زيارة الحرمين الشريفين أكبر أمنية لكل مسلم في جميع أنحاء العالم، ففيهما سلوى للروح المضطرب، وطمأنينة للقلب الولوع، وسكينة للذهن المتشرد المكتئب، وهذا كان حال أبي فلم ير سلوى إلا في زيارتهما بعد أن مر بعمليتين جراحيتين للقلب خلال سنتين ماضيتين إذ لم تعد للحياة ثقة عنده كأنه فقد الأمل بثبات الحياة. تحدث ابي معي بصدد العمرة، وأصر علي أن أشد الرحال معه، فانتهزت هذه الفرصة لتحقيق أمنيتي الكبرى لزيارة الحرمين الشريفين، وبدأت بالتو أستعد للسفر. قدمت الطلب لجواز السفر إلى السلطات المعنية الهندية، وكذلك كتبت إيميلا إلى مديري في مكتبي للحصول على إجازة نصف شهر. وعن طريق صديق لي تحدثت إلى وكالة للسفريات والسياحة لتوفير التأشيرات وتذاكر الطيران.
لست أدري كيف سرى خبر إرادة أبي للعمرة إلى الأقرباء والأعزاء والأصدقاء، فبدأوا يزورون بيتي ويهنؤوننا بالتوفيق للسفر إلى الحرمين الشريفين، ويدعوننا للغداء أو العشاء إلى بيوتهم. بالأمس أقام خالي مأدبة العشاء الفاخرة لنا في بيته، واليوم حضرنا مأدبة عمي للغداء، وغدا علينا أن نحضر بيت عمتي للعشاء، فلكل يوم مأدبة فاخرة في بيت قريب لنا أو في دار صديق لنا. وقبل المغادرة بيوم أقام أبي حفلة طعام للأقرباء والأصدقاء، فحضروا من القرى المجاورة والقرى النائية على السواء، فامتلأ بيتنا بالناس حتى بدا كأنه بيت يعقد فيه زواج، وكذلك شعرنا كأن الهدايا تمطر من السماء، ففي الغرفة ركام كبير من الهدايا معظمها أقمشة غير مخيطة.
أنا من الذين يخرجون على التقاليد والعادات غير الضرورية، فلم يعجبني الحضور في مآدب الأقرباء إذ كان ذلك ثقيلا على بطني، ولم أرد أن أكون مصابا بمرض عند وقت المغادرة، وكذلك لم تعجبني إقامة مأدبة كبيرة من جانب أبي ولكن لم أجترئ أن أكلمه بهذا الشأن رغم استيائي، وفي يوم المأدبة، كان متحمسا ومسرورا للغاية، وغلب على تجاعيد وجهه رونق الحياة وبهاؤها، فسُررت لمنظره. واستمر العشاء حتى منتصف الليل وآوينا إلى فراشنا في وقت متأخر من الليل من أجل ازدحام الزوار.
اليوم الأول، 2 مايو:
استيقظنا مبكرين في الصباح حوالي الساعة الرابعة، وعندما عدنا إلى بيتنا -أنا وأبي- بعد صلاة الفجر في المسجد، وجدنا فناء دارنا مزدحما بالناس، وحينما خرجنا من بيتنا للمغادرة بدأ كل واحد يعانق أبي، ويضع في يديه ورقة مئة أو مئتين أو خمسمائة روبية حسب تقاليد القرية، وعندما أدركت ذلك، تأخرت ولكن كان أخوالي قد لاحظوني، فأسرعوا إلي وعانقوني ووضعوا في يدي بما تيسر لهم فاضطررت إلى أن أقبل ذلك، وبعد ذلك اختفيت عن الأنظار، ثم بدأ أبي يمشي إلى مسجد القرية في موكب من الناس وفي عنقه أكاليل من الوردة، واحدهم يكبر ويهلل والآخرون يرددون. أما أنا فاخترت طريقا آخر ولحقت بهم عند باب المسجد لنصلي ركعتين شاكرين الله على إتاحة هذه الفرصة القيمة، والتوفيق العظيم للعمرة.
خرجنا من المسجد وركبنا سيارتنا، وكانت أمي وزوجتي قد ركبتا السيارة من البيت، وكانت هناك عدة سيارات أخرى خلف سيارتي، وعند ملتقى الطرق خارج قريتي لحق بنا زوج عمتنا الذي كان يرافقنا للعمرة. فجرت قافلة السيارات على الطريق القروي رويدا رويدا ثم على الطريق السريع بسرعة. وعند باب المطار بدأت سلسلة أخرى للمعانقة، ثم ودعونا وغادروا. بعد الإجراءات اللازمة، توضأنا ولبسنا الإحرام، ثم صلينا ركعتين وبدأنا التلبية التي جرت على ألسننا من وقت لوقت طول السفر. وكان هناك عدد كبير من الرجال الآخرين في الإحرام، وعرفت فيما بعد بأن حوالى ستين منهم كانوا على خدمات نفس الوكالة.
أقلعت بنا الطائرة في الساعة الثانية ظهرا وكان ذلك اليوم الثاني من شهر مايو عام 2023. استغرق السفر حوالى ست ساعات ووصلنا مطار جدة الدولي بعد صلاة العصر. كنت متحمسا جدا، بالنسبة لي كانت هذه رحلة ثانية إلى دولة عربية، وذلك بلاد الحرمين، فكنت أشتاق إلى أن ألتقي بالناطقين بلغة القرآن وأتحدث معهم بلغتهم، وأول رجل تحدثت إليه كان أحد المسؤولين الذين يقومون بالإجراءات اللازمة قبل الخروج من المطار.
خارج المطار، تابعنا بعض الفتيات المُحجبات لبيع الشريحات مجانا، فاشتريت شريحة، وبينما كانت إحداهن تقوم بتفعيلها لحق بنا رجال الوكالة الذين كانوا ينتظرون لنا، فأجلسونا في حافلة حيث انتظرنا للركاب الآخرين، لأكثر من ساعتين، إذ كان بعض المعتمرين لم يخرجوا من المطار بعد. وبائعات الشرائح في المطار شطبن الصورة التي كانت في ذهني بشأن النسوة في السعودية، بأن لا حرية لهن، وهن يبقين دائما في حصار البيت. وفي النهاية غادر الباص إلى مكة المكرمة عند صلاة المغرب، وكنا قد قرأنا عن بوابة كبيرة وضع عليها المصحف الشريف عند حد الحرم في الطريق السريع من جدة إلى مكة، وكنا نشتاق إلى رؤيتها وقراءة الدعاء الذي ذكر في الدليل بهذه المناسبة، ولكن لم يكن من الممكن أن نظل نحدق في ظلام حالك خارج الباص، فلم ندرك متى غلب علينا النوم إذ كنا متعبين.
عندما لاحت لنا أضواء مكة المكرمة التي كانت تقترب بسرعة، تغيرت حالة القلب تغيرا عجيبا، فهذه مدينة أسس فيها أول بيت لعبادة الله وحده، مدينة شهدت أبرز مشاهد الإخلاص، والحب، والوفاء، والإيثار لله تعالى. ومدينة هاجر إليها جد الأنبياء والرسل إبراهيم عليه السلام، ومدينة هاجر منها خاتم النبيين محمد -صلى الله عليه وسلم-، فكيف لا تتغير حالة القلب المضطرب الذي يخفق في حب الله وحب نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم. مررنا بشوارع واسعة مضيئة بالمشموع وفي النهاية نزلنا من الباص عند فندق أبراج ميريديان مكة، فتمنيت أن أسرع إلى الحرم الشريف إذ صعب علي الانتظار بسبب الحنين إلى رؤية بيت الله، ولكن كان علينا أن نرتب الأغراض في غرفنا، وأن نتعشى و نستريح قليلا لنعد أنفسنا لأداء مناسك العمرة.
اجتمعنا في بهو الفندق حوالى الساعة العاشرة ليلا، فتحدث المعلم عن مناسك العمرة، وطريق أدائها باختصار ثم سار بنا إلى الحرم المكي الشريف بالباص عن طريق نفق كدي، ونزلنا في محطة باب الملك للنقل خلف أبراج الساعة، ومشينا إلى الحرم من تحت الأبراج حتى وصلنا الفناء الذي هو بينه وبين باب الملك عبد العزيز. دخلنا من هذا الباب المسجد الحرام بقلب تواق وسرعان ما وجدنا أمامنا الكعبة المشرفة في كسوة سوداء. لست أرى منظرا أجمل وأبهى منها قط، وأدركت بأن في السواد جمال يبهر العين، ويبهج القلوب أكثر من شيء آخر، وشعرت كأن تعب السفر المرهق ذاب في غمضة العين. أمامنا الآن، البيت العتيق الذي توجهنا إليه للصلوات الخمس كل يوم، هذا هو البيت الذي يتوجه المسلمون إليه من كل بلد من بلاد العالم، أقصاه وأدناه. وهذا هو أول بيت بناه أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وابنه إسماعيل عليه السلام، ثم بدأت تمر أمام عيني المشاهد التاريخية لبناء هذا البيت العظيم، على يديهما عليهما الصلاة والسلام، ثم على أيدي قريش مكة عندما كان نبينا محمد-صلى الله عليه وسلم- طفلا، هذا هو البيت الذي جاء لهدمه أبرهة، ملك اليمن، فأرسل الله عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجاره من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول، وهذا هو البيت الذي وُضعت فيه الأصنام التي بلغ عددها 360، فقام نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بتطهيره من الأوثان. فهذا البيت أكبر مظهر للعشق الإلهى، والصدق، والحب، والكرم، والخير. أما مبنى المسجد الحرام حول الكعبة المشرفة فعظيم جدا، وسلسلة القبب الذهبية تضيف إلى جمال المسجد الذي تضيئها شموع كهربائية هائلة، وكذلك المنارات المضيئة بالضوء الأخضر. وكان هناك جمع غفير للناس، فالرجال يطوفون بالبيت ملبوسين في ملابس الإحرام البيضاء بخطى متوازية، والنسوة تطوف جنبا لجنب.
نزلنا من السلم الإلكتروني إلى صحن المسجد. كان معلمنا يمشي أمامنا فاتبعناه حتى وصلنا في محاذاة الحجر الأسود. وعند ذلك توقفنا عن التلبية، وقمنا -أنا، وأبي، وزوج عمتي- بالاضطباع أي كشفنا عن كتفنا الأيمن، وجعلنا رداء الإحرام تحته ووضعنا طرفيه على كتفنا الأيسر. وبعد الدعاء، شرعنا في الطواف بالبيت والمعلم أمامنا، فكان يقرأ الأدعية وكنا نرددها، وكذلك كان هناك جماعات عديدة للناس يطوفون خلف معلم ويرددون ما يقرأه من الأدعية المأثورة، وكان هناك بعض الناس يطوفون فرادى. ولاحظت أن كثيرا من الناس يقرؤون الدعاء خاشعين، متضرعين بعيون باكية ولحى مبتلة، فبدا كأن كل واحد منا مذنب لا يطلب إلا التوبة والمغفرة والعفو. هذا يتمتم سرا، وذلك يقرأ جهرا من كُتيبات، والآخر يتلو الآيات شفويا، مشاهد عجيبة للتضرع والإلحاح في صحن المطاف. خلال الطواف لم يتسن لنا الوصول إلى الحجر الأسود، فاكتفينا أن نشير إليه من بعيد للاستلام ونقول “الله أكبر” كلما مررنا أمامه.
عندما أكملنا الشوط السابع، انتهينا من الطواف، ثم شربنا ماء زمزم-وهو أكثر المياه بركة وأعظمها على وجه الأرض صفاء-من حافظة معقمة ومبردة مستخدمين عبوات ذات الاستخدام الواحد حتى ذهب الظمأ وابتلت العروق. وقد أعجبتني الطريقة التي اختاروها لتوفير هذا الماء في المسجد الحرام، فوجدت حافظات معقمة ومبردة وُضعت على بعد كل مئة أو مئتي متر في صحن المطاف، ومبناه، وكذلك هناك مشربيات رخامية لتوفيره وبجانب كل نافورة عبوات ذات الاستخدام الواحد. بعد ذلك صلينا ركعتين في ناحية المقام الإبراهيمي ثم تقدمنا إلى المسعى.
والمسعى ليس كما كنا تصورنا مما قرأنا في كتب السيرة، فقد تم بناء مبنى طويل ذات الأدوار الثلاثة يضم جبلى الصفا والمروة ويربطهما بمسارات مكيفة. قمنا عند جبل الصفا متوجها إلى الكعبة المشرفة وقرأنا الدعاء المأثور، ثم شرعنا في السعي، وهرولنا في المنطقة المضيئة بالضوء الأخضر، وعندما وصلت جبل المروة توقفت قليلا، مهللا، ومكبرا، ومصليا على النبي -صلى الله عليه وسلم-متوجها إلى الكعبة المشرفة. كان أبي قد تعب لكبر سنه وشيخوخته، وكان يشعر ببعض الألم في ركبتيه. فساعدته في إكمال السعي، وبعد الشوط النهائي، خرجنا إلى أبراج الساعة للحلق، فوجدنا بعض الرجال ينادون “الحلق بعشرة ريالات”، وأسرع أحدهم إلينا سائلا باللغة الأردية “هل تقصدون الحلق”؟ وعندما أجبنا في النعم، طلب منا أن نتبعه، فحاولنا أن نساوم بهذا الصدد، فأقسم ذلك الرجل بالكعبة وقال ليس أقل من ذلك. وقد عرفت فيما بعد بأن خمسة ريالات تكفي لحلق واحد. وهكذا تمت لنا العمرة الأولى المباركة في حياتنا.
بعد الحلق جلسنا هناك نستريح ثم أكلنا وجبة خفيفة، وشربنا الشاي، وعندما شعرت ببعض الراحة، ألقيت نظرة على الساعة فوجدت أن العقرب الأقصر يشير للساعة الثالثة ليلا، فقررنا أن لا نغادر الحرم الشريف إلا بعد أداء صلاة الفجر. وبعد حوالى نصف ساعة، أذن المؤذن فدخلنا المسجد الحرام مرة أخرى للصلاة، وصلينا ركعتين ثم جلسنا في انتظار قيام الجماعة، ولكن لم يمض على ذلك نصف أو ربع ساعة حتى أذن المؤذن مرة أخرى، وعند ذلك أدركنا بأن الأذان الأول كان لصلاة التهجد، ليس لصلاة الفجر كما كنا ظننا، فصلينا ركعتين من جديد، وانتظرنا حتى صلى بنا الإمام، وفور أداء صلاة الفجر صلى صلاة الجنازة.
اليوم الثالي، 3 مايو:
بعد أن خرجنا من الحرم الشريف، جلسنا عند مخرج كُدي، للاستراحة قليلا، وعندما بدأت الشمس تطل على الحرم بأضوائها التي بدأت تشتد حرارة شيئا فشيئا، غادرنا إلى محطة باب الملك خلف أبراج الساعة. وهناك أعجبنا مشهد جميل لأسراب الحمامة، استقطب هذا المشهد نظرة أمي فتقدمت إلى الحمائم ونثرت الحبوب لها، وعند ذلك بدأت تلك الطيور تتهافت عليها كأنها تريد أن تأخذ نصيبها من الطعام. أمي كانت أحضرت الحبوب من الهند لهذا الغرض الخاص. وهناك شعرت كأن هناك مودة خاصة بين زوار بيت الله وهذه الطيور منذ مآت السنين، فرأيت المارة الآخرين يقدمون الماء والحبوب والذرى لها، ويتبادلون الود معها، وقد رأيت هذه الطيور -فيما بعد- تحلق في سماء صحن مسجد الحرام، وساحاته في وقت المساء بصفة خاصة حيث يتعالى هديلها ليخلق منظرا جميلا مدهشا، وكذلك شاهدتها في أرجاء مكة المكرمة. تعرف هذه الطيور بـحمائم الحرم، وتمتاز عن غيرها بالرقبة الطويلة وبريشها الرمادي المائل للزرقة أو الخضرة، وقد شاهدت في بعض الأحيان الحمائم البيضاء أيضا. ويقال أن هذه الحمائم من سلالة الحمام الذي وضع عشه في غار ثور أثناء هجرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدية. وهي تعيش بأمن وسلام دون خوف، فالصيد محرم في هذا المكان، ومن فعل ذلك فعليه دية، ولذلك يضرب المثل بحمام الحرم في الأمن والصيانة. لم نستطع أن نبقى هناك طويلا فركبنا الباص عندما قام السائق بتشغيل المحرك، و وصلنا فندقنا حوالى الساعة السابعة صباحا، وهناك بعد الفطور استلقينا على فراشنا وغرقنا في نوم عميق بعد أن كنا مستيقظين على مدار الساعة، ولم نستطع أن نستيقظ إلا بعد الظهر.
بعد الغداء، صلينا الظهر في غرفتنا، ثم خرجنا إلى الحرم الشريف قبل أذان العصر بقليل. وصلينا العصر والمغرب في مسجد الحرام. وعندما كنا نخرج من ساحة الحرم إلى محطة الباص لنتعشى في فندقنا، أذن المؤذن للعشاء، فقلت لأبي “علينا أن نصلي العشاء في الحرم ثم نغادر إلى الفندق”، فتدخل زوج عمي قائلا، “علينا أن نذهب إلى الفندق وإلا سيفوتنا الطعام.” فسكتت احتراما له إذ هو رجل مخلص ساذج، ولكن قررت في نفسي بأنني سأتكلم معه بهذا الشأن. وعندما أوينا إلى فراشنا، تكلمت معه، وأقنعته بأننا هنا لوقت محدود، ولم نجئ هنا للأكل والشرب، بل للعبادة والصلاة فقط، فعلينا أن نقضي أكثر أوقاتنا في الحرم الشريف، ومن الممكن أن نأكل في مطعم إذا فاتنا وقت الطعام في الفندق، فبدأ يتحسر على ترك جماعة صلاة العشاء في المسجد الحرام. وبعد ذلك اليوم أصبح من عاداتنا خلال قيامنا في مكة المكرمة، أن نخرج إلى الحرم قبيل صلاة التهجد، ونرجع من هنا بعد صلاة الفجر. ثم نحضر الحرم قبيل العصر ونغادره بعد صلاة العشاء، واتبعنا هذا الجدول الزمني تقريبا أثناء إقامتنا في الحرم المدني أيضا.
اليوم الثالث، يوم الخميس 4 مايو:
أدينا صلاة الظهر في فندقنا ثم خرجنا إلى مسجد السيدة عائشة-رضي الله تعالى عنها-، لكونه أقرب موضع لحد الحرم، لنلبس الإحرام من جديد ونعتمر مرة أخرى. هذا المسجد ميقات المعتمرين والحجاج من أهل مكة، ويقع على بعد 7 كلم من الحرم الشريف في الجهة الشمالية الغربية من مكة المكرمة. يسمى باسم أم المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها- لكونه في المكان الذي أحرمت منه للعمرة في حجة الوداع عام 9 للهجرة. ويعرف باسم مسجد التنعيم أيضا لوقوعه في حي التنعيم. كان قد تم بناء مسجد بهذا المكان في عهد الخليفة العباسي المتوكل بالله في عام 240 للهجرة، أما المبنى الفخم الشامخ للمسجد، فقد بُنى على أحدث طراز معماري في عهد الملك فهد بن عبد العزيز على مساحة 84000 بما فيه المرافق التابعة.
في مساحة المسجد، هناك عدد من النسوة العرب قد فرشن الحصير على الأرض لبيع ملابس الإحرام والأشياء الأخرى مثل قصاصة أظافر، والسواك، وموسى الحلاقة، وبعض كتب عامة. فاشتريت لي ولأبي ملابس الإحرام, وعندما كنا نصلي الركعتين بنية الإحرام، أذن المؤذن للعصر، فانتظرنا حتى قامت الصلاة، فصلينا العصر بالجماعة ثم عدنا إلى فندقنا وبعد استراحة قليلة وصلنا مسجد الحرام قبيل العصر. قمت بالعمرة باسم جدتي عائشة التي توفيت قبل بضع سنوات، أما أبي فاكتفى بالطواف بسبب الألم في ركبتيه. أما زوج عمتي فهو رجل قوي العضلات رغم كونه في الخمسينات من عمره، فتعود على أن يذهب إلى مسجد عائشة ليحرم للعمرة كل يوم تقريبا، وفي كثير من الأحيان قضى طول الليل في الحرم الشريف مصليا ومتضرعا إلى الله.
اليوم الرابع، يوم الجمعة، 5 مايو:
استرحنا قليلا بعد صلاة الفجر، ثم بدأنا نستعد لصلاة الجمعة، فكان علينا أن نصلي هناك حوالى الساعة العاشرة إذا أردنا أن نجد المكان في صحن الحرم، أو في مبنى المطاف على الأقل. سافرنا إلى الحرم في الحر الشديد ولكن تأخرنا قليلا فلم نجد المكان للصلاة إلا في مبنى المسعى في الطابق العلوي. كان مسجد الحرام مزدحما تماما، لا ترى إلا رؤوس الناس في كل مكان، الطواف حول الكعبة قد توقف وكذلك السعي. كان هناك بعض أقرباء زوجتي، وأحدهم يعمل في المسجد الحرام نفسه، والآخر في جدة فحضروا للقائنا، وبعد الاتصال الهاتفي، تمكنوا من الوصول في المكان الذي كنا جالسين في مبنى المسعى. تحدثنا قليلا، والتقطنا بعض الصور، وبعد صلاة الجمعة خرجنا إلى أبراج الساعة وصعدنا إلى الدور الثالث حيث توجد المطاعم المختلفة. واشترينا البرياني من أحد المطاعم وكذلك بعض المشروبات الباردة.
عندما عدنا إلى فندقنا في المساء، كنت مصابا بالحمى، فأخذت الدواء الخافض للحرارة، الذي كنت جئت به من الهند، ولكن لم أجده مؤثرا هناك، واضطرب أبوي لما رأى من حالتي، وأخذت الدواء في الليل مرة أخرى ولكن بقيت على الحالة نفسها حتى منتصف الليل، من دون أي انخفاض في درجة الحرارة، فبدأت أمي تضع كمادات باردة لتخفيض الحرارة، وهذا أفادني بقدر ما، ونمت في آخر الليل. كان أبي مضطربا جدا، إذ لم تفدني الأدوية التي كنا جئنا بها من بلدنا، فبحث عن الأدوية الأخرى المستخدمة هناك لهذا الغرض في الصباح، وأعطاني دواء آخر وهذا أفادني، ولكن بقيت على الفراش مرهقا لثلاثة أيام، ثم بدأت حالتي تتحسن وتعافيت في اليوم الرابع.
الأيام الأخرى في الحرم المكي:
عندما استعدت قوتي مرة أخرى، بدأت أذهب إلى المسجد الحرام صباحا ومساء، وخلال غدواتي وروحاتي حاولت أن أكتشف زوايا الحرم المكي المختلفة أو أقترب الكعبة المشرفة واتعرف عليها من قرب. وفي يوم من الأيام، وجدت المكان في الصف الثاني في جانب الركن اليماني، فقد كان الناس قد بدؤوا يجلسون بالقرب من الكعبة المشرفة للجماعة قبل صلاة المغرب بساعة، وكان المطوفون يبتعدون عنها شيئا فشيئا ليخلو المكان للصفوف. رأيت شيخا خرج من إحاطة الحطيم وبدأ يوزع على الجالسين هناك عبوات بلاستيكية صغيرة في داخلها تمور، وقد أعطاني أيضا، ورأيت بعض الناس يتهافتون ويسرعون إليه للحصول على العبوات كأنه يوزع شيئا مباركا يتعلق بالكعبة المشرفة. وكان حراس الحرم ويمنعون الناس من أن يقتربوا الكعبة المشرفة أو يلتصقوا بها، وفجأة قام ولد صغير من الصف خلفنا وتقدم إلى الكعبة وجعل يقبل كسوتها ثم انقلب، والحارس الذي كان بدا فظا غليظا لأول وحلة بقي قائما متحيرا لم يستطع إلا أن يراه مبتسما من دون أن يقول له شيئا. كان بجانبي شاب من باكستان، فتحدثنا عن أشياء عديدة، كان يشكو عن حكومة بلاده، والحكام الذين غادروه منذ أول يوم، ونهبوه حتى بعد مرور حوالي ربع قرن، دولته لا تزال في نفس الحال الذي كانت فيه عند استقلالها. عامة الناس لا يزالون يعانون من الفقر والجوع، والحالة الاقتصادية في أسوأ حالة. وكان ذلك الشاب موظفا حكوميا. وبعد صلاة المغرب، رأيت الناس يسرعون إلى الركن اليماني للكعبة المشرفة، فهرولت إليه وتمكنت من مسه بيدي، فوجدته معطرا، وكانت رائحة طيبة لطيفة تنبعث منه وتعطر كل من لمسه.
وفي يوم تأخرت في الدخول في المسجد الحرام، فوجدت الباب إلى صحن المطاف مغلقا إذ كان قد امتلأ بالناس، فصعدت إلى الدور العلوي لمبنى المطاف، وأكملت شوطا هناك قبيل صلاة المغرب، وتوقفت في مكان يحاذي الحطيم لأستمتع بمنظر المطوفين الذين صبغوا صحن المطاف باللون الأبيض الجميل. وكان بجنبي شاب، وعندما تحدثت معه وجدت أنه حضر من ليبيا معتمرا، فأثار ذلك فضولي، وبدأت أسأل عنه سؤالات عديدة فيما يتعلق ببلده، وأحوالها السياسية. فأخبرني عما يعاني منه مواطنوه، وتحدث عن الاستقرار القليل الذي حصل حاليا، وعن كيفية تدمير الدولة على أيدي الغرب. وكان هذا الشاب مثقفا فصيح اللسان، وتكلم معي بالفصحى بطلاقة. وهذا الشاب هو الذي أخبرني عن تفاصيل أجزاء الكعبة؛ الحطيم، و الركن العراقي، والركن الشامي، والركن اليماني، والملتزم، وميزاب الرحمة وغيرها.
وفي يوم، بدلا من الدخول إلى صحن المطاف من باب الملك عبد العزيز، تجولت إلى توسعة الملك فهد، ودخلت فيه من باب، فوجدته مملوءا بالناس، بعضهم يصلون، وبعضهم يتلون القرآن، والبعض الآخر يحملون في أيديهم اليمنى المسبحة، يعدون الخرزات المنظومة فيها مسبحين أو مصلين. وهناك أناس آخرون يستريحون بعد الصلاة أو التلاوة. وفي التوسعة كفاية لمن يريد أن يبقى في المسجد الحرام لساعات طويلة. تلمست مكانا خاليا، وجلست لأستريح قليلا قبل أن أبدأ في الصلاة. وكان هناك بجنبي رجل لحيم، طويل القامة، قوي العضلات، ربما في أربعينياته. أنه خاطبني بالإنجليزية مشيرا إلى لون كورتا الأصفر الذي كنت لبسته في ذلك اليوم، وأظهر إعجابه به، وهكذا استأنسنا، وبدأنا نتحدث عن أحوال بلادنا، وثقافتنا. كان من تركيا أصلا، ولكنه يقيم في ألمانيا منذ وقت طويل ويعمل في شركة هناك، وجاء معتمرا من هناك. كان فخورا بإسلامه مثل ما كان فخورا بثقافته التركية، وقد كان سعد بالعمرة ثلاث مرات من قبل. كان متحمسا لحقوق النسوة، وكان يعتبر بأن الحكومة السعودية لا تراعي حقوق النسوة، وهذا خلاف للإسلام. وكذلك الملوكية خلاف للإسلام ويجب أن تقام هناك جمهورية. وبعد حوالى ساعة دعا لي عمرة مقبولة وكذلك دعوت له ثم غادر إلى فندقه إذ كان متعبا جدا. فيما بعد زرت الزوايا الأخرى للتوسعة، فاكتشفت في داخلها مكتبة متواضعة، لمن يريد أن يقضي بعض أوقاته في دراسة الكتب ومطالعتها. والكتب موجودة في اللغات العديدة والمواضيع المختلفة، وفرحت كثيرا عندما رأيت بعض كتب الكتاب الهنود من أمثال العلامة السيد سليمان الندوي، والشيخ أبي الحسن الندوي على رفوف مكتبة الحرم.
ويوما بعد إكمال العمرة، خرجت من الباب الواقع بالقرب من جبل المروة، فأدركت أنه باب السلام، ووجدت أمام الباب ميدانا واسعا للجلوس، ويلوح لنا قمة جمل شامخ من بعيد، وفي نهاية هذا الميدان، وجدت مكتبة مكة المكرمة الشهيرة التي تعرف لكونها في مكان ولادة نبينا عليه ألف ألف سلام. ويقال إنها في شعب أبي طالب. ومبنى المكتبة يتكون من دورين مستطيلين. وعندما اقتربت إلى المبنى وجدت بابه مغلقا. وهناك حراس يلاحظون كل زائر بدقة لكى لا يتبرك به أحد. وعندما بدأت أقرأ ما كان مكتوبا على لوحات المكتبة، بدأ الحارس يسألني ماذا أفعل، إذ ظن أنني أشير إلى المكتبة للتبرك بها أو حتى أشرك بالله، يا للعجب. إنهم قد أحرموا على الناس حتى علامات الحب والاحترام باسم الشرك.
في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم:
خرجنا يوم الأربعاء 10 مايو بعد صلاة الظهر إلى المدينة المنورة بشوق وحنين، مغادرين خلفنا مكة المكرمة والبيت العتيق بحزن عميق. الحافلة مريحة ومكيفة، ونوافذها شفافة، تلوح لنا من خلالها الجبال الجرداء القاحلة بعضها سوداء كأن الشمس أحرقتها، وعلى بعضها تكسو كسوة أعشاب قد اصفرت بسبب أشعة الشمس اللافحة، ربما نبتت هذه الأعشاب عند هطل مطر نادر في المرة الأخيرة على هذه الأرض المقدسة. أنا أحدق في الجبال على مدى البصر، فتلوح لي بعض شجيرات قد مالت إلى الاصفرار هنا وهناك، عيني تتشبث بهذه المشاهد غير الجميلة، وذهني يجول في صفحات التاريخ. وجدتني أستحضر ما كنت قرأته في كتب سيرة الرسول -عليه ألف ألف سلام- عن الهجرة المباركة، والوقائع، والمعجزات النبوية التي حدثت خلالها، والمشقات والمشاكل التي عانى منها نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ورفيقه في الغار سيدنا أبو بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه-. شعرت كأن عيناي تفيضان بالدموع فرأيت إلى جانب اليمين للتأكد من أن أبي لا يراني باكيا، إذ قد يضطرب لي ويسألني هل هناك مشكلة، فوجدته يغط في نوم وقد أسند رأسه إلى أعلى مقعده. ألقيت نظرة في جانب اليسار، فرأيت زوجتي في نفس الحال، وعند ذلك أدركت بأنني أستطيع أن أفتح سد عيني لتسيل الدموع كما تشاء.
توقفنا في الطريق قليلا لصلاة العصر، ولكى يحتسي كل منا كوبا من الشاي ويأكل بعض الوجبات الخفيفة. عندما رجعت إلى مقعدي، وبدأت الحافلة تجري على الطريق مرة أخرى، لفت انتباهي شيخ مسن كان جالسا بجانب زوج عمتي خلفنا. كان ينشد بعض الأبيات في مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- بلحن جميل له وقع في القلب، فتوجهت إليه وتعرفت عليه، وهو الشيخ أحمد ذكي، في منتصف السبعينيات من عمره، ينتمي إلى مدينة مؤوناث بانجان، بولاية أترابراديش الهندية، ويدير مدرسة دار العلوم القديمة القائمة بالمدينة نفسها. إنه أنشد أبياتا عديدة من ملحمة شاهنامه للشاعر الأردي حفيظ جالندهري، وأبياتا عديدة أخرى من قصيدة “مد وجزر الإسلام” للشاعر الأردي ألطاف حسين حالي، واكتشفنا فيما بعد أنه شاعر بنفسه وأنشد لنا إحدى قصائده في مدح النبي -صلى الله عليه وسلم-، والتي قالها عندما زار الحرمين الشريفين قبل عشرين سنة. وبينما كنا مشغولين في الحوار والتبادل الشعري، أدركنا بأن عددا كبيرا من ركاب الباص كانوا قد أصغوا إلينا.
إذ كنا قد طوينا أكثر من نصف مسافتنا، بدأت الخضرة في جانبي الطريق السريع تزيد باقتراب المدينة المنورة، فتظهر بعض الحقول هنا وهناك على الساحة رغم سلسلة الجبال التي ما زالت قاحلة كما بدأت لنا للوهلة الأولى في مكة المكرمة. بدأت الشمس تميل إلى الغروب، وعندما اختفت خلف الجبال في النهاية، انزويت إلى نفسي إذ لم يتراء لي شيء من خارج الباص بسبب الظلام، وهذا زادني شعورا باقتراب مدينة النبي-صلى الله عليه وسلم-، المدينة التي نزح إليها خاتم النبيين -عليه ألف ألف سلام-، والمدينة حيث تأسست أولى دولة إسلامية في قيادته، فشعرت كأن قلبي ينتعش من جديد، ونفسي تبتهج ببهجة لا مثيل لها، الشوق يزداد لقراءة السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، والحنين يتضاعف لزيارة المسجد النبوي بقطع المسافة شبرا شبرا، ولم أشعر متى بدأت أتغنى قصيدة الشاعر الأردي إقبال عظيم:
مدینے کا سفر ہے اور میں نمدیدہ نمدیدہ
جبیں افسردہ افسردہ، قدم لگزیدہ لگزیدہ
ترجمة: أنا أسافر إلى المدينة المنورة وعيني تفيض بالدموع. الجبين مضطرب، والأقدام تنزلق بشدة الشوق.
عندما وصلنا فندق “كرم الخير” في المدينة المنورة، كانت قد أُذنت لصلاة العشاء، فوضعنا الأغراض في غرفتنا بسرعة، ثم سألنا المدير عن الطريق إلى المسجد النبوي، فقال مبتسما، ستجده أمامك إذا خرجت من البوابة الأمامية للفندق ونظرت إلى يسارك. وما إن خرجنا من المسجد وجدنا أمامنا ساحة مترامية الأطراف للمسجد، ولاحت لنا مناراته التي كانت تلمع بالضوء الأخضر، وكان علينا أن نعبر هذه الساحة للوصول إلى مبنى المسجد النبوي الشريف، ولكن ما إن وضعنا أقدامنا في الساحة، انتهى الإمام من الجماعة. فأقمنا جماعة في الساحة نفسها وصليت بمن كانوا معي، وبعد الصلاة رجعنا إلى الفندق من دون أن نتقدم إلى المسجد ونشاهده ملأ العين وذلك لتأخر العشاء، وبسبب تعبنا، فقد استغرق السفر من مكة إلى المدينة حوالي ست ساعات.
الساحة التي تقع بين فندقنا وفناء المسجد، هي الساحة الغربية للمسجد النبوي، ومضيئة بالشموع، وستنضم إلى المسجد النبوي تحت مشروع توسعة الملك عبد الله بن عبد العزيز. وفي الجهة الشمالية من هذه الساحة تقع سقيفة بني ساعدة المعروفة، وهي معلم تاريخي شهد حدثا كبيرا في تاريخ المسلمين، وهو مبايعة الصحابة على أيدي أبي بكر الصديق–رضي الله تعالى عنه- إثر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. كنا نقطع هذه الساحة كل يوم لنصل إلى مبنى المسجد النبوي الشريف.
بعد العشاء، استرحنا قليلا لاستعادة النشاط والقوة ثم خرجنا أنا وزوج عمتي إلى المسجد النبوي الشريف، أما أبي فلم يتمكن من مرافقتنا إذ كان مرهقا جدا. عبرنا الساحة وتجولنا في صحن المسجد مندهشين بجماله، ومغمورين بالفرح والسرور للغاية، فقد تحققت أكبر أمنية، وأعظم بغية لنا في الحياة. كان الليل قد انتصف ولكن لم نشعر بذلك، فقد كان المسجد مضيئا بالشموع الكبيرة، ومزدحما بالزوار من البلدان المختلفة، هذا الأسود يصلي النوافل، وذلك الأبيض يتلو القرآن. تخرج جماعة من الناس من باب المسجد فتدخل جماعة أخرى للزيارة من باب آخر للمسجد.
دخلنا مبنى المسجد وشربنا الماء ملأ البطن، ولم تكن هناك مشربية رخامية لسقيا زمزم كما شهدنا في مكة في أمكنة مختلفة، بل حافظات ماء زمزم وضعت في داخل مبنى المسجد الواسع في المسارات أمام الباب. بعد ذلك ذهبنا إلى الفناء الأمامي للمسجد، وعندما لاحت لنا القبة الخضراء، انجذبنا نحوها كأن فيها قوة مغناطيسية عجيبة، فلم نتمالك على أن نبعد عيوننا عنها. فهذه هي القبة الخضراء التي أصبحت رمزا لحب نبينا محمد -عليه ألف ألف سلام-في شعر المديح النبوي لدى شعراء اللغة الأردية. وقد خصوا صنفا للمديح النبوي ويسمونه النعت. والجدير بالذكر أن كل مجموعة شعرية للشعراء المسلمين و غير المسلمين أيضا في الهند تبدأ بالحمد لله تعالى ثم يتبعه النعت في مدح النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبعد ذلك تأتي الأغراض الشعرية الأخرى مثل الغزل وهلم جرا. ولا ترى نعتا أي المديح النبوي لشاعر من دون ذكر القبة الخضراء التي كنت أشاهدها بعيني هاتين في ذلك الحين، فشعرت كأن روحي ترتفع، وقلبي ينتشع، وأحسست كأنني أطلق العنان لعيني فتتدفق بالدموع، دموع الحب، والشوق، والحنين. لست أدري كم وقتا بقيت هنا ثم عدت مطمئن القلب لأنام وأستريح قليلا إذ كانت التعب قد دب في أعضائي.
زيارة مرقد النبي-عليه ألف ألف سلام:
في اليوم التالي، استيقظنا عند أذان التهجد، فأسرعنا إلى المسجد النبوي الشريف، وصلينا النوافل، واشتغلنا بالدعاء حتى أذان الفجر. وبعدما انتهينا من صلاة الفجر استلقينا على المصلى لنستريح قليلا حتى بدأت أولى أشعة الشمس تصلنا، فرأينا منظرا غريبا، شاهدنا أساطين الأضواء في فناء المسجد تفتح أجنحتها مثل العقاب، وتتحول إلى مظلات كبيرة حتى الفناء الذي بدا مفتوحا في الليل أصبح مغطى بالمظلات الكبيرة تحمي الناس من الشمس المحرقة.
ذهبنا إلى مرقد النبي -صلى الله عليه وسلم-، انضممنا إلى ذيل الصف الطويل للزائرين عند باب السلام. رأينا الناس يتقدمون بخفية ويسلمون على النبي-عليه ألف ألف سلام- بأدب واحترام للغاية، وكذلك على صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، خاضعين رؤوسهم، مخافتين أصواتهم بين نداءات رجال الشرطة من وقت لوقت “رح يا حجي، أسرع يا حجي”. وكان هناك بعض الزوار والمحرمين الذين يسجلون هذه اللحظات التذكارية المباركة في كاميرات هواتفهم الجوالة. عندما وصلت في محاذاة مرقد النبي-عليه ألف ألف سلام- سلمت عليه، وتمنيت أن أبقى هناك قليلا وأبوس الشباك الذهبي إذ شعرت عواطفي تجيش، وروحي ترتقي، وحبي له ينبع من أعماق قلبي، وعيني تبلل خدي بدون انقطاع، فهذا مرقد خير البشر، وخاتم الأنبياء، ومرقد من أخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها. وهذا مرقد من ملأ الدنيا بنور الإسلام، ولكن لم يكن القيام هناك مسموحا لوقت أطول، فتقدمت قليلا وسلمت على صاحبيه، ثم دَلفت إلى الأمام للخروج من باب البقيع.
انقلبنا إلى فندقنا للفطور، ثم عدنا إلى المسجد عند أذان الظهر فوجدنا لأنفسنا مكانا تحت مظلة عند باب الملك سعود وصلينا الظهر، ثم العصر ثم المغرب، وعندما انتهينا من صلاة العشاء، توجهنا إلى فندقنا لنتعشى ونستريح، وهذا أصبح عادتنا لأربعة أيام قادمة.
قد أخبرنا بعض رفاقنا بأن مقبرة جنة البقيع، تفتح بعد صلاة الفجر مباشرة ولا يسمح الدخول إلا لعدد قليل من الناس. ففي اليوم القادم، صلينا الفجر عند باب الملك عبد العزيز، وما إن سلم الإمام لصلاة الفجر أسرعنا إلى البوابة الغربية لمقبرة البقيع، وكان أبي رغم مشكلته في المشي أسرع معنا فمن لا يتمنى أن يلقي السلام على بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وأزواجه المطهرات، وثالث خلفاء المسلمين ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأقربائه، وعشرات آلاف من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وآلاف من الصلحاء والأتقياء رحمهم الله رحمة واسعة. انتظرنا هناك هنيهة ولكن لسوء حظنا، لم يُفتح باب البقيع، وعندما استفسرنا وجدنا السبب وهو عدم وجود جنازة للدفن، فتذكرنا بأن الإمام لم يصل على جنازة ما اليوم، فزرنا مقبرة النبي-عليه ألف ألف سلام- وعدنا إلى فندقنا.
في متحف المسجد النبوي:
عند المساء، كنت وحيدا بعد صلاة المغرب، فتقدمت إلى متحف المسجد النبوي الشريف، وعندما دخلت بعد اشتراء التذكرة، قال لي المضيف “انتظر هنا للغة الأردية”، وهناك أدركت أنه يعتبرني من ناطقي اللغة الأردية لكوني ملبوسا في “كُرتا وبائجمامه”، فابتسمت إذ نحن في الهند نعتبر هذا اللباس بدلة دينية، ومن لا يلبسه من خريجي المدارس الإسلامية لا يعتبر عالما دينيا في الأوساط الدينية، ولكن لدى سكان مدينة النبي، هذا ملبس هندي ولا صلة له بالدين الإسلامي.
كانت في هذا المُتحف تعرض الأشياء القديمة التي كانت تُستخدم في المسجد النبوي في قديم الزمان مثل الإبريق للوضوء، والشمعدان، والدلو، وأشياء عديدة أخرى. وقد ألقى المضيف الضوء على توسيعات المسجد النبوي عبر العصور وأعطى لنا لمحة عن تاريخه المجيد فيما يتعلق بتشييده وبنائه. وكانت هناك هياكل خشبية لتمثيل التوسيعات المختلفة للمسجد النبوي الشريف عبر الزمان.
زيارة مسجد قباء:
بعض الشبان من أقربائي يعملون في المدينة المنورة، و واحدهم جاء بسيارته إذ كنا نريد أن نشتري التمور وبعض الأشياء الأخرى لإهدائها إلى أقربائنا في القرية، فذهبنا معه أولا إلى مسجد قباء.
هذا المسجد يقع على بعد حوالي أربع كم من المسجد النبوي، وكنت تخيلته مبنى تاريخيا حوله بيوت مكثفة وأسواق مزدحمة، ولكنني وجدته مبنى شامخا تم تشييده على طراز جديد، وحوله حدائق التمور والمزارع الخضراء على مد البصر، يتخللها بعض البيوت أو المكاتب، وربما هذا أكثر المكان خضرة في المدينة على حد علمي. وهناك مسار ممتد إلى الحرم المدني، ويمكن وصوله ماشيا على الأقدام إذا استطاع أحد. بدأت أصلي النوافل ولكن كانت مناظر حياة نبينا محمد -عليه ألف ألف سلام- بهذا المكان تتبادر إلى ذهني، فأرى خير البشر يؤسس أول مسجد في تاريخ الإسلام، ويحمل الحجر بنفسه لبنائه حتى يبدو كأنه يرزح تحت حمله، وإذا أصر أحد الصحابة ليحمل عنه الحجر، فيعطيه، ويعود -وبياض التراب على بطنه- ليس ليستريح، بل ليأخذ حجرا آخر. وأرى عبد الله بن رواحة -رضي الله عنه- يغني بالأبيات الشيقة ليتغلب على التعب فيتبعه الصحابة الآخرون، ويعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم معه القافية كل مرة:
أَفلَحَ مَن يُعالِجُ المَساجِدا
وَيَقرَأُ القَرآنَ قائِماً وَقاعِداً
وَلا يَبيتُ اللَيلَ عَنهُ راقِدا
وَمَن يُرى عَنِ الغُبارِ حائِدا
ولذلك جاء في القرآن الكريم بشأن هذا المسجد ” لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ.” أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك لأربعة عشر يوما حيث لحقه علي المرتضى رضي الله عنه.
بعد أداء الصلاة في هذا المسجد التاريخي العظيم، التقطنا بعض الصور التذكارية، ثم خرجنا إلى سوق قباء ولكنا وجدناه مغلقا، فذهبنا إلى مسجد بلال-رضي الله تعالى عنه- حيث صلينا العصر، وبعد ذلك اشترينا بعض الأشياء للإهداء إلى أقربائنا، من أهمها سجاجيد الصلاة، والتمور، والساعات الإلكترونية. مبنى المسجد جميل وتم تشييده على الطراز الحديث، يتم أداء الصلاة في الطابق الأول، وفي الطابق الأرضي هناك سوق للتمور وسجاجيد الصلاة، والمجوهرات الذهبية، والعطور، والأدوات الإلكترونية. وقيل لي أنه أفضل مكان لشراء الأشياء عند زيارة المدينة المنورة. وعند العودة، زرنا مسجد الغمامة، وهذا مسجد أثري بُنى بالأحجار السوداء في عهد الخلافة العثمانية. وقد تم بناء هذا المسجد في المكان الذي كان صلى رسول الله بالناس صلاة العيد، وكذلك صلاة الغائب على النجاشي ملك الحبشة الذي قام لحماية المهاجرين إلى بلاده، وأسلم فيما بعد. هذا المسجد يقع على بعد خمسمائة متر من باب السلام في الجانب الغربي الجنوبي للمسجد النبوي الشريف، وحوله مساحة واسعة، وخضرة، وبعض أشجار التمور للتنزه، وبعض الكسك للتسوق. وبالقرب من هذا المسجد مسجد أبي بكر الصديق رضي الله عنه من نفس الطراز تقريبا، ومن نفس الزمان ولكن أصغر منه في الحجم، وما يميز هذا المسجد هو أنه بُني في المكان الذي بنى فيه سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه أول بيت له بعد الهجرة.
في المساء، تجولنا في المحال التي توجد حول المسجد النبوي، فوجدنا أن الأشياء هناك أرخص بالنسبة لمكة المكرمة.
زيارة مقبرة البقيع:
كان ذلك يوما أخيرا لنا في مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فبعد صلاة الفجر مباشرة أسرعنا إلى باب جنة البقيع، فوجدنا أمامنا أناسا يشيعون جنازة إلى باب البقيع، فاتبعناهم، ودخلنا خلفهم. ولكن لم نجد العلامات والإرشادات تخبرنا عن مكان قبور بنات الرسول، وزوجاته، ومكان قبر الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان، ومكان قبر الصحابي عثمان بن مظعون، وهو أول صحابي دُفن في هذه المقبرة، وكذلك أمكنة قبور الصحابة الكبار الآخرين -رضوان الله عليهم أجمعين-. وهذا لم يعجبني، فلم أفهم لماذا لم يتم ثبت العلامات هناك، لماذا لا تعتني السلطة بالآثار التاريخية العظيمة. ولكن كنت على قدر من الإلمام بقبور بعض الشخصيات المهمة إذ كنت قد قرأت بعض الرحلات القديمة للعلماء الهنود، فإذا دخلت البقيع وجدت قبر الحسن بن علي رضي الله عنه في يمينك، ويقال أن قبر أمه السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها بجنبه. وإذا تقدمت قليلا وجدت قبور بنات النبي صلى الله عليه وسلم في يمينك عند منحنى. وإذا مضيت في يمينك قليلا، وجدت قبر عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه، ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم. وإذا اتخذت المسار بيمينك ومشيت مستقيما حوالى خمسين مترا من دون أن تلتوي يمينا أو يسارا، وجدت قبور الصحابة-رضي الله عنهم ورضوا عنه- الذين استشهدوا في وقعة حرة، والتي حدثت إثر معركة الكربلاء وشهادة الإمام حسين رضي الله عنه بعد أن طرد أهل المدينة والي يزيد، فأرسل يزيد جيشا من الشام للتأديب، ووقعت معركة حرة، وقُتل فيها عدد كبير من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين. وعندما تصل منتهى هذا الممر المتوسط تجد أمامك قبر ثالث الخلفاء الراشدين، وجامع القرآن الكريم سيدنا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه. وبسبب عدم وجود العوالم لا يمكن تحديد أمكنة قبور الصحابة الكبار، فبقينا هناك لنصف ساعة نلقي السلام على عشرات الآلاف من الصحابة الذين دُفنوا بهذه المقبرة التاريخية العظيمة التي لا مثيل لها. وبعد أن خرجنا من جنة البقيع ألقينا السلام على نبينا -عليه ألف ألف سلام-، وصاحبيه أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ثم عدنا إلى فندقنا لإعداد حقائبنا للسفر.
الوداع يا مدينة النبي:
حضر بعض معارفنا الذين يعملون هناك، وكانوا جاؤوا ببعض أمتعتهم أيضا، فساعدونا في إعداد حقائبنا إذ كان لهم خبرة في ذلك لقيامهم في الحجاز لسنوات عديدة. وضعنا حقائبنا في الدور الأرضي للفندق، ثم تغدينا، وبعد ذلك زرنا المسجد النبوي الشريف للمرة الأخيرة، ألقينا السلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى صاحبيه الكريمين، بحزن عميق، وقلب خفاق، فلم نكن نعرف هل نعود إلى هذا المكان المبارك مرة أخرى أم لا.
عندما غادر باصنا المدينة المنورة، كنا نلوي وننظر إلى منارات المسجد النبوي الشريف بشوق ولهف حتى غابت عن الأنظار، وعند ذلك جلسنا على مقاعدنا وبدأنا ننظر جانبى الطريق، فشفنا عددا من حدائق التمور الواسعة الخضراء هنا وهناك. وفي طريقنا إلى جدة، أوقف السائق الباص عند مطعم لأداء صلاة العصر إذ كان وقت العصر يضيق شيئا فشيئا. وبعد الصلاة، احتسينا الشاي مع بعض وجبات خفيفة حتى حضر وقت صلاة المغرب، فأذن شاب، وطلب مني بعض رفاقي أن أصلي بهم، ولكنني ترددت إذ كنت أتوقع أن يكون هناك إمام في هذا المسجد، وعند ذلك تقدم الشيخ أحمد ذكي وصلى بنا.
بدأ باصنا يجري على الطريق مرة أخرى وبسرعة أكثر حتى وصلنا مدخل المطار عند العشاء، فتوقف الباص، وعُرض علينا طبق البرياني للعشاء، وقد كان وُضع معنا في الباص عند المغادرة. بعد حوالى نصف ساعة، سار بنا الباص مرة أخرى وأوصلنا بوابة المطار، حيث أخرجنا حقائبنا ووضعناها على عربات المطار الصغيرة. وعندما كنا على وشك الدخول أوقفنا حارث الباب وأشار علينا أن نقوم بتغطية حقائبنا بالطريقة التي أوصتها طيران السعودية. فحسب إشارته، ذهبنا إلى باب آخر حيث تم وضع أمتعتنا في كرتونات، ثم تم تغطيتها بالبلاستيك. بعد ذلك دخلنا المطار وقمنا في ذيل صف طويل، بعد انتظار حوالى ساعة ونصف، وصلنا المكتب حيث سلمت فتاة بطاقات صعود الطائرة، ثم بدأت في وزن حقائبنا فوجدت ثلاث أو أربع حقائب تزن أكثر من عشرين كيلو غرام. أشارت علينا أن نقوم بتفكيك حقائبنا، ونخرج منها الأمتعة الزائدة، وعلينا أن نقوم بذلك بسرعة فائقة إذ لم يبق في إقلاع الطائرة إلا خمسا وأربعين دقيقة فقط. اضطرب أبي وغضب على مواطنينا الذين أثقلوا كواهلنا بأمتعتهم الكثيرة لنذهب لها لأسرتهم، وكذلك لم يراعو ملاحظات الطيران السعودي عندما وضعوا الحقائب رغم كثرة سفرهم وتجاربهم. أولا أردنا أن ندفع الغرامة للأمتعة الزائدة إذ كانت الفتاة الموظفة تطلبنا بالإسراع لكي لا تفوتنا الطائرة، ولكن المبلغ كان كبيرا جدا، أكثر من أربعة آلاف ريال، فأسرعنا إلى نفس الباب حيث كان تم وضع أمتعتنا في الكرتونات، وهنا قمنا بوزن حقائبنا وتفريغ الأمتعة الزائدة منها، وتأكدنا أن لا نخرج منها أمتعة معارفنا المقيمين في السعودية رغم غضبنا الشديد عليهم، فهذه أمانة في رقابنا وعلينا أن نؤديها إلى أسرتهم بحفاظة. فأخرجنا منها التمور التي كنا اشتريناها من السوق، واعطيناها لأحد موظفي وكالة العمرة الذي ساعدنا في مثل هذا الوقت. وأخيرا بعد الإسراع، والجري، والهرع دخلنا الطائرة، وكانت الساعة الثانية إلا الربع، وكان وقت الإقلاع المحدد هو الساعة الثانية، فحمدنا الله على ذلك.
خارج مطار لكناؤ كان هناك عدد ملحوظ من أقربائنا الذين حضروا لاستقبالنا، وبعد ذلك خرجنا إلى قريتنا. حيث حضر الأقارب والأصدقاء للقائنا و تهنئتنا، فعرضنا عليهم التمر وماء زمزم، وكذلك أهدينا إلى عدد منهم سجاجيد الصلاة هدية لهم. واستمر مجيء الناس لعدة أيام قادمة، أما أنا فبدأت أشعر كأن قلبي لا زال علقا بالحرمين الشريفين وجسمي هو الآخر عاد إلى الهند، وكأنني لم أشبع برؤيتهما، واتمنى أن أتسكع دائما في شوارعهما، وأدعو الله أن يوفقني للزيارة قريبا -إن شاء الله- لا مرة أخرى فقط بل مرات متكررة.
Leave a Reply