+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

دراسة في كتاب “المختار من شعر وشعراء العربية”
د. غياث الإسلام الصديقي الندوي

إسم الكتاب: “المختار من شعر وشعراء العربية

إسم المؤلف: الأستاذ الدكتور محمد أيوب تاج الدين الندوي

الناشر: البلاغ ببليكيشنس، أبوالفضل إنكليو، جامعة نكر، نيودلهي

عام النشر: 2020

التمهيد:

قد اعتنى الأساتذة والمهتمون بالتعليم والتربية في الهند دائما بتأليف كتب المقررات الدراسية للجامعات والمدارس كلما دعت الحاجة إلى ذلك، والجديد في هذا المضمار كتاب “المختار من شعر وشعراء العربية” للبروفيسور محمد أيوب تاج الدين الندوي، مدير المركز الثقافي العربي الهندي بالجامعة الملية الإسلامية بنيودلهي، وأحد كبار أساتذة اللغة العربية في الهند. إنه رأس قسم اللغه العربيه وآدابها بالجامعة الملية الإسلامية منذ 2014م إلى 2017م، ولايزال مشغولاً في التدريس فيه. وقد ألّف الأستاذ عدة مؤلفات بما فيه “دليل الجرائد والمجلات العربية في الهند”، و”أثر الإسلام على الثقافة الهنديه” (ترجمة لكتاب د. تارا تشاند)، و”شعر العرب: من النهضة إلى الانتفاضة”، و”في أرض قديمة” (ترجمة لكتاب أميتاف غوش)، و”الشعر والشعراء في الأدب العربي الحديث”، و”محمد الحسني: حياته وآثاره”، و”المجتمع الإسلامي: بناؤه وملامحه”. ونشر حوالى مئة مقالة أدبية في مجلات وطنية ودولية، وقد حضر المؤتمرات على المستوى الوطني والدولي، وألقى محاضرات حول مختلف الموضوعات.

أما هدف تأليف “المختار من شعر وشعراء العربية” فذلك تلبيةً لحاجة طلاب اللغة العربية في الجامعات الهندية العصرية الرسمية، وأحاط بموضوع الشعر العربي الحديث أُدخل في المقررات الدراسية لعديد من الجامعات، وعرض فيه صورة الشعر العربي الحديث بالإضافة إلى مساهمة الهنود في مجال الشعر وحوافزه ومحركاته. وقد سبق أن صدر للمؤلف كتاب باسم “شعر العرب: من النهضة إلى الانتفاضة” وهذا الكتاب هو نسخة معدلة له وقد أضاف إليه المؤلف إضافات كثيرة جوهرية، كما صرح به المؤلف في تقديمه الكتاب.

أولا، ألقى الكاتب الضوء على قيمة الشعر عبر العصور، وأوضح أن الشعر في العصر الجاهلي كان يرفع من شأن قبيلة ويحط من قيمة أخرى، وكان العرب يقيمون الأفراح إذا برز من أبنائهم شاعر مبدع. وفي صدر الإسلام كان الشعر وسيلة للدفاع عن الإسلام، وفي عهدى بني أمية وبني العباس كان الشعر إحدى وسائل الفرق السياسية والفكرية المتنازعة. يتصف الشعر العربي الحديث بكثير من الميزات وهو خصب من جميع النواحي الكمية والفكرية وتنوع الأساليب. فعدد الشعراء في هذا العصر أكثر من ذي قبل، وتوجد في الشعر العربي الحديث أفكار تمثل أقصى القديم إلى أقصى الحديث، فهو لا يقتصر على الموضوعات التقليدية كالمدح والهجاء والرثاء والوصف والغزل والتهنئة والحماسة والفخر فحسب بل يشمل أغراضا حديثة أيضا كالمناجاة والحنين إلى الوطن وشعر المناسبات إلى جانب الشعر السياسي والاجتماعي والفلسفي والعلمي والتعليمي والوطني. والشاعر الحديث لايتخذ الشعر مهنة يتكسب منها بل هو طبيب أو محام أومعلم أو موظف أو مهندس أو قاض، فالزهاوي مثلاً كان أستاذاً جامعياً، وعمر أبو ريشة كان دبلوماسياً وسفيراً([1]).

قد عرض المؤلف موادا مهمة حول الموضوع في صورة المقالات بدون الالتزام بنظام الأبواب والفصول، واستهله بإلقاء ضوء على ماهية الشعر العربي وإيضاح الفرق بين قديمه وحديثه مع تقديم بعض البحور. كما قام بتعريف النهضة الأدبية الحديثة أن “التغير إذا كان من سيئ إلى حسن، ومن ضعف إلى قوة، سمي ذلك نهضة، وعكسه الانحطاط. والنهضة الأدبية هي ارتقاء فنون الأدب أو بعضها فنا ومضمونا”([2]). وبالتالي يعرض الكتاب عوامل النهضة في مصر، والمؤثراث العامة في أدب العصر الحديث بما فيها الصحافة والمدارس والجامعات والمطابع ودور الكتب، والترجمة والمعاجم والمجامع اللغوية. وذكر المؤلف أن الصحافة عرفت في مصر قبل أي بلد من البلاد العربية حين أصدر حاكم مصر محمد علي باشا صحيفة “الوقائع المصرية” (1828م)، ثم صدرت صحيفة “الأخبار” في لبنان، و”الرائد” في تونس، و”مرآة الأحوال” في الآستانة، تركيا. أما المدارس العصرية في العالم العربي فبدايتها على يد الحاكم المذكور الذي أسس في مصر عدة مدارس بما فيها مدرسة الزراعة، ومدرسة الطب، ومدرسة الألسن، ثم أنشئت جامعة القاهرة، وجامعة دمشق. وانتشرت المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية والمعاهد المختلفة في المدن والقرى في جميع البلدان العربية. ظهرت المطابع في الغرب عام1436م، ولكن تأخرت في الوصول إلى العرب حيث بلغت في مصر مع الحملة الفرنسية عام1798م، فطبعت في البداية كتاب “الأغاني” لأبي الفرج الأصبهاني، وكتاب “العقد الفريد” لابن عبد ربه، ومقدمة تاريخ ابن خلدون([3]).

أمّا مدارس الشعر العربي في العصر الحديث فأولها هي مدرسة بعث التراث وكان رائدها الشاعر المصري محمود سامي البارودي. واتبعه في بلاد الشام ناصيف اليازجي، وفي الحجاز إبراهيم الأسكوبي. ونهج الشعراء على درب البارودي الذي كان يحتذي فحول شعراء العصر العباسي في قريضه، ولكن شعره لا يخلو من ومضات وموضوعات جديدة. ثم جاءت مدرسة شوقي التي استطاعت أن توائم بين الذوق المعاصر وبين المحافظة على أصول الفن الشعري المتوارث عن العرب([4]).

لقد ناقش الكتاب الأدب المهجر فبيّن أنّ من أدباء المهجر من لزموا الأصالة، واستصحبوا الروح العربية، والتقوا في نهجتهم مع مدرسة شوقي، وهم أرباب العصبة الأندلسية في الجنوب، ومنهم من تنكروا للأصالة ونظروا إلى اللغة العربية من زاوية ضعفهم اللغوي فكانوا حربا على الأصالة والتراث واللغة الفصحى وهم الشماليون. وظهرت مدرسة الديوان التي أسسها عبد الرحمن شكري، مع زميليه المازني والعقاد، وعملت على تجديد سبب الشعر استفادة من المدارس الأدبية الغربية. فمحمود سامي البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأحمد محرم من أهم رواد المذهب الكلاسيكي الذي يتميز في مجال التعبير بالجزالة والصحة اللغوية مع شيء من الموسيقى الظاهرة المتمثلة بالمحسنات دون تكلف.. ويحافظ على وحدة الوزن والقافية وعلى وحدة الموضوع والبيت([5]).

وعلى هذا المنوال ألقى المؤلف ضوءا على المذهب الرومانسي أنه ظهر كمذهب نقدي في الأدب العربي ورواده خليل مطران وأبوالقاسم الشابي وإيليا أبوماضي، وعمر أبوريشة. ومن ملامحه الفرار من الواقع، واللجوء للطبيعة ومناجاتها والتفاعل معها واستشراف عالم مثالي، فهو ثورة على الكلاسيكية وقيودها، ودعوة إلى الإبداع والتجربة، وأدب عاطفي تكثر فيه الشكوى والحزن والألم والحنين والحرمان. تهتم هذه المدرسة بالخيال أكثر من اهتمامها بالعقل، ويبدو التساهل اللغوي عند بعض شعرائها وبخاصة شعراء المهجر، وهم يرون الوحدة العضوية بارزة في القصيدة، حيث تسود وحدة المقطع لا وحدة البيت ووحدة الجو النفسي للقصيدة متناسقة مع مواقفها([6]).

يتعرّض الكتاب للمذهب الواقعي في الأدب العربي فيعرّفه بأنه تعبير أدبي عن نضال الشعب العربي لبناء مجتمع عربي اشتراكي حر موحّد، ويتميز بالمحتوى الثوري بالإضافة إلى عرض الأفكار والقضايا العامة بشكل غير مباشر عن طريق الرمز الشفاف. وميزة الشعر الواقعي أنه لا يعرض الأفكار والقضايا العامة عرضاً كلياً بل يعرضها من خلال الجزئيات الصغيرة والحوادث اليومية والتجارب الذاتية. ويحرص الشاعر الواقعي على وحدة الشكل والمضمون، والمزاوجة بين الأشكال الأدبية للتعبير عن المحتوى الجديد كاللجوء إلى القصة الشعرية والسرد والحوار والنجوى والمونولوج والتحليل النفسي، وتضمين الأحاديث الشعبية. أما رواد هذا المذهب فهم أحمد عبد المعطي حجازي، وصلاح عبدالصبور، ومحمد الفيتوري، وبدر شاكر السياب، وأدونيس. ومن ملامحه اعتبار الإنسان جوهر التجربة بمعاناته وحياته اليومية وقضاياه النفسية والاجتماعية والسياسية([7]).

وجاء الحديث عن الرمزية أنها ظهرت عند بعض الشعراء في سوريا ولبنان ومصر والعراق. ورائدها سعيد عقل الذي يرى أن غاية الشعر نقل حالة مستعصية على التحليل العقلي. والشعر عنده مناخ وليس أفكارا- وهو مناخ ضبابي موسيقي يعتمد على الإيحاءات الموسيقية والصور الرمزية، ويستند إلى تبادل الحواس. وقد صرح المؤلف بأن استخدام الرمز الأسطوري كان يتم بطريقتين؛ أولاهما: استخدامه بشكل سريع في أثناء القصيدة على أنه رمز يغني النص. أمّا الطريقة الثانية فهي استخدام الرمز الأسطوري على أن يكون هو القصيدة نفسها شكلا مضمونا: حيث تغدو الأسطورة شكلا من أشكال التعبير ومادة له، بعد أن يشكلها الشاعر بطريقة تناسب تجربته الشعورية، ومثال ذلك قصيدة (تموز جيكور) للسياب([8]). ثم أسهب المؤلف في بيان المدارس الأدبية الحديثة فذكر مدرسة الديوان، والرابطة القلمية، وجمعية أبولو، والعصبة الأندلسية كما سلط الضوء على الشعر الحر وخصائص شعر التفعيلة. وبالتالي تناول المؤلف موضوعات مهمة سائدة في سماء الشعر العربي المعاصر فأبدى اعتناء الشعراء بموضوع فلسطين والانتفاضة الفلسطينية.

وعقب ذلك عرض أستاذنا المؤلف تراجم عديد من الشعراء مع نماذج شعرهم بمن  فيهم محمود سامي البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهي والقائمة طويل، ثم تطرّق المؤلف إلى ذكر أدب المهجر الغربي الذي نشأ في أمريكا، وتناول أهم سماته وموضوعاته بالإضافة إلى تقديم تراجم حياة شعرائه مع قصائدهم المختارة.

والجدير بالذكر أن الأستاذ عقد عنوان “أدب المهجر الشرقي- شبه القارة الهندية” لذكر تاريخ الشعر العربي في الهند، وأكّد على أن شعر الهنود لا يساوي أبدا شعر العرب في رقته وجزالته. ثم يقول: “ورغم كل ما قلنا فقد أسهمت الهند في الشعر باللغة العربية إسهاما لايستهان به، وقد استمر ذلك منذ أن وطئت أقدام العرب هذه البلاد واستوطنوها في أوائل القرن الثاني للهجري فمنهم أبو عطاء السندي ومسعود بن سعد اللاهوري والآخرون ونجد لهم شعرا في أغراض مختلفة”([9]). وذكر الأستاذ عديدا من الشعراء الهنود ونماذج شعرهم العربي، كما ناقش أسباب ضعف الشعر العربي في الهند.

وفي نهاية الكتاب جاء المؤلف بعنوان “أغراض الشعر العربي في الهند” واعتبر المديح النبوي أكثر الأغراض الشعرية دوراناً في الشعر العربي في الهند، ويليه الوصف فالرثاء والغزل والهجاء والحنين إلى الوطن. كما قدّم تراجم عديد من الشعراء الهنود مع قصائدهم المرموقة.

الخاتمة:

عقب دراسة هذا الكتاب نتوصل إلى أنه يسدّ ثغراً فارغاً في الأوساط العلمية والأدبية الهندية، ويجمع بين جهود شعراء العرب وجهود شعراء الهند في مجال الشعر العربي كما يلقي ضوءًا وافياً على الحركات الأدبية التي برزت إلى حيّز الوجود في مختلف البلدان لخدمة الأدب العربي في العصر الحديث. فيجد القاريء من خلال دراسة هذا الكتاب معلومات جمّة عن الشعر العربي الحديث، ونشاطات أدبية متواجدة في البلدان العربية وغيرها، وتراجم عدد كبير من شعراء العرب والهند، كما يتمتّع بقصائدهم المختارة الرائعة حول الموضوعات المتنوعة. فهذا التأليف لا يفي بضرورة طلاّب اللغة العربية فحسب بل يزوّدهم بمتعة أدبية، وذوق شعري أيضًا.

هوامش المقال: 

[1]–   الندوي، الدكتور محمد أيوب ، المختار من شعر وشعراء العربية، ص5-6.

[2]– المصدر نفسه، ص12.

[3]– المصدر نفسه، ص17.

[4]– المصدر نفسه، ص19.

[5]– المصدر نفسه، ص20-22.

[6]– المصدر نفسه، ص23.

[7]– المصدر نفسه، ص24-25.

[8]– المصدر نفسه، ص26-27.

[9]– المصدر نفسه، ص203.

*محاضر ضيف للغة العربية بالكلية الطبية الآيورفيدية اليونانية التابعة لجامعة دلهي

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of