+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

طلب علم الدين أمر لا مناص منه
*د. محمود حافظ عبد الرب مرزا

إن الإسلام هو نظام شامل لجميع شؤون الحياة وسلوك الإنسان، حيث لا تقتصر التعاليم الإسلامية السمحة على العقائد والعبادات فحسب وإنما تتمثل في المعاملة والأخلاق والشؤون الإجتماعية والاقتصادية التي تشمل مختلف سبل كسب العيش والقوت مثل ممارسة التجارة والزراعة والصناعة والحرف المختلفة، فضلاً عن الشؤون السياسية والقضاء، أي أن الإسلام دين تشمل مبادئه وتعاليمه حياة الفرد والجماعة، ويتناسب مع تطلعات الإنسان الروحية وحياته العملية، وأن الإسلام لا يفصل بين العبادات وما تنطوي عليه من دلائل ومعان أخلاقية أو اجتماعية، الأمر الذي يعني أن على كل مسلم اتباع التعاليم الإسلامية السمحة والتقيد بها في كافة شؤون الحياة، متمثلاً بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[1]، أي ضرورة الأخذ بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره وترك جميع زواجره.

ومن المؤكد أنه لا يمكن للمسلم اتباع التعاليم الإسلامية وتطبيقها في حياته اليومية بدون الإلمام بهذه التعاليم ومعرفة أوامرها ونواهيها حق المعرفة، مما يضمن عدم تمكنه من العمل بها واتباع أوامرها والاجتناب عن نواهيها في حياته اليومية بدون اكتساب العلم. وعليه فإنه يجب اكتساب العلوم الدينية، والاهتمام بها على نفس المنوال الذي يتم فيه حالياً الجري والاندفاع وراء العلوم العصرية بدون الالتفات إلى العلوم الدينية معتبراً إياها بأن الزمن قد قضى عليها وأنها تلاشت عبر مروره، وأصبحت عديمة الصلة بالحاضر والواقع، كأن الخوض فيها لا يعود على المرء بالفائدة المرجوة.

ونرى أن الله سبحانه وتعالى قد أشار إلى ضرورة اكتساب العلم والاستفسار عن كل ما يثير اهتمام الشخص من القضايا الدينية من أصحاب العلم والمعرفة حتى يتم الإلمام والإحاطة بها، وبالتالي العمل بموجبها وتطبيقيها في الحياة اليومية، حيث يقول سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[2]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “طلب العلم فريضة على كل مسلم”. والعلم هنا هو علم الدين حتماً.

وبوضع ما ذكرناه أعلاه في عين الاعتبار، نرى أن من الواجب على المرء أن يسعى إلى اكتساب العلوم الإسلامية بقدر ما يضمن له صحة عقيدته وأداء الفرائض المكتوبة عليه بأحسن الطرق، والاجتناب عن ما نهى عنه سبحانه وتعالى ورسوله عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، فضلاً عن الإلمام بالتعاليم الإسلامية المتعلقة بالمعاملة والأخلاق والشؤون الاجتماعية والاقتصادية، ناهيك عن سبل كسب الرزق والوسائل التي يختارها المرء لأجل الحصول عليه، وتفاصيل الأمور ذات الصلة، كما يجب على كل عاقل وبالغ معرفة طرق العبادات مثل الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج وما إلى ذلك.

ألا يجدر بنا بعد معرفة هذه الحقائق المشار إليها أعلاه، أن نحاسب أنفسنا لنعلم مدى معرفتنا بديننا وتطبيقها في حياتنا اليومية!. ولكن هيهات هيهات، لأن الواقع لا يوحي إلا بواقع مرير لأننا بعيدون شتى البعد عن المعرفة بشؤون الدين، فكيف العمل بها وتطبيقها في حياتنا اليومية، لقد أصبحنا غافلين عن هذه الفريضة التي أمرنا بها ربنا عز وجل، حيث أن أول أية نزلت على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم هي ﴿إقرأ باسم ربك الذي خلق *  خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ ورَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾[3]، وهي الفوج الأول من الوحي الإلهي الذي يتضمن العلم والتعليم والقراءة، ولكننا أصبحنا ملوثين في الشرك والبدع والخرافات وبلغنا فيها أقصى ما يمكن الوصول إليها، وجعلنا التقاليد والعادات جزءً من الدين وواصلنا العمل بها حتى بعد معرفتنا لها بأنها ليست جزء من الدين الإسلامي بل هي عبارة عن تقاليد قديمة بالية اكتسبناها عن طريق معايشتنا للأقوام المختلفة من غير المسلمين من المهد إلى اللحد.

إن سبب بُعدنا عن تعلم الدين يعود إلى عدم اهتمامنا بالحياة التي وعدنا الله سبحانه وتعالى بعد الممات وعدم الاستعداد لها وما يؤول إليه مصيرنا بعد الممات وعدم الشغف بالإسلام لأن الإسلام دين مبني على الفطرة السليمة، من شأنه أن يسوق الإنسان إلى الفلاح في الدارين وبدون شك. وهكذا فإننا بدأنا نقضي حياتنا حسب ما نشاء ولا نبالي ولا نهتم بما دعا إليه رسولنا الكريم، فكيف يكون أسوة لنا ونحن غافلين عنه لا ندري عما كان يدعو إليه. ومع كل ذلك فإننا لا نزال، وللأسف، نطلق على أنفسنا بأننا مسلمين، مع أن الرسول صىلى الله عليه وسلم قد أشار إلى أن المرء العاقل هو الذي يضع الموت نصب عينيه ويتذكره دوماً ويستعد له حق الاستعداد. كما أن معظم المسلمين لا يلمون بالصورة الحقيقية للإسلام، بل يظنون أن الإسلام ليس إلا عبارة عن الالتزام ببعض التقاليد والعادات فحسب، وبدون شك فإن رغبة المعرفة بأحكام الإسلام وأوامره ونواهيه وزواجره لا تنشأ في المرء إلا بعد تجلي الصورة الحقيقية للإسلام وذلك عقب اكتساب علم الدين.

إن السبب الآخر وراء عدم سعي الإنسان إلى اكتساب العلوم الدينية هو الظن الخاطئ السائد هذه الأيام بأن العلوم الإسلامية لا يمكن الحصول عليها إلا بعد الإلتحاق بالمدارس الإسلامية، وذلك لأعمار محدودة. كما أن خوض الإنسان في الأمور الدنيوية يجعله غير قادر على الالتحاق بالمدارس الإسلامية من جهة، والحقيقة الكامنة في أنه ليس بإمكان الجميع الالتحاق بها من جهة أخرى، لذا فإنهم لا ينوون حصولها بتاتاً. كما أن من إحدى الأسباب الرئيسية وراء نشوء هذا الاعتقاد الخاطئ هو قيام بعض العلماء والأساتذة في المدارس الدينية بالإلحاح على ضرورة الالتحاق بالمدارس الدينية وأن عدم الالتحاق بها يجعل اكتسابها أمراً بالغ الصعوبة، وعدم سعيهم أثناء اجتماعاتهم اليومية أو الأسبوعية أو السنوية إلى استخدام اللغة التي تسهل على المرء فهمها والتطرق إلى الموضوعات التي تعمل على غرس حب التطلع والمعرفة بالدين الإسلامي والحث على ضرورة حصوله بطرق أخرى أيضاً بغض النظر عن الالتحاق بالمدارس الإسلامية، كتخصيص حصص ودوريات أسبوعية أو شهرية في الأحياء السكنية والقرى لأجل حث أبناء الأمة الإسلامية على ضرورة اكتساب العلوم الدينية، وإطلاع الجميع بأنه لا مفر منها وأننا مسئولون عنها يوم القيامة. وأن كل شخص مأمور على القيام بالدعوة وتحمل عبئها وتكاليفها، حيث يقول عليه أفضل الصلاة والتسليم: “بلغوا عني ولو آية”، وغير ذلك،

وفيما يخص طالب العلم، فإنه يجب أن يكون له موقف مع ربه، يشتمل على الإخلاص له، والصدق في طلب رضاه، والحرص على معرفة الأدلة الشرعية والتحري والتفتيش عنها حتى يعرف الدليل والهدف من وراءها، وبالتالي تنفسح أمامه الدنيا فيفتي على بصيرة ويدعو إلى الله على بصيرة ويُعلم الناس على بصيرة ويأمر بالمعروف على بصيرة وينهى عن المنكر على بصيرة كما قال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾[4].

ومما يزيد أهمية طالب العلم قوله عليه الصلاة والسلام: “من سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة”، فالأمر في طلب العلم عظيم وبدون شك، وقال عليه الصلاة والسلام: “من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين”، وهذا الحديث العظيم يدلنا على أن التفقه في الدين من الدلائل على أن الله أراد بالعبد خيراً، ومفهومه أن من لم يتفقه في الدين فذلك مخذول لم يرد الله به خيراً، والعياذ بالله.

وإذا ما حاولنا تعميق النظر في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، نجد أنه اهتم بتعليم الصحابة أكثر من الأطفال والصغار، حيث أنه وبعد إعلان الرسالة النبوية، قضى معظم حياته في تعليم وإصلاح الكبار، والتاريخ يشهد بأنه لم يقم بتخصيص نظام رسمي معين لذلك، بل كان يقوم بذلك في قيامه وقعوده وسفره وحضره وفي مجالسه والمسجد والسوق وفي بيت أحد أصحابه وحتى في المقابر أيضاً، الأمر الذي يعني أنه كلما كان يجد الفرصة متاحة كان يقوم بتعليم أصحابه ويحرص على إصلاحهم، مما يؤكد عدم صحة هذا الاعتقاد الكامن في أن علم الدين لا يمكن الحصول عليه إلا في المدارس الإسلامية فقط.

وعليه فإن التعلم ليس له عمر محدد على الإطلاق بل إنه عمل يجري طوال الحياة. وهكذا نجد أن المدارس الإسلامية هي نظام رسمي للحصول على علوم الدين، ولكن يمكن الحصول عليها في أي مكان في المسجد أو الحي أو المكتب أو في بيت أي داعية وما إلى ذلك. فلم يكن لدى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والتابعين وتابع التابعين يرحمهم الله، أي شهادات من أية مدارس دينية، إلا أنهم قاموا باتباع الدين الإسلامي القويم ونشر الإسلام إلى أقصى حد يمكن تصوره، ولا يتسنى لأحد أن يجحد ويستنكر جهودهم التي بذلوها في نشر الإسلام في كل بقاع  الدنيا.

وبما أننا نعلم أن الوضع الحالي للمسلمين لا يسمح بالتحاق جميع أبناءهم بالمدارس الإسلامية، إلا أنه بإمكاننا اتباع بعض الطرق والوسائل لأجل تعليم المسلمين بشتى أعمارهم وكفاءتهم، بحيث يجب الاهتمام بالمساجد واعتبارها ملتقى علمي يجتمع فيه الناس للحصول على العلم أيضاً، فضلاً عن العبادة كما كان سابقاً. فحلقات المساجد هي وسيلة هامة جداً لتعليم الإنسان الدين وأحكامه وأوامره ونواهيه. في حين يجب العمل على تخصيص مكتبات صغيرة فيها وإعداد كتيبات صغيرة عن مختلف التعاليم الإسلامية والقضايا الدينية وغير ذلك حتى يسهل على القارئ معرفتها.

كما يمكن الاهتمام ببدء مخيمات صيفية لأجل تعليم الدين الإسلامي للأطفال وطلاب الكليات والجامعات تدريجياً بحيث يقوم العلماء بهذه المبادرة في مختلف أحيائهم السكنية حتى يتم غرس بذور حب علم الدين والمعرفة في قلوبهم تدريجياً.

هذه هي بعض السبل والوسائل التي إن تم اتخاذها فإنها ستعمل تدريجياً على معرفة المسلمين في كافة أنحاء العالم بالدين الإسلامي بشكل صحيح ويغرس في نفوسهم الحرص على معرفة الدين بطريقة صحيحة بإذن الله، لأنه لا مفر من ذلك وأن الجميع مسئول عن ذلك يوم القيامة، بناء على أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل الدين ببعثه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يحتاجون إلى دين غيره ولا إلى نبي غير نبيهم قائلاً:  ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[5]، وأنه لن يأتي أي رسول ليدعونا إلى الإسلام من جديد، لذا فإنه يجب علينا أن نتولى شؤون الدين من الدعوة إلى تصحيح العقائد وتعليم المسلمين وتوجيههم تجاه معرفة الدين والعمل بموجبه في حياتهم اليومية من تلقاء أنفسنا، ناهيك عن دعوة إخواننا الآخرين المعتنقين للديانات الأخرى، والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة امتثالاً لقوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[6]، حتى تنعم الإنسانية بأسرها بنعم الدين وما تجلبه من سعادة إبّان العمل بموجبه واتباعه. سائلين الله العلي القدير أن يوفقنا لما فيه الخير ويجعلنا من الذين يتقيدون بأمور الدين في حياتنا اليومية ويضمن لنا الفلاح في الدارين وما ذلك على الله بعزيز.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،،،

المراجع:

[1] سورة البقرة، آية رقم: 208.

[2] سورة النحل آية رقم: 43.

[3] سورة العلق آية رقم: 1- 5.

[4] سورة يوسف، آية رقم: 108.

[5] سورة المائدة، آية رقم: 3.

[6] سورة النحل، آية رقم: 125.

*أستاذ مساعد، قسم اللغة العربية والفارسية، جامعة الله آباد، الهند

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of