مدخل:
حبّيت أن أكتب لأصحابنا القراء في هذا المقال، عن شخصية نذر حياته لخدمة اللغة العربية لفترة تقارب من نصف قرن من الزمن، وكان له إتقان بهذه اللغة الحية كتابة وتحدثا، فكرس جهوده المضنية في نشر الثقافة الإسلامية من خلال كتاباته العربية سواء كانت بكتابة عربية أصلية أو بتعريب نصوص اللغة الأردية. ويشمل هذا المقال أبزر الإسهامات والإنجازات التي قام بها أستاذنا المغفور له، خلال مكوثه في أهم المؤسسات التعليمية التي تعتني بالدراسات الإسلامية والعربية بغية نشر الإسلام وتعاليمه من القرآن والسنة، على أرض الهند، ألا وهما دار العلوم ديوبند ودار العلوم ندوة العلماء. إلا أن المقال ركز بشكل خاص، على انشغاله بصحيفة الرائد العربية الصادرة من ندوة العلماء. حيث قام الأستاذ الأميني بترجمة عدد كبير من الكتب والمقالات باللغة الاردية إلى العربية، وفي نفس الوقت، قدم إسهاماته الهامة في مجال الصحافة العربية أيضا إذ شارك في إخراج هذه الصحيفة فيما يخص تنسيق وتخطيط وتزيينها. ويتضمن هذا المقال نموذجا من كتاباته المترجمة، في الختام، أوردتُ بعض الاقتراحات عقب الاطلاع على ما بذله الأستاذ الأميني من مجهودات غالية في ترويج هذه اللغة، وما ترك وراءه من التراث العربي و الإسلامي على أرض الهند.
انطلاقا من هذا، انقسم المقال إلى جزئين أحدهما يتعلق بحياته ودراسته وإسهاماته في خدمة اللغة العربية بشكل عام، وثانيهما يختص بفترة حياته التي قضاها في دار العلوم ندوة العلماء، حيث استفاد من كبار أساتذة هذه الدار ثم خِدمته التي امتدت إلى عشرة أعوام، بانشغاله الخاص بصحيفة الرائد العربية. وطبعا إن الإسهامات التي قام بها الأستاذ الأميني في سبيل خدمة اللغة العربية كاتبا ومترجما، هي بالغة الأهمية وتستحق دراستها دراسة متأنية، مما أفضى إلى الاهتمام بقراءتها وكتابتها ونشرها أمام القراء ليمكننا الاستفادة من هذا التراث العربي والإسلامي ولنقدّر بإسهاماته القيمة في سبيل خدمة لغة القرآن والسنة.
الجزء الأول:
بداية، أود أن أقدم بين أيديكم، نبذة عن هذه الشخصية بإيجاز، مع أن شخصية الأستاذ الأميني غنية عن التعريف، ثم أتناول إسهاماته كمترجم في اللغة العربية.
فالحديث عن شخصية الأستاذ نور عالم خليل الأميني الندوي، فهو من مواليد عام 1952م، وينتمي إلى منطقة مظفر بور بولاية بِهار، الهند. شهد الأستاذ الأميني ما يقارب من سبعة عقود من ربيع حياته، إذ لبّى نداء ربه في اليوم الثالث من شهر مايو، عام 2021م.
تلقى الأستاذ الأميني تعليمه الابتدائي في بلدته ثم سافر إلى مدينة مئو ليلتحق بمدرسة دار العلوم مئو، ومن هنا إلى دار العلوم ديوبند ثم إلى المدرسة الأمينية[3] الكائنة في مدينة دلهي وتخرج فيها، وبعد ذلك قصد إلى دار العلوم ندوة العلماء حيث أنه حصل على الشهادة في الأدب العربي، مما يعني أنه نهل من المناهل الصافية والثرية لعدة مؤسسات تعليمية تعتني بالدراسات الإسلامية والعربية، واستفاد من كبار أساتذتها استفادة علمية، وحقق إتقان العلوم والفنون وإجادة ممتازة في الكتابة والصحافة العربية.
وترك الأستاذ الأميني ورائه، رصيدا ضخما من الكتابات العربية والأردية لما كان له إسهامات قيمة في مجال الكتابة العربية منذ بداية حياته المهنية التي تمتد إلى نصف قرن من الزمن بما فيها عشر سنوات في ندوة العلماء دارسا ومدرساً منذ عام 1972 حتى عام 1982م، ثم في دار العلوم ديوبند من عام 1982 حتى عام 2021م، حيث أنه تولى مهام إصدار مجلة الداعي العربية التي تعتبر إحدى أهم المجلات العربية الصادرة في الهند، مما أثرى المكتبات والمؤسسات التعلمية في الهند بشكل خاص. إذ اشتهر الأستاذ الأميني ككاتب عربي في الأوساط العلمية والثقافية ولاسيما في مجال الصحافة العربية في الهند وخارجها. فاعترافا بإسهاماته وإنجازاته العلمية والأدبية في مجال اللغة العربية، تم تكريم الشيخ الأميني بجائزة رئيس جمهورية الهند في عام 2017م.[4]
يذكر أن الأستاذ الأميني قام بتأليف عدد كبير من الكتب في اللغة العربية بجانب ترجمة عدد لا بأس به من المقالات والكتب للكُتّاب الهنود من اللغة الأردية إلى العربية وبالعكس، إذ يربو عدد هذه المؤلفات والكتب المترجمة إجمالا، على ثلاثين كتاباً، ومن أهمها مفتاح العربية، فلسطين في انتظار صلاح الدين، الصحابة ومكانتهم في الإسلام، الدعوة الإسلامية بين دروس الأمس وتحديات اليوم. أما الكتب المترجمة فهي: التفسير السياسي للإسلام في مرآة كتابات الأستاذ أبي الأعلى المودودي والشهيد سيد قطب” لكتاب “عصر حاضر میں دین کی تفہیم وتشریح” للعلامة السيد أبي الحسن علي الندوي. وكذلك أحاديث صريحة في باكستان لكتاب “پاکستانیوں سے صاف صاف باتیں” للعلامة الندوي، والداعية الكبير الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي والدعوة إلى الله لكتاب: مولانا الیاس اور ان کی دینی دعوت للعلامة الندوي. وغيرها كثير من الكتب المترجمة الأخرى.
الجزء الثاني:
بعد هذه النبذة الوجيزة، الآن أريد أن أسلط الضوء على التحاق الأستاذ الأميني بندوة العلماء وانشغاله بصحيفة الرائد العربية، إذ انه اتصل بعد تخرجه في المدرسة الأمينية، بالعلامة أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله، وزاره في بلدته تكيا كلان، حيث أشار العلامة الندوي عليه التوجه إلى ندوة العلماء والاستفادة من أساتذتها البارعين فاغتنم الأستاذ الأميني هذه الفرصة واستثمر وقته بكونه على اتصال خاص مع العلامة الندوي. وفي هذا السياق يطيب لي أن أقدم أمامكم ما كتبه أستاذنا الغالي الشيخ سعيد الرحمن الأعظمي الندوي، أطال الله عمره بالصحة والعافية، عن الأستاذ الأميني في مجلة البعث الإسلامي، وذلك ما يلي:
“إنني لا أكاد أتناسى ذلك اليوم الذي جاء فيه الأستاذ نور عالم خليل الأميني إلى ندوة العلماء للدراسة العلمية والأدبية، وكان قد زار سماحة العلامة مرشدنا الشيخ السيد أبا الحسن علي الحسني الندوي في قرية راي بريلي، فرحب به كطالب، وأمره بالإقامة لمدة قليلة في تكيه كلان، قرية سماحة العلامة، ثم رتب له برنامجاً للدراسة والمطالعة الأدبية في دار العلوم لندوة العلماء، وأوصى بعض كبار الأساتذة فيها بالاعتناء به وإفادته في موضوع الأدب العربي، ثم قُدرت له الإقامة في جو هذا الصرح العلمي، والاستفادة من أدباءها وكبراء كلية اللغة العربية، حتى أحاطوه بالعطف والإشراف على دراسته الأدبية، حتى استمر على ذلك، وقد أشير عليه خلال ذلك أن يعد لدراسة المواد الأدبية في مرحلة التخصص للأدب العربي، وقد فعل وشارك امتحان هذا التخصص مع طلاب دارالعلوم ، ونجح في هذه المرحلة الأخيرة واستحق شهادة التخصص في الأدب العربي، وكان يتمرن خلال ذلك على كتابة مقالات وجيزة وأنباء وأخبار في صحيفة ” الرائد ” التي كانت تصدر من قسم الصحافة العربية من دار العلوم”[5].
يتضح من هذا الحديث عن الأستاذ الأميني، أنه ظل مرتبطا بصحيفة الرائد عشرات سنين، وكان شغله الشاغل خلال مكوثه في ندوة العلماء دارسا ومدرسا، تركيزاً خاصاً على الكتابة العربية بل يمكن القول الصحافة العربية، لذا أنه ساهم مع الأستاذ محمود الأزهار رحمه الله، إسهاما خاصا في إخراج صحيفة الرائد إخراجا فنيا وكذلك في التنسيق والتزيين والخط لصفحات الصحيفة كما نرى أن نسخ الصحيفة الصادرة خلال فترة إقامته تتضمن عبارات مكتوبة: “اهتم بالتنسيق والتزيين والخط الأستاذان محمود الأزهار الندوي ونور عالم الأميني”[6].
على كل، حسب كتابات الأستاذ الأميني المنشورة في صحيفة الرائد، عرفتُ بأن أول كتابة عربية دبّجها يراعه، نشرت في شهر يونيو عام 1975م، وإن آخر كتابة عربية صدرت من قلمه الرصين، نشرت بعنوان “بين الإسلام والإصلاح”[7] في نسخة هذه الصحيفة الصادرة في شهر مارس عام 1982م. وبموجب هذه المعلومات، تم العثور على أن عنوان الترجمة العربية الأولى المتوفرة في الصحيفة، هو “الدلالة على الخير، قيمتها وأهميتها”[8] وذلك جزء من ترجمة كتاب “الداعية الكبير الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي ودعوته إلى الله” لشيخنا السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله.
وثمة عناوين خاصة لأهم المقالات والخواطر التي كتبها بها الأستاذ الأميني ونشرها في صحيفة الرائد، وهي بين الإسلام والإصلاح، وتجارة رابحة، النوعية والكمية، مات رجل الحب والوفاء…. وسقط القلم المؤمن وكذلك الأستاذ المرحوم محمد الحسني، وغير ذلك.
فيما يخص إسهاماته التي تختص بمجال الترجمة أو التعريب، والتي نشرت في صحيفة الرائد، فنجد عددا من المقالات التي قام بتعريبها الأستاذ الأميني من الأردية إلى العربية، علما بأن معظم الترجمة التي قام بها الأستاذ الأميني، هي لكتب أو مقالات العلامة الندوي. ومما اخترت أول تعريب قام به الأستاذ الأميني كترجمة لكتاب “الداعية الكبير الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي ودعوته إلى الله) للعلامة السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله. وقمت بدراسة هذا الكتاب المترجم بشكل خاص، مشيرا إلى أن هذا الكتاب تم تأليفه أصلاً باللغة الأردية، والذي يحتوي على ثمانية أبواب، بينما أن النسخة المترجمة من هذا الكتاب تحتوي على سبعة أبواب فقط.
علما بأن الأستاذ الأميني بدأ تعريب هذا الكتاب قبل عام 1975م، ونشر أجزاء منه تحت العناوين المختلفة في صحيفة الرائد، وأكمله في عام 1978م، مما يعني أن هذا التعريب استغرق أكثر من أربع سنوات. وفيما يلي بعض النماذج من هذا التعريب:
اقتباس من الباب الأول: [9]
اقتباس آخر من الباب السابع: [10]
خاتمة:
بعد أن قرأت هذا الكتاب المترجم الذي قام بتعريبه الأستاذ الأميني، والذي نشر في صحيفة الرائد، خلال الفترة الممتدة ما بين التحاقه بدار العلوم ندوة العلماء وانتقاله إلى دار العلوم ديوبند، نتوصل إلى ما يلي:
أولا: يتضح كل الوضوح أن الأستاذ الأميني رحمه الله كان كاتبا بارعا في اللغة العربية، كما كان مترجما قديرا في اللغتين العربية والأردية. وإنه عاش حياة حافلة بالإنجازات والعطاءات العلمية ولاسيما الكتابة العربية. مما يمثل إسهاما قيما في سبيل إثراء الثقافة والحضارة الإنسانية ولاسيما الثقافة الإسلامية على أرض الهند.
ثانيا: أنه لم يترجم فقط المقالات بل قام بترجمة عدد كبير من الكتب للكُتّاب والأدباء الهنود مثل الشيخ أشرف علي التهانوي والشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمهما الله رحمة واسعة.
ثالثا: الأستاذ نور عالم الأميني الندوي خدم اللغة العربية وآدابها دارسا ومدرسا وكاتبا إسلاميا وصحفيا عربيا بارزا لفترة طويلة من الزمن في أهم المؤسسات الإسلامية في البلاد، أي عشر سنوات في ندوة العلماء وتقريبا أربعين سنة في دار العلوم ديوبند.
رابعا: الأستاذ المغفور له استثمر كل قدراته وكفاءاته في خدمة الدين ونشر الثقافية الإسلامية من خلال كتاباته العربية، ولم يدخر أي وسع في هذا الاتجاه.
خامسا: وطبعا، تعرفت على أن أسلوب الأستاذ الأميني في كتابة اللغة العربية، سهل، سلسل، واضح، يسهل على القاري فهمه فهما كاملا. لا يوجد فيه أي غموض أو غرابة، كما ليس فيه عجمة، بل إن أسلوبه أسلوب عربي وأدبي.
سادسا: ثمة حاجة إلى دراسة كتاباته العربية بكل اهتمام، والتي يستحق تقديمها إلى القراء الشباب ليكون مصدر إلهام وتشجيع على التأمل والتفكر في التراث العربي والإسلامي.
سابعا ونهائياً: ينبغي أن يتم إجراء البحوث لأجل دراسة الملامح الأدبية في كتاباته العربية.
ختاماً: لا يفوتني أن أتوجه بجزيل الشكر وعظيم الامتنان، إلى أعضاء هيئة التحرير لصحيفة الرائد العربية بما أنهم قاموا بتوفير كافة النسخ لهذه الصحيفة على موقعها الإلكتروني، مما سهل لي الاطلاع على هذه الكتابات والمعلومات التي صدرت من قلم الأستاذ نور عالم الأميني الندوي الرصين فأسأل الله العلي القدير أن يجزيهم خير الجزاء وأكرمهم في الدينا والآخرة.
***
المصادر والمراجع:
- مجلة البعث الإسلامي، ندوة العلماء، لكناو، أوترابراديش، الهند.
- صحيفة الرائد، دار العلوم ندوة العلماء، لكناو، الهند.
- الندوي، السيد أبو الحسن علي الحسني، حضرت مولانا محمد إلينا اور انكي ديني دعوت، سنة النشر، 2005م، الناشر: إدارة إشاعت دينيات، نيودلهي.
- الندوي، السيد أبو الحسن علي الحسني، الداعية الكبير الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي ودعوته إلى الله، الناشر: دار ابن كثير، بيروت، الطبعة الأولى، سنة النشر: 2003م.
- عدد خاص، مجلة الداعي الصادرة من دار العلوم ديوبند، أوترابرديش، الهند.
- الموقع الإلكتروني لجامعة دار العلوم ديوبند الإسلامية، ( https://darululoom-deoband.com/urduarticles/archives/3598
—————————————————————————
[1] . أضيف لقب “الندوي” مع اسم الشيخ المغفور له، بكونه جزاء من اسمه المكتوب في الكتابات العربية التي نشرها الشيخ في صحيفة الرائد.
[2] . أستاد مساعد، مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي، الهند.
[3] . عدد خاص عن الشيخ خليل أحمد أميني رحمه الله، من مجلة الداعي الصادرة من دار العلوم ديوبند، أغسطس/نوفمبر، 2021م، العدد -1-3/ السنة: 46
[4] . https://darululoom-deoband.com/urduarticles/archives/3598
[5] . مجلة البعث الإسلامي، ندوة العلماء، لكناو، أوترابراديش، الهند. يوليو 2021م، العدد: 5 / المجلد: 67 / رقم الصفحة: 97.
[6] . صحيفة الرائد، دار العلوم ندوة العلماء، لكناؤ، الهند، العدد: 4، السنة 18، الصفحة: 3/ أغسطس 1976م.
[7] . صحيفة الرائد، رقم الصفحة: 7، مارس، 1982م.
[8] . صحيفة الرائد، الصفحة: 6 ــــ 16 يونيو 1975م.
[9]. الندوي، السيد أبو الحسن علي الحسني، حضرت مولانا محمد إلينا اور انكي ديني دعوت، سنة النشر، 2005م، الناشر: إدارة إشاعت دينيات، نيودلهي، رقم الصفحة: 46/ الداعية الكبير الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي ودعوته إلى الله، الناشر: دار ابن كثير، بيروت، الطبعة الأولى، سنة النشر: 2003م. رقم الصفحة: 14
[10]. الندوي، السيد أبو الحسن علي الحسني، حضرت مولانا محمد إلينا اور انكي ديني دعوت، سنة النشر، 2005م، الناشر: إدارة إشاعت دينيات، نيودلهي، رقم الصفحة: 242.
Leave a Reply