التمهيد:
أنجبت الهند كثيرا من الأعلام والعلماء والأدباء الذين تركوا آثارا جليلة وبصمات واضحة في العلم والأدب، ونالت بها الهند شهرة واسعة في جميع البلدان العربية، ولفتوا اهتمام علماء العرب إلى ما أنتجوا من أعمال قيمة وتراث باق، وهناك عديد من الأدباء الذين أبرزوا ما تتميز بها الهند من حضارة قديمة وتقاليد اجتماعية وآثار تاريخية وملامح طبيعية وما حققت الهند في تاريخها الطويل من إنجازات كبيرة، من هؤلاء الأدباء عبد الحي الحسني صاحب “نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر” المعروف ب “الإعلام بما في تاريخ الهند من الأعلام ” في ثماني مجلدات، وحسان الهند غلام علي آزاد بلغرامي صاحب “سبحة المرجان في آثار هندوستان” في جزئين، والعلامة عبد الحي اللكنوي مؤلف “فرحة المدرسين بأسماء المؤلفات والمؤلفين” وغير ذلك من الكتاب الذين صورا ما في الهند من آثار اجتماعية وأدبية وتاريخية وطبيعية، ومن هذه الآثارة الأدبية “القراءة الراشدة للعالم الجليل الأديب البارع سيد أبو الحسن الندوي صاحب مؤلفات عديدة شهيرة، تلقى الضوء على تاريخها المضيئ وإسهاماتها القيمة في مجالات مختلفة. وهذا الكتاب الذي سنقوم بتحليله يشير إلى جوانب مختلفة لتصوير الهند حيث أبرز فيه المؤلف تاريخ سلاطين الهند وأوضح خدمات العلماء والمحدثين الذين ولدوا فيها مع الإشارة إلى آثارهم القيمة الباقية من منارة قطب، والتاج محل وإلى المعاهد الإسلامية الشهيرة من أمثال ندوة العلماء ومظاهر العلوم وغيرها، قبل أن أخوض في تفاصيل الكتاب أرى من المناسب أن أذكر ترجمة الكاتب بالإيجاز.
نبذة عن حياة المؤلف:
ولد الشيخ ابوالحسن علي الحسني بقرية “تكية كلان” من مديرية “رائ بريلي” قرب “لكناؤ” بالهند ٦ من محرم ١٣٣٣هـ الموافق عام ١٩١٤م، ونشأ في أسرة متدينة علمية، نبغ فيها عدد من العلماء والدعاة، كان من أبرزهم أبوه الشيخ عبد الحي الذي يعد بحق “ابن خلكان الهند” العالم المصلح واوبهجة لداعية المخلص، أستاذ التفسير والأدب في دار العلوم صاحب كتاب “نزهة الخواطر المسامع والنواظر” في تراجم علماء الهند وأعيانها.
ولقد تولى أخوه عبد العلي تربيته بعد وفاة والده وهو في التاسع من العمر، فحفظ القرآن الكريم في البيت، وعندما بلغ الثانية عشر من عمره، درس العربية على خليل محمد اليماني، والأدب العربي على محمد تقي الدين الهلالي، وتعلم اللغة الإنجليزية والفارسية، وقرأ التفسير على الشيخ أحمد بن علي في لاهور، ثم أكمل تعليمه في دار العلوم بندوة العلماء، ودار العلوم في ديوبند، وجامعة لكناؤ، وتلقى تربية روحية على الشيخ عبد القادر الرائ فوري، كما تأثر بفكر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأحمد بن عبد الأحد السرهندي، وشاه ولي الله، وكان الشيخ محمد إلياس من أعظم أساتذته، كما كان لمحمد إقبال دور مهم في توجيهه الفكري والأدبي.
لا شك فيه أنه من أعظم الأدباء المعاصرين وأعلام المفكرين والدعاة الإسلاميين، فكان أديباً أريباً، وخطيباً مصقعاً، وكاتباً قديراً في جانب، وفي جانب آخر كان قائداً حكيماً وداعياً إسلامياً، ومدبراً عظيما، وحالما لنهضة الأمة الإسلامية عربا و عجما.
ومن أبرز مؤلفاته العربية “ماذا خسرالعالم بانحطاط المسلمين”، و”الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية”، و”نظرات في الأدب”، و”المسلمون في الهند”، و”قصص النبيين(للأطفال)”، و”قصص من التاريخ الإسلامية (للأطفال)”.
وأراد الشيخ الندوي أن يضع للطلاب في مراحلهم المختلفة أساساً صحيحاً، يسترشدون به في مجال الأدب ويتدربون على فهمه، ويتذوقون على جماله، وكان من أهم صنعه في هذا السبيل تأليف الكتاب “القراءة الراشدة” لطلاب المرحلة الابتدائية، وهو كتاب مهم في مجال أدب الأطفال، هذه المجموعة الأدبية تضم على ثلاثة أجزاء، وحاولت في هذه الدراسة تحليل الجزء الأهم (الجزء الثالث) منها وإبراز خصائصه وميزاته.
هذا الكتاب ” القراءة الراشدة (الجزء الثالث) ” يحتوي على مائة وأربع وثمانين (١٨٤) صفحة، ويشتمل على موضوعات متعددة و متنوعة تلائم عقول الناشئة وأذواقهم، ففيها تحدث عن منارة القطب، وفواكهه الهند، وعديد من الشخصيات الإسلامية البارزة التي تأثر بها الشيخ الندوي إلى حدٍ بعيد. أولاً في هذا الكتاب “القراءة الراشدة (الجزء الثالث)” ذكر الندوي تاريخ الأمراء والسلاطين بالهند على لسان منارة قطب. وقد حكم الهند مجموعة كبيرة من الملوك المسلمين عبر العصور الذين كان لهم كثير من الآثار العظيمة في تطور الهند. وهناك كثير من الملوك الهنود الذين أعطوا لمناصبهم أهمية كبيرة وبذلوا قصارىٰ جهودهم في وصول الهند إلى أعلى المستويات.
موجز عن أشهر ملوك الهند الذين ذكرهم الشيخ الندوي فيه:
السلطان محمود الغزنوي هو يعد واحدا من مشاهير التاريخ الإسلامي، وإن كان الفتح الإسلامي للهند في القرن الأول الهجري حدثا عارضا في تاريخ شبه القارة الهندية، فإن فتوحات السلطان الغزنوي وجهوده على مدى أكثر من عشرين سنة، قد رسخت الوجود الإسلامي في تلك البقاء، هوالذي فتح هذه البلاد للإسلام في فجر القرن الخامس الهجري، فيعتبر هذا الملك من أهم حكام دولة الهند، هكذا خلد آثاره في تاريخ الهند.
والسلطان شهاب الدين الغوري هو أيضا ملك شهير في تاريخ الهند، غزا الهند بعد قرن ونصف، كان شجاعا مقداما كثير الغزو إلى بلاد الهند، عادلا في رعيته وحسن السيرة فيهم، هو الذي رسخت به أقدام المسلمين في الهند، وقامت لهم دولة مستقلة، وكان العلماء يحضرون بحضرته فيتكلم معهم في المسائل الفقهية وغيرها، وكان رقيق القلب، وشافعي المذهب، وكانت وفاته في أول ليلة في شعبان سنة اثنتين وستمائة.
ثم قد خلف الغوري مملوكه قطب الدين، هو أول حاكم من المماليك على سلطنة دلهي، وكان قائداً ماهراً، وحاكماً عادلًا، يتمسك بالإسلام، ويكره الظلم والعسف، وينسب إليه في دهلي مسجد رائع، ذو منارة شامخة، ما تزال قائمة حتى اليوم تعرف باسمة “منارة قطب” ويصل ارتفاعها ٢٥٠ قدماً، يضم مجمع منارة قطب العديد من المباني الأخرىٰ على غرارة مسجد قوة الإسلام والذي يعد أول مسجد بني في الهند. استمرت دولة المماليك (٨٧) سنة، جاء خلالها ملوك يتجمل التاريخ بذكرهم، كالقائد قطب الدين أيبك، والملك الصالح ناصر الدين محمد بن ألتمش، والملك العادل غياث الدين بلبن.
وانقرضت دولة سادة المماليك، وجاء الخلج، ومنهم علاؤ الدين الخلجي، هو ثاني السلاطين الخلجيين بالهند، وكان سلطاناً قوياً طموحاً، نجح في دفع خطر المغول عن بلاده، وقاد جنده في فتوحات متصلة حتى أظلت رأية الإسلام في شبه القارة الهندية كلها لأول مرةٍ في التاريخ.
وقضي على الخلجيين بالزوال بعد (٣١) سنة، ورثهم آل تغلق، وغياث الدين تغلق هو أول حاكم في آل تغلق، يعتبر هذا الملك من أعظم ملوك الهند، وقد اشتهر بذكائه الشديد، وخلفه شاب صالح من بيته فيروز، الذي بني المساجد والمدارس وأنشأ الشوارع والرباطات.
بعد ما انقرضت دولة آل تغلق (١٣٥) سنة، جاء دولة اللوديّين وكان أوسطهم سكندر اللودي، وكان عادلًا فاضلاً يحب العلم والعلماء. وفي عهد إبراهيم اللودي سنة (٩٣٣هـ) جاء بابر، وكسر جنود اللودهي، وكذلك هو مؤسس دولة مغول الهند التيمورية، التي لها دوي في العالم، وآثارخالدة في الهند، بعد عهد بابر جاء الملوك كالقائد همايون، وشير شاه السوري، وجهانكير، وخلف جهانكير ابنه شاه جهان وهو صاحب الآثار الجميلة في الهند ، بنى المسجد الجامع في دلهي، يعتبر المسجد الجامع من أكبر مساجد الهند، وهو من آيات الفن في تاريخ العمارة الإسلامية، وبني القلعة الحمراء، وهي قلعة ضخمة محاطة بأسوار كبيرة، وفي داخل هذا الحصن الكبير أنشئت مجموعة من المباني مثل مسجد موتي، قصور السلطان الأكبر والسلطان شاه جهان، وبنى على قبر زوجته الثالثة أرجمند بانو(ممتاز محل) التاج محل، ويعتبر من أجمل تاريخ العمارة الإسلامية، حيث يعرف على نطاق واسع، بأنه جوهرة الفن الإسلامي في الهند وإحدى الروائع الخالدة في العالم.
وخلف شاه جهان ابنه السلطان أورنك زيب عالمكير، وأبطل المكوس والمظالم عن المسلمين، وأقام دولة العلم والدين، في هذه البلاد، ولكن من المؤسف أن خلفاء أورنك زيب لم يكونوا رجالاً أكفاءً في الدين والسياسة، فأصبحت السياسة هزلاً، والدولة ألعوبة ملوك يحكمون صباحاً ويقتلون مساءاً، ويستبدلون كالخلقان من الثياب. وفي خلال دولة المغول نازل المرهتة في ساحة باني بت، وقتل منهم نحو مأتي ألف وهزمهم هزيمة لم تقم بهم بعد قائمة.
وفي هذا الكتاب ذكر الشيخ الندوي أيضاً بعضاً من العلماء والأدباء والحكماء، والمفسرين، والمحدثين، والمؤرخين، الذين ساهموا في آداب العربية، وفي مجال العلوم والمعارف المختلفة حتى أصبحوا أئمة الناس.
موجز عن رجال التاريخ الإسلامي:
السلطان مظفر الحليم الكجراتي:
السلطان مظفر الحليم الكجراتي كان فاضلا وعادلاً ومحدثاً وفقيهاً، ولد يوم الخميس ٢٠ شوال سنة خمس و ثمان مائة بأرض كجرات، وكان على غاية من التقوىٰ والعزيمة والعفو والتسامح عن الناس، ولذلك لقبوه الناس بالسلطان الحليم، وكان جيد القريحة، سليم الطبع، ويكتب القرآن الكريم بيده يبعثه إلى الحرمين الشريفين، ويكتفي باٰثار السنة في كل قول وفعل، ويعمل بنصوص الأحاديث النبوية، وربما يذكر الموت ويبكي ويكرم العلماء ويبالغ في تعظيمهم، وكان كثير التفحص عن أخبار الناس، عظيم التجسس على أخبار الملوك، وربما يغير لباسه، ويخرج من قصره آناء الليل والنهار، ويطلع على الأخبار ويستكشف الأسرار.
عالمكير بن شاه جهان سلطان الهند:
الشيخ نظام الدين بن السلطان أبو المظفر محي الدين محمد أورنك زيب عالمكير سلطان مغول الهند، كان الإبن الثالث للشاه جهان و نشأ وترعرع محباً لمذهب أهل السنة، واستقى الدين على مذهب الإمام أبي حنيفة، وكان عالمكير عالماً ومتديناً وفقيهاً وتقيا ومتوريا، ومتصلباً في المذهب يتدين بالمذهب الحنفي، لا يتجاوز في قول ولا فعل، وكان يعمل بالعزيمة، وكان يصلي الصلوات المفروضة في أوائل أوقاتها بالجماعة في المسجد، وكان يقيم السنن والنوافل كلها، ويصوم يوم الإثنين والخميس والجمعة في كل أسبوع. وكانت له معرفة بالحديث، له كتاب “الأربعين” جمع فيه أربعين حديثاً بعد الولاية، وله مهارة تامة في الفقه يضرب به المثل في استحضار المسائل الجزئية. وليس له في عصره من الملوك نظير في حسن السيرة، وتوفي السلطان عالمكير في دكن في شهر ذي القعدة الحرام سنة ١١١٨هـ وأقام في الملك خمسيىن سنة.
الشيخ نظام الدين اللكنوي:
قطب الدين الملقب ببحر العلوم هو عالم كبير، وصاحب العلوم والفنون، الذي تفرد بعلومه وأخذ لواءها بيده ، لم يكن له نظير في زمانه في الأصول والمنطق والكلام.
وكان مع تبحره في العلوم وسعة نظره على أقاويل القدماء، عارفاً كبيراً، زاهداً شديد التعبد، عميم الأخلاق، حسن التواضع، صاحب مؤاساة الناس، أخذ الطريقة القادرية عن الشيخ عبدالقادر بن عبدالرحيم البانسوي، وبايعه وله أربعون سنة. ومن مصنفات الشيخ نظام الدين : فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت في أصول الفقه لمحب الله بن عبد الشكور البهاري، وبحر العلوم على سلم العلوم في علم المنطق لمحب الله بن عبد الشكور البهاري، وتنوير المنار شرح منار الأنوار لحافظ الدين النسفي.
الشيخ الشاه عبد العزيز:
هو الشاه عبدالعزيز بن الشاه ولي الله المحدث الدهلوي ، ولد عام ١١٥٩هـ، حفظ القرآن الكريم، وقد أتم دراسته في عمره الخامس عشر، ولما بلغ السابع عشر من عمره، مات أبوه، فحمل مسؤلية إلقاء الدرس والإفتاء، وكان خليقاً صادقاً له، فجعل هدف حياته نشر علم الحديث، كما كان أبوه قضى حياته كلها في هذا المجال، كان قوي الحافظة، وذكي الفهم، يحفظ العبارات الطويلة بعناية قصيرة، كان خطيباً بارعاً ومستوعباً لفن التاريخ والجغرافية. وللشيخ مؤلفات كلها مقبولة عند العلماء محبوبة إليهم يتنافسون ويحتجون بتوجيهاته. ومن مؤلفاته القيمة تفسير القرآن الكريم المسمى بفتح العزيز، وبستان المحدثين، وتحفة اثنا عشرية، وعجالة نافعة، ومجموع فتاوىٰ، وعزيز الاقتباس، وهداية المؤمنين، وشرح ميزان المنطق والحواشي على شرح العقائد، وبديع الزمان، والتعليقات على المستوى وسواها.
يذكر الشيخ الندوي في هذا الكتاب بعض أهم المعاهد الإسلامية الهندية، هذه المدارس قد لعبت دوراً حيوياً في تطوير اللغة العربية، والتعليمي الديني. نحن نذكر هناك بعض المعاهد الدينية بالإيجاز.
١. دار العلوم ديوبند:
انقرضت دولة المسلمين في الهند ورسخت قدم الإنجليز في أرضها سنة ١٨٥٧م، فانبث القسوس والأحبار في القرى والمدن يدعون الناس إلى النصرانية، ويناظرون علماء المسلمين بسلطان دولتهم، ويغرسهم في قلوب العامة الشك والزيغ، وبعد تأسيس الحكم البريطاني أغلقت المعاهد التعليمية الإسلامية، والمدارس الرسمية التي كانت تزداد كل يوم عددا ، وتتمتع بحماية ومساعدة الجمهور.
خاف علماء الحق على الدين وعلى العلوم وخافوا على مستقبل الإسلام في بلاد الهند بعد زوال دولته وحلول دولة الكفار فقاموا وقالوا: نبني معقلا للدين، فبدأ العالم الجليل مولانا محمد قاسم النانوتوي (١٨٣٢م -١٨٩٧م) وزملاؤه ورفقاؤه وتلاميذ بيت الإمام ولي الله الدهلوي وأصحاب الشيخ الكبير إمداد الله التهانوي المكي، يتأملون في النواحي الشتى للأوضاع الراهنة، وأسسوا أول معهد دار العلوم في بلدة ديوبند بولاية أترا براديش في سنة ١٢٨٣هـ الموافق ١٨٦٦م.
وكان للمتخرجين من دار العلوم تأثير كبير في حياة المسلمين الدينية في الهند، ولها فضل كبير في محو البدع وإزالة المحادثات وإصلاح العقيدة والدعوة إلى الدين وإتباع السنة. وشعار دار العلوم التمسك بالدين، والتصلب في المذهب وعدم العدول عنه، والمحافظة على القديم والدفاع عن السنة والانتصار لرهط الإمام ولي الله الدهلوي.
ويقول السيد ابوالحسن علي الحسني الندوي “إن أكبر معهد ديني في الهند يستحق أن يسمى أزهر الهند هو معهد ديوبند الكبير، بدأ هذا المعهد كمدرسة صغيرة لا تسترعي الاهتمام ثم لم تزل تتوسع وتتضحم بفضل جهود أساتذتها والقائمين عليها وإخلاصهم وزهدهم في حطام حتى أصبحت جامعة دينية كبيرة بل كبرىٰ المدارس الدينية في قارة آسيا.
٢. مظاهر العلوم:
وفي نفس السنة ١٢٨٣هـ بعد تأسيس دار العلوم ديوبند ببضعة أشهر افتتح رجال من أهل العلم والدين مولانا سعادت علي السهارنفوري الفقيه المشهور، والسيد الإمام أحمد بن عرفان مدرسة ثانية “مظاهر العلوم ” في سهارنفور، وولوا الشيخ سخاوت علي الأنبيتهوي التدريس فيها، وبقي مولانا سعادت علي يدرس بعض الدروس ويشرف على شؤون المدرسة واٰل الأشراف على المدرسة بعد وفاته إلى الشيخ فضل الرحمن قاضي البلد. وفي شوال في العام المذكور تولى رئاسة التدريس الأستاذ الكبير مولانا مظهر النانوتوي، وبه تسمت المدرسة بمظهر العلوم.
ولم تزل مدرسة مظاهر العلوم متمتعة من أول يومها بحماية أعلام الهند في الدين والإصلاح كالعالم الرباني الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي، والشيخ محمد إلياس الكاندهلوي، والشيخ عبد القادر الرائ فوري، وقد تخرج عدد كبير من العلماء الصالحين والرجال العالمين والمصلحين المحتسبين في ميادين العلم، الذين انتشروا في جميع أنحاء الهند لنشر الإسلام وتعاليم القرآن والدعوة والتبليغ.
٣. دار العلوم لندوة العلماء :
ندوة العلماء هي جمعية إسلامية هندية تأسست عام ١٨٨٤م، ثم أصبحت جزءاً من جامعة ندوة العلماء التي تأسست عام ١٩٢١م لتكون من أكبر مراكز الدراسات الإسلامية في الهند، واهتمت بالدراسات العربية منذ إنشائها. تأسست ندوة العلماء تحت قيادة العالم الرباني السيد محمد علي المونكيري رحمه الله، عقدها كبار علماء الإسلام وكثير من أصحاب الشيخ الكبير مولانا فضل الرحمن الكنج المراد آبادي، فأسسوا ندوة العلماء في لكناؤ عاصمة الولاية الشمالية في الهند على دعوة السر المخلص الشيخ أطهر علي الكاكوروي، فكان السيد محمد علي المونكيري أول مدير لندوة العلماء.
تأسست ندوة العلماء على مبدأ التغيير والإصلاح في نظام التعليم الديني وفي منهاج الدرس العربي، فحذفت، وزادت، وغيرت، وأصلحت في منهاج التعليم، وأضافت بعض العلوم العصرية كالجغرافية، والتاريخ، والعلوم الرياضية، والسياسية، وعلم الاقتصاد. مبدء الندوة وشعارها أن تخرج من مدرستها رجالاً مبشرين بالدين القديم لأهل العصر الجديد.
وقد أنجبت في مدة قليلة رجالا هم خير للعالم المسلم العصري الذين قد قامت بهم حجة العلوم الإسلامية على أهل العصر الجديد ، ورفعوا رأس علماء الدين عاليا بين طبقات المتعلمين، ولهم اٰثار جميلة خالدة في الأدب الإسلامي وعلم التوحيد لأهل العصر الجديد، والسيرة النبوية، والتاريخ ككتاب “سيرة النبي” وإلى غير ذلك من الكتب والرسائل. وقد أنشأ المتخرجون من الندوة جمعية “دار المصنفين” في أعظم جراه ، وهي من المؤسسات العلمية الكبيرة في الهند، تصدر مجلة علمية راقية شهرية باسم “معارف”.
لعبت دار العلوم لندوة العلماء دوراً مهماً في ترويج ونشر اللغة العربية واٰدابها في الهند من خلال الكتابة والخطابة والصحافة والإنشاء، فأجاد المتخرجون في هذه الدار التحدث باللغة العربية واٰدابها، حتى إنهم بعض الأحيان فاقوا أقرانهم في هذه المدارس الدينية الأخرىٰ، وقد التحق من الطلبة بعد إكمال التعليم من ندوة العلماء بالجامعات الكبرىٰ في الهند وخارجها، ونالوا شهادة الماجستير والدكتوراه في مواد مختلفة، ومن سمات المتخرجين في هذه المدارس الدينية البارزة دوراً هاماً في تطوير اللغة العربية.
وذكر الشيخ الندوي بعض القصائد أيضاً من أمثال “فاكهة الهند” و”على لسان الندوة”.
وأما القصيدة “فاكهة الهند” هي قصيدة رائعة للعلامة ذي الفقار علي الديوبندي، يقوم الشاعر بتعريب الأنبة (الأنبج) الذي يعد فاكهة الهند بأنواعها المختلفة وتوجد في بلاد الهند شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ، ويصف بكثير من الصفات التي ينضوي عليها الأنبة فاكهة الهند، مما يجعل منها الملك الأكبر للفواكهه، ولما جاء موسم الأنبة فأهل البلاد يتسارعون لأخذه ويأكلونه بكل رغبة وهناءة ، وكما يذكر الشاعر وفاءها بالغصون التي تصحب بها عند مقاطعتها بالعبرات التي تدل على مدى حبها لها، وكذلك يدعو الشاعر المحبين للأنبة إلى أن يتمتعوا بالموسم ولا يبالوا بأي شيء، لأن الاضطرار يبيح المحظورات أي ما يمنع في عامة الحال، ولأن الموسم للأنبة يأتي مرة في كل سنة، وأن يمضي فلم يكن هناك ما يحمل أهل البلاد على التمتع والهناء.
وأما القصيدة “على لسان الندوة” هي قصيدة للعلامة الكبير أحمد بن عبد القادر الكوكني (١٣٢٠هـ)، في هذه القصيدة الشاعر يقول بلسان الندوة، وهي ترثي على كيفية المدارس والمكاتب العلمية التي كانت بدورها تتضمن بأنماط مختلفة من الازدهار العلمي والعملي، لتنمية الأمة الإسلامية بجوانبها المتباينة، ولكنها لم تلبث على ذلك حتى يلمسها الانحطاط الفكري والعلمي، فأصبحت كالأم التي تبكي على مولودها، ومن ثم ينصح الشاعر الأمة الإسلامية ألا تتصارع فيما بينها بسبب الفتاوىٰ غير النافعة بل وإنما هو السبب الأكبر للخلاف بين الأمة الإسلامية. فلم يكن بد لها من أن تعتصم بعرى الإسلام ولا تتفرق في داخل هيكلية، فإذا كان الأمر كذلك فالعلماء هم المسؤؤلون وسيسئالون عن ذلك.
خاتمة البحث:
إن شخصية العالم المفكر العلامة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي قد امتازت من بين الشخصيات الجليلة، وأما تأليفاته فهي تدل على الجوانب الفكرية والتوجيهية المتنوعة في موضوعات الاجتماع والدين والأدب وجاء هذا الكتاب “القراءة الراشدة (الجزء الثالث)” متنوعة الموضوعات، شيقة الأسلوب، سهلة العبارة ، جميلة الصور، وتعطي الطلاب خبرات ومهارة، واستعمل شتى الأساليب الأدبية من الحديث المباشر إلى طريق الحوار و إلى الرمز….. وبما أن هذا الكتاب للأطفال ومن أهم أهدافه تمثيل دروس خلقية تهذيبية تعلم الاٰداب الإسلامية في مختلف نواحي الحياة، وحظى بقبول عام في الأوساط العربية العلمية في الهند و خارجها، فلذلك له دور هام في تصوير الهند و إبراز اٰثارها الإسلامية التي تتجلى في شخصيات إسلامية بارزة في معاهد علمية قيمة كما أن هذا الكتاب يؤدي دوراً مهماً في ترسيخ القيم العالية والخلق الحسنة في أذهان الأطفال.
المراجع والمصادر
١. الندوي، ابوالحسن علي الحسني، القراءة الراشدة (الجزء الثالث) ( النشر والتوزيع: مؤسسة الصحافة والنشر، ندوة العلماء تيكور مارك، لكناؤ، ١٤٣٦هـ – ٢٠١٥م)
٢. الحسني، عبدالحي بن فخرالدين ، الثقافة الإسلامية في الهند، ( النشر والتوزيع : دمشق، ١٤٠٣هـ – ١٩٨٣م)
٣. الندوي، أبوالحسن علي الحسني، رجال الفكر والدعوة الإسلامية “الجزء الثاني” ( النشر والتوزيع : دارالقلم، دمشق الطبعة الأولى ١٤٢٣هـ – ٢٠٠٢م)
٤. الندوي، محمد واضح رشيد الحسني ،المسحة الأدبية في كتابات الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي، (النشر والتوزيع : مكتب رابطة الأدب الإسلامي العالمية شبه القارة لكناؤ (الهند) الطبعة الأولى ١٤٢٥هـ – ٢٠٠٤.
٥. الحسني، عبد الحي بن فخرالدين، نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر ( النشر والتوزيع : مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن الهند، الطبعة الثانية ١٣٨٢هـ – ١٩٦٢م)
٦. عبدالمنعم النمر، تاريخ الإسلام في الهند (النشر والتوزيع : المؤسسة الجامعة الإسلامية، الطبعة الأولى ١٤٠١هـ / ١٩٨١م)
٧. الندوي، شميم أحمد، المناهج الدراسية في المدارس الإسلامية شمالاً وحنوباً في الهند “دراسة مقارنة” (النشر والتوزيع : مجلة أقلام الهند، السنة الرابعة، العدد الثالث، يونيو – سبتمبر ٢٠١٩م)
٨. ندوة العلماء تاريخها و نشأتها ، دعوة الحق
*الباحثة في قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة علي كره الإسلامية
Leave a Reply