+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

يحيى حقى و مساهمته فى القصة القصيرة
الدكتورة سمية رياض عليغ

حينما نقصد إلى بلد مصر نستفيد من مسك الأزهار ينشق من أنوار الأدباء المصريين ، يحملون عبء الأكبر على ظهورهم إلى تأدية حقوقهم فى شكل بالغ .و من بين هؤلاء الأدباء البارعين يبرز الأديب الكبير الناقد و عاشق البساطة والصدق يحيى حقى إلى أن يحيط بالعلم والأدب و ينشر أضواءه فى كل بلد.

حياته ونشأته:

فقد ولد يحيى حقى فى السابع من يناير عام 1905م بحارة المبيضة بالسيدة زينب فى بيت من بيوت وزارة الأوقاف فى أسرة تعشق القراءة لكبار الأدباء وأبرز الشعراء.

و يبدو من زمن ولادته أنه ينتمي إلى الجيل الماضي سنًا و فنًا إلا أن انتاجه الأدبي لقى ترحيبًا من الأدباء والنقاد بعد الحرب العالمية الثانية و اشتهر كأديب قاص بين رواد القصة المصرية الحديثة. وكذلك يتضح من الدراسات المتعلقة بالأديب أنه ينتسب إلى الأبوين ذوي عريق النسل تركي الأصل فأبوه محمد من أصل تركي و أمه ” السيدة ” فهي أيضًا تنتمي إلى أسرة تركية ، فإنهما تركيان وإن ولدا فى مصر و نشئا عربيين فقد مزج [i]دما فى تنمية يحيى حقي و نشوءه ، دم التركي أصلًا و دم العربي المصري نشوءًا.[1]

فقد تأثر يحيى حقي ببيئة متدينة ، مولعة بقراءة القرآن الكريم و كتب الحديث و السيرة النبوية كما كانت أمه تلتزم بالشعائر الدينية كربّات البيوت المصرية ، وأغرم ببيئة أدبية متمسكة بتقاليد الآداب العربية القديمة المتداولة كما كان أبوه يفتن بالمتنبى و يحفظ كثيرًا من شعره و يطرح منها على أولاده فى جلساتهم المسائية فقد نشأ فى أسرة أدبية توطد الصلة بالأدب و تحبّه. و يقول فى استطلاع صحفى له : ” نشأت فى وسط يحب القراءة ، والدتى و أبى —- و أخي الأكبر إبراهيم كون لنفسه مكتبة عربية إنجليزية ، كانت أول معين استقيت منه. و قد شارك إبراهيم فى تحرير مجلة ” السفور” و أخي الثانى اسماعيل كتب مسرحية لم تمثل —- الخ “.[2]

ونشأ فى الأسرة العلمية التي كانت تؤمن باختيار الكلمة و تشغف برشاقة اللفظ عند التعبير ، و تميل إلى الدعابة والفكاهة و استخدام المثل الشعبى ، فقد ذكر د. يوسف نوفل سمات الأسرة ، تجمع فى : ” الحرص على اختيار الألفاظ ، والحياء ، والانطوائية التى ترجع إلى أنهم مؤظفون من أصل تركي لا يملكون شيئًا بعد أن ضاع ما يملكه الجدّ”.[3]

فقد أثرت البيئة المثقفة والأسرة المحافظة المتجهة إلى الأدب الرزين غير الخارج و لا المكشوف أثرًا واسعًا في تكوينه الفنى و قيمه التى يشر بها فى كتاباته بعد أن شابَ و لمع مظهر الأدب و القصة على أفق الآداب والقصص ووضع نفسه بحق رواد القصة المصرية المعاصرة.

وظهر يحيى حقي كشخصية متحركة فى مباراة العلم والأدب كما نضج فى مجاراة الفن والعمل ، فلم تذهب محاولته بلاجدوى بل أتت بأثمار نافعة ناضجة و يسّرت حياته حيث سرى فى طريق الوظائف والمهن و قضى أعوامًا عديدة فى الأرياف والمدن ، فتعرف منها على نواحي مصر من مدنها و ريفها و فلاحيها و طبيعتها  ونيلها  ،وشعر باستقلاله عن الأسرة و أتيحت له الفرصة أن يتصل مباشرًا بالطبيعة المصرية و الحيوان والنبات و الطبيعة الريفية ، وهكذا أثرى شخصيته الأدبية بحيث استمد مواد أعماله القصصية من المديريات والأرياف المصرية كما نرى في ” خليها على الله “ومجموعة ” دماء و طين ” و مجموعة ” أم العواجز ” وغيرها  ،و هذه القصص هى عبارة واضحة عن حياة مصرية ريفية أو مدنية على أحسن الوجه.

وأثناء هذه السنوات قضى حياته تفكيرًا وتأليفًا و خلط بالأدباء والكتاب و نهل من مناهل الفنون والآداب حتى قدر على أن يتحلى شخصيته بالعلوم والمعارف و يتعارف نفسه على العالم أديبًا بارعًا و قاصًا رائعًا و ناقدًا مبدعًا على أوسع النطاق.

أعماله الإبداعية القصصية:

وبصرف النظر عن حياته العملية و الثقافية نسوق إلى محاولاته الأدبية فنجد أن إنتاجاته قد تنوّعت فى أربع مجموعات، وروايتين و يوميات ( خليها على الله ) فى جزئين ، والدراسات النقدية والتاريخية ، والترجمة و الأحاديث الأدبية  ،ومقدمات الأعمال الأدبية ، و دارت معه أحاديث أدبية عديدة ، وكتبت عنه دراسات نقدية كثيرة فيشاق لنا أن نقرّره كاتب الرواية أو كاتب القصة أو كاتب المقال الأدبى أو كاتب الدراسات النقدية. و يؤيّده الدكتور فاروق عبد المعطى بقوله :” فى الواقع أن راحلنا الكبير الأديب يحيى حقى قد ضرب معوله فى أكثر من لون أدبى ، فمن الرواية إلى القصة إلى المقال الأدبى الذى يحمل انطباعًا أدبيًا جماليًا فنيًا ، وهو ما لم يبرع فيه أحد من الأجيال التالية ليحيى حقى ، لذا من الصعب علينا أن نضع يحيى حقى كاتب رواية ” قنديل أم هاشم ” التى كتب عنها أكثر مما كتب عن أى عمل آخر و ” البوسطجى ” التى ظهرت كفيلم سينمائى شاهده ملايين الناس مقارنة بروائى آخر مثل نجيب محفوظ الذى أعطى للرواية همّه الأساسى ، لكن يبقى من رحلة يحيى حقى الفنية بجانب ما ذكرت من أعمال مجموعات المقالات التى جمعت فى كتب ، كان من آخرها ، ” كناسة الدكان ” و هو الكاتب الذى قام بجمعه و تصنيف مادته فؤاد دوارة أحد محبّى يحيى حقى و مريديه”.[4]

فقد ساهم يحيى حقى فى مجالات النقد و المقال الأدبى و هو جدير بأن يدرس و يتأمل لم يخرج من إطار النقد الجمالى الذوقى و التأثيرى ، و يقول فى منهجه النقدى فى مقدمة كتابه ” خطوات فى النقد ” : ” لا أنكر أننى لم أخرج عن دائرة النقد التأثرى. فليس فى كلامى ذكر للمذهب ، ولعل السبب أننى لم التحق بكلية الآداب فى إحدى الجامعات لأدرس النقد دراسة منهجية تاريخية “. [5] غير أنه لا يقف عند حدود التذوق التأثرى بل يهتم بالدلالات الاجتماعية. ويقول بنفسه فى صدد مجاراته فى الفقرة :” و إلى جوار القصة ، والمقال الأدبى ، لا الصحفى ، أسهمت بقدر لا بأس به فى النقد والدراسات الأدبية ، فكتبت تاريخ ” فجر القصة المصرية ” بأسلوب درامى يجمع بين الحقائق العلمية والتشويق القصصى —– ، و يدل كتابى ” خطوات فى النقد ” على اتصال منذ وقت مبكر بالحركة الأدبية فى مصر رغم بعدى المادى عنها ، ففيه مقالات عن ديوان رامى و ” مصرع كليوباترا لشوقى ” و ” أهل الكهف لتوفيق الحكيم “.[6]

ولم تقف محاولته الأدبية عند هذا الحدّ النقدى بل تقدم إلى كتابة المقال واشتهر ككاتب المقال الأدبى و جمع مقالاته فى هذه الكتب الأربعة و هى : فكرة فابتسامة ، دمعة فابتسامة ، ناس فى الظل ، حقيبة فى يد مسافر.[7]

أما أكبر همّه إلى الممارسة الإبداعية فهى القصص القصيرة التى عالجها فى سنّ مبكرة فى حوالى السادسة عشرة ، و يقول :” لقد عالجت معظم فنون القول من قصة قصيرة و رواية و نقد و دراسة أدبية و سيرة أدبية و مقال أدبى  ، و ترجمت عددًا من القصص و المسرحيات ولكن تظل القصة القصيرة هى هواي الأول ، لأن الحديث فيها عندى يقوم على تجارب ذاتية ، أو مشاهدة مباشرة ، وعنصر الخيال فيها قليل جدَا، دوره يكاد يكون قاصرًا على ربط الأحداث و لا يتسرب إلى اللب أبدًا—- “.[8]

ومن أجل هذه الرؤية البالغة بدأ يكتب فى سن مبكرة و بدأ كتابة القصة منذ سنة 1922م ، ولكنه لم يجمع تلك الكتابات الأولى  ،ثم بدأ كتابة القصة القصيرة بعد تخرجه من مدرسة الحقوق و نشرت له مجلة ” الفجر” باكورة انتاجه ، منها قصة تأثر فيها بالكاتب الإنجليزى إدجار الآن بو ، و أخرى إيطاليا عن الحيوان باسم ” فلة مشمش لولو “. و نشرت له جريدة ” السياسة ” قصة باسم ” قهوة ديمترى”، سجل فيها الواقع الذى كان يشاهده فى ذلك الحيّ. و يقول فى هذا الباب :” بدأت أكتب فى سن مبكرة فى حوالى السادسة عشرة —- و معظم تلك المرحلة تجارب ساذجة لم أعن بجمعها أو الاحتفاظ بها — ثم بدأت أكتب القصة القصيرة و أنا طالب بمدرسة الحقوق و بعد تخرجى ، و كنت متأثرًا فى كتابتها بالأدب الروسى أكثر من تأثرى بالأدبين الإنجليزى والفرنسى — فقد وجدت فى الأدب الروسى أن كل شخص تقريبًا مشغول بقضية كبرى ، هى قضية خلاص الروح —“. و يضيف إلى ذلك بقوله :” نشرت أوائل قصصى فى صحيفة ” الفجر” التى كانت تصدرها المدرسة الحديثة برئاسة أحمد خيرى سعيد ، ومن بينها قصة كتبتها وأنا واقع تحت تأثير الكاتب الأمريكى إدجار الآن بو، و أخرى إيطاليا من القطط والكلاب اسمها ” فلة مشمش لولو”.

وكانت ” قهوة ديمترى ” هى أول قصة نشرتها فى جريدة ” السياسة ” ، وقد خرجت منها بدرس فنى انتفعت به طول حياتى —فقد وصفت فيها قهوة حقيقية موجودة فى مدينة ” المحمودية ” و سجلت فيها الواقع كما هو ، و صوّرت العمدة بطربوشه المائل كما رأيته تمامًا —- مجرد تصوير برئ لم أقصد من ورائه شيئًا — فإذا بالعمدة يغضب علىّ غضبًا شديدًا و يظنّنى أهزأ به”.[9]

و هذه هى باكوراته القصصية ، ثم توالت قصصه و نشرت له مجلة ” الفجر ” إحدى عشرة قصة و نشرت قصصه فى السياسة اليومية والأسبوعية والمجلة الجديدة ، كما توالت ابحاث و دراسات أخرى فى مجالات النقد والفكاهة فى جريدة ” البلاغ” و صحف أخرى.

ثم جمعت قصصه و نشرت له مجموعة قصصية و صدرت له أول مجموعة قصصية باسم ” دماء وطين ” سنة 1929م ، ثم جاءت بعدها مجموعات عديدة مثل مجموعة ” أم العواجز” و ” الفراش الشاغر” و ” عنتر و جوليت ” و ” فلة مشمش لولو ” و ” خليها على الله ” و ” امرأة مسكينة ” وغيرها كما صدرت له رواية ” قنديل أم هاشم ” سنة 1941م و ” صح النوم”.

ونالت روايته كثيرًا من الاهتمام عند النقاد و يقول يحيى حقى أنها فازت بقبول من الناس بأنها خرجت من قلبه مباشرة فيقول :” إنها قصة غريبة جدًا كتبتها فى حجرة صغيرة كنت أستاجرها فى حىّ عابدين حيث عشت لوثة عاطفية مثيرة عبرت عنها فى أناشيد ” بينى و بينك ” التى ألحقتها بالكتاب —- “.[10]

ثم تابع برواية ” صح النوم ” ، أصدرها حصادًا لتجربته و عيشته فى الصعيد ، كما أصدر ” قنديل أم هاشم ” حصادًا لإعجابه بالحضارة الأوربية بما كتب بعد عوده من أوربا إلى مصر و عبّر فيها عن خبراته فى بلاد أوربا على المستوى القصصى ، واستخدم فيهما التيار الرمزى ، ومن ثم يعدّ يحيى حقى أبرز من اقتحموا عالم الرمز بقنديل أم هاشم (1944) و صح النوم (1956).[11]

وهذه إبداعاته القصصية لها تأثير كبير فى قلوب الناس و نفوسهم ولكنه انصرف عن كتابة القصة منذ عام 1962م ، ولعل يحيى حقى هو الكاتب الوحيد الذى اعتزل الكتابة و كانت صحته جيدة و توقف عنها بالرغم من حيوية تفكيره و يقظة ذاكرته. وإذا سئل عن سبب توقفه فأجاب بقوله : ” أنا ضيق الصدر بكل القصص التى تعالج مساوئ العهد القديم ، أريد قصة تصور فلاحًا تسلم خمسة فدادين من الاصلاح الزراعى ، وتأثير ذلك عليه ، وكيف حمل المسئولية. و كيف تغيّرت حياته؟

” و أقول لعل الأمل أن ينشأ ، مع محاولات محو الأمية وانتشار وسائل نشر الثقافة ، من بين هذه الجموع ذاتها من يعبّر عنها و عن حياتها”.[12]

ولو قد اعتزل الكتابة فى منتصف السبعينات ، غير أنه نال جائزة الدولة التقديرية فى الآداب سنة 1969م و ساهم كأديب قاص فى نهضة السينما المصرية ، ولذلك لم تكن مفاجئة أن يكرمه مهرجان القاهرة السينمائى الدولى السادس عشر و هو على فراش الموت — فالسينما قدمت لحقى ” قنديل أم هاشم ” و “البوسطجى ” و ” إفلاس خاطبة” ويرجع إليه الفضل فى اهتمام الدولة بالسينما التسجيلية و مولد جمعية الفيلم.[13]

فقد لعب دورًا ملموسًا فى تطوير القصة القصيرة وأفاد الأمم المصرية بذاته و بمؤلفاته طوال عمره حتى جاء الأجل فتوفى فى يوم الأربعاء الرابع عشر من جمادى الثانى عام 1413ه الموافق للتاسع من ديسمبر عام 1992م ، وهو فى السابع والثمانين من عمره ، وهكذا ترك أبناء الشعب المصرى باكئيين حنينين.

أسلوبه و أفكاره:

لكل امرئ لغة و بيان يدل على براعته و يميّزه عن الآخر ، و يمتلك كل كاتب أو أديب أذواق فنية متنوعة أو ألوان أدبية مختلفة تُعرف بالأسلوب و يقال ” الأسلوب هو الرجل “، كذلك ليحيى حقى أسلوب أنيق و ملامح واضحة ، التى تختلف عن خصائص تيمور و طاهر لاشين و هما أبرز كتاب القصة فى المدرسة الحديثة.

و من أبرز خصائصه اختيار الكلمة والعبارة بما يلائم المقام والتوكيد على تصويغ الفن باللغة الفصحى حتى أكد أن الأدب الحقيقى الذى يجدر بالبقاء هو الذى يكتب بالفصحى ، و يقول :” إن الأدب الجدير بالبقاء هو الذى يصاغ بالفصحى —-“[14] و من ثم استحق بأن يلقب بعاشق اللغة ، فهو شيخهم يحيى حقى —“.[15] ويتفق لويس عوض مع هذا الرأى و يعدّ اهتمامه باللغة الفصحى من أهم ملامحه و يقول :” و ليحيى حقى حساسية لغوية خاصة تجعله يسمع لغة الكلام فيميّز فيها الفصيح الأصيل ، لا تميّز العالم اللغوى الذى يرد الكلام العامى إلى أصوله العربية ، بل تمييز الفنان الذى يحس ببلاغة بعض التعبير الدارج ، ويهتز لجرسه الذى هو من جرس التعبير الفصيح”.[16]

وبالإضافة إلى هذه الخصائص، هو يتميّز بأن يرغب فى التصوير و التجسيد ويحرص على التحليل النفسى ، ويلجأ إلى الدعابة والسخرية فى خفة ظل واضحة و يحسن استخدام الرمز والمثل الشعبى والجمل الاعتراضية كما هى ميزات أسرته كما  أنه يميل إلى البساطة فى التعبيرو يستعين بظاهرة التشبيه و بعض ألفاظ اللهجة الدارجة ، وجعله يحاول التقريب بين الفصحى والعامية حرصًا منه على الفصحى.

ويمكن أن نشم أريج أسلوبه فى الفقرة التالية : ” و مرّت أيام تنساب كالرمل فى يد الريح حتى ينتقل الكثيب كله من مكان إلى مكان ، لا أحد يدرى متى و كيف ، فإذا بمصطفى يخبرنى ذات يوم أنه ذاهب للإقامة مع أسرته؛ لأن حياة الأعزب الوحيد فوضى ، وأن أكثر ملابسه قد ضاع بين الغسالة والكواء”.[17]

أو كما نراه يستعمل العامية فى العبارة التالية :” يا شيخ درويش! ما تفهم! – عقلك طخين ليه؟ — مانتش عارف شغل الحكومة؟”.[18]

وأما من حيث الفكرة فهو يهتم بالتعبير عن النفس و تناول المشاعر والخلجات التى التقطها من التجارب البسيطة فى الحياة لأنه يرى أن شخصية الكاتب لا تنفصل عن أعماله ، و يقول :” فى كل شخصية جزء منى ، ولكنى لم أصور نفسى كاملًا فى شخصية واحدة”.[19]

أو كما يؤيده يحيى حقى بقوله فى مجموعة ” أم العواجز ” و يقول :” هذه المجموعة قصص ترجع لعهود مختلفة من حياتى ، يتضمن بعضها ذكريات الصبا والشباب ، ظلت تسألنى ، و أنا أتشاغل عنها ، أن أجمعها فى كتاب ، لنعيش معًا من جديد كأفراد الأسرة يجتمعون بعد تفرق تحت سقف واحد ، لا فرق عندى بين صغيرها و كبيرها ، جميلها و دميمها ، فلست أنا ، بل الناس — كدأبهم — هم الذين يحكمون”.[20]

فقد استمد مادة القصة من تجاربه الذاتية كما صوّر مطالع حياته الأدبية بأنه نشأ فى أسرة علمية و أدبية و تعمّق البيئة الريفية والشعبية الأصيلة حيث اتيح له أن يعمل وكيل النيابة فى الريف و فى الصعيد ثم اتيح له أن يطوف بين ليبيا و استانبول وروما و تركيا حيث عيّن وزيرًا مفوَضًا و رجلًا للسلك الدبلوماسى فزار المشرق والمغرب والتقى بعشرات الحضارات والتيارات والمفاهيم والتعابير وهو يتقن الإيطالية والتركية والفرنسية والإنجليزية ، وهكذا منحته رحلاته هدية الخبرات الذاتية والتجارب النفسية التى تركت أثرها بعيدة ا لمدى فى أعماله القصصية كما نستشف من اهتمامه بالتحليل النفسى و وصف الحيوان و تصوير الجنس و شأن الإرادة و تمثيل المجتمع والإشارة إلى مفارقة الحياة فى العبارات التالية: ” خرجت من المجالس الخاصة إلى المنتديات العامة ، أصبحت لبعض نجوم مجتمعنا بضاعتهم الأولى فى سوق خفة الدم والدعابة ، أحسبهم يستثيرون فى السؤال فى كل حفل عمدًا ، حتى أصبح لهم ” لازمة ” لا تزال تضحك الناس ، وهى متكررة ، وليس هذا شأن النكت ، بل كأن الجمهور لا يعتبرالحفل قد تم و بهجتهم به قد كملت إلا إذا دار هذا الجدل العجيب ، قد يكون المطرب المشهور معذورًا ” حبة ” لأنه يرى ابتسام مجده متوفقًا على احتفاظه بكامل أسنانه ، ولكن بعض رجالاتنا زودوها ” حبتين ” فى إشاعتهم لهذا النوع من الهزل ، وقد تكون أصول الخطابة و ضرورة التنقل فيها بين الجد و الدعابة هى التى تدفعهم إلى هذا المنزلق ، ولكن ماذا أقول فى رجال كثيرين من أهل العلم والفضل ، معروفين بالاتزان والتعقل ، يشغلون المناصب الرفيعة فى الدولة؟ إنهم جعلوا هذا النوع من الهزل ديدنهم فى مجتمعاتهم الخاصة حتى فى حضرة النساء ، و بالأخص فى حضرة النساء —[21]

ولم يلق انتاجه فى البداية من الاقبال بما لم يكتمل الأدوات الفنية ثم تطوّر تدريجيًا و نال الشهرة والإعجاب من القراء والأدباء و تطوّر مذهبه الأدبى نحو الواقعية النقدية . و نقل الكاتب أنور الجندى فى كتابه قول يحيى حقى فى إطار أسلوبه وأفكاره و مرحلته الأدبية ، الذى يكشف لنا مميزاته الخاصة و يكتب :” بدأت كأى كاتب ناشئى أصف الأشياء ثم اسجل المفارقات ، ثم بدأت مرحلة أخرى هى الاهتمام بعالم النفس ، وكيف افهم معنى الطمع و معنى الانحرافات و كيف تعمل أرواحنا والمؤثرات فيها ثم استقر عندى الاتجاه فى حدود القصة القصيرة.

ويخيّل إلىّ أن الاهتمام بعالم النفس هو أخصب مادة للقصة ، وبمعنى أدق الانتباه لمفارقات الحياة والاهتمام بالحياة من مقوماته.

اتجهت إلى كتابة القصة نتيجة لميل التأمل ، والتأمل من مقومات الوصف ، أننى أميل إلى التحديد والحتمية فى اختيار الألفاظ ، وهذا يجعل أسلوبى صالحًا للقصة الطويلة.

أننى أنتقى الكلمات و الألفاظ ، كما اختار الزوجة والصديق واسم ابنتى ، حتى تحس أن اللفظ عندى ثمرة إحساس و تفكير طويل”.[22]

و يتضح لنا فى ضوء هذه الدراسة أن القصص ليحيى حقى ذو تعبير عميق شامل عن مفارقات الحياة الذاتية وعن المجتمع المصرى و متغلغل فى الأحياء الشعبية فى القاهرة أو أحياء القرى فى الريف على حد سواء ، فى أسلوب ممتع و متسم بطابع الخير والجمال و متصف بعواطف الحب والآمال و مشبع بالتفاؤل والإشراق لا تشوبه القساوة ولا الشقاوة.

المصادر والمراجع:

 اشجان عضو منتسب ، سيرة ذاتبة بقلم يحيي حقى ، المجلس الأعلى للثقافة ، 2005 ، ص 18[1]

دراسات فى القصة العربية الحديثة ، محمد زغلول سلام ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، ص 242[2]

الفن القصصى بين جيلى طه حسين و نجيب محفوظ ، د. يوسف نوفل ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1988م ، ص 75[3]

يحيى حقى الأديب صاحب القنديل ، د. فاروق عبد المعطى ، دارا الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، 1994 ، ص 86[4]

المرجع السابق ، د. فاروق عبد المعطى  ، ص 113[5]

المرجع السابق ، سيرة ذاتبة بقلم يحيي حقى ، ص 39[6]

أنظر إلى :  المرجع السابق ، د. فاروق عبد المعطى  ، ص 101[7]

المرجع السابق ، سيرة ذاتبة بقلم يحيي حقى، ص 36[8]

المرجع السابق ، سيرة ذاتبة بقلم يحيي حقى، ص 26-27[9]

المرجع السابق ، سيرة ذاتبة بقلم يحيي حقى، ص 31[10]

راجع إلى : المرجع السابق ، د. يوسف نوفل ، ص 161[11]

المرجع السابق، د. فاروق عبد المعطى ، ص 94[12]

انظر إلى:المرجع السابق ، د. فاروق عبد المعطى ، ص 55[13]

نفس المرجع ، ص 210[14]

نفس المرجع، ص 209[15]

دراسات فى أدبنا الحديث ( المسرح ، الشعر ، القصة) ، لويس عوض ، دارالمعرفة ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1961، ص 223[16]

قصة ” سارق الكحل “، مجموعة ” امرأة مسكينة “، يحيى حقى ، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ، 2008 ، ص 50[17]

قصة ” حصير الجامع ” مجموعة ” أم العواجز ” يحيى حقى ، المجلس الأعلى للثقافة ، 2005 ، ص 191[18]

الفصة العربية المعاصرة ، أنور الجندى ، مطبعة الرسالة ، القاهرة ، ص 84[19]

مجموعة ” أم العواجز ” يحيى حقى ، ص 7[20]

قصة ” تقليعة جديدة ” مجموعة ” عنتر وجولييت ” يحيى حقى ، المجلس الأعلى للثقافة ، ص 398-399[21]

المرجع السابق ، أنور الجندى ، ص 82-83[22]

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of