+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

علامات الترقيم وأهمّيتها في الكتابة العربية الحديثة
أ‌. د. أشفاق أحمد

بمرور الزمن يتغيّر كل ما في السموات والأرض ويوما سيفنى تماما، ما عدا الذات الإلهي: “كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ “. والأشياء التي بقيت في هذا الكون ومرّت عليها السنون أو الدهور، فقد شاهدت تغييرات في كيانها أو في طبيعتها أو في كليهما. ومن بين هذه الأشياء لغة\ لغات الإنسان. يعتقد علماء اللّسان بأنّ اللغة الأولى أو اللغة الأم للإنسان نشأت في زمن لسنا على معرفة. ثمّ تفرّعت عن هذه اللّغة الأمّ لغات وعرفت بأسماء كثيرة. ماتت ألوف من اللغات واللّهجات ونشأت ألوف أخرى؛ فأصبحت لكل مجموعة عرقية \ قوم لغة ينطقون بها ويعبّرون عمّا في ضمائرهم من الأخيلة والطموحات، ويتبادلون آراءهم، ويتشاركون في أفكارهم، وتصبح اللّغة من أهمّ الوسائل لحياتهم في المجتمع البشري.

واللّغات التي وصلت إلينا ولا تزال نابضة بالحياة، قد مرّت بمراحل كثيرة، وأجريت تغييرات واسعة النطاق في مفرداتها وأساليبها وقواعدها النحوية والصرفية والإملائية وحتى تغيّرت معاني الكثير من المفردات. ومن بين هذه الللغات القديمة الحيّة هي اللغات السنسكريتية، والإغريقية، والصينية، والعبرية، والفارسية، والتاميلية والعربية. وهذه اللغات كلّها فقدت هويتها الأصلية إلا اللغة العربية الفصحى التي استطاعت أن تحافظ على أصالتها منذ أكثر من خمسة عشر قرنا الماضية، على الأقلّ؛ فقد خلّد الله هذه اللغة بكتابه المجيد قائلا: “إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون”.

إنّ اللغة العربية، كسائر اللغات، مرّت بمراحلها العديدة منذ مجيئها إلى حيّز الوجود قبل ألفي عام، على الأقلّ، وشاهدت تغييرات كبيرة؛ فقد تغيّرت الكثير من كلماتها، وظلّت أساليبها تتجدّد، وأدخلت الإصلاحات في بعض قواعدها النحوية والصرفية والإملائية، وتغيّرت في كثير من الأحيان معاني مفرداتها بتغيّر السياقات، والدلالات، ودخلت فيها الملايين من الكلمات الجديدة والمصطلحات الحديثة، والتعابير والأمثال المختلفة، وكل ذلك تلبية لمتطلّبات أشتات العصور.

وعصر الرقمنة الذي نعيشه، زادت فيه أهمّية القواعد الإملائية وعلامات الترقيم لأسباب عديدة، ومنها الكتابة\ الطباعة على الكمبيوتر والهواتف الجوّالة\ الذكيّة، وكتابة الرسائل وتبادل الآراء بين الأقارب والأصدقاء ومن سواهم على شبكات الإنترنيت ومنصّات التواصل الاجتماعي وغيرها الكثير.

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ القواعد النحوية والصرفية والإملائية للغة العربية وجدت منذ العصور القديمة في أشكالها المختلفة. أمّا علامات الترقيم فهي حديثة العهد في الكتابة العربية؛ فأدخلها أحمد زكي باشا في مصر قبل حوالي مئة عام، ثم راج استخدامها في سائر الدول العربية، وكذلك أخذ يستخدمها شيئا فشيئا الأساتذة والطلبة والطالبات غير العرب في أنحاء العالم. والجدير بالذكر أيضا أنّ بعض علامات الترقيم في الكتابة العربيةّ تختلف في أشكالها عن علامات الترقيم التي تستخدم في الكتابة الإنجليزية؛ فلكل لغة مميّزاتها ومتطلّباتها وسياقاتها.

بدأ الهنود أيضا يستخدمون علامات الترقيم في كتاباتهم العربية منذ عقود ماضية. ولكنّ معظم الأساتذة والطلبة الهنود إمّا يقلّلون من أهمّية علامات الترقيم في الكتابة أو يتغافلون عنها أو لا يعرفون عنها شيئا. يستخدم كاتب هذه السطور علامات الترقيم منذ العقدين الماضيين في كتاباته العربية، كما يستخدمها في كتاباته الإنجليزية والأوردية. ومن أجل ترويج استخدامها بين الطلبة والطالبات والباحثين والأساتيذ، أراد الكاتب كتابة مقالة في هذا الموضوع المهمّ ونشرها في مجلّة عربية تصدر من الهند.

وفي الصفحات التالية يتمّ الحديث عن علامات الترقيم واستخدامها في الكتابة العربية. وممّا يجب الإشارة إليه هنا أنّ كاتب هذه السطور لا يريد أن يتحدّث عن كلّ ما جاء بشأن علامات الترقيم في هذه المقالة. ويتمّ التوضيح أيضا أنّ الكاتب ليس هو المبدع لهذه القواعد؛ فلا يدّعي بأصالة ما يكتبه للقارئ هنا.

علامات الترقيم

علامات الترقيم هي رموز اصطلاحية تكتب بين الجمل أوالكلمات أوالفقرات تيسيرا لعملية الإفهام من جانب الكاتب أثناء الكتابة، وعملية الفهم على القارئ أثناء القراءة. وهي عنصر أساسي من عناصر التعبير الكتابي في العصر المعاصر، وإنّ لها صلة وثيقة بالكتابة الإملائية. وهذه الرموز لا تسهّل الفهم على القارئ فحسب، بل تجوّد إدراكه للمعاني، وتفسّر له المقاصد، وتوضّح له التراكيب، وتدفعه إلى المزيد من القراءة والاستمتاع بالكتابة. وهي تشبه الحركات البدنية والنبرات الصوتية التي يستخدمها المتكلّم في أثناء الكلام. وإنّ هذه العلامات تكتب دائما ملاصقة للكلمة التي تسبقها؛ فيلزم للكاتب أن لا يترك بينهما فراغات. ونذكر هنا علامات الترقيم الرئيسية فقط؛ لأنّ عددها كبير، وسيزيد عددها في شكل مستمر من جرّاء الثورة الصناعية الرابعة (التي بدأت منذ عام 2016) أو عصر الرقمنة الإبداعية والروبوتات، والذكاء الاصطناعي، وطباعة ثلاثية الأبعاد، وإنترنيت الأشياء، وغيرها الكثير.

نبدأ الكلام بالجمل الثلاث التالية ونطرح السؤال: هل يمكن فهم معانيها فهما صحيحا بدون وضع علامات الترقيم في أواخرها؟

 ما احسن الرجل

 ما احسن الرجل

 ما احسن الرجل

والإجابة تكون بـ “لا”؛ لأنّه بدون وضع هذه العلامات إمّا يصعب للقارئ فهم معانيها فهما صحيحا أو يضيع وقتا للوصول إلى ما أراد به الكاتب. إنّ القارئ العادي لا يفهم الفرق بين هذه الجمل في أول الوهلة؛ فقد يظنّ أنّ فيها خطأ. ولكنّها تصبح سهلة الفهم على القارئ بعد وضع علامات الترقيم في أواخرها، وبها تتضح معانيها. إقرأ الجمل مرّة ثانية.

 ما أحسن الرجل.

 ما أحسن الرجل!

 ما أحسن الرجل؟

إنّ النقطة في آخر الجملة الأولى جعلتها جملة خبرية منفية بـ “ما” النافية، وجعلت علامة التأثر الجملة الثانية جملة تعجبية، و”ما” اسم استخدم هنا للتعجب. وجعلت علامة الاستفهام الجملة الثالثة جملة استفهامية، و”ما” هنا اسم للاستفهام. فإنّ علامات الترقيم تشبه الحركات الجسمية والحركات اليدوية والنبرات الصوتية التي يستخدمها المتكلّم أثناء كلامه\ خطابه. وهي حركات أعضاء جسم الإنسان التي توصل بها المعلومات أو ما نسمّيه “لغة الجسد” Body Language.

الفاصلة (،)

ويطلق عليها أيضا الفارزة والشولة.

(أ‌) توضع الفاصلة أساسا بين الجمل والمفردات المعطوف بعضها على بعض (وتوضع أيضا في عديد من المواضع الأخرى.) وتكتب دائما هكذا (،)، ولا تكتب أبدا هكذا (, ) في الكتابة العربية.

الأمثلة:

1- محمود طالب مثقّف، لا يؤذي أحدا، ولا يكذّب في كلامه، ولا يقصّر في دروسه.

2- الخطبة كلام يلقى على جمهور من الناس بهدف الإقناع والتأثير، وحثّ الناس على الالتزام بقضية معيّنة.

3- ذهب محمود إلى السوق، واشترى كتابا جديدا، ورجع إلى منزله.

(ب‌) توضع بعد المنادى. مثال:

1- يا خالد، اتق الله.

2- يا فرحان، اجتهد في دروسك.

(ت‌) توضع بعد حروف الجواب (نعم، لا، بلى….) في أول الجملة. مثال:

1- نعم، زرت صديقي المريض مساء اليوم.

2- لا، أذهب اليوم إلى بنارس.

3- بلى، إنّ الله هو أحكم الحاكمين.

الفاصلة المنقوطة (؛)

وتسمّى أيضا الفصلة المنقوطة، والشولة المنقوطة، والقاطعة.

(أ‌) توضع بين جملتين إحداهما سبب للأخرى. مثال:

1- الطالب اجتهد في مذكّراته؛ فكان الأول على رفاقه.

2- الدول الغربية تسود العالم منذ قرون؛ لأنّها اعتنت كثيرا بالعلم والمعرفة.

(ب‌) توضع بين جملتين بينهما مشاركة أو علاقة في المعنى. مثال:

1- سئل عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه-: ما بلغ بك ما نرى؟ قال: “ذقت حلاوة الدنيا؛ فوجدتها مرة عواقبها؛ فاستوى عندي حجرها وذهبها”.

2- لا تمازح سفيها ولا حليما؛ لأنّ السفيه يؤذيك، والحليم يشمئز منك.

النقطة (.)

وتسمّى أيضا “الوقفة”، وتوضع بعد نهاية الجملة التامّة المعنى. مثال:

1- آمنت بالله.

2- الحقيقة مرّة.

3- خير الكلام ما قل ودل، ولا يطل فيملّ.

النقطتان الرأسيتان (:)

تسمّيان أيضا علامة التوضيح والحكاية أو نقطتي التفسير والبيان. وتستعملان في سياق التوضيح والتبيين. مثال:

1- قال الله تعالى: “ومن يتق الله يجعل له مخرجا”.

2- سألته: من أين لك هذا؟ فأجاب: من أبي.

3- قال تعالى: “وما أرسلناك الا رحمة للعالمين”.

الشرطة (-).

وتسمى الوصلة، والمعترضة. تقوم مقام السائل والمجيب في الحوار، وبين العد والمعدود (1-…، 2-…)، وحصر الجمل المعترضة. مثال:

1- الصادق- وإن كان فقيرا- محبوب.

2- كيف حالك؟

3- قال شاعر عن امرأته: وتفتح- لا كانت- فما لو رأيته توهّمته بابا من النار يفتح.

4- البترو- كيماوي.

علامة الاستفهام (؟)

توضع بعد الجملة الاستفهامية (سواء أ كانت أداة الاستفهام مذكورة أم محذوفة)، أو بعد حرف أو اسم يدلّ على الاستفهام، وبالخصوص بعد الأدوات التي تدل على الاستفهام (هل، كيف، ماذا، وهمزة الاستفهام وغيرها. مثال:

1- متى عدتم من السفر؟

2- ترى المنكر ولا تغيّره؟

3- لا نعرف على وجه اليقين تاريخ وفاة الخليل بن أحمد: هل توفي سنة مئة وسبعين للهجرة؟ أو أنه توفي عام خمس وسبعين ومئة؟ أو كانت وفاته سنة ثمانين ومئة؟ سنحاول عرض الروايات المختلفة.

علامة التأثر ((!)

وتسمّى أيضا علامة التعجب، وعلامة الانفعال. توضع بعد الجمل التي تعبر عن الانفعالات النفسية (التعجب، والفرح، والحزن، والدعاء، والدهشة، والاستغاثة). مثال:

1- ما أقسى ظلم القريب!

2- بئس اللئيم!

3- اللهمّ أغثنا!

4- يا بشراي!

5- وا مصيبتاه!

6- ويل للخونة!

علامة الحذف (. . .)

وهي ثلاث نقاط متباعدة (حسب قواعد APA وثلاث نقاط متتالية عند البعض الآخر)، وتوضع مكان ما يحذفه الكاتب من كلام غيره أو للدلالة على إسقاط نقطة أو أكثر من النص المقتبس، أو مكان نص لم يعثر الناقل عليه أو مكان يستقبح من ذكره. وتسمّى أيضا نقطة الاختصار أو نقطة الإضمار. تستخدم ثلاث نقاط إذا حذفت من النص المقتبس بعض الكلمات، وأربع نقاط إذا حذفت منه جملة كاملة. تستخدم في بداية الجمل أو بين الجمل أو في آخر الجمل. مثال:

1- قرأت روايات نجيب محفوظ كلها: خان الخليلي، والسكرية، واللص والكلاب. . . (للدلالة على الإيجاز والاختصار).

2- تملكني الحزن والأسى حين سمعت هذين الرجلين يتشاتمان، ويتبادلان أنواع السباب، فيقول أحدهما: . . . ويقول الآخر . . . (إذا يستقبح ذكر ذلك الشتم).

علامة التنصيص (« »)

يحسن للجميع استخدام الأقواس التالية للتنصيص « »، ولكن تستخدم أيضا ” “. ويطلق عليها أيضا علامة الاقتباس أو المزدوجتان أو الشناتر.

يوضع بينهما ما ينقله الكاتب من كلام غيره، أو عند ذكر عناوين مقالات، أو أبحاث، أو عند الحديث عن لفظة معيّنة…

مثال:

قال تعالى: “كل نفس ذائقة الموت”.

علامة الحصر ( ) أو القوسان الهلاليان

توضعان وسط الكلام، وتكتب بينهما العبارات والألفاظ التي ليست من أساس الكلام، مثل الجمل الاعتراضية أو التفسيرية، أو الإشارة إلى مرجع سابق…

يستخدم أيضا القوسان المستطيلان.

مثال: دخلت ثالث الحرمين (المسجد الأقصى) وصليت فيه.

الإشارة المائلة (/)

تستخدم أيضا في البرمجة وفي التاريخ:

مثال: تاريخ اليوم هو 3/8/2021

الإشارة المائلة المعاكسة (\)

تستخدم في البرمجة وعناوين المواقع.

ويفضّل عدم استخدامها في النصوص الآدبية.

وإلى جانب هذه العلامات، هناك العديد من علامات الترقيم الأخرى ولكنّها لا تستخدم لكتابة النصوص الأدبية؛ فلا نناقشها هنا.

الحواشي:

1- النجار، فهمي. قواعد الإملاء في عشرة دروس سهلة. الرياض: مكتبة الكوثر، 2008.

2- سالم، عادل. علامات الترقيم في الكتابة العربية ومواضع استعمالها. https://www.diwanalarab.com، 2009.

3- علامات الترقيم. ويكيبيديا: الموسوعة الحرّة.

4- علامات الترقيم وأدوات الربط. مدرسة راهبات الفرنسيسكان- الناصرة. https://sites.google.com/a/fransiscan.tzafonet.org.il/homepage/3alamat-al-tarqem

5- بحث عن علامات الترقيم في اللغة العربية: تعريف، تدريبات، أمثلة واضحة. 2021.

*أ‌. د. أشفاق أحمد، رئيس قسم اللغة العربية، كلّية الآداب، جامعة بنارس الهندوسية، فارانسي، الهند

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of