+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

أمير الشعراء أحمد شوقي: رائد المسرحية الشعرية
*د. محفوظ الرحمن

المسرحية لها أهمية كثيرة في الأوساط العلمية والثقافية وهي من إحدى الفنون الأدبية التي تقوم بدور فعال في تقديم القضايا الاجتماعية والسياسية ويستطيع الكاتب المسرحي أن يبرز بعض العيوب والقضايا عن طريق كتابة المسرحية مالا يستطيع أن يقوله أمام الجماهير وأهل السلطة في بعض الأحيان، ولاشك فيه إن مارون النقاش هو مؤسس المسرحية العربية الحديثة ولكن أحمد شوقي هو أول أديب وشاعر الذي كتب مسرحياته في الشعر وفتح بابا لكتابة المسرحية الشعرية ثم كتب كثير من المسرحيين مسرحياتهم الشعرية.

أسرته وثقافته: هو أمير الشعراء أحمد بن على شوقي بن أحمد شوقي ينتمي إلى عنصر تركي وآخر شركسي وعنصر يوناني وآخر عربي كردي كما ذكر الأستاذ شوقي ضيف في كتابه” شوقي شاعر العصر الحديث”.(1) ولد سنة 1869م(2) بالقاهرة ونشأ في بيئة عربية مسلمة ونشأ في رخاء ونعيم، وبعد ما أكمل دراسته الابتدائية والثانوية من مدارس القاهرة، لحق بمدرسة الحقوق واختار في طريق التعليم الطريق المدني كما يقول الأستاذ شوقي ضيف: “وواضح أنه أخذ تعليمه الطريق المدني، ولم يأخذ الطريق الديني، ونحن نعرف أنه كان بمصر حينئذ نوعان من التعليم: التعليم الديني الشرقي في الازهر وكان خاصا بالتراث الإسلامي وكان يتأثر بالقرون الوسطى وصورة العلوم فيها من لغة وطب وفلسفة وغير ذلك وهي صورة شاحبة ضئيلة، والتعليم المدني الغربي في المدارس وهو تعليم يستمد من أوربا ومن كتب العلم والأدب فيها، وقد بدأ في عصر محمدعلى ثم خمد في عصر سعيد وعباس، ثم عاد إلى النشاط والازدهار في عهد اسماعيل. وفي هذا الاتجاه من التعليم المدني الأوربي سار شوقي، وحينما أتم تعليمه الثانوي ألحقه أبوه بمدرسة الحقوق، ليدرس القانون”.(3)

وتخرج في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق في عام 1887م، وفي نفس السنة سافر إلى فرنسا على نفقة الخديوي توفيق لدراسة الحقوق فدخل في مدرسة “مونبليه” ودرس عامين ثم انتقل إلى باريس وظل بها عامين آخرين حتى حصل على اجازة الحقوق. وكان ينتهز له الفرص للتجول في البلاد الغربية والتعرف على الفنون الأدبية وزار إنجلترا، ثم عاد إلى مصر رئيسا للقسم الإفرنجي بالقصر، وأصبح من حاشية الخديوي الذي جعله شاعر البلاط. عرف أحمد خلال إقامته في الأندلس آثار المسلمين. لذلك نجد آثار الأندلس في قصائده العديدة مثلاً في قصيدته الشهيرة “اختلاف النهار والليل ينسى” وقصيدته “يا نائح الطلح أشباه عوادينا”.

وبعد أن أعلنت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م، كان الخيدوي عباس في تركيا فمنعه الإنجليز دخول مصر، ومنعوا دخول أنصاره أيضًا فنفي شوقي إلى أسبانيا.

وبايع الشعراء شوقي أميرا للشعر في عام 1927م كما يقول البروفيسور أيوب تاج الدين الندوي: “وفي عام 1927م أقام شعراء العربية مهرجانا شعريا في القاهرة لتكريم شوقي فتوافد على القاهرة شعراء العرب من كل مكان وأعلنوا مبايعتهم لشوقي أميرا للشعر”.(4) وظل أحمد شوقي في مكانة مرموقة في نفوس العرب حتى توفي في عام 1932م.

ولا شك فيه أن أحمد شوقي هو كاتب وشاعر كتب المسرحية في الشعر وله ريادة في هذا المجال في إبراز هذا النوع من الشعر التمثيلي إلى نطاق الوجود.(5) عندما وصل أحمد شوقي إلى فرنسا فأتاحت له فرصة الاتصال بالمسرح والاطلاع على الأدب المسرحي، وكان شوقي يذهب إلى المسرح “الكوميدي فرانسيز”، ومن هذا الطريق عرف كثيرا من مسرحيات كلاسيكية ورومانتيكية وحديثة، ودفعته هذه المعرفة إلى كتابة مسرحية “على بك الكبير” في عام 1893م.(6) وكانت هذه أول محاولة له في التاليف المسرحي، ولكن توقف بعد ذلك إلى سنة 1927م من كتابة المسرحية ثم في نفس السنة كتب مسرحياته الشعرية فأخرج مسرحية “مصرع كليوباترا” و “مجنون ليلى” و “عنترة” و “قمبيز” و “أميرة الأندلس” هي واحدة في النثر وأخيرا كوميديا “الست هدى”.

قد تناول شوقي  مادته الأولية في مسرحياته مثل الأدباء الآخرين من التاريخ وأومن الحياة الاجتماعية المعاصرة، واستفاد من التاريخ وكتب عليه مأسيه الست إلا الملهاة الوحيدة وهي “الست هدى” وكما يقول الدكتور محمد مندور: “وأما التاريخ الذي اختاره شوقي فقد كان إما تاريخ مصر وإما تاريخ العرب وبالرغم من النزعة الوطنية المسيطرة وانحلال وهزيمة في تاريخ مصر أو تاريخ العرب، فمصرع كليوباترة’ تصور فترة انتهاء استقلال مصر ووقوعها تحت سيطرة الرومان و”قمبيز” تصور سقوطها في يد الفرس و”على بك الكبير” تصور الانحلال الأخلاقي وتأجج الشهوات بين الممالك خلال الحكم العثماني الفاسد و”أميرة الأندلس” تصور انهيار حكم الطوائف في أسبانيا، وأما “مجنون ليلى” و”عنترة” فقد اختارهما الشاعر لشهرتهما الشعبية، ولجريان حوادثهما حول شاعرين كبيرين يلائمان مزاجه كشاعر غنائي”.(7)

مسرحيات شوقي

1-مسرحية مصرع كليوباترا :

مسرحية “مصرع كليوباترا” هي أول مسرحية كتبها شوقي بعد أن بدأ كتابة المسرحيات في عام 1927م، وتناول لهذه المسرحية تاريخ مصر، وقد اختار الكاتب فترة من أواخر عهد البطالة حيث كانت تحكم هذه الملكة من أحداث منذ معركة “اكتوم” البحرية إلى أن انتحرت، وذلك خلال عام30 قبل الميلاد. ومعروف ـــ من ناحية التاريخية ـــ أن كليوباترا كانت تحكم مصر خاضعة لنفوذ روما، وأنها كانت على كثير من التحرر والأنانية فاتصلت بالقائد الروماني”أنطينو” وصارت منه في مكان العشيقة، ثم حين دخل هذا العشيق في صراع على السلطة مع خصمه ومنافسه”أكتافيوس” وحين اعتمد انطينو على مساعدة كليوباترا، ووقوعها بأسطولها وقواها إلى جانبه في معركة أكتيو البحرية، مالبثت هذه المرأة أن انسحبت من المعركة تاركة حليفها وعشيقها يواجه الهزيمة وحده وبعد أن عاتبها وتصافيا،عادت فبعثت إليه من يخبره أنها انتحرت ولهذا انتحر يائسا وقبل أن يموت عرف أنها لم تمت وأنه قد خدع، وأخيرا حين وصل أكتافيوس إلى الإسكندرية حاولت أن تخدعه هو الأخر، ولكنه ضيق عليها الخناق فانتحرت لفشلها في إغراء هذا الرجل الجديد وختمت هكذا بعد سلسلة من التصرفات غير الحميدة.(8) وهذه نموذج هذه المسرحية الشعرية :

   أنا أنطونيو وأنطونيو أنا

                        مالروحينا عن الحب غنى

   وغننا في الشوق أوغنى بنا

                        نحن في الحب حديث بعدنا

   رجعت عن شجونا الريح الحنون

                        وبعيننا بكى المزن  الهتون

   وبعثنا من نفاثات الشجون

                        في حواشى الليل برقا وسنا

   غردي يا كأس واشهد ياوتر

                        وارد يا ليل و حدث يا سحر

   كما جنينا من ربى الأنس أسمر

                        و رشفنا من دواليها المنى

   الحياة الحب والحب الحياة

                        هو من سرحتها سر النواة

   وعلى صحرائها مرت يداه

                        فجرت ماء و ظلا و جنى

   نحن شعر و أغاني غدا

                        بهوأنا راكب البيد  حدا

   وبنا الملاح في اليم شدا

                        وبكى الطير وغنى موهنا

   من يكن في الحب صحى بالكرى

                        أو بمسفوح من الدمع جرى

   نحن قربنا له ملك الثرى

                        ولقينا الموت فيه  هينا

   في الهوى لم نال جهدا الموثر

                        وبقينا مثلا في الأعصر

   هو أعطى الحب تاجي قيصر

                        لم لا أعطى الهوى تاجى منا…(9)

2- مسرحية مجنون ليلى :

هي مسرحيته الثانية كتبها شوقي في عام 1931م قبل سنة من وفاته وهذه المسرحية تعتمد على التاريخ العربي، وأما أحداثها فتدور على الشاعر قيس ابن الملاح وحبيبته ليلى، هذه القصة التي حفتها بعض الأساطير ولكنها كانت وما لا تزال من أروع صورة الحب العذري الذي كان شهيرا في نجد والحجاز في أيام العهد الأموي، ومن هذه المسرحية نموذج من الأبيات هنا :

          سجا الليل حتى هاج لي الشعر والهوى

                               وما البيد إلا الليل والشعر والحب

          ملأت سماء البيد عشقا و أرضها

                               حملت  وحدي  العشق  يا  رب

          ألم على أبيات ليلى بي الهوى

                               وما غير أشواقي دليل ولا ركب

          وباتت خيامى خطوة من خيامها

                               فلم يشفني منها جوار ولا قرب

          إذا طاب قلبي حولها جن شوقه

                               كذلك يطفى الغلة المنهل العذب

          يحن إذا شطت ويصبوا إذا دنت

                               فيا ويح قلبي كم يحن وكم يصبر..(10)

3- مسرحية عنترة :

   مسرحية “عنترة” استلهم الكاتب لهذه المسرحية من التاريخ العربي وتدور أحداث المسرحية على قصة الفارس الجاهلي عنترة بن شداد العبسي وحبيبته ابنة عمه عبلة، وأدخل في القصة كثيرا من أساطيرذلك الزمن حتى إننا نجد في المسرحية قصص الحب الجيدة والفروسية التي تجري بين شخصيات المسرحية، وهذا نموذج من هذا المسرحية الشعرية :

          لم أنس ذكرك والرماح تسيل

                               درعى وتصبغ مشفرى بالعندم

          ولقد ذكرتك والرماح نواهل

                               منى وببيض الهند تقطر من دمى

          فمضيت عتنق الرماح لأنها

                               خطرت كأسمر قدمك  المتقدم

          ووددت تقبيل السيوف لأنها

                               لمعت كبارق ثغرك المتبسم..(11)

4-مسرحية قمبيز :

   تدور أحداث هذه المسرحية على تاريخ مصر وقدم فيها المؤلف فترة حاسمة من التاريخ المصري وهي فترة القضاء على استقلال مصر، ووقوعها في يد الفرس بعد غزو غاشم قام به الملك الفارسي الطاغية “قمبيز” في أواخر القرن السادس قبل الميلاد، ومن نموذجها الشعري حيث تدخل مسرحية البطلة “نتيتاس” على فرعون لتعرض عليه قبولها للتضحية :

   فرعون :      من أرى؟ إنه لحظ عظيم     نتيتاس بنت الفراعين عندي

   نتيتاس:       التحايا لعرش مصر المفدّى   من أبى ساكن السماء وجدي

   فرعون:       وسلام الذي على عرش مصرٍ       لا تؤدينه ؟

   نتيتاس:        وكيف أودي ؟

          ليس بين ابنة وساقى ابيها    غصة الموت من سلام وردّ

          إن حقدي عليك دين و بر    رب لا يذهب العقوق بحقدي

   فرعون:       احملى الحقد لي أو اطّرحبه   وتمنى علىّ جاهى و رفدي

                        اسأل تسأل أباك . . .(12)

5- مسرحية الست هدى:

تعد “الست هدى “من الملهاة الوحيدة التي كتبها أحمد شوقي وهي من آخر أعماله المسرحية وقد توفي قبل أن ينشرها. وتناول الكاتب فيها أحداثا اجتماعية تجرى في حي الحنفى في القاهرة وكما يقول الدكتور أحمد هيكل عن هذه المسرحية :

“وقد عالج شوقي في هذه المسرحية موضوعا اجتماعيا، وهو موضوع تكالب بعض الرجال على الزواج من المرأة الغنية طمعا في ثروتها، واستغلال بعض النساء هذا التكالب في إذلال هؤلاء الرجال والعبث بهم، واستناد إلى الثروة واعتمادا على جاه المال وأدار المؤلف هذه القضية حول سيدة عجوز متصابية مؤسرة، فيها ذكاء ودهاء وبصر بأنواع الرجال وهي “الست هدى” فهي تتزوج من عشرة الرجال مختلفى الثقافة والمكانة والبيئة والطباع ولكنهم جميعا يشتركون في الطمع في مالها، ويخضعون غالبا لسلطانها، فهذا عمدة ريفى وهذا أديب عاطل وهذا فقيه تزمت بالإضافة إلى الضابط والمقاول والمؤظف وغيرهم، وقد مات هولاء فورثتهم ولم يرثوها. ثم تزوجت محاميا سكيرا مفلسا وطلب منها أن تعطيه من مالها لكي يغطى نفقاته، فرفضت وثار ثم تشاجرا.

 وكانت النتيجة أنها طلقته لكون العصمة بيدها، وأخيرا تزوجت من ثري من أثرياء الريف ظانة أنه لن يطمع في مالها، ولكنه هو الآخر طمع فيه كسابقيه، وأكثر من الاستدانة أملا في التسديد من ميراثه من “الست هدى” غير أن الاقدار تسخر منه أيضًا، فحين ثمرت “الست هدى” لا يرث منها مليما، لأنها تكون قد كتبت كل ثروتها لجيرانها وخدمها ولأعمال البر”.(13)

والحقيقة نجح شوقي في هذه المسرحية في إبراز العيوب الاجتماعية من الانحرافات والنفاق والطمع والتبطل والاستقلال وغيرها في أسلوب أحسن وجذاب وأقدم نموذجا من هذه المسرحية في حديث يجري مع “الست هدى” وجارتها “زينب” :

   الست هدى :

          يقولون إلى قد تزوجت تسعة  وإنى واريت الشراب رفاقي

          وما أنا عزريل وليس بمالهم  تزوجت لكن كان ذاك بمالى!

          وتلك فدا ديني الثلاثون كلها  تولى رجال جئتنى برجال

          فما أكثر عشاقي !          وما أكثر خطابي

          ولولا المال ما جاءوا         أذلاء إلى بابي

          لست ما عشت ناسية        لست أسلو حياتيه

          أولى البخت مصطفى        مصطفى كان سارية

          حين يمشى تظنه            نخلة المرج ماشية

          مات! فكدت أموت حزنا     وكان عمري عشرين عاما

          ثم تزوجت بعد خمس        من ذا يرى فعلتى حراما ؟

   زينب :

          أجل تعيشين وتدفنينا         حتى تصيبي منهم البنينا

   الست هدى :

          وزوجي الثاني على          ما كان بالصالح لي

                        يا ليتني لم أقبل ! …(14)

وكذلك تجري المحادثة بين “الست هدى” و “زينب” وتذكر كل زوجها إلى آخر المسرحية.

ولا شك فيه أن أحمد شوقي له دور بارز في تطوير الفن المسرحي وخاصة المسرحية الشعرية وتأثر بها كثير من الكتاب المسرحين الذين ساروا على نهجه كما ذكر المسرحي الكبير علي أحمد باكثير الذي رأى مسرحياته الشعرية زمن إقامته في الحجاز فتحير وكان معجبا بها. ثم كتب ثلاث مسرحيات في الشعر، وفتح شوقي بابا للمسرحية الشعرية لمن أتى بعده، فله مكانة مرموقة عند الكتاب والمؤلفين الذين نهلوا من مناهله المسرحية الشعرية.

الهوامش والمصادر:

1- شوقي ضيف- شوقي شاعرالعصرالحديث، دارالمعارف القاهرة ط7، ص:9

2- د.أحمد هيكل- الأدب القصصي والمسرحي في مصر، دارالمعارف القاهرة ط3،ص:301

3- شوقي ضيف- المصدر السابق ص:12

4- د.محمد أيوب تاج الدين الندوي- الشعروالشعراءGood Word Books Pvt.Ltd New Delhi, 2005  ص:40

5- أحمد شوقي- مقدمة الست هدى ، مكتبة مصر، القاهرة ، ص:5

6- د. محمد مندور- المسرح، مكتبة مصر، القاهرة، ص:19

7- د. محمد مندور- مسرحيات شوقي، نهضة مصرللطباعة والنشر2005م ص:30

8- د.أحمد هيكل- الأدب القصصي والمسرحي في مصر، المصدر السابق ص:307

9- أحمد شوقي- مصرع كليوباترا،(مسرحية) دارمصرللطباعة، سعيد جودة السحاروشركاؤه ص:46-47

10- أحمد شوقي- مجنون ليلى،(مسرحية) دارمصرللطباعة ص:48

11- أحمد شوقي- عنترة،(مسرحية) دارمصرللطباعة ص:111-112

12- أحمد شوقي- قمبيز،(مسرحية) دارمصرللطباعة ص:

13- د.أحمد هيكل- الأدب القصصي والمسرحي، المصدر السابق ص:360

14- أحمدشوقي- الست هدى،(مسرحية) دارمصرللطباعة ص:13-14

*أستاذ ضيف بقسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيودلهي، الهند.

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of