+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

الرحيل الخالد…….. هذا هو الرابع الحسني
ريحان بيغ

            لا شك فيه أن ندوة العلماء قد أنجبت عدداً كبيراً من العلماء والمفكرين والقادة، أثرى بهم الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية، وهناك الكثير من النوابغ لا يسع المجال حتى لعدهم لكثرتهم،  ومن هؤلاء النوابغ عالمنا السيد محمد الرابع الحسني الندوي (رحمه الله) حيث ساهم في الفكر الاسلامي والأدب العربي والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وجمع بين الأصالة والمعاصرة.

نبذة قصيرة عن حياته:

            ولد بقرية تكيه كلان من مديرية رائي بريلي قرب لكنھؤ ٦/ جمادي الأولى عام 1348ھ المصادف ٢/ أكتوبر عام 1929م، تلقى دراسته الابتدائيه في مدينة رائي بريلي، ثم دخل ندوة العلماء، حيث أكمل المراحل الثانوية ووسع ثقافته الأدبية والإسلامية، ونال شهادة العالمية عام 1948م، ثم عمل مدرساً في ندوة العلماء في عام 1367هـ، ودرّس فيها ما يقارب أربعين سنةً، وقد تخرَّج عليه عدد كبير من العلماء والمشاهير في الهند، وتولى- إلى جانب مهمة التدريس- إدارةَ ندوة العلماء في عام 1413هـ، ثم رئاستها بعد وفاة خاله العلامة أبي الحسن الندوي في عام 1420هـ.

وله عضوية في عدة مجامع ومؤسسات عالمية، منها:

  • اختير أميناً عاماً لندوة العلماء ورئيساً لجامعة دار العلوم عام 1420هـ 2000م ، بعد وفاة الشيخ أبي الحسن الندوي.
  • من مؤسسي رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، وكان نائباً لرئيس الرابطة ورئيساً لمكتب شبه القارة الهندية، وعضواً في مجلس الأمناء إلى أن توفي.
  • عضو في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
  • نائب الرئيس لرابطة الأدب الإسلامي العالمية.
  • رئيس مجلس الأحوال الشخصية الهندية لمسلمي الهند.
  • عضو في عدد من المؤسسات العلمية والأكاديمية العالمية مثل مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية في بريطانيا.

إنجازاته القيمة المميزة:

               أشرف على تربيته منذ صغره خاله الإمام الرباني أبو الحسن علي الحسني الندوي، فترضع على أفكاره الوسطية النيرة، وتأثر بنظراته المباركة وحكمته الدافقة وحميته الإسلامية الرائعة، وتحلى بأخلاقه الجميلة وصفاته الكريمة، واستقى من علومه وأدبه الجم، وقد رافقه ولازمه في سفره وحضره، وحله وترحاله، وقد نال من شفقته وعنايته ما جعله جديراً بالمؤهلات العلمية والدينية والقيادية، فقلدته الأمة خلافته ونيابته فأدى حق الخلافة والنيابة، فكان سيدنا الراحل خير خلف لخير سلف، قاد المسلمين الهنديين فأحسن قيادتهم ونجح في إرساء سفينتهم رغم الأمواج المتلاطمة والعواصف الهوجاء على الشاطئ في أمن وسلام. وقد قام بدور القيادي في الصحافة والأدب العربي، ويشهد له بذلك المئات من الصفحات التي دبجها بمقالاته وأفكاره وتعليقاته وانتقاداته التي تتفجر معانيها وكلماتها من قلبه وقلمه تلقائيا من دون أن يتكلف فيها، وقد كان فارس اللغة العربية والأدب الإسلامي في الهند، ألّف كتبًا نفيسةً فيهما؛ مثل “الأدب العربي بين عرض و نقد” و “الأدب الإسلامي وصلته بالحياة” و “أضواء على الأدب الإسلامي” و الأدب الإسلامي: فكرته ومنهاجه” كما شارك في عدة المؤتمرات في الهند والبلدان العربية، حتى إنه حظي بالحصول على جائزة الرئيس الهندي الجمهورية في 1970، وذلك تقديراً لجهوده الكبيرة في مجال الأدب العربي    الهندي واعترافاً بشخصيته البارزة.

             ومن جانب آخر؛ فقد مهر في علم الفقه والفكر الإسلامييْن، فكان عالمًا ثبتاً ومفكرًا بصيراً، فألف كتابه المعروف “أضواء على الفقه الإسلامي” فهو المتمكن فقيهًا وخصوصًا في الأحوال الشخصية؛ من الزواج والطلاق والحضانة -التي يطلب الشرع الاحتياط فيها- حتى أصبح رئيسًا لهيئة قانون الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند. كما صنف كتابًا نافعًا بعنوان: “الهداية القرآنية سفينة نجاة للإنسانية” بفكر واع ونصحٍ  مأمون، ونجح تماماً في تقديم الحقائق والحجج التي جاء بها الوحي الإلهي والشريعة الإسلامية. وكذلك قام بتأليف الكتاب في السيرة النبوية وألف كتابه المعروف: “سراجًا منيرًا” وهذا الكتاب يحتوي على عشرة أبواب، وجمعَ في قراءته بين ما كُتب قديماً وحديثاً بالعربية والأردية. والكتاب شاملٌ لأكبر مقدار من القطع النابضة الدافقة بالحيوية والتأثير، الآسرة للقلوب والنفوس، فيجلَّى في الكتاب العقلُ والعاطفة جواراً بجوار، مع جمال العرض، وسهولة الأسلوب، و حَسَن الترتيب، وجودة التلخيص، ‎والكتابُ مؤسِّسٌ على مصادر السيرة الأولى الأصلية، مطابقاً لما جاء في القرآن والسنَّة الصحيحة. وأسلوبه عصريٌ عمليٌّ فريدٌ، روعيت فيه عقلية الجيل المعاصر، وذوقه ومستوى فهمه وفکره، واختير أسلوب المجادلة بالتي هي أحسن، بدل المناقشة الجافة والمناظرة المنفرة، واستفيد فيه من خير ما كُتِب في القديم والحديث. إنه هديةٌ قيمةٌ لقارئ السيرة النبوية، وإضافة قيمة إلى مكتبها.                                                          ‎

فقيد الأمة في نظر أعلامه المعاصرين:

            تمر السنون تلو السنين والأيام تلو الأيام، ويولد أناس ويموت أناس، وكثير منهم من يولد ويعيش ويموت ولا يعرفه أحد، و منهم من يولد ويعيش فتعرفه كل أركان الأرض بأعماله الخالدة الصالحة، بل تذكره الملائكة في رياض الصالحين، وسماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي (رحمه الله) واحد ممن عاش طيلة حياته ومات ويتذكره الجميع بأعماله الحسنة العظيمة، ونعاه عدد من العلماء والنشطاء والصحفيين والأكاديميين والسياسيين في مقالاتهم وعبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي مؤكدين على أنه كان عالماً كبيراً ورجلًا مهذباً وصاحب خلق وفضل وكاتباً رشيق الأسلوب، وسنحاول في هذا المقال أن نلتمس بعض ما أعرب علماء الاسلام عن شعور العالم الإسلامي كله بالصدمة جراء وفاته.

          وفور انتشار نبأ وفاة الشيخ، توالت كلمات النعي والعزاء مستذكرة مآثره وخصاله في مختلف مجالات العلم الشرعي والفكر الدعوي.

              فمن جانبه نعى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين د. علي القرة داغي و كتب على تويتر: “تلقينا نبأ وفاة العلامة الشيخ محمد الرابع الندوي بقلب حزين، ولكن أسلم بقضاء الله سبحانه وتعالى، وقدره، فلي صلة قوية مع هذا الشيخ الجليل، استفدنا من علمه، ومن أخلاقه، وقيمه، حيث كان رمزاً للعالم الرباني حقاً خلال أكثر من ثلاثين سنة من معرفتي به، رحمه الله تعالى”

              كما قالت رابطة الأدب الإسلامي العالمية في بيان لها: “بقلوب خاشعة، وعيون دامعة، ونفوس راضية بقضاء الله تعالى نعزي جميع أعضاء رابطة الأدب الإسلامي العالمية في وفاة رئيسها سماحة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي، كما نعزي كل محبي الأدب الإسلامي، ونعزي مسلمي شبه القارة الهندية، في رجل طالما وقف مدافعا عنهم، خادما لقضيتهم. ونعزي الأمة الإسلامية قاطبة في عالم عامل، وأحد أعلامها المخلصين الذين  سخروا فكرهم وأدبهم لخدمة أمتهم إلى أن وافاه قضاء الله المحتوم”.(١)

              و يقول فيه سعادة الدكتور خالد حسن هنداوي (رئيس رابطة الأدب الإسلامي، الدوحة، قطر): “ولعل أهم ما يميز فقيدنا الغالي العظيم بعض جوانب فريدة في حياته المفعمة بالعمل المثمر الجاد لخدمة الدين والفكر والأدب والتربية والأخلاق، حتى ظهر و برز فيها      كوحيدٍ من الأعلام مع وجود الكثيرين منهم من أقرانهم الفضلاء” (٢)

              و يقول وصفي عاشور أبو زيد (أكاديمي مصري، و أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية): “بوفاة الإمام محمد الرابع الحسني الندوي تفقد شبه القارة الهندية والأمة الإسلامية كلها علما كبيرا من أعلامها، وعلامة عظيمة من علامات العلم فيها، تُنتقص الأرض بذهابها، ويقبض العلم بقبضها”. (٣).

             يقول الدكتور سعيد  الرحمن الأعظمي الندوي (مدير دار العلوم التابعة لندوة العلماء، لكناؤ): “كان الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي يجمع في شخصيته صفات متنوعةً ومزايا مختلفةً، فكان في جانب عالماً ربانيا ، وقائداً دينياً، وأستاذاً شفوقاً، وواعظاً قديراً، وصحافياً بارعاً، وإدارياً خبيراً. وفي جانب آخر كان متميزاً بمكارم الأخلاق، وكانت مشوراته السديدة، وأقضيته المبرمة تقود الأمة الإسلامية الهندية على خطى حثيثة، وكان سكوته مثل البحر، وتواضعه مثل الأرض، وقوته وصلابته مثل الجبل، وعلو همته مثل السماء، ففاق بهذه الميزات بين أقرانه، وليس في عصره من يشاركه في هذه الصفات.” (٤)

          وعن عظم خلقه وزهده يتحدث الشيخ خليل الرحمن سجاد النعماني (رئيس تحرير مجلة الفرقان الغراء، لكناؤ) قائلًا:

             “كان أستاذنا وشيخنا خير خلف لخير سلف، كان صنو خاله العظيم في زهده وصلاحه وورعه، رغم مما يحمل من مناصب جليلة، كان متواضعاً، صغيراً في عينيه، زاهداً في حطام الدنيا، معرضاً عن زخارفها، طامعا في الآخرة ونعيمها، مخلصاً لدينه وأمته، كلما زاد مجده وتضاعفت مسؤولياته وانتشر صيته وعظم احترامه وتقديره على مستوى الهند والعالم، كنت رأيت أن زهده و وعزلته وإقباله بعلو همته على الله تعالى قد ازداد مع مرور الزمن، وحينما كان في الأربعين من عمره كان يقول والدي للإمام الندوي:”أشهد على نفسي أن الشيخ محمد الرابع ولي شاب” قبل أيام من رمضان سعدت بلقائه، وكان هذا اللقاء لقاء أخيرا، وكان في غاية من القلق والتألم لأمور الدين والتحرق للأمة على أوضاعها الشرسة، فقلت مسلياً له وغاضا عما يجيش في قلبه من الكآبة والحزن سيدي: كنت أسمع في صباي من والدي، وهذا الذي سمعت منه مرات قائلاً: “أن الأستاذ السيد محمد الرابع ولي شاب”، فامتلأت عيناه بالدموع متأسفاً وقال في حزن: “أعطاني الله فرصاً كثيرة وكان في وسعي أن أكون عظيماً وأنجز أعمالاً جليلة ولكن ما استطعت أن أفعل شيئا” (٥)

يقول الشاعر الأزهري: محمد المعصراني في رثاء المغفور له بإذن الله تعالى محمد الرابع الحسني الندوي:

و فقدك فقد للمعالي و للمنى

و هل بعد هذا الفقد ترجى المناهل

فراقك يا مولاي فرقة أمة

و ليس لأيام الفراق سواحل

تركت فراغاً هائلاً لا يسده

سواك، فأيامي عليك ثواكل (٦)

وفاة الشيخ: حادثة فاجعة

             رحل عنا عالمنا النحرير وقائدنا الحكيم في يوم الخميس ٢١ من رمضان المبارك ١٤٤٤هـ الموافق ١٣ من أبريل ٢٠٢٣م هي أقسى لحظات الوداع والفراق، التي تسجل وتختزن في القلب والذاكرة، وكم نشعر بالحزن وفداحة الخسارة والفجيعة، ونختنق بالدموع، ونحن نودع واحداً من المعلمين الأفاضل اللذين وقفوا جل حياتهم على نشر العلم والدعوة إلى الله وتربية الأجيال، وأضاؤوا سماء العلم والمعرفة، أستاذنا جميعاً، المربي المرحوم الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي، الذي فارق الدنيا، بعد مسيرة عطاء عريضة، ومشوار حياة في السلك التعليمي والعمل التربوي والاجتماعي والثقافي، تاركاً سيرة عطرة، وذكرى طيبة، وروحاً نقية.

               فيا أيها الإنسان الطيب، والمعلم المخلص، ويا نبع العطاء والنهر المتدفق حباً لعملك، يعز علينا فراقك، في وقت نحتاج فيه إلى أمثالك من الرجال الأوفياء الصادقين والعلماء المخلصين، ومهما كتبنا من كلمات رثاء، وسطرنا من حروف حزينة باكية، لن نوفيك حقك لما قدمته من علم ووقت وجهد وتفانٍ في سبيل طلاب ورجال المستقبل والغد، وعلمتنا من أخلاق وقيم فاضلة، وغرست فينا حب العلم والمعرفة، ونميت في أعماقنا قيم المحبة والخير والانتماء.

             عرفنا الفقيد معلماً هادئاً، متسامحاً، راضياً، قنوعاً، وودوداً لطيفاً حميماً مع جميع الطلاب، ومحل محبة وتقدير واحترام كلّ من عرفه، قريب مِن قلوب الجميع، ويفيض إنسانية ومكارم أخلاق، بذل في سبيل التربية والتعليم عمره وطاقته، نبراساً وعلماً، وصاحب السيرة العطرة.

              سبعون عاما أمضاها في دار العلوم، التي شرفها وتشرفت به، فكان رسول علم ومعرفة، وجدول عطاء وتضحية، ونعم المعلم والمدير والرئيس والأب الحنون والأخ الودود والصديق الصدوق. فكان قدوة ونموذجاً ومثلاً يحتذى في البساطة والوداعة والرقة والعطف والحنان وعمل الخير وسمو الأخلاق وطهارة النفس والروح ونقاء القلب والعفوية والتسامح. وأعطى كل ما لديه بلا حدود، ودون كلل أو ملل.

             لقد غيب الموت أستاذنا ومعلمنا الحبيب الغالي، ومديرنا الوفي جسداً، لكنه سيبقى في قلوبنا ما بقينا على قيد هذه الحياة، وستبقى بصماتك شاهدة على ما بذلت وقدمت، ويبقى إسمك ما بقيت الدنيا والحياة، سوف تبقى كلماتك أيها المربي الراحل، تنير درب الأجيال، محفورة في وِجداننا، نتذكرك ولا ننسى أبداً. ولن ننساك، وسيظل بأعمالك ومآثرك وسيرتك نبراساً وقدوة لنا.

              نم مرتاح البال والضمير، فقد أديت الأمانة وقمت بدورك على أحسن وجه، والرجال الصادقون أمثالك لا يموتون. وما لي في وقفة الوداع سوى هذين البيتين من الشعر قالهما شاعر النيل حافظ إبراهيم في رثاء صديقه أمير الشعراء أحمد شوقي:

خَلَّفتَ في الدُنيا بَياناً خالِداً

وَتَرَكتَ أَجيالاً مِنَ الأَبناءِ

وَغَداً سَيَذكُرُكَ الزَمانُ وَلَم يَزَل

لِلدَهرِ إِنصافٌ وَحُسنُ جَزاءِ‏

هوامش المقال: 

١-https://www.adabislami.org/news/5574

٢-البعث الإسلامي؛ عدد ممتاز عن حياة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي، ص١٧

٣-https://alraid.in may-to-august-2023-63/

٤- https://albasulislami.com/%

٥- البعث الإسلامي؛ عدد ممتاز عن حياة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي، ص: ٦١-٦٢

٦- مرثيَةٌ إلى العلامة محمد الرابع الحسني الندوي https://alraid.in/may-to-august-2023-51

٧- أحمد شوقي في رثاء حافظ إبراهیم https://www.aldiwan.net/poem62927.

*(طالب في دار العلوم التابعة لندوة العلماء، لكناؤ)

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of