+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

وقفات أبي عبد الله محمد بن يوسف السورتي مع شعر الأعشى ميمون القيسي
محمد وسيم

أبو عبد الله محمد بن يوسف السورتي (1889-1942م) من أبرز علماء اللغة والأدب العربي في القرن العشرين الميلادي، كان مشغوفا بالشعر الجاهلي شغف النحلة بالأزهار، فلازمه طوال حياته وحفظ المئات بل آلاف الأبيات منه،ثم خلف العديد من الآثار المتعلقة به، أمثال شرح ديوان حسان بن ثابت، وتحقيق ديوان نعمان بن بشير، ورسالة عن النابغة والخنساء، ثم هذا العمل الذي نحن في صدد ذكره الآن، ألا، وهو عمله في شعر الأعشى ميمون بن قيس.

ومن الملاحظ أن السورتي عمل في شعر الأعشى القيسي على طريقتين: أولا قام بترتيب وتعليق وتهذيب شرح ديوان الأعشى لأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب النحوي، و ثانيا قام بشرح شعر الأعشى وحل غريبه، وهو إنتاج مستقل. لم يحظ أحد من هذين العملين الجليلين بالنشر والطباعة، بل هما موجودان في مكتبة الأديب محمد بن يوسف السورتي بسامرود غجرات بشكل مخطوط. وحصلت على صورتهما الإلكترونية بمساعدة الشيخ عبد الوهاب بن محمود بن عبد الوهاب السامرودي السورتي، حفظه الله. سأحاول فيمايلي معالجة هذا العمل الأدبي متناولا نبذة عن حياة الأعشى وشعره بالذكر.

الأعشى ميمون بن قيس وشعره:

هو أبو بصير ميمون بن قيس بن جندل بن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل[1]، نشأ بقرية منفوحة من إقليم اليمامة، في بطن من بطون بكر اسمه بنو قيس بن ثعلبة وهم عرفوا بالفصاحة. ولا توجد التفاصيل عن نشأته إلا أنه كان راوية، خاله الشاعر الربعي من شعراء الضبيعة المسيب بن علس، ثم علا نجمه وسما اسمه بصفته شاعرا مشهورا يطوف أنحاء الجزيرة العربية مادحا الملوك والأشراف حتى سمي بصناجة العرب.

عده القدماء أشعر شعراء الخمر بين الجاهليين، حيث قالوا: “أشعر الشعراء أربعة: زهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طرب، وعنترة إذا غضب”. وكان مفتونا بالخمر وبمجالسها، لا يعدل بها شيئا ولا يستطيع لها فراقا، فافتن في وصفها ووصف بيوتها وصور أثرها في النفس. وكان لا يفرق في اللذة بين محرم ومباح، وولعه بالنساء لم يكن أقل من ولعه بالخمر، يقول ابن سلام الجمحي: “وكان من الشعراء من يتأله في جاهليته ويتعفف في شعره ولا يستهتر بالفواحش ولا يتهكم في الهجاء، ومنهم من كان يبغي على نفسه ويتعهر ومنهم امرؤالقيس والأعشى”[2]. وكان سخيا كريما لا يبخل على أصحابه ورفاقه، يجتمعون في منزله فيأكلون ويشربون الخمر.

وكان أول من سأل بشعره وابتذل نفسه بالسؤال. ووصلته الرحلات إلى الشام والعراق واليمن واليمامة ونجران بأسباب الحضارة والمدنية فارتفع مستواه من البداوة الخشنة المحضة، وبدا أثره في غزله. ولكنه، رغم ذلك بقي على صفته بكونه شاعر بكر بل شاعر ربيعة، يسجل انتصاراتهم ويهاجم أعداءهم ويؤرخ وقائعهم مشيدا بأبطالهم ومنددا بخصومهم بكل خصائص العربي الأصيل. وهو مثل الشعراء الجاهليين الآخرين يهتم ببعض الأساليب نحو وحدة القصيدة والاستدارة والاستطراد والقصص. ثم يغلب على شعره اللون القصصي الحماسي فهو يصور عصره أكثر مما يصور شخصه.

وجملة القول إنه بخصائصه الفريدة كان من أعلام الشعر الجاهلي ومن أصحاب المعلقات العشرة، ومن شعراء الطبقة الأولى، لقب بصناجة العرب لأنه كان يغني الشعر أو لجودة شعره ووجود الموسيقى فيه. وقد تأثر بشعره كثير من الشعراء في العصور القادمة ووجد أثره القوي فيما بعد في أمثال الأخطل وأبي نواس وغيرهما. وله ديوان شعر قام بشرحه أبو العباس ثعلب النحوي، وذيل عليه ورتبه وهذبه محمد السورتي وفيما يلي سنتحدث عنهما.

أبو العباس ثعلب النحوي وشرح ديوان الأعشى:

هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني المعروف بثعلب النحوي (ت: 291هـ)، كان علما من الأعلام الكوفيين، وإماما من أئمتهم في النحو واللغة، وكان راوية للشعر محدثا مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة، ثقة حجة ولد ومات في بغداد. ومن كتبه: الفصيح، وقواعد الشعر، وشرح ديوان زهير، وشرح ديوان الأعشى، ومجالس ثعلب، ومعاني القرآن، ومعاني الشعر، والشواذ، وإعراب القرآن، وغير ذلك[3].

وهو أول من جمع شعر الأعشى الكبير  ورواه، وأضاف إليه شرح ما أشكل من القصائد والقطعات، من بيان معاني الكلمات والتعبيرات إلى عرض السياق وتفسير الأبيات. ولأهمية شعر الأعشى مع شرح ثعلب قام أبو عبد الله محمد السورتي بتهذيبه وترتيبه وتذييله.

  • ذيل شرح ثعلب النحوي لديوان الأعشى للسورتي

لما كان شرح ديوان الأعشى لثعلب من الكتب المهمة للأدب العربي والشعر الجاهلي اختاره السورتي لعمله، وذلك لتسهيل غايته ولتيسير الوصول إليه ولتعميم فائدته، فقام بتنقيحه من جديد عام 1357هـ عندما كان في مومباي. بقي عمله هذا غير مطبوع حتى الآن ووجدته مكتوبة بخط يده وحصلت على نسختها المصورة من قريته سامرود. وعندي نسخة أخرى لشرح ثعلب التي طبعت من مكتبة الآداب بمصر، وقام بتحقيقها الدكتور محمد حسين، أستاذ الأدب العربي المساعد بجامعة فاروق. وبعد دراسة نسختين لخصت مزايا ذيل السورتي في بعض النقاط، وهي كما تلي:

  • الترتيب الجديد: قام أبو عبد الله محمد السورتي بترتيب هذا الشرح من جديد، فرتبها على ترتيب حروف المعجم اعتبارا بحرف الروي في قافيتها، فجاء بجميع القصائد البائية التي أراد ذكرها في موضع واحد تحت عنوان “حرف الباء” وكذلك الحروف الأخرى إلى الياء، ولم يكن هذا الترتيب المعجمي في الأصل بل يخالفه تماما.
  • بعض التعليقات الوجيزة: يذكر فيها على سبيل المثال بيتا أو بيتين أو أبيات متروكة من القصيدة كما في القصيدة الثانية لحرف الباء يقول: “ومن هذه القصيدة:

وفي الحي من يهوى هوانا ويبتهى                              وآخر قد أبدل الكآبة منضبا

ومنها:  لنا هضبة لا ينزل الناس وسطها                                ويأوي إليها المستجير فيعصبا[4]

ويقول في القصيدة الرقم (66) التي مطلعها “أتصرم ريا أم تديم وصالها”: “بعد قوله خالها بيت في موضع آخر وهو:

        “وإن معدا لن تجاز بفعلها              وإن إيادا لم تقدر مثالها”

وبعده “في كل عام” البيت، “ولو أن ما أسرفتم” إلخ “وكائن”. وفي ختامها يقول: “أنشد هذه الأبيات مفرقا مرة على (60) تسعة أبيات، ومرة على (72) أحد عشر بيتا، والصواب جمعها، وفيها التقديم والتأخير”[5].

أو يذكر قصة أو قضية توجد خلف القصيدة نحو ما فعل في القصيدة مطلعها “يا جارتي بيني فإنك طالقه”، بين السورتي خلفية هذه القصيدة، وذكر امرأة كانت للأعشى من حي هزان، فدخل يوما في بيتها بعدما ذهب أخوه، لكن عندما دخل سمع صوتا سألها عنه فأخبرت أنه ابن أختها، فلما كثر ذلك مرات قال لها يوما وقد سألها أين ابن عمك هذا لا يأتيك إلا في غيبتي، فطلقها وقال هذه القصيدة[6].

  • ترقيم الأبيات والقصائد: فإنه أعطى رقما لكل بيت من القصيدة، كما رقم كل قصيدة على وجهين: ذكر الرقم المسلسل حسب ترتيبه المعجمي، ثم ذكر أيضا رقم القصيدة في النسخة الأصلية، مثلا رقم القصيدة الأولى برقم (1) ورقم (30)، وهكذا في جميع القصائد نحو الرقمين (2) و (14).
  • تهذيب الشرح: حيث فرق بين الكلمة ومعناها ووضعهما على حدة، كانتا معا في سرد واحد، فكان صعبا قراءتها وتفريق بعضها من بعض، وهذا هو الحال في الشرح الذي طبع بتحقيق محمد حسين، لكن السورتي جعله سهلا باستخدام علامات الترقيم من النقط والفواصل والخطوط.
  • بيان اختلاف النسخ والروايات في الكلمات: وهو عمله الأصلي في الذيل، يوجد عدد كبير من الكلمات التي علق عليها السورتي في حاشية الصفحة يمينا ويسارا، لكن مما يؤخذ عليه أنه لم يذكر المصادر التي أخذ منها تلك المعلومات، هل كانت لديه نسختان أم أكثر؟ أو أتى بها من عنده؟ وحتى لم يذكر شيئا عن النسخة الأولي كذلك. فمثلا في البيت الثاني عشر من القصيدة الخامسة لحرف الباء، وهو:

من يلمني على بني ابنة حسان        ألمه وأغصه في الخطوب

يقول السورتي: “إن من لامني على ابنة، ويروى لام في ابنة”[7]. ولتوضيح ذلك أكثر أقدم بعض الكمات كنموذج لاختلاف الروايات والنسخ في الجدول التالي.

الرقم المسلسل مطلع القصيدة رقم البيت عند ثعلب عند السورتي
1 ألم تنه نفسك عما بها 6 فلما التقينا على بابها ولما بقعنا على آية وجادت
2 فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي 5 وهاجت علينا غمرة فماجت عليهم غبية
3    ”   ”   “ 6 وقد شمرت بالناس شمطاء إذا شمرت بالناس شهباء
4 أجد بتيا هجرها وشتاتها 13 غديها وعشاتها آصالها وغداتها
5 ما تعيف اليوم في الطير الروح 14 فتفانوا بضراب صائب فالتقى القوم بضرب صادق
6    ”   ”   “ 31 فثداه ريمان خفها فرآه فلقا براثنا
7    ”   ”   “ 39 وإذا غاضت رفعنا زقنا وإذ غيضت نقضنا زقنا
  • التصحيف من النساخ أو الناقلين: فالفرق أحيانا لا يكون بسبب اختلاف الروايات أو بسبب الخطأ من الشارح أو المؤلف بل بسبب حذف أو زيادة النقط والهمزات سهوا من الكاتب أو آلات الطباعة، فيبينها السورتي في الحواشي كما في البيت “ساعة أكبر النهار كما شد مخيل لنوره أغناما” مخيل بالخاء المعجمة، وقد ذكرنا هذا البيت مما حفظ من تصحيفات المفضل، وإنه كان يرويه بالحاء غير المعجمة”[8].

الجدول للتصحيف

الرقم المسلسل طرف القصيدة رقم البيت عند ثعلب عند السورتي
1 كفى بالذي توليته 33 بالمغيب بالمعيب
2    ”   ”   “ 38 رام دام
3    ”   ”   “ 40 فتهيبا فتحببا
4 من ديار بالهضب 6 السيوب الشبوب
5 ألا قل لتيا قبل مرتها اسلمي 24 المخرم المخزم
6    ”   ”   “ 30 جاوزنه جاوزته
7 ما تعيف اليوم في الطير الروح 17 يشكرني تشكوني

هذه بعض النماذ للتصحيف في شرح الأعشى لثعلب واختلاف الروايات والنسخ الذي وضعه أبو عبد الله محمد السورتي في ذيله، وهو مملوء بمئات الأمثال من هذه النماذج، ومن يريد المزيد فليراجعه.

  • التصحيح وهو بيان الخطأ من الصواب: أحيانا ذكر السورتي أن الكلمة الواردة أو معناها خطأ والصواب غيره فيوضحه ويذكره. ويتضح ذلك أكثر بالمثال فهو يقول في البيت “إني لعمر الذي حطت مناسمها”: “قال الأصمعي خطت شقت التراب، وحطت خطأ لأن الحطاء الاعتماد بالزمام”[9].
  • اختلاف اللغويين في ضبط اللفظ وتحديد المعنى: تارة لا يكون الاختلاف بين النساخ بل يكون بين اللغويين والشارحين في بيان اللفظ ومعناه حتى لا يخرج عن مراده الأصلي وسياقه المطلوب، نحو ما يقول في “ولم يود من كنت تسعى له كما قيل في الحي أودى درم”: “أجمع رواة البصرة وبغداد أن “درم” مفتوح الدال ومكسور الراء إلا ابن الرومي فإنه قال دِرَم بكسر الدال وفتح الراء، وكان يعزوه إلى محمد بن حبيب وذلك في شعر له، ولما أنشده هكذا أنكره عليهم أبو العباس ثعلب”[10].

وكما ذكر في البيت “عليه سلاح امرئ ماجد تمهل في الجرب حتى اتخن” أن المازني والرياشي قال امتحن حذق، ولم يعرفه الأصمعي وكان ينشده حتى اتخن صار رزينا، وهي افتعل من اتخانة، ويجوز اتخن ولا أدري. قال المازني ولا أنكر امتحن بالحاء المهملة أن يكون رواية ومعناه خلص، ومنه قوله تعالى “أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى”[11].

وكذلك يقول في البيت “عجبت لآل الحرقتين كأنما رأوني نفيا من إياد وترخم”: قال أبو عبيدة ترخُم بضم الخاء والأصمعي بفتح الخاء، وهو حي من بلقين”[12].

  • تعريف بعض الأسماء: مثلا في البيت المذكور أعلاه يعرف ابنة حسان قائلا: “أم قيس مارية بنت قيس بن عمرو، وأمها كبشة بنت حسان بن الحرث”[13].
  • بيان خلاف في استناد القصيدة إلى الأعشى: لم يفعل هذا كثيرا بل في بضعة أماكن فقط مثل ما يقول في القصيدة اليائية عن أبي عمرو “ذريني لك الويلات آتي الفوانيا”: “قلت: وليس للأعشى حقا، وإنما هو لشاعر إسلامي”[14].

وكذلك في القصيدة الرقم (48) وهي “نام الخلي وبت الليل مرتفقا” يقول أبو عبد الله محمد السورتي: “قلت الظاهر أن هذه القصيدة ليست للأعشى البكري، ويجوز أن تكون لغيره من الحشو ويحرر”[15].

  • بعض الملاحظات الفنية: نحو ما يقول في القصيدة بيتها “فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي”: “قد التزم الأعشى في هذه القصيدة ما لم يلزمه ووفى به وأحسن غير أنه فسده بالتضمين في قوله من التي إلخ، وقد فعل مثل هذا كثير عزة أيضا…”[16].

هكذا في القصيدة التي مطلعها “أتهجر غانية أم تلم” يقول السورتي معلقا: “وفي هذه القصيدة توجيه، والتوجيه في القصيدة أن يكون ما قبل حرف الروي مختلف الحركات، ومن أهل القوافي من يجيزه على قبح وهو الأخفش، ويقول كثر من فصحاء العرب. والخليل يجيز الضمة مع الكسرة، ثم قالوا لا يكون مع الفتحة غيرها، فإن كان معها ضمة أو كسرة فهو سناد…”[17].

  • بيان الإعراب: وذلك في موضع واحد فقط وهو في البيت “لقد كان في حول ثواء ثويته تقضي لبانات ويسأم سائم” ذكر هنا السورتي قول أبي العباس المبرد أن النحويين ينشدون “تقضى بيانات ويسأم سائم” بالرفع لأنه عطف على الفعل”[18].
  • عدد القصائد والقطعات: لم يذكر السورتي جميع القصائد والقطعات الشعرية التي ورد ذكرها في شرح ثعلب بل ذكر منها 81 فقط، أما عددها لدى ثعلب بتحقيق محمد حسين فهو 222. والسبب الثاني لعدم ذكر بعض القصائد أن بعض القطعات والأبيات المتفرقة لم يذكرها السورتي على حدة بل جعلها داخل القصائد الطويلة تحت عنوان واحد. رغم ذلك لا أنكر أن السورتي ترك أيضا بعض القصائد والقطعات.

خلاصة القول في ذيل محمد بن يوسف السورتي على شرح ثعلب النحوي لديوان الأعشى القيسي

وملخص ما مضى في الذيل أن عمل السورتي هذا في تذييل وترتيب وتهذيب وتنقيح شرح ديوان الأعشى الكبير لثعلب النحوي يتعلق على الأغلب وينحصر في معظمه على المفردات، فلم يعد ولم يحد عنه إلا نادرا في بضعة أماكن فقط. ومستندا إلى هذا يرى أن غاية السورتي من تذييل هذا الشرح ربما كانت هو تحقيق الكلمات وتعيين معناه، ورفع الإشكال والإبهام الواردين في نص القصيدة. وإن صح أنه كان هدفه، فنجح فيه حقا، حيث جعل النص واضحا جليا، ثم ترتيبه الجديد وتنقيحه جعل الكتاب أكثر جمالا وروعة وأعظم فائدة وقيمة مع التيسير والتسهيل. وهو يعيين الطالب على فهمه وينشط القارئ عند ورده، ولو طبع شرح ديوان الأعشى لثعلب مرة أخرى مع ذيل السورتي هذا لكان أفضل، وذا فائدة وأهيمة كبيرة.

  • شعر الأعشى القيسي مع حل غريبه لأبي عبد الله محمد السورتي

هذا الكتاب هو شرح لبعض قصائد الأعشى القيسي الكبير، وهو إنتاج مستقل للسورتي، لذا عنونه السورتي “شعر الأعشى القيسي صناجة العرب مع حل غريبه، صنعة أبي عبد الله محمد بن يوسف بن محمد السورتي، لطف الله به وكرمه”، قام فيه بشرح بعض القصائد المختارة من ديوان الأعشى. وهو موجود في شكل مخطوط في مكتبة الأديب محمد بن يوسف السورتي بقريته سامرود.

وقد ركز السورتي فيه عنايته بشرح القصائد لغويا وتوضيح معناها حتى لا يشكل على القارئ معنى الشعر، وغاية الشاعر منه. ويستخدم فيه الشواهد من الشعر والأدب وسياق القصيدة وسبب الورود والأخبار المتعلقة عنها. ورتب القصائد على الترتيب المعجمي وفقا للقوافي من قافية الباء إلى الياء. وطريقته فيها أنه يأتي ببيت من الشعر أو بيتين أو بعض الأبيات ثم يقوم بشرحها، وهكذا يفعل حتى يصل إلى نهاية القصيدة. وبعرض وتقديم بعض النماذج من هذا الشرح سنتعرف على مزايا صنعة السورتي هذه، ونستخلص بعض ملامحها من خلالها.

النموذج الأول: مثلا بدأ السورتي هذا الشرح من القصيدة البائية التي مطلعها:

                بانت سعاد وأمسى حبلها رابا                                          وأحدث النأي لي شوقا وأوصابا

                وأجمعت صرمنا سعدى وهجرتنا                                 لما رأت أن رأسي اليوم قد شابا

فقال في شرح هذين البيتين: قوله وأمسى حبلها رابا، يريد نفسه وتلك تقول رأب نفسه ورؤب يروب روبا ورؤوبا، قال ابن العلاء: أصل الروب الخثور. ويقال: رأب الرجل إذا تحير وخثرت نفسه من شبع أو نعاس، أو قام خاثر البدن واله النفس. ويريد بـ حبل أسباب المودة. ويقال: راب من الريب والريبة، وهي الغنة والتهمة. يعني أمسى حبلها قد رابني لبعدها عني وهجرتها.

والنأي البعد يقال: نأى الرجل وناء إذا بعد، والثاني مقلوب، والمصدر النأي.

والأوصاب جمع وصَب وهو المرض، ويقال: المرض الدائم الشديد، مشتق من وصب المطر والبرق وصوبا ثبت ودام، تقول: وصِب الرجل يَوصَب فهو وصِبٌ. وقال السكري: الوصَب صداع الرأس وأنشد:

ذكرت أخي فعاودني                           رداع السقم والوصب

الصَرْم والصُرْم القطيعة، والمصدر بالفتح[19].

ثم شرح البيت الثالث:

أيام تجلو لنا عن بارد رتل                                تخال نكهته بالليل سيابا

فقال: الرتل بياض الأسنان وكثرة مائها.

تجلو لنا تكشف عن ثغر بارد، والعرب تصف الأسنان بالبرودة والبياض وطيب النكهة والبريق، وذلك محمود عندهم.

والرتل هو المتناسق البنية مع بياض، وأصل الرتل حسن تناسق الشيء، والمسيب من كل معركة.

والنكهة ريح الفم. والسياب العلج أو البسر، ولو قال السيب وهو التفاح لكان أحسن. والعرب تشبه الثغر ونكهتها بالبسر.

وتخال وتخأل معا وأيام ظرف لتجلو.

وفي شرح البيتين الأخيرين من هذه القصيدة، وهما:

                جزى الإله إياسا خير نعمته                            كما جزى المرء نوحا بعد ما شابا

                في فلكه إذ تبداها ليصنعها                             وظل يجمع ألواحا وأبوابا

قال السورتي: يريد جزى الله إياسا حسن صنعه كما جزى نوحا عليه السلام، ثم وصف جزاءه فقال في فلكه أي جزاه بفلك لينجو به من عذاب الغرق.

تبداها أقام عليها، أصل التبدي الإقامة في البدو[20].

النموذج الثاني: ذكر السورتي في باب التاء قصيدة للأعشى أنشده ابن السكيت، وهي:

ومنا الذي أسرى إليه قريبه                            حريبا ومن ذا أخطأت نكباتها

فقال له: أهلا وسهلا ومرحبا                           أرى رحما قد وافقتها صلاتها

أثار له من جانب البرك غدوة         هنيدة تحدوها إليه رعاتها

وقال في شرحها: الرجل الذي أسرى إليه قريبه، سعد بن مالك بن ضبيعة. أسرى إليه سار ليلا.

والحريب الذي قد ذهب ماله.

ونكباتها الضمير للدنيا أي نكبات الدنيا، أضمر الدنيا ولم يجر لها ذكرتها لأنه يعلم/تعلم ما يعنى بالضمير.

يقول لما جاره من بينه وبينه رحم رحب به وقال إن الرحم التي بيننا قد وقعت صلتها يرضها.

وهنيدة اسم علم على المائة من الإبل.

تحدوها تسوقها.

والبرك يقع على ما برك من جميع الجمال والنوق على الماء أو بالفلاة من حر الشمس أو الشبع، والواحد بارك والواحدة باركة، على تقدير تاجر وتاجرة والجمع تجرة[21].

النموذج الثالث: وفي باب قافية الدال جاء، قال الأعشى يصف خمرا، وهو من قصيدة في مدح سلامة ذي فائش الحميري:

أَجِدَّكَ لَم تَغتَمِض لَيلَةً                    فَتَرقُدَها مَعَ رُقّادِها

تَذَكَّرُ تَيّا وَأَنّى بِها                 وَقَد أَخلَفَت بَعضَ ميعادِها

وفيها بيت:

فَقُمنا وَلَمّا يَصِح ديكُنا                       إِلى خمرة عِندَ حَدّادِها

قال السورتي: الرواية إلى جونة عند حدادها.

فَقُلت لَهُ هَذِهِ هاتِها                            بِأَدماءَ في حَبلِ مُقتادِها

ثم قال شارحا البيتين: الجونة الزق الأسود، يريد خابئة جونة، ويعنى بالحداد الخمار لأنه يمنع من الخمر ويحفظها، وكل من حفظ شيئا ومنع فهو حدادها، وهذه إشارة إلى الجونة، وهي الخابئة جعلتها جونة لاسودادها من القار، والمعنى هات هذه الجونة وخذ هذه الناقة الأدماء بحبل قائدها.

والأدماء الناقة البيضاء، والأدمة على ثلثة معان: إذا وصف بها الرجال فالمراد بها الحمرة، وإذا وصف بها الإبل فالمراد بها البياض، وإذا وصف بها الظباء فالمراد بها سمرة في ظهورها وبياض في بطونها.

والمقتاد قائد، والهاء في قوله “له” للخمار.

و”في” من قوله “في حبل مقتادها” في موضع خفض على الصفة للأدماء، كأنه قال بأدماء مشدودة في حبل مقتادها. ويجوز أن تكون مبنية على مبتدأ محذوف كأنه قال بأدماء وهي في حبل مقتادها. وتكون الجملة في موضع الحال من أدماء فتكون بمنزلة قولهم: جاء زيد بثيابه أي وهو في ثيابه. وجازت الحال هنا من النكرة لأنها صفة نابت مناب موصوف لأن المعنى بناقة أدماء، فالناقة في حكم ما هو ملفوظ به، فقربت النكرة من المعرفة هنا بالصفة، والوجه الأول أجود، وإن كان هذا الثاني غير بعيد، والظاهر من كلام ابن قتيبة أنه جعل “في” في هذا البيت بمعنى الباء، لأنه ذكر قوله أوقعوه برمته، ثم قال وهذا المعنى أراد الأعشى في قوله للخمار ثم أنشد البيت، وقال في تفسيره أي يعنىى هذا الخمر بناقته برمتها. وهذا ليس بجيد، لأن الشيء إذا أمكن حمله على ظاهره وموضوعه لم يجب أن يعدل عنه إلى غيره[22].

النموذج الرابع: وفي باب قافية الراء ذكر القصيدة التي مطلعها:

                ألم تروا إرما وعادا                              أفناهم الليل والنهار

وفيها بيت شعر:

                كحلفة من أبي رياح                           يشهدها لاهه الكبار

يقول السورتي في شرح هذا البيت: أبو رياح رجل من بني ضبيعة وهو حصن بن عمرو بن بدر، وكان قتل رجلا من بني سعد بن ثعلبة، فسألوه أن يحلف أو يعطي الدية، فحلف ثم قتل بعد حلفته، فضربته العرب مثلا لما لا يغني من الحلف، قاله ابن دريد في شرح ديوان الأعشى. قال العسكري في كتاب التصحيف: زعم بعض المصحفين: أن الإنسان إذا صحف في مثل هذا لم يكن ملوما. وليس كما قال وهل العيب واللوم إلا على تصحيف الأسماء وليس يعرف في أسماء العرب في الجاهلية رباح بباء تحتها نقطة واحدة إلا في أسماء عبيدها إلا في اسم رجلين: أحدهما رباح بن المغترف بغين معجمة وآخر. وأما قول الأعشى: كحلفة من أبي رياح فهو بياء تحتها نقطتان من بني تيم بن ضبيعة.

ويروى لاهه، ولاهم، واللهم، أنشده الأزهري في التهذيب وقال حققت فيها، وروى الأصمعي الواحد الكُبار[23].

النموذج الخامس: في باب قافية القاف وردت القصيدة التي قالها الأعشى في مدح المحلق، ومطلعها:

                أرقت وما هذا السهاد المؤرق                          وما بي من هم وما بي تعشق

وفيها:

                فَذاكَ وَما أَنجى مِنَ المَوتِ رَبَّهُ                          بِساباطَ حَتّى ماتَ وَهوَ مُحَزرَقُ

قال السورتي: ويروى هنالك. ثم قال: أراد النعمان بن المنذر حين سخط عليه كسرى فرمى به إلى الفيلة فقتلته، وساباط: موضع، ومحرزق: محبوس، وأصله بالنبطيطة هرزوقاء، ورواه الأصمعي وأبو زيد محرزق بتقديم الراء على الزاي، وكان أبو عمرو الشيباني يرويه بتقديم الزاي على الراء فقيل ذلك لأبي زيد فقال: أبو عمرو أعلم بهذا منا، يريد أن أمه نبطية فهو عالم بلغة النبط.

وفيها بيت آخر وهو:

هِيَ الصاحِبُ الأَدنى وَبَيني وَبَينَه                     مَجوفٌ عِلافِيٌّ وَقِطعٌ وَنُمرُقُ

فشرحه السورتي: المجوف رحل، وعلافي منسوب إلى العلاف، والقطع بساط يبسطه الراكب تحته، يغطي كتفي البعير. والنمرق وسادة، وهي هنا وسادة فوق الرحل[24].

مزايا هذا الشرح

ومما مضى من النماذج يتبين أن لغة السورتي في هذا الشرح جميلة عذبة، وأسلوبه سهل رفيع، مع وضوح المعاني والعبارة، وهو أراد فيها شرح القصائد لغويا ونحويا وصرفيا، وتحليلها من حيث الشكل والإعراب، وبيان بعض الأماكن وتحقيق بعض الأسماء والرجال، إضافة إلى آراء اللغويين والرواة فيها. وملخص مزايا هذا الشرح في ضوء دراستنا المتأنية كما يلي:

  • بيان معنى الكلمة وأصلها ومادتها وشكلها مع إيراد المراد منه، واستناد ذلك المعنى إلى أئمة اللغة، ومع ذكر الشاهد عليه من الشعر وغيره. ثم استخدام الكلمة في ذلك المعنى عند العرب، وحقيقة أو مجازا أو تشبيها. وكذلك إبداء الرأي من عنده إذا ظهر له ذلك كقوله في “السياب” ولو قال السيب وهو التفاح لكان أحسن. وكذلك ذكر الخلفية أو سبب الورود لقصة أو مثال.
  • تحقيق وشرح أسماء الأماكن والبقاع، وتصحييح النص إذا لزم، مع نقل أقوال اللغويين في معنى الكلمة. وجمع أبيات القصيدة من الكتب المختلفة.
  • تعريف المجهول المشار إليه في الشعر، وتحليل العبارة نحويا وبيان محل الضمائر وغيرها من الإعراب. ثم ذكر مشتقات الكلمة مع ما تشابها من الكلمات.
  • ذكر الرواية الأخرى في ألفاظ البيت، ثم التدقيق في شرح الكلمة لغويا وتفسيره الجامع في سياق المعنى المراد في الشعر. وذكر عدة معان للكلمة إذا كانت موجودة، ثم بيان الصور التي يمكن حمل العبارة عليها من حيث المعنى والإعراب، وبيان اختلاف آراء الشارحين أو اللغويين في شرحها، ثم تطبيقها أو توجيهها أو ترجيح أحد منها.
  • التفصيل في تحقيق اسم معين، والتعيين للقصة التي أشير إليها في الشعر، ونقل أقوال المؤلفين في السياق.
  • تحقيق حروف الكلمة وتبيين القلب أو التصحيف أو غيره لو وقع ذلك.

وخلاصة القول إن هذا الشرح عمل مهم ومفيد، اختار السورتي القصائد فيها حسب إرادته ثم رتبها على ترتيب المعجم حسب قافيتها، ولم يقتصر على أخذ القصائد من مكان واحد بل جمع أيضا الأبيات المتروكة للقصيدة من عدة أماكن، في كتب اللغويين والرواة، ثم أخيرا قام بشرحها لغويا ونحويا وصرفيا وبلاغيا وتاريخيا، فوفقه الله بالإحسان في هذا العمل، لذا لو نشر هذا الشرح مع بعض التهذيب والترتيب لكان إثراء كبيرا في مكتبة اللغة العربية، والتراث العربي الهندي.

 

هوامش المقال: 

[1] الأعشى ميمون بن قيس، مقدمة الديوان، تحقيق محمد حسين، ص: أ، مكتبة الآداب بالجماميرت.

[2]نفس المصدر، ص: ق.

[3]الزركلي خير الدين، كتاب الأعلام، ج1 ص: 267، المكتبة الشاملة.

[4]السورتي محمد بن يوسف، ذيل شرح ديوان الأعشى، ص: 5، مخطوطة.

[5]نفس المصدر، ص: 154 و155.

[6]نفس المصدر، ص: 111.

[7]نفس المصدر، ص: 11.

[8]نفس المصدر، ص: 177.

[9]نفس المصدر، ص: 121.

[10]نفس المصدر، ص: 159..

[11]نفس المصدر، ص: 187.

[12]نفس المصدر، ص: 165.

[13]نفس المصدر، ص: 11.

[14]نفس المصدر، ص: 191.

[15]نفس المصدر، ص: 106.

[16]نفس المصدر، ص: 20.

[17]نفس المصدر، ص: 157.

[18]نفس المصدر، ص: 172.

[19]أبو عبد الله محمد بن يوسف السورتي، شعر الأعشى القيسيمع حل غريبه، ص: 1، نسخة مخطوطة، مكتبة الأديبمحمد بن يوسف السورتي بسامرود، سورت.

[20]أبو عبد الله محمد بن يوسف السورتي، شعر الأعشى القيسيمع حل غريبه، ص: 4.

[21]نفس المصدر، ص: 12.

[22]نفس المصدر، ص: 26.

[23]نفس المصدر، ص: 69.

[24]نفس المصدر، ص: 88.

المراجع والمصادر

  • أبو يحي إمام خان نو شهروي، هندوستان مين اهل حديث كى علمى خدمات،جيد برقي بريس دهلي.
  • أحمد علي شوقي رامفوري، تذكره كاملان رامفور، خدا بخش اورنتيل ببلك لائبريري، الطبعة الثانية 1986م.
  • أحمد بن علي الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية، (تصحيح العلامة السورتي) دائرة المعارف العثمانية حيدرآباد الطبعة الأولى 1357هـ.
  • إرشاد الحق أثري، هند وباك مين علماء اهل حديث كى خدمات حديث، مركزي مكتبه اهل حديث، مئو، الطبعة الأولى 1995م.
  • خير الدينالزركلي، كتاب الأعلام، ج1 ص: 267، المكتبة الشاملة.
  • رئيس أحمد جعفري، ديد وشنيد، عظيمي برنتر كرانحي1987م.
  • سليمان الندوي، ياد رفتغان، دار المصنفين أعظم كره 2000م.
  • عبد الحي الحسني، الإعلام بمن في تأريخ الهند من الأعلام (نزهة الخوالطر) مكتبة دارعرفان راى بريلي الهند 1983م.
  • فرزانه لطيف، مولانا محمد سورتی حالات زندگی اور علمی خدمات، (مولانا محمد السورتي، حياته وخدماته العلمية)، الكتاب إنترنيشنال دلهي، ط2، 2008م.
  • محمد إسحاق بهتي، بزم ارجمندان، مكتبة قدسية لاهور الطبعة الأولى 1996م.
  • محمد عزيز شمس، أعلام المحققين في الهند وجهودهم في نشر التراث العربي الإسلامي، الألوكة 26/03/2011م net/culture ز: 15/12/2021م.
  • محمد بن يوسف السورتي، أزهار العرب، دار البحوث الإسلامية بالجامعة السلفية بنارس الطبعة الأولى 1993م.
  • محمد بن يوسف السورتي،ذيل شرح ديوان الأعشى، مخطوطة مكتبة الأديب محمد بن يوسف السورتي بسامرود، غجرات.
  • محمد بن يوسف السورتي،شعر الأعشى القيس صناجة العرب مع حل غريبه، مخطوطة مكتبة الأديب محمد بن يوسف السورتي بسامرود، غجرات.
  • محمد بن يوسف السورتي، قواعد عربي (علم صرف) مطبع جامعة ملية عليكره الطبعة الأولى 1924م.
  • محمد بن يوسف السورتي، كتاب التوحيد (ترجمة أردية) الدار السلفية مومبائي الطبعة السادسة 2000م.
  • ميمون بن قيس الأعشى، مقدمة الديوان، تحقيق محمد حسين، مكتبة الآداب بالجماميرت.
  • نذير نيازي، مكتوبات اقبال، اقبال أكيدمي كراتشي، الطبعة الأولى 1957م.

*الباحث في قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي، الهند

1
Leave a Reply

avatar
1 Comment threads
0 Thread replies
0 Followers
 
Most reacted comment
Hottest comment thread
1 Comment authors
Md Khalid Bin Saif Recent comment authors
  Subscribe  
newest oldest most voted
Notify of
Md Khalid Bin Saif
Guest
Md Khalid Bin Saif

I am really happy to get such a knowledgeable and hardworking Teacher.. Thanks sir