+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

التصور الإسلامي للأدب في فكر محمد الرابع الحسني الندوي: السياق الحضاري، والرؤية، والمنهجية
أ.د.مصطفى عطية جمعة

مقدمة

   يعدّ الشيخ محمد الحسني الندوي واحدا من مفكري الإسلام المعاصرين المبرزين، الذين جمعوا ما بين الثقافة الشرعية، والثقافة الأدبية، وتبدى ذلك في كتبه الكثيرة وبحوثه ومقالاته، الدالة على امتلاكه بوصلة تنظر لواقع الأمة الحالي، وتراثها العظيم، مستشرفة المستقبل في ضوء هوية الأمة وخصوصيتها الحضارية. فلم يكتفِ بالانكباب على العلم الشرعي، وأن يكون عالما داعيا، وإنما اتسم بالموسوعية الثرية، والسعي لاستنهاض الأمة، بجانب معرفته بالتحديات الحضارية، ودرايته بعلوم الآخر الغربي، وآدابه. ومن هنا تشكلّ منظوره الأدبي، الذي دعّم مذهب الأدب الإسلامي، خاصة أنه ينتمي إلى واحد من أبرز المجامع الإسلامية في الهند، وهو المجمع الإسلامي العلمي، بمدينة لكهنؤ، وكان حريصا على الكتابة بشكل دائم في مجلاته، وإصداراته المتعددة من الكتب والبحوث، كما أنه كان مجايلا لثلة العلماء في هذا المجمع، وفي مقدمتهم الشيخ أبو الحسن علي الندوي (1914-1999)، الذي دعا إلى تأسيس رابطة عالمية تعنى بالأدب الإسلامي؛ وقام على تنظيم مؤتمر باسم “الندوة العالميَّة للأدب الإسلامي”، والذي عُقِد في دار العلوم، بندوة العلماء، بلكهنو بالهند، أيام 19،18،17 من إبريل العام 1981م، وحضَر فيها مندوبو الجامعات والمراكز العلمية والأدبية مِن القارَّة الهندية والبلدان العربية والإسلامية، وتنادوا بأهمية ترجمة هذا الاتجاه إلى ميثاق فكري، يتم تحويله إلى برنامج عمل مؤسسي، لتنظيم جهود الأدباء والنقاد من أجل العناية بهذا الأدب، في خضم تصارع تيارات أدبية وفكرية علمانية على الساحة الثقافية والإبداعية في العالم الإسلامي.

   في ضوء ذلك، تأتي هذه الدراسة، ساعية إلى تسليط الضوء على فكر الشيخ محمد الحسني الندوي، بوصفه واحدا من منظري الأدب الإسلامي، وتقرأ نتاجه التنظيري والنقدي في ضوء وعيه الكامل بالتحديات الحضارية التي تواجه الأمة وثقافتها.

  وقد تدرجت منهجية الدراسة من العام إلى الخاص، لمناقشة السياق الفكري والتاريخي لفكر الحسني الندوي، وصولا للوقوف على أبرز سماته؛ وذلك في ثلاثة محاور. تناول المحور الأول أزمة المذهبية الأدبية في العصر الحديث، وتبنّي الأدباء العرب والمسلمين لطروحات تغريبية، بوصفها سبلا للنهضة والتقدم، وإعلائهم من النموذج الحضاري الغربي. أما المحور الثاني فقد تطرق إلى رؤية الشيخ الندوي الواسعة لرسالة الأدب حضاريا، في حين ركّز المحور الثالث على تناول معالم التنظير للأدب الإسلامي في فكر الندوي.

أزمة المذهبية الأدبية في العصر الحديث:

   عندما تُطرَحُ قضية المذهبية الأدبية، تتبادر إلى الذهن، مصطلحات عديدة مثل الكلاسيكية، والرومانسية، والواقعية، والسيريالية، والرمزية، وأدب اللامعقول، وكلها تشير إلى أشكال أدبية: شعرية أو سردية أو نثرية، تحمل سمات جمالية، وأبعادا فكرية بعينها، فلا يتصور أحدٌ أن المذهبية الأدبية هي مسألة شكلانية فحسب، وإنما هي قضية فكرية في الأساس، أي هناك توجهات وأفكار وقناعات ينطلق منها المبدع، في إبداعاته، يعرّفها محمد مندور بأنها ” حالات نفسية ولّدتها حوادث التاريخ، وملابسات الحياة في العصور المختلفة، وجاء الكتّاب والنقّاد، فوضعوا للتعبير عن هذه الحالات النفسية أصولا وقواعد يتكون من مجموعها المذهب، أو ثاروا على هذه القواعد والأصول لكي يتحرروا منها، وبذلك خلقوا مذهبا جديدا على نحو ما ثار الرومانتيكيون على الكلاسيكية”([1])، فالكتّاب المبدعون هم بين ثورة على مذهب قديم، سئموا منه، ورأوا أنه لا يلبي حاجات الجماهير الأدبية، أو بين وضع مذهب جديد، يستقي رؤاه من تطور أو نزعة أو تيار أو توجه فكري مستحدث.

  ونرى أن مفهوم “الحالات النفسية” الذي يشير إليه مندور إنما هو نتيجة، وليس سببا، بمعنى أن هناك جملة من العوامل والأبعاد الفكرية والاجتماعية والسياسية التي شكّلت هذه الحالات النفسية، وإذا أخذنا مذهب الرومانسية في الأدب والفن، الذي أشار إليه مندور، سنجد أنه ناتج عن سبب سياسي مباشر، ألا وهو هزيمة نابليون، وفشل الثورة الفرنسية في الوصول إلى الجمهورية، وتحقيق شعاراتها المرفوعة عن الحرية والإخاء والمساواة، وتحوّل الجمهورية إلى امبراطورية، مع التنبيه إلى أن هناك عقودا طويلة سبقت هذه الثورة، تبدأ من القرن الثامن عشر، حيث شاعت أفكار فلسفية، تمرّدت على قيود الدين، وعلى تقاليد الآداب الأوروبية المستوحاة من التراث اليوناني واللاتيني، وما فيها من شكلية جمالية، وتقديس للتقاليد الاجتماعية، والنظم السياسية الملكية، وأفكار فلسفية تنتصر للعقل على حساب العاطفة، مما أدى إلى نزعة روحانية مضادة، تسعى إلى الانتصار للعاطفة والوجدان والقلب على الحسابات العقلانية، وراح الشعراء والكتّاب يتغنون بالطبيعة([2])، وما فيها من صفاء ونقاء وهدوء، ويرون أن عاطفة الحب أسمى ما في الوجود، وعلى الإنسان أن يعشق، ويرتبط بمَن عشق، متحديا التقاليد الاجتماعية، التي ترى الحب انحرافا، وترى أن الزواج لابد أن يكون على أسس عقلية، تأخذ في حسابها الأصل والنسب والمستوى الاجتماعي والمادي، وتتجاهل ما يهفو له القلب، إنها ثورة ضد قيود العقل والمجتمع.

   إذن، لابد من استحضار الأساس الفكري في المذهبية الأدبية، فلا يمكن أن يبدع الأديب بدون مرجعية فكرية، ونفسية، وجمالية، يصوغ من خلالها إبداعاته. ولذا، وجدنا أن جلّ المبدعين العباقرة قديما وحديثا، كانوا على درجة رفيعة من الفكر والثقافة، بجانب قراءتهم لهويّة مجتمعاتهم، وحاجة الشعوب التي ينتمون إليها إلى أشكال أدبية تشبع ذائقتهم، وتعبر عن نفسياتهم الفردية والاجتماعية، آلاما وأحلاما.

   لقد اشتعلت قضية المذهبية الأدبية في العصر الحديث في عالمنا العربي والإسلامي بفعل عوامل عديدة، أبرزها حالة التراجع الحضاري العام للمسلمين، في مقابل التمدد الاستعماري، والاستعلاء الأوروبي، وما نتج عنه من غزو فكري وثقافي واجتماعي، متوازيا مع الحملات العسكرية، والصراع السياسي الموجه ضد أقطار العالم الإسلامي. وبعبارة أخرى: إن المذهبية الأدبية كانت وجها من وجوه الصراع الحضاري والغزو الفكري للحياة الثقافية والأدبية في العالم العربي والإسلامي.

   يضاف لذلك، ظهور جملة من التيارات الفلسفية، التي وُصِفَت بالإيديولوجيات الشاملة، مثل الماركسية، والليبرالية، والقومية، والفاشية، ناهيك عن فلسفات الحداثة وما بعد الحداثة، وفلسفات النسوية وما بعدها، وقبل هذا كله، كانت أفكار التنوير الغربي، والفلسفات العلمانية، التي تنتصر وتنحاز للذات الإنسانية ورغائبها، ضد ما توهمت أنه يعاديها، وتحديدا ضد الكنيسة الغربية، وما ألزمت به أتباعها من أفكار.

    فكان المشهد الفكري والثقافي والأدبي في الساحة الثقافية الإسلامية أشبه بالميدان الفسيح، المكتظ بحملة الرايات والأعلام، وأسفل كل راية، هناك جماعة فكرية، تطرح رؤى وفلسفات مستقاة من الغرب، وترى أنها الملاذ، والسبيل، كي يخرج المسلمون من تأخرهم الحضاري عامة، وتراجعهم الأدبي خاصة، وكلها وإن تباينت أفكارها وفلسفاتها، تلتقي في مرجعياتها الغربية ذات التوجه العلماني، سواء كان الفكر اشتراكيا، أو ليبراليا، أو قوميا، أو كانت الشعارات المرفوعة تتغنى بالحريات والتقدم، وكلها تتفق على وجوب أن يلحق العرب والمسلمون بركب الحضارة الغربية الحديثة، بأن يتبنّوا كلَّ مرجعيات الغرب: فكريا، واجتماعيا، وسياسيا، وتقنيا، ومن هنا جاءت الأزمة، بين هوية موروثة، وثقافة غازية.

   وهو ما أشار إليه الأديب يوسف الخال بقوله: “كانت القضية المصيرية التي تجابه العرب اليوم، على اختلاف بيئاتهم، هي: كيف ننشئ مجتمعا حديثا في عالم حديث؟ هذا التناقض بين كوننا شكلا في العالم الحديث، وكوننا جوهرا في خارجه؛ يضطرنا إلى معاناة قضايا مجتمع قديم في عالم حديث، ومعاناة قضايا عالم حديث في مجتمع قديم. ففي التعبير عن معاناتنا تلك، نعرض أنفسنا لإنتاج أدب يجده القارئ الحديث بعيدا عن قضاياه ومشكلاته، وفي التعبير عن معاناتنا الأخرى نعرض أنفسنا لإنتاج أدب يجده القارئ العربي مستوردا غريبا([3]).

  أي أن معركة الحداثة والتحديث فرضت نفسها على الساحة الأدبية، عندما وجد القارئ العربي المعاصر؛ أن ما يقرأه من أدب، يكاد يشبه الآداب الأوروبية الغربية المترجمة، وأن المبدعين العرب صاروا يمتاحون (يقلّدون) من الآداب الأوروبية، مثل القص والرواية والشعر والمسرح، ناهيك عن سائر الفنون المرئية مثل الفن التشكيلي والسينما، وكأننا في لهاث من أجل اللحاق بركب الغرب، فكرا وإبداعا وفنونا.

   فتبارى المبدعون العرب في الاستفادة من الأشكال الإبداعية الغربية: الرواية، والقصة، وقصيدة التفعيلة، والمسرح.. إلخ، سعى بعضهم إلى أنها مجرد شكل أدبي، ووسيلة تعبير، عن مكنون الذات العربية، وهمومها، وأمنياتها، وأكثريتهم تأثّر كامل التأثر بالنموذج الغربي وفلسفاته، وتبنّاه في رؤاه، من أجل حلّ قضايا النهضة والمشكلات في المجتمعات العربية، فعلى سبيل المثال، كان نموذج المرأة الغربية هو المطروح لتقتدي به المرأة العربية والمسلمة، بكل ما فيه من تغريب للهوية والملبس والأفكار والتقاليد، والأمر ذاته مع نموذج المثقف التغييري في مجتمعه.

  ونرى أن كل ما تقدم من صدمة حضارية، وانبهار أدبي، كان منطقيا، بل لابد من حدوثه، ذلك أنه لا يمكن إنكار التقدم الحضاري الغربي الهائل، في كافة المستويات، وكان من البدهي أيضا أن يتم استحضار نموذج للنهضة، يتخذه الأدباء والمثقفون نبراسا لهم، في ضوء غياب – أو تغييب – أي نموذج إسلامي نهضوي، يمكن الاسترشاد به، والترويج المستمر للنموذج الغربي حضاريا واستعماريا، عبر مؤسسات وهيئات ودوائر ثقافية وفكرية، وجدت التمويل والدعم السخي من الغرب الاستعماري.

   وفي هذا السياق، نود التأكيد على أن انتقادنا لهذه الصدمة الحضارية؛ لا يعني المعاداة والرفض، وإنما ننادي بأهمية تفعيل المثاقفة الحضارية، والاستفادة الإبداعية، من باب التلاقح الحضاري، ومن باب الرغبة في تحقيق الذات الحضارية الإسلامية والعربية على مستوى العالم، ومواكبة العصر، خاصة في ضوء وجود أشكال أدبية وإبداعية جديدة، وجدت جمهورا واسعا لها، وساهمت في تغيير ذائقة القارئ العربي المعاصر، الذي قرأ الروايات والمسرحيات والأشعار الغربية، وتلقّاها بترحاب، بفعل حركة الترجمة الواسعة، التي ظهرت في آلاف العناوين، تحمل شتى صنوف المعرفة، والتي لا يمكن تجاهلها، ولا تجاهل تأثيرها، على المتلقي والمبدع العربيين على حد سواء. كما أن المبدعين العرب ما كانوا ليستمروا على نفس الأشكال الإبداعية التراثية، مثل القصيدة الكلاسيكية بأغراضها التقليدية، أو المقامة السردية، أو السير الشعبية، مع كامل التقدير لهذه الإبداعات التراثية، وثرائها، وما أدّته من أدوار في إشباع الذائقة الفردية والمجتمعية في تاريخ الحضارة الإسلامية.

  فالإبداعات التراثية أنتجتها المخيلة الإبداعية العربية والإسلامية إبان ظروف تاريخية معينة، ووجدت تلقيا مرحّبا بها من عامة الناس وخاصتهم، ولكن الأمر في العصر الحديث اختلف، مع تغير الذائقة، والثقافة، وظهور أشكال إبداعية جديدة، فكان من الضروري الإفادة من هذا المنجز الإبداعي، من قبل الأدباء العرب، بكل ما يحمله ذلك من تأثر واقتباس، وما يتسرب من خلاله من أفكار تغريبية تهدد الهوية.

الشيخ الندوي ورؤيته الإسلامية الحضارية للأدب:

   إن الناظر إلى الكتابات الأدبية والتنظيرية للشيخ محمد الرابع الحسني الندوي (1929-2023)، وما أكثرها؛ يلاحظ أن رؤيته جمعت ما بين الواقعية، والعقلانية، واستشراف المستقبل في ضوء هوية الأمة المسلمة، وهو ما نلمسه في كتبه، التي أفاض فيها بالحديث عن أزمة الأمة الحضارية والنفسية، وسبل الخروج منها، استنادا إلى الهوية الإسلامية الجامعة، واللغة العربية بوصفها لغتها الحضارية الثرية.

    حيث يرصد كيف أن سلطات الاستعمار الغربي والمنظمات التبشيرية عمدت إلى إذابة المعنويات الإسلامية، وتسريب أفكار وتصورات معارضة للتصورات الإسلامية الصحيحة، فمزقت العالم الإسلامي إلى شعوب متعصبة لوحداتها المحلية، وأثارت فيها المخاصمات والمشاحنات، على حدود مصنوعة من قبل أذناب المستعمر، كما دفعت النخب  الفكرية الإسلامية للمناداة بمذاهب وفلسفات غربية وافدة، واستخدمت في ذلك وسائل شتى، منها الإعلام، والمؤسسات التربوية، والجامعات، ومؤثرات الأدب والثقافة الحديثة الخلابة([4])، ونجحت إلى حد بعيد في التأثير على عامة الناس وخاصتهم، فأضحى المسلم المعاصر ممزقا نفسيا، بين هوية حضارية إسلامية، لها منظومتها الأخلاقية، وقيمها الاجتماعية، وبين غزو فكري وثقافي على مدار الساعة، بآليات ووسائل برّاقة، فكان لابد من وقفة من قبل العلماء والمصلحين ذوي التوجه الإسلامي، كي يضعوا النقاط على الحروف، خاصة أن المعركة الفكرية تجري على أراض إسلامية، وبين المسلمين أنفسهم.

   فكان من الضروري على العلماء والدعاة؛ التحوّل إلى الفعل، وعدم الاكتفاء بالشكوى، من خلال إيجاد طليعة مثقفة مسلمة، “تتوغل في أوساط الأدب المتحكمة في الاتجاهات الأدبية، والحوار مع الأدباء العلمانيين، وإقناعهم بصلاحية الإسلام لمواكبة الحياة الجديدة..، فالظروف الحالية في العالم الإسلامي هي ظروف حالكة، وأكبر سبب في ذلك غفلة أكثرنا في اختيار الطرق العملية الجادة التي تحتاج إلى الجهد الصامت، لا الكلام والاحتجاجات والمناقشات العنادية وحدها”([5]).

   إنها رؤية تتوجه إلى نخبة العلماء المسلمين، تدعوهم إلى التفاعل الإيجابي مع التيارات الأدبية والفكرية العلمانية، بالنقاش والحوار، وليس بالرفض والهجوم والقطيعة، وشتان بين الطريقتين، فالطريقة الأولى إيجابية عظيمة الثمرة، تقدم الإسلام بوصفه فكرا وهوية، أما الطريقة الثانية فتعني العزلة والسلبية والركون.

    إنه يستنهض العلماء والأدباء- ذوي التوجه الإسلامي- ليخوضوا غمار الأدب، في كافة أشكاله الحديثة، ليقدموا نماذج ونصوصا، تشبع الذات المسلمة أدبيا.

   ويعلل لدعوته هذه، في كتاب آخر، مشخصا الحالة الأدبية بدقة، فيقول:

 “جاء العصر الحديث، في وضع كانت آداب الشعوب الإسلامية قد أصيبت بالتخلف والجمود، وافتقرت إلى الحركة والانتعاش، وواجهت ثقافة الغرب المستعلي، وآدابه النابضة بالحركة والحياة؛ فهابتها، ولم يقف الأمر مهابتها، وإعجابها لها، بل تجاوزت إلى حالة مركب النقص أمامها، فكل ما عرضته الآداب الغربية في أشكال براقة، نال التقدير والإعجاب، بدون فحص وانتخاب”([6]).

    إنها رؤية تغوص في عمق الأزمة، فالندويّ يري الصورة بشكل كامل، فحالة الإبداع العربي الحديث كانت شبه متجمدة، على ما ورثه العرب والمسلمون من تراثهم، دون سعي إلى تغييره، في زمن كانت الإبداعات الغربية في حالة من الحيوية والتوهج، في تعبيرها عن الإنسان، وقضاياه، وأيضا في بنائها الجمالي والأسلوبي.

   والمفارقة أن تشخيص الندويّ جاء ضمن رؤية نفسية جمعية، عبر إشارته إلى مركب النقص الذي اعترى الأمة المسلمة نفسيا، فأدخلها في حالة أشبه بالاستلاب النفسي، مما جعلها تتلقى الآداب الغربية دون فحص، وتُعجَب بها دون غوص.

   ومع ذلك، يعود الندوي، ليشدد على ماهية الأدب، ورسالته، فيقول:” والأدب في كل أمة لا تنبثق مضامينه من حياة أمته فحسب، بل ويكون مرآة لها، فلابد فيه من التفريق بين الأصل منه، والمستورد، ولكن إذا اضطربت الموازين، بسبب تواضع الأصيل منه، أمام الدخيل؛ لانخذل أمام الوافد الجديد، فلابد لأصحاب العزيمة، والعقول الكبيرة، أن يقيموا سدًا، يمنع الفارة، ويحيط التراث الأصيل من الذوبان، ويربطوه بالمنابع الأصيلة الصافية، وهي للمسلمين كتاب ربهم، وكلام نبيّهم، وإبداعات سلفهم، وآرائهم القيمة، ويستعينوا بها لإعادة الصرح الإسلامي، تتكافأ فيه نماذج الأدب مع نماذج الآخرين، وتتميز فيه نماذجه على نماذج الآخرين”([7]).

   إنها رؤية مجملة، ولكن فيها الكثير مما يمكن استنباطه، وأهمُّه إعادة تموضع الأدب، ليكون تعبيرا عن روح الأمة، ومرايا لها، لا أن يصبح الأديب مجرد ناقل أو مقتبس من الآداب الغربية، مع النظر إلى “اضطراب الموازين” الذي يعني غياب المعيار الصحيح في تقييم الأدب، أمام حالة الانبهار بالإبداعات الغربية، خاصة إذا تواضع المنتج العربي الأصيل، أمام جماليات الإبداع الوافد وعمق طرحه الفكري.

   والحل –في منظور الندوي- يكمن في إقامة سد منيع، أمام تسرّب الفكر الغربي من خلال آدابه المترجمة، وأن يضطلع بهذا نخبة من العلماء أصحاب العزيمة والعقول والمواهب الكبيرة، بأن ينهلوا من مصادر الأمة الفكرية، وهي القرآن الكريم، ثم السنة المطهرة، ثم التراث الإبداعي والفكري والنقدي، وما فيه من آراء.

   وهو يلتقي هنا مع رؤية شكري عيّاد، الذي لا يرفض التغيير باسم الأصالة، فالإبداع لا ينبثق فجأة، فلابد أن تنهض القلة العالمة بالواجب الذي ننساه أو نتناساه، وهو واجب البحث العلمي، والذي يعني الصبر والمثابرة والموضوعية والأمانة، من أجل فهم التراث فهما مستقلا؛ مع تفعيل مبدأ المعاصرة، الذي يعني فهم واقع العصر، وعلومه، ولابد في هذا من الجمع بين الأصالة والمعاصرة، فلو تخصص أناس في التراث (الأصالة)، وآخرون في دراسة الثقافات الأجنبية (المعاصرة)، لتسرّب الأولون في الماضي، ولذابَ الآخرون في الأجنبي([8])، ويؤكد عيّاد أننا أمة تمتلك لغة وتراثا عظيما، لا يمكن إذابتهما، مثلما حدث مع لغات أخرى، فالعالم الذي نعيش فيه تسير آدابه نحو التوحّد أو بالأدق التلاقي، رغم الاختلافات بين أجزائه الكثيرة، ولكن لابد من التمسك بالخصوصية الثقافية([9]).

    فمن دعا إلى الأصالة في الأدب، عليه أن يكون متمكنا ومتبحرا علميا في تراثنا العربي والإسلامي، مع التسلح أيضا بالاطلاع والفهم للآداب الغربية، وبذلك يكون جامعا للحسنيين، لأن الأزمة ستظل مستمرة، إذا كان هناك من يتخصص في التراث، ولا يتجاوزه، فيظل حبيسا له، غير واعٍ لعلوم العصر، أو يهتم بالأدب الغربي فقط، فيصبح أسيرا للتصورات الفكرية الغربية، مروّجا لها، وربما يعادي الرؤية الإسلامية.

   والأمر -عند الندوي- لا يقتصر فقط على مواجهة الآداب الأجنبية، ولا على تعزيز الهوية الإسلامية، وإنما يتخطاه إلى إيصال رسالة الأمة المسلمة، لأنها “أمة شاهدة على شعوب العالم ومشرفة عليه، وتتركز مسؤولية شهادتها في شعوبها المعاصرة..، فهي ليست أمة محدودة ولا عاجزة، كما يتصور بعض الحاقدين في هذا المجال..، فلم تكن أمة تجدر بمكانة هذه الشهادة على الناس، وليست أجدر ولا أقدر من هذه الأمة المسلمة([10])، ولا يستغربن أحدٌ من هذه الدعوة، بأن تكون الأمة المسلمة شاهدة ومسؤولة عن نشر الخير والهداية لشعوب العالم، ولننظر إلى تباهي الاستعمار الغربي، بأنه يحمل رسالة التحضر والتمدين لشعوب العالم، وفي الحقيقة كانت رسالته تدميرية تخريبية، قائمة على نهب الموارد، وتخريب الهوية.

   والمسألة غير مقتصرة على الأدب فقط، فلا يمكن أن نسترجع هوية المجتمعات المسلمة، من خلال المؤلفات الأدبية وحدها، وإنما باستعادة المنظومة التربوية الإسلامية، بدون الاقتصار على التعليم الديني التقليدي، وإنما يكون التعليم شاملا للأدب واللغة والدين والأخلاق، مضافا لها المنطق والفلسفة والعلوم الحديثة([11])، فالقضية أكبر من جهود الأدباء، فهي استراتيجية حضارية مجتمعية شاملة.

الأدب الإسلامي في فكر الحسني الندوي:

ينطلق الحسن الندوي في رؤيته للأدب الإسلامي من منظور واسع، رحب، يضرب في جذور الثقافة العربية الإسلامية، فيؤكد أن تاريخنا العلمي والديني أساسه الكلمة البليغة، بما لها من تأثير، وأكبر دليل على ذلك هو القرآن الكريم، وما فيه من روعة بيانية، وجمال أدبي، فكل آية، وكل قصة قرآنية، تحوي ثروة أدبية ثرية، ويضاف لها الحديث الشريف، الذي ينهض دليلا على البلاغة النبوية، تفوق ما تشتمل عليه الكتب الأدبية، بل إن مواقف الرسول مع الشعراء دالة على عنايته بالأدب والإبداع([12]).

     وهذا ما ينبغي التأكيد عليه، فالأدب الإسلامي ليس مذهبا وليد العصر كما يقول الأدعياء، ويتحججون بأن هذا الاتجاه، نشأ كردة فعل ضد الآداب الغربية، ويشددون على أن الأدب لا دين له، وأن مسمى “الأدب الإسلامي”، سيشعل صراعا أدبيا دينيا، بأن ينادي النصارى بأدب مسيحي، واليهود بأدب يهودي، مفترضين أن الأدب يعبر عن فكر وفلسفة، وليس دينا. وهذا تصور خطأ في أساسه، لأن الأدب في جوهره يعبر عما تفور به النفوس من مشاعر وأحاسيس وأفكار، ويقدم صورة واقعية عن الأخلاق والمجتمع والناس، وبالتالي إذا كان المجتمع مسلما، فيجب أن يراعي الأديب هويته، وهو يعبر عنه، وأيضا يراعي المتلقي المسلم، الذي لا يريد أدبا ينتصر للإباحية، ويشرعن الشذوذ، ويغرق في نرجسية الإنسان، وغربته، وتخبطه في الحياة، وإنما يكون أدبا يعبر عن ذات مسلمة تنظر إلى الوجود نظرة شاملة، مستوحاة من العقيدة الإسلامية وتصوراتها عن رسالة الفرد في الكون، ودوره في العمران، مع الانتصار لكل لقيمة إنسانية وخيرية، وكما يذكر محمد قطب في كتابه منهج الفن الإسلامي عن التصور الإسلامي بأنه “تصور واسع شامل، يشمل حياة الإنسان كلها بجميع دقائقها وتفصيلاتها، وهو كذلك تصور متوازن..، ومن هذا الشمول والتوازن يمكن أن ينبثق فن إنساني رفيع، فن يشمل حياة الإنسان كلها، باطنها وظاهرها، ويشملها في عالم الضرورة القاهرة، وعالم الأشواق المرفرفة، في عالم الواقع وعالم المثال، في دينا الفرد وعالم الجماعة”([13]).

فالرؤية الإسلامية للأدب، ليست رؤية دينية كما يظن محدودو العقل، وإنما هي رؤية إنسانية، تشمل المسلم وغير المسلم، لأنها تنتصر للخيرية في مفهومها الشامل.

   ويفصّل الحسني الندوي تلك الرؤية عندما يقارن بين الأدب الإسلامي وغير الإسلامي، موضحا الاختلاف بينهماـ فالأول يعلي قيم الحياة الإنسانية، مميزا بين اللائق للإنسان وغير اللائق (القيم والسلوك)، فهو أدب ملتزم، ولكنه التزام مرن، متجدد، لا يعرف الجمود ولا التحجر. أما الأدب غير الإسلامي، فهو لا يبالي بمجالات العمل في الكون والحياة، يدخل في كل مكان، مثل البهيمة الهاملة، ترعى فيما تشاء، ولا تفرق بين الصافي والعفن، والطيب والخبيث. أما الأدب الإسلامي فلا يهتك العورات، ولا يبحث في المزابل، ولا يستثير الغرائز([14])، فهدفه سام راق.

   وقد جاءت نظرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى الأدب الجاهلي مثل نظرته إلى الناس جميعا، ففيهم خيار وشرار، فاعتنى الصحابة –ثم المفسرون واللغويون- بالشعر الجاهلي من أجل تفسير ألفاظ القرآن الكريم، وقبلوا من أشعار الجاهلية ما فيها من حكمة ورقي وبلاغة، ونأوا عما فيها من عصبية وهجاء وسخرية وتفاخر. فالأدب الإسلامي أدب بناء وإصلاح، لا يقبل أن يكون الأديب المسلم سببا في هدم قيم الإنسانية، وإفساد النفوس، لذا، فإن الأدب الإسلامي يأتي على قسمين: الأول هو أدب الدعوة الإسلامية، الذي يعضد الدعوة، وينشر رؤاها، وينتصر لفكرها، ويتضمن هذا الأدب كل الأدعية والابتهالات والأشعار التي ترفع راية الإسلام وتعززه في النفوس. أما القسم الثاني فهو يتصل بالحياة الإنسانية العامة، وقد يخلو من شعار إسلامي واضح، ولكنه يأتي ضمن المنظور الإسلامي العام([15]).

  وهي رؤية شاملة، دالة على وعي الحسني الندوي برسالة الأدب إسلاميا، ورسالة الأدب حياتيا في التصور الإسلامي العام، وللأسف فإن البعض يرفض هذا التوجه، مدعيا أن الشعر الذي ينتصر للدعوة الإسلامية هو شعر خطابيّ تقريري، ضعيف فنيا وبلاغيا، ويتهم منظّري الأدب الإسلامي بأنهم يقدمون أدبا ركيكا من الناحية الفنية، وهنا نؤكد على أمر مهم، ألا وهو أن الأدب الإسلامي لا يعني أبدا الانتصار لكل نص أدبي يتبنى الفكر الإسلامي، على حساب المستوى الإبداعي، بل لابد أن يكون النص الأدبي مستوفيا للشروط الفنية والبلاغة الراقية، وقد أعجب الرسول (صلى الله عليه وسلم) بشعر كعب بن زهير، الذي أنشده ومدحه بقصيدة مطلعها غزل، لنتعلم منه أن ننحاز لكل ما هو جمالي وقيميّ، وبالتالي، نشدد على أهمية العناية بشكل أدب مكتوب بفنية عالية، وفي الوقت نفسه، نرفض أي نص أدبي، يكون ركيكا في صياغته، خطابيا في أسلوبه، تقريريا مباشرا في تعبيراته.

    ومن ناحية أخرى، فإن الأدب الإسلامي المنفتح على الحياة العامة، يعني النظر إلى الواقعية الحياتية في منظورها السامي، وكما يشرح محمد قطب، فإن الواقعية في منظور الفن الإسلامي لا ترسم صورة بيضاء مزورة للبشرية، ولا تقدم الإنسان على أنه بلا خطأ أو خطيئة، وإنما هي واقعية تحلل واقع البشر، وتنتصر لكل قيمة سامية، وتشير إلى لحظات الضعف والانحراف، وتدينها، وتنكرها، فالإنسان هنا، ضعف وسقط في الشهوات لأنه لم يرتقِ إلى الربانية، وإنما أخلد إلى الأرض([16]).

ولم يكتف الشيخ الندوي بالتنظير، وإنما عمد إلى التطبيق، ففي كتابه “تاريخ الأدب العربي: العصر الإسلامي”([17])، يقدم فيه قراءة شاملة، لواقع الأدب في العصر الجاهلي، ثم ما أحدثه الإسلام في النفوس من ثورة روحية، موضحا أن أمة العرب هي أمة الشعر والبلاغة، رغم غلبة الأمية عليها، وأن القرآن الكريم كان نموذجا معجزا في البلاغة والعقيدة والتشريع، وأن الإسلام غيّر الكثير من المفاهيم والأخلاق لدى العرب، فذمّ العصبية الجاهلية، والثأر، وامتدح أخلاق الشجاعة، والكرم، ونجدة الملهوف، وأدان النظر إلى المرأة بشهوة رخيصة، وأوضح أن الصحابة (عليهم الرضوان)، اعتنوا بالأدب غاية العناية، واحتفوا بكل شعر ينتصر للحكمة والأخلاق، وقد راح الشعراء يستلهمون معاني القرآن ويقتبسون من آياته في أشعارهم([18]).

   ولعل الإضافة الرائعة التي زادها الحسني الندوي، أنه أشار إلى ازدهار فن النثر بعد ظهور الإسلام، فالقرآن والحديث النبوي كلاهما نثر، ومع ذلك، كانا مثالين في كمال البلاغة، وهو ما يعني أن الإسلام لم يكتفِ بالإشادة بالشعر الراقي فحسب، وإنما كان له أكبر الأثر في تطوير الأشكال الأدبية، من خلال عنايته بالنثر، الأمر الذي ساهم في استحداث أشكال جديدة نثرية وسردية، مثل القصص والحكمة والخطبة، بل إن الصحابة (رضوان الله عليهم) قدموا نماذج نثرية رائعة، مثل خطب أبي بكر الصديق، ومقولات عمر بن الخطاب، وتوجياته لولاته وعماله، وخطبه شديدة البلاغة عميقة الدلالة، وأيضا وصاياه للرعية، وحواراته مع الناس. وكذلك النصوص الواردة عن الإمام علي بن أبي طالب، ما بين خطب وأشعار وحكمة([19]).

 وبذلك، ينهض الصف الأول من الصحابة الذين تربّوا في مدرسة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ليقدموا نماذج رائعة من الأدب نثرا وشعرا، مما يتوجب علينا النظر في هذا الأدب الراقي، واستلهام أبرز ما فيه من سمات فنية وبلاغية وفكرية، نقول ذلك، لكل من يتهم الأدب الإسلامي بأنه ظهر في العصر الحديث، وينسى أن الأدب الإسلامي ينبثق أولا وأخيرا من هدي الإسلام، وأن البيئة التي نزل فيها القرآن الكريم، وتحدث فيها الرسول (صلى الله عليه وسلم) كانت بيئة لغوية سامقة، وأن الصحابة من حول الرسول كانوا أدباء بلغاء، مما جعلهم متذوقين لإعجاز القرآن وبلاغة النبي.

  ويواصل الحسني الندوي تطبيقاته الأدبية، في كتابه “منثورات من أدب العرب”([20])، والذي قدّم له الشيخ أبو الحسن الندوي، الذي أشار إلى هدف الكتاب بتقديم نماذج من نصوص أدبية راقية، جمعت سمو الرسالة، وعلو البلاغة، وأنها تأتي لتوسّع دائرة الأشكال الأدبية التي يمكن أن ينهل منها طلاب العلم([21])، ويتذوقوا جمالياتها، ويدركوا أن الأدب الإسلامي له نماذج ونصوص رائعة، ولكن لم يتم تسليط الضوء عليها، نظرا لطغيان الأشكال الأدبية التغريبية، ويرد بشكل غير مباشر على مهاجمي الأدب الإسلامي، الذين يتهمونه بأنه يفتقد إلى نصوص سامقة، تدلل عليه. وإذا نظرنا إلى النصوص التي جمعها الندوي الحسني في الكتاب، سنجد أنه جمع ثلة من النصوص، أكد على أن جلّها نصوص نثرية، متنوعة في مصادرها، وفي أشكالها، وفي مضامينها، ما بين علمية، وحكمية، وتاريخية، ودينية، وأنها إسلامية النزعة، سلسة في أسلوبها وعباراتها([22]).

  ومن هذه النصوص، نصوص من السيرة النبوية، مثل: أصحاب الفيل، ومؤامرة قريش والنجاشي الكريم لابن هشام، ونصوص الكرم وإحياء الموءودات لأبي الفرج الأصبهاني، وتدبير حرب لابن المقفع، وخطاب القرآن لابن القيم، ومقال عن الشيخ أحمد السرهندي للعلامة عبد الحي الندوي، وبغداد لبطرس البستاني.

 وبذلك يجتمع المثال مع التطبيق، والرؤية مع النموذج، في كتب عديدة، عكف عليه الشيخ الحسني الندوي، كي يقدّم لأبناء الأمة نماذج تستلهمها في أدبياتها المعاصرة.

الخاتمة: في ختام هذه الدراسة، نستخلص ثلاث نتائج:

أولها: إن الدعوة إلى الأدب الإسلامي تأتي من أجل مواجهة التيارات التغريبية الوافدة، والتي تستهدف تغيير الهوية الإسلامية، وتذويب الخصوصية الثقافية، من خلال أشكال أدبية ونصوص منها المترجمة، ومنها أشكال من إبداع الأدباء العرب.

ثانيها: لابد من قراءة الأدب الإسلامي في منظور فكري شامل، ينظر إلى رسالة الإنسان المسلم في الحياة، ودوره في خلافة الله على الأرض، وسعيه إلى العمران ونشر الخير، فهي رسالة إنسانية في أساسها، ولا تقتصر على مفهوم الأدب الديني.

ثالثها: قدّم الشيخ الحسني الندوي نموذجا فريدا في التنظير للأدب الإسلامي، والملمح اللافت في مؤلفاته أن المثال يحضر مع المفهوم، وأنه انتصر للأشكال النثرية المتنوعة، ما بين خطبة وحكمة وسرد ومواعظ ومواقف، بما يعني أنه يحتفي بكل أدب بليغ، أيا كان شكله، بما يعني أن مختلف النصوص في تراثنا العربي هي أشكال أدبية يمكن استلهامها في عصرنا، ومثلما أبدع قدماؤنا في أدبياتهم، على المعاصرين أيضا أن يبدعوا، فكل أمة تبدع نصوصها، في ضوء حاجاتها الجمالية.

هوامش المقال: 

[1]) في الأدب والنقد، د. محمد مندور، مؤسسة هنداوي للطبع والنشر، القاهرة، 2022، ص68.

[2]) المرجع السابق، ص73.

[3]) الحداثة في الشعر، يوسف الخال، دار الطليعة، بيروت، 1978، ص5، 6.

[4]) العالم الإسلامي اليوم: قضايا وحلول، محمد الرابع الحسني الندوي، مطبوعات المجمع الإسلامي العلمي، لكناؤ، الهند، ط2، 2022، ص51.

[5]) المرجع السابق، ص93.

[6]) أضواء على الأدب الإسلامي، محمد الرابع الحسني الندوي، مطبوعات المجمع الإسلامي العلمي، لكناؤ، الهند، ط2، 2017، ص6.

[7]) المرجع السابق، ص7.

[8]) المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب والغربيين، د. شكري محمد عيّاد، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1993، ص14.

[9]) المرجع السابق، ص15، 16.

[10]) قيمة الأمة الإسلامية: منجزاتها وواقعها المعاصر، محمد الرابع الحسني الندوي، مطبوعات المجمع الإسلامي العلمي، لكناؤ، الهند، ط2، 2002، ص35، 36.

[11]) مقالات في التربية والمجتمع، محمد الرابع الحسني الندوي، مطبوعات المجمع الإسلامي العلمي، لكناؤ، الهند، ط2، 2004، ص63.

[12]) أضواء على الأدب الإسلامي، ص12، 13.

[13]) منهج الفن الإسلامي، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، د ت، ص44، 45.

[14]) الأدب الإسلامي وصلته بالحياة، محمد الحسني الندوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1985، ص20.

[15]) المرجع السابق، ص26، 27.

[16]) منهج الفن الإسلامي، محمد قطب، ص57.

[17]) تاريخ الأدب العربي: العصر الإسلامي، محمد الحسني الندوي، مؤسسة الصحافة والنشر، ندوة العلماء، لكهنؤ، الهند، ط2، 1998.

[18]) المرجع السابق، ص21- 39.

[19]) المرجع السابق، ص40 – 60.

[20]) منثورات من أدب العرب، محمد الحسني الندوي، مؤسسة الصحافة والنشر، ندوة العلماء، لكهنؤ، الهند،2012.

[21]) المرجع السابق، ص5، 6.

[22]) المرجع السابق، ص15، (مقدمة الحسن الندوي للكتاب).

المصادر والمراجع

-الأدب الإسلامي وصلته بالحياة، محمد الحسني الندوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1985.

– أضواء على الأدب الإسلامي، محمد الرابع الحسني الندوي، مطبوعات المجمع الإسلامي العلمي، لكهنؤ، الهند، ط2، 2017.

-تاريخ الأدب العربي: العصر الإسلامي، محمد الحسني الندوي، مؤسسة الصحافة والنشر، ندوة العلماء، لكهنؤ، الهند، ط2، 1998.

-الحداثة في الشعر، يوسف الخال، دار الطليعة، بيروت، 1978.

-العالم الإسلامي اليوم: قضايا وحلول، محمد الرابع الحسني الندوي، مطبوعات المجمع الإسلامي العلمي، لكهنؤ، الهند، ط2، 2022.

-في الأدب والنقد، د. محمد مندور، مؤسسة هنداوي للطبع والنشر، القاهرة، 2022.

-قيمة الأمة الإسلامية: منجزاتها وواقعها المعاصر، محمد الرابع الحسني الندوي، مطبوعات المجمع الإسلامي العلمي، لكهنؤ، الهند، ط2، 2002.

-المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب والغربيين، د. شكري محمد عيّاد، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1993.

-مقالات في التربية والمجتمع، محمد الرابع الحسني الندوي، مطبوعات المجمع الإسلامي العلمي، لكهنؤ، الهند، ط2، 2004.

-منثورات من أدب العرب، محمد الحسني الندوي، مؤسسة الصحافة والنشر، ندوة العلماء، لكهنؤ، الهند،2012.

-منهج الفن الإسلامي، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، د ت.

*أستاذ الأدب العربي والنقد والإسلاميات، الجامعة الإسلامية مينيسوتا، والجامعة الأمريكية المفتوحة، ومحاضر بكلية التربية الأساسية، بالكويت

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of