها لم تحلم به قط حتى في أسوأ أحلامها إذ سمعت صوتا لاذعا للسيدة المسنة وفي رفقتها فتاتان سمينتان قويتان، وخلفهن حارس جسيم ووسيم يحدق فيها.

قالت لها السيدة “نعفو عنك، فهذا أول يوم لك، ولكن منذ الغد عليك أن تكوني مستعدة في هذا الوقت” ثم التفتت إلى صاحبتيها وارشدتهما بأن تعدا سارة جيدة فهي اليوم مثل جوهرة في تاجنا”. كان المهجع قد خلا من الفتيات وبقت وحيدة معهما فأغسلتها وهي تبكي من شدة خوف وفزع متوقعا ماذا سيحدث في ضوء تجربتها مع شيليندر ولكنهما لم ترحما و أعدتاها مثل عروس تزف إلى زوجها لأول مرة بعد النكاح. كان الحارس لا يزال هناك ويحدق فيها كل الوقت كأنه سيبتلعها تماما مثل الأفعى وبريق عينيه يدل على أنه معجب بحسنها. قادتها الفتاتان كأنهما يدفعانها إلى باب المهجع و من هنا إلى غرفة كانت قد أعدت لها وسيكون أغلى غرفة لليوم. كان الحارس قد توقف عند باب المهجع فهذا المكان مخصص له ولكن أنظاره تبعتها إلى أن دخلت غرفة، أما الفتاتان  فغادرتا بعد أن أجلستاها على الفراش في الغرفة وأغدقتا عليها بإرشادات وحاولتا أن تشرحا لها العواقب في حال عدم اتباع الإرشادلات المعروفة.

كانت سائرة لا تزال تبكي و جسمها لا يزال يرتجف من شدة الخوف إذ دخل عليها رجل طويل بدا كأنه في أواخر الثلاثينات وجلس بجنبها للحظة بدون أن يستأذنها ثم بدأ يمرر أنامله على خديها وشفتيها فنفضت يده وقامت لتفر من الغرفة ولكن السيدة وصاحبتاه كن قائمات لدى الباب وكان معهن حارسان مستعدان لضربها و إعادتها إلى الفراش. فارتعشت ارتعاشا و غشي عليها، ولم تدر ماذا حدث بها بعد ذلك، ولكن عندما عاد إليها صوابها وجدت نفسها عارية تماما بدون أي ملبس وكان حلقومها قد جف، ونوع من سائل يتقاطر من بين فخذيها.

دخلت عليها إحدى الفتاتان مع الماء و منشفة، عرضت عليها الماء ونشفت فخذيها قائلة “قومي واستعدي فلدينا زبون آخر وعليك أن لا تخلقي أية مشكلة مرة أخرى” ثم غادرت الغرفة. وفي بضع دقائق دخل زبون آخر. وفعل معها ما شاء وهي كانت ملقاة على الفراش مثل جثة لا حركة فيها ولا حياة، وهكذا نهش جسمها و نبش بدنها زبون بعد زبون حتى الساعة التاسعة من الليل وعند ذلك اتت الفتاتان وساعدتها في المشي إلى فراشها في المهجع حيث ألقت نفسها على الفراش باكية على قدرها و شاكية على نصيبها من الحياة.

مضى أسبوعان على هذه الشاكلة، هي تعيش حياة بائسة لا تتجاوز غرفتين في غرفة تنام لبعض ساعات و في غرفة أخرى تضطر أن تعرض نفسها على الأجانب للنهش والممارسة. وفي آخر الليل من الأسبوع الثاني لاحظت نوعا من الخوف على وجوه الفتيات حديثة العهد بالدعارة والتي كانت جاءت قبلها بأسبوع أو عدة أسابيع. في هذه الليلة رغم أن اليوم كان منهكا بسبب كثرة الزبائن في كون اليوم نهاية الأسبوع ولكنها اشتاقت أن تتكلما مع صديقتيها، وكان الخوف يشف عن وجهيهما أيضا، فذهبت إليهما وبدأت المحادثة معهن فعرفت أن الفتيات يخفن عن رجل يحب ممارسة الجنس العنيفة ويقدم رقما غاليا لذلك إلى السيدة ويختار من يريدها من بين الفتيات حسب رضاه، أنت جديدة هنا ويمكن أن يختارك لشبابك و جمالك و حسنك، وهل لاحظت الحارس يبدو أنه قد وقع في حبك فعيناه دائما في تعاقبك إلى غرفتك. فضحكت وقالت “ومن يحب بائعة الهوى؟” وهذه كانت أولى ضحكة في الأسبوعين الماضيين ظهرت على وجهها.

في الصباح عندما كانت الفتيات يستعدن في المهجع دخلت السيدة مع رفيقتيها وحارس المهجع وكان بينهم رجل ثري كما بدا من لباسه فأدركت أنه نفس الرجل الذي تخاف منه الفتيات. إنه استمر بين طابورين من الفراش يحدق في وجوه الفتيات حتى وقعت عيناه على سائرة فتوقف عند فراشها قائلا “لم أرها من قبل، لعلها جديدة هنا، هي لا تزال في المراهقة أنا اختارها لليوم. فنكست السيدة رأسها في الموافقة ثم غادرت معه تاركة خلفها خادمتيها التين هيأتاها من جديد لذلك الرجل وذهبتا بها إلى غرفة خاصة لم تذهب إليها بعد. وقالت لها إحداهما “عليك أن تتعاوني معه، فهو من الأثرياء من رجال أعمال المدينة الشهيرين، وإذا أعجب بك فسيعرفك إلى رجال الأعمال الآخرين، وستلتقي الزبائن في الفنادق ذات النجوم الخمسة أو أكثر وستجدين الفرصة للمشاركة في الحفلات الليلية مع كبار رجال السياسة والتحارة. ثم أشارت عليها أن تدخل في الغرفة وغادرت.

دخلت سائرة الغرفة بشعور من البؤس والعذاب وكانت ترتعش إذ تمثلت أمام عينيها ما صورت لها صديقتاها في المهجع من مناظر التعذيب ولكنها كانت بين هذا الخوف تحاول أن تصل قرارا حاسما بدون أن يتضح لها قرار تريده. كان ذلك الرجل يجلس في ملابسه الفاخرة في انتظارها فبدأت يتبع إرشاداتها حتى خلعت جميع ملابسها إلا الملابس الداخلية و استلقت على ظهرها في الفراش. بدأ الرجل يقبل جسمها من الأعلى ومضى إلى الأسفل وما أن وصل بين فخذيها حتى لفت وجهه إلى جانب آخر قائلا أنت تحيضين وقام قائلا “أنا لا اقترب الفتيات إلا في حال الطهارة و خرج من الغرفة.”

تنفست سائرة الصعداء كأنها خرجت من مأزق كبير، و من مصيبة كبرى، ثم لمست دمها بأنامل يدها اليمنى وألقت نظرة عليه بكل أدب واحترام كأنها تنظر إلى إله، ، كان قلبها يفيض بالتشكر والامتنان لدمها وقررت إذا قُدرت لها في زمن ما لتجعل منه إلها وتبني له معبدا خاصا وتعبده مدى حياتها، فقد فعل ما لم يستطع أحد أن يفعل لها، إن هذا الدم قطع سلسلة نهش جسمها بعد أسبوعين كاملين وحفظها من تعدي رجل لم يعرف القيم الإنسانية، ولم يعتبر الفتيات البائسات إنسانا، وفعل معهن ما شاء وعذبهن حسب ما أحب لغرائزه الدنيئة فقط. لم يخطر ببالها قط بأن هذا الدم الذي من أجله كانت تُبعد من المطبخ في بيتها، و كان فراشها يُفصل من فراش جدتها، وكانت تنفر تنفسها كلما تعاني منه في الماضي، جاء اليوم كمنقذ لها في وقت كانت في أشد حاجة إلى منقذ.

عندما دخلت رفيقتا السيدة الغرفة كانت قد لبست ملابسها واستعدت للخروج من الغرفة، إنهما قالت لها “قد وجدت فرصة ذهبية، فقد التمس ذلك الرجل أن لا يمسك أحد إلا أن تتطهري وإنه سوف يجئ بعد ثلاثة أو أربعة أيام. فنفضت جميع الأفكار من رأسها ومشت إلى المهجع، كان الحارس لا يزال في مكانها وابتسم عند رؤيتها كأنه كان حزينا لغيابها ولم يتوقع بأنها سوف ترجع بهذه السرعة. إنها تبادلت معه ابتسامات ودخلت المهجع وبدأت تفكر في هذا الحارس الذي كان يعرف بإسم “آفاق” وكانت هناك شائعات متداولة بين الفتيات عنه فقد تمتع بأكثر الفتيات بين الحين والأخرى بوعد أنه سيساعدهن في الهرب ولكنه لم يساعد أحدا قط إذ كان مؤظفا وفيا للسيدة، فلم تذعن له سائرة عندما حاول أن ينال نصيبه منها ولكنها استمرت في مبادلة الابتسامات والكلام عن طريق العينين، إذ لم ترد أن تقطع أمله بل حاولت في أن يزيد اشتياقا إليها ورغبة فيها وحبا لها، فكان شيئ يدور في رأسها، وكانت تبحث عن سبيل الخلاص من هذه الجهنم. اليوم التالي كان يوم فرصة واستراحة لها حسب إرشاد ذلك الرجل الثري فبقت على فراشها مستلقاة مغلقة عينيها، ومستغرقة في فكر عميق حتى بدأت معالم قرار تتضح لها شيئا فشيئا، وأدركت بأنها ستصل قرارا حاسما. لديها ثلاثة أو أربعة أيام للتفكير والعمل، فبعد التفكير الطويل أرادت أن تخاطر وتحاول وتبذل كل ما في وسعها للنجاة من هذا المأزق.

عندما كانت الفتيات قد أوت إلى الفراش وغرفت في نوم عميق بعد الممارسة الجنسية طول اليوم، تأكدت أولا  من أن كل فتاة قد نامت ثم مشت بخفية إلى الباب حيث كان الحارس آفاق يغط في نوم فهزه بكتفه وأشارت له أن يتبعها إلى غرفة قريبة.

سألته محدقة في عينيه، “ماذا تريد مني؟

فغمغم ولم يستطع أن يتكلم بوضوح فقالت له، وهي لا تزال تحدق في عينيه “أنا بحبك، وسأكون بين أحضانك دائما لو تتبع ما أقول لك وتساعدني في تنفيذ خطتي”،

فقال: أنا سأساعدك في الهرب

-لا آمن بك، فقد وعدت كثيرا من الفتيات ولكن خدعتهن.

-والله لم أشعر لتلك الفتيات ما أشعر لك، فأشعر قلبي يخفق كلما تمرين بي، إذا هذا هو الحب  فأنا بحبك، والله لم أشعر بالغضب الذي شعرته عندما اختارك ذلك الرجل.

-فماذا يمكن أن تفعل لي؟

-كل ما تريدين.

-من يدير الحراس الآخرين؟

-أنا أديرهم، وأنا الذي جئت بهم من قريتي ووفرت لهم الوظيفة هناك.

-فهم سيتبعونك إذا قلت لهم شيئا؟

-نعم، بدون شك.

-هل هناك أحد فوق السيدة؟

-لا، ولكنها امرأة قد سبقت لها هذه المهنة خلال شبابها، وهي تدير هذا البيت عن طريق عرض الرشاوي للشرطة في المنطقة، ولها زبائن من طبقة الأثرياء ورجال الأعمال، لأنه ليس في مدينة بنغلورو شارع مخصص للدعارة.

-“أيوه، فلديك يوم واحد، فكر كما تشاء، سنلتقي غدا في نفس المكان و في نفس الساعة وإذا رضيت فسأخبرك عن الخطة غدا، وسأكون دائما بين أحضانك.”

فكرت عن الخطة طول اليوم وحاولت أن لا يترك نقصا فيها، وعندما حضر الموعد مشت بخفية إلى باب المهجع وعندما لم تجده عند الباب توجهت إلى تلك الغرفة. فوجدته قائما مخضعا رأسه، وغارقا في تفكير عميق، فقالت له مبتسمة “ماذا قررت؟” فأجاب بجدية: “أنا مستعد لتنفيذ خطتك أيا كان نوعها” فأخذت بيده اليمنى في يدها وبدأت تبوح له بتفاصيل الخطة وعندما انتهت من كلامهما قال لها متحسرا “سأفقد وظيفتي” فقالت برزانة وبصوت مليئ بالاعتماد والثقة بنفسها: “سنحصل على وظيفة أخرى.” ثم غادرت الغرفة و نامت نوما هنيئا بعد أيام طويلة.

إنها لم تخبر صديقتيها شيئا خوفا من أن يُفشى السر وقررت أن يشاركهما في النهاية. مضى يومان آخران ثم جاء ذلك الرجل في اليوم الرابع حسب الموعد فدخلت في الغرفة بعزم وإرادة وبدأت تخلو له الملابس ثم استلقت على ظهرها وكانت لا تزال تلبس الملابس الداخلية. إنه بدأ مثل السابق يقبل جسمها من الأعلى وما إن مر بثدييها عض على حلمتها اليسرى عضا عنيفا ولكن قبل أن يتمتع بصراخها الناتج عن عضاته شعر شيئا شق عنقه، فقد كانت طعنت في عنقه سكينا مر من خلال حلقه. دخل آفاق من الباب لمساعدتها  فبعد التأكد من موت هذا الرجل الشنيع توجه معها إلى غرفة السيدة التي كانت جالسة مع رفيقتيها وكان على الباب حارسان قويان ولكن ما إن رآ  آفاق آتيا دخلا بسرعة في غرفة السيدة وقبضا على رفيقتيها وقبل أن تفهم السيدة ماذا يحصل هناك دخلت آفاق الغرفة وهجم عليها بينما خنق الحارسان الآخران رفيقتاها. أشار آفاق للحارسان أن يخرجا ثم قال لها” فتشي دواليب السيدة بسرعة، ممكن أن نجد بعض الأموال قبل المغادرة، فالشرطة ستكون هنا في أقل من ساعة، وبعد أن حملا معهما كل ما وجدت من الأموال والمجوهرات و الروبيات، توجها إلى الباب فرآ الفتيات قد أدركن بأن جميع الأبواب خالية عن الحراس وبدأت يهجمن على الزبائن ويهربن من بيت الدعارة في حيص وبيص.

(يتبع)

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of