بدأت أفتح حقيبتي لإخراج الملابس فاحتكت أناملي بحزمة هدية و عندما أخرجتها أدركت بأنها علبة أقلام الرصاص قد تم تغليفها بدقة وأناقة. فتذكرت على الفور قول زوجتي “عبدالله ابتاع لك هدية و وضعها في حقيبتك” عندما كنت أغادر القرية في اليوم التالي للعيد بعد أن احتفلت به مع أسرتي، وبدا عبدلله في ذلك الحين على استحياء و أبى أن يبوح لي و لأمه عما وضع في حقيبتي. عند ذلك الوقت لم أحمل هذا على محمل الجد، ولكن الآن تذكرت وجه عبد الله ووجدت في نفسي حب الاستطلاع عما في هذه العلبة، فكنت فرحا وجال في خاطري هل بلغ عبد الله عمرا يهدي فيه إلى أبيه، هل يعرف ما يهدى إلى أب مثلي، هل يدرك معنى الهدية، هل يحبني هذا الولد المزعج إلى هذا الحد، هل شعر بأنه سيفتقدني بعد مغادرتي القرية. فتحت العلبة بشوق و حنين ولم يسعني الأرض فرحا عندما وجدت فيها قلما جميلا، فأتلقى أول هدية من ابني، وهذه أفضل هدية لدي و لأب مثلي، ولم أتمالك على نفسي إلا أن اعترف بإدراكه الدقيق لهواياتي، فقد كان لاحظني أثناء الليل مشغولا بالكتابة بعد العودة من مكتبي في بعض الأحيان إلى غسق الليل، ويقظا خلال العطلة الأسبوعية. وبعد رؤية هذا القلم أسرعت إلى ذهني أبيات للأستاذ محمد ناظم الندوي، وكنت قد قرأتها خلال دراستي في المكتب قبل حوالى عشرين عاما:
أهــــدى إلـي سيــــدي قـــلما رشيقـــا مــــن دكن
أغلى من اللؤلؤ وارشقا من القد الحسن
هو خير ما يهدى الى من يبتغي الذكر الحسن
يا حبذا تلك العلى من ماجد حبر الزمن
كم معدم نال به مالا عظيما في المحن
كم صاغر عز به و نال مجدا بالوطن
هذه الأبيات للشاعر الهندي تشير إلى أهمية القلم في الحياة الإنسانية و قيمته بين أبناء آدم ، وما الذي يمكن أن يكون أكثر بهجة و سرورا لي من إدراك ابني لحقيقة القلم، و السر المختفي فيه للنجاح، ، وقيمته الغالية التي لا تقدر بثمن، والعز الذي يكمنه لحامله، والمجد الذي يقدر لمستخدمه، والذكر الحسن لمستخدميه.
فهذا الابن الذي لم يتجاوز إلا العام السابع من عمره، كان ينتظرمع اخيه الصغير لبهجة العيد بفارغ الصبر آملا في الحصول على العيادي من الكبار في بيتنا، ورؤية سوق العيد. كان يبدو يوم العيد كأنه أغنى من كل رجل ويحتفظ بربياته في جيبه بكل احتياط ولم يدع أحدا أن يمد يده إلى جيبه وحتى أنا، قد أراد أن يبذل بعض المال في اشتراع قلم لي، وكانت رشاقة القلم و أناقته تدلان على أنه اشترى أحسن وأفضل قلم متوفر في القرية. فهذا أجمل هدية استطاع أن يهدي إلي.
.الله يسلمك ويخليك ويحفظك يا بني و دم أنت و أخوك و أختك وما يحرمني الله منكم أبدا.
ماشاء الله..ما اجمل الهديۃ من ابن ذكي لاب كاتب وصاحب قلم سيال. مبروك اخي وصديقي محسن
شكرا جزيلا يا أخي
أغلى هدية وأفضل مشاعر وأروع خواطر من إبن لأبيه ……… بارك الله فيكم …..