+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

الحوار العلمي مع البروفيسور بشير أحمد الجمالي
حاوره- د. عبد الحكيم

يعد البروفيسور الدكتور بشير أحمد الفاضل الجمالي بن عبد الرحمن الباقوي (الأستاذ المتقاعد من مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي- الهند) من أهم الأساتذة المهرة للغة العربية وآدابها في الهند، كان الأستاذ مدرسًا ومعلمًا معروفًا في الكلية العربية الجمالية وأستاذًا ممتازًا في مركز الدراسات العربية في جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي. وكانت له معارف تامة وخبرات موسعة في التاريخ الإسلامي وباع طويل في مجال الأدب العربي الهندي والترجمة، وله تصانيف عديدة في اللغات المختلفة كالإنجليزية والعربية والتاميلية. شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات الدولية والمحلية، وألقى عدة محاضرات وخطب مرتجلة في المدارس والمعاهد والكليات والجامعات المشهورة في الهند وخارجها حول الموضوعات المهمة التي تتعلق بالعلوم العربية والدراسات الإسلامية، وكذلك كتب عدة مقالات وبحوث وأوراق حول موضوعات مهمة نشرت في المجلات العربية والإنجليزية في داخل الهند وخارجها. والأهداف الأساسية لهذا الحوار إبراز جوانب مختلفة من حياة البروفيسور الدكتور بشير أحمد الجمالي بن عبد الرحمن الباقوي الذي كان أستاذًا أكاديميًا بارزًا في قسم اللغة العربية وآدابها في جي اين يو نيو دلهي، وعرض خبراته العميقة في المجالات الشتى من العلوم والفنون والترجمة الفورية للإفادة العامة وفيما يلي جزء من الحوار الثري: –

السؤال: مرحبًا بكم يا سيدي الأستاذ، أخبروني من فضلكم عن ولادتكم ونشأتكم وأسرتكم الكريمة التي تنتمون إليها؟

الجواب: أهلاً بك يا دكتور عبد الحكيم وبكل من يعمل ويشارك في نشر مجلة “أقلام الهند” الشهيرة! أما عن ولادتي ونشأتي فإني ولدت وتربيت في قرية مسمى “فارافارني” ({Varavani) بمديرية راماناد بورام (Ramanathapuram) في ولاية تاميل نادو بجنوب الهند. هذه هي القرية التي ينتمي إليها والداي أيضًا، وكذا أجدادي الذين كانوا فلاحين حرفةً مع كونهم علماء الدين وشعراء معروفين في لغة تاميل. وكان بيتنا يعرف قديمًا ببيت الشعراء، الاسم الذي لا يزال يستمر على ألسنة أهل القرية لتحديد بيتنا للزوار والغرباء الآتين إلى قريتنا (مع أننا، أي أبنائهم، لسنا شعراء في تاميل). وكنا، وما زلنا، نملك حقولاً زراعية واسعة جاءت معظمها هبة من قبل ملوك منطقتنا، الحاكمين في قديم الزمان، لأجدادنا الذين نظموا القصائد وغنوا في مدح هؤلاء الملوك وإلى هذا الحد كانت شهرة أجدادنا وكذا بيتنا كبيت الشعراء.

السؤال: وحدثوني من فضلكم عن دراستكم الابتدائية والثانوية والعالية بشكل موجز؟

الجواب: درست العلوم العصرية حتى درجة الصف الخامس في المدرسة الابتدائية بقريتنا ودرست بنفس القرية عربيتي الابتدائية من والدي الكريم ومن إمام المسجد حيث كان يوجد مكتب صغير لتعليم الأطفال قراءة القرآن الكريم والعلوم الدينية الأساسية، ثم درست من الصف السادس إلى الثامن في مدرسة مسيحية واقعة قرب قريتي. ودرست الصف التاسع في بلدة تسمى راجاسينغا منغالام (Rajasingamangalam) على بعد خمسة كيلو متر من قريتي. ومن الصف العاشر إلى الحادي عشر في المدرسة الغوثية الحكومية ببلدة أوتاما باليام (Uthamapalayam) حيث أكملت أيضًا دراسة البكالوريوس (B.A) في 1976م بكلية الحاج كاروتا رافتر الغوثية، ثم جئتُ إلى مدينة مدراس (التي أصبحت الآن تشاني) حيث أكملت دراسة العالمية من الكلية العربية الجمالية (1978) ودراسة ماجستير في التاريخ (M.A in History) من كلية بتشاياباس (Pachaiyappa’s College) التابعة لجامعة مدراس (1979). وفي هذه الفترة أيضًا درست ونلت شهادة “أفضل العلماء” من جامعة مدراس. وسافرت بعدئذ إلى نيو دلهي لدراسة وإكمال ماجستير باللغة العربية من جامعة جواهر لال نهرو عام (1981). ونلت شهادة ما قبل الدكتوراه (M. Phil) من جامعة مدراس في عام 1985م، وشهادة الدكتوراه (Ph. D) من جامعة الإنجليزية واللغات الأجنبية (المعهد المركزي للإنجليزية واللغات الأجنبية (CIEFL) آنذاك) بمدينة حيدرآباد عام 1995م.

السؤال: تعلمتم في الصغر تلاوة القرآن الكريم والعلوم الابتدائية في قريتكم الخضراء، وبعد إتمام الدراسات الأساسية الابتدائية قد التحقتم بمدرسة الغوثية الواقعة في أوتاما باليم بمقاطعة تيني في ولاية تاميلناد، فسؤالي يا سعادة الأستاذ! هنا كيف كانت تجربتكم التعليمية الدينية والتربوية فيها كطالب العلوم العربية والدراسات العربية الإسلامية؟

الجواب: ممتاز جدًا، لأن المدرسة (الدينية) الغوثية والكلية (العصرية) الغوثية كلتاهما قامتا ببناء وتربية شخصيتي دينيًا ودنيويًا على السواء، كما كنت أتعلم علم النحو والصرف والبلاغة وبناء الجملة في العربية مع دراسة التفسير والحديث والفقه، كذلك كنت أتعلم النحو والصرف وبناء الجملة في الإنجليزية مع دراسة التاريخ والتجارة والاقتصاد وتشكيل الحكومات وإدارتها. وإذ كان التعليم العصري يضمن لي مستقبلاً مشرقًا ماديًا دنيويًا، كان التعليم الديني هناك يضمني حياة ميمونة معنويًا روحيًا.

السؤال: يا سعادة الأستاذ! قد التحقتم بالكلية العربية الجمالية بـ شنائي لتعلم العلوم العالية الإسلامية وتحصلتم فيها على شهادة “الفاضل” عام 1978م، ولا شك فيه أن الكلية الإسلامية الجديدة هي التي تعتبر محطة هامة بالنسبة لحياتكم، فهل يمكن لنا أن ندري عن تاريخ هذه الكلية العريقة في ولاية تاميلنادو، ومن كان مؤسسها الأول الذي فكر عن بنائها، وما كانت الأهداف تحت تأسيسها حينذاك؟

الجواب: عزيزي الكريم! أما الكلية العربية الجمالية فتدرس العلوم الشرعية والعقلية والتاريخ الإسلامي والدراسات الإسلامية العليا باللغة العربية منذ أن تم تأسيسها في عام 1898م في مدينة مدراس (تشناي حاليًا)، أسسها المغفور له جمال محي الدين المتوفى سنة 1964م، حيث أن المؤسس كان يهتم بالكلية ويشرف بنفسه على أمورها لمدة طويلة وكان يبذل أوقاته وجهوده من أجل تنمية وتطوير الكلية ووقف لها الأوقاف أراضيًا ومبانيًا وأموالاً كافية لضمان إجرائها وتدبيرها إلى أبد الدهر. أسست هذه الكلية الجديدة للمقاصد والأهداف الآتية:

  • نشر علوم القرآن والحديث والفقه والعقائد بتوفير التسهيلات اللازمة لتدريسها باللغة العربية.
  • ترويج اللغة العربية الفصحى بين أبناء البلاد وغيرها، وتدعيم الطلبة العربية بالثقافة العالية الإسلامية من حيث التاريخ السياسي والاقتصادي والثقافي.
  • إعداد العلماء الصالحين والخطباء والكُتاب الذين سيكرسون حياتهم ويجاهدون في سبيل الله لنشر الدين الإسلامي وعلومه بين غير المسلمين في الهند وخارجها.
  • تشكيل دورات الكلية الأكاديمية كما تأتي: الإعداد الأول والثاني (سنتان)، والمختصر الأول والثاني (شهادة العالم الجمالي ـــ سنتان)، والمطول الأول والثاني (الفاضل الجمالي – سنتان).
  • أما منهج المقررات الدراسية هناك فهو كان المنهج النظامي كمناهج الكليات والجامعات العربية المعمول بها في كافة أنحاء الهند شمالًا وجنوبًا.

ارتفعت الكلية وتقدمت بعد فترة قليلة لما أخذ زمام الأوقاف الشيخ جمال محي الدين بن جمال محمد بن جمال محي الدين أي حفيد الباني. ولما أرادت الجمهورية العربية المتحدة أن تبعث مندوبيها إلى البلدان (بسبب العلاقات الثقافية) الخارجية لنشر العلوم الإسلامية واللغة العربية، أرسلت مبعوثاً إلى الجمالية أيضًا. وهذا التطور حدث بسبب المساعي الحسنة المخلصة والجهود العلمية المفيدة لشيخ جمال محي الدين الثاني، فأرسلت سلطة مجمع البحوث الإسلامي تحت إشراف جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة مبعوثاً إلى الكلية الجمالية بمدراس، وذلك تلبية لنداء والتماس الشيخ جمال محي الدين الثاني من حكومة الهند مباشرة لأنه كان عضوًا لبرلمان الهند في تلك الفترة.

جاء الأستاذ محمد حسين الشرقاوي إلى الكلية العربية الجمالية كمبعوث الأزهر وبذل قصارى جهوده ليلاً ونهارًا لنشر اللغة العربية وتنميتها بكل عناية وإخلاص. وأخذ يتشرف على الكلية الجمالية تمامًا ومكث هناك بغية تطوير مستوى الجمالية لمدة ثلاث سنوات مما أدى إلى انتشار شهرة المدرسة في جنوب الهند وشمالها وبدأ الطلاب يغدون إلى الكلية العربية الجمالية من مختلف أنحاء الهند ومن خارجها. ويرجع الفضل إلى العلامة الشيخ الشرقاوي في جعل اللغة العربية الفصيحة وسيلة التدريس في كل المراحل والنظام، ووسيلة التعامل فيما بين الطلبة، الوضع الذي لا يزال قائمًا في الجمالية منذ ذلك الحين. وأصبحت هذه الكلية كلية وحيدة في عموم الهند آنذاك حيث ظلت اللغة العربية وسيلة التدريس. وكانت من ضمن المقررات الدراسية خصص خاصة لممارسة المحادثة والخطابة مما أدى إلى تنمية مهارات الطلبة في كلامهم ومحادثتهم في اللغة العربية.

السؤال: تمهرتم خلال التعليم في الدراسات الدينية مثل: فن التفسير والحديث والفقه والنثر والنظم وغيرها، ثم قمتم بالمشاركات الملموسة في امتحان “أفضل العلماء” بجامعة مدراس، وفزتم بها بالدرجة الأولى، فبعد كل هذه الجهود الجبارة في مجال اللغة العربية انتقلتم إلى كلية باتشاياباس لدراسة الماجستير في مادة التاريخ. …فما هذا الانتقال العجيب؟

الجواب: ليس هذا عجيبًا، لما كنت في السنة الثانية من دراسة المطول، التحقت بالكلية المسائية بتلك الكلية (Pachaiyappa’s college) العصرية التابعة لجامعة مدراس. وبما إنني كنت قد أكملت الليسانس في مادة التاريخ في كلية الحاج كاروتا رافتار الغوثية باوتامابالايام، كان مساري الطبيعي هو الانضمام لمواصلة الدراسة العليا إلى حلقة الماجستير في التاريخ نفسه. وبعد أن تخرجت في الجمالية، سمحني عميد الكلية الأستاذ الجليل المحترم المرحوم محمد حسين صاحب بمواصلة إقامتي في حرم الجمالية على دفع تكاليف الطعام، وهكذا استطعت أثناء مكوثي في الجمالية حصولي على ثلاث شهادات عالية فهي الفاضل الجمالي، وأفضل العلماء والماجستير.

السؤال: يا سعادة الأساتذة! بدأتم حياتكم العملية الوظيفية كمترجم محلي عربي بسفارة الهند بطرابلس عاصمة ليبيا، وقضيتم هناك أكثر من ثلاث سنوات متتالية، وخلال هذه المدة الثلاث نلتم فرصة اللقاء التذكاري مع الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، كيف حدثت هذه الوقائع والأحداث، وكيف كانت تجربتكم فيها مترجمًا؟

الجواب: نعم، كانت تجربتي كمترجم السفارة الهندية محليًا تجربة عظيمة وكان هناك الأخ الفاضل السيد عبد الخالق الذي كان يعمل مترجمًا معينًا من حكومة الهند رسميًا وبمساعدته وعونه استطعت الحصول على وظيفة مترجم محلي بالسفارة فأعطتني هذه الفرصة تعلم كثير من الأمور الدبلوماسية والمعاملات الإدارية والاجتماعية بالسفارة. وبفضل هذه الوظيفة المحلية وجدت فرصة الذهاب والتجول إلى مختلف مدن ليبيا وقراها. واستمرت وظيفتي هكذا هناك إلى أن بلغت ذروتها بلقائي مع الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الراحل (رحمه الله). وأتتني هذه الفرصة الذهبية عندما أرادت عقيلة العقيد القذافي لقاء زوجة السفير السيد أسراني للتعبير عن شكرها وامتنانها عبر زوجة السفير إلى رئيسة وزراء الهند السيدة اندرا غاندي على استضافتها استضافة عظيمة عندما قامت قرينة العقيد بزيارة الهند منذ شهر كذا. وأنا رافقت حرم السفير وعندما وصلنا مكتب الزعيم الليبي ما وجدنا قرينة العقيد لأنها كانت قد ذهبت بعد انتظار طويل لحضورنا وكان العقيد معمر القذافي فقط موجودًا واستقبلنا استقبالاً حسنًا وأنا ترجمت الحوار الذي جرى بينهما لمدة عشر دقائق تقريبًا.

السؤال: كيف كانت حياتكم المهنية والتوظيفية في مجال التدريس؟

الجواب: حياتي المهنية في حرم جامعة جواهرلال نهرو كانت حياة عظيمة وربما ما وجدت حياة أفضل من هذه في أي مكان آخر أو في وظيفة أخرى لأن حرم الجامعة أعطاني سكنًا مرتاحًا للعيشة وظروفًا جميلة للدراسة والتدريس.

السؤال: كيف ترى يا سعادة الأستاذ، عن التطورات التي حدثت ولم تزل تحدث في مركز الدراسات العربية والإفريقية، بجامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي- الهند، وكيف كانت تجربتكم في هذه الجامعة العريقة المشهورة في كافة أنحاء العالم؟

الجواب: عندما التحقت مدرسًا هناك في شهر أكتوبر عام 1989م كانت الجامعة لا تزال تعمل في الحرم الجامعي القديم قرب منطقة بير ساراي ما عدا مساكن الطلاب التي أصبحت متوفرة في الحرم الجامعي الجديد كما هو الآن. وقع التطور تدريجيًا، وانتقلت المدارس إلى الحرم الجديد واحدة تلو أخرى وفي سنة 1990-91 الأكاديمية انتقلت مدرسة اللغات أيضًا إلى الحرم الجديد. وفي المبنى الجديد اللغوي تم إدخال وتقديم دورات جديدة على مستوى ما قبل الدكتوراه والدكتوراه وجرى كله بشكل تدريجي سريع. وبالحقيقة إني تمتعت بوظيفة التدريس تمتعًا كلِّيًا طوال فترة حياتي الأكاديمية في الجامعة، وكان الفضل في استمداد سعادتي ومتعتي في الوظيفة يرجع أيضًا إلى دخول الطلاب المتفوقين المتألقين من مختلف أنحاء الهند. وعلاقتهم الودية والأخوية أيضًا قادتني إلى أعلى البعد من حياة الفرح والسعادة في حرم الجامعة.

السؤال: قمتم يا أستاذنا الجليل بترجمة كتاب “تِرُكُّݛَلْ.. (الأبيات المقدسة) من التاملية إلى العربية والإنجليزية، وقد قام بإصدار هذا الكتاب في شهر نوفمبر عام 2022 رئيس وزراء الهند السيد ناريندرا مودي في حفلة تاميل سنغامام التي عقدت في وراناسي في حرم جامعة بنارس، فما هي أهمية هذا الكتاب لدى الشعب الهندوس في الهند، أي تعليقات عليه؟

الجواب: “تِرُكُّݛَلْ” (Thirukkural) هو نص كلاسيكي باللغة التاميلية يعتبر واحدًا من أعظم وأروع الأعمال المكتوبة في الدنيا على الإطلاق في الأخلاق البشرية والسلوك الإنساني دينيًا ودنيويًا وهو معروف على نطاق واسع بعالميته وطبيعته العلمانية. ويُنسب تأليفها تقليديًا إلى فالوفار (Valluvar) المعروف أيضًا بالاسم الكامل تيروفالوفار (Thiruvalluvar). ويعتبر تاريخ النص بشكل مختلف من 300 قبل الميلاد إلى القرن الخامس الميلادي. تصفه الروايات التقليدية بأنه آخر أعمال لسانجام الثالث. أما هذا النص تِرُكُّݛَلْ فهو يتركب من كلمتين في التاميل (تِرُ + كُݛَلْ) ومن بين معان أخرى أنّ كلمة تِرُ معناها كريم (فلذا نقول كُݛَلْ الكريم كما نقول القرآن الكريم) أو جميل أو ميمون أو مبشر، فيما تعني كلمة كُݛَلْ قصيدة قصيرة أو بيت مثنوي قصير تتألف من سطرين (مصراعين) في كل بيت شعري، ويتألف تِرُكُّݛَلْ من ألف وثلاثمائة وثلاثين بيتا شعريا وتنقسم تلك الأبيات إلى ثلاثة أبواب. يتناول الباب الأول حياة الفضيلة (يسمى اَرَمْ بالتاميلية) باعتبارها المبادئ الأخلاقية التي تحكم سلوك الإنسان وفضائله مثل الصدق، ضبط النفس، الامتنان، الضيافة، اللطف، صلاح الزوجة، الواجب المنزلي، العطاء، الجود، وما إلى ذلك.

ويتناول الباب الثاني الحياة المادية (يسمى ݒٗرُلْ بالتاميلية) وخيرات الثروة والحكم السياسي وغيرها من الموضوعات المتعلقة بمصالح الإنسان الاجتماعية ومنافعه المادية والسياسية مثل الملك، المملكة، الوزارة، الوزراء، الضرائب، العدالة، الحصون، الحرب، عظمة الجيش وشرف الجندي، الحكم بالإعدام على الأشرار والزراعة والتعليم والامتناع عن شرب الخمر والمسكرات وما إلى ذلك. ويتناول الباب الثالث حياة العشق والحب (يسمى كَامَمْ أو اِنْبَمْ بالتاميلية) والوصل بين المحبوب والمحبوبة أو الزوج والزوجة والعشق البتولي قبل الزواج والعشق العفيف بعد الزواج، حياتهما الزوجية بما فيها اتحادهما الجنسية، التلهف في الوحدة، ذكريات حزينة على فراق أحدهما عن الآخر، سرد أحلامهما، التنهدات القلبية على حلول المساء، مناجاة القلب بالانفراد، التوق المتبادل، التغنج وغبطة التدلل وغيرها.

وتنتظم مجموعة الأبيات الشعرية الألف والثلاثمائة والثلاثين في مائة وثلاثة وثلاثين فصلاً أو موضوعًا. ويحتوي كل فصل على عشرة أبيات، ويتألف كل بيت شعري من سبع كلمات من”سيير” وأن المسمى “سيير” عبارة عن كلمة مفردة أو مركبة (من أكثر من كلمة) تاميلية. أو هي في الشعر العربي تساوي تفعيلات عروضية. ووضعت أربعة من هذه السييرات أو التفعيلات بالسطر الأول وثلاثة منها بالسطر الثاني. ويتكون الباب الأول من ثمانية وثلاثين فصلاً أو موضوعًا (ثلاثمائة وثمانون بيتًا). والباب الثاني من سبعين فصلاً (سبعمائة بيت). والباب الثالث من خمسة وعشرين فصلاً (مائتان وخمسون بيت)، هذه تتألف جميعًا 133 فصلاً أو موضوعًا و1330 بيتًا أو مقطعًا شعريًا فهي تِرُكُݛَلْ.

وقد انتشر تِرُكُّݛَلْ في معظم أنحاء العالم، وذلك بفضل ترجمته إلى أكثر من 50 لغة رئيسية. تحتوي بعض اللغات على العديد من الترجمات مثل اللغة الإنجليزية التي، فيما يبدو، تحتوي على ستين ترجمة كاملة وغير كاملة. وكذا في العربية فهناك بالفعل ثلاث ترجمات لتِرُكُّݛَلْ من قبل. وترجمتي هي ترجمة رابعة لتِرُكُّݛَلْ باللغة العربية. ربما أكون أول شخص من أصل تاميلي قام بترجمة تِرُكُّݛَلْ إلى لغتين عالميتين مهمتين، وهما العربية والإنجليزية. وكذا تمت كتابة الأبيات التاميلية في كلتا الترجمتين لأول مرة (Transliteration) بالحروف الصوتية العربية والإنجليزية. أن التحويل (التعريب) الصوتي دون أدني شك يمكّن اولئك الذين يعرفون اللغة العربية فقط أو الإنجليزية فقط من قراءة الأبيات بصوت عالٍ في أصواتها التاميلية الأصلية. في حين تكون نسختي الإنجليزية هي في الشعر، فإن نسختي العربية توجد ترجمتي فيها نظما ونثرا. وميزة أخرى فريدة يجب تسليط الضوء عليها هي أن كل بيت تم قرضه أو صنعه شعريا في كلتا اللغتين في نمط سبعة مخارج لفظية تسمى “سير” (¾1 سطور، أي سطران إلا الربع) باتباع (أي على) نمط تِرُكُّݛَلْ نفسه.

السؤال: كيف ترى يا أستاذنا الغالي عن مستقبل اللغة العربية في ظل التطورات الملحوظة في المناهج الدراسية حيث تتقدم الكليات والجامعات لتدريس اللغة العربية وإدراجها في مناهجها التعليمية؟

 الجواب: لغة العربية هي لغة القرآن والدين والعبادة عند المسلمين. وهذا ما يضمن دوام اللغة وأن تكون لغة خالدة. تعمل الكليات والمدارس الدينية المتواجدة في جميع انحاء الهند على ترويج اللغة العربية بشكل عام. وإذ يضمن تعلم القرآن الكريم سعادة الدارين، يضمن حفظه ذكاء وحذقًا لحفاظه في دراساتهم العصرية وفي حصولهم فيما بعد على تفوقهم في المسابقات الوظيفية مما يؤدي إلى نيل حياة مادية ميمونة. ومن له صلة قوية بالقرآن الكريم لابد أن يكون لديه شغف باللغة العربية وولع تحقيق مهارة في دراستها. وبما ان اللغة العربية أصبحت في العصر الحديث لغة التواصل والاقتصاد والتجارة نرى أن الخرجين بشهادات المستوى العالي في العربية من جامعاتنا يحصلون على وظائف ملصقة ومغرية. وهكذا يكون مستقبلها مستقبلاً جميلاً جذَّابًا على الدوام. وتعطي البلدان الغربية أيضًا بما فيها الولايات المتحدة أهمية كبرى لهذه اللغة ويشجع مواطنيها على تعلمها. فلذا ترى في كل جامعة من الجامعات الغربية قسم خاص للغة العربية وآدابها ولتدريب الترجمة منها وإليها. وهذه الأيام تلعب الوسائل الحديثة المطبوعة والإلكترونية دورًا بارزًا في نشر اللغة العربية كلغة العلم والأدب والاقتصاد والتواصل الاجتماعي مما يعطي فرصًا واسعة للوظائف الصحفية واكتساب المال والمكانة بفضلها.

السؤال: ما هو دور المدارس الإسلامية في نشر وترويج اللغة العربية وآدابها بجنوب الهند على مستوى الوطني والعالمي؟

الجواب: جنوب الهند أيضًا يهتم اهتمامًا بالغًا باللغة العربية ونشرها وترويجها بين أبنائه. أخذ مؤخرًا يزداد عدد المدارس والكليات في ولاية تاميل نادو حيث يتم تعليم اللغة العربية وتدريب الطلاب على حفظ القرآن وتجويد القراءة. ونرى عدة من المتخرجين في مدارس العربية وأقسام العربية في الكليات العصرية يعملون في البلدان العربية بشتى الوظائف والمناصب.

السؤال: كما نرى أن أكثر من ثلاثين طالبًا قد أكملوا مشاريعهم المتعددة تحت رعايتكم وإشرافكم العالي في مركز الدراسات العربية والإفريقية، بجامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، فكيف كانت تجربتكم فيها كمشرف لهم؟

الجواب: طلاب جامعة جواهرلال نهرو طلاب متفوقون دائمًا في الدراسة لأن اختيارهم يتم عبر الامتحان التنافسي الشاق للدخول. لا يمكن الالتحاق بالجامعة إلا بعد اجتياز هذا الامتحان الصعب العسير. فلذا لا يحتاج الأساتذة المشرفون على مشاريعهم البحثية إلى جهود استثنائية في سبيل إرشادهم وهدايتهم في أعمال البحث. وبحسن الحظ إني وجدت طلابًا بارعين كلهم أتوا تحت إشرافي لأعمال البحث ونالوا شهادات ما قبل الدكتوراه والدكتوراه ومعظمهم يعملون هذه الأيام في الكليات والجامعات الحكومية كأساتذة وآخرون يعملون في البلدان العربية والأماكن الأخرى.

السؤال: يا سعادة الأستاذ، العلاقة بين الأساتذة والطلبة قد تعرضت لكثير من التطورات في الأيام الراهنة، فكثير من الأساتذة يعاملون مع الطلبة معاملة الأصدقاء، حينما يتحفظ أساتذة آخرون في هذا الأمر ويلتزمون دائمًا نوعًا من البعد عن الدارسين، فما هو موقفك بهذا الصدد؟

الجواب: معاملة الأساتذة مع الطلبة تختلف من شخص إلى آخر حسب طباعهم وأخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم. ولا داعي للقلق إذا كان أستاذ واحد يقترب وواحد آخر يبتعد عن الطلاب ما دام الطلاب ينالون من أساتذتهم ما يجب من المساعدات الدراسية والمعاونات الإدارية والإرشادات القيمة في دراستهم وأعمال بحوثهم.

السؤال: كيف يمكن النهوض بمستوى اللغة العربية وآدابها في الكليات والمعاهد والجامعات العصرية الهندية لتكون فائدة كثيرة للطلاب والطالبات والباحثين والباحثات على حد السواء؟

الجواب: مستوى اللغة العربية وآدابها في الكليات والمعاهد والجامعات العصرية الهندية يكون على ما يرام جيدًا ممتازًا كما اعتقد. ولمزيد من التقدم يمكن زيادة الزيارات المتبادلة بين طلاب اللغة العربية في مختلف المعاهد والأماكن والمستويات. ويمكن عقد المسابقات الدورية فيما بينهم مرارًا وتكرارًا. وهكذا يمكن زرع الإبداعية فيهم وتنميتها حتى يتم تحقيق الذروة في مهاراتهم الأكاديمية والابتكارية وحصول القمة في أداء أعمالهم المهنية.

السؤال: من هم الذين يرجع الفضل إليهم في بناء شخصيتكم علميًا وأدبيًا وثقافيًا وفي مجال الترجمة من اللغة العربية إلى الإنجليزية وبالعكس؟

الجواب: الفضل الأول في بناء شخصيتي علميًا وسلوكيًا وثقافيًا يرجع إلى شيخي وسندي ومرشدي ومربي الشيخ مولانا موسى خان الباقوي (قدس الله سره) الذي كان عميد المدرسة الغوثية ويرجع الفضل الثاني إلى الشيخ العلامة محمد حسين (قدس الله سره) الذي كان عميد الكلية الجمالية. أما مجال الترجمة فللأستاذ منور نينار، مؤسس القسم العربي في جامعة جواهرلال نهرو- نيو دلهي- الهند، يرجع الفضل لأنه كان ماهرًا عظيمًا استثنائيًا في الترجمة وكذلك في تدريس هذا الفن للطلاب وتدريبهم على ممارسة الترجمة.

السؤال: ما هي إنجازاتكم العلمية والأدبية المطبوعة وغير المطبوعة التي قد تركتموها من ورائكم، من فضلكم حدثونا مسلطًا الضوء على بعض منها فقط؟

الجواب: قد تم نشر اثنى عشر كتابًا مني في مختلف الفنون حتى الآن والجل منها كتب مترجمة من اللغتين العربية والإنجليزية إلى التاميلية وبالعكس. ويرجى إصدار كتابين آخرين عن قريب إن شاء الله. وقد نشرت هذه الكتب من شتى المكتبات من نيو دلهي، وحيدرآباد، وشنائي- الهند وغيرها، وهي كما يلي:

  1. كتاب: التروكرال.. (الأبيات المقدسة)، الصادرة من مكتبة المعهد المركزي لدراسات التاميل الكلاسيكية، (التابع للحكومة المركزية) بتشنائي عام 2022م. (اللغة العربية). وقام بإصدار هذا الكتاب يوم 19 نوفمبر 2022، رئيس وزراء الهند السيد ناريندرا مودي في حفلة تاميل سنغام التي عقدت في وراناسي ــ في حرم جامعة بنارس.
  2. كتاب: التروكرال.. الأبيات المقدسة، الصادرة من مكتبة تشنائي عام 2022م، (اللغة الإنجليزية)
  3. كتاب: مقارنة بين النحو العربي والإنجليزي دراسة تطبيقية، (بالعربية) الصادرة من مكتبة عربنت كاليكوت- الهند عام 2006م.
  4. كتاب: أفضل القصص بقلم طاغور، (بالعربية) الصادرة من هند ايشين ببلي كيشنز نيو دلهي- الهند عام 2014م.
  5. كتاب: لمحات على العالم العربي الحديث، (بالإنجليزية) الصادرة من مكتبة مانك ببليكشنز برايئيويت لميذيد، نيو دلهي عام 2006م.
  6. القصص العربية الجميلة للشاعر ميكائيل نعيمة، (بالتاميلية) نشرته مطبعة مني ميكلي بمدراس، الطبعة الأولى سنة 2011م. ويحتوي على عشرين قصة على شكل جميل.
  7. Nam Cherip Pillaihal (Tamil) 2019 & 2021 (ترجمة الرواية “أولاد حارتنا” لنجيب محفوظ) (بالتاميلية)
  8. One Page Indian Stores (English) 2016 (بالانجليزية)
  9. Odindha Sirahuhal (Tamil) 2005 (ترجمة الرواية “الأجنحة المتكسرة” لخليل جبران) (بالتاميلية)
  10. Grammar Key to Annahwul Walih Part I & II (Arabic) 2000 (بالعربية)
  11. Meyyagna Maniahudam (Tamil) 2023 (ترجمة “تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس” للإمام أحمد بن عطاء الله السكندري) (بالتاميلية)
  12. Mureedin Asarak Kovai (Tamil) 2023 (ترجمة “رسالة آداب سلوك المريد” للإمام عبد الله بن العلوي الحداد الحضرمي). (بالتاميلية)

الكتب قيد الطبع:

  (1) تٗلْكَاپِّيَمْ (Tolkappiam): هو أقدم الأدب التاميلي وأول كتاب في نحو وصرف هذه اللغة (كما يكون “الكتاب” لسيبويه أول كتاب في نحو اللغة العربية)، تم تأليفه منذ 2000 عام. وفقًا لخبراء اللغة التاميلية، يعود تاريخه إلى ما قبل 350 قبل الميلاد. وهذا الكتاب الذي قد قمت بالترجمة الآن قيد الطبع والذي يقوم بنشره المعهد المركزي لدراسات التاميل الكلاسيكية بتشيناي في يشهر يناير القادم. (بالعربية)

(2) ڠيَانَ اٗلِ ماڊَمْ (Gyana oli madam) : هذا الكتاب ترجمة تاميلية لكتاب ”  مشكاة الأنوار” للإمام الغزالي (رحمه الله). وهذا الكتاب كتاب مشهور في فن العرفان. سينشر هذا الكتاب دار نشر ونّولي بتشيناي عن قريب إن شاء الله كما قلت سابقًا. (بالتاميلية)

السؤال: أفيدونا يا سعادة الأستاذ عن المقالات المطبوعة في الجرائد والمجلات والصحف الدولية والوطنية؟ وكذلك اذكروا لعامة القراء عن المشاركة الفعالة في المؤتمرات والندوات والجلسات العلمية والأدبية والفنية التي قدمتم فيها أوراقكم البحثية؟

الجواب: قد كتبت أكثر من خمسين مقالة باللغات العربية والانجليزية والتاميلية قد تم نشرها في شتى الجرائد والمجلات في الهند وغيرها من البلاد الأخرى، ولي مشاركات في المؤتمرات والندوات الدولية والوطنية وغيرها، والمقالات كلها طبعت في المجلات العربية الهندية المختلفة. وكان الموضوع فيها أيضًا متنوعًا من أمور الديانة واللغة والمجتمع والتصوف وفن الترجمة وثقافة الهند الإسلامية وغيرها.

السؤال: نحب أن نطلع على اختصاصكم في مجال العلم والأدب والفن، أي ما هو اختصاصكم؟

الجواب: اختصاصي معظم الأحيان كان فن الترجمة وأدب الفلسفة وأدب التصوف.

السؤال: فهل بإمكانكم أن تقولوا لي ولقراء المجلة بأن ما هي الكتب العلمية والأدبية والتاريخية والسياسية المفضلة لديكم، ولماذا، هل تستطيعون أن تلقوا ضوءًا كاملاً عليها؟

الجواب: أعجبت في الأدب بكتابة خليل جبران وطه حسين وميخائيل نعيمة وفي التاريخ كتابة أحمد أمين وفي أدب التصوف كتابة الإمام الغزالي ومحي الدين بن عربي وابن عطاء الله الإسكندري (رضوان الله عليهم أجمعين).

السؤال: يا سيدي الكريم، إن ولاية تاميل نادو أنجبت في أرضها العديد من العلماء والصوفياء الذين قاموا بخدمات ملموسة في مجال اللغة والأدب والحديث، بفضل كتبهم وبحوثهم نخص بالذكر منهم: الشيخ مادح الرسول صدقة الله أبا القاهري، الشيخ محمد صبغة الله القاضي بدر الدولة، المفتي محمد سعيد بن القاضي بدر الدولة، والشيخ السيد محمد الإمام العروس وغيرهم، فسؤالي هنا كيف ترى فكرة هؤلاء العلماء والصوفياء، وما رأيكم وفكرتكم عن مادح الرسول الشيخ صدقة الله أبا القاهري؟

الجواب: نعم، هؤلاء كلهم شخصيات عظيمة من بين من أنجبتهم ولاية تاميل نادو. ولاسيما مادح الرسول الشيخ صدقة الله أبا القاهري المولود والكيركاري المدفون (رحمه الله). وهو كان شاعرًا كبيرًا لم يكن له مثيل في ابداعيته ومدى إنتاجه. وقد قام بتخميس القصائد المشهورة مثل بانت سعاد لكعب بن زهير والبردة للإمام بوصيري والوترية للإمام أبي بكر البغدادي. وقرأت مؤخرًا قصيدة الوترية للشيخ صدقة الله أبا وأعجبت بمدى مهارته الإبداعية في قرض الشعر وكيفية استعمال ألفاظه المعجمية الهائلة وأوزانه الايقاعية الرائعة. ومما زاد إعجابي في امره زيارته إلى دلهي ولقائه التاريخي بالملك العظيم المغولي أورنكزيب بصدفة في المسجد الجامع بدلهي مما أدى، كما يروى، إلى تعيينه مفتيًا وقاضي قضاة في جنوب الهند من قبل الملك العظيم.

السؤال: كيف يمكن للطلبة والطالبات اكتساب المهارة التامة في الترجمة، وهل هناك أي طريق مختصر للحصول على الخبرات التامة فيها؟

الجواب: ليس هناك طريق مختصر في تعلم أي فن من الفنون الإبداعية بما فيها فن الترجمة. يتم اكتساب المهارة في الترجمة فقط بكثرة التمارين والتجارب وبطريقة تدريجية. ويجب على الطلبة بالإضافة إلى ما يتعلمون في فصولهم من أساتذتهم، أن يمارسوا الترجمة بأنفسهم باختيار مختلف أنواع من النصوص المأخوذة من مختلف الجرائد والمجلات والكتب المتنوعة.

السؤال: هل هنا في بلادنا الهند أي أديب عبقري قد أثر أثرًا قويًا بالغًا في مسيرتكم العلمية والأدبية والثقافية، يا سعادة الأستاذ؟

الجواب: نعم، قد أثر بعض الأدباء العباقرة في الأدب التاميلي على شخصيتي مثل الشاعر كويكو عبد الرحمن والشاعر يم. ميحتا والشاعر وَيْرَ مُوتُو وغيرهم. وكتاباتهم الإبداعية في مختلف الفنون المعاصرة رائعة للغاية.

السؤال: حضرتك ما رأيكم عن البحوث والدراسات العربية التي يقدمها الطلبة الباحثون والباحثات من حيث الجودة والإبداع؟

الجواب: الطلاب والطالبات لاسيما الذين تخرجوا في المدارس الدينية قبل دخولهم في الجامعات العصرية يجيدون هذه الأيام في القراءة والكتابة والكلام. ولكنهم في مجال البحوث وإخراج النتائج منها لا يبلغون مبلغ الكمال في الجودة والإبداع. ولم يتطور ما يبذلون من الجهود إلى ما هو المحتاج من المتسوى الدولي وإن لم يبلغوا مبلغ الكمال فيه.

السؤال: أنتم ما زلتم ولا تزال تكتبون وتترجمون من العربية إلى التاميلية والإنجليزية وبالعكس، فسؤالي هنا يا سعادة الأستاذ لماذا يخلو المشهد الأدبي في الهند من أصناف الأدب الإبداعي كالقصة القصيرة والرواية والمسرحية في اللغة العربية، وكيف تعلل وتفسر هذه الظاهرة؟

الجواب: أخذ الوضع يتغير مؤخرًا ونرى هذه الأيام كثيرًا من طلبة العربية الحديثة يكتبون القصص والروايات وقد تم نشر كثير من إبداعاتهم في الهند وفي البلدان العربية. وهذا التقدم سيزداد ويكثر في المستقبل بأضعاف مضاعفة بإذن الله.

السؤال: قضيتم أكثر عمركم في التدريس، ولديكم خبرة تامة في تدريس اللغة العربية وآدابها أكثر من ثلاثين عامًا في هذا المجال، فما هي طريقة تدريس اللغة العربية وآدابها من وجهة نظركم؟

الجواب: أساتذة اللغات الأوروبية يمارسون ويطبقون الطريقة المباشرة في تدريس لغاتهم. هذا أسلوب جميل يجب ممارسته من قبل أساتذة العربية أيضًا. ويجب على الأساتذة جعل الطلبة في ممارسة قراءتهم وكتابتهم وكلامهم في العربية صباحًا ومساء يوميًا. ولا بد للأساتذة أن يتمهروا ويتخصصوا بدقة وعمق في أي مجال معين ويجب أن يستمر أعمالهم البحثية وإرشاد طلبتهم الباحثين في نفس المجال.

السؤال: وما هي مواضع الضعف البارزة في طرق تدريس اللغة العربية وآدابها في الكليات والجامعات العصرية في كافة أنحاء الهند؟

الجواب: من مواضيع الضعف تدريس اللغة بأسلوب تقليدي. يجب استعمال كافة الأجهزة التكنولوجية والتسهيلات الحديثة العلمية مثل الأدوات المسموعة والمرئية واستعمال المعامل اللغوية أكثر فأكثر. والضعف الآخر هو عدم ممارسة اللغة على ألسنة الطلبة وأن اللغة لا تتطور عند أذهان الطلبة ما لم يمارسوها كلامًا لأن اللغة، أي لغة كانت، هي مادة اللسان. ومهما كانت مواظبة الطلبة على قراءة اللغة وكتابتها، لا تتقدم اللغة عندهم ما لم يتقدموا باستعمالها على ألسنتهم.

السؤال: ما هي التحديات والمشكلات التي تواجهها اللغة العربية وآدابها في الهند؟

الجواب: كنا في الماضي نبدأ تعليمنا باللغة العربية في المدارس الدينية أو المكاتب العربية الملتحقة بمساجد كل قرية من القرى ومدينة من المدن. ولكن هذا الوضع قد تغير تغيرًا ضخمًا. ونرى ونحس في هذا العصر الحاضر قلة الاهتمام من قبل الآباء والأمهات لتعليم أولادهم قراءة القرآن والعلوم الإسلامية وعدم حضور الأطفال في المكاتب الملتصقة بالمساجد لتعلم تلاوة القرآن. واهتمام الأولياء يوجه كليًا هذه الأيام إلى تعليم أطفالهم في المدارس العصرية ذات الإنجليزية كوسيلة التدريس. هذا الأمر من التحديات الكبرى والمشكلات المؤلمة للغة العربية. ومع ذلك نرى من جانب آخر إقامة المدارس العصرية الإنجليزية من قبل المسلمين الأثرياء الذين يدرجون في مناهجهم الدراسية تعليم اللغة العربية أيضًا مما يحدث تعويض ما يفوت الأطفال في المدارس الابتدائية الدينية، ولكن الأطفال الذين يلتحقون بالمدارس العصرية التابعة للمؤسسات غير الإسلامية لا يجدون فرصة تعلم اللغة العربية مما يؤدي إلى عدم استطاعة قراءة القرآن وتعلم الدروس الدينية ولا تنبعث النتيجة منها إلا ابتعادهم عن الثقافة الإسلامية. وحسب استطلاع اجتماعي اتخذ مؤخرًا أن 80 في المئة من الأطفال المسلمة الهندية لا تعرف قراءة القرآن، والمشكلة الأخرى تأتي من عدم التشجيع من قبل الحكومة المركزية والحكومات الولايتية شمالا وجنوبا لتدريس اللغة العربية.

السؤال: ماهي الصعوبات والحلول من أجل استخدام الأدوات الحديثة الجديدة لتعليم اللغة العربية وآدابها في الهند؟ هل لديكم أي طرق سهلة جديدة؟

الجواب: لا أرى أية صعوبة في استخدام الأدوات الحديثة ما دامت هذه متوفرة بطريقة سهلة للطلبة والأساتذة. وهذه الأدوات أصبحت في هذه الأيام رخيصة جدًا حتى أصبحت متناول أيدي الطلبة بسهولة. وليس هناك طريق سهل لتحقيق أي انجاز من الإنجازات المطلوبة للطلبة وهنا يجدر تذكر قول الإمام الشافعي رحمه الله الذي قال “بقدر الكد تكسب المعالي ومن طلب العلا سهر الليالي ومن طلب العلا بغير كد أضاع العمر في طلب المحال”.

السؤال: كيف ترون مستقبل اللغة العربية وآدابها في كافة أنحاء الهند؟

الجواب: يتم تدريس اللغة العربية في جميع أنحاء الهند من مستوى المبدئية في المدارس الإسلامية إلى مستوى الدكتوراه في الكليات والجامعات العصرية. والطلبة ببركة اللغة يجدون فرص العمل حسب مستواهم داخل الهند وخارجها. ومستقبل اللغة العربية وآدابها سيكون زاهرًا باهرًا ما لم تتدخل الحكومة المركزية بغية تضعيف وتدمير الجهود الخالصة من قبل الطلبة والأساتذة وأولياء أمور الكليات والجامعات. وكما تعرفون أن هناك تهديدًا معلقًا على رؤوس المسلمين الهنود ووسائل ثقافتهم الإسلامية بما فيها اللغة العربية وآدابها من قبل الحكومة المركزية الفاشية الراهنة. وهذه ظاهرة يجب أن ينتبه بها علماء المسلمين ورؤسائهم.

السؤال: ما هي النصائح والاقتراحات والتعليقات التي تود أن تتركها للنشء الجديد الحريص على تعلم اللغة العربية وآدابها؟

الجواب: نصيحتي لطلبة اللغة العربية أن يتعلموا اللغة بنية خالصة وبجهود مكثفة ومرام راق، ويجب عليهم أن يوجهوا همتهم وعنايتهم إلى تنمية قدراتهم وتطوير مهاراتهم حتى يتأهلوا لتحمل مسؤولياتهم نحو المجتمع الإسلامي الهندي ولقيادة هذه الأمة الإسلامية باشتراكهم ودخولهم في مختلف المجالات لاسيما في أحزاب السياسة وأنواع الإدارة الحكومية والمؤسسات الخاصة وأدوار الثقافة الإسلامية المتنوعة.

شكرًا لكم يا سعادة الأستاذ على إتاحة هذه الفرصة السعيدة وعلى هذه المعلومات النافعة المفيدة عن حياتكم العلمية وشخصياتكم المتميزة المليئة بالنشاطات القيمة والمجهودات المكثفة نحو اللغة العربية وآدابها. أدعو الله سبحانه وتعالى أن يطيل حياتكم ويبقاكم فينا لكي نستفيد منكم استفادة تامة، أتمنى لكم مزيدًا من الصحة والعافية في الدنيا والآخرة، جزاكم الله جزاءًا حسنًا، والله المستعان. مع السلامة

*الكاتب باحث ومترجم حر

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of