+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

فن الرواية لدى غسان كنفاني: دراسة
د. محسن عتيق خان

مقدمة:

الرواية العربية من أهم المجالات التي أثراها غسان كنفاني إثراء بالغا بتجاربه الفنية واكتشافاته التقنية في السرد. يعتبر كنفاني من أعلامها البارزين لأعماله القيمة وجهوده المتميزة التي تشكل مَعلما من معالمها. إنه أخرج روايات عديدة منها كاملة ومنها غير كاملة إذ فاتته المنية قبل أن يكملها. أما الروايات التي اكتملت وتم نشرها في حياته فهي أربعة “رجال في الشمس”، و”ما تبقى لكم”، و”أم سعد” و”عائد إلى حيفا”. كتب كنفاني أولى وأشهر رواياته “رجال في الشمس” -التي نالت شهرة واسعة في الأوساط الأدبية على المستوى العالمي- في عام 1963 خلال اختفائه في بيروت و انقطاعه عن العمل في الصحافة إذ كان لا يملك الوثائق الرسمية. إنه نشر روايته الثانية “ما تبقى لكم” في عام 1966، وأصدر روايتيه الأخريين “أم سعد”، و”عائد إلى حيفا” معا في عام 1969.

أما الروايات التي لم تكتمل لظروف حالت دون إكمالها فهي ثلاثة، “العاشق”، و”الأعمى والأطرش”، و”برقوق نيسان”. بدأ غسان كتابة رواية بعنوان “العاشق” عام 1966 ولكنه عزف عن الاستمرار بكتابتها لظروف وأشغال أخرى ولم تسنح له الفرصة أن يعود إليها إلى أن استشهد. وحسب التوضيح الذي جاء كمقدمة لهذه الروايات الناقصة من جانب اللجنة، إنه بدأ كتابة رواية “الأعمى والأطرش” في الفترة الأخيرة من رواياته ولكن لم تمهله المنية أن يكملها، و لا يتضح هل كان غسان من أَطلق على هذه الرواية عنوان “الأعمى والأطرش” أو أصدقائه فيما بعد. أما “برقوق نيسان”، فهي آخر قصة كتبها ولم يختر لها عنوانا. 

القضية الفلسطينية في روايات كنفاني: 

جميع روايات كنفاني تتمحور حول القضية الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين، فهي ترسم الفلسطينيين في أحوالهم المختلفة التعيسة، وتعرض صورهم من نواح متعددة، فنرى في “رجال في الشمس” رجالا فلسطينيين من فئات العمر المختلفة تائهين في البحث عما يسد رمقهم بعد النكبة الفاجعة التي سلبت منهم أراضيهم وبيوتهم، وفي “ما تبقى لكم” نشاهد تأجيل الفلسطينيين جميع الأفراح حتى تحل القضية، فـ”ـمريم” تجاوزت ثلاثين وهي بدون عريس، و هلم جرا، فقد نجح كنفاني فيما أراد، وحسب روجر إلين “ليس هناك روائي عربي قدم مأساة الفلسطينيين في صورة مؤثرة أكثر من كنفاني، وهذا لا يستغرب نظرا إلى اهتمام كنفاني بالقضية الفلسطينية وهمه في تصوير أحوال الفلسطينيين ورصد تعقيدات سلوك العرب من البلدان الأخرى معهم. ففي مدة عمره القصيرة التي لم تتجاوز ستا وثلاثين سنة إنه نجح في خلق مشوار الكاتب التجريبي للقصة والمتحدث الرسمي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

ولا بد هناك من الإشارة إلى أن إخلاص الكاتب للقضية الفلسطينية والتزامه الشديد بها جعلت بعض رواياته أقرب إلى ربورتاج منه إلى الرواية فتبدو أقل نجاحا من حيث العمل الروائي ولكنها لا ينقصها الفن، وهي نجحت في وصف ويلات وآلام الفلسطينيين الذين أجبروا على اتخاذ السكن في المخيمات، وشعورهم بالحرمان والغضب لديهم، وحسب قول الروائي المصري الشهير يوسف إدريس كان غسان أول روائي عربي الذي ذهب بتجربته للمشاكل إلى مدى الشهادة. وعند يوسف سامي اليوسف تأتي أهمية غسان من حيث “أنه أول كاتب عربي استطاع أن ينقل الكارثة الفلسطينية إلى حيز الرواية التي يتحقق لها تكامل الشروط الفنية، و في أنه كان أول من قدم فهما تطبيقيا عميقا للتراجيديا.”

الفرار عار: 

شاهد غسان حياة اللاجئين الفلسطينيين في المنفى، وبؤسهم وتعاستهم في المخيم، وملاحقتهم ومطاردتهم وإبادتهم في لبنان من جانب السلطات الإسرائيلية، وقمع دول المنفى لنشاطاتهم المقاومة كما في الأردن، فأدرك أن حياتهم عار عليهم الناتجة من عار الفرار من الوطن، فالفرار عار، واللجوء عار لأنهم لم يقوموا للمواجهة، ولم يؤدوا واجب المقاومة، ولم يفهموا أنه لا كرامة إلا في البقاء في الوطن، والشهادة في سبيله، وقد أشار إلى ذلك فيصل دراج كما يقول “واقع الأمر أن غسان الذي عاش تجربة اللجوء في أكثر أشكالها بؤسا كان خجلا من شعبه اللاجئ، وغاضبا شديد الغضب على شخصياته التي لم تشعر بالعار أو شعرت به في لحظة مفاجئة متأخرة. ولهذا حكم عليها بالموت بعد أن ألقى ضوءا نافذا على فقرها الروحي، والمعنوي: فهي لا تعرف الحسبان ولا تحتج على الإهانة، واهنة مكسورة ضعيفة الذاكرة، مشدودة إلى أحلام صغيرة وأوهام كبيرة أنانية تعرف الهرب ولا تعرف المواجهة، تعيش في ماض لم تحسن الدفاع عنه، وفي حاضر لا تعرف التعامل، وتبني أحلاما من ورق وتراها في مستقبل لا تدرك من معناه شيئا.” بما أن غسان رأى في اللاجئين الفلسطينيين عارا فخلق أبطالا حقيقيين من المخيم ينقصهم أشياء كثيرة، وأشار إلى النقائص التي يجب إصلاحها، فأبطال رواياته يختلفون من أبطال غيره من الروائيين تماما.

البطل الروائي لدى غسان: 

نرى عند الكتاب الفلسطينيين صورة نموذجية للبطل الفلسطيني، فهم يعرضون في نصوصهم كيانا متجانسا يحارب كيانا متجانسا آخر، الأول عندهم يحمل صفات إيجابية وينتصر في نضاله ضد العدو الذي يحمل صفات مغايرة، فالأول رسول الخير والنقاء والثاني داعي للشر والخطيئة كما نرى عند جبرا إبراهيم جبرا، ولكن غسان يعرض في كتاباته الروائية والقصصية صورة آخر للبطل الفلسطيني، فعنده البطل ليس بنموذج مثالي متبع بل هناك وجوه النقص والخلل في وعيه وممارسته، ويحتاج هذا البطل إلى إصلاح ذاته، وإلى قتالين بشكلين أساسيين: قتال ضد جوانب السلب في شخصيته و وجوده، وقتاله ضد عدوه، ولا يحصل الانتصار في المعركة مع العدو إلا بالانتصار في معركة إصلاح ذاته، والغلبة على نقائصه، لأنه إذا لم ينتصر على نقائصه، ولم يصلح ذاته، فانهزامه في معركته مع العدو حتمي.

نجد لدى غسان قدرة فائقة في تصوير شخصياته وأبطاله، وفي تثبيت ملامحها في ذهن القارئ، وفي عرضها عرضا تظهر أمام القارئ صورتها بأوضح شكل، وتتمثل كأنها شخصية حية تظهر بكل حركاتها وسكناتها.

الزمن في روايات كنفاني:

يبدو غسان في جميع رواياته مشيرا إلى أهمية الزمن الذي مضى بدون محاولة الشعب الفلسطيني لاسترداد أرضه، فيغضب على شعبه الذي لا يعرف معنى الزمن و يبدو انتظار بليد، فيذكره بأهمية الزمن كما يشير في رجال في الشمس إلى عشر سنوات من الانتظار البليد، وفي ما تبقى لكم إلى ستة عشر عاما من عقم الانتظار، وفي عائد إلى حيفا إلى عشرين سنة من وهم الذكريات.

الاتجاهات الفنية:

نجد لدى كنفاني اتجاهات فنية مختلفة بما فيها الرومانسية، والواقعية، والرمزية، و الاتجاه الأغلب لدى كنفاني هو الاتجاه الواقعي، وإذا هناك اتجاه آخر فيجئ مزيجا به، فحبكته واقعية، وقصصه واقعية، وشخصياته واقعية كما يقول بنفسه “لقد استوحيت كافة أبطالي من الواقع الذي كان يصدمني بقوة، وليس من الخيال، كما لم أختر أبطالي لأسباب فنية أدبية، لقد كانوا جميعهم من المخيم، وليس من خارجه” ويقول الدكتور نضال الصالح “إن تجربة كنفاني الروائية تترجح بين اتجاهين فنيين: واقعى ورمزي، وغالبا ما يبدو هذان الاتجاهان حاضرين لديه في الرواية الواحدة. والتغير الأسلوبي الذي يلاحظه الباحث بين نص روائي وآخر في أدبه يرتبط بصورة واضحة بتغير الوعي وتطوره عنده، كما يرتبط بطبيعة التحولات السياسية المتلاحقة في الواقع الفلسطيني، من غير أن يتحول ما هو سياسي إلى خطاب أيديولوجي مباشر.”

فن الرواية لدى كنفاني: 

أعمال غسان كنفاني الأدبية تدل على أنه رغم التزامه الشديد بالقضية الفلسطينية كان كاتبا واعيا للغاية فلا يتعدى التزامه بالقضية الفلسطينية على التزامه بجمال الفن، فيبدو في كل رواية أكثر تجريبيا. إنه استخدم في روايتي “رجال في الشمس” و”ما تبقى لكم” عددا من آليات القص الحديث بما فيها الرمز، والتناص، وتعدد الأصوات، واسترجاع الماضي، وتيار الشعور، وقام بتجسيد الأفكار والآراء، واعتنى بالتعبير عن المواقف بكل نجاح، وقد أفاد روجر إلين بأن تقنيات كنفاني الحديثة للسرد، وطريقته في القص تمثل تقدما مميزا في الرواية العربية. فرأينا استخداما إبداعيا للمجاز والرمز في رواية رجال في الشمس، و وجدنا عديدا من الملامح التجريبية المشوقة في روايته التالية “ما تبقى لكم”، و هذا يدل على رغبته في تطوير فنه روائيا بمرور الأيام و اهتمامه بتجربة جديدة في كل مرة. 

ولكن في الروايتين التاليتين اللتين نشرتا بعد حرب يونيو 1967، نشعر بأن فنه الروائي لم يبلغ المستوى الذي وصله في روايتيه الأولين فيخيب ظن النقاد بهما، ولا يجدهما القارئ حسب ما توقع، ويرجع سبب ذلك إلى النبرة المباشرة التي اختارها غسان في محاولة لتوصيل فكره عن طريق المقطوعات العريضة من المجتمع الفلسطيني، ومرد ذلك إلى حرب يونيو التي أثرت في حياة العرب خاصة وفي حياة المسلمين عامة أثرا عظيما على المستوى العالمي. وهذا لا ينقص من فن غسان الروائي أو من عظمته كفنان شيئا، فقد حقق ما أراد في الروايتين الأوليين من التجربة الفنية وكذلك حقق ما أراد في الروايتين الآخرين من توصيل فكره مباشرة كما يقول بنفسه “طرحت جانبا ما كنت أعتقد أنه إنجاز فني ثمين في ما تبقى لكم، وحاولت أن أجعل من أم سعد كتابا تقرؤه الجماهير.” وفي رأيي، نفس القول ينطبق على رواية “عائد إلى حيفا” التي نشرت في نفس السنة.

ولم يلبث غسان أن توجه إلى اكتشافات وتجارب جديدة في الفن الروائي في رواياته التي لم تسنح له الفرصة أن يكملها بسبب استشهاده، كما يقول روجر ألين (Roger Allen) “عندما استشهد غسان كنفاني كانت هناك ثلاث روايات لم تكتمل بعد، وهي “العاشق”، و”الأعمى والأطرش”، و”برقوق نيسان”، وكل واحدة من هذه الروايات توحي في صورها المختلفة بأن غسان لو عاش واستمر في كتابة الروايات، لشهدت الرواية العربية مزيدا من التجارب في تقنيات السرد، و إسهامات أخرى في الأدب الملتزم ذات صراحة أكثر.”  فكما مضى أعلاه، كان غسان بعد ما أحرز كل ما أراد من الفن الروائي أراد أن يكتب للجماهير، ولم يجئ في هذا النزول مفاجئا بل متدرجا واعيا.

التدرج الواعي لدى غسان كنفاني: 

إذا درسنا روايات غسان وجدنا فيها تدرجا واعيا حسب التتابع الزمني نحو واقعية صلبة، وأدب أكثر بسيطا، وأكثر وضوحا، حتى تصبح الرواية عنده واقعية مئة بالمئة إلى درجة يتعذر فيها الفصل بين الواقع الحضاري والواقع الفني ولكن رغم ذلك لا يمكن أن نعتبر انتاجاته أعمالا وثائقية بعيدة عن الفن لأن غسان “لم يكن يكتفي بترتيب عناصر الواقع الحضاري على نحو تاريخي متصاعد أو متكامل، بل كان يعيد ترتيب تلك العناصر ويمنحها التكثيف والتوجيه، ويستغل فيها الصور والمقارنات والمفارقات بحيث تجئ خلقا جديدا هو الواقع و ليس به، هو الواقع الذي يراه أو يريد أن يراه قاص متفنن ملتزم، وليس هو الواقع الحرفي طبيعيا كان أو حضاريا.”

مثل تدرجه إلى الواقعية نجده يتدرج في استخدام الوسائل الفنية لتحقيق غايته من الوصول إلى الواقعية، ومن إبلاغ رسالته الإنسانية إلى الجمهور الأكبر، “فمرة كان يعتمد رسم المفارقات والمناظرات، ومرة كان يلجأ إلى إيثار البساطة الموحية في طبيعة الحوار، ومرة ثالثة يستغل عنصر الإمكان الضروري، ومرة يجمع بين هذه الوسائل جميعا، غير أنه من البداية إلى النهاية ظل مصرا على أن خير ما يبلغه هدفه هو طبيعة الشخصيات التي لا مناص لها من العيش ضمن واقعيته المبتغاة، وحين كتب غسان رواية “أم سعد” كان قد تنازل عن كل فذلكة فنية في سبيل أن لا يدع هناك أية مسافة بين الواقع الحضاري والواقع الفني، وبذلك أيضا تنبئنا قصة برقوق نيسان التي أعجلته المنية عن وضعها في شكلها النهائي.”

عقدة الذنب و تجاوزها: 

جميع روايات كنفاني تبدأ بعقدة الذنب ينجح الأبطال والأشخاص في تجاوزها في نهاية الروايات، ففي ما تبقى لكم ينجح حامد في تجاوز العقدة عندما يتجه إلى أمه ويجرؤ عبور الصحراء التي لم يعبرها أحد منذ ستة عشر سنة، وفي عائد إلى حيفا، يتجاوز سعيد العقدة عندما يتمنى أن يكون خالد قد إنضم إلى الفدائيين في غيابه، وأبو سعد يتخطى العقدة في أم سعد عندما يدرك ويعي الحقيقة بعد ذهاب ابنه سعد، وبعد مشاهدة ابنه الآخر سعيد يلوح البندقية فينشط من جديد و يحيى ثانية. أما رواية رجال في الشمس فنرى فيه عقدة الذنب بدون أن يحاول الأبطال تجاوزها.

رؤية المستقبل في روايات كنفاني: 

الأعمال الأدبية –نثرا أو شعرا- إذا التزمت بالحقيقة والواقعية استحضرت الماضي متمثلا أمام أعيننا، واستعادت التاريخ متحركا، وسجلت الحاضر ومثلته تمثيلا رائعا، وبالإضافة إلى ذلك، إنها تقدم في كثير من الأحيان نبوءات ورؤيات وأبعاد مستقبلية تظهر جليا حينا وتختفي في طياتها حينا آخر. وكل ذلك ينحصر في امتلاك الكاتب أدوات الإبداع والابتكار و الصدق الفني، وإدراكه لصور الحياة غير المألوفة. والرواية من بين أجناس الأدب، بغض النظر عن اللغة والثقافة، تمتاز بعرض الرؤية المستقبلية بسبب ميزاتها وخصائصها كما يقول كريم مهدي المسعودي “و تظل الرواية من بين فنون الأدب كلها أكثر قدرة على تحقيق هذه الرؤية بسبب سماتها النوعية التي تؤهلها-جنسا أدبيا- لخلق عالم تتداخل فيه المصائر، وتتشابك العلاقات الإنسانية، وتتصارع القوى عبر حركة الشخصيات في الزمان والمكان، فالرؤية المستقبلية لا تتحقق إلا بعرض صورة للحياة في تشابكها المعقد فيما يظهر على سطحها، أو ما يمور في أعماقها مما يحتاج إلى عين الفنان الحساسة لالتقاط ما يختفي في طياتها العميقة المتخفية وراء صورها الظاهرة بمعنى أن استشراف آفاق المستقبل لا يكون إلا بالتغلغل في أعماق الحاضر، وسبر أغواره.”

و من الممكن أن تكون الرؤية متشائما أو متفائلا وفق فلسفة الأديب في الحياة، و وفق نظرته إلى المجتمع. ولا تُستحسن الرؤية المتشائمة لأنها لا تهدي إلى بناء المجتمع ولا يناسب لأي أديب أن تكون رؤيته متشائما وكذلك لا يناسب ان تكون رؤيته متفائلا خلافا للواقع، بل يجب أن يبحث عن نقطة الضوء في الظلام الحالك، ويلفت الأنظار إليه، ونجد ذلك عند غسان كنفاني الذي يقدم لنا صور العالم الذي ملئ بالظلم، والقهر، والقتل، والدمار، ولا يجد أهلها سبيلا للنجاة ولا طريقا للاستيلاء على التعدي، ولكن يبحث غسان عن شيئ من الأمل حتى  يجعل القارئ يؤمن بالمستقبل.

وإذا بحثنا عن نقطة الضوء أو الأمل لدى غسان كنفاني فنجد ذلك في “شباب فلسطيني لم يعش مرحلة الانكسار والهزيمة سواء أكان ذلك في النكبة الأولى أم في زمن النكسة” وبشر به غسان التحرير والاستقلال، فـ”ـحامد” في ما تبقى لكم شاب لم يذق مرارة النكبة المذهلة، ولم يشاهد النكسة المخذلة، ولكن عانى من الهوان والذل الناتجة عنهما التي لا تدفعه إلا إلى اكتشاف نفسه وطموحاته، فنراه يتجرأ على عبور الصحراء ثم يقوم للمقاومة والصمود حتى يستولي عدوه. وكذلك خالد في “عائد إلى حيفا” يمثل الأمل في تحرير البلاد من الاستعمار، وتحقيق العودة إلى الوطن، وسعيد الأخ الصغير لـ”سعد” في رواية “أم سعد” يحي الأمل في استرداد الوطن، لأن سعد يجسد المعبر ويعتبر ممهدا للطريق للجيل القادم من المقاومين الذين تتعلق بهم آمال الشعب. 

وقد اعرضت هنا عن الكلام عن “رجال في الشمس” الرواية الأولى لغسان لأنها كانت جاءت في وقت كانت الآمال قد انقطعت، وكان الشعب الفلسطيني غارقا في بحر اليأس والقنوط، وكان حالهم حال الناس يوم القيامة، فكل واحد يفكر في نفسه، ويبحث عن الحل الفردي، بعد ما فقد كل ما كان يملك من غال ورخيص كما يقول كريم مهدي المسعودي “لن نبحث عن نموذج فلسطيني بملامح مستقبلية في رواية غسان كنفاني الأولى -رجال في الشمس- لأن الرواية تعرض واقعا فلسطينيا في إحدى الحلقات التاريخية التي مرت بها مأساة فلسطين، وكان الشعب الفلسطيني فيها مستسلما ذاهلا، فالنكبة أكبر من قدراته على مواجهتها، ولعل أي إرهاص بمستقبل مشرق يعد ضربا من التفاؤل الساذج غير المستند إلى تمثل الواقع….وغسان كنفاني لا ينساق وراء الحلم الأدبي الذي يتعارض مع منطق الواقع ويتخطى حقائقه الموضوعية.” 

و رغم أن رواية رجال في الشمس تخلو عن الأمل الواضح بسبب الظروف التي تمثلها، ولكنها لا تخلو عن الدعوة إلى الخلاص، والبحث عن النجاة، و تمثل تلك الدعوة العبارة الجنونية التي تنتهي بها الرواية “لماذا لم يدقوا جدران الخزان” التي أصبحت حديث النقاد لمدة طويلة.

الشخصيات في روايات كنفاني:

كان غسان كنفاني يلتزم بالتقاط شخصيات رواياته من بين الفلسطينيين العاديين و يعرض محنتهم ومعاناتهم، ولكن هذا الالتزام لا يعني أن تكون شخصياته معصومين أو منحازين. وهذه الشخصيات العادية في رواياته معقدة نفسيا، وتوضع في حالات تضطر إلى اتخاذ خيارات أخلاقية صعبة، فالأبطال الثلاثة في “رجال في الشمس” رغم تجربتهم المريرة في داخل الصهريج مرة، يدخلونها مرة ثانية ليخرجوا منها ميتا فقط، ومريم في رواية “ما تبقى لكم” تواجه نتائج حملها و زواجها العاجل مع رجل خدع أخاه، وكذلك زوجان فلسطينيان في رواية “عائد إلى حيفا” يواجهان ولدهما خالد الذي تركاه خلفهما في النكبة والذي تربى ونشأ كيهودي إسرائيلي، ونرى في “أم سعد” تشجع الأم ابنها أن يكون مقاتلا مقاوما رغم علمها بأنه قد يمكن أن يُثستشهد في قتال ما، وحسب قول الناقد صبحي جديدي أن غسان “نقل الفلسطيني من صورة البطل الملهم بلا ملامح إلى صورة الشخصية الروائية التي تتحرك ضمن فضاء واضح من التاريخ الشخصي والسياسي والاجتماعي والسيكولوجي. 

و نجد عند غسان حيادا جامحا عما كان سائدا في الرواية العربية الحديثة حينذاك من التركيز الخاص على تجسيد الطبقة البرجوازية وتمثيل الطبقة المثقفة، فقد قادته قراءته الواسعة و دراسته العميقة للتيارات الأدبية الحديثة، ومشاهدته المتأنية للمجتمع، وإيمانه السياسي إلى اتخاذ الشخصيات من بين الفقراء وانتقاء الأحداث من الحياة العادية الفقيرة التي لا تتوفر فيها حتى المرافق الأساسية.

الاغتراب والارتباك في روايات كنفاني:

 الاغتراب ظاهرة وجدت في كل مجتمع وفي كل عصر ولكنه لم يظهر في صورة المصطلح ولم يتخذ الأبعاد الفلسفية المتعددة إلا في العصر الحديث. والاغتراب عبارة عن الشعور بالعزلة والغربة لدى رجل، وفي العصر الحديث قد أصبح الاغتراب من الموضوعات البارزة في الأعمال الأدبية.   

وغسان كنفاني يظهر في مقدمة أولئك الأدباء المعاصرين الذين عانوا الاغتراب و ويلاته منذ نعومة أظفارهم، والذين دفعتهم الأحوال السياسية والاقتصادية المتمثلة في الفقر وفقدان الحرية إلى التعبير عن معاناتهم في أعمالهم الأدبية سواء في الشعر أو في النثر، ولكن رغم ذلك يندر تواجد ملامح الاغتراب الثقافي والارتباك مثلما نجد في أعمال الكاتب الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا في الكتابة الروائية.

 الحنين إلى الأرض و حب العودة:  

الحنين الشديد إلى الأرض المفقودة وحب العودة  يشكلان من أهم مظاهر روايات غسان، ويضفيان عليها معنى جديدا، ونشاهد هذين المظهرين في رواياته بداية من المشهد الاول في روايته الأولى رجال في الشمس، فنجد أبو قيس يريح صدره فوق التراب ويشعر تجاهه بشعور خاص “أراح أبو قيس صدره فوق التراب الندي، فبدأت الأرض تخفق من تحته، ضربات قلب متعب تطوف في ذرات الرمل مرتجة ثم تعبر إلى خلاياه. في كل مرة يرمي بصدره فوق التراب يحس ذلك الوجيب كأنما قلب الأرض ما زال يخفق منذ أن استلقى هناك أول مرة، يشق طريقا قاسيا إلى النور قادما من أعمق أعماق الجحيم…..كلما تنفس رائحة الأرض وهو مستلقي فوقها خيل إليه أنه يشم شعر زوجه حين تخرج من الحمام و قد اغتسلت بالماء البارد.”

و نجد نفس الحنين و نفس الحب عند حامد في “رواية ما تبقى لكم” فحبه في العودة يتمثل في حنينه إلى أمه، أما علاقته بالأرض فتظهر في أشكال مختلفة، فهو عندما يستلقي فوق الأرض يحس بها تحته ترتعش كعذراء، وهي تبدو لحامد مخلوقا يتنفس على امتداد البصر، غامضا، و مريعا وأليفا في وقت واحد. عشق الأرض وحب العودة إلى الوطن يظهران في رواية “عائد إلى حيفا” في اختيار الفلسطيني البقاء في دار بدر اللبدة الذي استشهد خلال النكبة، وكذلك في تمني سعيد س أبي خالد أن ينضم خالد إلى الفدائيين في غيبوبته.

تشبيه غسان بكتاب آخرين: 

نجد نقادا أجنبيين و العرب يبحثون عن التشابه بين غسان وكتاب آخرين على المستوى العالمي في أسلوب الرواية، وتناول القضية، واستخدام تقنيات السرد، فيبحث ناقد في إحدى الموسوعات عن الكتاب العالميين عن التشابه بين رواية ما تبقى لكم و بين رواية الصخب والعنف لوليوم فولكنر (Sound and fury of William Faulkner)“، و نجد بنجامين بناني (Benjamin Bennani) و كيثرين بناني (Catherine Warner Bennani ) يقارنان بين غسان كنفاني  والكاتب الأمريكي ليزلي مارمون (Leslie Marmon Silko) و هلم جرا.

أبرز ملامح المقاومة في روايات كنفاني: 

جميع روايات كنفاني مقاومة من حيث المضمون، والعرض، ولكن أبرز ملامح المقاومة تظهر في صورة الشهيد، والفدائي، والمقاتل في هذه الروايات، وطريقة تمجيدهم، وتفخيمهم، وتكريمهم، فلا تخلو أية رواية من روايات كنفاني من ذكرهم، ونشعر بوجودهم حتى في روايته الأولى المأساوية رجال في الشمس التي عبرت عن مرحلة الاستسلام والخنوع في حياة الشعب الفلسطيني. 

ففي رجال في الشمس، نجد عاطفة المقاومة لدى الأستاذ سليم الذي قال للحاضرين في ديوانية المختار بأنه يعرف كيف يطلق البندقية وعليهم أن يدعوه في حال هجوم العدو فقد يكون ذا نفع، واستشهد الأستاذ مقاتلا ودفن في أرضه ونجا من عار الفرار واللجوء. وفي رواية “ما تبقى لكم” نجد أمامنا سالم الفدائي الذي يقع فريسة لخيانة الفلسطيني زكريا الذي يشي به فيتم استشهاده على يد ضابط صهيوني، وكذلك نجد فتحي، خطيب مريم، الذي استشهد خلال النكبة، وفي صورة أبي خالد ومريم الذي قتل بعد النكبة. وفي “أم سعد” ثمة فضل الذي شارك في ثورة عام 1936-1939، وثبت في ساحة المعركة كأنه شجرة وصخرة، وكذلك سعد الذي يصبح مقاوما وفدائيا برضا أمه بعد هزيمة حزيران. وفي رواية عائد إلى حيفا نجد بدر اللبدة الذي كان أول من حمل السلاح في منطقة العجمي بـ”يافا” عام 1947، فاستشهد وجئ محمولا على أكتاف رفاقه، ويبقى تصويره معلقا في جداره حتى يعطي معنى للحياة للأسرة العربية التي تفضل البقاء بإسرائيل وتسكن بيته تحت الاحتلال، وكذلك خالد الذي يتمثل كمستقبل فلسطين فهو يريد أن ينضم إلى الفدائيين رغم عدم رضا أبيه الذي يدرك خطأه فيما بعد و يتمنى نهائيا أن يكون خالد قد انضم إلى الفدائيين في غيبوبته.

و في رواية “العاشق” نجد عبد الكريم الذي يتمثل إرهاصة أولى للمقاومة، فيظهر أمام المحتل الإنجليزي في صور مختلفة مقاتلا ومجاهدا، ويختفي بأسماء مستعارة من حين لآخر. وفي رواية برقوق نيسان يظهر أمامنا على المشهد قاسم الذي استشهد في مواجهة إحدى الدوريات الإسرائيلية، وكذلك سعاد التي تظهر كبطلة نسائية أخرى تحتل مكانة مرموقة وتتحمل المسؤولية القيادية.

تحويل الروايات إلى المسرح و تغيير نهاياتها: 

قد تم تحويل جميع روايات كنفاني إلى المسرحيات مرارا وتكرارا، وقامت بتمثيلها فرق مختلفة على المسارح في بلدان متعددة بما فيها العربية وغير العربية وحتى في داخل إسرائيل المحتل من حين لآخر، والمعلومات عن تمثيلها متوفرة في الصحف والجرائد، وعلى المواقع والمدونات الإلكترونية ولا يتسع المجال هنا لاحتواء التقارير المنشورة عن عرضها ولكن نذكر هنا بعض التمثيلات المهمة لإلقاء الضوء على أهمية هذه الروايات بين أبناء الشعب الفلسطيني، والمعجبين بالفن الروائي.

رجال في الشمس: من أهم عرض مسرحي لرواية “رجال في الشمس” تمثيلها على مسرح جامعة حيفا، فقد جاء هذا العرض التاريخي كأول عرض مسرحي لكاتب عربي باللغة العربية في داخل مؤسسة إسرائيلية رسمية. وكان هذا العرض البسيط من إخراج منير بكري، وديكور: طلي يتسحاقي، وموسيقى: فراس روبي، وكان ممثلوها العرب من طلاب جامعة حيفا. والجدير بالذكر هنا تمثيل هذه الرواية تمثيلا بانتوميميا في شهر مارس عام 2015 على مسرح مركز محمود درويش الثقافي بـ”رام الله” بمناسبة إحياء الذكرى الـ39 ليوم الأرض وسط إقبال واسع وبحضور وجهاء المدينة. وكان ذلك من اخراج الفنان سعيد سلامة، ومن تمثيل: حسن طه، ورشا جهشان، وفداء زيدان ، ونعمة خازم، ونضال حجاج،  أما ضبط الحركة على خشبة المسرح فقد قام بها باسكال كوبا الفرنسي.

و رواية رجال في الشمس من الروايات التي تم تحويلها إلى فيلم نجح في استقطاب أنظار الناس وحاز على جوائز مهمة. قام بتحويل هذه الرواية إلى الفيلم بعنوان “المخدوعون” المخرج المصري الشهير توفيق صالح في سوريا بعد ما غادر مصر بسبب القيود المفروضة عليه، وهو يعتبر آخر مخرجى العصر الذهبى للسينما المصرية 1933-1963، وأحد الأعمدة الكبيرة فى تاريخها، وفي تاريخ السينما العربية، ومن عدد قليل من مخرجى السينما العرب الذين تجاوزوا الحدود إلى العالم الواسع بأفلامهم. و”المخدوعون” يعتبر من أهم إنجازات السينما السوري، و بحسب وصف صالح، يعتبر هذا من أهم 100 فيلم سياسي في العالم.

ما تبقى لكم: قد تم تحويل رواية “ما تبقى لكم” إلى نص مسرحي بعنوان “الساعة والصحراء” على يد كاثرين ميليكس (Catherine Mailleux)، و بإخراج رحيم العسري، وقامت بتمثيلها فرقة بائلت (PilotGroup) في بروكسيل – بلجيكا عام 1999، والجدير بالذكر أنه شارك في تمثيلها المخرج المسرحي المغربي الشهير بوسرحان الزيتوني. 

و قد ذكر الفنان غنام غنام في مقالته “العرض الذي لم يكتمل: قراءة للمسرح في أدب غسان كنفاني” أنه قام بإعداد نص مسرحي عن رواية “ما تبقى لكم”، و أراد أن يقدمه على فرقة موال التي كانت تعمل تحت لجنة السينما والمسرح التابعة لرابطة الكتاب الأردنيين، ولكن الفرقة حلت فلم يتم عرض نصه المسرحي عن هذه الرواية.

تم تحويل هذه الرواية إلى فيلم بعنوان “ السكين” تحت رعاية المؤسسة العامة للسينما بسوريا عام 1971 قبل أن يتم تحويل رجال في الشمس إلى فيلم. وقام بإخراج هذا الفيلم المخرج السوري خالد حمادة، وقام بأدواره الرئيسية الممثلة المصرية سهير المرشدي، وبعض الممثلين السوريين منهم رفيق السبيعي، وناجي جبر، وبسام لطفي. وفي رأي النقاد، لم يبلغ هذا الفيلم المستوى الذي وصلته الرواية، ولم يحصل له النجاح مثلما حصل لـ”المخدوعون” شعبيا وفي شاشات المهرجانات، ولكن لا شك في أنه نجح في إيصال رؤية غسان إلى الذين يعتنون بالمتعة البصرية.

أم سعد: لم أعثر على أي مسرحية أو فيلم عن هذه الرواية، ولعل سبب ذلك يرجع إلى وجود النبرة المباشرة فيها التي تجعلها أقرب إلى وثيقة منها إلى الرواية. 

عائد إلى حيفا: تم نقل هذه الرواية إلى المسرحية عدة مرات، أما تحويلها إلى الفيلم، فقد عثرنا على إنتاج فيلمين اثنين عن هذه الرواية،  في الإنتاج الأول نقل رشاد أبو شاو الرواية إلى نص مسرحي وكتب الحوار باللهجة الفلسطينية، وقامت بإنتاجه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بإخراج المخرج العراقي قاسم حول، وكان الموسيقي لزياد الرحباني، وقام بالأدوار الرئيسية فيها حنان الحاج علي، وبول مطر من لبنان، وجمال سليمان من سوريا، وكريستين شور من ألمانيا. و هذا الفلم التزم بنص الرواية حرفيا وأصيب بضعف الإمكانيات لذلك لم يبلغ المستوى المطلوب رغم كونه أول فيلم روائي فلسطيني تم إنجازه بالأموال الفلسطينية.

والفيلم الثاني المستلهم من هذه الرواية الذي تم إنتاجه بعنوان “المتبقى” عام 1995، كان للمخرج الإيراني سيف الله داد الذي أخرجه بالتعاون مع مجموعة من الممثلين السوريين منهم جمال سليمان، سلمى المصري، غسان مسعود، جيانا عيد. وتم تصوير هذا الفيلم في مدينة “اللاذقية” التي تشبه بمدينة حيفا إلى حد كبير. وحصل لهذا الفيلم نجاح كبير إذ صدر باللغة العربية واللغة الفارسية معا، والجدير بالذكر أن المخرج قام بتغيير جذري في شخصية خلدون/دوف، فحين خلدون في الرواية يصبح يهوديا ويعرف بإسم “دوف”، إنه في هذا الفيلم يبقى مسلما.

و قد تم نقل بعض قصص كنفاني إلى الأفلام الوثائقية القصيرة و مرد هذا الاعتناء لأصحاب السينما بإنتاجاته وجود الحبكة التي تجعل أعماله أقرب إلى السيناريو الأدبي للسينما.

مكانة غسان في الرواية العربية: 

غسان كنفاني رغم قلة انتاجاته في مجال الرواية يحتل مكانة مرموقة بين الروائيين العرب بسبب كماله في معالجة الفن الروائي، وعرضه قضية فلسطين كقضية إنسانية عالمية ولا عربية فلسطينية، ويدل على مكانة كنفاني بين الروائيين ما قاله الدكتور محمد أيوب وهو يتكلم عن رواياته : “لا يستطيع باحث مهما كان توجهه الفكري أن يتجاهل غسان كنفاني بقامته الفارعة بين الروائيين، فقد كان مناضلا بالكلمة وبالفعل، وضحى بحياته من أجل فلسطين. و حسب روجر إلين ما هو واضح أنه بوفاة كنفاني حُرمت القصة العربية الحديثة من موهب نام رئيسي.” وقد أشار إلى ذلك إم إم بدوي إذ قال: “لا يمكن أن نقول كيف كان غسان تطور روائيا إذا لم يستشهد في عنفوان شبابه، ولكن روايتيه الأوليين تشكلان إسهامة أصلية ومؤثرة في الرواية العربية. و حسب الدكتور إحسان عباس، لو عاش غسان طويلا و استمر في كتابة الرواية لبلغت الرواية العربية الرؤية الجماعية على يديه كما يقول “ترى أي دور كان من المقدر لغسان أن يؤديه في تطوير القصة العربية الفلسطينية لو امتد به طلق العمر؟ رغم أني ممن لا يؤمنون كثيرا بالحكم على الغيب من رؤية التباشير الأولى، فإنني أستطيع أن أزعم بأنه كان من الممكن للقصة على يدي غسان أن تبلغ مرحلة الرؤيا الجماعية التي يستوي في مدى ارتياحه إليها وتأثره بها المثقف وغير المثقف، على نحو متشابه أو متقارب، لأنها تربط بين الأحاسيس متخطية الفوارق في الميول والموقف والأذواق.”

و ليس هذا فحسب بل حصل لكنفاني مكانة بين الروائيين العالميين إذ جعل من قضية فلسطين العربية أو الإسلامية قضية إنسانية، فتم ترجمة رواياته وقصصه إلى اللغات العالمية الكبرى، ونجد ذكره في الموسوعات العالمية الضخمة التي تدرس الروائيين العالميين من اللغات والمناطق المختلفة وقد استفدت من بعض هذه الموسوعات خلال دراستي هذه.

*رئيس تحرير مجلة أقلام الهند

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of