مدخل:
تُعدّ مجموعة “دمشق الحرائق” التي كتبها زكريا تامر عام 1973م، واحدة من أبرز الأعمال الأدبية التي تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي في العالم العربي. تضم هذه المجموعة العديد من القصص التي تتناول مواضيع القهر والاستبداد والاستغلال، ومن بين هذه القصص “امرأة وحيدة” التي تسلط الضوء على معاناة المرأة في مجتمع تحكمه الخرافات والتقاليد البالية. ومن خلال هذه القصة، يصور الكاتب كيف يمكن للخوف والجهل أن يجعلا المرأة فريسة سهلة للاستغلال ولاسيما عندما تستغل المعتقدات الدينية والخرافات للتحكم في مصيرها.
قصة “امرأة وحيدة” تسلط الضوء على قضية استغلال النساء وخداعهن من خلال الخرافات والمعتقدات البالية. كما أنها تعكس كيفية استغلال النساء في المجتمعات التي تعاني من الجهل والفقر، حيث يستغل بعض الرجال مثل الشيخ سعيد، خوف النساء وضعفهن العاطفي لتحقيق مكاسب شخصية.
الكلمات المفتاحية: الاستغلال، الخرافة، القهر الاجتماعي، الهيمنة الذكورية، الوعي النسوي.
عرض سريع للقصة:
تتمحور القصة حول عزيزة وهي امرأة شابة جميلة تعيش وحيدة وتعاني من مشاكل في زواجها، حيث تركها زوجها بسبب تدخل أهله الذين يخططون لتزويجه من أخرى. في ظل يأسها وخوفها من الوحدة، تلجأ إلى الشيخ سعيد، رجل يدّعي امتلاك قدرات خارقة تمكنه من إعادة زوجها إليها.
منذ اللحظة الأولى، يظهر الشيخ سعيد كشخص متحكم، يستخدم التخويف والتلاعب النفسي لإقناع عزيزة بأنها تعاني من سحر صنعه أهل زوجها. ومن خلال الطقوس الغامضة والبخور، يدخلها في حالة من التنويم الإيحائي، مما يجعلها تخضع له جسديًا دون مقاومة. تستسلم عزيزة لهيمنته تحت تأثير الخوف والرغبة في استعادة زوجها، لكنها في الحقيقة تصبح ضحية لاستغلاله الجنسي.
تمثل هذه القصة نموذجًا واضحًا لاستغلال النساء من قبل بعض رجال الدين المزيفين الذين يستغلون جهل المجتمع وخرافاته لخداع النساء الضعيفات. يتم تصوير عزيزة كضحية للظروف الاجتماعية التي تحاصر النساء وتحرمهن من حقوقهن، مما يجعلهن عرضة للاستغلال والخداع.
كما تسلط القصة الضوء على تأثير المعتقدات الشعبية والخرافات على النساء، حيث تُجبر عزيزة على تصديق أن الجن سيعيدون زوجها، مما يجعلها مستعدة للتضحية بكرامتها وأموالها من أجل تحقيق هذا الهدف. في النهاية، وبعد استغلالها، تترك وحيدة ومُهانة، وهو ما يعكس واقع العديد من النساء اللواتي يقعن فريسة لهذه الخرافات والاستغلال.
تعكس قصة “امرأة وحيدة” صورة واقعية للنساء اللاتي يعشن في مجتمعات تقليدية تحكمها الخرافات، حيث يُحرمن من الحماية والدعم، ويصبحن فريسة سهلة للمحتالين. وإن القصة تدعو إلى ضرورة نشر وعي أكبر حول حقوق النساء وحماية الضحايا من الاستغلال والخداع باسم الدين والمعتقدات القديمة.
في الختام، تُظهر القصة كيف يصبح الجهل والخرافات سلاحًا في يد المستغلين، مما يجعل النساء أكثر ضعفًا وعرضة للتحكم والاستغلال. وهذه القضية تحتاج إلى ترويج الوعي الاجتماعي والإصلاحات القانونية لحماية النساء من مثل هذه الانتهاكات وضمان حقوقهن في الحياة الكريمة والعدالة.
استخدم الكاتب عدة مشاهد وأحداث لبيان كيف تصبح النساء ضحايا للاستغلال والخرافات في المجتمع، ومن أبرز هذه المشاهد كما يلي:
- خوف عزيزة من الوحدة واستغلال الشيخ سعيد لهذا الضعف:
عندما ذهبت عزيزة إلى الشيخ سعيد، كانت تشعر بالخوف والاضطراب، وكان هذا واضحًا من وصف الكاتب: “كانت عيناه قطعتين من السواد المتوحش تحاصران عزيزة التي كانت تحاول الإفلات من هلع ينمو ويتزايد رويدًا رويدًا”(تامر, 1994,ص.. 313 ). هذا المشهد يعكس حالة الرعب التي تشعر بها النساء عندما يلجأن إلى رجال الدين الذين يستغلونهن بدلاً من مساعدتهن.
- استخدام الخرافات والسحر للتلاعب بمشاعر النساء:
يزرع الشيخ سعيد الخوف في قلب عزيزة ليجعلها تصدق أن أهل زوجها قد سحروها، فيقول لها: “لا بد أن أهل زوجك قد سحروك”(تامر, 1994, ص. 314). هذه الجملة توضح كيف يتم التلاعب بالنساء من خلال إيهامهن بأن مشاكلهن الزوجية ليست بسبب الواقع الاجتماعي، بل بسبب قوى خفية مثل السحر.
- استغلال الشيخ سعيد لمعتقدات عزيزة الدينية واستعدادها لدفع المال:
عندما أخبرها أن “فسخ سحرهم يحتاج إلى بخور ثمنه عشر ليرات”(تامر, 1994, ص. 314)، قامت على الفور بإعطائه المال رغم فقرها، قائلة: “هذا كل ما أملك”. هنا يظهر كيف يتم استغلال النساء ماليًا بحجة الخرافات والعلاج الروحي.
- استغلال الشيخ سعيد لجسد عزيزة تحت غطاء الطقوس الدينية:
وبعد أن جعل الشيخ الغرفة مظلمة وألقى البخور، قال لعزيزة: “إخوتي الجان يحبون النساء الجميلات. انزعي ملاءتك”(تامر, 1994,ص. 315). هذا المشهد يوضح كيف يتم خداع النساء وجعلهن يقمن بأفعال غير واعية تحت تأثير التنويم الإيحائي.
عندما بدأ بلمسها، كان يحاول إقناعها بأن هذه الطقوس ضرورية لطرد السحر: “أغمضي عينيك. سيحضر إخوتي الجان”(تامر, 1994, ص.315). وهنا نجد كيف يستخدم الشيخ الأساليب النفسية للتلاعب بعزيزة وإقناعها بأن ما يحدث ليس استغلالًا، بل هو جزء من الطقوس الروحية.
- تجريد المرأة من إرادتها الشخصية:
وعندما حاولت عزيزة الاعتراض قائلة: “لا لا”(تامر, 1994, ص.316)، رد عليها الشيخ سعيد بصرامة: “سيؤذونك إذا لم يحبوك”(تامر, 1994,ص. 31). هذا يوضح كيف يتم إجبار النساء على الخضوع من خلال التخويف والتهديد بعواقب غامضة لا أساس لها.
- اللحظة التي تدرك فيها عزيزة الاستغلال ولكن بعد فوات الأوان:
بعد أن تم استغلالها، شعرت بالتعب والخجل، وعندما فتحت عينيها رأت الشمس، وكأنها عادت إلى الواقع بعد أن كانت غارقة في وهم وخداع. يقول الكاتب: “وتململت عزيزة، وفتحت عينيها بتؤدة وحذر، ففوجئت بضياء الشمس، ونهضت مذعورة”(تامر, 1994, ص. 318). هذا يرمز إلى اللحظة التي تدرك فيها المرأة أنها تعرضت للاستغلال، ولكن بعد أن فاتها الوقت لإنقاذ نفسها.
- انعكاس المجتمع القاسي على حياة النساء:
في النهاية، خرجت عزيزة من الغرفة تسير وحيدة في الزقاق الطويل، وكأنها تحمل عبء تجربتها دون أن يكون هناك من يساعدها أو يقف بجانبها: “وبعد دقائق كانت عزيزة تمشي وحيدة في الزقاق الضيق الطويل المتعرج. وحين رفعت وجهها إلى أعلى متطلعة بلهفة، لم تعثر على أي طائر عابر إنما كانت السماء زرقاء خاوية”(تامر, 1994,ص.319). هذا يعكس الواقع القاسي الذي تعيشه النساء بعد تعرضهن للخداع والاستغلال.
خاتمة:
تعكس القصة “امرأة وحيدة” كيف يتم استغلال النساء في المجتمعات التي تسيطر عليها الخرافات والتقاليد البالية. يتم استغلال ضعف المرأة وخوفها من الوحدة لجعلها تؤمن بالخرافات، مما يسهل خداعها واستغلالها ماليًا وجسديًا. فيما يستخدم الكاتب عدة مشاهد ليبيّن كيف يمكن لرجل مثل الشيخ سعيد أن يسيطر على امرأة مثل عزيزة من خلال التخويف والإيحاء النفسي.
الفكرة الرئيسية التي تقدمها القصة تتمثل في أن النساء هن الضحايا الرئيسيات للخرافات والاستغلال في المجتمع الإنساني، حيث ثمة حاجة ملحة إلى نشر التوعية والوعي لحمايتهن من الوقوع في مثل هذه الفخاخ. ومن خلال تسليط الضوء على هذه القضية، يحث الكاتب القارئ على التفكير في أوضاع النساء في المجتمعات التقليدية وفي تمكينهن من الدفاع عن أنفسهن ضد الاستغلال والخرافات السائدة في المجتمع.
المصدر:
تامر، زكريا، دمشق الحرائق ، رياض الريس للكتب والنشر ، سنة النشر: (1994).
————————————————————————-
[1]. باحث دكتوره، قسم اللغة العربية وآدابها العربية وآدابها، الجامعة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا، كشمير. الهند
[2]. أستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا، كشمير. الهند
Leave a Reply