+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

فاعلية الخطاب اللساني في ضوء المناهج التعليمية 
الدكتورة مجاهد صفاء

الملخص:

    لعل من أهم الفروع التي تحتاج إلى تحقيق التواصل بين الأفراد ما يندرج ضمن العملية التعليمة بين المعلم والمتعلم، وذلك من خلال تطبيق المناهج التعليمية وتبادل الخبرات من أجل خلق التواصل المعرفي وفتح أسلوب النقاش وإزالة الحاجز الوهمي الذي يكبح تطوير أسلوب الحوار والتخاطب الفعال بينهم.

فلقد أسهمت المناهج الدراسية إلى حد كبير في ربط المتعلم بثقافة مجتمعه وفكره واتجاهاته ومعاييره الدينية والأخلاقية، فالمناهج هي مصدر القوة لأي أمة، فمن خلالها يتم تهيئة الأفراد روحياً وعقلياً وجسدياً، لحفز طاقتهم واتجاهاتهم و دوافعهم وميولهم، واستثمارها الاستثمار الأمثل لتحقيق أهداف وتطلعات المجتمع، والدليل على ذلك النهضة التنموية التي حدثت في عدد من الدول، والتي عملت على فحص مناهجها وتقويمها ودراسة مكامن القوة والضعف فيها لتطويرها وتعديلها بما يحقق أهداف خططها التنموية في مختلف المجالات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية.

فمن خلال هذه الورقة البحثية، سنسعى إلى إبراز كيفية خلق روح التواصل بين المعلم والمتعلم في ضوء المناهج التعليمية، وهل هناك صعوبات وعراقيل تكبح هذا الفعل اللساني ؟

   الكلمات المفتاحية : الخطاب اللساني، المناهج التعليمية، المعلم ،المتعلم.

      بدأ تحليل الخطاب يستقطب فروع اللسانيات المتخصصة، وصار يوظفها توظيفا خالصا لبناء منظومته المعرفية بإطارها النظري والتطبيقي، ذلك أنه مجال معرفي حاضر في كل زمان ومكان ويمارسه الناس يوميا في معظم فعاليات حياتهم وممارستهم القولية والفعلية بدءا بالعلماء وانتهاء بعامة الناس.

     وإذا كان كثير من الناس يحللون ما يسمعونه وما يقرأونه دون وعي بأنهم يمارسون تفكيك خطابات الآخرين فإن الغالبية من المثقفين والمفكرين يدركون ذلك، ولكن على غير وعي منهم بأدوات تحليل الخطاب المنهجية الداخلية المضمونية والخارجية الشكلية، فيكون بذلك قد استمد منزلته من موارده المتعددة من بينها: اللسانيات بشقيها النظري والتطبيقي، علم الاجتماع، علم النفس، الفلسفة والمنطق، الذكاء الاصطناعي، الاتصال والاعلام …وغيرها.

فقبل التطرق إلى صلب الدراسة لابد من الوقوف على مفهوم تحليل الخطاب، لكن كل على شاكلته باعتبار التركيب يحمل مفردتين الأولى التحليل والثانية الخطاب .

مفهوم الخطاب: (discours) 

-لغة: جاء في لسان العرب لابن منظور في مفهوم الخطاب:” هو مراجعة الكلام، وقد خاطبه بالكلام مخاطبة، وخطابا وهما يتخاطبان ” (1)

من خلال هذا التعريف، نلحظ أن ابن منظور قد اقتصر على اللغة المنطوقة فقط ، أما من الجانب الاصطلاحي فقد حظي بتعريفات متعددة على حسب تنوع التخصصات وزوايا الرؤيا، مما جعل العديد من الباحثين –في نية تحديد مفهوم له- مقابلته بمصطلحات أخرى عديدة : كالكلام ،الملفوظ ،النص، اللغة، القصد، المجتمع،…الخ هذا ما أكسبه جملة من المفاهيم ، فنجد مايكل شورت ( mecheal short) عرفه بقوله:” الخطاب اتصال لغوي، يعتبر صفقة بين المتكلم و المستمع ،نشاطا متبادلا بينهما، وتتوقف صيغته على غرضه الاجتماعي ” (2)

أما هاريس(Haris) فقد عرفه بأنه متوالية من الملفوظات ذات علاقات معينة ، فيما تكمن وجهة نظر بنفيستت(Benveniste)  بأن الخطاب هو ملفوظ منظور إليه من وجهة آليات وعمليات اشتغاله في التواصل (3) .

فالخطاب هو تجربة دينامية تساهم فيها أطراف متعددة عن طريق التفاعل، من أجل تحديد الأدوار: مؤلف، خطاب، قارئ، مستمع هذا الأخير الذي يسعى دائما- إلى تحليل الخطاب- من أجل الوصول به إلى أقصى حد ممكن من المقروئية وقوفا على كل الرؤى و البنى التي ساهمت في هذا النتاج الفكري /التواصلي المتنوع .                                                   

-التحليل:

ويعني لغة –الفتح- جاء في لسان العرب:” حل العقدة يحلها حلا: فتحها ونقضها فانحلت”(4) أي فككها، فالتحليل يعني التفكيك إلى مكونات جزئية تتيح لنا معرفة بنياته الداخلية وخارجية (الصغرى و الكبرى). 

أما عند النظر في مصطلح تحليل الخطاب (discours analysis) كتركيب فإنه              منهج علمي في دراسة النص المكتوب ، يعنى في إطاره العام بدراسة النص دراسة شكلية تحلل بنيته التركيبية وعناصر ترابطه وتماسكه على المستوى اللغوي الخالص ، ويعنى من ناحية أخرى بدراسة بنية النص المنطقية وانسجام قضاياه وترابطها الدلالي .             ولكن دراسة النص و الخطاب تجاوزت هذين البعدين إلى دراسة السياق و المقاصد و الغايات و الخلفيات الفكرية الكامنة في الخطاب . وقد أطلق هذا المصطلح في بدايته على تحليل الخطاب بوصفه دراسة للخطاب المكتوب وتحليل المحادثة بوصفه دراسة للخطاب المنطوق و التحاور الشفوي (5)، وهذا الأخير لا يتم إلا إذا توفر عنصران مهمان في العملية التواصلية وهما المعلم والمتعلم أو الباث و المتلقي، أو المرسل و المستقبل …وهما قطبان مهمان في تحقيق الفعل اللساني .

إذ لا تقترن تطبيقات تحليل الخطاب على كثير من تطبيقات الرؤى و الأنظار اللسانية ؛ ذلك أنها لا تطبق على نحو آلي ومباشر في تعليم اللغة لأبنائها و للناطقين بغيرها ، وإنما تحتاج إلى تطوير وتعديل يتوافق والانتقال من النظري العلمي إلى التطبيقي التعليمي .

ولا شك في أن المنطلق الرئيسي لاستثمار تحليل الخطاب في تعليم اللغة، ينطلق من الاستدراك عموما على الوحدة اللغوية التي كانت منطلق التعليم من ناحية أو بنيتها وموضوعها من ناحية ثانية .

  لعل من  المجالات التي يمكن استخدام الخطاب فيها المجال التربوي ، وذلك لتوفره على الأقطاب الأساسية الفاعلة ،إذ تتمثل في : المعلم، والمتعلم ، و المنهاج . 

أ* المعلم: 

المعلم هو القائم بدور التربية والتعليم أو المرشد للتلميذ إلى التعليم الذاتي

الذي تشترطه التربية الحديثة في العملية التعليمية. 6 والمعلم يحمل في عنقه أمانة، هي

تربية الجيل الناشئ من المواطنين. فلذلك المعلم مهم جدا في العملية التعليمية لأنه

يستطيع أن يحدث التغيرات المرغوبة في سلوك المتعلم، وتنمية روح الانضباط الذاتي

لدي التعلم، واحترام أنظمة المؤسسة التعليمية من خلال الاقتداء بمعلمهم.

ب) المتعلم:

والمتعلم اسم الفاعل من “تعلم -يتعلم-تعلما -متعلما-فهو متعلم”.7

والمتعلم هو الإنسان الذي يتعلم عادة في المدارس أو المعاهد الإسلامية للحصول

على العلم النافع في حياته ومعيشته.

ج*المنهاج : اتخذ المنهاج عدة تعاريف و مفاهيم إذ عرفه دولاندوشير :” المنهاج هو الخبرات التربوية والمعرفية التي تتيحها المدرسة للتلميذ داخل حدودها أو خارجها، بغية مساعدتهم على نمو شخصيتهم في جوانبها المتعددة نموا ينسجم لأهداف المسطرة” (8)  

وهو عند ليدهان (l’dhainant) ”كل ما تقدمه المدرسة لتلاميذها لتحقيق نموهم الشامل نموا روحيا وعقليا وجسميا ونفسيا واجتماعيا في تكامل واتزان ، أو هو وثيقة بيداغوجية رسمية  

تصدر عن وزارة التربية الوطنية لتجديد الإطار الإجباري لتعليم مادة دراسية ما” (9) 

رغم اختلاف هذه التعاريف إلا أننا نستنتج أن المنهاج هو مجموعة الخبرات المهيئة للمتعلم من أجل تحقيق نمو شامل له ليستطيع من خلاله التعايش و التكيف مع ذاته ومع الآخرين، ويكون ذلك وفق برنامج مسطر من طرف وزارة التربية، من أجل تربية الأجيال وفق الصورة النموذجية التي يصبوا إليها المجتمع.

مكونات المنهاج :

تتكون المناهج الدراسية عادة من: الأهداف ، المحتويات ، الطرق و الوسائل التعليمية ، تدابير التقويم في كل متكامل .(10)

انتهجت وزارة التربية و التعليم مناهج متعددة في التعليم ، بهدف تحسين مستوى المتعلم ، وإشراكه في العملية التعليمية ، فمنها من لقي نجاحا واستحسانا من قبل الطرفين ( المعلم والمتعلم) وبعضها فشل في تحقيق الأهداف المرجوة .

أهمية المنهاج : يعتبر موضوع المنهاج من أهم موضوعات التربية التي تصل الطفل بالعالم المحيط به لتحقيق أهدافه وآماله، لأنه إذا كان فساد التربية والتعليم أساس المنهاج، عجزت عن إصلاحه أهم طرق التربية و التدريس ، ولقد أجمع المربون على أن المنهاج هو المرتكز الأساسي في بناء التربية و التعليم (11).

ويعتبر وضع المنهاج من أدق المسائل التربوية وأعظمها خطرا، لما لها من تأثير على الأساليب التي تعالج بها المناهج الدراسية في أي مجتمع.

المناهج التعليمية وفاعلية الخطاب فيها: 

     شهدت المنظومة التربوية الجزائرية كغيرها من المنظومات التربوية في المجتمعات النامية مشاكل عديدة، وذلك لأسباب مادية سياسية اجتماعية وثقافية …ومن أبرزها مشكلة بناء المناهج، فلقد عرفت تحولات عدة نتيجة الاصلاحات التي أدخلت عليها، وحتى تكون هذه المناهج تساير التطورات والتغيرات الحاصلة، فلابد من الاهتمام بالفرد المتعلم وتزويده بالآليات والأدوات التي تسمح له بأن يبادر ويبدع،  فكانت بدايتها الأولى بمرحلة التدريس بالمضامين، وانتقلت إلى التدريس بالأهداف، وصولا إلى التدريس بالكفاءات.

تميزت طريقة التدريس بالمضامين في قيام المعلم باستحضار المعلومات ونقلها وحفظها للمتعلمين وفق تسلسل منطقي، هذا النظام التعليمي يعتمد على الحفظ والاستظهار مما يجعل المتعلم يخضع لسلطة المعلم فيكبح فيه حب الاستطلاع والتساؤل وهنا يغيب تماما ذلك التواصل بين الطرفين، بل منعدم إن صح القول (12).

أما مرحلة التدريس بالأهداف، فقد تميزت  بإشراك المتعلم في العملية التعليمية، من خلال التقديم له مجموعة من الأسئلة في الدرس والطالب يجيب عليها، ونلحظ هنا بداية تحرر المتعلم من تلك القيود، وجعله قطبا فاعلا في تحريك وسير الدرس، وذلك بتبادل الخبرات بينهم .

أما آخر مرحلة وهي التعليم بواسطة المقاربة بالكفاءات، إذ لازالت معتمدة إلى يومنا هذا، وهي مجموعة القدرات والمعارف المنظمة بشكل يسمح بالتعرف على إشكالية وحلها من خلال نشاطات تعليمية يظهر فيه أداء المتعلم ومهاراته في بناء المعرفة (13)، وهنا يكون المعلم الموجه والمصوب فقط، فقد ساهمت هذه المرحلة وبشكل كبير في فتح المجال بين المعلم والمتعلم وخلق جو المناقشة والحوار، مما ساهم في ترقية أسلوب الخطاب .

إن الفعل اللساني القائم بين المعلم والمتعلم له دور فعال في خلق أسلوب الحوار والمناقشة بين الطرفين، ويتحقق هذا الأخير عن طريق تهيئة الجو الملائم ليتمكن من نجاح العملية التعليمية في ضوء وجود المناهج التعليمية التي تتحكم في سيرها . 

خاتمة

من خلال ما تطرقنا إليه سابقا، خلصنا إلى أن  الدراسات اللسانية من النتائج المفيدة في الميدان التعليمي وخصوصا منها الدراسات التي أنجزت حول نسق اللغة .

-يتجلى اختيار المناهج في اختيار الأدوات والتقنيات الديداكتيكية وتسخيرها قصد تنمية التعلم وحل مشاكله والتغلب على صعوباته وعوائقه، ينبغي أن نؤكد هنا على مسألة هامة يجب أن ينتبه إليها الباحثون و المدرسون و الممارسون على السواء، وهي عدم الاعتماد على منهجية أو استراتيجية أو طريقة واحدة في التدريس، ذلك لأن العملية التعليمية معقدة تتطلب تكوينا متعدد الجوانب والتخصصات، يستوعبها المدرس من أجل استثمارها حسب الظروف والملابسات التي يقوم فيها بمهمته، بردود فعل آلية تختار الأدوات التربوية والسيكولوجية واللسانية الملائمة في الظرف المناسب، وذلك باستعمال الجانب الشفهي للغة؛ لأن اللغة كانت منطوقة قبل أن تصبح مكتوبة .

الهوامش: 

(1) ابن منظور، لسان العرب، مج:01، دار صادر ،بيروت ،ط3، مادة(خ،ط،ب)، ص361.

(2) سارة ميلز، الخطاب، تر: يوسف بغول، منشورات مخبر الترجمة في الأدب واللسانيات ،جامعة منتوري ، قسنطينة،2004 ، ص03.

(3) جمعان بن عبد الكريم، إشكالات النص ، المركز الثقافي العربي، الدار بيضاء، بيروت ،ط1 ،2009 ،ص35.

(4) ابن منظور، لسان العرب، مادة (حلل)، ص143.

(5) وليد العناتي ، تحليل الخطاب وتعليم اللغة ، مجلة جامعة أم القرى لعلوم اللغات وآدابها ، العدد الثامن، ربيع الثاني 1438-فيفري 2017،ص355.

(6) سحن حافظ وآخرون، أصول التربية وعلم النفس، بدون مكان: دار الجهاد، 1956، ص. 72

(7) لويس مألوف، ، المنجد و الإعلام، بيروت : دار المشرف، 1976، ص522.

(8) النظام التربوي في الجزائر ، المعهد الوطني لتكوين مستخدمي التربية و تحسين مستواهم،الجزائر ، 2004، ص132.

(9) المرجع نفسه ، الصفحة نفسها.

 (10) المناهج التعليمية ،www.onefd.edu.dz 

(11) النظام التربوي في الجزائر ، المعهد الوطني لتكوين مستخدمي التربية و تحسين مستواهم، ص134.

(12) ينظر د.روقاب جميلة /د.حاج هني محمد، قضايا لغوية ومسائل في التعليمية ، مكتبة الرشاد للطباعة و النشر و التوزيع ،الجزائر ،ط1، 2016،ص106.

(13) المرجع نفسه ، ص108.

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of