+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

إقبال سهيل الأعظمي شاعر الحرية والثورة
محسن عتيق خان

إقبال سهيل الأعظمي كان من الشعراء و الخطباء الموهوبين الأوائل الذين استخدموا موهبتهم في خدمة الوطن و تغنوا بالحرية و الثورة في وقت كانت الهند تشتعل بنيران حرب الاستقلال و المقاومة ضد الاستعمار البريطاني الغاشم(1). كان صيته قد ذاع في الأوساط العلمية والأدبية بفطانته، و حدة ذكائه، و عمقه في العلم، و كماله في الفنون و الآداب بما فيها العربية والفارسية و الأردية والعلوم الإسلامية. إنه ورث التبحر العلمي، و عاطفة الحرية، والشرقية، ودقة النظر في الشعر، وكذلك الحماسة و العزيمة و المروءة عن شبلي. و كفى بنا أن نورد هنا ما قال عنه رئيس الجمهورية الهندية الأسبق الدكتور ذاكر حسين “أنه من أبرز أولئك الذين تأثرت بهم كثيرا في عهد الدراسة بالكلية.” و كذلك ما قال الأديب الشهير الدكتور رشيد أحمد الصديقي “لم أتأثر بعد شعره بشعر أحد(2).”

مولده و منشأه: ولد إقبال سهيل في 11 ربيع الأول سنة 1303ه المصادف 1884م بقرية “برهرة” المعروفة بـ”بدهيريا” -وهي تقع بمديرية أعظم جراه في ولاية أترابراديش- في أسرة كانت طائرة الصيت في المروءة والشجاءة والضيافة، فقد ساهم أبناءها في الحرب الأولى لاستقلال الهند عام 1857، و كذلك تحملوا ضيافة المجاهد البهاري كنور سنغ لمدة طويلة بعدما فشلت الثورة ضد الانكليز(3).

دراسته: حسب عادة أبناء الإقطاعيين في ذلك الحين، إنه بدأ الدراسة في بيته، و دُعي لتدريسه العالم الجليل الشيخ محمد شفيع -الذي أسس مدرسة الإصلاح الشهيرة في “سرائ مير”بمديرية “أعظم جراه” فيما بعد-فبدأ تدريس القرآن بمنزل “ق”. و دُعي الشيخ يعقوب لإلقاء الدروس الابتدائية عليه في العلوم الدينية واللغة العربية و الأردية. أما الفارسية فتلقى دروس كتاب “كلستان” لسعدي من أمه، و تعلم الكتابة والقراءة فيها من أبيه عزيز الله خان الذي كان يتضلع بالفارسية و العلوم الدينية تضلعا(4).

في حضرة العلامة شبلي النعمامي: بعد أن أكمل الدراسة الابتدائية ذهب سهيل إلى جده من أمه الشيخ عبد الرحيم الذي كان يسكن بمدينة أعظم جراه و يعمل محاميا. و كان زوج خالة سهيل الشيخ محمد نعيم يختلف إلى العلامة شبلي لذوقه في العلم و الأدب، فبدأ سهيل يصطحبه، و يتلمذ على العلامة شبلي و يتلقى الدروس في ديوان الحماسة، و شرح الصحيح للمسلم، و بحر العلوم، و العقد الفريد، وهو لم يبلغ إلا الخامسة عشر من عمره. و لازم سهيل العلامة لمدة لا بأس بها حتى حصل له ذوق سليم للأدب الأردي و الفارسي(5).

في علي جراه للحصول على العلوم الشرقية: في سنة 1907 سافر سهيل إلى علي جراه للحصول على العلوم الشرقية بدار العلوم، و أقام مع الأستاذ حميد الدين الفراهي في حئ “إسرائيليان”، و هو كان أستاذا في قسم اللغة العربية بكلية علي جراه الإسلامية آنذاك. إنه تعلم منه علم التفسير و الحديث النبوي، و تلقى الدروس في السبعة المعلقة و ديوان المتنبي. وخلال قيامه مع الأستاذ الفراهي، إنه استفاد من الشاعر الكبير حسرت موهاني أيضا الذي كان يسكن في نفس الحى، و كذلك استفاد من وحيد الدين سليم مديرالتحريرلصحيفة “”علي جراه غزت”، و رشيد أحمد الأنصاري. و عندما أكمل سهيل دراسة العلوم الشرقية عام 1909، كان قد صقل لغته الأردية، والفارسية و كذلك كان قد حصلت له قدرة في لغة الجنة أى اللغة العربية.و تم زواجه في نفس السنة مع ابنة حفيظ الله خان الذي كان يسكن في مدينة “كولكاتا”، و كان من الأثرياء.

في مدرسة عصرية:دعاه حفيظ الله خان إلى “كولكاتا”، و بما أن بيئة أسرته كانت تختلف من بيئة أسرة سهيل من ناحية الانسجام مع الاتجاهات و العلوم الحديثة، أدخله في مدرسة عصرية بعد حصول رضا أبويه، و ظل يتحمل جميع مسؤولياته في هذا المجال حتى حصل سهيل على الشهادة التوجيهية عام 1913م.

في كلية علي جراه: بعد نيل الشهادة التوجيهية، أرسله حفيظ الله خان إلى كلية علي جراه للحصول على العلوم العصرية في سنة 1914، فأقام هناك إلى 1918، و حصل على شهادة البكالوريوس في الحقوق، و شهادة  الماجستر(6).

و كان من أنشط و أبرز طلاب الكلية، فنراه يساهم في النشاطات الانتخابية لاتحاد الطلاب، و في المناقشات العلمية والأدبية، و في الألعاب، و كان يتفوق في الخطابة و النقاش والشعر و بعض العلوم الأخرى على جميع زملائه في الكلية. و هناك أرى من المناسب أن أذكر بعض نشاطاته في الكلية بإيجاز ليتسنى لنا فهم حياته و شعره و كماله في الفنون و الآداب و تعمقه في العلوم فيقول الدكتور رشيد أحمد الصديقي: “إنه (سُهيل) أقام في الكلية أربع سنوات، و كان يسكن في السكن الجامعي، ولكنه يقضي سائر أوقاته في غرفات الآخرين، فيقضي ليلته في الغرفة التي أدركته فيها، و كان يُسمع الأبيات صاحب الحجرة طول الليل بدون وقفة، أو يخطب له حول الاقتصاد، و الفلسفة، و التاريخ، و الإلهيات، والفارسية، والعربية، أو يلقي الخطبة حول عواقب الشعر، و إذا لم يتوفر له فراش إضافي، كان ينام مع صاحب الغرفة على فراشه. و إذا كان يتداول موضوعا، أو يلقي الضوء حول موضوع، يبدو كأنه بذل سائر حياته في البحث والتحقيق عن هذا الموضوع. كان له إلمام جيد بالإنجليزية، والرياضيات، و إضافة إلى ذلك كان يتضلع بسائر الموضوعات الدراسية التي كانت توجد في تلك الكلية، ولكنه لم يكن يعرف العلوم (Science). و كان لديه علم بالاتجاهات و وجهات التطورات الجديدة، و كان يملك ذكاء حادا، و فطنة شديدة، و ذاكرة قوية إلى حد أن كان باستطاعه أن يلقي الدرس حول جزئيات مسئلة قرأها مرة في حياته في وقت ما. كان يرغب في كل نوع من الألعاب، و يظهر أكثر شغفه بلعب كان أقل علما به، و ما كان يفوته الحضور في الألعاب أينما تلعب، و كان متعودا أن يشاهدها بكل رغبة كاد يغفل عن كل أمره. إنه كان يفوق في الخطابة على جميع طلاب الكلية، وكانت مهارته الخطابية شهيرة و معترفا بها، ولم يكن يستطيع كل واحد أن يدفعه إلى المنصة للخطابة، و عندما كان يخطب يستمع الحاضرون بكل جوارحهم، و لا يقوم ضده في الخطابة أحد، و كان كلامه حلو الموقع في النفوس و حسن الأثر في القلوب حتى كان معارضوه يعترفون بذلك، وثمة قصة شهيرة لتأثير خطبته على الخطيب القادياني الشهير خواجة كمال الدين فهو اعتنق إقبال سهيل بعد خطبته على أم الألسنة اللغة العربية و قال في حماسة “لو أجد رجلا مثلك جامع الكمالات، لاتمكن من أن أنصب رأية الإسلام على أعلى قمة أوربا”.

عندما التحق إقبال سهيل بالكلية كان طلاب الأدب ينقسمون إلى الفرقتين و كانت هناك نقاشات أدبية بينهما كل يوم، فالأولى منهما كانت تفضل الشاعر الأردي “ذوق” على الشاعر الشهير “غالب”، والأخرى كانت تفضل “غالب” على “ذوق”. فانحاز إقبال سهيل لـ”غالب” و دافع عنه، و هجم على ذوق و نقده نقدا لاذعا من حين إلى حين ربما استهزاءا و ربما استحقارا حتى لم يبق في الكلية من يفضل “ذوق” على “غالب”، و إذا بقي هناك أحد، فلم يجترأ أن يواجهه، لأنه كان يرد ردا مسكتا.

لم يوجد إلا عدد ضئيل من الذين كان لهم إلمام بالأدب الفارسي الكلاسيكي مثل ما كان لإقبال سهيل، فكان يدرس و يشرح قصائد “خاقاني” و “عرفي” للطلاب الذين كانوا يدرسون الفارسية في الماجستر، و كان يقدر قدرة كاملة على إيضاح النكات والصناعة والدقة في شعر “غالب” و “عرفي” و “نظيري”.

إنه كان يساهم في انتخابات أعضاء اتحاد الطلاب مساهمة بارزة، فكان يرشح طالبا حسب ذوقه، ثم يبدأ الدعاية له بكل وسيلة من وسائل الخطابة والشعر و النقاش، فإذا كانت مناسبة الخطابة يكتب له الخطبة، و إذا كانت مناسبة الشعر، يقرض له الشعر ليقرأ في حفلة الشعر (المشاعرة)، و كان يدافع عنه إذا أخطأ.

كان شرقيا متدينا من حيث الوطن، والأسرة، والبيئة، و النشأة، والدراسة، و طريقة الحياة، و لكن إذا حضرت قضية النظر في المسائل من منظور علمي، أو جاء وقت الإصلاح في الشعر والأدب و معرفة الاتجاهات كان لا يتخلف في تائيدها عن أحد، و كان يراعي في إظهار رأيه في كل قضية أن تكون وجهة نظره حسب ما تقتضيه المسألة، وليس حسب ما يريده”(7).

يمارس مهنة المحاماة: بعد ما فاز بشهادة البكالوريوس في الحقوق، و شهادة الماجستر، رجع إلى وطنه بـ”أعظم جراه” عام 1918، و اختار مهنة المحاماة، و في وقت قليل فاق في هذه المهنة على أقرانه، و نال قبولا عظيما، حتى بدأت المحكمة تخاف عن ذكائه فضلا عن المحامين المعارضين. يقول الأستاذ علي جواد زيدي عن مهنته هذه “كان سهيل يتناول قضاى الخلع، والطلاق، والوراثة، والفرائض، والوقف، والشفع بكثرة، و كان يظهر فيها مهارته العميقة، وعلمه العميق باالقانون، و أكثر من ذلك، ذكاءه الحاد الموهوب. و كان يعتمد على حدة ذكائه أكثر من القانون، وكان ينجح في القضاى بفطنته، و جودة طبيعته فقط(8).” و رشيد أحمد صديقي يقول “”كان سهيل يواجه حريفه كعدو له، و كان يؤمن بأن الحرب خدعة(9).”

اشتغاله بهذه المهنة حال بينه و بين نشاطاته الأدبية، فلم يتمكن بسببها من أن يستمر في قرض الشعر رغم قدرته الفائقة فيه و رغم الأفكار والرسالات التي كان يحملها لشعبه، كما يقول مرزا إحسان بيك زميله في المهنة “نزل عليه عذاب مهنة المحاماة، فشغلته عن أن يبدئ مؤهلاته و قدراته في الانتاجات الأدبية، و إن توجه إلى الأدب و تفرغ له، لكان أثرى الأدب الأردي والفارسي إثراءا عظيما(10).”

في السياسة:بموجب قانون حكومة الهند لسنة 1935م، أقام المؤتمر الوطني الهندي الانتخابات للوزارة في ولاية أترابراديش في سنة 1937م، فرشحت “جمعية العلماء”إقبال سهيل لدائرة أعظم جراه الانتخابية، و حدثت مبارزته الانتخابية مع السيد علي ظهيرالدين الذي كان مرشحا من جانب جامعة المسلمين “مسلم ليج”، و كان ينتمي إلى مدينة لكناؤ و يعد من أثريائها الكبار. إنه استخدم وسائل الثروة والمال و أنفق كثيرا. أما سهيل، فاستخدم موهبته الخطابية والشعرية، و أصبح لصوته دوي في المجتمع حتى نجح في الانتخابات، و بدأ حياته السياسية. و بالتالي نقدم بعض أبياته التي قاله ضد معارضه الانتخابي السيد ظهير الدين(11):

بديسي كو كيون ديس كى ووت جائين

جو رائ وطن هو ميرائ وطن هو

مفاده: لماذا يصوت أهالي “أعظم جراه” لمن جاء من الخارج، لو شاءوا ليكون الأمير منهم.

تو غيروں كى فندى سي آزاد هو

بشيمان باهر كا صياد هو

مفاده: سرَحوا أنفسكم من طوق الآخرين ليتحسر الصياد الذي جاء من الخارج

غلامي سى مت جائ دامن كا داغ

جلى كهر مين مسجد سى بهلى جراغ

مفاده: لو فعلنا ذلك، لتزول بصمة العبدية، و سيتنور الشمع في البيت قبل أن يتنور في المسجد.

بديسي كي فرما بريى جهور دى

غلامي كي زنجير كو تور دى

مفاده: اتركوا إطاعة المحتلين الأجنبيين، و اقطعوا سلسلة العبودية.

و يبدوا من معاني هذه الابيات، إنها لم تكن ضد مبارزه السياسي فقط بل كان ضد العدو المحتل، فانتهز سهيل هذه الفرصة و رفع صوته ضد الحكم الانجليزي.

و عندما بلغ سهيل المجلس التشريعي بعد الفوز في الانتخابات، إنه تناول قضاى الفلاحين في شعره، و نقد النظام الإقطاعي، و ندد العصبية الطائفية الصاعدة، و سياسة الانكليز الخادعة. إنه قال الشعر في جهد الفلاحين، و في حرمانهم عن حقوقهم، و في ظلم الإقطاعيين عليهم، و قرع بشعره على أبواب الأمراء والرؤساء والطبقة العليا، و عامة الناس، و له قصيدة شهيرة في هذا المجال بعنوان “زميندار و كسان” يعني الإقطاعي والفلاح، و أنشدها في المجلس التشريعي فكان لها دوي فيه.

وفاته: إنه ظل يمارس مهنة المحاماة طول حياته، و يشتغل بالشعر في بعض الأحيان حتى فاضت روحه في 8 نوفمبر عام 1955. في وطنه.

العوامل التي قامت بتكوين شخصيته: إن العلامة شبلي النعماني، والدكتور حميد الدين الفراهي، والشيخ شفيع من أبرز الذين أدوا دورا كبيرا في تكوين شخصية إقبال سهيل، ولكن دور العلامة شبلي أبرزهم جميعا، فنرى لون شخصية شبلي، و شعره، يظهر لدى إقبال سهيل بتجليات مختلفة منها عمق العلامة شبلي في العلم و الأدب، و عاطفته للحرية، و شرقيته، و نقده الشعري. و سهيل يعترف بذلك و يحبه حبا جما، ولا يعادله أحدا كما يقول في مقال له “إن كل ما أملك من ثروة العلم فضل من حضرة العلامة، و يعرف الذين حالفهم حظ من مصاحبة العلامة شبلي بأن دقيقة في حضرته أثمن من درس مأة سنة في مكان آخر (12).”

آثاره في النثر الأردي: لم يخلف إقبال سهيل في النثر الأردي إلا بعض مقالات، و مقدمات كتبها لبعض الكتب. فإنه كتب مقدمة لمجموعة من شعر أصغر علي أصغر الغوندوي، و هذه المقدمة تكفي لإبراز قدرته على النثر الأردي، و تضلعه العميق بالفنون الأدبية والشعرية، و دقة نظره و فكره في الشعر. و له مقالات تتناول بعض نواحي حياة العلامة شبلي، و كذلك مقالات أخرى نشرت في بعض الصحف والمجلات، ولكني لم آثر عليها.

فن الشعر لدى إقبال سهيل: إنه كان شاعرا موهوبا قديرا كما يقول العلامة السيد سليمان الندوي “للشعراء قسمان، من القسم الأول الشعراء الذين يصبحون شعراء بعد الدراسة و حصول العلم، و من القسم الثاني الشعراء الذين يولدون شعراء من بطون أمهاتهم و إن لم يقرؤوا شيئا…..فالشعراء من القسم الثاني شعراء بالفطرة، و التعليم والدراسة، يصقلان فنهم، و صاحبنا إقبال سهيل من هذا النوع الثاني، يعني إنه شاعر بالفطرة، و قد وفر الله له الفرصة أن يتثقف عند شاعرين بالفطرة و هما العلامة شبلي النعماني، والشيخ حميد الدين الفراهي”(13).

إنه كان يقول الشعر في مجالات مختلفة سواء كان ذلك في الغزل أو في القصيدة بكل قدرة و جزالة كما يقول الدكتور رشيد احمد الصديقي “كان قلمه يجري على صفحة القرطاس مثل موج البحر، في سائر مجالات الشعر سواء كانت ضيقة أو فسيحة، كان بالفارسية أو الأردية(14).” و كذلك يقول العلامة الندوي “كان الشعراء القدامى يخصون بالقصيدة أو بالغزل، و كان شاعر القصيدة لا ينجح في قرض الغزل و بالعكس، إلا أن هناك عدة شعراء كان لهم مهارة في كلتى المجالتين….و إقبال سهيل من هؤلاء الشعراء المعدودين (15).”

كان سهيل يقدر على اللغتين الأدرية والفارسية قدرة كاملة، ويقول الشعر في كلتاهما ارتجالا كما يقول الدكتور رشيد أحمد الصديقي “يظن الناس بأن شعره محدود بالأردية، وفي الحقيقة، نجد في شعره الفارسي طراوة و نضارة و نضدة و حداثة أكثر من كلامه بالأردية. والقصيدة التي قالها بالفارسية و عرضها في قاعة “أستريجي” بمناسبة قدوم شهريار من دكن نموذج رائع  يدل على قدرته في هذه اللغة، وإنه كان قد كتب هذه القصيدة في ليلة واحدة(15).”و يذكر العلامة السيد سليمان الندوي رحمه الله قدرته على اللغة فيقول “له إلمام عميق بالآداب الأردية والعربية والفارسية، و له قدرة كاملة على الشعر والقصيدة باللغة الأردية والفارسية. إنهيقول الشعر ارتجالا، و من العجيب أنه لا ينسى ما يقول بل يستحضره، و ينشد قصائده المطولة في المحافل والمجالس الشعرية شفويا(16).”

نشأته الشعرية:

بدأ سهيل يقول الشعر و هو لم يكن يتجاوز اثنى عشر من عمره، إنه يقص قصة قوله أول بيت له في مقال فندع المجال له “عندما كنت في التاسعة من عمري حدث هذا في ليلة مقمرة. كان والدي جالسا في البيت، و كان على وجهه آثار الحزن، و كنت قائما بالقرب منه، فسمعته يقول فجاءة “ترحم على حاليا يا إلهي” و ما أن سمعت هذا حتى خرج من لسانيعن غير قصد “طفيلِ جنابِ رسالت بناهي”. فهكذا ظهرت موهبته الشعرية و عندما بلغ الثانيعشر من عمره قال البيت التالي:

عندليب كلشنِ فردوس هشتم حامدا

مدحيِ خواني نبي كا راست و طوبى جائ من

كان أسمه الشعري في البداية “حامد”، ثم غيره بـ”سهيل” فيما بعد.

في سنة 1898م، عندما توفي والد العلامة شبلي، قال العلامة رثاء بالفارسية، و في نفس السنة توفي جد إقبال (جده من أمه)، فإنه أيضا قال رثاء بالفارسية و في نفس البحر الذي كان قد قرض العلامة أبياته فيه. وعندما رأى هذا الرثاء بعض الكبار في المنطقة أعجبوا به و استعظموه منه، و أرسل أحدهم هذا الرثاء إلى قدرت علي خان الذي كان مديرا لصحيفة لبرل (Libral)، فنشره في صحيفته. عندما رأى العلامة شبلي هذا الرثاء أُعجِب به، و دعا سهيل و شجعه قائلا “ما كنت أتوقع منك ذلك، أين و متى تعلمت هذا الأسلوب.” يقول إقبال سهيل “بعد ما شجعني العلامة، اجترأت قليلا أن اعرض عليه أبياتي للإصلاح، فنصحني أن لا آخذ الإصلاح من أحد، بل أفكر في الشعر الذي أقوله، و انتقده بنفسي، و قال”كل إصلاح تقوم في شعرك بنفسك خير من أن يصلحه أستاذ.”

و بعد أن شجعه العلامة، و أثنى شعره، ذاع صيته في الأوساط الأدبية بأعظم جراه، و جعل شعراء المنطقة يراجعون إليه و يأخذون الإصلاح منه في شعرهم كما يقول سهيل “ما أن خرجت عدة كلمات ثناء من فم العلامة حتى أصبحت مركزا للمراجعة في سائر الأوساط الأدبية بأعظم جراه إلى أن جعل يستصلح مني بعض الشعراء طويل المرانة مثل عظيم الدين البدايوني، و تفضل حسين النوري الجونفوري، و شاه إمداد و غيرهم، و تركوا أستاذهم السابق زين العابدين المرحوم.”

شعره في المديح النبوي: الشعر في المديح النبوي متواجد باللغة الأردية منذ نشأتها الأولى، فنجده لدى قطب شاه الذي يعد أول شاعر خلف الديوان له بالأردية. و هناك بعض الشعراء الذين جعلوا المديح النبوي موضوعا خاصا لهم من أمثال كرامت علي خان الشهيدي، و أمير مينائي، و محسن الكاكوروي، و ألطاف حسين حالي، و أصغر علي أصغر الغوندوي. و إقبال سهيل يعد من بين الشعراء الذين سبق ذكرهم آنفا لأنه جعل المديح النبوي موضوعا خاصا له، ولم يتجاوز الحدود فيه، و لم ينحرف عن الصراط المستقيم، فإنه ركز على الواقعية والحقيقة في هذا المجال، ولا نجد في شعره إلا الصفات والخصائل التي تخص بالنبي والتي توجد في القرآن والسنة.

هناك كثير من الشعراء الذين يختارون في الشعر المدحي للنبي -صلى الله عليه و سلم- أسلوب الغزل و يمدحه كما يمدح حبيبهم، فيقعون في المبالغة، أما سهيل الذي كان يحب رسولنا الكريم –صلى الله عليه و سلم- حبا جما، و كان قد غرس حب النبي في قلبه أمثال الشيخ شفيع، و حميد الدين الفراهي، و العلامة شبلي، انحرفعن هذا الأسلوب العام، و مدح النبي –صلى الله عليه و سلم- مراعيا للأنبياء الآخرين، والفن الشعري رعاية كاملة. و هناك نورد بعض أبيات من قصيدته التي قاله في معراج النبي صلى الله عليه و سلم.

براق برق بيكر لى جلا يون ذاتِ أنور كو

فضا مين تير جائ جس طرح بجلي كي تاباني

حضور اس طرح كزرى كنبدِ ميناء كردون سى

نظر جس طرح شيشة سى كزر جاى بآساني

مفادها: طار بالرسول الكريم البراق في الفضاء مثلما يلمع البرق لمعا في السماء. مر النبي –صلى لله عليه و سلم- من قبة أدراج السماء كما تمر النظر من الزجاج.

و له قصيدة طويلة في مدح النبي بعنوان “موجِ كوثر”، و كل بيت من أبيات هذه القصيدة تنتهي بـ”صلى الله عليه و سلم” كما بالتالي:

أحمد مرسل، فخر دوعالم، صلى الله عليه و سلم

مظهر أول، مرسلِ خاتم صلى الله عليه و سلم

جسم مزكى، روح مصور، قلبِ مجلى، نور مقطر

حسنِ سرابا، خير مجسم صلى الله عليه و سلم.

شعره في الغزل: شعره في الغزل ملئ بعاطفة الحرية، والطموح، والشجاعة، والمروءة، والحماسة، والجودة، و يخلو من اليأس، والقنوطية، و الحسرة، والندامة، والماتم. إنه يحض الشباب على النشأة والطموح والعمل، و يمنعهم من أن يتحسروا، و يفقدوا العمل والأمل. و هناك نذكر بعض خصائص شعره في الغزل بإيجاز ليمكننا فهمأسلوبه و فكرته فيه.

إنه نظم في أكثر مطالع غزله قضاى تتعلق بالألوهية و جهاد الاستقلال. و في معظم غزله وحدة خيالية تجعل من الممكن أن نحدد عنوانا له. تصور عشقه ذو مستوى عال و يتشكل من العشق الحقيقي ولا شك في أنه في بعض الأحيان يلتزم بالعشق الحقيقي والمجازي معا. غزله يحمل في طياته نكات فلسفية دقيقة، و تتجلى فيه الأقدار الإنسانية، والإباء والعمل المتواصل، والطموح. أما أسلوبه فهو رمزي لأنه لا يحب في غزله طريقة مباشرة لتعبير عما في قلبه. و بالتالي أورد بعض أبيات من شعره في الغزل:

اك مين هي بد نصيب كرفتار غم نهين

دنيا أسير حلقئ زلف دراز هى

مفادها: أنا لست وحيدا وقعت في الغم، بل الدنيا كلها أسير.

هائ اس وقت حال دل بوجها

جب نة تهي تاب التجا مجه مين

مفاده: يا للأسف، إنها سألتني عن أحوالي عندما كانت قواى قد خارت.

آخر غرورِ حسن كو كهاني بري شكشت

ميرى نيازِ عشق كو خود دار ديكه كر

مفاده: في النهاية، انهزم الجمال الأبي عندما رأى العشق الغيور لدى.

وفا فروش نهين هم كي مثلِ لاله و كل

بهرين دكهاتى هوئ زخمِ خونجكا ابنا

مفاده: نحن لسنا بائعي الوفاء فنبدي جروحنا الدامية في كل مكان.

شعره المقاوم أو الشعر السياسي:قال سهيل أشعارا في كل صنف من أصناف الشعر بما فيه المدح، والقصيدة، والغزل مثلما فعل العلامة شبلي النعماني، و لكنه ركز في القضاى السياسية والوطنية والقومية، كما يقول الدكتور رشيد أحمد الصديقي “أدخل كل من العلامة شلبي و ظفر علي خان الشعر السياسي في الأردية، ولكن سهيل أدخل ملامح الطنز والطعن والصناعة فيها. ورث سهيل هذا عن شبلي، ولكنه أضاف في هذا التراث والتزم الطعن السياسي في شعره التزاما ما لم يلتزم شبلي بمثله و لا محمد علي و حسرت موهاني.” فـسهيل يعتبر شاعر الحرية والثورة و من الشعراء الأوائل الذين لهم دور في إيقاظ الوعي بين أبناء الشعب للمقاومة و السعي في سبيل الحرية والاستقلال. و بالتالي نورد بعض نماذج من شعره في هذا المجال:

اس طرف آئين كهان هين طالبانِ زندكي

هى دمِ شمشير خضرِ آستانِ زندكي

نذرِ زنجيرِ غلامي هو جوانون كا شباب

يى بهارِ زندكي هى يا خزانِ زندكي

سعئِ آزادي مين بيشاني سى تبكى جو عرق

اسكا هر قطره هى بحرِ بيكرانِ زندكي

آتشِ دوزخ سى رسوا تر غلامي كي حيات

مركِ آزادي بهشتِ جاودان سى كم نهين

زندكي كا راز يه هى اى عزيزانِ وطن

جان جاى بر نه جاى، حُرمتِ شانِ وطن

إنه قال قصيدة بمناسبة مغادرة الإنجليز في 23 فبراير 1947 و بعض أبياتها كما بالتالي:

جس نى يه جمن برباد كيا، مشرق كو غلام آباد كيا

وه قهرِ مجسم جاتا هى، وه سحرِ مصور جاتا هى

ديوانه سمجهتى تهى جوهمين، اب وه بهي سمجهتى جاتى هين

أيوانِ حكومت كا رسته، زندان سى بهي هوكر جاتا هى

لاله كو دبايا سنبل سى، قمري كو لرايا بلبل سى

جاتا تو هى صياد مكر، كلشن كو لتاكر جاتا هى

إنه قال عدة قصائد بمناسبة الاستقلال في 1947 بعناوين مختلفة منها “مبارك باد آزادي”، و “يومِ آزادي”، و “آزاديِ هند”، و نذكر بالتالي بعض الأبيات منها:

رخصت هى شبِ تارِ غلامي كا اندهيرا

وه سامنى هى صبحِ سعادت كا سويرا

بهارت سى بديسي كا اكهرنى لكا ديرا

لهراى ن كيون عظمتِ قومي كا بهريرا

آزاد هوا قيدِ غلامي سى وطن آج

إنه كان قد تأثر بالاضطرابات السياسية التي مرت بها الهند عند استقلالها، و الفرح، والسرور، والنشوة التي غامرته عند الاستقلال تحولإلى الحزن، فإنه كان يحمل في شعره الرسالة الإنسانية و كان يتمنى ان يعيش أهالي الهند حياة هنيئة بغض النظر عن الدين والعصبية الطائفية، و عندما طلبت منه السيدة سروجني نائدو الشاعرة الشهيرة بعد الاستقلال قائلة “يا سهيل، إنك قلت كثيرا في حرب الحرية، وعهد الاحتلال، و مكر الإنجليز، و لكن لم تقل شيئا عما حدث بعد الاستقلال، و عن الأحوال الراهنة في الهند”، فأنشد له في لقاء تال قصيدة عبر فيها عن حزنه لما طرأ على الهند من أحوال سيئة. و بعض أبيات هذه القصيدة كما بالتالي:

مجه سى بوجهو نه مزاجِ دلِ ناشاد أبي

ميرى نغمون مين هى كجه تلخئِ فرياد ابهي

بجليان آئين جو باهر سى وه رخصت بهي هوئين

شعله افكن هى مكر برقِ جمن زاد ابهي

لوتئى خاك اس آزادئ كلشن كي بهار

هى همارى لى يه جنتِ شداد ابهي

فكرِ تعميرِ نشيمن هو يهان كس كو سهيل

هوش كم كرده هين مرغانِ نو آزاد ابهي

مفادها:

خاتمة البحث:هذا الشاعر الجليل الذي قاوم ضد الاستعمار الانكليزي بموهبته الأدبية و انتاجاته الشعرية، والذي تغنى بقضاى الفلاح الهندي، و مشكلات عامة الناس، والذي أنشد للناس، و تعبيرا عن الناس، لم يحظ بالتعريف قدر ما كان يستحق في الأوساط الأدبية و لدى طلاب الأدب، فلا يظهر إسمه في كتب تاريخ الأدب الأردي المتداولة، وتذكرات شعراء الأردية رغم أنه يستحق كل الاستحقاق أن يُقرأ عنه و يُدرس شعره لسبب أفكاره الجميلة، و رسالاته السامية، و إنجازاته الشعرية.


 

المراجع:

  • نارنغ، البروفيسور كوبي تشاند، شاعرِ حريت و فطرت: جوش مليح آبادي، في، خليق أنجم، جوش مليح آبادي تنقيدي جائزه، أنجمن ترقي أردو هند، نئ دلهي، 1992، صـ 96.
  • الصديقي، رشيد أحمد، غنج هائ غرانمايا، مكتبة دانيال، كراتشي، سنة 1991، صـ 49.
  • خان، إقبال أحمد سهيل، كليات سهيل، دار المصنفين، شبلي إكادمي، أعظم جراه، ط2، سنة 2011، صـ 13.
  • نفس المصدر، صـ 13.
  • نفس المصدر، صـ 14.
  • نفس المصدر، صـ 16
  • الصديقي، رشيد أحمد، غنج هائ غرانمايا، مكتبة دانيال، كراتشي، سنة 1991، صـ 46-47.
  • زيدي، علي جواد، ….، في الدكتور إقبال أحمد، مجلة فكرو نظر، المجلد 24، علي جراه، سنة 1988.
  • الصديقي، رشيد أحمد، غنج هائ غرانمايا، مكتبة دانيال، كراتشي، سنة 1991، صـ 57.
  • ….
  • .خان،إقبالأحمدسهيل،كلياتسهيل،دارالمصنفين،شبليإكادمي،أعظمجراه،ط2،سنة 2011،صـ
  • برويز أحمد، إقبال سهيل كي غزلون كا تنقيدي مطالعة، رسالة إيم فيل، جامعة جواهر لال نهرو، سنة، صـ 61
  • الندوي، العلامة السيد سليمان، تابِش سهيل، في، خان، إقبال أحمد سهيل، كليات سهيل، دار المصنفين، شبلي إكادمي، أعظم جراه، ط2، سنة 2011، صـ 7.
  • الصديقي، رشيد أحمد، غنج هائ غرانمايا، مكتبة دانيال، كراتشي، سنة 1991، صـ 49.
  • الصديقي، رشيد أحمد، غنج هائ غرانمايا، مكتبة دانيال، كراتشي، سنة 1991.
  • الندوي، العلامة السيد سليمان، تابِش سهيل، في، خان، إقبال أحمد سهيل، كليات سهيل، دار المصنفين، شبلي إكادمي، أعظم جراه، ط2، سنة 2011، صـ8.
  • نفس المصدر

1
Leave a Reply

avatar
1 Comment threads
0 Thread replies
0 Followers
 
Most reacted comment
Hottest comment thread
1 Comment authors
nn n n Recent comment authors
  Subscribe  
newest oldest most voted
Notify of
nn n n
Guest

hllmlm,k