+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

القضايا الوطنية في قصص الأطفال الأردنية: عرض ونقد
محمد مظهر

الملخص:

تحتل الأجناس الأدبية النثرية مكانة بارزة في أدب الطفل، ما يؤدى إلى تنوع أضراب النثر من القصة والمسرحية والرواية، فالقصة هي من أقوى الأجناس الأدبية تأثيرا في نفوس الأطفال، تشجعهم على التفكير وتحفزهم على المعرفة، إذا كانت منسجمة مع رغبتهموإن الأطفال يقبلون على القصص التي يتخذ أبطالها من الأطفال والحيوانات والطيور، ويتميز البطل فيها بحسن التصرف والتفكير.

لم تكن نشأة قصة الطفل وبداياتها في الأردن بأفضل حال من بدايات قصص الطفل في العالم والدول العربية في العصر الحديث، لاسيما أن الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية حالت دون ظهور إبداعات المبدعين في هذا المجالوفي الحقيقة بدأت تظهر قصة الأطفال في الأردن منذ عام 1945م، على أيدي راضي عبد الهادي بقصة خالد وفاتنة، وقصة الكلب الوافي، وأحمد المدلل لإسحاق موسى الحسيني و قصة سلسلة الطرائف لمحمد العدناني. على الرغم من الإمكانيات المحدودة التي تحد من نشاط أدب الأطفال، إلا أن قصص الأطفال في الأردن، بكل أبعادها الإبداعية، بدأت في ستينيات القرن الماضي لتأخذ خطوات جادة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي حالة وقضايا قصص الطفل الأردني؟ سيحاول هذا البحث الإجابة عنهاويقدم كيفية قصص الأطفال في الأردن.

 وفي هذا الصدد تعتبر الدراسة أن المحتوى القصصي للطفل يعنينصوص القصص الأدبية للطفل ومعانيها وأفكارها وقيمها في كافة المجالات الوطنية بهدف إيصالها إلى المجتمعوجاءت محتوياته الأدبية حول قضايا تعكس هموم المجتمع الأردني بشكل خاص لمعالجة العديد من القضايا المتعلقة بالإنسانية.

الكلمات المفتاحيةالأردن، القضايا الوطنية، قصص الأطفال.

 المقدمةقصص الأطفال هي أحد أنواع أدب الأطفال، وأهمها فنا أدبيا، له مكونات فنية خاصة، يقوم على مجموعة من الحوادث المترابطة، مستوحاة من الواقع أو الخيال، أو كليهما، تدور في إطار زماني ومكانيو قصة الأطفال هي أداة تعليمية وتربوية تهدف إلى غرس القيم والاتجاهات الإيجابية في نفوس جمهورها، يعد هذا الفن من أبرز فنون أدب الأطفال وأكثرها انتشارًا، حيث يمثل أعلى نسبة من الإنتاج الإبداعي الموجه للأطفال، ويحتل المرتبة الأولى بالنسبة لهم مقارنة بالفنون الأدبية الأخرى للأطفاليُعرِّف بها سمر روحي الفيصل أنها: “جنسٌ أدبي نثري قصصي، موجَّه إلى الطفل، ملائم لعالمه، يضمُّ حكاية شائقة، ليس لها موضوع محدَّد أو طول معيَّن، شخصياتها واضحة الأفعال، لغتها مستمدة من معجم الطفل، تطرح قيمة ضمنية، وتعبِّر عن مغزى ذي أساس تربوي، مستمد من علم نفس الطفل1.

 قصص الأطفال في الأردن: بدأت تظهر قصص الأطفال في الأردن بعد الأربعينيات تقريبا، كالبلدان الأخرى، وكانت أسباب تأخير النهضة الأدبية في هذه الدول العربية، خاصة الأردن انشغالها بسياسة وأمور البناء، والاضطراب فلم نكن نجد مكتبات خاصة بالأطفال كما نجد مكتبات للكبار، أن مجلات الأطفال المتخصصة تفتقر إلى التقنية، ومعظم القائمين عليها من الشباب تنقصهم الخبرة، والدراية والأدوات… فلا نجد شعرا كثيرا للأطفال، وذلك إما لعزوف الشعراء عن الكتابة للأطفال، أو لطغيان القضايا القومية والوطنية على أشعارهم.”2

 بالتحديد نحن نقول قد بدأت تظهر قصة الأطفال في الأردن في عام 1945م، على أيدي راضي عبد الهادي بقصة خالد وفاتنة، وقصة الكلب الوافي.

وهذه المحاولات وجدت العناية والتشجيع في هذه المرحلة، ونجد كثيرا من الشعراء والكتاب اللذين اختاروا الكتابة في هذا المجال من أمثال: “روضة الهدهد، ومحمد الظاهر، ويوسف الغزو، ووفيقة والي، ويوسف قنديل، وجهاد جميل حتر، وواصف فاخوري، ومحمد جمال عمرو، ومحمود أبوفروة الرجبي، ومحمد بسام ملص، ومنيرة قهوجي، وحسين الخطيب3، وقام هولاء الكتاب والأدباء بالترجمة للأطفال وكانت أهدافهم سد النقص في أدب الأطفال الأردنية، ومن أشهر الكتب التي ترجمت هي: “سلسلة ليدي بيرد، ومنشورات دار المنى في السويد4.

وسارت قصص الطفل في الأردن طريقة واضحة في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، الآن نحن نتوصل إلى هذه النتيجة أن البداية الحقيقية كانت لأدب الأطفال بعامة، والقصص للأطفال بخاصة في الأردن في عام 1979م، حينما ازداد الاهتمام بقصص الطفل، وصدرت عدد من القصص، على سبيل المثال كتب رشاد أبو شاور قصة عطر الياسمين، وأرض العسل، ومنير الهور أطفال القدس القديمة، وروضة الهدهد، في أحراج يعبد الشيخ عزالدين القسام، وفخري قعوار قصة السلحفاة والأطفال.

هذه السلسلة لم تنقطع هنا بل اعتنى كثير من الكتاب بقصص كثيرة في السنوات القادمة مثل قصة المطر الأحمر لسماح العطار، وحكايات عالمية للأطفال لنازك ضمرة، وأحبكم فلاتفقدوني لفداء الزمر في سنة 2001م، شجرة اللوز الحزينة لنسرين أبو زيد في سنة 2010م، ما أجمل صوت الضفدع لعمر شاهين في عام 2011م.

 مفهوم القضايا في قصص الأطفاليتناول الكتاب مفهوم القضايا أو المحتويات عموما، ليعبروا عما تحتويه النصوص الأدبية من معان وأفكار ومعلومات وقيم واتجاهات بشكل عام، يوصلها الكتاب إلى المتلقين للتأثير في سلوكياتهم5.

وفي هذا الصدد تعتبر الدراسة أن المحتوى القصصي للطفل جاء حول قضايا تعكس هموم المجتمع العربي عامة، والأردن بشكل خاص لمعالجة العديد من القضايا المتعلقة بالإنسانية.

 القضايا الوطنية:الهاجس الوطني يسيطر على معظم أعمال القصص الموجهة للأطفال في الأردن، حيث يظهر المحتوى بالتوازي مع حركة النضال العربي، لذلك سيقف أتباع الحراك السياسي في الدول العربية على حركة النضال العربي والمواجهة مع السياسات الخارجية ممثلة بالإمبراطورية العثمانية ثم الانتداب البريطاني والفرنسي وبعدهما الاحتلال الصهيوني، امتدادالقضية الطفل الفلسطيني الأزلية وحركته النضالية المستمرة.

 والوعي الوطني يظهر في مجموعة قصص منها قصة الرجل الطائر” والعصفور المنكوب” لنايف النوايسةوأحداث القصة الأولى تدور حول حاكم ظالم بسط سلطته على السكان وتاجر النساء والأطفال ببيعهم للعدو، وذات يوم وقع على يد رجل بدوي، فسلبه وطلب منه أن يخبره عن بيوت البدو التي سيذهب إليها، لكنه رفض، مما دفع الوالي إلى إعدامه بإلقائه من أعلى القلعة إلى الوادي، ولكن بإذن الله تعالى تدخل وأنقذ الرجل، فتحول لباسه الفضفاض بإذن الله إلى مظلة كبيرة أنزلته بأمان إلى الأرض ليعود إلى أهله وقريته لزرع الأمل فيهويوضح المؤلف أن ما حدث للرجل ليس خيالًا، بل نصرًا من الله تعالى له: “لقد كان البدوي مظلوما ودعا الله أن ينجيه من كيد الحاكم الظالم، واستجاب الله لدعوته فحول ثوبه إلى مظلة كبيرة، امتلأفيها الهواء، وهبط على الأرض مثل الطائر، وعاد إلى أهله مسرورا6.

وأحداث هذه القصة واقعية فهي مستوحاة من ثورة الكرك، عندما كان الأتراك يربطون الرجل بحبل ويلقون به من فوق أسوار القلعة إلى الوادي ليلاقي المصير المحتوم7.

على أن البعض عد نجاة الرجل ذات مردود سلبي على الطفل، فهي تدعوه إلى الإيمان بالخوارق، التي لا تحدث في واقع الحياة8لكن الواقعية التي أشرنا إليها تبعد هذا النقد عن مضمون القصة وأحداثها.

ومن قصصه الوطنية قصة العصفور المنكوب” وتقع في المجموعة نفسها أبو المكارم” هذه القصة تعكس حضور القضية الفلسطينية، ودور الوحدة في محاربة العدو، من خلال تعاون الطيور ودفاعها عن المطحنة، حيث بعض الأشخاص أقدم على هدمها، ولأن المطحنة تشكل موطنًا للعصفور بطل القصة” وصغاره، قرر الدفاع عن المطحنة ودعمته الطيور في ذلك، واستطاعت المقاومة حتى النهاية، وسقطت بعض الطيور وهرب الرجالوجاءت القصة على لسان الطائر الذي زرع الأمل في نفوس الأطفال، المقاومة ومواجهة العدو تحقق النصر، خاصة مع وحدة الصفوفلا قيمة للحياة إذا نهب الوطن، لكن العصفور الجريح قال لهم: “امسحوا دموعكم يا أبنائي ولا تبكوا، فليس المهم أنا، إنما المهم بقاء المطحنة .. فأنا ميت اليوم أو غد، ولكن المطحنة إذا انهدمت فإن الموت أهون من هدمها9، ويتأكد الدافع الوطني، بتصميم العصافير على مهاجمة كل من يريد هدم المطحنة حتیالموت، ومحاولة العصافير في هذه القصة تذكر بمهاجمة طير الأبابيل لأبرهة الأشرم وجيشه،حين حاول هدم الكعبة10.

من السهل تحديد الرمز الواضح في القصة، الذي يعكسه على أنه تمثيل للذات للقضية الفلسطينية كما يقول أحد الدارسين، فالمطحنة رمز لفلسطين، والعصفور المنكوب رمز للشعب الفلسطيني، والعصافير ترمز للأمة العربية، والناس الذين هاجموا المطحنة العدو الصهيوني، وتقدير العصفور عند دفنه، هو تقدير للشهيد.”11 وهو يقول: “فقامت جميعا وحفرت للعصافير الميتة حفرة واحدة ودفنوها فيها، وضعوا علی تراب الحفرة زهرة جميلة وعودا من القمح.”12 أعتقد أنه بالرغم من انتهاء أحداث القصة إلا أنها بقيت مفتوحة حيث أراد المؤلف أن يسجل رسالة وهي الحث على النضال مثلما نجحت العصافير في الدفاع عن المطحنة يجب على الشعب الفلسطيني أن ينجح في قضيته.

 هاشم غرايبة يصور القضية الوطنية في قصة شحرورة، حيث يظهر حرصا لحيوانات على موطنها الذي يتمثل بغابة صغيرة، تعيش فيها البطلة شحرورة مع مجموعة من الشخصيات كالطفل دحنون، والعصفور زرزور، والغزالة رشا، والزهرة سوسو.

في لقاء بين شحرورة وصديقاتها الصغار، تبرز قضية الوحش المرعب الذي وصل إلى حافة الغابة بشكل مخيف ووحيدبعد ذلك التحفيز والنصيحة التي قدمتها شحرورة، بدأ الأصدقاء في نقل الخبر بشكل متسلسل حتى وصل إلى الأميروهنا يقسم الكاتب رد الفعل تجاه تواجد العدو في القرية إلى قسمينالأوليظهر في موقف الجهات المسؤولة (القيادة)، مما يعكس من خلال تعاملها مع الموقف، سذاجة المسؤولين وضعف سلوكهماعتمدت القيادة على الاستطلاع والتقريرالإخباري فقط، دون أن تفعل فعلاً، أخبر دحنون أمه وردة، وردة قالت لزوجها زيتونزيتون قال لشيخ القرية بلوطبلوط سافر للمدينة وقال للحاكم .. الحاكم قال للوزير .. الوزير قال للأمير.”13

ثم جاء نقل الأوامر بالوتيرة نفسها بالنسبة للقسم الثاني ممثلا بالشعب (السلطات العامةحيث تجمعت الشخصيات في الغابة وتمكنت من طرد العدوشحرورة” أخبرت زرزورورشا وسوسو ودحنون، زرزور ذهب ينقل الماء من النهر ليطفئ النار فانضمت له العصافير ونوارس البحر والنسور والصقور وكل الطيور، فحاصرت النيران وجعلتها ترتد إلی رأس الوحش الغريبإضافة إلى ذلك يؤكد المؤلف أن الموت فقط هم الذين لا يستطيعون المواجهة فقط الأعشاب اليابسة والنباتات الميتة كانت ترتجف.”14

وإذا كانت القصة تتطابق مع كل حركة التحرر، فهي تشي بأنها كانت بوحي من أحداث الانتفاضة الفلسطينية التي كان الحجر” الرمز الكبير لها.”15 شحرورة هدمت منزلها وأعطت حجارته لدحنون، فرجم به الوحش مع أطفال القريةوكأننا هنا نقف على مواجهة أطفال فلسطين للعدو الصهيوني .

 في قصة الأولاد والغرباء، يعيد نايف نوايسة تأكيد حضور القضية الوطنية، ووعي الطفل باحتلال الأرض من قبل أعداء الإنجليز واليهود للعربيةو يعكس الطفل مصطفى هذا الوعي، عندما كان جالسًا في ظل شجرة مشمش كبيرة في قريته، في انتظار رفاقه للعب، شاهد سيارات تصطف لمجموعة من الجنود، فقدم المؤلف صورة لهمولفت نظره وجود الجنود الحمر وبشرتهم الشقراء المحروقه، وقاماتهم الطويلة، وملابسهم الغريبة…”16.

ورغم أن الجنود حاولوا لفت انتباه الأطفال وإقامة علاقة ودية معهم، إلا أنهم فشلوا في لفت انتباه مصطفى الذي أدرك أن هؤلاء الجنود أعداء، وإذا لم يكونوا من الإنجليز فهم يهود، لذلك رفض كل محاولة منهم، وركل ما عرضوه عليه، وطلب منهم الخروج، فالكاتب من خلال موقف مصطفى ألقى بنفسه في المواجهة والوقوف في وجه العدو، فهؤلاء الجنود هم رسل الاستعمار القذر. “أكد مصطفى الاستعمار قذارة هذا الزمان، الأحرار وحدهم يعلمون ذلك ويدفعون الثمنحمل الأولاد مصطفى على أكتافهم وأنشدوا (بلادي بلادي لك حبي وفؤادي)”17في هذه القصة نرى الكاتب يعلن الهاجس القومي، وأهمية النضال لتحرير الأرض الفلسطينية من العدو الصهيوني، من خلال تأكيد أهمية الحرية بشكل مفتوح وليس رمزي، كما في قصصه الوطنية السابقة.

 لا يقل الشعور الوطني لدى عيسى الجراجرةفنراه يؤكد حضور القضية الفلسطينية في قصة أردنية تحلم بنصر في فلسطين،حيث جسد الكاتب صورة نضال وتضحية الجندي الفلسطيني من خلال شخصية الطفلة (لمىالتي أرادت أن تجسد صورة العدو المرسومة في ذاكرتها، من خلال ممارسة هوايتها المتمثلة في اللعب بالمعجون، حيث صورت العدو بدباباته وجنوده ورايته، ثم جندي فلسطيني ورايته مزينة بهلال يحتضن قبة الصخرة للشرفة، والكاتب نقل عبر الطفلة لمى ورسمتها، الصورة الخارجية والداخلية(النفسيةللعدو، من خلال تصوير ملامح العدو الهزيلة، وحركته المرتبطة بالقتال وبالدمووجوه جنوده المليئة بالتجعدات والخوف، بينما قوبلت هذه الصورة السلبية بصورة إيجابية وهي صورة الجندي الفلسطيني، وملامحه مليئة بالخير، فحركته مرتبطة بالدفاع، وبغصن زيتون، ووجهه مبتسم ومشرق، والطفلة تواصل تصوير الزعيم اليهودي والزعيم الفلسطينيبعد ذلك، وقف الطفل على الحلم الذي يتجسد في انتصار فلسطين، وهو ما أراد الكاتب أن يسجله على لسان بطله الشاب، من خلال قصة مفتوحة في زمانه ومكانه، لن يتحقق هذا النصر إلا بالوحدة وتكثيف الصف العربي لتحويل حلم انتصار فلسطين إلى واقع ملموس. “…النصر لن يكون أبدا إلا عندما تتحد القلوب … قلوب العرب قبل أسلحتها … ثم يحارب الجميعفي معسكر واحد وتحت راية قيادة واحدة … وهنا … وهنا فقط وبعد ذلك سياتي النصر لا محالة…”18.

أعتقد أن المغزى الأساسي للكاتب في قصته أنه كشف انقسام العرب وانعدام الوحدة في صفوفهمإنه يحمل توبيخ العرب ولكن بطريقة غير مباشرةويقدر الوحدة في صف واحد لأهميتها في تحقيق النصر وهزيمة العدو حتى لو كان بحوزته الأسلحة المتطورة والمتقدمةالكاتبة روضة الهدهد تؤكد ذلك بقولها: “وفي القصة رؤية مستقبلية وحلم، فبالوحدة والاستعداد يأتي النصر والتحرير لا محالة19.

 ومن الأدباء الذين تناولوا الوطنية، في صورة رمزية، هو منير الهور في قصته حكاية البحر، وأحداثها مستمدة من عالم الكائنات الطبعية بجبالها وسهولها وبحارها، وإلى جانبها أزهار وطيور، مع الراعي ومجموعة من الفلاحين، ومن خلال تشخيص الكاتب البطل لقصته، حملوا قضية الوطن، أي المواجهة مع العدو المحتل، وتجلت البداية في الطريقة المثلى القائمة على الوحدة، من خلال علاقة البحر والبحيرة، ثم ولدهما النهر، هذه العائلة الصغيرة المرتبطة بالطبيعة، والمشتركة مع بقية الكائنات، في التمتع بخيرات الوطن: “كانت الوردة تمد جذورها إلى الماء لتشرب، وتعطي النهر أزهارا مختلفة، وكانت العصفورة تأتي الماء لتشربوتغرد للنهر الأغاني الجميلة، وكان الراعي يروي أغنامه، ويعزف للنهر علی مزمارة،عاش النهر مع أصدقائه في أمن وسلام وأصبحت تلك المنطقة جنة خضراء، كثيرة الخيرات.”20

إلا أن الأعداء (الأشرار)، سلبوهم هذا الأمن، حيث قدم مجموعة من الأشرار، وقرروا السيطرة على المنطقة، فطردوا الفلاحين، وقاموا بالاستيلاء على الأرض والماء، وهنا بدأت تضحية البحر في الدفاع عن النهر وإعادة مائه إلا أنه مات، وجفت مياهه، لتكون هذه التضحية دافعا للكائنات، ولكل من يهتم بوطنه، إلى تهديد الأشرار بإعلان الإضراب عليهم قالت الوردةاقسم إلا أزهر بعد اليوم حتى يذهب الأشرار وتعود الحياة إلى البحروقالت العصفورة اقسم إلا أغرد بعد اليوم حتى يذهب الأشرار وتعود الحياة إلى البحروقالالراعي اقسم إلا انفخ في مزماري بعد اليوم حتى يذهب الأشرار، وتعود الحياة إلى البحر.”21

حمل الفلاحون والمزارعون السلاح لطرد الأشرار، ويستمر القتال بين الطرفين دون أن يعلن الكاتب عن نهايته، ويستمر حتى يومنا هذا، والنهر لا يزال خفيفاً، والبحر لا يزال ميتًاوكأن الراوي يريد من خلال الرمز الواضح في البحر الذي يجسد الوطن العربي، والنهر الذي يمثل فلسطين، هذا الجزء الذي لا يتجزأ عن الأمة العربية، تأكيد أهمية المواجهة والعمل الإيجابي، للوقوف ضد العدو الذي لا يزال يسيطر على جزء من أرضنا، ولأنه خلف الكائنات في مقاومتهم، يجب أن ينجح الإنسان في مقاومة العدو إذا توحد مع نفسه ووطنه.

هوامش المقال: 

1– الموقف الأدبي، مجلة أدبية شهرية، تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، العدد 414، عنوان البحث: “بدايات قصة الأطفال في سورية” محمد قرانيا، ص 56/ عن سمر روحي الفيصل” الشكل الفني لقصة الطفل في سورية، الموقف الأدبي، العدد 208 عام 1988.

2– الحسيني، خليل محمد، دراسات في أدب الأطفال،طـ1، رام الله، فلسطين، 2001، صـ71

3– العناني، حنان، أدب الأطفال، طـ2، دارالفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عمان،1996م، صـ17

4– دليل المعلم، السلطة الوطنية الفلسطينية، أدب الأطفال، منشورات وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بدعم من مؤسسة دياكونيا، صـ41

5أحمد، أدب الأطفالقراءات نظرية ونماذج تطبيقية، مصدر سابق، ص 266

6– نايف نوايسه ، أبو المكارم ” قصص للأطفال ، منشورات جمعية المزار الجنوبي الخيرية ،المزار الجنوبي ، ط، 1980، ص 11

7– موسى الأزرعي حول المجموعة القصصية ” أبو المكارم ” ، جريدة الدستور الأردنية – العدد. 4730، 10\10\1980.

8– توفيق أبو الرب ، حول مجموعة الأطفال القصصية – أبو المكارم ، مجلة الشباب ، عمان،العدد 119، 1980 : ص 36

9نايف النوايسة ، أبو المكارم : 23-25.

10– توفيق أبو الرب ، حول مجموعة الأطفال القصصية أبو المكارم : 36 .

11– أحمد المصلح ، أدب الأطفال في الأردن :68 . وأنظر روضة الهدهد ونجيه منسي، تأثیر الاحتلال الصهيوني على أدب الأطفال ” بحث منشور في كتاب (أدب الأطفال في الأردن)،مراجعة عصام الزواوي ، وزارة الثقافة ، عمان،ط، 1989، ص 24.

12– نايف النوايسة ، أبو المكارم :ص 25.

13– هاشم غرايبة ، غزلان الندىقصص للأطفال ، جمعية عمال المطابع التعاونية، عمان، ط1، 2000، 53-54 .

14– نفسه: 54.

15– شفیق الرقب ، ” مضامين القصة الموجهة للأطفال ” الوطني والاجتماعي والإنساني والعلمي، المركز الثقافي الملكي ، عمان ، 28 سفتمبر – 2أكتوبر 1997، ص 9

16– نايف النوايسه ، الأولاد والغرباء ” قصص للفتيان ” ، المطابع التعاونية ، عمان، ط1، 1996، ص 12

17– نفسه، ص 15

18– عیسی الجراجرة ، أردنية تحلم بنصر في فلسطين قصة للأطفال ، دار ابن رشد للنشروالتوزيع، عمان، د.ط 1985 :11 . ” مقطع 14.

19– أنظر تأثير الاحتلال الصهيوني على أدب الأطفال: 242.

20– منير الهور ، حكاية البحر ، مجلة أفكار ، العدد (57) ، وزارة الثقافة والشباب ، عمان ، مارس 1982م، ص 83.

21 – نفسه ،ص 84.

المصادر والمراجع:
  • أبو الرب توفيق، حول مجموعة الأطفال القصصية – أبو المكارم، مجلة الشباب، عمان،العدد 119، 1980م.

  • أبو معال، عبدالفتاح،أدب الأطفال: دراسة وتطبيق، طـ2، دارالشروق عمان، الأردن، 1988م.

  • أحمد، سمير عبدالوهاب،أدب الأطفال: قراءات نظرية ونماذج تطبيقية، دار المسيرة عمان الاردن، 2009م.

  • الأزرعي، موسى، حول المجموعة القصصية “أبو المكارم”، جريدة الدستور الأردنية – العدد، 4730، 10\10\1980م.

  • بريغش، محمد حسن، أدب الأطفال أهدافه وسماته، مؤسسة الرسالة بيروت،ط ـ2، 1996م.

  • الجراجرة عيسى، أردنية تحلم بنصر في فلسطين “قصة للأطفال”، دار ابن رشد للنشروالتوزيع، عمان، د.ط 1985م.

  • الحديدي علي، في أدب الأطفال، مكتبة الأنجلو مصرية، مصر، طـ3، 1982م.

  • الحسيني، خليل محمد، دراسات في أدب الأطفال،طـ1، رام الله، فلسطين، 2001م.

  • دليل المعلم، السلطة الوطنية الفلسطينية، أدب الأطفال، منشورات وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بدعم من مؤسسة دياكونيا.

  • روحي الفيصل، سمير، “الشكل الفني لقصة الطفل في سورية”، مجلة الموقف الأدبي، العدد 208 عام 1988م.

  • شفیق، الرقب،”مضامين القصة الموجهة للأطفال””الوطني والاجتماعي والإنساني والعلمي”، المركز الثقافي الملكي، عمان، 28 سبتمبر – 2أكتوبر 1997م.

  • العناني، حنان، أدب الأطفال، طـ2، دارالفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عمان،1996م.

  • غرايبة هاشم، “غزلان الندى”قصص للأطفال، جمعية عمال المطابع التعاونية، عمان، ط1، 2000م.

  • قرانيا محمد، الموقف الأدبي، مجلة أدبية شهرية، تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، العدد 414، عنوان البحث: “بدايات قصة الأطفال في سورية”.

  • القلماوي، سهير، ألف ليلة وليلة، دارالمعارف القاهرة مصر، طـ1، 1959م.

  • المجالي،محمد، توظيف التراث في أدب الأطفال في الأردن، “بحث مقدم لملتقى عمان الثقافي السادس”، المركز الثقافي الملكي، عمان،1998م.

  • المصلح، أحمد، أدب الأطفال في الأردن، منشورات دائرة الثقافة والفنون عمان، 1983م.

  • النوايسه، نايف، “أبو المكارم” قصص للأطفال، منشورات جمعية المزار الجنوبي الخيرية،المزار الجنوبي، ط1، 1980م.

  • النوايسه، نايف، الأولاد والغرباء قصص للفتيان، المطابع التعاونية، عمان، ط1، 1996م.

  • الهدهد، روضة، ونجيه منسي، تأثیر الاحتلال الصهيوني على أدب الأطفال، بحث منشور في كتاب (أدب الأطفال في الأردن)،مراجعة عصام الزواوي، وزارة الثقافة، عمان،ط1، 1989م.

  • الهور، منير، حكاية البحر، مجلة أفكار، العدد (57)، وزارة الثقافة والشباب، عمان، مارس 1982م.

*باحث الدكتوراه جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، الهند

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of