ملخص:
تعتري التراكيب العربية عوارض شتّى تعدل بها عن الأصل المفترض للكلام. وتبرزها في قوالب بلاغية يكون فيها للمسكوت عنه الحظّ الأوفر من طبيعة نظم الكلام و إخراجه على غير مخرج العادة بالنظر إلى مقاصده. ومردّ ذلك إلى أنّ الكلام البليغ ترتبط فيه الغايات بالآليات التي تمثّل نسقا إجرائيا تؤطّر فيه المعاني طبيعة المباني التي تفصح عن الظّاهر من دون غفلة عن المضمر الذي له من الثّقل الدّلالي ما يدفع المتلقي إلى التفاعل مع النّص والغوص فيه بغية الكشف عن المقنّع مما هو مسكوت عنه لفظا ومعبّر عنه إشارة وتلميحا. وفي الموروث البلاغي جانب كبير من هذا النسق التعبيري الذي يغري بالباحث ويدفعه إلى تتبّع مسالك الإبداع فيه، والسّعي إلى كشف المقنّع منه وما انطوى عليه من عذارى الأفكار التي تستوجب فطنة تحقق الاستبصار بمطويات البيان. وهو ما نصبو إلى استجلاء معالمه والتنبيه إلى دفائه ونفائسه عبر جملة من الآليات الإجرائية التي تتدخّل في نظم الكلام وتوجيه مقاصده.
الكلمات المفاتيح: عوارض التركيب، مطويات البيان، نظم الكلام، النسق الإجرائي، التّمثّلات الفكرية، مسالك الإبداع.
مقدمة:
عرفت البلاغة العربية الكثير من المفاهيم ذات الصّلة بالخطاب وآلياته الإجرائية التي أخذت أشكالا متعدّدة بتعدّد السّياق وما تقتضيه أنماط التّداول وأحواله التي يتولّد فيها المسكوت عنه ويبرز في شكل آليات تركيبية شتّى يكون فيها للعدول عن الأصل المفترض في التعبير الأثر البيّن في بلاغة الكلام الذي تؤطّره فروع عدّة من الآليات التعبيرية التي يتوارى فيها المعنى خلف الملفوظ الذي يتمّ إخراجه على غير مخرج العادة الذي يحتاج إدراك مرماه إلى كدّ الذّهن وإعمال الفكر لأنّك إذا تأمّلت طبيعة هذا الضرب من التعبير ” وجدت جله أو كله رمزاً ووحياً وكناية وتعريضاً وإيماء إلى الغرض من وجه لا يفطن له إلا من غلغل الفكر، وأدق النظر. ومن يرجع من طبعه إلى ألمعية يقوى معها على الغامض، ويصل بها إلى الخفي.”[]ولا يخفى ما لهذا المنزع البديع من أثر في المتلقي لأنّ رسم معالم المعنى بتوظيف المسكوت عنه والدعوة إلى إدراكه يكون فيه الأمر كمن يُخبر عن شيء من وراء حجاب، ثمّ يدعونا إلى تصوّره وكشف حقيقته. ولا شكّ أنّ رسم معالم المعنى والتعبير عنه بهذا الشكل مدعاة إلى جلب النفوس إليه، وتحريكها نحو النظر في أوصافه، والتفتيش في أعطافه وأنساقه التي حوتها مباحث بلاغية عديدة كالحذف، والإحالة، والاستعارة، والكناية، والتعريض، والتورية، والتعمية، والتلميح، والإلغاز، وأسلوب الحكيم…الخ. هذه السياقات اللغوية المختلفة باختلاف المقامات والأحوال والمقاصد تهدف جميعها إلى إبراز الفكرة بأسلوب غير مباشر يكون فيه للمسكوت عنه حظّه من التأطير لبلاغة الخطاب وإخراجه على غير مخرج العادة تبعا لما يتيحه النظام اللّغوي من حرية للمتكلّم، وما يوفّره من إمكانات تسمح له بإظهار بلاغته وبراعته في إبراز الفكرة إبرازا فنيا يفرض على المتلقي مزيدا من الاهتمام، وكدّ الذّهن للوقوف على حقيقة المعنى والظّفر بالمقصود حيث يتجلّى المعنى لدى المتلقي وينطبع في فكره بعد حدوث عمليتين ذهنيتين إحداهما مقصية لظاهر الأسلوب وأصله، وأخرى رابطة له بسياقه وفرعه. وما ذاك إلاّ لأنّ المقام يقوم « بتعطيل الدلالة المباشرة للملفوظ، ويتيح الفرصة لتوليد دلالة متضمّنة هي الدلالة المجازية التي تفهم بواسطة الاستدلال. وهنا يلتقي العدول الدلالي لهذا النوع من الأدوات أو الجمل بالعدول الدلالي للألفاظ في الاستعارة والكناية.»[]
لاشكّ أنّ هذا النوع من التعبير عن المعاني يحتاج إلى جهد إضافي وتدبّر أكبر في إنشائه وكذا في محاولة فهمه. فمنتج الرسالة التعبيرية يملك القدرة على التصرف في تشكيل المباني الحاملة لأصناف المعاني عبر آلية التوسّع اللغوي وما يتيحه النظام اللغوي من مسارات نظمية كفيلة بإخراج المعنى في أبهى صوّره و أرقى بناء له، على أنّ « تشييد المعنى هو حصيلة عمليات ذهنية تعمل فيها ذخيرة المنتج واجتهاداته ومحاولته توليد معان ينفرد بها، وتشهد على إبداعاته وعبقريته.»[] لهذا السبب تنوعت مجاري الكلام وتباينت في التعبير عن المعنى الواحد بوسائط جملية قائمة على الاتساع في الاستعمال الأمر الذي يمكّن لظاهرة العدول عن الأصل ويجعلها مستفحلة في كلامهم بفعل ما تنطوي عليه من نتوآت أسلوبية تتجاوب مع رموز الفكر وخلجات النفس.
إنّ طيّ المسكوت عنه في الكلام يكون بقصد من المتكلّم الذي تدفعه إلى ذلك أسباب عديدة تختلف باختلاف الأحوال والمقاصد والتي يمكن إرجاعها إلى ثلاثة عوامل أساسية تمثّل دواعي المسكوت عنه، وهي:”
01- حين تساورنا الشكوك في موقف ما حول وجوب التعبير بصراحة أم لا.
02- لأنّ التعبير بشكل غير صريح له سحر يفوق سحر التعبير بشكل صريح.
03- حين تحول أصول اللياقة دون التعبير المباشر.”[]
إنّ اللّجوء إلى إخفاء المعنى بطريقة من الطرق التعبيرية التي تتيحها المرونة اللّغوية و ما تسمح به من خيارات تركيبية هي أشبه ما تكون بمثابة حيّل فكرية، أو تلاعبات حاذقة تستوجبها النيات الاستراتيجية.[] بناء على أنّ القصدية هي أهمّ محدد للمسكوت عنه، كونها” ضابطا يخلّص المسكوت عنه من كافة مالم يصرّح به (لم يقل) ولم يتجلّ في سطح الكلام ووجهه الظّاهر، فالمسكوت عملية واعية مقصودة ضمن الكلام، والمسكوت عنه نتاج مقصود لسياسة في الكلام يختارها المتكلّم بوعي ليحقّق بها مقصدا في كلامه.”[] وهنا يجب التنبيه إلى أنّ بين مالم يقل والمسكوت عنه عموما وخصوصا. فالمسكوت عنه أخصّ كونه يدخل في دائرة مالم يقل التي هي أوسع منه. ويدخل فيها المضمر الذي يلجأ إليه لتوسيع الدّلالة ويكون التعبير من خلاله أبلغ وأبهر. وعليه فكلّ مسكوت عنه هو من قبيل ما لم يقل والعكس غير صحيح.
إنّ تشفير المسكوت عنه الذي لا يظهر على سطح التعبير، ويكون هو المراد على مستوى المضمون هو السبيل الأنسب للإعراب عن شيء من دون أن يتعرّض له بالقول صراحة. وهو إجراء يضطرّ إليه المتكلّم اضطرارا لأنّنا ” نعرف جيّدا أنّه ليس لدينا الحق في أن نقول كلّ شيء، وأننا لا يمكن أن نتحدّث عن كلّ شيء في كلّ ظرف، ونعرف أخيرا ألاّ أحد يمكنه أن يتحدّث عن أيّ شيء كان، هناك الموضوع الذي لا يجوز الحديث عنه، وهناك الطقوس الخاصّة بكلّ ظرف.”[] وفي مثل هذا السياق وما تفرضه القوانين والأعراف ليس لدينا من سبيل نسلكه في التعبير إلاّ سمت المسكوت عنه تجاوبا مع السياق في أوسع نطاق له. هذا الأخير الذي يمثّل عاملا مُهمّا في بناء الخطاب وتفكيكه بغية الوقوف على المعنى المراد. فلا يمكن فكّ رموز المسكوت عنه إلاّ بالاعتماد على السياق اللّغوي. كما يتدخّل السياق غير اللغوي بمكوّناته الثقافية والاجتماعية وما يكتنف القول من ظروف المقام في الكشف عن المسكوت عنه الذي هو أشبه ما يكون بوعاء كبير يضمّ معلومات متنوّعة من التّمثلات العرفانية للعالم الخارجي ودلالاته الرّمزية وكلّ ما يدور في فلك هذا النسق المعرفي من المعتقدات ” والمعارف الإدراكية، والمعلومات المسبقة، والمسلّمات الصّائبة بين المتحاورين، والافتراضات المسبقة التي لا تقوم المحاورة إلاّ بها. كلّ ذلك يتمّ استدعاؤه بطريقة جزئية، إذ يتمّ تحفيز جزء بسيط منها في عمليات فكّ الترميز.”[]
المسكوت عنه وآلياته الإجرائية:
يأخذ المسكوت عنه أشكالا تعبيرية شتّى تتلوّن بتلوّن آلياته التبليغية ومقاصده البيانية. وهو في درجته البيانية طبقات بعضها فوق بعض. فمنه ما يكون قريب المنال، وهو الذي توجّهه الأمثال والحكم المأثورة التي يتّكأ عليها في مواطن الإيجاز والمشابهة بين طرفين أو أكثر، يمكن أن يحمعها مضرب واحد لتشابه القصد. وهناك من المسكوت عنه ما يكون ثاويا وراء الخطاب، تؤطّره أنساق بلاغية تستدعي فطنة ونباهة من المتلقي كي يرصد المسكوت عنه، ويفكّ شفرته، ليقف على ظلاله المعنوية، حيث تكون المفارقة متولّدة من رفض ظاهر الخطاب، وما يقوم عليه من معنى حرفي ليس هو المقصود لذاته، بل قد يكون نقيضه هو المقصود حقيقة. فالنظام اللغوي يتيح للمتكلّم أساليب تعبيرية شتّى تمكّنه من نقل المعنى تلميحا من غير تصريح تجاوبا مع متطلبات الموقف الذي يستدعي تبرئة من كلّ ما يمكن أن يجرّ عليه تبعات لا يريدها. لذلك يحتمي باللغة ” ليقول قولا دون أن يبدو أنّه قاله.”[] وفي البلاغة العربية من أساليب البيان وطرائق التعبير ما يجد فيها كلّ راغب ضالته في الإعراب عن فكرته بالطريقة التي تكفل له السلامة في النّفس والإبلاغية في القول. وعلى هذا الأساس قسم بعض الباحثين البلاغة العربية إلى قسمين: بلاغة تقليدية ” أنتجها البلغاء والمنظرون الذين كانوا على وفاق مع الدّولة، أو في موقع الخدمة لها أو العمل أداة من أدواتها، وهم نقليون في الأغلب الأعمّ، ويؤمنون بالقليد في كلّ الأحوال.”[] وهناك بلاغة أخرى مغايرة للأولى في نهجها وهي بلاغة ” مقموعة في كتب البلاغة الرسمية، مسكوت عنها لا نلتفت إليها عادة… هذه البلاغة المقموعة أنتجتها المجموعات الهامشية التي لعبت دور المعارضة، والتي كانت على خلاف مع سلطة الدولة القائمة.”[] بغرض التعبير عمّا لا يمكن التصريح به باستخدام الحديث على ألسنة الحيوانات واللّجوء إلى التلميح والتورية والتعمية وغيرها من الحيل الأسلوبية التي تدرأ عن صاحبها شبهة النّقد والمعارضة والخروج عن الطّاعة. ” وأصّلوا من القواعد ما يتعلّم به البلغاء من المقموعين كيف يواجه الواحد منهم الأراقم دون أن تناله بالافتراس، وكيف يقول ما لا يقال دون أن يقطع لسانه، أو يستخرج من قفاه.”[]
من الآليات الإجرائية التي يلجأ إليها لتوليد المسكوت عنه في الكلام الحذف الذي ينتج بلاغة لا سبيل إليها من دونه. وهو أحد العوارض التي تعتري الجملة فتخرجها عن أصلها محدثة فيها تغييرا في البناء التركيبي وفي الدلالة المعنوية. وهو يمثّل شكلا من أشكال العدول لأنّه يسقط جزءا من أصل التركيب، ويخرج إلى فرع عنه. و يرى جمهور البلاغيين أنّ بلاغة الكلام ودلالته على المعاني الثواني كامنة في الحذف إذا اقتضاه الحال وتطلبه المقام وهو أبلغ من الذكر في الإفادة والدلالة على المبتغى بأوجز تعبير وأبلغه. ولا أجد كلاما أبلغ في وصف هذه الظاهرة والتنبيه إلى قيمتها البيانية وأسرارها البلاغية في الكلام ممّا نبّه إليه عبد القاهر بقوله: « هو باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتمّ ما تكون بيانا إذا لم تبن.”[]
إنّ قاعدة “ترك الذكر أفصح من الذكر” تحمل في طياتها دلالات عميقة في بعديها الوظيفي والدلالي، الذي يستدعي الإيجاز في القول والاعتماد على مبدإ التلميح الذي يفرضه السياق فيثير انتباه المتلقي، ويجلب اهتمامه. ويصبح ترك الذكر أفصح من الذّكر لمّا يُفتح مجال التقدير على كلّ أبوابه، وفي ذلك دلالة على عظم المشهد وقوة التصوّر المفضي إلى التفكير في كلّ ممكن علاوة على إثارة النفس، وتنشيط الخيال الذي تذهب به الفكرة كلّ مذهب. وهذا له علاقة بالمتلقي الذي يشغل الكلام عقله ويملأ قلبه. فإذا كان المحذوف واقعا في موضعه، وفي الكلام ما يدلّ عليه من قرائن تسترعي انتباه المتلقي وتثير فيه فضول التقدير والكشف عن المحذوف الذي طواه التعبير فإنّه يجد أريحية في تقدير ذلك. و« زيادة لذة بسبب استنباط الذهن للمحذوف، وكلّما كان الشعور بالمحذوف أعسر، كان الالتذاذ به أشد وأحسن.»[] لأنّ المتلقّي يشعر باكتشافه للفكرة ووقوفه على مراد المتكلّم. وبهذا يكون الحذف حريّا بأن يملك على المتلقي نفسه ، ويجعله متفاعلا مع ما يلقى عليه من الكلام. ويدخل المسكوت عنه في دائرة الحذف الذي يلجأ إليه لتقرير فكرة والإفصاح عنها بلسان الحال. و قد تجتمع دلالة الحال والمقال معا في الموقف الواحد فيحسن الحذف ويجود وينتفي وجود الالتباس لقيام القرينة. فمن هذا الضرب قول أبي الطيب المتنبي:
قَالَتْ وَقَدْ رَأَتْ اصْفِرَارِي: مَنْ بِهِ؟ *** وَتَنَهَّدَتْ، فَأَجَبْتُهَا: المُتَنَهِّدُ []
« أرادت من فعل به؟ وأراد : فعل المتنهد، فحذف الفعل لدلالة الاصفرار عليه وحذف هو لدلالة علمها به، ثم حذفهما هو في البيت للحكاية.»[] لقد أغنت دلالة الحال عن بسط كلّ أطراف المقال. وأملت على الشاعر إضمار المسكوت عنه صيانة للكلام من الترهّل، والزّجّ بالمتلقي في الانخراط في العملية التداولية وما يقتضيه السياق اللغوي من تقدير للمحذوف المفهوم من فحوى الخطاب.
ومن حذف الخبر بغية الاختصار والعدول إلى أقوى الدليلين- أعني دلالة العقل- مع الانسجام مع المقام الذي يستدعي طيّ المسكوت عنه لشبهه بالعدم إذا ما قيست مدّة حياة الفرد بما يتّسع له الدّهر من أحقاب زمنية لا تكاد تُذكر حياة المرء في جنبها مثلما يُفهم من الشاهد الذي أورده سيبويه في “باب ما يحسن السكوت عليه في هذه الأحرف الخمسة “[] وهو قول الأعشى:
إِنَّ مَحَلا وَإِنَّ مُرْتَحَلاً *** وَإِنَّ فِي السَّفْرِ مَا مَضَى مَهْلا[]
الشاهد في البيت حذف الخبر والأصل إنّ لنا في الدنيا محلا، وإنّ لنا عنها مرتحلا، وقد حذف لعلم السامع به. وأنّ ذكره في مثل هذا السياق يُخرج الكلام عن بلاغته ويكون ذكره من قبيل اللّغو الذي لا طائل من ورائه. أمّا مقصده البلاغي فيتمثّل في سرعة انقضاء حياة الإنسان. فبين الولادة والممات زمن وجيز جدّا لا يكاد يذكر. وفي ذلك عبرة لكلّ معتبر وواع متبصر.
من مألوف حذف المبتدإ في الأسلوب العربي مقام القطع والاستئناف، وتلك سنة متبعة عند ذكر الديار أو الحديث عن مآثر الأشخاص يقول عبد القاهر:« و من المواضع التي يطرد فيها حذف المبتدإ القطع والاستئناف، يبدأون بذكر الرجل ويقدّمون بعض أمره، ثمّ يدعون الكلام الأول ويستأنفون كلاما آخر، وإذا فعلوا ذلك أتوا في أكثر الأمر بخبر من غير مبتدإ. مثال ذلك قوله:
سَأَشْكُرُ عَمْرًا إِنْ تَرَاخَتْ مَنِيَّتِي *** أَيَادِي لَمْ تُمْنَنْ وَإِنْ هِيَ جَلَّتِ
فَتًى غَيْرُ مَحْجُوبِ الغِنَى عَنْ صَدِيقِهِ *** وَلا مُظْهِرِ الشَّكْوَى إِذَا النَّعْلُ زَلَّتِ []
لا شكّ أنّ سبب الحذف وطيّ المسند إليه في الذكر كامن في إيهام تفرد الممدوح بهذه الصفات، واشتهاره بها فكأنّها صارت حكرا عليه ومقصورة عليه. فعند ذكرها لا ينصرف الذّهن إلاّ إليه. وبذلك يكون قد بلغ في استحقاق تلك الصفات درجة التفرّد بالشيء واقتصاره عليه فلا ينازعه في ذلك أحد. وحقيقة هذا النوع من العدول أنّه « عملية توحّد بين الذات والصفة يكون فيها المسند هو المسند إليه بلا انفصام. بالحذف تجسّد المسند فصار مسندا إليه، وعندئذ صار وجود المسند إليه بلا مبرّر.»[]
وقد يكون الغرض من حذف المفعول والسكوت عنه إرادة العموم مع توفّر العناية لوقوع الفعل من الفاعل كما هو الحال في قول عمرو بن معد يكرب:
فَلَوْ أَنَّ قَوْمِي أَنْطَقَتْنِي رِمَاحُهُمْ *** نَطَقْتُ وَلَكِنَّ الرِّمَاحَ أَجَرَّتْ[]
تقدير الكلام ولكن الرماح أجرتني أي قطعت لساني عن القول و أخرسته عن المدح لأنّ قومه لم يفعلوا شيئا يستحق الثناء والمدح. وفي حذف الياء سعي إلى منع تعلّق الفعل بمفعول معيّن لما في ذلك من احتمال إجرارها لغيره. ودفعا لهذا التصوّر كان المفعول به في حكم المسكوت عنه، وعومل الفعل المتعدّي معاملة اللاّزم. فالشاعر يريد أن يثبت فعل الإجرار للرّماح ويركّز عليه لتخلص العناية بحدوث الفعل للفاعل وتنصرف إليه بالجملة من دون تحديد أو تمييز. وهنا « تجد المعنى يلزمك أن لا تنطق بهذا المفعول ولا تخرجه إلى لفظك، والسبب في ذلك أنّ تعديتك له توهم ما هو خلاف الغرض…. فلما كان في تعدية أجرت ما يوهم ذلك وقف فلم يعدّ البتة. ولم ينطق بالمفعول لتخلص العناية لإثبات الإجرار للرماح. وتصحيح أنه كان منها. وتسلم بكليتها لذلك.»[] وهنا تخلص العناية لمن وقع منه فعل الإجرار وهو المعنى الأهمّ و الأوكد في نظر الشاعر لذلك طوى ذكر المفعول به وجعله في حكم المسكوت عنه، وهذا ما تقتضيه بلاغة القول و يرتضيه بيانه. ومن بلاغة المسكوت عنه الذي تؤطّره آلية الحذف قول البحتري:
وكم ذدت عني من تحامل حادث *** وسورة أيام حززن إلى العظم
وقد نبّه الجرجاني إلى بلاغة المحذوف الذي ولّد المسكوت عنه في البيت حيث قال:” الأصل لامحالة: حززن اللحم إلى العظم، إلا أن في مجيئه به محذوفاً، وإسقاطه له من النطق وتركه في الضمير مزية عجيبة وفائدة جليلة. وذاك أنّ من حذق الشاعر أن يوقع المعنى في نفس السامع إيقاعاً يمنعه به من أن يتوهم في بدء الأمر شيئاً غير المراد، ثم ينصرف إلى المراد. ومعلوم أنّه لو أظهر المفعول فقال، وسورة أيام حززن اللحم إلى العظم لجاز أن يقع في وهم السامع إلى أن يجيء إلى قوله: إلى العظم، أنّ هذا الحزّ كان في بعض اللحم دون كله، وأنه قطع ما يلي الجلد، ولم ينته إلى ما يلي العظم. فلما كان كذلك ترك ذكر اللحم، وأسقطه من اللفظ ليبرئ السامع من هذا الوهم، ويجعله بحيث يقع المعنى منه في أنف الفهم، ويتصوّر في نفسه من أوّل الأمر أن الحزّ مضى في اللحم حتى لم يرده إلا العظم. أفيكون دليل أوضح من هذا، وأبين وأجلى في صحة ما ذكرت لك من أنك قد ترى ترك الذكر أفصح من الذكر؟ والامتناع من أن يبرز اللفظ من الضمير أحسن للتصوير؟”[] هكذا نرى أنّ بلاغة الكلام وفحواه تقتضي تعطيل الفعل المتعدّي وعدم ذكر مفعوله الذي صار في حكم المسكوت عنه كي يتحقق القصد المراد من نظم الكلام، وينتفي ما سواه.
وقد يلجأ المتكلّم إلى تغييب المسند إليه لينتج مسكوتا عنه يمكن إنكاره عند المساءلة التي تلحق ضررا بالمتكلّم. وهذا ما أشار إليه التفتازاني في قوله:” تأتّي الإنكار أي تيسّره عند الحاجة نحو فاسق فاجر، أي: زيد، ليتيسّر لك أن تقول: ما أردته بل غيره.”[] ويطّرد هذا الضّرب من الأسلوب في كلّ الأحوال والمقامات التي يخشى فيها المتكلّم إلحاق ضرر به عند التصريح في القول. ويكون لجوؤه إلى توليد المسكوت عنه في الكلام وسيلة للدّفاع عن النّفس واتّقاء أيّ شرّ محتمل مثلما أشرنا إليه سابقا ونحن نتحدّث عن بلاغة المقموعين الذين وجدوا في هذا النسق من التعبير ضالتهم في التعبير عن أفكارهم، والتلميح إلى مقاصدهم.
– آلية النّسق الاستعاري:
الاستعارة من أكثر أساليب البيان تعبيرا، وأرقاها تصويرا، وأقواها تأثيرا. وقد تبوّأت منزلة نوعية في المنظومة البلاغية، وأخذت بحظّ وافر من العناية والدراسة والتحليل بفعل ما انطوت عليه من طاقات تعبيرية مشحونة بقوّة الدلالة وسعة التخييل التي تعكس اكتساب العقل البشري لمهارات إبداعية لا متناهية وقدرته على الابتكار والتجديد بفعل ما ينشئه من أنساق استعارية تتجسّد فيها أرقى أساليب التصوير المحققة لأسمى غايات التأثير. تبنى الاستعارة على خلق علاقات بين المعاني والوحدات وتكرّس مبدأ التجانس الصوري بين الموجودات، عن طريق إذابة العناصر والوحدات في قالب تركيبي يقوم على الاختزال والحلول، في كنف المحاكاة والتخييل. وهي تمثّل بؤرة المجاز الذي تتفاعل فيه مجموع العناصر المكوّنة والمنتجة للخطاب. و من خلالها تتجلّى معالم اللغة الجمالية المنبثقة من تلك الصوّر الفنية ذات الدّوال المتداخلة فيما بينها، والتي تمتاز بقدرتها على الإيحاء والإيماء. فهي « تعطيك الكثير من المعاني باليسير من اللفظ، حتى تخرج من الصدفة الواحدة عدّة من الدّرر، وتجني من الغصن الواحد أنواعا من الثمر.»[] التي يقف عليها كلّ واعٍ متبصّر بخبء الكلام ومراميه، حيث تكون بين ” اللفظ القليل الذي صرّح به، والمعنى الكثير الذي يمكن تأويله مسافة تتجلّى فيها قصدية المتكلّم وقصدية المتلقي وقصدية النص، وفي تلك المسافة تلتمس المخفي والمسكوت عنه.”[] ولو أمعنّا النظر في حقيقة الاستعارة ألفيناها عبارة عن تشبيه حذف أحد طرفيه. إمّا المشبّه أو المشبّه به. وفي كلتا الحالتين يوجد مسكوت عنه وهو أحد طرفي هذه المعادلة. وفي هذا الاختزال إفادة تأكيد وقوّة إثبات لا سبيل إلى تحقيقها من غير هذه الآلية الإجرائية.”فالاستعارة أن تريد تشبيه الشيء بالشيء، فتدع أن تفصح بالتشبيه وتظهره، وتجيء إلى اسم المشبه به فتعيره المشبه وتجريه عليه، تريد أن تقول: رأيت رجلاً هو كالأسد في شجاعته وقوة بطشه سواء، فتدع ذلك وتقول: رأيت أسداً.” [] يحدث هذا في الاستعارة التصريحية، أمّا في الاستعارة المكنية فيكون المسكوت عنه خاصّا بالمشبّه به الذي يشار إليه بأحد لوازمه التي تستدعي تصوّر المحذوف صراحة وتمثّله في الذّهن لإدراك القصد وتبيّن المعنى. ومما مثّل به عبد القاهر لحسن الاستعارة واللّطف فيها قول الشاعر:
سالت عليه شعاب الحي حين دعا *** أنصاره بوجوه كالدنانير
لقد عبّر عن نصرة قومه له، والسرعة في تلبيتهم نداءه وتهافتهم عليه بالسيول التي تغمر المكان في ثوان معدودة. وهو يريد من ذلك ” أنه مطاع في الحي، وأنهم يسرعون إلى نصرته، وأنه لا يدعوهم لحرب، أو نازل خطب إلا أتوه وكثروا عليه، وازدحموا حواليه، حتى تجدهم كالسيول تجيء من هاهنا وهاهنا، وتنصب من هذا المسيل وذلك، حتى يغص بها الوادي ويطفح منها.”[]
لاشكّ أنّ مكمن الإثارة الحاصلة في الاستعارة هو وليد ابتكار علاقات جديدة بين الأشياء من شأنها أن تثير انتباه المتلقي، وتولّد له متعة التأويل والكشف عن المسكوت عنه الثاوي خلف مطويات الكلام ومقاصده المتوارية خلف النسيج الاستعاري القائم على العدول الدلالي. وكان ابن سينا قد نبّه إلى القيمة الفنية والدلالية وما يلحق المتلقي من تأثير بفعل هذا النسق التعبيري الذي يحتاج إلى الكشف عن مطويات البيان التي تؤطّره حيث قال: « واعلم أنّ الرونق المستفاد بالاستعارة والتبديل سببه الاستغراب والتعجّب. وما يتبع ذلك من الهيبة والاستعظام والروعة كما يستشعره الإنسان من مشاهدة الغرباء، فإنّه يحتشمهم احتشاما لا يحتشم مثله العارف.»[]
لقد توصّل عبد القاهر بحسّه البياني المرهف وذكائه الوقّاد إلى أنّ بلاغة النسق الاستعاري ووجه الفضل والمزية فيه ليس ناشئا عن قوّة الشبه السافر بين الطرفين بل الأمر بخلاف ذلك وعلى النقيض منه تماما. إنّ المزيّة كامنة في خفاء وجه الشبه والتلويح به دون التصريح لأنّ « من شأن الاستعارة أنّك كلّما زدت إرادتك التشبيه إخفاء ازدادت الاستعارة حسناً. حتى إنك تراها أغرب ما تكون إذا كان الكلام قد ألف تأليفا، إن أردت أن تفصح فيه بالتشبيه خرجت إلى شيء تعافه النفس، ويلفظه السمع. ومثال ذلك قول ابن المعتز، من مجزوء الرمل: أَثْمَرَتْ أَغْصَانُ رَاحَتِهِ *** بِجِنَانِ الحُسْنِ عُنَّابَا
ألا ترى أنك لو حملت نفسك على أن تظهر التشبيه، وتفصح به احتجت إلى أن تقول: أثمرت أصابع يده التي هي كالأغصان لطالبي الحسن شبيه العنّاب من أطرافها المخضوبة. وهذا ما لا تخفى غثاثته.»[] واللافت للنظر أنّ الجرجاني لا يلقي هذه الأحكام من دون تعليل أو تدليل بل أنّه يجد لذلك تفسيرا يشدّ أزر فكرته وتمثيلا يعضد رأيه. وفي البرهنة على صحّة ما ذهب إليه في هذه الفكرة يقول إنّ من « المركوز في الطبع أنّ الشيء إذا نيل بعد الطلب له، أو الاشتياق إليه، ومعاناة الحنين نحوه كان نيله أحلى، وبالمزية أولى، فكان موقعه من النفس أجلّ وألطف، وكانت به أضنّ وأشغف.»[] مدلول هذا الكلام أنّ ما كان مطويا في الذّكر حاضرا في الفكر لدى منشئ الكلام هو من قبيل المسكوت عنه في اللفظ المقصود في المعنى وهو ما يجب على المتلقي إدراكه والوقوف عليه.
– آلية الكناية والتعريض:
الكناية من المباحث التي تدلّ على وعي العرب بخروج الكلام عن مقتضى الظاهر، وعدوله عن التصريح إلى الكناية والتلميح طلبا للإيجاز، أو صيانة الكلام عن الفاحش من القول، وما إلى ذلك من المعاني التي يستدعيها المقام فتحتاج إلى لون خاص من التعبير الذي يُعتمد فيه على فطنة المتلقي ونباهته في إدراك المكنّى عنه. وقد أولى البلاغيون الكناية عناية كبيرة كونها شعبة من شعب البلاغة التي تجسّد رموز الفكر وخوافي الإحساس. وبها يزكو المعنى، ويربو عن الإفصاح. فهي تقوم على خصوبة العبارة القائمة على التلويح والرمز والإشارة. وفيها من الاتساع في الكلام والتفنن فيه ما لا يقف عند غاية، أو تحدّه نهاية.
يحمل لفظ الكناية في مدلوله اللغوي والاصطلاحي سمات العدول الدّلالي المبني على الإخفاء والتلميح بدلا من الكشف والتصريح. تقول: « كنى به عن كذا يكنّي ويكنو كناية تكلّم بما يستدلّ به عليه. أو أن تتكلّم بشيء وأنت تريد غيره.»[] لهذا السبب عدّ هذا الأسلوب من قبيل التعبير الذي يتضمّن مسكوتا عنه وله نُصِب الكلام الذي أشير إلى معناه من طرف خفي يستلزمه نمط البيان المعبّر عن الفكرة بوساطة الاستدلال الذي يثير ذهن المتلقي ويدفعه إلى الكشف عن المكنى عنه. والكناية في اصطلاح البلاغيين: « أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة ولكن يجيء إلى معنى هو تاليه وردفه في الوجود فيومئ إليه، ويجعله دليلاً عليه.»[] والكناية عند السكاكي:« هي ترك التصريح بذكر الشيء إلى ذكر ما يلزمه لينتقل من المذكور إلى المتروك كما نقول فلان طويل النجاد لينتقل منه إلى ما هو ملزومه وهو طول القامة.»[] ومن هذا النسق البياني قول عمر بن أبي ربيعة:
بَعِيدَةُ مَهْوَى القُرْطِ إِمَّا لِنَوْفَلٍ *** أَبُوهَا وَإِمَّا لِعَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمِ[]
إنّ مسلك الإبداع في التعبير عن الفكرة التي يبتغيها الشّاعر متأتٍ من طيّ المسكوت عنه في الذّكر واللّجوء إلى التلميح بدلا من التّصريح. وفي ذلك التلميح من الاستدلال ما يشدّ اتباه المتلقي ويدفعه إلى الرغبة في الكشف عن الملزوم الذي وجّه الشاعر العناية إليه وخصّه بهذا المسلك التعبيري وهو يريد :« أن يصف طول جيدها فلم يذكره بلفظه الخاص به، بل أتى بمعنى هو تابع لطول الجيد، وهو بعد مهوى القرط.»[] وهذا من باب الكناية عن الصفة التي لم يخصّها الشاعر بلفظها الأصلي صراحة بل عدل عن ذلك إلى ما يدلّ عليه ” بعيدة مهوى القرط.” وفي ذلك من المبالغة وجمال التعبير ما لا يقوى على حمله التعبير المباشر. للإشارة فإنّ من البلاغيين من جعل الكناية والتعريض شيئا واحدا ومنهم من فرّق بينهما كما هو الحال لدى الزمخشري (538هـ) الذي فرّق بينهما تفريقا دقيقا اعتمد فيه التمثيل. وحدّ كلّ واحد منهما بما هو مميّز له عن الآخر وفي هذا يقول: « فإن قلت: أي فرق بين الكناية والتعريض؟ قلت: الكناية أن تذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له ، كقولك : طويل النجاد والحمائل لطول القامة وكثير الرماد للمضياف. والتعريض: أن تذكر شيئاً تدل به على شيء لم تذكره، كما يقول المحتاج للمحتاج إليه : جئتك لأسلم عليك ، ولأنظر إلى وجهك الكريم.»[] وهو يقصد نواله الذي أشار إليه من طرف خفيّ لايدركه إلاّ العارف برموز البلاغة والبيان. وقد تعرّض في كشّافه إلى نماذج عدّة من التعريض نحو تفسيره لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ﴾- سورة الأنبياء:62-63- حيث قال: « هذا من معاريض الكلام ولطائف هذا النوع لا يتغلغل فيها إلا أذهان الراضة من علماء المعاني. والقول فيه أنّ قصد إبراهيم صلوات الله عليه لم يكن إلى أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم، وإنما قصد تقريره لنفسه وإثباته لها على أسلوب تعريضي يبلغ فيه غرضه من إلزامهم الحجة وتبكيتهم.»[] وقد يكون أثر هذا المسكوت عنه مزدوج الغاية فبالإضافة إلى إرادته إقامة الحجة عليهم ببطلان معبوداتهم التي لا تدفع عن نفسها ضرّا، يمكن القول بأنّ هذا المسكوت عنه يدفع عنه أذاهم وانتقامهم ويوفّر له أمنا.
و قد جعل العلوي:« التعريض أخفى من الكناية، لأن دلالة الكناية مدلول عليها من جهة اللفظ بطريق المجاز، بخلاف التعريض، فإنما دلالته من جهة القرينة والإشارة.»[] وهو يرى أنّ ثمّة تداخلا بينهما أو عموما وخصوصا إذ كلّ تعريض كناية، وليست كلّ كناية تعريضا. وخلاصة القول في الفرق بين الكناية والتعريض« أنّ الكناية وضع لفظ يراد به معنى يُعرف من لفظ آخر هو أحقّ به، ولكن يُعدل عنه لقبحه في العادة أو لعظمه أو لستره، أو لما ناسب ذلك من الأغراض، والتعريض أن يُذكر شيء يُفهم منه غير ما وضع له لمناسبة ما بين المعنيين.»[] ومن شواهد التعريض في القرآن العظيم قوله تعالى: ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾- سورة الرعد:19- بيّنت هذه الآية أحوال الناس مع القرآن ونظرتهم إليه تصديقا وتكذيبا. أمّا المصدّقون المؤمنون فهم يعلمون أنّه منزل من الله عزّ وجلّ، لذلك تجدهم دائمي التذكّر والتدبّر في بيانه وأسراره مثلما يدلّ على ذلك الفعل المضارع “يعلم” المفيد للتجدد والاستمرار. وقد هداهم ذلك إلى الإقرار اليقيني بكلّ ما حواه. وأمّا المكذّبون الذين وسموا بالعمى بسبب إعراضهم عن منهجه تعالى ونور بيانه، فهم في تخبّط مستمرّ، وضياع، وتيه مفض بهم إلى خسران مبين. وقد جاء الاستفهام الإنكاري في الآية الكريمة لينفي أدنى مماثلة بين الفريقين في الحال والمآل. وهذه حقيقة لا يعيها غير أولي الألباب مثلما أكّدته الآية التي قصرت التذكّر عليهم وعرّضت بغيرهم من خلال المسكوت عنه المفهوم من السياق. لذلك كان القصر بإنّما التي تكون في المعاني الواضحة المعلومة سلفا بحيث لا ينكرها إلاّ جاحد أو جاهل مطموس البصيرة. وخلف هذا القصر الذي يتضمّن نفيا وإثباتا تعريض بأولئك الذين لا عقول لهم تسعفهم إلى التماس نور الإيمان بالله عزّ وجلّ والإقبال على تدبّر كتابه. ومجيء الحصر في هذه الآية الكريمة لإثبات التذكّر لأولي الألباب من المؤمنين ونفيها عن غيرهم وتسفيه عقولهم. والجدير بالذّكر أنّ من محاسن الكلام وجودة النظم استخدام إنّما في التعريض مثلما يوضّحه كلام عبد القاهر الجرجاني عنها بقوله: « ثم اعلم أنك إذا استقريت وجدتها أقوى ما تكون، وأعلق ما ترى بالقلب، إذا كان لا يراد بالكلام بعدها نفس معناه، ولكن التعريض بأمر هو مقتضاه، نحو أنّا نعلم أن ليس الغرض من قوله تعالى:﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ أن يعلم السامعون ظاهر معناه، ولكن أن يذم الكفار، وأن يقال: إنهم من فرط العناد ومن غلبة الهوى عليهم في حكم من ليس بذي عقل. وإنكم إن طمعتم منهم في أن ينظروا ويتذكروا كنتم كمن طمع في ذلك من غير أولي الألباب.»[] ففي الإعراض عن ذكرهم، وجعلهم في حكم المسكوت عنه الذي يشار إليه تلميحا لا تصريحا تغييب لهم من مشهد الذّكر الذي يشرّف أهله ذكرا وفكرا. وما عداهم يكون في حكم المبعد من رحمة الله الآيس منها.
إذا كان رأي البلاغيين منعقدا على أنّ المجاز أبلغ من الحقيقة.[] وأنّ التلميح أحسن من التصريح فإنّ الكناية لا يمكن أن ننفي عنها صفة المجاز لما تحمله من عدول عن التصريح إلى الإشارة والتلميح، وهو ما يجعلها ذات قيمة دلالية فنية تسمو عن الأصل المتواضع عليه. والتحلي بسمة الخصوصية التعبيرية الخارجة عن مألوف الوضع إلى نسق تعبيري أحكم نسجه الخيال، وقوّى عرى لفظه ومستلزم معناه العقل والاستدلال.
إنّ اللّجوء إلى المسكوت عنه باستخدام التعبير الكنائي له أشكال متعدّدة منها اللّغوية وغير اللّغوية التي تستنطق أفعالها وتصرّفاتها كتلك التي تُفهم ضمنيا من قول ذي الرّمة الذي جمع بين الأقوال والأفعال في إعرابه عن حالته النّفسية التي استبدّ بها الشّوق إلى الخلاّن وغزاها الحنين إليهم حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت فلجأ إلى التصوير الكنائي ليعبّر عن حالته النفسية المتأزّمة والمشتتة بين ما كان وما هو كائن عبر هذه الأفعال التي جسّدها في قوله:
عَشِيَـةَ مَا لِي حِيلَةٌ غَيْرَ أَنَّنِي*** بِلَقْطِ الحَصَى وَالخَطِّ فِي التُّرْبِ مُولَعُ
أَخُـطُّ وَأَمْحُو الخَطَّ ثُـمَّ أُعِيدُهُ *** بِكَـفِّي وَالغِـرْبَانُ فِي الدَّارِ وُقَّـعُ[]
فانظر كيف أنّ طريقة التعبير عمّا في النّفس قد أخذت مسلكا يسمو فيه التصوير عن غيره من أنواع التعبير بتوظيف المسكوت عنه الذي تضيق عن حمل معانيه العبارة و لا يسعه إلاّ لطف الإشارة، ليرسم صورة لنفسه ترشح بمعاني الحسرة والحيرة. وما ينجم عن ذلك من تأزّم نفسي يستعصي على الأسلوب المباشر جمع أشتات معانيه. والإتيان على قاصيه ودانيه. هذا النوع من التعبير الذي يتّكئ على تصرّفات الفرد وأفعاله يمثّل خير سبيل لاستجماع أشتات المسكوت عنه من المعاني التي تبقى مفتوحة للمتلقي ليستوحي من تلك الصورة معاني جمّة تجلّ عن الحصر. وشبيه بهذا المنحى التعبيري قول امرئ القيس:
ظَلَلْتُ رِدَائِي فَوْقَ رَأْسِي قَاعِدًا *** أَعُدُّ الحَصَى مَا تَنْقَضِي عَبَرَاتِي[]
حيث يشير إلى ما استبدّ به من همّ وغمّ تجلّى أثره في تلك التصرّفات التي ألجأه إليها الحال بعدما استعصى عليه المقال. ولم يسمح له إلاّ بوصف تلك الفعال المشيرة إلى عمق المأساة وتشتت الأحوال. فلقط الحصى أو عدّها لفظ أطلق وأريد به لازم معناه الذي يُعدّ من قبيل المسكوت عنه الذي يستنفر القوى العقلية للمتلقي ويدفعه إلى كشف مطوياته. فالتصرّف الفعلي دليل على جملة من المعاني التي يجمل بها التلميح والتلويح دون التصريح بالاعتماد على هذا النوع من الأسلوب الذي يتوارى فيه المعنى المقصود خلف المعنى الملفوظ، ويكون ثاويا وراء التصرفات الفعلية. ويصير المعنى الأوّل دالا على المعنى الثاني وراشدا إليه. وتظهر القيمة الفنية لهذا النسق التعبيري « في قدرته على إعطاء إشارات رامزة بجانب الدلالة الإشارية التي تبعد التركيب اللغوي عن المباشرة.»[] وتبعث في المتلقي رغبة التقصي وشحنة الإثارة. هذا هو سبيل العرب في الكناية عن الصفة بالتصرفات والأفعال التي يهدي ذكرها إلى فهم المعنى المراد. هذا النوع من التعبير نجده ماثلا في أساليب العرب قديما على حدّ قول الشنفرى في تائيته:
لَقَدْ أَعْجَبَتْنِي لاَ سُقُوطًا قِنَاعُهَا *** إِذَا مَا مَشَتْ وَلاَ بِذَاتِ تَلَفُّتِ[]
البيت هذا تجسيد لتصرّفات فعلية لازمت هذه المرأة والمتمثّلة في تقنّعها وعدم تلفّتها في مشيتها. وفي ذلك دلالة على أنّها ذات أدب وحياء، ضنينة بأنوثتها عفيفة الأخلاق مستقيمة في تصرّفاتها. فانظر كيف أنّه عدل عن التصريح بكلّ هذه الأوصاف وما يجري مجراها برسم صورتين لها أغنتا عن كثير من اللفظ. ثمّ يردف مبرّرا ومؤكّدا لذلك التصرّف فيقول:
كَأَنَّ لَهَا فِي الأَرْضِ نِسْيًا تَقُصُّهُ *** عَلَى أُمِّهَا وَإِنْ تُكَلِّمْكَ تَبَلَّتْ[]
فهي مُعرِضة عمّا سوى الطريق الذي تسلكه، وقد ألجأتها الحاجة إلى الخروج. وكأنّ لها في الأرض شيئا منسيا قد ضاع لها فهي تقصّه باحثة عنه. والمراد من هذا التمثيل التأكيد على صفة العفّة التي تحلّت بها هذه المرأة الطّاهرة. أمّا قوله: ” وإن تكلّمك تبلّت ” بمعنى تقطّع كلامها و تعثّر حديثها، فهو كناية عن صفة الحياء المفرط الذي ينتابها إن هي كلّمت غريبا لضرورة ملحّة. لهذه الأوصاف كانت في غاية الخلق الشريف العفيف الذي يستحسنه العربي الشهم ويتطلّع للظفر بصاحبته. هكذا نرى كيف أنّ الكناية تساعد على إخفاء المعنى تلطّفا في الأداء وإمعانا في تقرير المعنى وبلاغته. والتعريض أشدّ إخفاء للمعنى المسكوت عنه حيث تتفاوت درجات الغموض فيه. فكلّما كان اللفظ أبعد عن المعنى المراد، كان الغموض أشدّ وأعمق. فمن ذلك ما أجاب به ثابت بن عبدالله لما سأله عبد الملك بن مروان قائلا:” ما ثابت من الأسماء؟ ليس باسم رجل ولا امرأة. قال: يا أمير المؤمنين، لا ذنب لي لو كان اسمي إليّ ما سمّيت اسمي إلاّ زينب. يعرّض بأنّه كان يعشق زينب بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.”[] فالمقام الذي كان فيه ثابت فرض عليه طيّ المسكوت عنه في الذّكر واعتماد التعريض في الإشارة إليه. والتعريض أخفي من الكناية، لأن دلالته من جهة المفهوم لا بالوضع الحقيقي ولا المجازي.” وفي خفي التعريض ما يغني عن شنيع التصريح.”[] كما يقول الجاحظ.
– آلية التورية:
تعدّ التورية من الآليات الإجرائية التي تولّد مسكوتا عنه في الكلام، كونها تقوم على توظيف الكلمة التي ” تحمل معنيين، فيستعمل المتكلّم أحد احتماليها ويهمل الآخر، ومراده ما أهمله لا ما استعمله.”[] ويكون هذا المهمل في اللّفظ، الحاضر في القصد، هو المسكوت عنه الذي يناط به المقصود. وقد أدرجها السجلماسي ضمن التعمية[] وسمّى السكاكي هذا المفهوم بالإيهام ” وهو أن يكون للفظ استعمالان قريب وبعيد فيذكر لإيهام القريب في الحال إلى أن يظهر أنّ المراد به البعيد كقوله:
حملناهم طرّا على الدّهم بعد ما *** خلعنا عليهم بالطعان ملابسا
أراد بالحمل على الدّهم تقييد العدا فأوهم إركابهم الخيل الدّهم كما ترى.”[]
ومن هذا النمط البلاغي قول سراج الدين الورّاق:
أصون أديم وجهي عن أناس *** لقاء الموت عندهم الأديب
وربّ الشّعر عندهم بغيض *** ولو وافى به لهم حبيب
كلمة حبيب لها معنيان: معنى قريب وهو المحبوب وهو غير مقصود، وعلة قرب هذا المعنى في هذا التعبير ورود كلمة بغيض في الشطر السابق. و هناك معنى بعيد وهو المراد من النظم وهو الشاعر أبو تمام حبيب بن أوس الطّائي أحد أمراء البيان العربي الذي وظّفه الشّاعر في بيته ليدلّل على أنّ أولئك القوم يبغضون الشعراء حتى ولو كانوا من فحولهم . هكذا نرى أنّ التورية تضفي على المعنى غموضا تجعله في حكم المسكوت عنه الذي لا يدرك إلاّ بالتأمّل في أعطاف الكلام، ومطويات البيان التي تتطلب متلقيا فطنا بأساليب التعبير وخبء الكلام.
– آلية أسلوب الحكيم:
من أساليب البلاغة التي يخرج فيها الكلام على خلاف مقتضى الظّاهر ما سماه السكاكي بأسلوب الحكيم وهو تلقي المخاطب بغير ما يترقب بحمل كلامه على خلاف مراده تنبيهاً له على أنه الأولى بالقصد أو السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره، تنبيهاً له على أنه الأولى بحاله أو المهم له ليسأل عنه. ومن هذا النسق قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾– البقرة:189.- فكان الجواب على غير ما سألوا عنه لأنهم قالوا في سؤالهم ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط، ثم يتزايد قليلا قليلا حتى يمتليء ويستوي ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ. فكان الردّ بالسكوت عن مطلوبهم الذي لا يفيدهم في شيء والإجابة عما كان أولى لهم أن يسألوا عنه ممّا يتعلّق بأمور دينهم ودنياهم. ومن هذا القبيل قوله تعالى:” ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾- البقرة:215- سألوا عن بيان ما ينفقون فأجيبوا ببيان المصرف، كون معرفة جهة الإنفاق أولى لهم من معرفة ماذا ينفقون وفي ذلك تأكيد على الأولى والأهمّ وتنبيه لهم على ضرورة العناية بتلك الأصناف بدلا من التركيز على ما يمكن أن يصرفهم عنها. وهو تنبيه لهم بألطف وجه وهو من محاسن البيان التي تحرّك نشاط السامع، وربّما ألان شكيمة المخاطب فاستحقّ عطفه كما هو الحال مع القبعثري الذي توعّده الحجاج بالقيد قائلا:” لأحملنك على الأدهم. فقال على سبيل المغالطة: ومثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب.”[] مبرزا وعيده في معرض الوعد محاولاً أن يريه بألطف وجه أن من كان مثله في السلطان وبسطة اليد خليق بأن يصفح لا أن يصفد وأن يعِد لا أن يتوعّد.
في ختام هذا العرض لأبرز آليات المسكوت عنه في التراث البلاغي نخلص إلى فكرة مفادها أنّ هذا النمط التعبيري قد تجلّت صوّره في مواطن عدّة من مباحث علم البلاغة التي جاء مبثوثا في ثناياها، حيث لم يُفرد له باب خاصّ به لتوزّع أنساقه بين مباحث البلاغة. وهو وإن لم يُذكر بصريح مصطلحه المعاصر فإنّ مفهومه لم يغب عن أنظار البلاغيين الذين أسّسوا لآلياته الإجرائية المجسّدة لمبانيه المتّسقة مع معانيه التي تُقصد إشارة وتلميحا، تجاوبا مع طبيعة الأسلوب وحيثياته التركيبية التي تدفع المتلقي إلى استحضار ثقله الدّلالي الذي تؤطّره جملة من الأنساق التركيبية المفصحة عن مراميه وأبعاده الدّلالية التي نُصِب لها الكلام. وما يناط بها من مقاصد وأحكام. وما ذاك إلاّ لأنّ معنى الكلام مرتبط بترتيب أجزائه وطبيعة أوضاعه. فلكلّ تعبير عبير، يحدّده نسق من النّظم والتّصوير. لقد حوى الموروث البلاغي كمّا هائلا من ظواهر المسكوت عنه، وكانت له فيها مبتكرات تمّ لها قِرى الحسن من كلّ جانب، وتجمّعت فيها مطالب البلاغة. وهي حَرِية بأن تتناولها الأقلام وتسبر أغوارها الأفهام. وقد مثّل هذا النسق التعبيري ملمحا أسلوبيا في غاية البلاغة والبيان، والبراعة في التّعبير بفعل ما يتضمّنه من منبّهات أسلوبية، ونكت بلاغية، ولطائف بيانية لا سبيل إلى تحقيقها من دونه.
الهوامش:
- – دلائل الإعجاز، عبد القاهر الجرجاني ، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1402هـ -1981م.ص:350. 1
- – البلاغة والأصول، محمد مشبال، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء،المغرب،2007م،ص: 161. 2
- – البلاغة التأويلية، تجليات التساند ومستويات الانفتاح على السياق، محمد بازي، جامعة محمد الخامس بالرباط، رسالة دكتوراه
- 2006م، ص :132. 3
- – المضمر، أوريوكيوني كاترين كيربرات ، ترجمة: ريتا خاطر، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط:01، 2008م،
- ص :497. 4
- – ينظر: المضمر، أوريكيوني، ص:508. 5
- – المسكوت عنه في الخطاب، الكندي محمود بن يحي، مؤسسة اللبان للنشر، مسقط، ط:01، 2022م، ص:36. 6
- – نظام الخطاب، فوكو ميشال، ترجمة: محمد سبيلا، دار التنوير، بيروت، 2007م،ص:04. 7
- – المضمر، أوريكيوني،ص:285. 8
- – المجم الموسوعي الجديد في علوم اللغة، ديكرو ، وماري شافاز، تر: المهيري وحمادي صمود، المركز الوطني
- للترجمة،تونس،ط:01،2010م، ص:646. 9
- – بلاغة المقموعين، جابر عصفور، مجلة ألف، الجامعة الأمريكية، القاهرة، ع: 12، سبتمبر،1992م، ص:06. 10
- – م ن، ص:06 11
- – م ن ،ص:09. 12
- – دلائل الإعجاز، عبدالقاهر الجرجاني، ص:112. 13
- – البرهان في علوم القرآن الزركشي، تعليق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 2004م.ص
- :03/119 14
- – ديوان أبي الطيب المتنبي ، دار الفكر، بيروت، لبنان،1432هـ، 2010م. ص:01/328. 15
- – الإشارات والتنبيهات في علم البلاغة، محمد بن علي بن محمد الجرجاني، تحقيق: عبد القادر حسين، مكتبة الآداب، القاهرة،
- 1977م.ص:53. 16
- – ينظر الكتاب: سيبويه، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط: 03،1410 هـ -1990م، 17
- – ديوان الأعشى ميمون بن قيس، شرح محمد حسين، مكتبة الآداب القاهرة، 1950م.ص:154. 18
- – دلائل الإعجاز، عبدالقاهر الجرجاني، ص :115. 19
- – بلاغة الكلمة والجملة والجمل، منير سلطان، منشأة المعارف، الإسكندرية، ص:219. 20
- – شعر عمرو بن معد يكرب، جمعه مطاوع الطرابيشي، مطبوعات مجلة اللغة العربية بدمشق، ط:02، 1985م. ص: 73.
- 21
- – دلائل الإعجاز، الجرجاني :121-122. 22
- – م ن،ص:132. 23
- – المطوّل، التفتازاني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط:02ـ -2007م. ص:212. 24
- – أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام، دار الفكر العربي، بيروت، لبنان، ط:01، 1999م
- ص:30. 25
- – المسكوت عنه في الخطاب، الكندي،ص:283. 26
- – دلائل الإعجاز، الجرجاني، ص:53. 27
- – م ن، ص:59. 28
- – الخطابة، تحقيق: محمد سليم سالم، القاهرة، 1954م. ص: 203. 29
- – دلائل الإعجاز، الجرجاني، ص:346. 30
- – أسرار البلاغة، الجرجاني، ص:82. 31
- – القاموس المحيط، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، دار الجيل، بيروت، ج: 04/386. 32
- – دلائل الإعجاز، الجرجاني،ص:52. 33
- – مفتاح العلوم، أبو يعقوب يوسف السكاكي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص:170. 34
- – ديوان عمر بن أبي ربيعة، دار صادر، بيروت، 1961، ص:329. 35
- – نقد الشعر ، قدامة بن جعفر ، تحقيق:كمال مصطفى، مكتبة الخانجي، مصر،1963م،ص:178. 36
- – الكشاف، الزمخشري ، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ج :01/143. 37
- – م ن، ج: 3/15. 38
- – الطراز، العلوي، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ط:01، 1423هـ -2002م.ج:01/398. 39
- – الأقصى القريب في علم البيان، التنوخي محمد بن محمد بن عمرو، مطبعة السعادة، مصر، ط:01، 1327هـ ،ص.:72. 40
- – دلائل الإعجاز، الجرجاني، ص: 272. 41
- 42 – يقول الجرجاني: « وقد أجمع الجميع على أنّ الكناية أبلغ من الإفصاح والتعريض أوقع من التصريح.» . دلائل الإعجاز:55.
- – ديوان ذي الرمّة، تحقيق: عبد القدوس أبي صلاح، مؤسسة الإيمان، بيروت، ط:01، 1982م، ص:159. 43
- – ديوان امرئ القيس دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط:02، 1425هـ – 2004م، ص:58. 44
- – فلسفة البلاغة بين التقنية والتطور، رجاء عيد، منشأة المعارف بالاسكندرية، ط:02،ص:422. 45
- – ديوان الشنفرى، دار الكتاب العربي، بيروت، ط:02،1996م،ص:32. 46
- – م ن، ص:33. 47
- – نثر الدرر في المحاضرات، الآبي أبو سعيد منصور بن الحسين، نح: خالد عبدالغني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط: 01
- ،2004م،ص: /110. 48
- – رسائل الجاحظ، الجاحظ أبو عمرو، تح: عبدالسلام هارون، دار الجيل، بيروت، ط: 01، 1991م،ج:2/301. 49
- – تحرير التحبير، ابن أبي الأصبع، تح: محمد شرف حنفي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر، د ت، ص:268. 50
- – ينظر المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، تحقيق: علال الغازي، مكتبة المعارف، الرباط، ط:01، 1980م، ص:268. 51
- – مفتاح العلوم، السكاكي، ص:180. 52
- – دلائل الإعجاز،
Leave a Reply