لم تصدمنا وفاة أحد في هذا القرن كما صدمتنا وفاة فقيد الأمة الإسلامية، وأشهر العلماء، وأفضل الفقهاء الشيخ العلامة يوسف القرضاوي، فقد خيمت غيوم الحزن السوداء على سماء العالم الإسلامي، وتلقى الناس خبر وفاته ببالغ الأسى والحزن. عاش الشيخ القرضاوي حياة حافلة بالإنجازات العلمية والاجتهادت القيمة، وكان قد نذر حياته كلها لخدمة الدين الإسلامي ولم يخشى قط لومة لائم في سبيل الله، وقد حمل هم المسلمين ومجالدة الظالمين في كل أنحاء المعمورة ولذلك احتل في المجتمع الإسلامي على المستوى العالمي مكانة مرموقة قل نظيره، وليس بوسع أحد أن يملأ الفراغ الذي ترك خلفه.
كنت طالبا في المدرسة الابتدائية في تسعينات القرن الماضي عندما زار الشيخ القرضاوي ندوة العلماء، فشاهدته يخطب الناس في المسجد، ويحاضر الطلبة في قاعة دار العلوم، ويلقي الدرس في صفوف الطلاب، ويترأس الحفلات، ويلاقى الزوار في دار الضيافة، ويرسي الحجر الأساسي لمبنى، فكانت هناك نشاطات عديدة، وبدا كأن رحاب ندوة العلماء امتلأت فجاءة بالنشاطات كأن أحدا ألقى حجرا كبيرا في ماء ساكن، فخلق تلاطما فيه. سمعته دائما يتكلم بالعربية فتمنيت لو كان لي إلمام بالعربية ففهمت كلامه، وسألته أسئلة كما يسأل طلاب الدراسات العليا. وكان الشيخ ليس عالما فقط، بل مجاهدا فاتذكر عندما كان يرسي حجر الأساس اراد بعض الطلاب أن يساعدوه في رفع المعول، فتوقف وقال بصوت عال “دعوني، انا مجاهد”ثم رفع المعول وضربه بالأرض بشدة عامل شاب رغم شيخوخته. قد ترك الشيخ أثره في قلبي، وعظمته في ذهني، وبعد ذلك كم من مرة تمنيت أن ألاقيه، واتحدث إليه إذ وفقني الله بمعرفة اللغة العربية الآن، وكلما كان خالي فيض محمد الذي يسكن في دولة قطر يتحدث عن الشيخ القرضاوي وعن مدى أثره في المجتمع هناك كان شوقي يزداد إلى رؤيته، وكان شخصية ثانية بعد شخصية العلامة أبي الحسن علي الحسني الندوي التي تأثرت به في حياتي من ناحية الفكرة الإسلامية، ولكنه غادر هذه الدنيا الفانية إلى دار الآخرة الباقية في 26 سبتمبر 2022 قبل أن يتسنى لي لقاءه مرة أخرى. إنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد عقدت مجلة أقلام الهند حفلة تأبين للشيخ يوسف القرضاوي يوم السبت الموافق 01 أكتوبرعام 2022م برئاسة الأستاذ الدكتور محمد أسلم الإصلاحي- رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية سابقا-، وقد ألقى كل من د. محسن عتيق خان، ود. محمد ريحان الندوي، ود. محمود عاصم، ود. نجم الدين كلماتهم بهذه المناسبة وألقوا الضوء على مساهمات العلامة القرضاوي في خدمة الدين الإسلامي وإنجازاته في سبيل إصلاح المجتمع الإسلامي. وقد أشاد المشاركون بمنهج الوسطية للقرضاوي الذي يحمل أهمية بالغة في عصرنا المعاصر.
كان الشيخ القرضاوي من أعظم علماء الإسلام في العصر الراهن، ولا يوجد له مثيل على المستوى الدولي، فكان يجمع بين التضلع في علم التفسير، وعلم الحديث، وعلم الفقه، وبين إلمامه العميق بالأدب العربي والتاريخ الإسلامي، وكان مجتهدا محترما، وفقيها متبصرا له فهم عميق بقضايا المجتمع الراهن، وبوفاته يبدو كأن صرحا شامخا للاسلام سقط، ولكن هذا بمشيئة الله، وكل نفس ذائقة الموت. اللهم ارحمه رحمةً واسعة، واجعل قبره في نور دائم لا ينقطع، واسكنه فسيح جناتك آمنًا مطمئنًا يارب العالمين.
Leave a Reply