+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

فقيد الأمة الإسلامية الشيخ يوسف القرضاوي وصلته بالهند وأهلها
د. محمود عاصم

وفاة الشيخ القرضاوي ونعيه:

تلقى العالم نبأ وفاة العلاَّمة الدكتور يوسف القرضاوي يوم الإثنين الموافق 26 سبتمبر 2022م ببالغ الحزن والأسى، الذي انتقل إلى رفيقه الأعلى عن عمر ناهز 96 عاماً قضاها في ميادين العلم والدعوة والاجتهاد.

أقيمت صلاة الجنازة على سماحة الإمام القرضاوي، رحمه الله تعالى، بعد صلاة عصر الثلاثاء بمسجد الإمام محمد بن عبد الوهاب في دولة قطر ودفن في مقابر أبو هامور.

وكان القرضاوييعد أحد أعلام الإسلام البارزين في العصر الحاضر في العلم والفكر والدعوة والجهاد، وتولى منصب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وكتب أكثر من 170 كتابا حول الموضوعات المختلفة بأسلوب متميز.

نعى العلماء والمفكرون والدعاة والسياسيون ورجال الجهاد والمنظمات الحكومية وغير الحكومية في جميع أنحاء العالم الإسلامي والدولي الدكتور يوسف القرضاوي وأعربوا عن حزنهم على وفاة العالم الفذ المعاصر.

قدم سماحة الشيخ الأستاذ محمد الرابع الحسني الندوي، الرئيس العام لندوة العلماء بلكناء تعازيه بوفاة العلامة يوسف القرضاوي حيث قال في رسالة تعزية له: ودَّعت الأمة الإسلامية علماً من أعلامها الأفذاذ، العلاَّمة د. يوسف القرضاوي الذي عاش عمره المبارك للعلم والأدب، يعلِّم ويدرِّس، يجيب ويفتي، بحكمة بالغة، ورفق وبصيرة.

وأضاف الأستاذ الندوي أن الشيخ القرضاوي رحمه الله عاش جنديًا وحارسًا للإسلام، فأيما شخص اقترب من الإسلام يريد اختراق قلاعه وهدمها صرخ بأعلى صوته لمقاومته؛ يوقظ النائمين، وينبِّه الغافلين.

وتابع الشيخ رابع الندوي: قاوم الفكر الوافد، وترك تراثًا ضخمًا، يتمثَّل في عشرات الكتب في الدين والفكر، والأدب والتاريخ، والتربية والدعوة، والإصلاح والتوجيه(1).

حفلات تأبين في الهند:

أقامت مجلة أقلام الهند حفلة تأبين للشيخ يوسف القرضاوي يوم السبت الموافق 01 أكتوبرعام 2022م برئاسة الأستاذ الدكتور محمد أسلم الإصلاحي. وقد ألقى كل من الدكتور محسن عتيق خان والدكتورمحمد ريحان الندوي والدكتور محمود عاصم كلماتهم بهذه المناسبة وذكروا مناقب ومساهمات العلامة القرضاوي في خدمة الإسلام والمسلمين. أشاد المشاركون بمنهج الوسطية للقرضاوي الذي يحمل أهمية بالغة في عصرنا المعاصر.

كما أشارت وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن الأستاذ سلمان الحسيني الندوي أقام حلفة تأبين وعزاء على وفاة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي وصلى صلاة الغائب على الشيخ في جامعة السيد أحمد الشهيد بمليح آباد بالقرب من مدينة لكناء.

يجدر بالذكر بأن الشيخ سلمان الحسيني الندوي كان من أبرز علماء الهند الذين أيدوا موقف الشيخ القرضاوي وأعربوا عن تأييدهم حينما اتهم الشيخ بالتورط في النشاطات الإرهابية حيث أفاد الأستاذ الندوي في رسالته إلى الشيخ القرضاوي:”إن من يتهمونك بالإرهاب أقزام، أشرار أوغاد (…) وسترتدعليهم كل إجراماتهم وبذاءاتهم وشتائمهم وتبقى أنت -إن شاء الله تعالى- كالطود الشامخ”. وأضاف “ثق بالله، وتوكل عليه، الأمة الإسلامية شرقا وغربا معك، وهي تركل عن حقارة كل من يتطاول عليك”(2).

ذكرت وكالة أناضول التركية بأن الداعية الهندي البارز سلمان الحسيني الندوي أعرب عن تضامنه مع رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، الشيخ يوسف القرضاوي، الذي وصفه بأنه “إمام المسلمين في هذا العصر بلا منازع”(3).

صلة الشيخ القرضاوي الوثيقة بالهند ومؤسساتها العلمية:

كان الشيخ القرضاوي يرتبط بالهند وعلماءها ومؤسساتها ومعاهدها بروابط وطيدة وقوية قلما نجد أي نظير من العلماء الكبار في زمننا الحديث. وهو كان على صلة وثيقة مع أبناء الندوة ومسؤوليها من جانب، وتمتع بعلاقات فكرية متينة مع الجماعة الإسلامية الهندية وأهلها من جانب آخر.  ومرة يزور الجامعة السلفية ببنارس ومرة أخرى يلقى محاضرات في الجامعات الحكومية مثل جامعة على جراه الإسلامية والجامعة الملية الإسلامية. ذكر العلامة القرضاوي هذه الزيارات واللقاءات بشكل مفصل في عدة مقالات له ونذكر اقتباسا من إحدى مقالاته حيث قال:

“زرت الهند مرات عدة، وشاركت في الاحتفال بمرور 85 عاما على تأسيس ندوة العلماء بمدينة لكنهو، كما شاركت بالاحتفال بالعيد المئوي لجامعة ديوبند، واستمعت إلى كلمة الافتتاح من الرئيسة أنديرا غاندي، وجئت على رأس وفد لزيارة خاصة لعدد من المكتبات في حيدر آباد وبتنا ونيو دلهي وغيرها، كما زرت جامعة عليكرة، وحاضرت فيها أكثر من مرة، وكذلك الجامعة الملية الإسلامية في دلهي، والجامعة العثمانية في حيدر آباد، التي زرتها عدة مرات، كما زرت كيرالا أكثر من مرة، وحاضرت في جامعاتها، وحضرت احتفال افتتاح جامعتها الإسلامية، كما زرت أعظم كره (دار المصنفين) بها، وحضرت مؤتمر الإسلام والمستشرقين بها”(4).

ويكتب الشيخ القرضاوي حول زيارته إلى أعظم جراه فيقول: “«أعظم كَرَه» هذه هي التي ينسب إليها كثير من علماء الهند، مثل المحدث الكبير المحقق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، والصديق الجليل الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، الحاصل على جائزة الملك فيصل في خدمة السنة. وهذه غير أعظمية بغداد، التي ينسب لها بعض من تعرفهم من العلماء والأدباء مثل الشاعر وليد الأعظمي. فأعظمية بغداد نسبة إلى حي «الأعظمية» التي فيها مسجد وقبر الإمام الأعظم أبي حنيفة، وهي منطقة سنية.

ويضيف: وفي «أعظم كره» أقام الشيخ أبو الحسن مؤتمر «الإسلام والمستشرقون» على رغم بعد هذه البلدة عن المطار ووعورة الوصول إليها، لكنه أراد أن يجعل منها فرصة للتنويه بدار المصنفين، ويحيي ذكرى العالم الكبير أحد مؤسِّسي ندوة العلماء: الشيخ شبلي النعماني عليه رحمة الله(5).

حين العودة من الحضور في مؤتمر الإسلام والمستشرقين قام الشيخ القرضاوي بزيارة علامة الهند المحدِّث الكبير الشيخ محمد حبيب الرحمن الأعظمي، في بيته ببلدة مئو حيث يذكر العلامة هذه الزيارة قائلا: “ولهذا انتهزنا الفرصة لنزور الشيخ في بلده ومسقط رأسه «مئو»، وهي قرية صديقنا الدكتور مصطفى الأعظمي أيضًا.

وقد احتفى الشيخ بمقدمنا، وأحسن استقبالنا، وأرانا بعض مناشطه والمدارس التي يشرف عليها، وأجلسنا مع بعض تلاميذه، وطلب مني أن ألقي كلمة عليهم، وكان الليل قد دخل علينا، والطريق طويل أمامنا، وهو مظلم، وفيه قدر من الخطورة وعدم الأمن، وقد طلبوا منا أن نبيت عندهم ونسافر في الصباح، ولكن وقتنا كان ضيقًا ولا يحتمل المبيت، فاستأذنا من الشيخ أن يسمح لنا بالمغادرة، وودَّعناه بكل حبّ وتقدير، طالبين منه أن يدعو لنا بظهر الغيب، وأن يعدنا بزيارة لمركزنا إذا تيسَّرت الأسباب.

ومما أسفت له: أني لم آخذ منه «إجازة» علمية برواية كل مروياته وما أجازه به شيوخه، وكانت فرصة لا تعوض، إلا أن وقتنا المحدود لم يتح لنا فرصة التفكير في ذلك(6).

يوسف القرضاوي وندوة العماء:

كان للشيخ يوسف القرضاوي صلة قوية بندوة العلماء وأبناءها منذ فترة طويلة حيث زار ندوة العلماء عدة مرات وشارك في مؤتمراتها وألقى محاضرات قيمة في رحابها ورحب علماءها وأبناءها ووفودها بمكتبه في قطر أثناء قيامه هناك.

حضر الدكتور القرضاوي مهرجان ندوة العلماء في عام 1975م الذي تم عقده بمناسبة مرور خمسة وثمانين عاماً على تأسيس ندوة العلماء. يذكر الشيخ القرضاوي هذه الرحلة في إحدى مقالاته حيث يقول:

“كان من أهم ما حدث في تلك السنة (أواخر شهر أكتوبر سنة 1975م): المشاركة في «مهرجان ندوة العلماء» بلكهنو بالهند، الذي دعا إليه الداعية الإسلامي الكبير حبيبنا العلّامة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي، رئيس ندوة العلماء، وذلك بمناسبة مرور خمسة وثمانين عامًا على تأسيس ندوة العلماء، التي قامت بدور مذكور مشكور، معروف غير منكور، في إقامة تعليم إسلامي، يأخذ من التراث ما صفا، ويدع ما كدر، يجمع بين العلم الواسع والإيمان الراسخ، يوفق بين صحيح المنقول وصريح المعقول، يرحب بكل جديد نافع، ويحرص على كل قديم صالح، يؤمن بثبات الأهداف ومرونة الوسائل، هو في الأولى في صلابة الحديد، وفي الثانية في ليونة الحرير”.

كتب الشيخ القرضاوي كتابا حول “ندوة العلماء بالهند ودورها المعاصر” الذي طبعته مكتبة وهبة للطباعة والنشروجمع فيه محاضراته القيمة وأفكاره الطيبة وأحاسيسه الجياشة حول فكرة ندوة العلماء وزيارته لها.

أكد الشيخ القرضاوي: “عرفنا إن ندوة العلماء تأسست في هذه الولاية، وفي هذه الديار الهندية، وتقوم على الجمع بين القديم والحديث، القديم النافع، والجديد الصالح، وتقوم على المنهج الوسطي، وتدرس اللغة العربية وآدابها، وأنه قد أسسها علماء ربانيون كبار، مثل الشيخ: محمد علي المنجيري، والشيخ شبلي النعماني، ، كل هؤلاء العلماء الأفذاذ، قامت هذه الدار بجهودهم.

وقد تعلقت بندوة العلماء، وكم هفا إليها قلبي، ورنت إليها عيني، وتمنيت ذلك اليوم الذي أزور فيه هذه الدار النافعة الميمونة واستمتع برؤية شيوخها، وطلابها، وساحاتها، وكل شيء فيها”.

يوسف القرضاوي وصلته بالشيخ أبي الحسن على الندوي وأبناء ندوة العلماء الآخرين:

ذكر الأستاذ رابع الحسني الندوي علاقة يوسف القرضاوى مع سماحة الشيخ أبي الحسن على الحسنى الندوي حيث أفاد: الشيخ الراحل كانت له صلة قوية بشيخنا العلامة أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله، وقد ألَّف كتابًا حول حياته “الشيخ أبو الحسن الندوي كما عرفته”، وزار ندوة العلماء عدة مرّات، وأقام بها وألقى محاضرات علمية قيّمة استفاد منها الأساتذة والطلاب، وشارك في الحفلة التي عقدتها رابطة الأدب الإسلامي العالمية في تركيا تكريمًا لسماحة الشيخ أبي الحسن الندوي، وألقي فيها كلمة مستفيضة حول حياة الشيخ الندوي.

وأكد الأستاذ رابع الندوي على أنه كانت بينه وبين يوسف القرضاوي أيضا صلة شخصية، حيث شارك الاثنان معًا في عدد من الندوات العلمية والأدبية، فكان معطاء لم يتوقَّف عن العمل، ولم تخبُ شعلته أو تنطفئ شمعته، حتى توفاه الله تعالى.

وكان يرحب أبناء ندوة العلماء ترحيبا حاراً ويشارك في صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي مع صورهم. وفي إحدى مثل هذه الاجتماعات شارك الدكتور القرضاوي صورة مع الشيخ سلمان الندوي وكتب: بمكتبي مع فضيلة الشيخ سلمان الحسيني، من كبار علماء ندوة العلماء بالهند في شهر فبراير عام 2016م. كما شارك صورة كتب تحتها “مع وفد من ندوة العلماء” بمكتبه في شهر يناير عام 2019م(6).

يوسف القرضاوي وصلته بالجماعة الإسلامية ومسؤوليها:

وكان الشيخ يوسف القرضاوي على صلة عميقة مع الجماعة الإسلامية وعلماءها ومتأثرا بأفكار مؤسسها الأستاذ أبو الأعلى المودودي حيث كتب كتابا مستقلا عن حياته وأفكاره باسم ” نظرات في فكر الإمام المودودي”.

وفي ذلك الكتاب يقول القرضاوي: ولا يرتاب مسلم دارس في إمامة المودودي وعبقرتيه، في فكره الإسلامي الرحب، الذي تناول فيه قضايا الإسلام، من تفسير ختم فيه القرآن الكريم، ومن دراسة للسنة، وردٍّ على الذين زعموا أنفسهم قرآنيين، بدعوى أنهم يهملون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي روته الأمة وخدمته وأقامت لخدمته تسعين علما من علوم الحديث، وقامت مكتبة ضخمة لهذه العلوم، عكف عليها العلماء.

ويضيف “واشتغل الأستاذ المودودي بكلِّ القضايا التي تهمُّ الأمة المسلمة في كلِّ جوانب الحياة: حياة الفرد، وحياة الأسرة، وحياة المجتمع، وحياة الأمة، وحياة الدولة، والعلاقات بالعالم كلِّه، على اختلاف توجُّهاته.. فكتب في العقيدة، والعبادة، والأخلاق، والتشريع، والاقتصاد، والسياسة، والتاريخ، وكلِّ شؤون الحياة، ونقد كلَّ المخالفين للرسالة الإسلامية، والحضارة الإسلامية، والشريعة الإسلامية، وفكره تقرؤه الأمة كلُّها من أقصاها إلى أدناها”(7).

وسمعت عن الدكتور عبدالسلام، مدير الجامعة الإسلامية بشانتابورام في ولاية كيرالا بأنه كلما يزور مكتب القرضاوي في قطر فكان أول سؤال له : كيف الجامعة والجماعة؟

اختتم مقالي هذا بذكر ما كتب الشيخ الدكتور علي محمّد الصلّابي مُعزياً في فضيلة الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:

“فاضت العين بالدمع وحزن القلب على خبر وفاة شيخي وإمامي العلامة الفقيه المجتهد والداعية الغيور الشجاع والأستاذ المجدد الشيخ الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)، والآن أخط بهذا القلم واصفاً جانباً من مشاعري وموقفي تجاه هذا الحدث، حيث تعجز الكلمات وتضيق الصفحات عن تعداد مآثره وبصماته ومشروعاته الفكرية والدعوية والإنسانية والتربوية التي ساهم بها في طريق العلم والدعوة وخدمة الإسلام في كل مكان في هذا العالم”.

أتيت في أمة في سجن غفلتها …. فصرت يوسف مضاء بلا لين (8)

المصادر:

*د. محمود عاصم، كاتب وصحفي، نيودلهي

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of