+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

البرامج الحوارية التفازية في ضوء نظرية التأدب: مقاربة تداولية
يعقوب أركيهوصلا أسامة

ملخص:

يتناول هذا البحث دراسة البرامج الحوارية التلفازية وفق نظرية التأدب، لنرى كيفية تَكوُّن “التأدب” بوصفه طرحا بحثيا تداوليا جديدا، وإسقاطه على البرامج الحوارية التلفازية. وهل تتماشى طبيعة الحوارات التلفازية مع مبادئ التداولية عند لاكوف. فنستجلي أثر هذه النظرية في تحقيق النجوع والفعالية في العملية التحاورية. مع كشف القوى الإنجازية من استعمال استراتيجية التأدب، وصور تمثلاتها وتجلياتها من خلال ورودها في سياقات مختلفة. يقوم هذا البحث بتحليل نماذج مختارة وفق المنهج التداولي، مقسّما إلى تمهيد و مبحثين، فخاتمة، يليها قائمة المصادر والمراجع.

وانتهى البحث إلى أن لـــــ”مبدأ التأدب” حضورا في نماذج مختارة، وأنه فعلا يساعد على تحقيق الهدف من العملية التحاورية، وفي بناء العلاقات البينية بين المتحاورين، وأن غياب هذا المبدأ يؤدي إلى الفشل في بناء العلاقات الجيدة. وأخيرا، فإن نظرية التأدب تنتظم في أطر منهجية تتمثل في التعفف، والتخيير، والتودد. وأنها تشمل الجانب التبليغي والتهذيبي، وتتمثّل في عدد من الصور منها (الأسليب غير المباشرة، والتكرار، والملطفات، واستعمال الألقاب والدجات العلمية) واستراتيجية التأدب تحمل معاني أخرى ضمنية في الاستعمال اللغوي.

 الكلمات المفتاحية: الحوار التلفازي، المقاربة التداولية، نظرية التأدب، الرموز المستعملة.

مقدمة البحث:

تبوأت نظرية “التأدب” في وقت متأخر موقعا مركزيا في البحث اللساني، وخاصة في المجال التداولي. ونالت شرعيتها في أبحاث جون سورل (الأفعال الكلامية غير المباشرة) وفي نظرية المحادثة عند غرايس (الاستلزام الحواري)؛ لأن الأفعال الكلامية معنية بطرق التفاوض مع مختلف الأفعال وبأدائها، وخاصة ما كان أداؤها اجتماعيا صعبة. أشار سورل إلى أن “التأدب” هو أكبر سبب للعدول من التعبير الصريح إلى التعبير غير الصريح([1]). مثلما ورد عند غرايس في حديثه عن قواعد أخرى “لتكن مؤدبا” وأضاف قائلا: “…والتي قد تولد معاني غير عرفية”([2]). وبهذا يرى كثير من الباحثين أنه من المستحيل وصف الأحداث الكلامية بنجاح دون أخذ العلاقات البينية بين المشاركين في العملية التواصلية بعين الاعتبار.

وتتمثل مشكلة هذا البحث في دراسة البرامج الحوارية التلفازية وفق نظرية “التأدب” لنرى كيفية انتظام هذه النظرية وإسقاطها على الحوارات التلفازية وهل تتماشى طبيعة الحوارات التلفازية مع مبادئ التداولية عند لاكوف. فنستجلي أثر هذه النظرية في تحقيق النجوع والفعالية في العملية التحاورية. مع كشف القوى الإنجازية من استعمال استراتيجية التأدب، وصور تمثلاتها وتجلياتها من خلال ورودها في سياقات مختلفة في تلك البرامج الحوارية التلفازية.

تبدو أهمية هذا الموضوع في أنه يتناول البرامج الحوارية التلفازية التي تمثّل جانبا من جوانب الكلام المنطوق في شكلها الطبيعي العفوي إلى حد كبير بالدراسة، هذا من جانب، ومن جانب آخر اهتمام هذا الموضوع باستعمال اللغة في استراتيجيات التواصل. وسيسهم هذا العمل في استجلاء مدى مراعاة المتحاورين العلاقات البينية فيما بينهم، وكيف يسهم ذلك في تحقيق الهدف من التواصل. وأي طابع أطغى في البرامج الحوارية التلفازية طابع وضوحي أم تأدبي؟.

ومن أهداف هذا البحث بيان انتظام التأدب، وإسقاطه على البرامج الحوارية التلفازية.

  1. بيان كيفية انتظام نظرية التأدب.
  2. الكشف عن مدى تماشي طبيعة هذه البرامج مع مبادئ التداولية،
  3. إبراز أثر هذه النظرية في تحديد المعاني السياقية.

وينتهج الباحث في هذا العمل المنهج الوصفي، يصف ويحلل الألفاظ والتراكيب، والجمل التي ورد فيها “التأدب” وصور وروده. ويظهر العمل في تمهيد، ومبحثين فخاتمة ونتائج وقائمة المصادر والمراجع. استعمل الباحث بعضَ الرموز لتمثيل الظواهر غير اللغوية، مثل [ ] للتداخل، ولامتداد الصوت (:) وللوقف (.) وللتتابع الكلامي (=) ولتقطع الكلمة (-) ولمقطع غير مسموع ( )، ولوصف المصاحبات الصوتية مثل الضحك، هز الرأس، والحركة اليدوية أو لتغيير الشفرة اللغوية (( )) ولارتفاع الصوت (á) ولانخفاضه (â).

التوصية: أوصي الإخوة الباحثين بالاهتمام بالخطاب المنطوق في دراساتهم اللسانية، ليستعيد الخطاب المنطوق مركزه المحوري، كما كان في المراحل الأولى من الدراسات اللغوية، ولأن في الخطابات المنطوقة آفاقا واسعة صالحة للبحث والتنقيب.

الدراسات السابقة:

وقف الباحث على عدد من الأبحاث التي تمثل الدراسات السابقة لهذا البحث، وإن كانت أغلبها في النص المكتوب، وفيما يأتي قائمة ببعضها:

  • التأدب مبدأ خطابي: دراسة تطبيقية في الخطاب الروائي رواية “لأفاييب” لــ”هند الزنادي” أنموذجا للباحث عبد الستار الجامعي. (2018م).

تناول البحث مفهوم التأدب ونشأته ومراحله، ثم تطبيقه على رواية “لأفاييب” لــ”هند الزنادي” من ناحيتين: أولاها ناحية احترام المبدأ بجميع قواعده المتفرعة (قاعدة التعفف، وقاعدة التخيير، وقاعدة التودد). وأخراها من ناحية خرق مبدأ التأدب والقواعد المتفرعة عنه، لمعرفة أثر ذلك في المعاني الضمنية. وانتهى البحث إلى أن هذا المبدأ ترجع جذورها إلى الثقافة العربية الإسلامية، وأن العرب قديما تفطنوا لهذه النظرية وإن لم يضعوا لها عنوانا مستقلا، كما رأى أن نظرية التأدب لا يمكن احترامه في جميع مراحل الخطاب، وخاصة في مدونته. ويختلف عمل الباحث من عمل عبد الستار الجامعي في أن عمله في المدونة المكتوبة، وأنه بحث في احترام مبدأ التأدب وخرقه، وأنه بحث في جذور نظرية التأدب. أما عمل الباحث في المدونة المنطوقة وخاصة في البرامج الحوارية التلفازية، وأن عمله في انتظام مبدأ التأدب في البرامج الحوارية التلفازية وإمكانية تطبيقه على هذه البرامج، هل له حضور في هذه البرامج أم لا، وما مدى التزام المتحاورين بهذا المبدأ.

  • مبدأ التأدب في عهد الإمام علي إلى مالك الأشتر قراءة تداولية. للباحث أ.د. حميد عبد الحمزة الفتلي، (2017م).

تناول البحث مفهوم التداولية، ثم عرّج على التعريف بمبدأ التعاون عند غرايس، ووضّح قواعده، ثم تناول مبدأ التأدب، مقرًّا أن له أصولا في التراث اللغوي العربي، وخاصة القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة. ثم عرّج على تناول أهم مراحل هذا المبدأ، وأطواره، والاتجاهات التي مرّ بها، بدْءا من “غرايس”، فـــــ”لاكوف”، فـــــ”ليتش”، فـــ”براون و ليفسون”، فــ”عبد الرحمن طه”، وأخير تطبيق مبدأ فيما صدر من الإمام علي (رضي الله عنه) في عهده إلى مال الأشتر. وتوصل البحث إلى أن مبدأ التأدب يرجع أصوله إلى التراث اللغوي العربي وأنه جاء في صور منها: (الضمير والكناية). ويختلف هذا العمل عن عمل الباحث في أنه في الخطاب المكتوب، وعمل الباحث في الخطاب المنطوق، إضافة إلى أن عمل الباحث في معرفة كيفية انتظام مبدأ التأدب ومدى تطبيقه على البرامج الحوارية التلفازية، وأثر هذا المبدأ في المعنى.

  • نظرية التأدب في اللسانيات التداولية للباحث التونسي أ. د. حاتم عبيد، (2014م).

يمثل هذا البحث تعقيبا علميا على نظرية التأدب في أبرز أطواره التي مرت بها، وأشهر الأعلام الذين يمثلون الرموز العلمية في دراسة هذه النظرية. وقام البحث على المنهج الوصفي بعيدا عن النزعة المعيارية السائدة في الكتب الآخرى التي تناولت “التأدب” مثل كتاب (أدب الدنيا والدي، وكتاب النساء في حسن المعاشرة ، والوجيز في التأدب، حيث تضع هذه الكتب المعايير والضوابط لـــــ”التأدب” ويرى الباحث أن الباحث المغربي لم يستطع التخلص من النزعة المعيارية فيما وضعه في كتابه (اللسان والميزان أو التكوثر العقلي). ما حاول الباحث نقد المناويل الكونية في نظرية التأدب بدْءا من لاكوف مرورا براون وليفنسن، ولتش. وكان البحث في مجمله نظريا في أغلبه وإن ضرب بعض الأمثلة على أفكاره دون أن يحدد إطارا معينا لهذه الأمثلة المبثوثة في العمل. ويمثل البحث في نظري نسخة تاريخية مركزة لنظريات التأدب، بما فيها نظرية غرايس المحادثية. ويختلف عملي عن هذا العمل في أنه مركز على نظرية التأدب عند لاكوف، متخذا البرامج الحوارية التلفازية مجال التطبيق.

التمهيد: مفهوم التأدب.

تناول الباحثون اللسانيون نظرية “التأدب” من أطر نظرية مختلفة، واتفقوا جميعا على أن هذه النظرية لا تعني الأبعاد السلوكية الأخرى غير اللفظية التي يتخذها الناس رموزا للاحترام واللباقة للآخرين.

 فــــــ “التأدب” هنا نظرية علمية تضع اللغة في السياق الاجتماعي. وإذا كانت نظرية غرايس وغيرها من النظريات التى تعنى بقواعد التخاطب التي تسعى لتفسير كيف يختلف معنى المتكلم في بعض مواقف عن المعنى الحرفي، فإن نظرية “التأدب” تعنى بالأسباب وراء هذا الاختلاف، وكيف يؤدي استعمال اللغة في بعض السياقات إلى استراتيجية معينة بالذات([3]).

تعد إسهامات روبين لاكوف من أحدث إسهامات في تطوير نظرية “التأدب” وذلك في مقالها الشهير “منطق التأدب” إثر ما لاحظتها من قصور الباحثين قبلها. وأقوى الدافعية لديها أن الاقتصار على القواعد الشكلية للغة والاحتكام إليها لا يكفي في صحة الجمل وفي تفسير الفروقات بين مختلف الملفوظات. وحلًّا لهذه الإشكالية، يجب اعتبار العوامل السياقية غير اللغوية مثل العلاقات الاجتماعية بين المشاركين في العملية التواصلية، والخلفية المشتركة([4]).

انطلقت لاكوف من فكرة مفادها أنه كما نحتكم إلى القواعد النحوية لتحديد ما إذا كانت الجملة صحيحة أو غير صحيحة. وإن كانت غير صحيحة فمن أي ناحية، وإلى أي مدى وصلت درجة الصحة النحوية من عدمها؟ فنحن كذلك في حاجة ماسة إلى القواعد التداولية لتحديد ما إذا كانت الجملة صحيحة تداوليا من عدمها، وما مدى الانحراف الاستعمالي فيها إن وجد؟ فيمكننا تحديد أنواع هذه القواعد وانتهاكها الممكن. وأيضاً، فكما يمكن اختلاف القواعد النحوية على حسب اللهجات، فكذلك القواعد التداولية([1]).

أما ما ادّعته لاكوف من كلية قواعد التأدب فمحل انتقاد؛ إذ تختلف مظاهر التأدب باختلاف الثقافات والبيئات. ودافع الباحث المغربي عنها فقال: “أما ما نشاهده من الاختلاف في التأدب فيما بين هذه الجماعات، فلا يتعلق إلا بترتيب هذه القواعد، فيفضل بعضها على بعض، ويتقدم العمل به على غيره عند هذه الجماعة أو تلك”([2]). ما يعني أن هذا الاختلاف الثقافي لا يؤثر في جوهر نظرية التأدب وقواعده عند لاكوف.

ومن أبسط تعريف “التأدب” أنه “وسيلة لتقليل مخاطر المواجهة في الخطاب، سواء باحتمال وقوعها أو عدّها تهديدا”([5]). أصبح تبني استراتيجية التأدب ضروريا خصوصا في الظروف غير الحميمية، فإنها على الأقل تحول دون التعبير الانفعالي الذي يعد في أغلب الثقافات مشكلة، ويعد تعبيرا كاشفا ووقحا، ولا بد من الحد من ذلك بإيجاد إستراتيجية تراعي مشاعر المخاطَب وعواطفه([6]).

المبحث الأول: التأطير النظري لنظرية “التأدب” Theory of Politeness.

)1) نظرية التأدب:

تدعو لايكوف إلى توسيع مبادئ اللغة الكلية من خلال إدراج القواعد التداولية للحكم بجودة صياغة الخطاب من عدمه، كما أُدرجتْ القواعد النحوية والدلالية (الشكلية). فنرجع إلى افتراض المتكلم العلاقة بينه وبين مخاطبه، ثم الخلفية الواقعية، ثم الهدف أو الأثر المتوخى من الخطاب، ثم توصلت إلى أن هناك قاعدتين أساسيتين تسميهما قاعدة الكفاءة التداولية (the rules of pragmatics competence)، أحيانا تتزامن هذه القاعدتان في أثرهما، وتعزز كلٌّ منهما الأخرى، وغالبا ما تتصارعان، فتسبق إحداهما الأخرى أحيانا بناء على السياق. وقد صاغت القاعدتين كما يأتي:

  • كن واضحا
  • وكن مؤدبا([7])

يعني ذلك أن السياق هو المسؤول عن تغليب إحدى القاعدتين على الأخرى، أي تغليب الوضوح على التأدب، أو التأدب على الوضوح. فعندما كان هم المتكلم هو الوضوح سيفضل التواصل المباشر مع مخاطبه. “في حين تتخذ قاعدة التأدب حضورا أكبر عندما يكون هدف المرسل هو التعبير عما يكنه للمرسل إليه الذي يشاركه الخطاب”([8]). وإن لم يكن التغليب دائما على الإطلاق، إذ الوضوح بحد ذاته نوع من التأدب مع المخاطب. وقاعدة الوضوح منتزعة من مبدأ التعاون الغرايسي، فهي هنا معززة له، في حين أن التأدب قاعدة مكملة له. ومتى تعارضت قاعدة الوضوح مع قاعدة التأدب فقاعدة التأدب مقدمة عليها، لأن اعتبار تقوية أواصر العلاقات الاجتماعية مقدم، وتجنب إراقة ماء الوجه في الحوار له الأولوية على تبليغ المعلومات([9]). وقد تفرعت من مبدأ “التأدب” قواعد أخرى يتناولها البحث في السطور القادمة.

(2) القواعد المتفرعة من مبدأ التأدب:

أطلقت روبين لاكوف Robin Lakoff  على القواعد الثلاث المتفرعة من مبدأ التأدب قواعد التخاطب التهذيبية وهي على النحو الآتي:

قاعدة التعفف، وقاعدة التخيير، وقاعدة التودد. ونقف على هذه القواعد بإيجاز.

  • قاعدة التعفف:([10]) (Don’t impose)، ومقتضاها ألا تفرض نفسك على المخاطب([11]). تتطلب هذه القاعدة من المتكلم استعمال العبارات التي تراعي المسافة بينه وبين المخاطب، “فلا يفاتحه بما يكشف أحوال أحدهما للآخر، متجنبا الصيغ التي تحمل دلالة وجدانية مثل أفعال القلوب، ولا يحمله على فعل ما يكره، محترزا من استعمال عبارات الطلب المباشرة، ولا يقحم عليه شؤونه الخاصة إلا بالاستئذان قبل الكلام فيها والاعتذار بعد”([12]).
  • قاعدة التخيير: (Give options)([13]) قد يتداخل عمل هذه القاعدة مع قاعدة التعفف، كما قد تستقل بالعمل أحيانا. ومقتضاها إعطاء المخاطب فرصة اتخاذ قراراته واختياراته بفسه([14]). ويتم تحقيقه بـــ”أن يتجنب المتكلم أساليب التقرير، ويأخذ بأساليب الاستفهام كما لو كان متشككا في مقاصده”([15]). توجد بعض الأدوات والأساليب التي يستعملها المتكلم التي تعطي للمخاطب حرية الاختيار في ردوده واستجاباته، ويمكن تسمية هذه الأساليب والأدوات في عرف تحليل الحوار بـــ”ملطفات” يدخل مفهومها في إطار التأدب في المجال التداولي. ويعنى به أن على “المتحاورين للإبقاء على حد أدنى من الانسجام بينهم، أن يبذلوا جهدا لتلطيف كلِّ ما يذهب بماء الوجه (FTA- Face threatening acts) مما يحملون على ارتكابه تجاه المشاركين لهم في عملية التفاعل (كالأوامر، والانتقادات والدحض، والتعزيز”([16]). ولهذه الأساليب صور منها “أساليب معجمية، وأخرى صرفية تركيبية، وأخرى تنغيمية (لهجة الصوت، وأمارات التردد) وأخرى إيمائية حركية (الابتسامة، طأطأة الرأس)، وتعويض العبارة المتوعدة بأخرى مخففة، ومنها أعمال اللغة غير المباشرة… ومنها صيغ التأدب (شكرا، من فضلك، أرجوك)، وملفوظات تمهيدية (هل بإمكانك أن)… ومنها الموجّهات التي تعطي الإثبات صورة أقل إلزاما، (يبدو لي، أرى، أعتقد أن) … والمهونات (أريد فقط أن…)([17]).

   (ج) قاعدة التودد:  تعمل هذه القاعدة على إيجاد العلاقة الحميمية بين المتكلم والمخاطب، ومهمتها بث الانتعاش والارتياح في نفس المخاطب، فيخلق فيه الإحساس بالتساوي مع المتكلم([18])؛ فيعامله “معاملة الند بالند، ولا تفيد هذه المعاملة إلا إذا كان المتكلم أعلى مرتبة من المستمع أو في مرتبة مساوية لمرتبته”([19]). وإذا كان المتكلم في الواقع أقل رتبة من المخاطب، فسيؤدي استعماله قاعدة التودد إلى إنهاء الحوار([20]).

المبحث الثاني: التأدب وقواعده في نماذج مختارة من الحوارات التلفازية.

  • مبدأ التأدب في نماذج مختارة:

            1.1: مبدأ “كن واضحا”:

وإذا رجعنا إلى الحوارات التلفازية التي تُصنف في عداد الخطاب المنظم، والمحكوم بأعراف وتقاليد، فهي بذلك تتطلب وضوحا أكبر. إذ الهدف الأساسي من هذه البرامج محاولة انتزاع المعلومات من الضيوف المشاركين فيها عن الموضوع المتناول، قبل كلّ شيء، على نحو واضح ودقيق. ولهذا المبدأ تبرير منطقي؛ إذ كان هدف كلّ واحد من المشاركين والمشاهدين الحصول على معلومات جديدة، أو إثبات حقيقة ما، أو نزع اللثام عن معلومة، وما إلى ذلك مما يمكن تسميته بتأثير على نحو ما، وكل ذلك يحتاج إلى الأخذ بمبدأ “كن واضخا”. ولنقف على الأمثلة الآتية بحثا ودراسة لهذا المبدأ.

الشاهد من برنامج “المقابلة” من قناة الجزيرة.

مناسبة البرنامج، استضافة البروفسور وائل حلاق، ومقابلته في موضوع الإسلام والدولة الحديثة، تكونت الحلقة من مقدم وضيف.

  • م ب: في أي أسرة وُلد وائل حلاق “النظر إلى الأمام ثم العودة به إلى وائل حلاق”.
  • في أسرة بسيطة [هنهن] “عرض صورة أسرة وائل حلاق”
  • [فقيرة]
  • على حد الفقر([21]).

راعى البروفيسور وائل حلاق مبدأ “كن واضحا” في العملية الحوارية في جوابه في رقم (2) عن سؤال مقدم البرنامج علي الظفيري في رقم (1) حين وجه إليه سؤالا عن أسرته، حيث طلب منه المعرفة عن تعيين أسرته، فكان جوابه جوابا معينا بقوله: “في أسرة بسيطة” وفيه تعيين لنوعية أسرته. واقتضى منه هذا المبدأ توظيف الاستراتيجية المباشرة، والمساواة، والتعريف بالصورة، حيث عرضت صورة أسرته وكلّ هذه الآليات تعمل في خدمة مبدأ كن واضحا”.

          2.1: مبدأ “كن مؤدّبا”:

                يتطلب هذا المبدأ “أن يلتزم المتكلم والمخاطب في تعاونهما على تحقيق الغاية التي من أجلها دخلا في الكلام، من ضوابط التهذيب ما لا يقل عمّا يلتزمان به من ضوابط التبليغ”([22]). فهو

وهذا المبدأ هو حاضن وضامن لتعاون المتحاورين فيما بينهم، وهو المسؤول عن التوازن الاجتماعي، والحافظ للعلاقات البينية بين الضيوف المشاركين في البرامج الحوارية التلفازية. وبغيابه تتحول حلقة الحوار إلى معترك الترامي والتراشق. وفي المثال الآتي لم يلتزم محمود فتحي بمبدأ في حواره مع عباس المساوى في برامج “وجها لوجه” من قناة فرانس24.

الشاهد من برنامج “وجها لوجه” من قناة قناة فرانس24.

تناول البرنامج زيارة العاهل المغرب لقطر ، وهل زيارته توسط أم تورط. وتكونت الحلقة بين مقدمة وضيفين، أحدهما في الاستيديو والآخر عبر الأقمار الصناعية.

  • ر ل: ((ابتسام)) يعني كل ذلك كل ذلك كل كل ذلك يعني حقيقة ولكن في مخيال المحللين السياسيين مع الأسف [هو يعبر عن رأيه وأنت تعبر عن رأيك] لو كان لو نت نتمنى نتمنى لعا للعاهل المغربي أن يفتح الوساطة مع أهل الريف وأن يحل المشاكل
  • ش ر: أنت تجحد أنت إنسان جحود أنت إنسان جحود يا أخي
  • ر ل: شكرا شكرا لك شكرا لك
  • ش ر: أنت إنسان جحود أنت إنسان جحود بل أقول أنت إنسان خائن
  • شكرا شكرا لك([23]).

نجد راضي الليلي في رقم (1) اتخذ استراتيجية تلميحية تعريضية يسخر من خلالها العاهل المغربي أن يفتح وساطته مع أهل الريف، وأن يحل مشاكله، وفي ذلك إقرار بوجود المشكلات التي ينبغي أن يعتني بها العاهل المغرب، وأولى به أولا أن يبحث عن الحلول لهذه المشكلات، وكأن العاهل المغربي ينشغل بما لا يعنيه. وهذه الاستراتيجية تتضمن نوعا من اللوم والإهانة. وهذا ما حدا بالشرقاوي في رقم (2) إلى الردود الفعلية القولية بقوله: أنت تجحد أنت إنسان جحود أنت إنسان جحود يا أخي ” فأطلق عليه ألفاظا تريق ماء وجه محمد راضي ليلي الإيجابي، كرد فعل ونتيجة حتمية لما قام به ليلي من إهانات، فصارت إراقة ماء الوجه بينهما شيئا متبادلا. وكرر هذه العبارة مرة اخرى وأضاف إليها بقوله: “ أنت إنسان جحود أنت إنسان جحود بل أقول أنت إنسان خائن” حيث نسب إليه صفة الخيانة، وهذا تكثير لإراقة ماء وجهه. ونرى راضي اللليلي بالمقابل يقول: “شكرا شكرا لك”.  ولو راعى راضي الليلي مبدأ التأدب في كلامه في هذه الجزئية من التبادل الحواري، لما حصل بينهما ما يمكن أن نسيميه بحرب الكلمة.

ويمثّل دور مقدم البرنامج الكلامي في برنامج “ساعة حوار” مع البروفسور عبد المجيد الطيب جانبا من جوانب التأدب في العملية التحاورية؛ فعدم المقاطعة المفاجئة له يُحمل على التأدب معه. وصرّح بأنه مضطر إلى مقاطعته، وهو يقول: “أنا أنا في الحغيغة يعني مضطر أني أه أقطع بعض التسلسل الرائع الجميل؛ لأن النقاط كثيرة”[24]. مع ما يصاحب كلامه من حركة مصاحبة تؤكد قوله، كما توحي إلى متابعته الجيدة للمتكلم، ما جعل المتكلم يسمح له بكل سهولة وبانشراح القلب، وهذا نوع من التأدب؛ إذ قد يعني المقاطعة المفاجئة عدم احترامه شخصيا وإراقة ماء وجه.

  • القواعدة المتفرعة عن مبدأ التأدب:

1.2: قاعدة التعفف:

ذكرت لاكوف ثلاث قواعد سمتها قواعد الخطاب التهذيبية وهي على النحو الآتي:

وإذا أردنا إسقاط هذه القاعدة على الخطاب الإعلامي خصوصا الحوارات التلفازية سنجد أنها لا تتماشى مع طبيعة هذه الحوارات؛ لأنها تتخطى هذه الاحترازات ولا تقبلها، لتنتقي من الأساليب الطلبية طلبات مباشرة، وتعبيرات صريحة، فقد يتحول الاحتكاك والتفاعل إلى الصراع في بعض الأحيان. ولأن الحوارات التلفازية في أغلب أحوالها بدهية، وما كان شأنه هكذا فلا تُراعى فيه هذه الاعتبارات.

إذن تغيب قاعدة التعفف أحيانا غيابا كاملا في بعض البرامج، وتحضر أحيانا في الأخرى فنرى من الضيوف من لا يراعي المسافة البينية بينه وبين مخاطبه، بسبب حالته الانفعالية على نحو يكاد يخرج الحوار عن كونه ميدانا للمناقشة إلى موقع الهجمات والنيل من الآخر،كما هو الحال مع محمود فتحي في المثال الآتي غير مراعٍ لقاعدة التعفف وهو يقول:

الشاهد من برنامج “الاتجاه المعاكس” من قناة الجزيرة.

والحلقة حول اشتياق الشعوب العربية وحنانها إلى الحكومات الماضية، وتكونت الحقة من مقدم وضيفين عبر الأقمار الصناعية.

  • م ب: جميل ((رفع اليد)) محمود فتحي [تحياتي] كيف ترد؟
  • م ف: (01) تحياتي للدكتور فيصل وتحياتي لجمهورك الكريم جمهور الحرية والكرامة والعدالة والاستقلال، لن تعود إلى الوراء ولن تحل لهذه العصابات المغرمة التي كانت تحكم بلادنا الذي خرجوا ((الحركة اليدوية)) طالبوا بإسقاط النظام وهناك دول مثل ليبيا واليمن، خرجوا وقالوا نطالب ببناء النظام عندهم، لم يكن هناك أنظمة أصلا، ضيفك يتحدث عن واقع مرير، وهذا كل فاسد أو كل عبد يبحث عن أه يتحدث عن الواقع ولا يتحدث عن أسباب هذا الواقع، ضيفك يتحدث عن وصف الواقع لكن لم يتحدث عن السببá في هذا الواقع الذي نعيش فيه، وهي نفس الأنظمة التي ثرنا عليها والتي يتحدث ضيفك أننا نحن إليها… يعني يا دكتور ((ضم أصابع الكف اليمنى مع البعض للإشارة)) أي يتحدث الضيوف ينبغي أن يتحدثوا بعقلانية حتى لا تضحك الجماهير عليه([25]).
  • م ب: (02) عباس باشا كيف ترد إذا كنت تستطيع الرد؟
  • ع م: (02) هن ((الضحك)) أولان أه أنا أتصور أن هذه الألفاظ غير مقبولة ((تصويب السبابة إلى محمود فتحي)) ولن أقبلها مرة ثانية أه الحديث عن عبيد وعباد العبيد نحن نتحدث عن عن مقارنة بين زمانين أنا لا أحب الماضي ولا أحب الحا هذا الذي ينتمي إليه، أنا أستطيع أن أقول عليك أنك عميل ومرتزق وخائن وعبد مرتزق ومبعث سفرنكات وخمسة غريهات وطلع بطلع واحد سندويش [طيب ماشي] أراح أقدر أقول هذا الكلام فأرجو إح نحن نحترم أنفسنا [ماشي ماشي باس رد لي هذا الكلام رد لي هذا الكلام فضل فضل] هذه يا دكتور فيصل لن أسمح مرة أخرى أن يقول عني كلمة واحدة [فضل فضل فضل]([26])

نجد محمود فتحي في جوابه رقم (4) غير مراعٍ قاعدة التعفف، لا من بعيد ولا من قريب، بدْءًا من التحية، يقول: “تحياتي للدكتور فيصل، وتحياتي لجمهورك الكريم…” فعدم تحيته عباس المساوى تغييب لشخصيته، وعدم اعتبار وجوده في الجلسة، ويعني ذلك بطريقة غير مباشرة عدم احترام العلاقة البينية بينه وبين عباس المساوى، كما يدل السياقات غير اللغوية، مثل حركاته الجسدية، ونغماته، وعبوس وجهه. ووظّف أسلوب التعريض في قوله: “… هكذا كل فاسد أو كل عبد يبحث عن أه يتحدث عن الواقع ولا يتحدث عن أسباب هذا الواقع، ضيفك يتحدث عن وصف الواقع لكنه لم يتحدث عن السببá لإلقاء التوبيخ واللوم على عباس المساوى. ويعني بطريقة غير مباشرة أنه فاسد وعبد. فاستعمال لفظ (فاسد) و (عبد) من الصيغ التي تحمل دلالات وجدانية انفعالية، ويجب تجنبها في العملية التواصلية مراعاة لقاعدة التعفف. وأبلغ في التعريض على عباس المساوى حين قال: “…يعني يا دكتور ((ضم أصابع الكف اليمنى بعضها مع البعض)) أي يتحدث الضيوف ينبغي أن يتحدثوا بعقلانية حتى لا تضحك الجماهير عليه” حيث نفى عنه العقلانية بطريقة غير مباشرة. أدى محمود فتحي كلّ هذه المعاني بإستراتيجية خطابية تلميحية، (الاستلزام الحواري). ولذلك نرى عباس المساوى في رقم (6) حين أعطاه مدير البرنامج فرصة الرد، فقال: “…هن ((الضحك)) أولان أه أنا أتصور أن هذه الألفاظ غير مقبولة ((تصويب السبابة إلى محمود فتحي)) ولن أقبلها مرة ثانية أه الحديث عن عبيد وعباد العبيد… أنا أستطيع أن أقول عليك أنك عميل ومرتزق وخائن وعبد مرتزق ومبعث سفرنكات وخمسة غريهات وطلع بطلع واحد سندويش …فأرجو إح نحن نحترم أنفسنا…” وفي قوله هذا من رد الفعل ما يصور كيف بلغ شعوره بكل ما تلقاه من محمود فتحي من تأنيب، وإهانة، حتى ظهر في عينيه الغضب، وحذره، طالبا منه ما له عليه من حق الاحترام. ولم يخرجه رد الفعل عن الاتزان والتوازن في حديثه، ولا يزال يستعمل من الألفاظ والتعبيرات ما يلطف عبارته مثل: “فأرجو إح نحن نحترم أنفسنا” ما يدل على أنه لا يزال يكن له بعض الاحترام أخذا بمدأ التأدب في الحوار.

حاول مدير البرنامج أن يعيده إلى موضوع الحوار بكل قوة، وحُقّ له ذلك فهو من له سلطة إدارة الحوار، فقال: [ماشي ماشي باس رد لي هذا الكلام رد لي هذا الكلام فضل فضل] ثم عاد عباس المساوى ليؤكد على أنه لا يسمح بتصرفات محمود فتحي مرة أخرى، حين قال: “هذه يا دكتور فيصل لن أسمح مرة أخرى أن يقول عني كلمة واحدة”. وقد يبدو كلامه الأخير (عباس المساوى) مجرد خبر في الظاهر وله فعلا قوة أنجازية ودلالة استلزامية هو التحذير وإنذار. فخرج بذلك من المعنى الحرفي إلى المعنى المستلزم. أما أقوال مقدم البرنامج أمثال: “جميل ((رفع اليد)) محمود فتحي [تحياتي] كيف ترد؟، (02) عباس باشا كيف ترد؟، رُدَّ لي هذا الكلام رُدَّ لي هذا الكلام فَضَّلْ فَضَّلْ“. فطلبات مباشرة، وعبارات صريحة. فجمل (كيف ترد) استفهام صريح للحال، وجمل (رُدَّ لي، مرتين) فعل أمر يقتضي الوجوب، وهو طلب المخاطب بالقيام بفعل ما، وهذا من قبيل فرض الشيء عليه، ويشتد هذا الأمر بتكراره. كذلك الجمل (فضّلْ فضل)، فعل أمر يقتضي الوجوب، ويشتد الوجوب بتكراره. وكلّ هذا لا يتماشى مع قاعدة التعفف في جانبٍ من جوانبه. أما جانب عدم التطفل على شؤون الآخرين، فيُراعى كثيرا في البرامج الحوارية التلفازية، ابتداء من اختيار الضيوف المشاركين في البرنامج، فلا يُدْعى إلا المختصون، أو على الأقل من له إلمام ولو يسيرا بالموضوع المراد تناوله. وفي أثناء البرنامج نجد كل ضيف لا يتكلم إلا في اختصاصاته، فمثلا، نجد الدكتور عزام التميمي يقول لمقدم برنامج “حديث الساعة”:

الشاهد من برنامج “حديث الساعة” قناة بي بي سي.

يتناول البرنامج وضع اللغة العربية، أ في تقدم أم في تدهور؟ العيب فيها أم في أهلها؟ وضيوف البرنامج أربعة مع مقدمة، واحد منهم في الاستيديو، ولثلاثة الآخرون عبر الأقمار الصناعية.

  • م ب: [طيب ح حادثتان ك ك حادثتي لبنا أه أه وأميرة في السودان، وأحدة يعني أر كانت ت ترتدي النطال، والأخرى لم ترتد غطاء الرأس]
  • ع ت: أرجوك لا تسألني عن قضية معينة لأنني لا أدري إيا[
  • [لا لأن الأمثلة يعني ال ال-أمثلة تُوضح لنا يعني ((الحركة اليدوية)) مافش إذا ما إذا ما ذكرت لك يعني هما واحدة كانت ترتدي البنطان، والأخرى كانت لم تلبس غطاء الرأس ف أه أه حُكم أو تعرضت للمحاكمة، توقفت يعني لاحقا، لأن أه وفق لقانون منع ارتداء الأزياء الفاضحة]
  • ع ت: أنا لا أعلق على حوادث لستُ مطلعا عليها بشكل مباشر، لأنو قد تكون فيه حيثيات، قد ت فلا أريد أن أدخل في موضوع، أتكلم بشكل عام، بشكل عام ((الحركة اليدوية))[27].

نجد في تعليق الدكتور عزام في رقم (2) احترام قاعدة التعفف من جانبين، أحدهما تلطيف الطلب المباشر المتمثل في النهي (لا تسألني) فهو النهي المباشر، لطّفه بما يقلل من حدته بقوله: (أرجوك) فهو صيغة من صيغ ما عرف بـــــ(الملطفات) في عرف تحليل المحادثة. والجانب الآخر، تجنبه في شؤون ليس له علم بها. وذلك في قوله: “أرجوك لا تسألني عن قضية معينة لأنني لا أدري إيا”. ولما ألح مقدم البرنامج وأصر على سؤاله، مرة أخرى، كان الدكتور عزام التميمي مضطرا إلى الأسلوب الصريح والتقريري بقوله: “ أنا لا أعلق على حوادث لستُ مطلعا عليها بشكل مباشر، لأنو قد تكون فيه حيثيات، قد ت فلا أريد أن أدخل في موضوع، أتكلم بشكل عام، بشكل عام”. فأتى بالجملة الاسمية التي تفيد التقرير، والإثبات، تأكيدا على كلامه أنه لا يتطفل على شؤون ليست من اختصاصاته. فهذا عين الاعتراف والاحترام بقاعدة التعفف.

 (2) : قاعدة التخيير: تتطلب هذه القاعدة من المتكلم أن يستعمل أساليب غير تقريرية، كاستعمال الاستفهام في حال التقرير، وكأنه يشك فيما يقول، ف”يترك للمخاطب مبادرة اتخاذ القرارات”[28]. وبتتعبنا لهذه القاعدة في مدونة هذه الرسالة نجد أن لها حضورا، ولعلنا نتلمس ذلك في النماذج الحوارية الآتية:

(1) ح ع: ”…اللغة العربية س لغة صعبة جدا، أعطيك مثال بسيط جدا، أنا حين ذهبت إلى ألمانيا للدراسة [هن] احتجت ستة أشهر فقط أه ل تعلم اللغة الألمانية ثم بدء دراستي، من يستطيع أن يأتي من ألمانيا إلى تونس أو إلى مصر، ويتعلم اللغة العربية في ستة أشهر ثم يتقنها ويت و ويدرس بها في الجامعة، ولا خمس سنين ولا عشر سنين حتى يت يعني يتعلم هذه اللغة العربية [هن] أبناء اللغة العربية لا يمتلكون اللغة العربية ((الحركة اليدوية)) بل يتعثرون عليها [هن]([29])

نجد حامد عبد الصمد هنا يوظف أسلوبا من الأساليب المندرجة تحت “ملطفات”، وهو أسلوب الأعمال اللغوية غير المباشرة، حيث وظّف أسلوب الاستفهام الخارج عن المعنى الأصلي، إلى معنى آخر مستلزم، وهو الإنكار والاستبعاد، وكأنه ينكر وجود أحد من ألمانيا يستطيع أن يتعلم اللغة العربية في حدود أشهر يسيرة ويتقنها إلى درجة يستطيع بها أن يدرس في الجامعة، كما استطاع هو أن يدرس لغتهم وأتقنها، ولكي يخفف من حدة هذا الإنكار مراعاة لشعور المشاهد المحتمل والذي يمكن أن يكون ألمانيا، لجأ إلى “ملطف” وهو أسلوب يندرج تحت قاعدة “التخيير” ليترك للمخاطب خيارات متسعة في مدلول العبارة، ومعانيها فيختار ما يشاء، وهذا الأسلوب إستراتيجية خطابية غير مباشرة.

  • م ب (ة): [ولكن هنا سؤال السؤال في السؤال في من يعلّم الطالب ربما في المناهج وليس في صعوبة اللغة]([30]).

وإذا نظرنا إلى أسلوب مقدمة البرنامج ميسون نصار في تداخلها، حيث ترى أن صعوبة اللغة العربية تتعلق بطريقة تعلم اللغة العربية ولا باللغة ذاتها. وهذا اعتقادها وإيمانها، ولكن تتظاهر وكأنها غير متيقنة أو مترددة؛ فاستعمل “ملطف” “ربما” بوصفه وحدتين معجميتين، وتركيبية تفيد التقليل والاحتمال؛ مبتعدةً عن أسلوب التقرير والجزم؛ ذلك لترك للمخاطب حرية التخيير، وكأنها تعطيه انطباعات جميلة أن ما لديه من رأي مخالف مرحب به.

  • ح ع: كل كلهم لا يستطيعون الحديث باللغة العربية أستاذ الكيمياء حتى أستاذ اللغة العربية عندي أنا في مصر [هن] كان يتحدث بت أه باللهجة المصرية لأنه لا يتقن اللغة العربية [ت هذا وجهة النظر] المصرية لنفهم ه هذه ليست وجهة نظري هذا ما رأيت في المغرب [لا هذه وجهة نظر حقيقية بأس ولكن سيد العبيدي ربما يقول شيئا ما]([31]).

وإذا وقفنا عند تعقيب حامد عبد الصمد، نجد بأنه وظف أسلوبا صريحا ومباشرا، فلم يدع مجالا للاستثناء أو الشك، فهو أسلوب فيه كثير من التجني كما قال أحد الضيوف، أسلوب عارٍ من قاعدتي التخيير والتعفف، ولعل سبب ذلك غلبة هدف وضوح الفكرة عنده على أي هدف آخر . هنا تداخلت مقدمة البرنامج ميسون نصار بقولها: “[ت هذا وجهة النظر] وكأنها توحي وتشير بذلك إلى أن هذا رأي خاص بـــ(حامد  عبد الصمد) فجاء رد الفعل منه بقوله: “هذه ليست وجهة نظري هذا ما رأيت في المغرب” ثم قالت مقدمة البرنامج “لا هذه وجهة نظر حقيقية” وكأنها استشعرت تضجر حامد وانفعاله بتعليقها فأردفت بما يلطف العبارة السابقة ما يمكن عدّه “مهونا” من “المهونات” وهو قولها: “لا هذه وجهة نظر حقيقية…” ولعلّ تعليق حامد عبد الصمد في السطور الآتية يبين مدى شعوره بالاعتناق والضيق، حيث رأى أن رأيه لم ينل تقبلا متوقعا من الضيوف الحضور، وأنه مغبون حق حرية التعبير عن أفكاره فقال:

  • ح ع: “أعطو في أعطوني فرصة طبعا لأعطا يعني هناك ثلاث يا جماعة هناك ثلاث لهم نفس وجهة نظر وأنا الوحيد الذي لي وجهة نظر معارضة ولا أحفظ حقي في هذا الشيء غير محمود [لا فضل فضل لا كيف كلح فضل فضل كمل] فضل فضل فضل=”([32]).
  • ب ع: =هناك أه كثير من التجني في هذا الحكم و: أعتقد أن الصورة السوداوية التي تفضلت برسمها هي الصورة أه من زاوية تظهر ربما خاصة بك ولكن الواقع ليس هذا…([33]).

عاد بشير العبيدي بعد إطلاقه الحكم على ما أبدى به حامد عبد الصمد من رأيه في حال اللغة العربية في القرن الحادي والعشرين، فقال: “هناك أه كثير من التجني في هذا الحكم” ووظف أسلوبا تقريريا مباشرا، فوظّف ملطفا لغويا يسمى “موجها” من “موجهات” يعطي كلامه صورة أقل إلزاما مما هو فقال: “ و: أعتقد أن الصورة السوداوية التي تفضلت برسمها هي الصورة أه من زاوية تظهر ربما خاصة بك ولكن الواقع ليس

 هذا…” فالعبارتين “أعتقد” و “ربما” لهما وظيفة تداولية هي مراعاة مشاعر المخاطب ووضعه موضع الاحترام والاهتمام، فيكون حرا في مشاعره وأفكاره وفي التعبير عنها دون أدنى ضغط أو حمل على الإكراه. ويدخل توظيف هذه الأساليب في إطار العمل بقاعدة التخيير.

  • م ب(ة): أبو طيب أستاذ شكري فضل يعني ب أحب أه يعني أر بأن أه أن أعرف رأيك في إطار ما دار من أه من نقاش لو سمحت=([34]).

وظفت مديرة البرنامج ميسون نصار صيغة من صيغ التأدب، حين وجهت سؤالها إلى الأستاذ شكري فقالت: ” أستاذ شكري فضل…” ففي صيغة “فضل” طلب مباشر يقتضي الإلزام، فلطّفت هذه الصيغة بصيغ التأدب “لو سمحت“. فكل هذه الصيغ التأدبية إضافة إلى أعمالها التداولية فهي أيضا ضامنة للعملية التفاعلية.

  • ش م: =كثير مما ذُكر لا يخلو من مغالطات [مثلا] مثلا أني حين أدافع لا أقول أدافع أنا لا أدافع ولكن أقول ما أعتقد أنه مناسب في فهم قضية اللغة العربية ((الحركة اليدوية)) والمشاكل لا يعني أنها لغة بدون مشاكل…([35]).

استعمل شكري المبخوت صيغة من صيغ المبني للمجهول في قوله: “كثير مما ذُكر لا يخلو من مغالطات” ومثل هذه الصيغة يعد من قبيل أساليب التلطيف العبارة، المندرجة تحت قاعدة التخيير، ومنها كذلك أسلوب تعويض العبارة المتوعدة بالأخرى المخففة، أو مصاحبة العبارة بالأخرى تحد من وقعها، نجد شكري المبخوت يقول: حين أدافع لا أقول أدافع أنا لا أدافع ولكن أقول ما أعتقد أنه مناسب…” فقد عوض بقوله: “أدافع” لا “أقول أدافع أنا لا أدافع ولكن أقول ما أعتقد” فذاك أسلوب من أساليب التلطيف. فخلاصة القول أن قاعدة التخيير لها حضور في الحوارات التلفازية وتتجلى هذه القاعدة أكثر ما تتجلى في الاستعمالات غير المباشرة للغة التي هي إستراتيجية خطابية للاستلزام الحواري، ولا يعني ذلك أن الحوارات في جميع مراحلها التفاعلية تراعي هذه القاعدة، شأنها في ذلك شأنها غيرها من الخطابات التي تستعمل اللغة أحيانا استعمالا حقيقيا، وأحيانا استعمالا غير حقيقي.

(3) قاعدة التودد:  تستعمل بعضُ الصيغ للتعبير عن قاعدة التودد، مثل، ضمير المخاطب، والاسم والكنية واللقب.

وإذا رجعنا إلى إستراتيجية الحوار التلفازي نجد أن أغلب حلقاته تأخذ بمبدأ التودد، وخاصة في بداية البرامج، حيث نجد مقدمي البرامج يعرّفون بضيوفهم على المشاركين الفعليين في الحلقات، وعلى المشاهدين كذلك. ويذكرونهم إما بالدرجة العلمية أو بمسمى وظائفهم أو بالدرجة الاجتماعية وهذا نوع من أنواع التودد إلى المشاركين في العملية التحاورية. وهذا من جانب. ومن طرف الضيوف أنفسهم نجدهم يحاولون التودد بعضهم إلى البعض، حتى في حالات التشابك الشديد، والمطارحة الحارة، فيحاول كلّ طرف من أطراف الحوار تلطيف الجو الحواري ولو بالتصنع والتكلف. ففي النماذج التالية نجد صورا من التودد بين أطراف الحوار بمن فيهم مقدم البرنامج.

الشاهد من برنامج “الاتجاه المعاكس” من قناة الجزيرة.

وموضوع الحلقة عن كورونا طبيعي أم ملعوب فيه، وتكونت من مقدم في الاستيديو وضيفين عبر الأقمار الصناعية.

  • م ب: “…أسئلة أطرحها عبر الأقمار الصناعية من عمان على الدكتور أديب الزعبي، أستاذ المناعة والطب التجديدي، وعبر الأقمار الصناعية من الدوحة على الدكتور حسان صوّاف استشاري أمراض النفس والعناية المشددة، نبدأ النقاش بعد الفاصل([36]).

في هذا المقطع نجد بأن مقدم البرنامج فيصل القاسم يعرّف بضيفيه عبر الأقمار الصناعية بأسلوب فيه احترام وتعزيز لهما، وذلك بذكر الألقاب والدرجة العلمية، مع مسمى وظيفتهما، وفي ذلك تهييئ الجو وتحية الضيفين، والتودد إليهما كذلك، فنراهما في المقابل يهزان رأسيهما مع الابتسامة، تعبيرا للشعورهما بالرضى والقبول.

  • م ب: “أهلا بكم مرة أخرى مشاهدي الكرام نحن معكم في برنامج الاتجاه المعاكس دكتور أديب الزعبي لو بدأت معكم من عمان كنت معنا حوالي شهرين تقريبا في بداية يعني ((الحركة اليدوية المصاحبة)) يعني هوجة الي لكورونا إذا صح التعبير، وفي ذلك الوقت كنت متحمسا جدا لوجهة النظر أه منظمة الصحة العالمية بأنه فيروس أي جديد يجتاح العالم ووخطير لا علاقة الإنسان به لا من بعيد ولا من قريب، ويجب أن نتعامل معه ك يعني أمر واقع، وإلى ما هنالك، الآن بعد شهرين يبدو أنك ((الحركة اليدوية)) انقلبت مئة وثمانين درجة وبدأت تتحدث عن فيروس ملعوب فيه ووو وأصبحت من جماعة يعني ((الحركة اليدوية)) تقريبا إلى حد ما نظرية المؤامرة ما الذي حصل([37])؟

فحين وجه مقدم البرنامج فيصل القاسم سؤاله إلى أديب الزعبي عن طبيعة كورونا في الآونة الأخيرة، أهي طبيعي أم ملعوب فيه، بعد أن قد قال بأنه طبيعي وكان متحمسا آنذلك لفكرته، فسأله عما تغير حتى صار الآن ملعوبا فيه، وقد ناداه بلقبه ودرجته العلمية ثم باسمه، وذلك تودد إليه وإقرار لشخصيته واعتباره وجوده.

  • أ ز: (03) مساء الخير دكتور فيصل [يا] لكم ومشاهديكم الكرام في كل مكان و: أه لضيفك الكريم أه وكل عام وأنتم بخير [وأنت بألف خير] شاركت في هذا البرنامج يوم 17/3/2020 و: قلت ما يلي([38]):

ونرى أديب الزعبي أيضا يقابل التودد بمثله، حين نادى فيصل القاسم بقلب “”دكتور” ثم باسمه وقت تحيته له، ثم استعمل الإشارية الشخصية له بصيغة الجمع “لكم” وكأنه يخاطب أكثر من واحد وهو في حقيقة الأمر لا يخاطب إلا فيصل القاسم وحده، كما تودد للمشاهدين وللضيف الثاني حسان صواف.

  • م ب: “…دكتور حسان ((رفع الكف اليسرى)) سمعت هذا الكلام ((الحركة اليدوية)) هل تستطيع أن تنكر دكتور حسان بأن الآن الكثير من الأصوات بدأت تظهر ليس فقط في المنطقة العربية بل في الغرب نفسه في أمريكا كبار العلماء وسمعت عن العالمة التي سجنت لمجرد أنها شككت في في الفيروس والحملة عليها وإلى ما هنالك ((الحركة اليدوية)) كيف ترد على هذه النظريات؟ وأهم شيء أن أنت تعلم سيدي ح حسان أنو أهم أهم كذبة روّجت ((الحركة اليدوية المصاحبة)) ولفت العالم أجمع أن منشأ هذا الفيروس هو الوطواط والخفاش الآن كل الدراسات الحديثة وآخرها ورقة أوكنغ تقول لك لا علاقة له بالخفاش لا من بعيد ولا من قريب وسنأتي على الأسباب كيف ترد([39])؟

وجاء في تعليق مدير البرنامج ألفاظ التودد لفظ (دكتور) أكثر من مرة، وذلك حين أعطى فيصل القاسم للضيف الثاني فرصة الرد، فناداه بلقبه وبدرجته العلمية، ليرد على ما قاله أديب الزعبي فقال: ” دكتور حسان ((رفع الكف اليسرى)) سمعت هذا الكلام ((الحركة اليدوية)) هل تستطيع أن تنكر دكتور حسان” فهو يكرر لفظ (دكتور) توددا إلى المخاطب ثم استعمال عبارته: (وأهم شيء أن أنت تعلم سيدي ح حسان) فمناداة حسان بسيدي وبذكر اسمه تُعد نوعا من التودد، وهو أسلوب يخلق في شعور المخاطب نوعا من الاطمئنان والشعور الطيب، فخروج هذه الألفاظ من معانيها الحرفيها إلى المعاني المستلزمة يترتب على احترام مبدأ التودد، الذي هو خرق لقاعدة مبدأ التعاون عند غرايس.

  • ح ص: (03) أول شيء كلّ عام وأنتم بخير [وأنت بألف خير] وول ل كل ال أه الزميل مشاري كل ال الناس أه المشاهدين أه أولا لا يمكن أه ولا بحال من الأحوال أن نجزم أن هذا أه مئة بالمئة من فعل الإنسان أمامنا حالات كثيرة من الفيروسات ومن الجراثم ومن اللي الكائنات الحية التي حدث فيها تطور…([40]).

نرى حسان صواف في جواب رقم (5) يحترم قاعدة التودد بسلوكه اللغوي فنراه ينادي أديب الزعبي بــــ”الزميل” وهو لفظ من ألفاظ التودد، كما يظهر في حركاته المصاحبة للغته التوددُ، فهو بهذا الأسلوب محافظ على أواصر الصداقة أو الزمالة فيضيق وطأة الاختلاف والتراشق إن وجد.

ومن أساليب التودد الواردة في مدونة الرسالة ما نجده مع رضوان الرمضاني حين يخاطب مقدمة البرنامج بقوله:

  • أمثلة من برنامج “وجها لوجه” من قناة فرانس24.

البرنامج حول زيارة العاهل المغرب لقطر بين التوسط والتورط، وتكون من مقدمة في الاستيديو مع ضيف، وآخر عبر الأقمار الصناعية.

  • ر ر: “…((الحركة اليدوية المصاحبة)) أرجو سيدتي ألا تتعامل مع الأمر كأنه قرآن منزل([41]). فهو يتودد إليها باللغة وبالحركة، مستعملا لغة الجسد، ويلاحظ أن في هذا التودد شيئا من التصنع والتكلف؛ لأن الوضع الحواري يوحي إلى الشيء من الاختلاف الشديد في الرؤى.
  • م ب(ة): دعني أه أترك المجال أه أه للرد للسيد حمزة محفوظ المتواجد معي في الاستيديو، سيد رمضوان الرمضاني يقول أه بالصراحة وبعلو الصوت هو عميل للدولة المغربية، وهو ينفي كل الاتهامات بكونه عميل ل لجهاز الاستخبرات ما قولك في هذا وما ردّك=
  • ح م: =هو هو صدقا أولا شكرا على الاستضافة ومبروك العام على جميع المغاربة وبالعالم بأجمع ل صدقا أه رضوان الرمضاني لم ينكر يوما أنه عميل للدولة المغربية ((ابتسامات)) وأن الكت ب وأن الأكبر منه أن الأشكال ليس في رضوان الرمضاني في عمالة رضوان الرمضاني أو غيره من الصحفيين للدولة [في عمال أنت تقصد في عمالة للدولة المغربية أو لجهاز الاستخبارات] لا ل للدولة المغربية وكل يفهم كل كل كل ك كل كل واحد كل واحد تفهم كل واحد يفهم م من يريد الإشكال الإشكال في وجهة نظري أشكال في وجهة نظري ليس هو رضوان في ذاته، الإشكال هو دولة شيء الإشكال هو ربط العمل رضواني اللي هو سيد أحمد الشرعي الذي يكشفه المراسلات تكشفه المراسلات…([42])“.

يوجد بعض الصيغ في كلام حامد محفوظ في رقم (3) تعبر عن التودد. يقول في بداية تعليقه “شكرا” على الاستضافة فهو أسلوب من أساليب التأدب في الحوار، لينتقل به إلى تبريك جميع المغاربة فالعالم أجمع كسبا لحبكم ومودتكم، ثم دخل في موضوع حديثه مع زميله رضوان الرمضاني وسماه باسمه مباشرة مجردا عن مسمى وظيفته، فهو إستراتيجية من إستراتيجيات التودد في الحوار، ولعله أنس بالمخاطب بناء على العلاقة بين الطرفين وهو يقول: “صدقا أه رضوان الرمضاني لم ينكر يوما أنه عميل للدولة المغربية ((ابتسامات))”، وبلغ تودد حامد محفوظ إلى زميله لحد الإفصاح عنه بعبارة صريحة عن عواطفه ومشاعره تجاهه، وهو يقول: “ وأن الأكبر منه أن الإشكال ليس في رضوان الرمضاني في عمالة رضوان الرمضاني أو غيره من الصحفيين للدولة” وفي ذلك بيان لما يكنه من حب واحترام لزميله، وكأنه يلطف بهذه العبارة ما قد يشعر به رضوان الرمضاني من وطأة من يتفوه به من آراء وأفكار، وخاصة ما قد يبدو من إفشاء ما يكتمه رضوان الرمضاني من رسائل حولته إلى السيد المنصوري رئيس جهاز المخابرات. وعاد حامد محفوظ يكرر الأسلوب في قوله: “ الإشكال الإشكال في وجهة نظري إشكال في وجهة نظري ليس هو رضوان في ذاته، الإشكال هو دولة شيء الإشكال هو ربط العمل رضواني اللي هو سيد أحمد الشرعي الذي يكشفه المراسلات تكشفه المراسلات…” وكأنه يقول له بلسان الحال أن كل ما يقوله في الحلقة لا يمت ما بينهما من علاقة بالصلة وهو مجرد آراء. فهذه القواعد الثلاثة مجتمعة تندرج في آداب الكلام، وهي ضرورة اجتماعية، للمتحاورين؛ لإنجاز الأفعال الكلامية المباشرة منها وغير المباشرة، ومهمة جدا كذلك سواء في تأطير الحوار وتوجيه مساراته، وتمثل في النهاية قواعده وضوابطه. وهذه القواعد جميعا لها حضور في الحوارات التلفازية وخاصة في مدونة الرسالة وإن بشكل متفاوت.

خاتمة البحث:

اعتمدتُ المقاربة التداولية في تحليل نماذج من البرامج الحوارية التلفازية، وفق ضوء نظرية التأدب لـــــ(لاكوف)؛ للكشف عن انتظام هذه النظرية في الحوارات التلفازية، وإسقاطها على هذه الحوارات. ومدى تماشي طبيعة الحوارات التلفازية مع مبادئ التداولية عند لاكوف. والوقوف على أثر هذه النظرية في تحقيق النجوع والفعالية في العملية التحاورية. مع كشف القوى الإنجازية من استعمال استراتيجية التأدب، وصور تمثلاتها وتجلياتها من خلال ورودها في سياقات مختلفة، وتوصلت إلى نتائج منها:

النتائج:

  • أن نظرية التأدب يؤدي دورا مهما في نجاعة البرامج الحوارية التلفازية، ويساعد في تحقيق الهدف المنشود منها.
  • أن نظرية التأدب يؤدي دورا مهما في بناء العلاقات البينية بين المتحاورين في الحوارات التلفازية.
  • أن عدم احترام نظرية التأدب يسهم في فشل العملية التحاورية، ويسهم في عدم تحقيق الهدف منها.
  • أن نظرية التأدب عند لاكوف تنتظم في أطر منهجية تتمثل في الوضوح، والتعفف، والتخيير، والتودد.
  • أن لنظرية التأدب حضورا كبيرا في البرامج الحوارية التلفازية، باستثناء قاعدة التعفف التي تظهر حينا، وتغيب حينا آخر.
  • أن نظرية التأدب تفيد في الجانبين التبليغي والتهذيبي، فهي بذلك تفضل نظرية غرايس المحادثية.
  • أن استراتيجية التأدب تحمل معاني ضمنية وغير مباشرة بالإضافة إلى المعاني المباشرة للجمل والتراكيب.
  • أن للتأدب تمثلات في عدد من الصور منها: (الأساليب غير المباشرة، وفي التكرار، والملطفات، واستعمال الألقاب والدرجات العلمية).

هوامش البحث:

)[1]( Lakkof Robin, The logic of politeness, or minding your p’s and q’s, p296.

([2]) عبد الرحمن طه، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، (المغرب: المركز الثقافي العربي، 2008م)، ط2، ص241.

([1]) Searle John (1979) Expression and Meaning Studies in the Theory of Acts, Cambridge University Press, p36.

([2])  Grice H.P, (1989) Studies in the Way of Words, p28.

([3]) Chapman Siobhan (2011) Pragmatics, Palgrave Macmillan, 133.

([4]) Ibid, p33.

([5])  Lakoff Rubin, (1989) The limits of politeness: therapeutic and courtroom discourse, p102.

([6])  Ibid, p102.

([7]) Lakkof Robin, The logic of politeness, or minding your p’s and q’s, p293-296.

([8]) الشهري، عبد الهادي بن ظافر، استراتيجيات الخطاب مقاربة لغوية تدلولية، ص99.

([9]) Lakkof Robin, Ibid, p297-298.

([10]) (التعفف) ترجمة طه عبد الرحمن، ورأى أن المقابل الحرفي هو “التأدب بالآداب العامة” وآثر هذا المصطلح لما فيه من معنى عدم الإلحاح على الغير. ويفضل الباحث نفس المصطلح لتردده بين الباحثين بوصفه مقابلا عربيا لـ(Formality) بالإضافة إلى ما يحمله اللفظ من معنى. فقد ورد عند عبد الهادي بن ظافر الشهري، كما ورد عند طه عبد الرحمن.

([11]) عبد الرحمن طه، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، ص240.

([12]) المرجع السابق، ص241.

([13]) Lakoff Robin, Ibid, p298.

([14])  Ibid, P299.

([15]) عبد الرحمن طه، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، المرجع السابق، ص241.

([16]) شارودو باتريك، منغو دومينيك، معجم تحليل الخطاب، المرجع السابق، ص30.

([17]) المرجع السابق، ص31، 32.

([18]) Lakoff Robin, Ibid, p301.

([19]) عبد الرحمن طه، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، المرجع السابق، ص241.

([20]) Ibid, p301.

([21]) برنامج “المقابلة” قناة الجزيرة، الإسلام والدولة الحديثة من وجهة نظر المفكر الفلسطيني وائل حلاق، ج/1، د:5:13-5:22.

([22]) عبد الرحمن طه، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، المرجع السابق، ص240.

([23]) برنامج “وجها لوجه” قناة فرانس24، زيارة العاهل المغربي للقطر توسط أم تورط، د: 22:15-24:35.

[24] برنامج “ساعة حوار” قناة المجد، منزلة اللغة العربية بين اللغات المعاصرة، د: 16:31-16:35.

([25]) برنامج “الاتجاه المعاكس” قناة الجزيرة، هل باتت الشعوب العربية تحن إلى عهود الطواغيت، د: 06:34-09:19

([26]) المصدر السابق، د: 11:03-1145.

[27] برنامج “حديث الساعة” قناة بي بي سي، الحقوق الشخصية والقيم المجتمعية، د:17:03-17:46.

([28]) عبد الرحمن طه، المرجع السابق، ص41.

([29]) برنامج “في فلك الممنوع” قناة فرانس24، اللغة العربية العيب فيها أم في أهلها؟، د:15:45-16:11.

([30]) برنامج “في فلك الممنوع” قناة فرانس24، اللغة العربية العيب فيها أم في أهلها؟، د:16:38-16:46.

([31]) نفسه، د:1647-17:13.

([32]) برنامج “في فلك الممنوع” قناة فرانس24، اللغة العربية العيب فيها أم في أهلها؟، د:17:14-17:29.

([33]) نفسه، د:17:29-17:45.

([34]) برنامج “في فلك الممنوع” قناة فرانس24، اللغة العربية العيب فيها أم في أهلها، د:21:1421:21.

([35]) نفسه، د:21:22-21:39.

([36]) برنامج “الاتجاه المعاكس” قناة الجزيرة، جدل مستمر حول  حقيقة كورونا طبيعي أم ملعوب فيه، د: 2:12-2:28.

([37]) برنامج “الاتجاه المعاكس” قناة الجزيرة، جدل مستمر حول  حقيقة كورونا طبيعي أم ملعوب فيه، د:2:35-3:23.

([38]) المصدر نفسه، د:3:27-3:38.

([39]) برنامج “الاتجاه المعاكس” قناة الجزيرة، جدل مستمر حول  حقيقة كورونا طبيعي أم ملعوب فيه، د: 8:28-9:18.

([40]) المصدر نفسه، د:9:22-9:45.

([41]) برنامج “وجها لوجه” قناة فرانس24، الصحافة والمخابرات في المغرب العلاقات الخطرة، د: 03:36-03:42.

([42]) برنامج “وجها لوجه” قناة فرانس24، الصحافة والمخابرات في المغرب: العلاقات الخطرة، د:5:00-6:06.

قائمة المصادر والمراجع العربية:

  • برنامج “الاتجاه المعاكس” قناة الجزيرة، جدل مستمر حول حقيقة كورونا طبيعي أم ملعوب فيه، https://www.youtube.com/watch?v=1GNx4-N7Y8c&t=1646s.
  • برنامج “الاتجاه المعاكس” قناة الجزيرة، هل باتت الشعوب العربية تحن إلى عهود الطواغيت، https://www.youtube.com/watch?v=4JxSk9GPTDc&t=686s.
  • برنامج “المقابلة” قناة الجزيرة، الإسلام والدولة الحديثة من وجهة نظر المفكر الفلسطيني وائل حلاق، https://www.youtube.com/watch?v=0GyqVGetAXM&t=1295s .
  • برنامج “حديث الساعة” قناة بي بي سي، الحقوق الشخصية والقيم المجتمعية، https://www.youtube.com/watch?v=_4Nk-pWnHZ8&t=1172s.
  • برنامج “ساعة حوار” قناة المجد، منزلة اللغة العربية بين اللغات المعاصرة، https://www.youtube.com/watch?v=e9WWkq9euKI.
  • برنامج “في فلك الممنوع” قناة فرانس24، اللغة العربية العيب فيها أم في أهلها؟، https://www.youtube.com/watch?v=6G524Bpgc7g&t=95s.
  • برنامج “وجها لوجه” قناة فرانس24، الصحافة والمخابرات في المغرب العلاقات الخطرة، https://www.youtube.com/watch?v=ANnuZcb3PwI&t=486s.
  • برنامج “وجها لوجه” قناة فرانس24، زيارة العاهل المغربي للقطر توسط أم تورط، https://www.youtube.com/watch?v=BvHNBk6RoyA&t=601s.
  • ثروت مرسي، (2018م)، في التداوليات الاستدلالية قراءة تأصيلية في المفاهيم والسيرورات التأويلية، عمان: دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، ط1.
  • شارودو باتريك، منغو دومينيك، (2008م)، معجم تحليل الخطاب، تونس: المركز الوطني للترجمة.
  • الشهري، عبد الهادي بن ظافر، (2004م)، استراتيجيات الخطاب مقاربة لغوية تدلولية، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1.
  • عبد الرحمن طه، (2006م)، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي. المغرب: دار سيناترا المركز الثقافي العربي، ط2.

قائمة المصادر والمراجع بالإنجليزية:

  • Chapman Siobhan (2011) Pragmatics, Palgrave Macmillan, 133.
  • Grice H.P, (1989) Studies in the Way of Words,
  • Lakoff Rubin, (1989) the limits of politeness: therapeutic and courtroom discourse, p102.
  • Searle John (1979) Expression and Meaning Studies in the Theory of Acts, Cambridge University Press, p36.

طالب الدكتوراه، جامعة الملك سعود، رياض، المملكة العربية السعودية*

 

1
Leave a Reply

avatar
1 Comment threads
0 Thread replies
0 Followers
 
Most reacted comment
Hottest comment thread
1 Comment authors
محمد عدنان Recent comment authors
  Subscribe  
newest oldest most voted
Notify of
محمد عدنان
Guest

رائع