+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

حوار مع البروفيسور مجيب الرحمن
"الأخ محمد ريحان الندوي أجرى الحوار لـ"أقلام الهند

الكدكتور مجيب الرحمن-أقلام الهند

البروفيسور مجيب الرحمن الندوي، الحائز على الجائزة الرئاسية لخدمة اللغة العربية، أستاذ الأدب العربي والرئيس الأسبق بمركز الدراسات العربية والأفريقية بجامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي. إنه علم من أعلام اللغة العربية في الهند، وله خبرة واسعة في تدريس اللغة العربية، وباع طويل في مجال الترجمة الأدبية، والشفوية، فقد قام بترجمة عدد من الكتب المهمة القيمة، و قدم خدماته في لقاءات كبار السياسيين والمسؤولين بين الهند والبلدان العربية. ومن خلال هذا الحوار الذي أجراه محمد ريحان الندوي لمجلتنا حاولنا أن نقدم إلى قرائنا الكرام نبذة عن حياته ودرسا عن خبراته الواسعة في مجال التدريس والترجمة لتعم الاستفادة والنفع.

………………..

السؤال: مرحبا بكم سيدي الأستاذ، حدثونا من فضلكم عن البئية التي نشأتم فيها و أسرتكم الكريمة.

أ.د. مجيب الرحمن: ولدت في سنة 1972 في قرية مغمورة من قرى مقاطعة كتيهار في ولاية بيهار تُسمى “كُورسِيل” وتبعد عن محطة القطار بمدينة كتيهار بأربعة عشر كيلو متر باتجاه الجنوب، كانت قريتي مثل معظم القرى متخلفة، لم تنعم بكهرباء، وتسهيلات حديثة، ولا بمستوى جيد من التعليم، إلا أن والدي رحمه الله أصرّ على تعليم جميع أبنائه الخمسة، وكنت الرابع من أبناء والدَيّ، الأول دخل مدرسة القرية والتحق فيما بعد بكلية الهندسة، وهو الآن يشتغل مهندساً مدنياً في حكومة ولاية بيهار، أما الثاني والثالث فلم يحرزا تقدماً ملحوظاً في التعليم، فاشتغلا بالزراعة التي كان لوالدي حظ لا بأس به منها، واختارني والدي رحمه الله لأن أتحصل التعليم الديني، أما الخامس فحصل على شهادة البكالوريوس ويشتغل الآن بالتجارة، لي أربع أخوات، لم يكن حظهن في التعليم مثل حظ إخوانهن، حصلن على التعليم الديني الأساسي وانشغلن بالحياة الزوجية كعادة أهل القرية. في غضون ثلاث سنوات ماضية فقدت أختاي الثانية والثالثة، رحمهما الله وغفر لهما زلاتهما وأدخلهما جنة الفردوس.

أما أنا، فبعد تخرجي من مدرسة القرية التي حصلت فيها على التعليم الابتدائي دخلت عددا من المدارس الدينية في المناطق المجاورة، وتيسر لي بفضل الله سبحانه وتعالى القبول في دار العلوم التابعة لندوة العلماء في صف العالية الأولى في سنة 1984، وكمّلت مرحلة العالمية (العالية الرابعة) في سنة 1988، واستشرتُ فضيلة الشيخ محمد رابع الحسني الندوي حفظه الله ورعاه في أمر التحاقي بالجامعة الملية الإسلامية لمواصلة الدراسات العليا، فأجازني ونصحني بنصائح مفيدة، فجزاه الله خير ما يجزي عباده الصالحين.

-هل لكم ان تقدموا لنا لمحة عن سيركم في التعليم، فقد حصلتم على درجتَي الليسانس والماجستير في قسم التاريخ ثم غيرتم مشواركم التعليمي واتجهتم مرة أخرى إلى اللغة العربية، كيف تفسرون هذا التحول في حياتكم وما كان أثره في مشواركم المهني؟

-لقد كان شقيقي الأكبر حفظه الله ورعاه- الذي له أثر كبير في حياتي حيث لا زال بمنزلة الأب لنا نحن الإخوة- يحفزني دائما – وأنا طالب في ندوة العلماء – على الاستعداد للدخول في الامتحانات المركزية التنافسية مثل هيئة الخدمات المدنية بعد التخرج من ندوة العلماء، فكانت فكرة الالتحاق بالجامعة الملية الإسلامية مدفوعة بالطموح إلى الانخراط في سلك الخدمات المدنية الهندية، فنلت القبول في البكالوريوس في قسم التاريخ في الجامعة الملية الإسلامية بنيو دلهي في عام 1988، وأكملت البكالوريوس في 1991، والماجستير في التاريخ الحديث في نفس القسم في 1993، ولغرض تحقيق طموحي اتجهت إلى جامعة جواهر لال نهرو التي اشتهرت بتخريجها لعدد كبير من الكوادر في هيئة الخدمات المدنية المرموقة، والتحقت فيها بالماجستير في مركز الدراسات العربية والإفريقية، وبدأت أستعد لامتحان الخدمات المدنية (IAS)، ولكن شاءت الأقدار دون ذلك، فبعد مدة من الزمن، وبعد الفشل في المحاولة الأولى في هذا الامتحان لم أعد مسحورا ومفتونا به، وكان ذلك من منطلق اقتناعي بأن مقدار الجهد الذي يقتضيه النجاح في هذا الامتحان على خط ونهج معينين لا أستطيع أن أبذله، وذلك لأنني كنت كثيرَ المطالعة في مواضيع متنوعة تزيدني معرفة وثقافة ولكن لا تساعدني في النجاح في هذا الامتحان، فقررت في الوقت المناسب العدول عن هدفي، وبدأت أركز على تقوية اللغة العربية، فبعد تكميل الماجستير واصلت الدراسة في مرحلة ما قبل الدكتوراة (M.Phil)، وفي السنة الثانية من ما قبل الدكتوراة وبالتحديد في أبريل 1997 عينتُ محاضرا بقسم اللغة العربية في جامعة سيلتشار بولاية آسام، وكنت أحد الأساتذة الثلاثة المؤسسين لهذا القسم، وعملت هناك أربع سنوات ونصف، ثم عينتُ في سنة 2001 استاذا مساعدا بمركز الدراسات العربية في جامعة جواهر لال نهرو حيث رقيتُ أستاذاً في سنة 2012 وعينتُ رئيساً للقسم في 2014.

أما بالنسبة إلى سؤالك عما إذا كان هناك أثر لتحول اتجاهي من العربية إلى التاريخ ثم إلى العربية في حياتي، فأقول إن التوجه إلى دراسة التاريخ كمادة أساسية وتخصصية في مرحلتَي الليسانس والماجستير كان بدافع الدخول في امتحان IAS، ولكنني استفدت كثيراً من دراستي للتاريخ كمادة تخصصية لأن مادة التاريخ تعتبر أم العلوم الاجتماعية وهي تساعد في فهم الظواهر الاجتماعية بحكم ارتباطها العميق بالعلوم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما تساعد في فهم الأدب بحكم الاطلاع على الفلسفات والتيارات والاتجاهات الفكرية التي تتداخل العلوم والفنون الاجتماعية والأدبية، فيمكنني القول بأن دراستي لمادة التاريخ كان لها أثر كبير في تكوين فكري وفهمي للمعطيات الأدبية، والظواهر الاجتماعية.

بالمناسبة وقد طرحتَ عليّ هذا السؤال المهم، أود أن أنوه الطلبة بضرورة محاسبة الذات، وتحليل واقعي لما يملكونه من المؤهلات والكفاءات التي ستؤهلهم لاقتحام مجال معين، فإنني رأيت عدداً من الطلبة يطمحون إلى دخول حَلبة الامتحانات التنافسية من دون استعداد جاد، ويقضون فترتهم الجامعية الثمينة في شبه يقظة أحلام ولا يواجهون في النهاية إلا خيبة أمل، لذلك من الأهمية بمكان أن يدرك المرء جيداً ماذا يستطيع بالفعل إنجازه، وإذا اقتنع بصواب وواقعية هدفه فعليه أن يبذل كل ما بوسعه لتحقيق ذلك، وأنا واثق بأن طلبتنا المتخرجين من المدراس الدينية على رغم قصور دراستهم للمواد العصرية يملكون مواهب كثيرة، وإذا عملوا جادين على تحقيق هدفهم المنشود حتى امتحان IAS فسوف ينجحون إن شاء الله.

-من هم الذين أسهموا في بناء شخصيتكم علميا وأدبيا وفي مجال الترجمة؟

-إنني أدين بالفضل لجميع أساتذتي الذين درّسوني وعلموني طريقة السير على درب الحياة، وأخص بالذكر والدي رحمه الله، ثم شقيقي الأكبر حفظه الله والأستاذ محمد إسماعيل (من قريتي) رحمه الله وأكرم مثواه المعروف باسم شاهجهان الذي أثر تأثيراً عظيماً في حياتي، وفي ندوة العلماء أخص بالذكر فضيلة الشيخ محمد سعيد الأعظمي الندوي حفظه الله ورعاه الذي شملني برعايته وكرمه وعطفه الخاص، وفضيلة الأستاذ عبد الغفار رحمه الله، وفضيلة الأستاذ محمد رابع الحسني الندوي، وفضيلة الأستاذ محمد واضح رشيد الندوي، وفضيلة الأستاذ سلمان الحسني الندوي حفظهم الله جميعا وأدام بركاتهم، وفي الجامعة الملية الإسلامية وتحديداً في قسم التاريخ تأثرت كثيراً بشخصية الأستاذ موكول كيسافان وطريقة تدريسه المبهرة لمادة تاريخ الإسلام، وشخصية الأستاذ رضوان قيصر الملهمة، هذا إلى جانب عدد من الأساتذة في الأقسام الأخرى، كما أدين بالفضل لجميع الأساتذة في مركزنا وأخص بالذكر أستاذي ومشرفي الأستاذ أسلم الإصلاحي عميد كلية اللغة والأدب والثقافة سابقا، والأستاذ السيد إحسان الرحمن حفظهما الله، فجزاهم الله خير ما يجزي عباده الصالحين.

– أية شخصية علمية وأدبية أعجبتكم أكثر، ولماذا؟

-حقيقةً أجدني دائماً في حرج في الإجابة على هذا السؤال، لأنني لا أستطيع أن أُفرد شخصية معينة دون غيرها وأفضلها على الأخريات، فهناك عدد كبير من الشخصيات في مختلف المجالات التي حازت إعجابي وأثرت في نموي الفكري، منها شخصيات علمية ودينية، وأخرى أدبية وفكرية وغيرها. وقد قرأت عدداً لا بأس به من كتب السيرة التي أثرت في نفسي. ولا أجد حرجاً في ذكر أن الزملاء أيضا يؤثرون تأثيرا كبيرا في بناء الشخصية، وأحب أن أخص بالذكر صديقي الحميم وزميلي في الدراسة في مرحلة الماجستير بجامعة جواهر لال نهرو شاهجهان مادامبات المقيم حاليا في الإمارات الذي يرجع إليه القسط الأكبر من الفضل في إنجازاتي المتواضعة، وهو الذي يعاتبني على قصوري في الإنجاز ويحفزني دوماً على العمل، ويلهمني بتوسعه في العلم والثقافة ورحابة أفقه في الفكر، وينقدني حيثما رآه مناسبا، فمثله يمكن أن يوصف بـ نِعم الصديق ونِعم المُرشد.

-علما بأن حضرتكم مترجم قدير يملك باعاً طويلاً في مجال الترجمة الفورية، نرجو من سماحتكم إفادتنا بعدد المؤتمرات التي أديتم فيها خدمة الترجمة الفورية إضافة إلى تسليط الضوء على المؤهلات والكفاءات اللازمة للنجاح في مجال الترجمة الفورية.

-الحمد لله لقد شاركت كمترجم فوري في حوالي أربعين مؤتمرا دوليا في الهند وخارجها، وبفضل اشتغالي بالترجمة الفورية زرتُ الإمارات، وإيران، وسري لانكا، وماليزيا، والصين، وكل مرة أحسستُ بضرورة التحسين، فثمة تحديات جديدة يواجهها المترجم الفوري كل مرة.

 الترجمة الفورية تمثل تحديا كبيرا وتقتضي من جملة ما تقتضي الطلاقة في اللغتين المترجَم منها وإليها. وتُستخدم الترجمة الفورية عادةً في المؤتمرات الدولية، كما تتطلب الممارسة الدؤوبة، وسعة الاطلاع، لأن المؤتمرات تعقد أحياناً حول مواضيع قد لايكون للمترجم الفوري عهد بها، ففي تلك الحالة، يتعين عليه الإلمام بالموضوع وإعداد مسرد للمصطلحات الواردة في المؤتمر. الترجمة الفورية عبارة عن عملية الاستماع إلى حديث المُحاضِر بواسطة السماعة وترجمته بشكل فوري ومباشر إلى اللغة الثانية للمشاركين في المؤتمر الذين يستمعون إلى الترجمة بواسطة جهاز الترجمة، فأداء مهمتين معا – الاستماع والتكلم – يشكل تحديا كبيراً، ولا يتأتى ذلك بشكل سليم إلا بالممارسة المستمرة، فالمطلوب للنجاح في مجال الترجمة الفورية المهارة والطلاقة في اللغتين – العربية والإنجليزية على سبيل المثال – وإعداد مسرد للمصطلحات بشكل نظامي، والممارسة على الترجمة الفورية. ومن أهم فوائد الاستعداد للترجمة الفورية إحراز الطلاقة في اللغتين، لأن الطلاقة في اللغة الأجنبية لا تتحصل في يوم أو بضعة أيام، وإنما تحتاج ممارسة دؤوبة ومستمرة على مدى السنوات، وعلى المترجم الفوري أن يبقى متأهبا وجاهزا.

يحسُنُ في الترجمة الفورية أن تكون إحدى اللغتين لغة الأم للمترجم، ولكن بالنسبة لنا الهنود ليست أية من اللغتين العربية والإنجليزية لغتنا الأم، فيزداد التحدي صعوبة لنا، ولكن ليس هناك تحدِّ لا يستطيع المرء أن يتغلبه إذا توافرت لديه الإرادة القوية والجهد المطلوب.

– لقد قرأنا عرضاً رائعاً بقلم الأديبة الأردنية الكبيرة الدكتوراة سناء شعلان لترجمتكم العربية لكتاب “السير في الطريق السريع” وقد أشادت الكاتبة بأسلوبكم الراقي في الترجمة، وأبرزت أهمية الكتاب. من فضلكم حدثونا عن الكتب التي قمتم بنقلها إلى العربية، وأيضا سلطوا قليلا من الضوء على التحديات والصعوبات في طريق الترجمة الأدبية والعلمية.

-قبل ظهور ترجمتي لسيرة الدكتور رام بوكساني الذاتية إلى العربية من دبي في 2016، سبق أن ترجمتُ كتاب الأستاذ سونيل خيلناني The Idea of India إلى العربية تحت عنوان “فكرة الهند”، وكتاب ديبيش شاكرابورتي Habitations of Modernity: Essays in the wake of Subaltern Studies وذلك تحت عنوان ” مواطن الحداثة: مقالات في دراسة صحوة التابع”. وقد قامت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بنشرهما من الإمارات في 2009 و 2011 على التوالي  ضمن مشروع ترجمة الكتب الهندية إلى العربية بالتعاون مع المركز الثقافي العربي الهندي بالجامعة الملية الإسلامية في نيو دلهي.

أما التحديات التي يواجهها المترجم في مجال الترجمة العلمية والأديبة فهي أيضا كثيرة ومتشعبة، الترجمة عملية شاقة ودقيقة وتقتضي مهارات لأداء حق الترجمة، وتتوفر دراسات كثيرة حول فن الترجمة يمكن الرجوع إليها، المهم أن يكون المترجم خبيرا بثقافة اللغتين المصدر والهدف، وينقل الرسالة بلغة سليمة ومفهومة بدون إخلال بالمعنى، كلما كان المترجم قديراً وبارعاً في اللغة الهدف كانت الترجمة أبلغ في التأثير ، وخير مثال أمامنا كتاب عبد الله ابن المقفع “كليلة ودمنة” الذي نقله ابن المقفع من الترجمة البهلوية لكتاب “بانش تاترا” بالنسكريتية إلى اللغة العربية، وقد عُد الكتاب آية في البلاغة بل وقد فاق الأصل في الروعة والتأثير.

– كيف يمكن للباحثين والدارسين أن يكونوا مترجمين وناقلين ناجحين للعلوم والفنون إلى اللغة العربية وبالعكس، لماذا يجري الطلبة وراء الشركات ليشتغلوا بها مترجمين، ولماذا لا يختارون مجال الترجمة العلمية والأدبية؟

-إننا في أقسامنا للغة العربية في الجامعات الهندية نركز بشكل أكبر على الترجمة لتأهيل الطلبة لسوق العمل، والحمد لله لقد تحسنت فرص العمل في الشركات الهندية والمتعددة الجنسيات في الهند في الآونة الأخيرة، فمن هذا المنطلق نشجع ونحث الطلبة على تحسين مهارات الاتصال باللغتين العربية والإنجليزية، وزيادة الخبرة في الترجمة من العربية إلى الإنجليزية وبالعكس، ولكن مازال هناك طلبة لا يحبون الانخراط في الشركات بل ويحرصون على العمل كأساتذة في الجامعات والكليات، ولكن للأسف الشديد فرص العمل في هذا المجال قليلة مما يزيده تنافسيةً، أما الترجمة العلمية والأدبية التي سألتني عنها فالفرص فيها نادرة، فليست عندنا معاهد ومؤسسات توظف المترجمين بشكل دائم، ففي رأيي يجب العمل على خلق الفرص في مجال الترجمة العلمية والأدبية من أجل زيادة التواصل بين الهند والعالم العربي، لا زالت في الهند كنوز  دفينة من العلوم التي تقتضي الترجمة إلى العربية وبالعكس، وبإمكان الأساتذة والمؤسسات أيضا إعداد مشاريع الترجمة من العربية إلى اللغات الهندية ومن اللغات الهندية إلى العربية وتقديمها إلى الجهات المختصة في الحكومة الهندية من أجل اعتمادها وتمويلها، وعن طريق ذلك يمكن خلق فرص العمل أمام الطلبة.

– كيف يمكن للطلبة اكتساب المهارة في الترجمة، وهل هناك طريق مختصر؟

-إحراز المهارة في اللغتين ليس أمرا هيّناً، ولكن إذا توافر الأساس اللغوي عند الطالب كما هو الحال بالنسبة إلى طلبتنا المتخرجين من المدراس الدينية، فيمكن، وباتباع بعض الطرق المعينة، إحراز المهارة المطلوبة في أقصر وقت. قراءة الجرائد الإنجليزية والعربية كل يوم (وهي متاحة اليوم على الانترنت) وبإمعانٍ، واقتطاف المصطلحات والتعابير منها وتدوينها على الكراسة، والرجوع إلى بعض كتب الترجمة والوثائق المتوفرة على الانترنت باللغتين العربية والإنجليزية، وممارسة الترجمة العكسية (وهي عبارة عن ترجمة نص معين إلى لغة، ثم ترجمة النص المترجَم إلى اللغة المصدر ومحاولة الاقتراب من أسلوب النص الأصلي) هي من بعض الطرق المفيدة في اكتساب المهارة في الترجمة، وفي المقام الأول يجب الأخذ في الاعتبار أن المهارة في اللغة من الشروط الأساسية لإجادة فن الترجمة، وعليه فاكتساب المهارة في الترجمة عملية مستمرة وتحتاج ممارسة مكثفة على أساس يومي.

– إننا ندرس اللغة العربية كلغة دينية وعلمية فقط ولا ندرسها كلغة حية ولغة التخاطب والتواصل، ما السبب وراء ذلك؟

-أنا لا أوافقك في طرحك هذا، لقد تغيرت الأيام، في السابق كانت العناية في الهند باللغة العربية كلغة دينية فحسب حيث اللغة العربية لغة القرآن والحديث والمصادر الدينية وذلك بسبب قلة التواصل مع العرب، ولكن بزيادة التواصل مع العالم العربي وازدياد فرص العمل في البلدان الخليجية بدأت المدراس الدينية أيضا تركز عنايتها على الجانب الوظيفي للغة العربية، على رغم أن بعض المدارس الدينية مازالت تتبع النهج التقليدي لتعليم اللغة، أما الجامعات الهندية التي يتوفر بها قسم اللغة العربية وآدابها وخصوصا تلك الكائنة في دلهي وجنوب الهند فهي تهتم اهتماما بالغا بتعليم وتدريب الطلبة على تحسين مهارات الاتصال باللغة العربية، وأما ما نلاحظه من النقص والتقصير  عند الطلبة في التحدث باللغة العربية فمرد ذلك إلى قلة فرص تدرب الأساتذة على النطق والتحدث باللغة العربية السليمة وعكوفنا عن اتباع منهج عصري لتعليم اللغة الأجنبية. وأنا متفائل بأنه إذا تم اتباع منهج سليم فسيكون هناك تحسن كبير في مستوى الطلبة من الطلاقة في العربية الفصحى، ويثلج صدري أن أرى في أقسام اللغة العربية بجامعتنا والجامعة الملية الإسلامية وجامعة دلهي وكلية ذاكر حسين التابعة لها بعض الطلبة المتفوقين في اللغة العربية الذين يجيدونها كتابة ونطقا.

المهم، أن نعترف أن القائمين على اللغة العربية في الجامعات الهندية مقصرون في هذا الاتجاه وواجب علينا جميعا أن نبذل جهودا حثيثة للارتقاء بمستوى تعليمنا للغة العربية وأدبها.

-نحب أن نطلع على مجال تخصصكم وأهم مؤلفاتكم ومشاريعكم البحثية في المستقبل.

-مجال تخصصي الرواية العربية، فرسالتي للدكتوراة تبحث في المواضيع الاجتماعية المشتركة بين الرواية العربية والأردية في الفترة ما بين 1900-1950 دراسةً مقارنةً، كما أحب أن أتعمق في التيارات والاتجاهات الأدبية والفكرية في الأدب العربي، ولكنني مقصر في هذا المجال، ولقد أخذت الترجمة القسط الأكبر من اهتماماتي العلمية، فإلى جانب ترجمة الكتب الثلاثة المذكورة آنفا لي كتيب بعنوان “الصحافة العربية العصرية في ضوء تأثرها بالأساليب الإنجليزية” ولي أيضا كتيب في تعليم اللغة العربية للمبتدئين الذي يشكل جزءً من المقرر الدراسي لشهادة Certificate of Proficiency in Arabic language  تحت إدارة قسم اللغة العربية في جامعة إنديرا غاندي المفتوحة بنيو دلهي، هذا إلى جانب حوالي 40 بحثا منشورا في المجلات العربية في الهند وخارجها، إنني أعمل حاليا على تأليف كتاب حول الترجمة العربية – الإنجليزية: تطبيقات ونماذج، كما أعمل على تنقيح رسالتي للدكتوراة للنشر، إضافةً إلى بعض المشاريع التي لم تتبلور بشكل جيد، مع اعترافي بأنني مقصر في مجال التأليف العلمي، وسوف أعمل بجدية إن شاء الله لإزالة هذا النقص. أما اشتغالي بالترجمة والترجمة الفورية فالدافع وراءه الحرص على تأهيل الطلبة للترجمة بغيةَ تمكينهم من النجاح في سوق العمل، فأقوم بتدريس مواد الترجمة والترجمة الفورية والتعبير الشفوي من هذا المنطلق.

– على رغم الإقبال الكبير على تعلم العربية في الهند ووجود تراث علمي ضخم باللغة العربية على أرضها، وعلى رغم وجود عدد كبير من كتاب العربية في الهند لماذا يخلو المشهد الأدبي في الهند من أصناف الأدب الإبداعي كالقصة والرواية والمسرحية باللغة العربية؟ كيف تعلل وتفسر هذه الظاهرة.؟

-حقيقةً لا أستغرب خلو المشهد الأدبي العربي في الهند من القصة والرواية والمسرحية لأن العربية ليست اللغة الأم للهنود، والأدب الإبداعي عادةً يتخذ اللغة الأم وسيلةً للتعبير، يُضاف إلى ذلك أن معظم المهتمين في الهند باللغة العربية يأتون من خلفيات دينية، وتعرُّضهم للأصناف الأدبية الحديثة ضئيل، فإذا كانوا مبدعين فعلا سينفجر الإبداعُ على أقلامهم متخذاً اللغةَ – أيّاً كانت اللغة – وسيلةً للتعبير، وربما يتخذون العربية وسيلةً للتعبير، ولا نجد من بين علماء اللغة العربية عندنا في الهند – إلا نادراً – من اهتموا بكتابة القصة أو الرواية أو المسرحية حتى بلغتهم الأم. ولكني متفائل بأن الجيل الجديد من الشباب، الذي هو مقبل على قراءة الأصناف الأدبية الجديدة باللغة العربية، سيظهر من بينهم كتاب القصة والرواية قريبا إن شاء الله. ما بالك أنت يا عزيزي محمد ريحان الندوي، فأنت تكتب جيدا بالعربية، لماذا لا تبدأ كتابة القصة بالعربية؟

-في رأيك ما هي فرص العمل في الإعلام العربي ( الجرائد والصحف وقنوات الإذاعة والتلفاز) في الهند علما أن الهند برزت كقوة اقتصادية وسياسية عملاقة على المنصة العالمية، وأن  البلدان العربية تحرص على تمتين العلاقات مع الهند؟

الجواب: يوجد لبعض من القنوات التلفزيونية العربية مراسلون في الهند، وربما يحرص البعض الآخر على فتح مكاتبها في الهند، ولكنها لا تعمل ذلك لأسباب مالية، بإمكان طلبتنا تنمية مهاراتهم الصحفية بالعربية وسد هذا الفراغ، وأنا واثق بأن عددا لا بأس به من هذه القنوات والوكالات الصحفية سترغب في توظيف مراسلين هنود ليكتبوا تقارير عن الهند.

-وهل عندكم شيء تحبون مشاركته مع قرائنا في الهند وفي الوطن العربي.

-أهنأ القائمين على هذه المجلة الانترنتية من الشباب الواعدين، وأتمنى للمجلة مستقبلا زاهرا، وأنا واثق من ذلك شريطةَ الاهتمام بالحفاظ على الجودة والابتكار .

أخاطب الطلبة الهنود وأقول لهم، أيها الطلبة الأعزاء لقد اخترتم اللغة العربية مجالاً لمستقبلكم، واللغة العربية ستؤمن لكم مستقبلاً زاهراً، ولكنها لن تأتي إليكم طائعة ما لم تبذلوا ما عندكم من غالٍ ورخيصٍ في سبيلها، وتغوصوا في أعماقها من أجل لآليها وكنوزها من العلم والحكمة، فتعمقوا في العربية وتبحروا في الإنجليزية، وكونوا أوفياء لمهنتكم، وأعلموا أن الله سبحانه وتعالى قرن النجاح بالسعي إذ قال: “ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يُرى”، وقال أيضا: “لن يغير الله ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

وأشكركم جزيل الشكر على إجراء هذا الحوار معي، وإتاحة الفرصة لأخاطب طلبتنا الأعزاء في الهند، وآمل أن يستفيد منه طلبتنا في كل مكان بالهند.”

9
Leave a Reply

avatar
7 Comment threads
2 Thread replies
0 Followers
 
Most reacted comment
Hottest comment thread
7 Comment authors
ahmadShahzad Alamاسلام خليلMuhammad Raihan Nadwiأنوار الحسن Recent comment authors
  Subscribe  
newest oldest most voted
Notify of
دانيال
Guest
دانيال

حوار قيم ومفيد جدا بلسان عربي مبين وفصيح، كأن المحاور عربي قح أهنأ المجلة ورئيس تحريرها على نشر مثل هذا الحوار الرائع والبناء الذي من شأنه أن يرتقي بسمعة المجلة، كما أهنأ مجري الحوار على الأسئلة المنتقاة بعناية، الإجابات كلها في محلها، أنا أقرأ المجلة بكل اهتمام وألاحظ أن بعض المقالات المنشورة فيها مفيدة جدا، في العدد السابق كان مقال الكاتبة العملاقة سناء شعلان ممتعا جدا، رحلات رئيس التحرير إلى المنتجعات الجيلية في الهند أيضا شيقة، يا حبذا لو اهتمت إدارة المجلة بنشر بحث أو بحثين في كل عدد بأقلام الكتاب العرب لأن ذلك لا يضفي على المجلة المعيارية فحسب… Read more »

Muhammad Raihan Nadwi
Guest
Muhammad Raihan Nadwi

شكرا لأخ الفاضل دانيال.وسنستفيد وسنتعلم من أساتذة العرب ومقالاتهم وبحوثهم في الأعداد القادمة بإذن الله بمساعدتك الكريمة. كما تكرمت الأستاذة العربية بمقالتها القيمة في هذا العدد.

عنايت الله
Guest
عنايت الله

إن مسيرة حياة الأستاذ المملوءة بالجد والجهد المتواصلين والمفعمة بالأعمال والإنجازات العلمية محرضة لأمثالنا من الطلاب للغة العربية وآدابها على الجد الدؤوب للحصول عَلى الأهداف والمقاصد وإن الأستاذ قد أصبح علما من أعلام اللغة العربية في الهند وصار لنا قدوة نقتديه ومثالا نستفيد منه ونستلهم به. أدعو الله سبحانه وتعالى أن يديم صحته ويطول عمره ويبارك مزيدا في حياته. آمين !!!

عنايت الله
Guest
عنايت الله

إن مسيرة حياة الأستاذ المملوءة بالجد والجهد المتواصلين ومفعمة بالأعمال والإنجازات العلمية والأدبية لمحرضة لأمثالنا من طلاب العربية وآدابها على الجد الدؤوب للحصول على الأهداف والمقاصد وإن الأستاذ أصبح علما من أعلام اللغة العربية في الهند وصار قدوة حسنة لنا نقتديه في حياتنا ومثالا نستلهم به. أدعو الله أن يديم صحته ويطول عمره ويبارك في حياته مزيدا. آمين!!!

أنوار الحسن
Guest
أنوار الحسن

حوار قيم و شيق للغاية، الشيخ البروفيسور مجيب له باع طويل في في مجال اللغة العربية، و لا سيما له قدرة فائقة في الترجمة، و هو محبب لدى طلاب اللغة العربية، و هذه السلسلة للحوار مع كبار أساتذة اللغة في الهند سلسلة ذهبية يجب أن تستمر، لكي يتمكن القراء من استفادة تجاربهم حول مسيرة الحياة و المهن، و العمل على توجيهاتهم الرشيدة للرقي و الازدهار. و من المناسب أن تشمل هذه السلسلة كافة كبار أساتذة اللغة للجامعات العصرية و المدارس الدينية المنتشرة في أرجاء الهند لإجراء الحوار. فللأخ ريحان شكر و امتنان على إجراء الحوار الجميل.

Muhammad Raihan Nadwi
Guest
Muhammad Raihan Nadwi

في خطتنا الحوارية أنني سنجري الحوار مع أساتذة المدارس الإسلامية أيضا وشكرا لهذه المشورة المفيدة. جزاك الله خيرا

اسلام خليل
Guest
اسلام خليل

ماشاء الله حوار قيم وشيق
استمر يا اخ ريحان
نردي منك المزيد
ان شاء الله نراك رئيس قسم اللغه العربيه القادم

Shahzad Alam
Guest
Shahzad Alam

شكرا جزيلا.للموضوع المفيد الممتع.

ahmad
Guest
ahmad

الاستاد الفاضل السيد ريحان الندوي صراحة قصتكم ملهمة وقطعتم مشوراً كبيراً في سبيل النهوض باللغة العربية في ربوع الهند . أريد مساعدكتم في التسجل لمرحلة الماجستير في الدراسات الأدبية في أحد الجامعات الهندية ـ العثمانية – الملية الإسلامية – جواهر لال نهرو- . أحمل ليسانس في الشريعة من المملكة العربية السعودية وجنسيتي ” أفغاني ” ساكن بالمدينة المنورة . فزعتكم أخي الكريم