+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي والصحوة الإسلامية في تركيا
الأستاذ عظمت الله الندوي

من سنة الله تعالى أنه أرسل أنبياءه الصالحين إلى كل قوم وشعب، وفي كل عصر ومصر منذ الخليقة ليسلك العالم كله الطريقة المستقيمة التي ارتضاها الله لعباده حتى يحصل لهم النجاح في الدارين، واستمر هذا النظام الإلهي إلى بعثة خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله الأمين الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة إلى يوم الدين .

وجاءت البعثة المحمدية الأخيرة مقترنة ببعثة أمة وصفت بـ”أمة وسط” كما جاء في التنزيل الحكيم “وجعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس”([1]) وجاء في موضع آخر ” كنتم خير أمة أخرجت للناس” ([2]) لتقوم هذه الأمة بنشر كلمة الحق وأداء مسئولية الوصاية على البشرية بأكمل وجه، ولذا يقيض الله سبحانه وتعالى رجالا من هذه الأمة من حين لآخر لينفخوا روح الإسلام من جديد في أفراد الأمة ويدعوهم إلى الدخول في الإسلام كافة في ضوء ما جاء في القران الكريم “ياأيها الذين أمنوا أدخلوا في السلم كافة”([3]) ليصلحوا المجتمع الإسلامي ويحفظوا الأمة من تحريف الغالين وتأويل المنتحلين .

ومن الواضح أن العالم دائما بحاجة ماسة إلى إحياء الدين وتجديد الفكر الإسلامي وإحلال الصحوة الإسلامية في صفوف أتباع هذا الدين الإسلامي ليتصفوا بروح الإيمان والإسلام، لأن من سنة الله على الأرض أيضاً أن يشهد التاريخ الإنساني مراحل التدهور والانحطاط في الأخلاق والسلوك وأعمال الخير والإنسانية مع مرور الزمن بما تكسبه أيدي الناس .

ونرى في ضوء ذلك أن الأمة الإسلامية أنجبت مجددين ومصلحين بذلوا قصارى جهودهم ونذروا نفوسهم ونفائسهم في سبيل إعلاء كلمة الله وإرشاد البشرية على المستوى الإقليمي والعالمي، ومن أبرز هؤلاء المجددين والمصلحين الداعية الشيخ سعيد النورسي الملقب بـ “بديع الزمان” لأنه كان من بدائع الزمن ونوادره من حيث توفير استجابة إسلامية للتحديات الغربية وإيجاد الصحوة الإسلامية في المجتمع الإسلامي على أساس الكتاب الإلهي والسنة النبوية، وقيض الله هذا الداعية في تركيا حينما كانت تئن هذه البلاد تحت براثن العلمانية الظالمة والحضارة الغربية الجالبة للأضرار اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، وكانت الظروف والأوضاع القاسية تدفع تركيا إلى التخلي عن نور الإسلام وضياء القرآن باسم الحضارة الغربية باعتبارها حاجة الوقت ونداء الزمان.

وفي جانب آخر كانت الأمة الإسلامية قد أصبحت هادئة وراضية لكل ما يقع في العالم، فكانت خاضعة للقوى الغربية وتقدم لها كل معونة، إذ كان المجتمع الإسلامي ولاسيما المجتمع التركي يخضع للعصبيات الدموية والقومية، وكانت هنا حاجة إلى إحداث ثورة في التفكير.

ومن فضل الله على المجتمع التركي وعلى شعبه المكافح، أن قيض الله له رجلا ربانيا ألا وهو الشيخ “بديع الزمان سعيد النورسي” الذي نبّه الغافلين وأزال جهل الجاهلين بتوفيق الله جل وعلى، وسعى جاهداً لتنشئة جيل مؤمن قوي البنيان، يؤمن بعقيدة التوحيد الخالص، والشريعة الإسلامية والأخوة الإسلامية والتضامن وحب الخير للإنسانية جمعاء.

وجاء إصلاح هذا المجتمع والبلد على يد هذا المصلح الكبير عن طريق إحياء الدين الحنيف والشريعة السمحاء والصحوة الإسلامية المعتمدة على كتاب الله وسنة رسوله الخاتم ليخرج من شاء الله، من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي وعصره: (1877-1960م)

ولد الشيخ سعيد النورسي في منطقة نورس بشرق تركيا عام 1877م ([4]) في آخر عهد الدولة العثمانية، ولقبه أساتذته بـ”بديع الزمان”، حفظ الشيخ النورسي عن ظهر القلب متون تسعين كتابا حول إزالة الشكوك والشبهات المثارة على الدين، ودحض الأباطيل، بما أصبح النورسي بديعا وفريدا بفضل تفوقه على معاصريه واختيار منهج الدعوة بغية إصلاح المجتمع على أساس القرآن، فيما فضل النورسي الرجوع دوما إلى الآيات القرآنية، حيث نرى أن الشيخ النورسي يبدأ كل كتاباته في رسائل النور بآي من القرآن الكريم، وذلك “وإن من شيئ إلا يسبح بحمده”([5])، وبذلك سعى الشيخ إلى إثبات أن في كل شيء من الموجودات والمخلوقات حركة، مما يدل على وجود الله يعنى أن جميع الأشياء سواء كان قديما أو حديثا ينطق بحمد الله وقدرته.

وتعلم الشيخ النورسي العلوم الدينية والعصرية الحديثة مثل التاريخ والجغرافيا والرياضيات والجيوليوجيا والفيزياء والكيمياء والفلسفة وأمثالها من العلوم العصرية الحديثة، ونال النبوغ والبراعة فيها.

وعاش “سعيد النورسي” حياة محفوفة بالمخاطر والمغامرات والعقوبات بسبب مواقفه وانتقاد الحكام والأمراء على ترويج الرسوم والعادات الغربية والأفكار الإلحادية في المجتمع التركي، ونتيجة لذلك أمضى فترة طويلة من حياته في السجون والنفي، وشملت حياته قسطاً كبيراً من تاريخ تركيا الحديثة   .

تركيا في عصر الشيخ سعيد النورسي:

شهدت تركيا في عصر الشيخ سعيد النورسي، العديد من القوانين والكثير من القرارات الرامية لقلع الإسلام من جذوره وإخماد شعلة الإيمان في قلب أفراد الأمة التي رفعت رأية الإسلام طوال قرون من الزمن، إذ كان قد مُنع تدريس العلوم الدينية في المدارس كلها وبدلت الأرقام والحروف العربية في الكتابة إلى الحروف اللاتينية، وحرم الآذان الشرعي وإقامة الصلاة باللغة العربية، كما كان قد تم فرض الحظر على طباعة الكتب الإسلامية حتى أُرغم الناس على تغيير الزي إلى الزي الأوروبي، فالرجال أرغموا على لبس القبعة والنساء على السفور والتكشف حتى تشكلت محاكم زرعت الخوف والإرهاب في طول البلاد وعرضها ونصبت المشانق لعلماء أجلاء ولكل من اعترض على السلطة الحاكمة، فَسَادَ الذعر والإرهاب في مختلف أرجاء البلاد.

وأصبح الناس يخشون تلاوة القرآن الكريم علنا في البلاد، وقامت الصحافة العلمانية بنشر التحرر الخلقي والإباحية والاستهزاء بالدين، وانتشرت كتب الإلحاد حتى حلت كلمات الطبيعة والتطور والقومية التركية محل كلمات الله والرب والخالق والإسلام .

إضافة إلى ذلك، كان المعنيون بالتعليم يحاولون لمسح كل أثر إيماني من قلوب الطلاب الصغار إذ أصبحوا يلقونهم الفلسلفة المادية وإنكار الخالق والنبوة والحشر، وسعت السلطة الحاكمة من جانبها آنذاك، لتسخير جميع الإمكانيات وأجهزتها وقوتها ومحاكمها ليتم قطع كافة العلاقات التي تربط هذه الأمة بدينها، وذلك من خلال نزع القرآن من قلوبهم، بحيث أنها قررت جمع المصاحف من الناس وإتلافها، حيث كان قد بلغ السيل الزبى وكان الوضع حسب ما قال شاعر عربي:

لمثل هذا يذوب القلب من كمد         إن كان في القلب إيمان وإسلام

وقدّم الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك في 3 مارس 1924م ([6]) مشروعا تحولت به الدولة التركية إلى دولة علمانية (Secular State) وألغى منصب الخلافة ليصبح أول من قاد حكومة تركيا العلمانية، وتبنى النموذج الغربي في الحكم والحضارة والثقافة والحداثة، وإنه فرض هذا النموذج قسراً واكراهاً على المجتمع التركي المسلم، وفي نفس الفترة كان الزعيم الآخر ضياء كولب دعا إلى ضرورة سلخ تركيا عن الإسلام وتكوين تركيا تكويناً غربياً على أساس القومية .

دعوة الشيخ النورسي:

وفي ظل هذه الظروف والأوضاع الإلحادية، عقد الشيخ النورسي العزم على إحلال الصحوة والتوعية الإسلامية في البلاد، وعانى الشيخ في سبيل إنجازها من عقوبات السجن والنفي والاضطهاد والتشريد، وانطلق مشروعه الدعوي ضد الإلحاد والعبودية والعنصرية، إذ رفض داعية الإيمان القرآني الكبير “بديع الزمان سعيد النورسي” كافة المحاولات الرامية لقطع صلات المجتمع التركي بالإسلام تحت شعار عصرنة المجتمع وعلمنته كل الرفض، فواجه هذه السياسات بجهوده الدعوية والتربوية وكان هدفه الأسمى هو الإيمان ضد الإلحاد والعلمانية لأن المجتمع التركي الذي كان يعيش فيه الشيخ النورسي، شهد فترة قاسية لم يشهد لها التاريخ مثيلا من ناحية التمسك بأحكام الشريعة الإسلامية كما جاء ذكره سالفاً.

هـــذا، وأحس الشيخ النورسي بضرورة إطلاق الحملات التوعوية وبعث الصحوة الإسلامية بغية إصلاح الأمة والبلاد من خلال الدعوة إلى تجديد الإيمان والرجوع إلى الدين والشريعة وإحقاق الحق وإبطال الباطل على غرار تلك الطريقة القرآنية التي طبقها رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، على المجتمعات الجاهلية والبدوية حتى حولها إلى مجتمع تفوّق على جميع المجتمعات والشعوب بفضل الله كما جاء في القرآن الكريم “وفضلناهم على كثير ممن خلق تفضيلا”([7]). الأمر الذي يثبت أن الإسلام هو الحل الوحيد والخيار البديع لكل نجاح وفلاح في الدنيا والآخرة، وهذه هي الطريقة والسلاح الذي تحلى به الشيخ النورسي واستخدمه لإصلاح انحراف البلاد والقضاء على عادات قومه ورسومه الفاسدة .

ودعا الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي البرلمان التركي إلى الاهتمام بالدين والشعائر الدينية وضرورة العبادة ولاسيما الصلاة، فيما أنه تحدى حكام البلاد بكل صراحة وشجاعة دون خوف من لومة لائم أو عقوبة معاقب، قائلا:- “باشا .. باشا.. إن أعظم حقيقة في الإسلام ـ بعد الإيمان ـ هي الصلاة، والذي لا يصلي خائن، وحكم الخائن مردود” ([8]).

ومما يجدر بالذكر أن دعوة الشيخ النورسي التي كانت تعتمد على منهج شامل منضبط بالمصدرين هما القرآن والسنة، ركزت على مواجهة كل التحديات والمخاطر التي كانت تريد تشويه هوية هذه الأمة ومسخ شخصيتها وإبعادها عن عقيدتها ورسالتها الخالدة حيث لم يجد الشيخ النورسي المنهج الشامل في أي علم من العلوم التي درسها ولا في الكتب الضخمة التي قرأها، إنما وجد ذلك المنهج في القرآن الكريم والسنة النبوية فحسب، وكان من أهم ميزات الدعوة النورسية هي التأكيد على ضرورة الانسجام مع الفطرة الإنسانية والتناغم معها.

ولا يفوتني أن أترك ذكر بعض أهم النقاط التي تكمن في نجاح حركة الإصلاح والتجديد التي قادها الشيخ نورسي في البلاد التي كان قد بلغ فيها الضلال والانحراف كل مبلغ، وهو الإخلاص والعمل الخالص لوجه الله ولدينه ولكلمته، كما يبدو كل ذلك في كتاباته ورسائله التي تستند إلى حقائق القران الحكيم وتتميز بالدعوة القرآنية، وكانت قد أصبحت خدمة القرآن غاية الحياة للشيخ النورسي ويتضح ذلك عندما علم الشيخ من الوالي طاهر باشا أن أوروبا تحيك مؤامرة خبيثة حول القرآن الكريم، وسمع منه أن وزير المستعمرات البريطاني آنذاك قال “ما دام هذا القرآن بيد المسلمين فلن نحكمهم حكما حقيقيا، فلنسع إلى نزعه منهم”، فثارت ثائرة الشيخ النورسي واحتد وغضب وجعل يغير اتجاهاته الفكرية مستخدما جميع العلوم المتنوعة المخزونة في ذهنه كمدارج للوصول إلى إدراك معاني القرآن الكريم وإثبات حقائقه. ولم يعرف بعد ذلك سوى القرآن هدفه لعمله وغاية حياته. وأصبح القرآن الكريم دليلا ومرشدا واستاذا له حتى أنه أعلن لمن حوله: لأبرهنن للعالم بأن القرآن شمس معنوية لا يخلو سناها ولا يمكن إطفاء نورها ([9]).

ونرى في كتابات الشيخ النورسي أنه نظر إلى كل شئ بمنظار الإسلام استنادا إلى آيات القرآن أوالحديث النبوي الشريف إذ أنه عارض كل ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية سعيا لصبغة كل شئ بصبغة إسلامية في الوقت الذي كان يحاول فيه الغرب فرض الطابع الغربي على المجتمع التركي اجتماعيا وفكرياً، وكانت قد لجأ الغرب لتحقيق أغراضه وغاياته، إلى مختلف الكلمات والتعبيرات والتوجيهات بما فيها القومية والعنصرية والعصابات الدموية والجنسية لجعل المجتمع الإسلامي ولاسيما التركي مجتمعا إلحاديا وعلمانيا .

وبذل الشيخ سعيد النورسي قصارى جهده لأجل صبغة شعبه التركي بالصبغة الإسلامية، كما أنه قاوم بشدة كافة المحاولات الغربية والمادية والدسائس الغربية التي تتمثل في القومية والعنصرية، كما كتب الشيخ في كتاباته:-

“إن الإسلامية دين التوحيد الحقيقي، فيسقط الوسائط والأسباب. ويكسر الأنانية. ويؤسس العبودية الخالصة. ويقطع ربوبيات باطلة ويردها، من ربوبية النفس إلى كل نوع ربوبية منها” ([10]).

وكما ركز الشيخ النورسي في نفس السياق، على تبنى الطريقة الإسلامية وعدم التغريب والتحزب ليمكن جعل المجتمع الإسلامي مجتمعا صالحا يعتمد على الأخوة الإيمانية والإسلامية حسب تعبيره في مختلف الأماكن في كتابه “رسائل النور” :-

أن التحزب إن كان باسم الحق يكون ملجأ للمحقّين. ولكن التحزب بحساب النفس وعلى وجه الغرض، كما في الوقت الراهن، فإنه ملجأ للمبطلين. فيشكل لهم نقطة استناد، لأن من يتحزب على وجه الغرض إن أتاه الشيطان وأعان فكره وأظهر ولآءه، يقرأ ذلك الرجل، الرحمة على ذلك الشيطان. وإن جاء إلى الجانب المعارض رجل كالملك، يظهر له بغيا بحيث يقرأ اللعنة عليه، حاشا …. ([11]).

ودعا الشيخ سعيد النورسي شعبه إلى العمل مهما كانت نوعيته ومكانته لصالح الحياة الإنسانية كلها، بكل إخلاص ولوجه الله تعالى، وإنه أوضح هذه النقطة عن طريق ذكر حادثة تتعلق بسيدنا علي رضي الله عنه قائلا :-

إن الإمام عليا رضي الله عنه ألقى بكافر على الأرض. فلما سل سيفه وأراد أن يقطع رأسه، بصق عليه ذلك الكافر. فتركه الإمام ولم يذبحه. فقال له ذلك الكافر: لماذا لم تذبحني. قال: كنت أذبحك لله، ولكن بصقت علي. فثار بي الغضب. فانتقض إخلاصي، لأنه خالطه حظ نفسي، فلذلك ما ذبحتك. فقال له ذلك الكافر: كان ذلك لإثارة غضبك لتذبحني فوراً. فإذا كان دينكم صافيا وخالصا بهذه الدرجة، فذلك الدين حق….([12]) .

وكذلك أكد الشيخ النورسي على ضرورة الأخوة الإيمانية والإسلامية في كتابه رسائل النور:-

فيا أهل الإيمان! إن أردتم أن لا تدخلوا تحت الأسر في الذل، فارجعوا بعقولكم إلى رؤسكم وادخلوا في قلعة قوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) وتحصنوا في قلعته القدسية. وإلا فلا تستطيعون أن تحافظوا على حياتكم، ولا أن تدافعوا عن حقوقكم. ومن المعلوم: أن صبيا يستطيع أن يضرب بطلين إذ هما يتصارعان. وإذا وجد جبلان في ميزان في توازن، يستطيع حصاة أن تفسد موازنتهما وتلعب بهما. فترفع أحدهما إلى الأعلى، والآخر إلى الأسفل ….

فيا أهل الإيمان! إن قوتكم تنزل من أجل احتراصاتكم وتحزباتكم الخصومية، إلى درجة العدم. فيمكن أن تسحقوا بقوة يسيرة. فإن كان لكم علاقة بحياتكم الاجتماعية، فاجعلوا دستور (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا) ذلك الدستور العالي، دستور حياتكم. وانجوا عن السفالة الدنيوية والشقاوة الأبدية … ([13])

وخاطب الشيخ النورسي مجتمعه وشعبه التركي قائلا:

يا أيها الأخ الترك!.  احذر أنت خاصة. فإن قوميتك قد امتزجت بالإسلامية. وليست قابلة للتفريق. فإن فرقت فإنك هالك. وجميع مفاخرك في الماضي سجلت في دفتر الإسلام. فهذه المفاخر لا تمحا بأي قوة على وجه الأرض .. فلا تمح تلك المفاخر عن قلبك بوساوس الشياطين ودسائسهم …..([14])

وخلاصة القول إن كل ما سبق ذكره يثبت أن الشيخ النورسي حاول من خلال دعوته القرآنية إلباس كل ما له أي صلة أو علاقة بالإنسان والبشر من الاتجاهات والنزعات والأفكار والتوجهات، بلباس الإسلام، وأذكر هنا بعض آراء الكتاب والمحللين، حيث يقول الكاتب “عبد الحليم عويس” إن النورسي أكد على ضرورة الالتزام بالرؤيا الإسلامية للإنسان لأنها متوازنة بلا إفراط ولا تفريط بينما أن المذاهب الجماعية والفردية وعبادة العقل والحرية قادت الغرب إلى الدمار .

وجاء قول “د. برغوث” في مقال حول “الحداثة والتجديد في فكر سعيد النورسي”، ينص على أن الشيخ “بديع الزمان سعيد النورسي” أطلق صياغة نظرية إسلامية للتجديد تركزت على إصلاح الإيمان والتربية والثقافة والسلوك، وعلى ضرورة تبني منهج قرآني إيماني توحيدي لجعل المجتمع التركي مجتمعا إسلاميا حديثا، وذلك سعيا لمواجهة دعوة فصل الأمة عن قرآنها المجيد من خلال العلمانية والعرصنة والنزعة القومية والعنصرية، حيث أن منهج النورسي هو أسلمة الحضارة فيما أنه لا يؤمن إلا بالجنسية الإسلامية لأن النورسي يعتقد بأن العنصرية والطائفية هما عدوتا الأمة الإسلامية ” .

لقد عرض الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي رحمه الله من خلال كتاباته ورسائله، حقائق تتمثل في صياغة أمة الإسلام من جديد بالصبغة الإسلامية عن طريق دعوة قرآنية ترجع الإيمان إلى القلوب، والصواب إلى العقول، والتزكية إلى النفوس، والطهارة إلى الوعي الإسلامي كله، وكان يريد الشيخ تجديد الفكر الإسلامي الخالد الذي يتمثل في إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن ضيق الدينا إلى سعة الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام .

***

المراجع

[1] . الآية الـ281 من سورة البقرة

[2] . الآية الـ110 من سورة آل عمران

[3] . الآية الـ 208 من سورة البقرة

[4] . إحسان قاسم الصالحي، سيرة ذاتية مختصرة لبديع الزمان سعيد النورسي/ص: 8

[5] . الآية الـ 44  من سورة الإسراء .

[6] . أبو الحسن علي الحسني الندوي، الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية، ص/59

[7] . الآية الـ    من سورة الإسراء .

[8] . إحسان قاسم الصالحي، سيرة ذاتية مختصرة لبديع الزمان سعيد النورسي/ص: 47

[9] . إحسان قاسم الصالحي، سيرة ذاتية مختصرة لبديع الزمان سعيد النورسي/ص:20-21

[10] . الملا محمد زاهد الملا زكردي: مجموعة المكتوبات من كليات رسائل النور/ص: 572

[11] . المصدر نفسه/ص: 345

[12]  المصدر نفسه. ص/346

[13] . المصدر نفسه /ص: 348

[14] . المصدر نفسه ص/420

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of