+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

قصة قصيرة: أين أنت؟
محمد شريف كي

“صديقك مجنون!؟” “و لأجل هذا قطعتما المسافة الطويلة من هناك الى هنا!؟”  قالت عجوزة تجلس بالقرب من مقعد محمد، بصوت منخفض بالإنجليزية. يبلغ عمرها بالكاد سبعين عاما.

“تلك الفتاة من شعب غير محظوظ في العالم، يدري كل واحد منهم موعد مصرعهم. فصديقك يحاول على العثور على فتاة منهم!؟” توالت العجوزة مع سخرية طفيفة.

عزمت الرد عليها، غير أني سكت بعد أن أومأ محمد بألا أكترث بها وإزعاجها.

 كنت مضطربا حزينا خائفا؛ جلست قليلا، ثم قمت متمشيا تلك الغرفة. كررت كذا ساعة كاملة منتظرا مجيء السفير.

ولم يكن  سمعي وبصري يقع على ما يجري حولي، رغم تلفزيون  في المكتب عالية بالصوت والمدينة مزعجة  بالضوضاء. قد أصبح اهتمامي  بأكمله في خاطري وبالي.

يا الله.. أنا أزور هذه المدينة الكبيرة لأول مرة في حياتي، وهي التي تفاجئ كل سياح بضخمها وتاريخها .

 كمن مرة كنت أعشق “مدينة دلهي”، لاكتشاف مناظرها الخلابة ولجولة فيها من الممرات المزدحمة لرؤية روائعها.

إلا أن اليوم لا يعجبني أي شيء هنا!

  والهدف الوحيد أمامي الالتقاء بهذه السفارة. وبعد معانات كثيرة من الغرابة وضوضاء المدينة، وجدنا أمام هذه المباني الضخمة الخالصة من الازدحام و صوت المراكب.

أخبرنا واحد بأن هذه هي تلك السفارة.

        وقد بدأ موظفو السفارة  يأتون إليها ثم يشغلون، غير أن السفير لم يأت حتى الحين. أشعة الشمس تشتد بعد أشعة الصباح الخفيفة الرائعة.

تسؤل العجوزة لمحمد أسئلة عديدة واحدا تلو واحد  عني وعن نفسه.

فيما كنت أعود الى أيام دراستي في كلية الطب البارزة بألمانية. كنت معجبا على الدراسة بها، حيث حصلت الدخول الى الكلية مع منحة دراسية ثمينة تكفي لي. وكنت سعيدا و مقتنعا فيها. رأيت فيها الكثير من الطلبة يجيئون  من أنحاء العالم قاصدين الكلية. وقد توفر لي أصدقاء كثيرة من مختلف أقطار العالم.

 ومنهم طالبة من العرب. تدعى “سميحة إحسان”. كانت مولعة بمجال الطب مثلما كنا. والى جانب الطب تجيد اللغات و الخطابة و أنشطة التطوع و ما إلى ذلك.

 والطلبة كانوا مدهشين بها من خدماتها الفعالة في سائر المجالات.

وهي تحكي حكايات نفسها العجيبة وقصص شعبها الجريئة، مضيفة بعض الأشعار المزيجة بالحب و الألم والحماسة. و لذا احتشدنا حولها صامتين في أيامنا الفارغة.

وقد استمرت هذه السعادة إلى أن تم فترة دراستنا فيها.

                    ***.

  حينما جرت المكالمة عن حفلة التخرج وعمن يمثل الصف متكلما عنه، وافق الجميع على اسم سميحة.

 اجتمعنا يوم الحفلة في القاعة سعداء مع أقرباءنا من أب و أم  وجميع من أتوا لأجلنا، حيث لزموا مقاعدهم.

كنا منتظرين لخطبتها، فبينما نحن كذلك سمعنا اعلانا من المرحلة قائلا “سميحة إحسان سيلقي خطبة  التخرج ممثلة للصف ٢٠٢٣.

صفق الجميع بصوت عال.

الخطابة كانت مفكرة مع تجربتها الخاصة والعامة. لقد أعجب ذلك كل من حاضر القاعة.

وأخيرا، بينما نحن سامعون سعداء ألقت  بعض الكلمات بصوت مليء بالسعادة والحزن على السواء..

“وليس أبي وأمي وإخواني موجودين هنا لمشاهدة تخرجي طبيبا، وكانت آمالهم على أن أكون طبيبة”. توقفت قليلا ،ثم بدأت .”غير أني سعيدة الآن بأني أصبحت طبيبة، و كلنا أطباء..، حققنا حلمنا. وسوف أقدم الخدمات لشعبي ولجميع المظلومين”.

ثم ختمت كلامها قائلة سطرين من شعر محمود درويش بتبسم صاف حيث استغرق الجميع في التصفيق الطويل. و قد مضى ذلك اليوم مع سعادة و حزن على السواء.

تفرقنا..

وقد مضى ثلاثة أشهر عن ذلك اليوم. وقد شغلتني  ما شغلت، بدأت أنسى تلك الأيام.

إلا أن اليوم…

“هو السفير يقتربنا” خرجت من ذاكرتي عندما سمعت محمد.

“الخبر العاجل الى المشاهدين، الاحتلال يقصف “مستشفى الشفاء” لمرة ثانية،……….”  رفعت أصوات التلفاز.

رنين طفيف وقع في أذني..

” أنا…أنا أيضا …من القدس !” ابتلت عيون العجوزة .

)القصة القصيرة)

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of