+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

هل الروح مذكّر أم مؤنث؟
د. أورنك زيب الأعظمي

من الكلمات التي اختلف فيها المعجميّون هل هي مذكّرة أم مؤنثة؟ كلمة (الروح) فأكثروا فيها القول بأنها مذكّرة وإذا جاءت مؤنثة فتعني النفس”. والروح بمعنى النفس تأتي كثيرًا كما قال عنترة بن شدّاد العبسي:

أحبّكِ، يا ظلوم، فأنتِ عندي مكانَ الروح من جسد الجبان
ولو أني أقول “مكانَ روحي” خشيتُ عليكِ بادرةَ الطعان[1]

وقال قيس بن الملوّح:

شُغِفَ الفؤادُ بجارة الجنب فظللتُ ذا أسفٍ وذا كرب
يا جارتي أمسيتِ مالكةً روحي وغالبة على لبّي[2]

وقال العباس بن الأحنف:

إني لأحسبُ والأقدار غالبةٌ أني وإيّاك مثل الروح في الجسد[3]

ولكني وجدتهم أيضًا يفرّقون بين الروح والنفس فقال النابغة الذبياني:

تخُبّ إلى النعمان حتى تناله فدًى لك من ربّ طريفي وتالدي
فسكّنتَ نفسي بعدما طار روحُها، وألبستَني نعمى ولست بشاهد[4]

وقال بشار بن برد:

عبيدةُ همُّ النفس إنْ يدنُ حبُّها وإنْ تنأ عنها فارق النفسَ روحُها[5]

وقال النابغة الشيباني:

لم يبق منهم وقد مالتْ عمائمُهم معانقي المَيسِ، إلا الروحُ والنفسُ[6]

وأسرد فيما يلي أقوال بعض علماء التذكير والتأنيث فقال السجستاني (255هـ): والروح مذكّر إذا أردتَ روحَ الحيّ. وقد أنّثه بعضهم على مذهب النفس. وفي الحديث: “لكل إنسان نفسٌ وروح، فأما النفس فتموت، وأما الروح فيُفعَل به كذا وكذا”. وأنشدني كَيسان:

سُمِّيتَ غيّاظًا ولستَ بغائظٍ عدوًّا ولكن الصديقَ تغيظ
فلا حفِظ الرحمنُ روحَك حيّةً ولا وهْي في الأرواح حين تفيظ

ذهب مذهبَ النفس.

وسمعتُ الأصمعي يقول: كَيسانُ صَدوقٌ وليس بمتزيّد.

وأما الوجهُ المعروفُ فخرج روحُه… وأما الروح جبريل عليه السلام فمذكّر”.[7]

وقال ابن التستري (361هـ): “الروح مذكّر … فإنْ رأيتَه مؤنثًا فإنما يعني به النفس”.[8]

وقال ابن جنّي (392هـ): “الروح مذكّر، فإن أنِّثَ فإنما يعنى به النفس”.[9]

وقال ابن فارس (395هـ): “النفس مؤنثة وكذلك النسمة، وإذا أردتَ الروح قلت: خرجتْ روحُه، ويقال إنّ الروح مذكّر فيقال: خرج روحه”.[10]

واستدلّوا على تذكير الروح بالآيات التي جاء فيها الروح مذكّرًا بمعنى روح القدس كما قال تعالى: “قُلۡ نَزَّلَهُۥ رُوحُ ٱلۡقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ ١٠٢”. (سورة النحل)

وقال: “فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا ١٧”. (سورة مريم)

وقال أيضًا: “يَوۡمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ صَفّٗاۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَقَالَ صَوَابٗا ٣٨”. (سورة النبأ)

والشعراء أيضًا أوردوه كذلك فقال كعب بن مالك الأنصاري:

وفينا رسولُ الله نتبع أمرَه إذا قال فينا القولَ لا نتطلّع
تدلّى عليه الروحُ من عند ربّه يُنزّل من جوّ السماء ويُرفَع[11]

وجاء في الحديث: “أنّ النبي ﷺ قال: إنّ روحَ القدس نفث في روعي”.[12]

ولندرس ما كتبوه عن أسباب التذكير والتأنيث في ضوء كلام العرب فقال النابغة الذبياني:

تخُبّ إلى النعمان حتى تناله فدًى لك من ربّ طريفي وتالدي
فسكّنتَ نفسي بعدما طار روحُها، وألبستَني نعمى ولست بشاهد[13]

وقال الفرزدق:

عطفتَ عليه الخيلَ من خلفِ ظهره وقد جاء بالموت المُظِلِّ مقادرُه
رددتَ له الروحَ الذي هو قد دنا إلى فيه من مَجرٍ إليه يبادرُه[14]

وقال جرير:

هتف الخيارُ، غداة أدرِكَ روحُه، بمجاشعٍ وأخو حُتاتٍ يسمع[15]

وأنشد ثعلب:

ولا يلبث الفتيانُ أنْ يتفرّقوا، إذا لم يُزَوَّجْ روحُ شكلٍ إلى شكل[16]

ففي هذه الشواهد كلها جاءت كلمة الروح مذكّرًا وبمعنى النفس فبطل ما قال المعجميّون.

وأسرد فيما يلي طرفًا من أقوال الشعراء الذين أوردوها مؤنثة فقال ذو الرمة:

يا مخرجَ الروح من جسمي إذا احتضرتْ وخارجَ الكرب زحزحني عن النار[17]

وقال كثيّر عزّة:

فلا تذكرا عندي عُقَيبةَ غنني تبينُ إذا بانت عُقَيبةُ روحي[18]

وقال جميل بثينة:

تعلّق رُوحي روحَها قبل خلقنا ومن بعدما كنّا نطافًا وفي المهد[19]

وقال العباس بن الأحنف:

ولولم ينلها الطرفُ لم تك روحُها لتخفى على روحي أمامي ولا خلفي[20]

وقال المجاهد ابن المبارك:

كيف أنساك وروحي صُنِعَتْ من جنس روحك[21]

وهناك شواهد يستوي فيها التذكير والتأنيث على أصل “الفصل بين الفعل وفاعله المؤنث” فقال الفرزدق:

لها عنده أنْ يرجع اليومَ روحُها إليها وتنجو من حِذار المهالك[22]

وقال جميل بثينة:

أظلُّ نهاري مستهامً ويلتقي مع الليل روحي في المنام وروحُها[23]

وأما قول العباس بن الأحنف التالي:

خلط الله بروحي روحَها فهما في جسدي شيءٌ أحد[24]

فيجمع بينهما فلك أنْ تعدّ الروح مذكّرا أم مؤنثًا لأنّ الضمير (هما) يأتي للمذكر والمؤنث معًا.

وأما دليل القائلين بتأنيث الروح على قياسها على النفس التي تأتي مؤنثة كما قال حاتم الطائي:

فإني جبان الكلب، بيتي موطّأ أجود إذاما النفس شحّ ضميرُها[25]

وقال وضاح اليمن:

صدَع البينُ والتفرّقُ قلبي وتولّتْ أمُّ البنين بلبّي
ثوتِ النفسُ في الحمول لديها وتولّى بالجسم مني صحبي[26]

فوجدتُ أنّ النفس (الروح) والنفس (عين الإنسان) يستويان فيه كما قال السموءل:

أعاذلتَيّ قولَكما عصيتُ لنفسي إنْ رشدتُ أو غويتُ[27]

وقال الربيع بن ضبع الفزاري:

لقد عزفتْ نفسي عن اللهو جمّةً وإنْ نهلتْ من لهوها ثم علّتِ[28]

وقال حسان بن ثابت الأنصاري:

إذا انصرفتْ نفسي عن الشيء مرةً فلست إليه آخرَ الدهر مقبلا[29]

وقال الفرزدق:

لا يرهب الموتَ إنّ النفسَ باسلةٌ، والرأي مجتَمَعٌ والجودُ منتشرُ[30]

وقال تعالى: “يَٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ ٢٧ ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرۡضِيَّةٗ ٢٨ فَٱدۡخُلِي فِي عِبَٰدِي ٢٩ وَٱدۡخُلِي جَنَّتِي ٣٠”. (سورة الفجر)

وقال عنترة بن شدّاد العبسي:

فصبرتُ عارفةً لذلك حرّةً ترسو إذا نفسُ الجبان تطلَّعُ[31]

وقال سويد بن حذّاق العبدي:

صفيّي وابنُ أمّي والمُواسي إذاما النفس شارفتِ الوريدا[32]

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

فالمرء يبسطها والدهر يقبضها والنفس تنشرها والموت يطويها[33]

وقال عمرو بن الداخل:

وهاديةٍ تَوَجَّسُ كلَّ غيبٍ لها نفسٌ إذا سامتْ نشيج[34]

فلا يصحّ استدلالهم.

وكذا وجدت النفس مذكرة أيضًا كما قال امرؤ القيس:

فبعضَ اللوم عاذلتي فإني ستكفيني التجاربُ وانتسابي،
إلى عرق الثرى وشجتْ عُروقي وهذا الموتُ يسلبني ثيابي
ونفسي سوف يسلبني وجرمي فيُلحقني وشيكًا بالتراب[35]

وقال عنترة بن شدّاد العبسي:

وإني عزيزُ الجار في كلِّ موطنٍ وأُكرِمُ نفسي أنْ يهونَ مَقامي[36]

وقال حسان بن ثابت الأنصاري:

صبرًا خبيبُ فإنّ القتل مكرمة إلى جنانِ نعيمٍ يرجع النفس[37]

وحكى ابنُ الأعرابي عن بعض العرب أنه قال: “اللهم اغفرْ لي والجلدُ باردٌ والنفسُ رابطٌ والصُحف منتشرةٌ والتوبة مقبولة”.[38]

فقياسها عليها لا يصحّ أبدًا.

وبالجملة فالروح يأتي مذكّرًا ومؤنثًا سواء جاء لمعنى النفس أو لغيرها.

هوامش:

[1] شرح ديوانه، ص 196-197

[2] ديوانه، ص 99

[3] ديوانه، ص 87

[4] ديوانه، ص 41، تخبّ نفس الشاعر، ورب هنا للنعمان.

[5] ديوانه، ص 106

[6] ديوانه، ص 25

[7] المذكّر والمؤنث، ص 107-108

[8] المؤنث والمذكّر، ص 79

[9] المؤنث والمذكّر، ص 69

[10] المؤنث والمذكّر، ص 54

[11] ديوانه، ص 224

[12] لسان العرب: نفث

[13] ديوانه، ص 41، تخبّ نفس الشاعر، ورب هنا للنعمان.

[14] ديوانه، ص 242

[15] ديوانه، ص 272

[16] لسان العرب: زوج

[17] ديوانه، ص 130

[18] ديوانه، ص 459

[19] ديوانه، ص 19

[20] ديوانه، ص 185

[21] ديوانه، ص 66

[22] ديوانه، ص 413

[23] ديوانه، ص 67

[24] ديوانه، ص 99

[25] ديوانه، ص 89

[26] ديوانه، ص 33

[27] ديوانه، ص 17

[28] ديوان الشعراء المعمّرين، ص 345

[29] شرح ديوانه، ص 280

[30] ديوانه، ص 301

[31] شرح ديوانه، 95، عارفة أي نفسًا عارفة وهي ذاته، تطلّع: تريد الخروج.

[32] ديوان الشعراء المعمّرين، ص 365

[33] ديوانه، ص 104

[34] ديوان الهذليين، 3/99، غيب: ما لا يرى وهادية: بقرة.

[35] ديوانه، ص 43

[36] شرح ديوانه، ص 190

[37] شرح ديوانه، ص 192

[38] لسان العرب: ربط

المصادر والمراجع

  1. القرآن الكريم
  2. ديوان السموأل، شرح وتحقيق، علي سابا، مكتبة صادر، بيروت، د.ت
  3. ديوان الشعراء المعمّرين للدكتورة شمس الإسلام أحمد حالو، دار الكتب الوطنية، أبو ظبي، 2010م
  4. ديوان العباس بن الأحنف، شرح وتحقيق: عاتكة الخزرجي، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1954م
  5. ديوان الفرزدق، شرح: الأستاذ علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1987م
  6. ديوان النابغة الذبياني، شرح وتقديم: عباس عبد الساتر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1996م
  7. ديوان الهذليين، الجمهورية العربية المتحدة، الثقافة والإرشاد القومي، طبعة دار الكتب، بيروت، 1996م
  8. ديوان امرئ القيس، ضبطه وصحّحه: الأستاذ مصطفى عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004م
  9. ديوان أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، جمع وترتيب: عبد العزيز الكرم، ط1، 1988م
  10. ديوان بشار بن برد، شرح وتكميل: محمد الطاهر بن عاشور، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1966م
  11. ديوان جرير، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1986م
  12. ديوان جميل بثينة، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1982م
  13. ديوان حاتم الطائي، دار صادر، بيروت، 1981م
  14. ديوان حسان بن ثابت، شرح وتقديم: الأستاذ عبدأ مهنا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 1994م
  15. ديوان ذي الرمة، تقديم وشرح: أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1995م
  16. ديوان قيس بن الملوّح- مجنون ليلى، دراسة وتعليق: يُسري عبد الغني، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1999م
  17. ديوان كُثَيِّر عَزّة، جمع وشرح: د. إحسان عبّاس، دار الثقافة، بيروت، لبنان، 1971م
  18. ديوان كعب بن مالك الأنصاري، دراسة وتحقيق، سامي مكي العاني، منشورات مكتبة النهضة، بغداد، ط1، 1966م
  19. ديوان نابغة بني شيبان، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، ط3، 2000م
  20. ديوان وضاح اليمن، جمع وتقديم وشرح: د. محمد خير الدين البقاعي، دار صادر، بيروت، ط1، 1996م
  21. شرح ديوان عنترة بن شداد العبسي للعلامة التبريزي، دار الكتاب العربي، ط1، 1992م
  22. لسان العرب لابن منظور الإفريقي، دار صادر، بيروت، د.ت.
  23. المذكّر والمؤنث لابن التستري الكاتب، تحقيق وتعليق: د. أحمد عبد المجيد هريدي، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1983م
  24. المذكّر والمؤنث لابن جني، تحقيق وتقديم: د. طارق نجم عبد الله، دار البيان العربي، جدة، ط1، 1985م
  25. المذكّر والمؤنث لابن فارس، تحقيق وتعليق: د. رمضان عبد التواب، د.م، القاهرة، ط1، 1969م
  26. المذكّر والمؤنث لأبي حاتم السجستاني، تحقيق: د. حاتم صالح الضامن، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، ط1، 1997م

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of