+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

الحياة الاجتماعية للمرأة المسلمة
*محمد عمر

images

التمهيد:

فقد صدق من قال الإنسان ابن المعاشرة فإن ساحة الحياة الاجتماعية يحقق فيها ابن الآدم من الذكر والأنثى الكمال حيث يتم فيها عرض جزء كبير من استعداداته وقدراته ومواهبه وأعماله في الممارسة، والمرأة المسلمة هي  فعالة في تحقيق النجاح في الحياة العائلية والأسرية، وإضافة إلى ذلك أن الحياة الاجتماعية في وقتنا الحاضر أصبحت متنوعة أكثر بكثير مما كان عليه في الماضي، يمكن النظر إلى أمثلة عديدة لذلك من التوظيف، والفن، والرياضة، والإجراءات القانونية، والتحكيم، والتعليم، والتدريب وإدارة هائلة في المجتمع. وبعبارة أخرى يمكن القول أن الحياة الاجتماعية تغطي ثلاث مجالات مهمة فمنها: الأنشطة الاجتماعية،والأنشطة الاقتصادية، والأنشطة السياسية مثل التعليم، والتوظيف، وممارسة الرياضة البدنية وغيرها الكثير.

إذا شاركت المرأة في هذه المجالات الرئيسية الثلاثة تمت مشاركتها في الحياة الاجتماعية، ولكن هناك ينشأ سؤال هام أن هذه المجالات الثلاث مع كل أبعادها تقتصر على الرجال فقط، مع عدم وجود دور المرأة يقوم بها، أو أن عند مشاركة المرأة في هذه المجالات الثلاث توضع حدود وقيود أمامها، أم مع قبول مشاركتها وتعاونها في الحياة الاجتماعية يجب علينا تجاهل أي فرق بين الرجل والمرأة.

إذا سرحنا أنظارنا إلى التاريخ الإسلامي في العهد النبوي الشريف نجد المرأة قامت بمسؤليتها الطوعية في الحياة الاجتماعية في كل فروعها الثلاثة، نجدها وهي تمثل دورها في سبيل الهجرة، وبذل المال، والصبر والاحتساب، وفي الحكمة والمشورة، وفي الأخذ بيد الأهل والمقربين، وسد حاجة الأمة في حالة السلم والحرب وتولي المهام الصعبة. والحياة السياسية، وحفظ القرآن والسنة النبوية، والتوظيف والتجارة والحرف، ومداواة المرضى في الجهاد، وكل ذلك كان يتم في الحدود الشرعية، ومع خشية الله ومراعاة حقوقه في السر والعلن، وكتب التاريخ والسير مليئة بأمثلة رائعة من كل هذه الأعمال الجليلة. وفي السطور الآتية سنقدم نماذج لبعض هذه الأعمال الاجتماعية للمرأة المسلمة بالإيجاز والاختصار.

المبحث الأول

مشاركة المرأة في العمل خارج المنزل

نموذج من كتاب الله لعمل المرأة خارج المنزل:

خير نموج قد سجله القرآن الكريم لعمل المرأة خارج المنزل مع مراعاة حقوق الله، وهو قصة بنتي الصالح عليه السلام، كانتا تأخذان رعاية الماشية وتسقيانها لأن أبويهما كان شيخا طاعنا في السن لم يستطع القيام بعمله: “ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان، قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء، وأبونا شيخ كبير”[1] والآية تفيد اجتناب الاختلاط الزاحم  بالرجال، كما فضلت الفتاتان الانتظار والصبر ومدافعة الماشية نحو الماء متجنبتين مزاحمة الاختلاط بالرجال، وتستفاد منها الاختلاط السليم البريئ من الريبة وسوء الظن ومرتدية رداء الحياء في موقع العمل.

وما يكون خير شاهد لممارسة المرأة عمل التجارة من حياة السيدة خديجة بنت خويلد، قد خرج الرسول – صلوات الله وسلامه عليه – لتجارة لها في الجاهلية، وهي قد أنفقت كل غال ورخيص في إحياء دين الله وابتغاء مرضاته، وما يكون أكبر دليل لمشروعية عمل المرأة خارج المنزل المستمدة من حياة ابنة أحد العشرة المبشرة بالجنة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما!

“عن أسماء بنت أبي بكر قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيئ غير ناضح، وفرسه، فكنت أعلف فرسه واستقي الماء وأعجن، لم أكن أحسن الخبز وكان يخبز جارات من الأنصار وكن نسوة صدق وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله وهي مني على ثلثي فرسخ”[2]

مشاركة المرأة في العمل الزراعي:

 الجواز الثاني لعمل المرأة خارج المنزل والإنفاق من كسب يدها وكد جبينها في سبيل الله حديث جابر رضي الله عنه”عن جابر بن عبد الله: طلقت خالتي فأرادت أن تجذ نخلها، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي – صلوات الله وسلامه عليه – فقال: بلى فجذي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو  تفعلي معروفا”

وهناك دليل آخر لعمل المرأة خارج البيت في ميدان الزراعة أن أم مبشر الأنصارية امرأة زيد بن الحارثة رضي الله عنهما كانت تعمل في نخل لها، وقد نالت إعجابا وقبولا من الرسول – صلوات الله وسلامه عليه – جاء في الصحيحين “عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم  دخل على أم معبد أو أم مبشر الأنصارية في نخل لها، فقال النبي: – صلى الله عليه وسلم – من غرس هذا النخل أ مسلم أم كافر فقالت: مسلم فقال: لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة”[3]

مشاركة المرأة في الصناعة المنزلية داخل المنزل:

 فكلا الحديث يكفي لتوضيح موقف الشريعة الإسلامية لعمل المرأة خارج المنزل، غير ذلك نقدم حديثا آخر يحث المرأة على الإنفاق من كسب يدها، هذه زوجة لصحابي جليل، وعالم كبير، عبد الله بن مسعود، رايطة، كانت تأكل من عمل يدها. “قال: كانت تنفق عليه وعلى ولده من صنعتها، قالت: فقلت لعبد الله بن مسعود، لقد شغلتني أنت وولدك عن الصدقة، فما أستطيع أن أتصدق معكم بشيئ، فقال لها عبد الله: والله ما أحب إن لم يكن في ذلك أجر أن تفعلي، فأتت رسول الله- صلى الله عليه وسلم – فقالت: يا رسول الله أني امرأة ذات صنعة أبيع منها ليس لي ولا لزوجي نفقة غيرها، لقد شغلوني عن الصدقة فما أستطيع أن أتصدق بشيئ فهل لي من أجر فيما أنفقت؟ قالت: فقال رسول الله: – صلى الله عليه وسلم – ” أنفقي عليهم فإن لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم”[4]

فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن النبي – صلوات الله وسلامه عليه – أقرها على عملها لمساعدة زوجها الفقير، وغيرهن من النساء وقد وردت ذكرهن في الأحاديث الشريفة في مجال العمل والإنفاق من أيديهن من أمثال بنات عبد المطلب: صفية وعاتكة، وأم حكيم وأميمة.

مشاركة المرأة في التجارة المحلية:

 ولا يخفى على قراء سير الصحابة رضيى الله عنهم قصة بائعة اللبن وابنتها مع الخليفة عمر بن الخطاب عندما رفعت إليه الشكوى من قبل المسلمين أن البعض من بائعي اللبن يغشون ويخلطون اللبن بالماء، ووجه المنادي إلى السوق ينادي: يا بائعي اللبن لا تخلطوا اللبن بالماء ومن يفعل ذلك سوف يعاقب من قبل أمير المؤمنين عقابا شديدا، واعتاد عمر بن الخطاب الخروج في الليالي لتفقد أحوال المسلمين، وشاء الله أن يستريح أمير المؤمنين عمر من التجوال بجانب جدار، ما لبث أن سمع حوارا يدور بين ابنة وأمها. وهي تأمر البنت بخلط الماء في اللبن، ورفضت البنت السعيدة خطة أمها لخلط الماء وقالت: وإن كان أمير المؤمنين لا يرى غشها وخدعتها ولكن الله علام الغيوب يعلم السر والعلن ويعلم ما يدور في الأذهان والقلوب، يرى كل شيء. أعجب خطاب هذه الفتاة المؤمنة المتصفة بتقوى الله، وتقدم عمر الفاروق -رضي الله عنه- بمقترح الزواج مع إبنه عاصم، وشاء القدر أن ولد عمر  بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس، وكان ما كان له من شأن في التاريخ الإسلامي.

هذه القصة خير دليل على أن المرأة كانت تشتغل الحرف المحلية حتى يغلب مسماها الحرفي على اسمها الأصيل، ومنها: كانت بالمدينة امرأة اسمها حولاء بنت ثويب اشتهرت بالعطارة ولها حديث مع رسول الله – صلوات الله وسلامه عليه -، ولقيت عائشة رضي الله عنها لغرض خاص بها، صادف أن وصل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلعله شم ما معها من العطور فقال: ” إني لأجد ريح الحولاء… فهل أتتكم، وهل ابتعتم منها شيئا؟”[5] تفيد هذه القصة لعل العطارات كن يذهبن من باب إلى باب لبيع بضاعتهن، وكانت أسماء بنت مخربة تشتغل بتجارة العطور بالمدينة وهي أم عباس وعبد الله بن أبي ربيعة،[6] قد كتب الدكتور نزار أباظة في كتابه “في مدينة الرسول” : أن امرأة تدعى قيلة الأنمارية كانت تتجر بالطيب في سوق المدينة، جاءت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالت له: يا رسول الله، إني امرأة اشتري وأبيع، فربما أردت أن أبيع السلعة، فأستام بها أكثر مما أريد أن أبيعها، ثم أنقص حتى أبيعها بالذي أريد، فقال لها النبي – صلى الله عليه وسلم – يرشدها: لا تفعلي يا قيلة إذا أردت أن تشتري فاستامي الذي تريدين أن تأخذي به أعطيت أو منعت”[7]

لم يمنعها الرسول – صلوات الله وسلامه عليه – بل أقرها على حياتها الاقتصادية وأخذ بيدها إلى ما هو الصواب.

 كانت زينب بنت جحش أم المؤمنين – رضي الله عنها – صناعة اليد كانت تجيد في الدباغة وخياطة الجلد، تتصدق في سبيل الله مما كانت تكتسب، قد ورد في الصحيح للبخاري في باب الزكاة حديث في فضلها: “عن عائشة رضي الله عنها أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن للنبي صلى الله عليه وسلم أينا أسرع بك لحوقا قال أطولكن يدا فأخذوا قصبة يذرعونها فكانت سودة أطولهن يدا فعلمنا بعد أنما كانت طول يدها الصدقة وكانت أسرعنا لحوقا به وكانت تحب الصدقة”[8] وفي الحديث اختصار وتلفيف، “طول يدها” -أي طول يد زينب – سودة لم تكن من ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، كانت زينب قصيرة القامة.

المرأة ناظرة على السوق:

ومن اللافت للنظر أن سمراء بنت نيهك الأسدية، يقال عنها، أنها قد أدركت النبي – صلوات الله وسلامه عليه – كانت تمر في الأسواق، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، تضرب الناس على ذلك بسوط كان معها من كان يغش في البيع والكيل، وقد ولاها عمر بن الخطاب محتسبة على السوق وناظرة على سوق مكة[9]

وقصة الشفاء العدوية مشهورة في كتب السير كانت كاتبة ومعلمة الكتابة و ناظرة على سوق المدينة ومحتسبة عليها تشرف على شؤونها.

المبحث الثاني

مشاركة المرأة في السياسة

 هجرة المرأة المسلمة:

 مما لا شك فيه أن مشاركة المرأة في الهجرة  في عصر النبوة  خير شاهد لمشاركتها في السياسة، وأنها في السنة الخامسة من بعثة الرسول – صلوات الله وسلامه عليه – لبت نداء الهجرة إلى الحبشة والمدينة، وأن وفد الهجرة إلى الحبشة  الذي كان مشتملا على خمسة عشر نفرا فيه نساء هاجرن راكبات على الراحلة وماشيات على الأقدام، تاركات وراءهن الوطن العزيز ترعرعن في أحضانه، متحملات مشاق السفر، والسفر قطعة من النار، والشبح المخيف للكفر يعاقبهن ويحاول جاهدا لإعادتهن إلى فرن العذيب وصنوف العذاب والتنكيل ولا يدفعهن إلى الهجرة إلا دافع الإيمان.

وكانت أول من هاجرت من النساء المؤمنات رقية بنت الرسول -صلوات الله وسلامه عليه – وهي صاحبة الهجرتين – مع زوجها عثمان بن عفان تاركة الدور والأوطان والأهل والأموال وكل المحاب فرارا بدينها ونصرة لدعوة دينها.

ثم توالت الهجرة الثانية إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة المنورة وشاركت فيها من النساء عدد كبير متحمسات لدين الله. ومنهن أم سلمة بنت أبي أمية، سودة بنت زمعة، ليلى بنت أبي حثمة، سهلة بنت بن عمرو، أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو، وفي الهجرة الثانية أسماء بنت عميس، بركة بنت يسار، حريملة بنت عبد الأسود الخزاعية، حسنة أم شرحبيل، خزيمة بنت جهم العبدرية، رقية بنت الرسول – صلى الله عليه وسلم – أمينة بنت خلف، رملة بنت أبي عوف، ريطة بنت الحارس، سهلة بنت سهيل بن عمرو، سودة بنت زمعة، عميرة بنت اسعد العامرية، فاطمة بنت صفوان بن أمية، فاطمة بنت علمقة العامرية، فاطمة بنت المجلل، فكيهة بنت يسار، ليلى بنت أبي حثمة، هند بنت أبي أمية، أم حرملة بنت عبد الأسود، أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو، بعضهن أنجبن الأولاد في المهجر، وبعضهن لبين داعي ربهن فيه.

ليس همنا هنا ذكر أسماء النساء المهاجرات، بل همنا تقديم الرصيد الكبير أمام القراء لمشاركة المرأة في سياسة الدين مشاركة فعالة، وقد أصحبت هذه العاطفة الصادقة منعدمة في وقتنا الحاضر، هنا نكتفي بذكر معاناة إحدى المهاجرات في طريقها إلى المدينة. يقول محمد الغزالي: ” تقول أم سلمة رضى الله عنها لما أجمع أبو سلمة على الهجرة أعد لي بعيرا وحملني عليه مع ابننا سلمة ثم خرجنا إلى المدينة، فتبعه رجال من أهلي معترضين طريقه قائلين: هذه نفسك غلبتنا عليها أرأيت صاحبتنا هذه ؟ علام نتركك تسير بها في البلاد، ونزعوا خطام البعير من يده، وأخذوني منه! وغضب عند ذلك رهط بني سلمة، وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا! قالت: تجاذبوا الولد بينهم حتى كادوا يخلعون يده، ثم انطلقوا به، وذهب زوجي إلى المدينة وحده، ففرقوا بيني وبين ابني وزوجي… فكنت أخرج كل غداة فأجلس في الأبطح، فأجلس في الأبطح فما أزال أبكي حتى أمسى، ومكثت على ذلك نحو عام، حتى مر بي رجل من بني عمومتي، فرأى ما بي ورق قلبه لي، فقال لأهلي: ألا تتركون هذه المسكينة تلحق بزوجها؟ فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت، فاسترددت ابني وارتحلت بعيري وخرجت أريد المدينة، وما معي أحد من خلق الله. حتى إذا كنت بالتنعيم قريبا من مكة، لقيت عثمان بن طلحة، فسألني: إلى أين؟ قلت أريد زوجي بالمدينة! قال: وما معك أحد؟ قلت: ما معي إلا الله وابني هذا، فأخذ بزمام البعير وهو يقول: والله ما لك من مترك، وانطلق مسرعا بي، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا نزل محطه أناخ بي ثم تأخر عني حتى أنزل، ثم قيد بعيري إلى شجرة ثم ذهب بعيدا إلى شجرة أخرى فاضطجع تحتها، حتى إذا دنا الرواح قام إلى بعيري فأعده، ثم استأخر عني حتى أركب، فاذا استويت عليه أخذ بالزمام يقودنا، وما زلنا كذلك حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف قال: هنا يقيم أبو سلمة، فادخلي على بركة الله، ثم انصرف قافلا إلى مكة بعدما أدى واجبه الشريف الرائع”[10]

مشاركة المرأة في البيعة وصراحة القول:

وقد شاركت المرأة في بيعة العقبة الثانية والمبايعات الأخرى، وممن بايعن الرسول-صلى الله عليه وسلم- في أعقاب فتح مكة: هند بنت عتبة-زوجة أبي سفيان- وقد دارت بينها وبين الرسول- صلى الله عليه وسلم- محاورة منها: أنه – صلى الله عليه وسلم- لما قرأ “ولا يسرقن” قالت: والله إني لأصيب الهنة- أي: الشيئ القليل- من مال أبي سفيان، وما أدري أيحل ذلك أم لا؟ فقال النبي: ما أصبت من شيئ فيما مضى فهو حلال لك، فلما قرأ صلى الله عليه وسلم “لا يزنين” قالت: يا رسول الله أو تزني الحرة ؟!! فلما قرأ “ولا يقتلن أولادهن” قالت: ربيناهم صغارا، وقتلتهم كبارا، تشير إلى قتل ابنها حنظلة في غزوة بدر، وفي رواية أنها قالت: قتلت الآباء وتوصينا بالأبناء”؟ تشير إلى مقتل أبيها وعمها في غزوة بدر!!

فلما قرأ “ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن” قالت: إن البهتان أي الكذب- لقبيح، ولا يأمر الله إلا بالرشد ومكارم الأخلاق. فلما قرأ “ولا يعصينك في معروف” قالت: والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك”. [11]

مشاركة المرأة في المشورة:

من يرفض ذكاوة أم سلمة -رضى الله عنها- الصائب وهي مثلت دورا جليلا في صلح حديبية الذي اعتبره المسلمون ماحدث نوعا من الذلة، عندما اضطروا أن يرجعوا إلى المدينة دون أن يدخلوها، واستطاعت في الحفاظ على كيان جماعة المسلمين من التصدع، وإنقاذهم من التدهور والأزمة النفسية التي استحوذت عليهم بعد شروط الصلح، ورفضوا أن يحلقوا رؤسهم ويذبحوا الهدى رغم طلب الرسول -صلوات الله وسلامه عليه – ثلاث مرات، عندئذ تقدمت أم سلمة بالمشورة والرأي الصائب كأن الله أنطق الحل على لسانها، طلبت من الرسول -صلى الله عليه وسلم –  أن يخرج ولا يتكلم منهم أحدا حتى ينحر بدنه ويدعو حالقه فيحلقه، “فقالت له: يا نبي الله أتحب ذلك؟ أخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، ففعل، فلما رأى الصحابة ذلك تبادروا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا”،[12] يكتب دورها هذا بمداد الذهب عبر العصور والأجيال وهو أيضا رد مفحم على من يعتبر المرأة ناقصة العقل والدين.

المبحث الثالث

مشاركة المرأة في العمل الخيري

مشاركة المرأة في استيضاف المسلمين:

 قد أتى محمد الغزالي  بقصة امرأة موسرة تحاول جاهدة بإدخال السرور في قلوب المسلمين في عصر النبوة: “ومن الطرائف أن امرأة كريمة موسرة كانت تصنع وليمة بعد الجمعة يحضرها من شاء، روى البخاري عن سهل بن سعد قال: كانت منا امرأة تجعل في مزرعة لها “سلقا” فكانت إذا جاء يوم الجمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير بعد أن تطحنه، فتكون أصول السلق عرقة – مرقة – قال سهل كنا ننصرف إليها من صلاة الجمعة فنسلم عليها، فتقرب ذلك الطعام إلينا، فكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك، ولم يكن في الطعام لحم ولا دهن”[13]

مشاركة المرأة في الصدقة:

في أحد الأعياد خطب النبي – صلى الله عليه وسلم – النساء – ومصلى العيد يجمع الرجال والنساء بأمر من رسول الله – فقال لهن: ” تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم” فقالت امرأة سعفاء الخدين جالسة في وسط النساء، لم نحن كما وصفت؟ قال: “لأنكن تكثرن  الشكاة وتكفرن العشير” يعني – عليه الصلاة والسلام – أن نساء كثيرات يجحدن حق الزوج، وينكركن  ويبذل في البيت ولا تسمع منهن إلا الشكوى!

قال الراوي: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوت بلال من أقراطهن وخوامتنهن… والسوال: من أين عرف الراوي أن المرأة سعفاء الخدين؟ والخد الأسفع هو الجامع بين الحمرة والسمرة- ما ذلك إلا لأنها مكشوفة الوجه.

فهذه الآثار من القرآن والسنة تدل دلالة واضحة على أن المرأة المؤمنة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم تشارك في الأمور السياسية وتعاون في اكتساب الرزق، وتنفق من جيبها صدقة نافلة لوجه الله. فإنني قد ذكرت هذه الأمثلة كي يتضح الأمر جليا أن الفتيات والشابات لو تشارك في الحياة الاجتماعية  والاقتصادية والسياسية مع حدود شرعية فليس فيها حرج ولا نقصان.

******

مراجع البحث: 

[1] القرآن الكريم، القصص، الآية 23.

[2] مجلة كلية العلوم الإسلامية، جامعة بغداد، العدد 45، 20 جمادى الآخر 1437 للهجرة، الموافق 30 اذار 2016 للميلاد.

[3] الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم، محمد بن فتوح الحميدي، تحقيق الدكتورعلي الحسين البواب، الجزء الرابع، صفــ 230، الطبعة الثانية، دار النشر، دار بن حزم، لبنان- بيروت.

[4]  مجلة كلية العلوم الإسلامية، جامعة بغداد، العدد 45، 20 جمادى الآخر 1437 للهجرة، الموافق 30 اذار 2016 للميلاد.

[5]  في مدينة الرسول، الدكتور نزار أباظة، الطبعة الثانية، صفـ 155، دار الفكر دمشق، سنة الطباعة 2014 للميلاد.

[6] نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية، السيد محمد عبد الحي الكتاني الإدريسي الحسيني الفاسي ، الطبعة الثانية منقحة باعتناء وتحقيق الدكتور عبد الله الخالدي، الجزء الثاني، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان، صفــ 30.

[7]  في مدينة الرسول، الدكتور نزار أباظة، الطبعة الثانية، صفـ 155، دار الفكر دمشق، سنة الطباعة 2014 للميلاد،

[8] الصحيح لأبي عبد الله البخاري بشرح الكرماني ، الجزء السابع، كتاب الزكاة، صفــ 189، الطبعة الثانية، عام 1981 للميلاد، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان.

[9] جريدة الحياة، طبعة السعودية، تاريخ النشر 23-1-2008، صفـ 14، وجهات نظر، العدد 16364، الكاتب عبد الرحمن الخطيب، والمصدر الثاني، سيرة عمر بن الخطاب، لابن الجوزي، صفــ41،

[10] قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، محمد الغزالي، صفــ130، دار الشروق، سنة الطباعة لم تذكر.

[11]  الكشفا عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للعلامة جار الله أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (467-538هـ)، تحقيق وتعليق ودراسة، الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، صفــ 99، الطبعة الأولى 1998 م، مكتبة العبيكان، الرياض- طريق الملك فهد تقاطع العروبة، ص، ب 62807.

[12]  زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، سنة الطباعة لم تذكر.

[13] قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، محمد الغزالي، صفـــ57، دار الشروق، سنة الطباعة لم تذكر.

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of