+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

دراسة في كتاب الغزل الأردي: محاوره ومكانته في الشعر
د. محفوظ الرحمن

 كتاب “الغزل الأردي محاوره ومكانته في الشعر” من أهم كُتُبِ الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله، صدرت طبعته الأولى عام 1427ه – 2006م والنسخة التي بين يدي هي الطبعة الأولى والتي نشرها مكتب رابطة الأدب الإسلامي العالمية، قسم شبه القارة وما يجاورها ص ب 93، لكناؤ (الهند).

  يُعد سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله عالما كبيرا ومفكرا عظيما  بين العلماء البارزين في شبه القارة الهندية  وكتب كتبا كثيرة، وله إسهامات عديدة في الفكر الإسلامي والأدب ونالت كتبه قبولا حسنا في الأوساط العلمية والثقافية. وكان رحمه الله صاحب منهج خاص بين المفكرين والعلماء الكبارفي عصره.

  وأما كتابه بين أيدينا “الغزل الأردي محاوره ومكانته في الشعر” فهو في الحقيقة دراسة الغزل في اللغة الأردية و قدّم المؤلف رحمه الله معلومات قيمة عن نشأة الغزل الأردي وتطوره عبر العصور المختلفة وبيّن في بداية الكتاب الفرق بين صنف الغزل في اللغة العربية والفارسية والأردية، وحظي الكتاب بمقدمة نافعة كتبها المفكر والأديب الكبير والأخ الصغير للمؤلف الشيخ محمد واضح الحسني الندوي رحمه الله.

  والجدير بالذكر أن المؤلف رحمه الله قد كتب عدة حلقات على هذا الموضوع لصحيفة الرائد نصف الشهرية التي تصدر من دارالعلوم لندوة العلماء بلكناؤ، الهند، ثم جمعها في صورة كتاب، كما يذكر في كلمة المؤلف نفسه “فإني طرقت هذا الموضوع  في الصفحات الآتية من هذه العجالة التي اشتملت على ما كنت كتبته في هذا الموضوع في عدة حلقات، ونشرتها في الملحق الأدبي لصحيفة الرائد، ومضى على ذلك زمان، ونظرت فيها ووجدت لائقة بأن أعرضها في وحدة جامعة لها في صورة كتاب”(1).

قسم المؤلف رحمه الله هذا الكتاب إلى ستة أبواب وتناول في كل باب الموضوعات الفرعية التي تتعلق بالموضوع الرئيسي فموضوع الباب الأول: “الشعر الغزلي ودوره في العربية والفارسية وغيرهما” وتحدث المؤلف في هذا الباب عن الموضوعات وهي: “الشعر في الكلام الإنساني و”أهمية صنف الغزل وطبيعته” و”المنهج العربي للغزل : النسيب والتشبيب” و”الانفعالات النفسية في الغزل” و”اتجاه جديد في الغزل” و”نظام معين للغزل” و”نظام الشعر القصصي غير نظام الغزل” و”الربط في الغزل” و”عناصر الغزل” و”الغزل ينقسم إلى قسمين” و”تطور أسلوب الغزل حسب البيئات والظروف” و”الطريقة الرمزية في الغزل” و”الغزل الروحاني”.

  كتب الأستاذ رحمه الله عن هذه الموضوعات من صفحة 16 إلى صفحة 37. وما شك فيه أن المؤلف رحمه الله تناول  كل عنوان بطريقة نادرة وتحدث عن أسلوب شعر الغزل باللغة العربية والفارسية والأردية بطريقة جيدة،  وكتب عن كل موضوع بطريقة تبين المعاني الواضحة أمام القاري ويستطيع أن يفهم كل موضوع بدون أي مشكلة، فيكتب تحت عنوان “صنف الغزل وطبيعته” “وكان الشاعر قد يتورط في الاستهتار والفجور الصريح ، وكان الغزل لديهم في نطاقه العام بالنسبة إلى وجهاته المختلفة يشتمل على معاني النسيب وهي انفعالات نفسية ناتجة من الصبوة والاشتياق. وكانت معاني هذا النوع الغزلي مشتملة على التعبير عن الخلجات والسوانح الناتجة من الحب، أما النوع الآخر من الغزل هو الذي فيه صراحة وخلاعة فهو يسمى بالتشبيب ، وكان عاماً أيضاً في الغزل العربي، ولما عمت المعرفة بالعلوم في بلاد أخرى غير العربية اتبع أصحاب لغاتها المناهج الأدبية العربية في لغاتهم وفيها الشعر ونوع الغزل منه خاصة ، فكان الغزل العربي يأتي في مبدأ القصائد العربية التي كانت تقال في موضوعات مختلفة أخرى، فانتقل الغزل إلى هذه اللغات الأخرى وهي اللغة الفارسية ثم الأردية أيضاً”(2).

وذكر المؤلف رحمه الله المنهج العربي للغزل ومصطلحاته وقدم أبياتا لكل مصطلح وألقى الضوء على تأثير الإسلام في الغزل وهويكتب:” ولما جاء الإسلام جاء تطور وتهذيب في الشعر الغزلي وذلك بتأثير تعاليم الإسلام، وغير ذلك في رقة ورزانة في المعنى واللفظ ، واجتناب صراحة بما لا يليق ، وازدان التعبير بتهذيب الشعور الإنساني وترقيقه، وذلك بمر الزمن، وقوي التأثير العقلي والتعبير العلمي بتقدم المجتمعات العربية فكرياً وثقافياً بتأثير ما أحرزته المجتمعات العربية من الرقي العلمي والفكري عن طريق انتشار فيها ، وذلك منذ القرن الثالث الهجري ، وتطور الغزل أيضاً بتأثير احتكاك الثقافتين العربية والفارسية، واتسع نطاقه، ولكنه لم يزل جزءاً للقصيدةالتي كانت تقال في المديح، أو الفخر”(3) ويلقي المؤلف رحمه الله الضوء على اختلاف الغزل في الفارسية والأردية عن العربية فيقول: ” وأما اختلاف الغزل في الفارسية والأردية عن العربية فهو في تحديد عدد أبيات القصيدة في الغزل فإن أبياته لا تجاوز خمسة عشر بيتاً ، وفي استقلال كل بيت أو بيتين من قصيدته فإنما يكون مستقلا بنفسه في المعنى وفي إبداء الخواطر، كما أن قصيدة الغزل في اللغة الفارسية لا تسمى بالقصيدة ، بل إنما تسمى قصيدته بالغزل نفسه ، وإنه يشتمل في معانيه على أغراض مختلفة مما لها صلة بعاطفة الإنسان أو خياله مهما كانت هذه العاطفة والخيال، وإنما يشترط له شروط تقررت للغزل خاصة ومنها كون كل بيت أو بيتين منه مستقلا بذاته بما يعبر به فيه عن الخواطر والآراء ” ويكتب: لقد كان الغزل في العرب القدامى محدوداً فيما يتصل بعلاقة الذكور مع الإناث، وهو لا يتجاوز إلى علاقة الذكور مع الذكور، ولم يدخل في الشعر العربي هذا النوع من الغزل إلا بعد ما اتصلت الثقافة العربية بالثقافة الفارسية ، ولم يدخل في الشعر العربي هذا الاتجاه إلا كوافد لم ينل استقبالاً حسناً، ولكنه سرى على كل حال في العربية إلى حد ما، ولما جاء دور التوسع في الإطار الغزلي في الفارسية والأردية، ودخلت معاني الحب الإلهي فيه أصبحت صيغة المذكر للطرفين ذريعة غير سيئة بالنسبة إلى هذا النطاق المتوسع في الغزل ، كما أنه قد ناسب التعبير للمعاني الفلسفية والأخيلة وللتعبير عن محبة الرجل المؤمن بالذات الإلهية ومحبته بالرسول صلى الله عليه وسلم، كما دخلت فيه معاني أخرى ذات صلة بوجدان الشاعر وعاطفته فيما ينوبه من أحوال محركة لعاطفته ومثيرة لوجدانه، ثم لم يمر زمن طويل إلا وتهذب الإطار الغزلي تهذبا وأصبحت له قواعد وضوابط مثل أن تكون الأبيات مستقلة بذاتها، وأن تكون مقطوعته الشعرية قصيرة لا تطول، ويعبر كل بيت أو بيتين عن معنى، دون ارتباط كبير مع غيره في المقطوعة، وأصبح من تقاليدها أن الشاعر يذكر في آخر بيت من أبيات مقطوعته لقبه كذلك” (4). وما شك فيه أن المؤلف رحمه الله كتب في هذا الباب تحت عناوين مختلفة عن شعر الغزل وأوضح معاني الغزل وتطوره في البيئات والظروف المختلفة في أسلوب ممتع .

  وأفرد الأستاذ السيد محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله الباب الثاني لغزل اللغة الفارسية وشعرائها تحت عنوان “أمثلة من شعراء الغزل في الفارسية ” وكتب عن غزل جلال الدين رومي والشيخ سعدي وأمير خسرو الدهلوي وخواجه حافظ الشيرازي وعبد الرحمن جامي والشاعر فغاني وتحدث الأستاذ رحمه الله عن أسلوب الشعراء المذكورين وقدم له  ترجمة أبياتهم الغزلية وكما يبين ضمن الباب الثاني الفرق بين الغزل العربي والفارسي.وخصص الأستاذ رحمه الله الباب الثالث تحت عنوان ” شعر الغزل في الأردية” وكتب في هذا الباب عن الغزل الأردي تحت عناوين فرعية وهي: “بداية الشعر الأردي”  و”غلبة الطابع الفارسي” و”موضوعات الغزل الأردي” و”منهج الشعر الغزلي في اللغة الأردية” و”أهميةالغزل في الشعر الأردي” و “الغزل الأردي في مجالات الحياة الأخرى” و “تصوير العواطف الإنسانية في الغزل الأردي” و”التثبت بالاستعارة والكناية” و”نماذج الجانب الصبوة اشتياقاً وحرماناً”، وفي الحقيقة كان الشعر الأردي في بداية عهده مثأثرا كثيرا بالشعر الفارسي وكان منهج شعراء اللغة الأردية في أسلوبهم للطابع الفارسي ويكتب الأستاذ رحمه الله في هذا الصدد: “وجرى الشعر الأردي معتمداً بصورة كبيرة على منهج الشعر الفارسي وبخاصة في غزله آخذاً لمنهجه ، وأسلوبه من منهج الغزل في الفارسية بعد التطور الذي حصل فيه ” (5).

 ويكتب المؤلف رحمه الله تحت عنوان موضوعات الغزل الأردي فيذكر أن الشاعر يتناول موضوعات مختلفة يواجهها في حياته و”يذكر في غزله عن كافة متاعب حياته وآلامها ، سواء كانت في صورة طلب الاستقلال، أو كانت سعياً ونشداناً لسعادة الحياة وآمالها ، أو كان عاطفة فردية للحب والفداء ، أو انقياداً واستسلاماً للمحبوب ، أو اعتزازاً بالنفس وثقة بها، أو شعوراً بهموم الإنسان، فكل ذلك يدخل في الشعر الغزلي وهو يتحدث عنه ، كما يدخل فيه التحدث عن حب الرسول صلى عليه وسلم، وحديث زيارة المدينة المنورة، وشعور الحنين إليها، والفداء لها، فإنما يحيط الغزل بكل ذلك، يذكر شعراء الغزل الأردي هذه الموضوعات، كل على حسب ذوقه وميله ، ويؤثر به على نفوس السامعين والقارئين، ويضرب به أوتار قلوبهم “(6).  وكتب المؤلف رحمه الله عن منهج الشعر الغزلي للغة الأردية وذكر خمسة أصناف كبيرة  للشعر الأردي  وهي الغزل الذي يشتمل على النسيب والتشبيب والمقطوعات الغزلية والثاني المديح الذي يسمى بالقصيدة في اللغة الأردية والثالث الرباعي الذي يشتمل على أربعة أشطار شعرية والرابع هي القطعة التي تشبه في طريقتها بيت الرباعي والخامس هو الشعر التمثيلي أو القصصي الذي يذكر الشاعر فيه حوادث التاريخ ويسمى بالمثنوي في اللغة الأردية. وكتب الأستاذ رحمه الله عن أهمية الغزل في المجتمع الهندي ومراحل تطوره ويتحدث عن مدرستيه وهما مدرسة لكناؤ ومدرسة دهلي وذكر خصائص غزلهما وشعرائهما وإسهاماتهم في خدمة صنف الغزل، وتحدث الأستاذ في هذا الباب عن تصوير العواطف الإنسانية في الغزل الأردي واستخدام الكناية والاستعارة في شعر الغزل الأردي وقدم المؤلف رحمه الله نماذجهما. يقوم الباب الرابع لهذا الكتاب بدراسة شعر الغزل لشعراء العهد الأول للغزل الأردي تحت عنوان ” نماذج للغزل الأردي في دوره الأول وقام بدراسة شعر سراج الدين سراج والميرزا مظهر جان جانان والميرزا محمد رفيع سوداء وخواجه مير درد ومير تقي مير والملك بهادر شاه ظفر والحكيم محمد مؤمن خان مؤمن والميرزا أسد الله خان غالب، وتحدث عن ميزات غزل الشعراء المذكورين وإسهاماتهم في تطور الغزل الأردي وقدم نماذج كل شاعر بعد ذكر أسلوب شعرهم. ويتناول الباب الخامس دراسة الغزل الأردي في عهد الأحداث والاستعمار وإسهامات شعراء هذا العصر في ترويج الغزل الأردي، وتحدث الأستاذ السيد محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله عن الظروف والأحوال التي يمر بها الشعب الهندي ذلك الوقت ويكتب : “عندما غزا الاستعمار الغربي الأقطار الشرقية وفرض سيطرته على الحياة الاقتصادية والسياسية في هذه الأقطار رافقه الغزو الفكري الغربي في هذه السيطرة عن طريق مناهج التعليم والكتب الثقافية التي تأثرت بها الأوضاع تأثراً خطيراً، وقع في المجتمع المثقف الثقافة الغربية ما أشار إليه القول القرآني على لسان ملكة سبأ إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ) سورة النمل الآية رقم 34، وحدث في الهند هذا الحادث مع أن رجالاً من أهل العلم محافظين على قيمهم الشرقية والإسلامية أبدوا معارضتهم لذلك، وكان فيهم عدد من علماء الدين ومن رجالات الفكر والسياسة وبعض الشعراء، والشعر -كما لا يخفى- يقوم في كل أمة من الأمم مقام مرآة لعرض ما يختلج في الأذهان والنفوس، وقام بذلك في الأوضاع المتجددة الشعر الأردي ولعب الغزل فيه دوراً مؤثراً فعالاً ، وكان قد توسع إطاره من قبل، ودخلت فيه جوانب أخرى أيضا من عرض الصور والتعبير عن خلجات النفس المختلفة الأغراض في إطار معين خاص به، فلجأ شعراء هذا العهد الجديد في التعبير عن الانطباعات والأحاسيس حول الأوضاع الجديدة في الإطار الغزلي الأنيق، وأصبح الغزل خير وسيط للمعرفة والانطباعات التي حدثت في تلك الأحوال والأوضاع. وبذلك نال هذا الصنف الشعري في أردو توسعاً جديداً، ونال إعجاباً من الناس كثيراً، واختاره الشعراء واستخدموه للتعبير عن تصوراتهم الخفية والنقد للاتجاهات الاستعمارية والأدبية الفكرية الوافدة، كما ضمنوه معاني الحكمة وما تقتضيه الحياة كذلك، واستعانوا به للتعليق على أخطاء المجتمع واستخدموه لإظهار الأسى والشكوى، والتنفيس عن الكبت أيضاً ، وذلك بصورة خاصة عند ما بدأ اضطهاد المسلمين ومروا من خلال الكبت في عهدهم الاستعماري الجديد”(7).

  وتناول شعراء هذا العهد شعرهم للنقد على الاتجاهات الاستعمارية والأدبية والفكرية التي دخلت في قلوب الشعب الهندي وتحدثوا أيضًا عن أسباب انحطاط الأمة الإسلامية في الهند في كل مجال حياتها، وفاق في هذا المجال ألطاف حسين حالي والشيخ شبلي النعماني والدكتور محمد إقبال وأكبر إله آبادي وغيرهم. كتب الأستاذ رحمه الله عن خصائص شعرغزل الشعراء المذكورين، ويتناول الباب  السادس والباب الأخير دراسة الغزل الأردي في العهد الحديث وأثره في الشعر كتب عن إسهامات  جكر مردا آبادي، وكليم عاجز في الغزل الأردي وهذان شاعران حديثان لهما تأثير في الأدب الأردي الحديث مع الشعراءالآخرين.

وتحدث الشيخ العلامة محمد الرابع رحمه الله في هذا الباب عن أثر الحركات الفكرية المعاصرة في المجتمع الإسلامي الهندي، وفي الأدب الأردي. ومن ذلك تأثير الشيوعية والاشتراكية في الأدباء، كما كان الحال في مجتمعات إسلامية كثيرة وتأثر الشعراء بالفكرة الشيوعية كثيرة في شعرهم  ونثرهم  وكانت الشيوعية قوة عالمية كبيرة في ذلك الوقت وطغت هذه القوة في المناطق الهندية ولكن خلق الله تبارك وتعالى بينهم بعض الشعراء والأدباء الذين قاموا ضد الحركة الماركسية وخدموا دين الله بشعرهم ونثرهم ولعبوا دورا عظيما في المجتمع الإسلامي الأردي : يقول الشيخ محمد الرابع: “ولكن المحافظين على القيم الدينية من الأدباء والشعراء قاوموا ذلك مقاومة إلى أن خف ذلك المد الفكري من هذه المناطق، واستطاع الشعراء والأدباء أن يحافظوا على التمسك بقيمهم الثقافية والأدبية السابقة، ولكل من هذه الاتجاهات الشعرية شعراء ونماذج شعرية”(8).

وكتب المؤلف رحمه الله عن شاعري الغزل الأردي في الباب الأخير لهذا الكتاب وهما جكر مرادآبادي وكليم عاجز. شاهد جكر مرادآيادي هموم المسلمين في الحياة القومية الهندية بعد استقلال البلاد من الاستعمار البريطاني وتقسيمها وتغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية فقرض شعره الغزلي وذكر فيه ظروف المسلمين القاسية في صورة بلاغية  واستخدم لشعره الكنايات والاستعارات اللطيفة. وكذلك كتب عن شعر كليم أحمد عاجز، واستخدم الشاعر كليم عاجز الغزل للتعبير عن مشاعره وأحاسيسه التي تتعلق بالحياة السياسية والاجتماعية ونقد الأحداث المؤلمة والاضطرابات الطائفية التي وقعت في منطقته ضد المسلمين وواجهتها أسرته. قدم المؤلف رحمه الله نماذج شعر الغزل للشاعرين. وكتب في آخر الكتاب فهرس المراجع التي تشتمل على دواوين شعراء اللغة الأردية وكُتُب النقد والتاريخ وفهرس الأعلام والشعراء حسب الترتيب الأبجدي.

مقارنة أبيات اللغة العربية والأردية:

حينما نقرأ هذا الكتاب نجد أن المؤلف رحمه الله قد قارن شعر اللغتين العربية والأردية في بعض الأماكن مما يدل على دراسته العميقة للآداب العالمية المختلفة. يكتب الأستاذ رحمه الله شعر اللغة العربية ثم يكتب الشعر  الأردي في المعنى الذي قرض فيه الشاعر العربي مثلا يكتب شعر أبي العلا المعري :

خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد
سر إن استطعت في الهواء رويداً لا اختيالا على رفات العباد

وقارن الأستاذ رحمه الله هذا الشعر من أبيات شعراء اللغة الأردية الذين قرضوا أبياتهم في هذا المعنى مثلا يقدم الشاعر الأردي هذا المعني ممزوجاً في إطاره الغزلي : “خففي الوطأ يا رائحة الزهر على الأرض فكم تنام في هذه الأرض من نفوس ناعمة الطبع كريمة”.  وكذلك شعر الميرزا مظهر جان جانان في  هذا المضمون : “هذا ربع خضبته البلابل بدمائها الزكية فلا تسيري يا ريح فيه إلا بتحفظ واحتياط ولا تظنيه بستانا لك”. وقدم  نماذج  شعر الشعراء المتقدمين من فحول الشعراء بالأدب الأردي.يقول الشاعر ميرزا أسد الله خان غالب : “إن تكاليف الحياة وآلامها مهما طالت ستنتهي عند الموت كمثل الشمعة تستمر بالإضاءة في الليل، بأية حال من أحوالها إلى أن يخمدها الصباح.  ما أعظم المصيبة عند ما تشتد على الإنسان اشتداداً يتمنى فيه بالموت فحالته في ذلك كحالة رجل يغرق في نهر من يأس قاتل”(9).

ويقارن الأستاذ رحمه الله في مكان آخر شعر اللغتين العربية والأردية. وقدم شعر الشاعر العربي المحروم المعتمد بن العباد الملك الأندلسي في قصيدة لما عُزل وألقي في الحبس ، وجاءت بناته في حالة بؤس وشقاء فأبدى مشاعره في شعر مؤلم :

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا فساءك العيد في أغمات مأسورا

وكتب أبيات الشاعر العربي الآخر وهو أبو فراس الحمداني الذي يقولها في معنى شعرالشاعر الأندلسي وهو كان مأسورا في خرشنة في قصيدة مؤثرة :

بمن يثق الإنسان فيما ينوبه ومن أين للحر الكريم صحاب
وقد صار هذا الناس إلا أقلهم ذئاباً على أجسادهن ثياب
إلى الله أشكو أننا بمنازل تحكم في آسادهن كلاب

وقوله :

أقول وقد ناحت بقربي حمامة أ يا جارتا لو تشعرين بحالي ؟
معاذ الهوى ! ما ذقت طارقة النوى ولا خطرت منك الهموم ببالي
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا تعالى أقاسمك الهموم تعالي

وذكر الأستاذ السيد محمد الرابع الحسني أبيات شعراء اللغة الأردية حيث توجد هذه المشاعر الحزينة مثل الأبيات المذكورة ومما قالها الملك بهادر شاه ظفر : “إنما أبكي مفجوعا في محبس همي وغمي، فمالي وللعندليب يسجع في بستانه ، فيا قلبي مهما بكيت وسفحت دموعا لن يحرك ذلك ساكنا لأحد، ولن يظهر أثره.

“أستطيع أن أسكت لساني وأقطع بكائي، ولكن أن أمنع قلبي مما يختلج فيه فلن يسعني ذلك. لقد حلف لي مائة مرة وكلها كذب ، ثم يزعم أنه لا يكذب بتاتا”

   ” أعطيه قلبي ولم أنل إلا شقاء وعذاباً ، فلن أعطيه قلبي مرة ثانية فقد انخدعت بسوء سلوكه وقسوة معاملته فأنا أشكو له مصيبتي وشقائي، وأبكى، وهو لا يبالي ، بل يصرف وجهه ليضحك علي فيا له من ظالم”.

ويقول :

– لم أعد سبب قرار لعين أحد ولا راحة لقلب أحد.

_فإني قبضة من تراب لا يسعها أن تنفع أحدا

 – لماذا يزور أحد قبري ويدعو لي، أو يضع باقة عليه، أو يشعل شمعة للإضاءة عليه فإني صاحب قبر أصيب بالمسكنة والهوان.

_ وذلك لأن الألوان الزاهية التي كانت صفة لي قد تلطخت وذهب عني صديقي وحبيبي.

 _وإن البستان الذي هجم عليه فصل الخريف وجعله خراباً فأنا الذي كنت فصل ربيعه.

 _فإن أشعل أحد على قبري شمعة فما يأتي ظلام الليل إلا وتأتي هبة رياح وتطفئ هذه الشمعة.

_إن جاء أحد ليزور قبري ويقرأ الفاتحة عليه فكيف له أن يعرف قبري، لأن القبر أصبح محطماً وقضى عليه مشي أقدام الناس “(10).

أسلوب الأستاذ السيد محمد الرابع رحمه الله في الترجمة من الأردية إلى العربية:

ترجم الأستاذ السيد محمد الرابع رحمه الله أشعارا غزلية للغة الأردية إلى اللغة العربية كنموذج لكي يعرف دارس اللغة العربية أسلوب الغزل الأردي، وأريد أن أقدم أبيات بعض شعراء الغزل الأردي ثم ترجمتها التي ترجمها المؤلف رحمه الله لكي يرأى القاري أسلوب ترجمة المؤلف، وما شك فيه أن الأستاذ رحمه االله قد ترجم الأبيات الغزلية في هذا الكتاب في أسلوب شيق وسهل ويستطيع كل شخص يعرف اللغة العربية أن يفهمها بدون أي صعوبة.

وهذه أبيات سراج الدين سراج الذي يُعد شاعرا من شعراء الغزل المتقدمين

خبر تحیر عشق سن نہ جنوں رہا نہ پری رہی نہ تو تو رہا نہ تو میں رہا جو رہی سو بے خبری رہی
شہ بے خودی نے عطا کیا مجھے اب لباس برہنگی نہ خرد کی بخیہ گری رہی نہ جنوں کی پردہ دری رہی
چلی سمت غیب سیں کیا ہوا کہ چمن ظہور کا جل گیا مگر ایک شاخ نہال غم جسے دل کہو سو ہری رہی
نظر تغافل یار کا گلہ کس زباں سیں بیاں کروں کہ شراب صد قدح آرزو خم دل میں تھی سو بھری رہی
وہ عجب گھڑی تھی میں جس گھڑی لیا درس نسخۂ عشق کا کہ کتاب عقل کی طاق پر جوں دھری تھی تیوں ہی دھری رہی
ترے جوش حیرت حسن کا اثر اس قدر سیں یہاں ہوا کہ نہ آئنہ میں رہی جلا نہ پری کوں جلوہ گری رہی
کیا خاک آتش عشق نے دل بے نوائے سراجؔ کوں نہ خطر رہا نہ حذر رہا مگر ایک بے خطری رہی

الترجمة العربية:

“أما قصة حبي فأهم ما فيها أنه ليس فيه ذهاب عقل ولا حورية الملاك الحبيب ) ساحرة، كما أنه ليس فيه أنت ولا أنا ، بل إنما يوجد فيه مجرد ذهول دائم”.

 “لقد منحني مانح الذهول لباساً ليست فيه صفة اللباس ، فلم يعد عقلي محتاجا إلى إصلاح ما يتخرق ، ولا جنوني محتاجاً إلى خرق لباس”.

هبت ريح من عالم الغيب أحرقت حدائق سروري غير أنها تركت غصناً رطباً ندياً وهو قلبي”.

“بأي لهجة أشكو الإعراض الذي أجده في نظرة حبيبي ، فقد كانت زجاجة قلبي مليئة بخمرة التحسر ،والأمل الحزين، فبقيت على حالتها ولم تخل منها”.

” لقد كانت تلك الساعة ساعة عجيبة التي تلقيت فيها درساً لموضوع العشق والمحبة، فقد جعلني هذا الدرس بحيث لا ألتفت إلى كتاب عقلي ، بل تركته موضوعاً على الرف”.

“اشتد أثر الحيرة الحاصلة من جمالك على نفسي”.

“فقد فقدت بها مراتي لمعانها واختفت من الحورية الحبيبة في نفسي روعة جمالها”.

“حرقت نار الحب قلب (سراج) المسكين، فلم يبق له خطر ولا خوف، وإنما بقي له ذهول دائم “(12).

نموذج آخر لترجمة المؤلف رحمه الله

يعتبر أسد الله خان غالب شاعرا عظيما للغزل الأردي ولا يكمل تاريخ الغزل الأردي بدون ذكره، وهذه أبياته الغزلية التي قدم الأستاذ رحمه الله ترجمتها كنموذج شعره الغزلي في كتابه:

کوئی امید بر نہیں آتی کوئی صورت نظر نہیں آتی
موت کا ایک دن معین ہے نیند کیوں رات بھر نہیں آتی
آگے آتی تھی حال دل پہ ہنسی اب کسی بات پر نہیں آتی
ہے کچھ ایسی ہی بات جو چپ ہوں پر طبیعت ادھر نہیں آتی

ترجم الأستاذ محمد الرابع رحمه الله هذه الأبيات لميرزا أسداالله خان غالب وهي كما يلي:

 _إني لا أجد أملا يتحقق، ولا أجد أمرا يوافقني.

_ إن للموت وقتا محددا ويوما معينا، فلماذا لاأرتاح بالنوم في ليلتي؟

 – لقد كنت في الماضي أضحك على حالي أما الآن فلم أعد أضحك من أي شيء.

 – إن هناك سببا يجعلني صامتا و إلا فإنه كان في استطاعتي أن أتكلم بما أشاء”(14).

نموذج آخر لترجمة الشعر

وكتب الأستاذ السيد محمد الرابع رحمه الله عن شعر الدكتور محمد إقبال ونظرته إلى هذا الكون وفلسفته، وهذه أبياته التي ترجمها المؤلف رحمه الله:

مسلم نے بھي تعمير کيا اپنا حرم اور تہذيب کے آزر نے ترشوائے صنم اور
ان تازہ خداؤں ميں بڑا سب سے وطن ہے جو پيرہن اس کا ہے ، وہ مذہب کا کفن ہے
يہ بت کہ تراشيدہء تہذيب نوي ہے غارت گر کاشانہء دين نبوي ہے
بازو ترا توحيد کي قوت سے قوي ہے اسلام ترا ديس ہے ، تو مصطفوي ہے
نظارہ ديرينہ زمانے کو دکھا دے اے مصطفوي خاک ميں اس بت کو ملا دے !
ہے ترک وطن سنت محبوب الہي دے تو بھي نبوت کي صداقت پہ گواہي

 

الترجمة العربية للأبيات المذكورة:

“إن المسلم قد قام ببناء الحرم على طريقته، أما صاحب المدنية الحديثة فينحت لمعبده أصناماً مختلفة على طريقته”.

“وبرزت بذلك آلهة جديدة كان أهم هذه الآلهة إله لوطن، ولباس هذا الإله هو بمثابة الكفن للدين”.

“إن هذا الإله الذي نحتته المدنية الجديدة فإنه أصبح آلة لتحطيم قصر الدين الإسلامي الذي بناه محمد صلى الله عليه وسلم”.

“يا أخي (المسلم) إن ساعدك قوية بقدر قوة فكرة التوحيد الإلهي وإنما الإسلام هو وطنك لأنك تنتمي إلى الرسول سيدنا محمد مصطفى صلى الله عليه وسلم”.

“فإن عليك أيها المنتمي إلى الرسول مصطفى عليه السلام أن تدس الصنم الوطني في التراب”.

” إن ترك فكرة الوطنية اتباع لسنة حبيب الله محمد صلى الله عليه وسلم، فعليك أن تشهد بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم”(16).

وما  لا شك فيه أن الأستاذ محمد السيد محمد الرابع رحمه الله قدم نماذج الشعر الغزلي للغة الأردية في العصور المختلفة التي مر بها الغزل الأردي وترجمها في لغة فصيحة و سهلة وجيدة.

وبعد دراسة الكتاب ” الغزل الأردي محاوره ومكانته في الشعر ” نصل إلى نتيجة أن الأستاذ السيد محمد الرابع رحمه الله قد كتب عن الغزل الأردي في أسلوب جميل، وبين الفرق بين الغزل في اللغة العربية والفارسية والأردية، وتحدث عن نشأة الغزل الأردي وتطوره في الأدوار المختلفة كما سلط الضوء على أسلوب شعراء هذه اللغة ، وقدم معلومات نافعة عن الغزل الأردي لدارسي اللغة العربية، وبالتالي نال الكتاب مكانة مرموقة بين الدارسين في الهند والبلدان العربية .

الهوامش:

  • الشيخ محمد الرابع الحسني، الغزل الأردي محاوره ومكانته في الشعر، مكتب رابطة الأدب الإسلامي العالمية قسم شبه القارة وما يجاورها ص ب 93، لكناؤ (الهند)، ط 1، عام 2006م ، ص 4.
  • نفس المصدر، ص 18.
  • نفس المصدر، ص23-24.
  • نفس المصدر، ص26-27.
  • نفس المصدر،ص 50.
  • نفس المصدر،ص51.
  • نفس المصدر،ص91-92.
  • نفس المصدر ص115.
  • نفس المصدر ص67-68.
  • نفس المصدر 84-86.
  • الغزل الأردي، المصدر السابق، ص70-71.
  • الغزل الأردي، المصدر السابق، ص90.
  • الغزل الأردي، المصدر السابق، ص111-112.

  د. محفوظ الرحمنأستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابهاالجامعة الملية الإسلامية، نيودلهي*

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of