+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

الفرق بين “الخَاطِئ” و”المُخْطِئ”
د. أورنك زيب الأعظمي

اللغة العربية لغة أمة كانت أذكى الأمم فنجدها تورد كلمات مختلفة للتعبير عن أمر كما نجدها تفرّق بين كلمة وأخرى لسبب فرق لطيف أو اختلاف معنوي دقيق. وفي هذه العجالة سنقوم ببيان معنى كلمتيْ (خَاطِئٌ) و(مُخْطِئٌ) ونذكر الفرق اللطيف الكامن فيهما. وإذ أنّ القرآن نزل بلسانها فراعى هذا الفرق ومن ثم أثبت أنه كتاب عربي مبين.

مجيء كلمتي (خاطئ) و(مخطئ) في القرآن الكريم: جاءت كلمتا  (خاطئ) و(مخطئ) عدة مرات في القرآن الكريم فقال الله تعالى: “فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلۡبَشِيرُ أَلۡقَىٰهُ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ فَٱرۡتَدَّ بَصِيرٗاۖ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٩٦ قَالُواْ يَٰٓأَبَانَا ٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَٰطِ‍ِٔينَ ٩٧ قَالَ سَوۡفَ أَسۡتَغۡفِرُ لَكُمۡ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ٩٨”. (سورة يوسف)

وقال: “فَٱلۡتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرۡعَوۡنَ لِيَكُونَ لَهُمۡ عَدُوّٗا وَحَزَنًاۗ إِنَّ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَٰطِ‍ِٔينَ ٨”. (سورة القصص)

وقال أيضًا: “وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنۡ غِسۡلِينٖ ٣٦ لَّا يَأۡكُلُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡخَٰطِ‍ُٔونَ ٣٧”. (سورة الحاقة)

وقال تعالى: “لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَيۡنَآ إِصۡرٗا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَآۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٢٨٦”. (سورة البقرة)

وقال: “ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا ٥”. (سورة الأحزاب)

يبدو من دراسة هذه الآيات أنّ الخاطئ مَنْ ارتكب الخطأ عمدًا فنجد إخوة يوسف أنهم اعترفوا بخطأهم كما نجد أنّ الآيتين الأخيرتين تشيران إلى وقوع الخطأ بدون عمد.

مجيء كلمتي (خاطئ) و(مخطئ) في كلام العرب: وقد جاءت الكلمتان في كلام العرب وبنفس المعنى فقال لبيد بن ربيعة العامري:

والناس يلحَون الأميرَ إذا همُ خَطِئوا الصوابَ وقد يُلامُ المرشِد[2]

وقال ذو الرمة:

فلما استوتْ آذانُها في شريعةٍ لها غيلمٌ للبُتر فيها صوائح
تنحّى لأدناها فصادف سهمَه بخاطئةٍ من جانب الكِيح ناطح[3]

وأنشد أبو الهيثم:

عبادُك يخطَأون وأنت ربٌّ كريمٌ، لا تليق بك الذُمُوم[4]

وجاء في المثل: “مع الخواطئ سهمٌ صائب”.[5]

ونادرًاما يعني خَطِئَ: أخطأ كما قال امرؤ القيس:

يا لهفَ هند، إذ خطِئنَ كاهلًا
القاتلين الملكَ الحُلاحلا
خيرُ معدٍّ حسبًا ونائلا[6]

والاسم منه خِطأ (بكسر الخاء) كما قال تعالى: “وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡۚ إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡ‍ٔٗا كَبِيرٗا ٣١”. (سورة الإسراء)

وأما أخطأ فشواهده كما يلي:

قال امرؤ القيس:

فأخطأته المنايا قيسَ أنملةٍ ولا تحرّز إلا وهو مكتوب[7]

وله أيضًا:

وتعدو كعدو نجاة الظباء أخطأها الحاذف المقتدر[8]

وقال الأعشى الكبير:

فأصبنَ ذا كرمٍ، ومن أخطأنَه جرَّ المقيظة خشيةً أمثالَها[9]

وقال ضابئ بن الحارث:

وفي الشكّ تفريطٌ، وفي الحزم قوّة ويخطئ في الحدس الفتى ويصيب[10]

وقال أبو ذويب الهذلي:

وقائلةٍ ما كان حِذوةُ بعلها غداتئذٍ من شاءِ قِردٍ وكاهل
توقّى بأطرافِ القِران وعينُها كعينِ الحُبارى أخطأتْها الأجادلُ
رددنا إلى مولًى بنيها فأصبحتْ تُعَدُّ بها وسطَ النساء الأرامل[11]

وقال معاوية بن أبي سفيان:

ألا يا عمرو، عمرو قبيلِ سهمٍ لقد أخطأتَ رأيك في عقيل
بُليتَ بحيّة صمّاء باتتْ تلفّتُ أين ملتمس القبيل
بعينٍ تنفذ البيداءَ لحظًا ونابٍ غير موصولٍ كليل[12]

وقال كثيّر عزة:

خدتْ فيه برحلي ذاتُ لوثٍ من العيديّ ناجيةٌ ذَمُول
سَلوكٌ حين تشتبه الفيافي ويُخطئ قصدَ وجهته الدليلُ[13]

وقال العجاج:

يا ربِّ إنْ أخطأتُ أو نسيتُ فأنت لا تنسى ولا تموت
إنّ المُوَقَّى مثلُ ما وُقِّيتُ أنقذني من خوفِ ما خشيتُ[14]

ونادرًاما يعني أخْطَأ: ركب الخطأ عمدًا كما قال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:

أخطأتِ أنتِ بدأتِ بالصرم وابتعتِ منا الهجرَ بالسلم[15]

والاسم منه خَطَأ (بفتح الخاء) كما قال أوس بن غلفاء:

ذريني إنما خطأي وصوبي عليّ وإنما أنفقتُ مالي[16]

وقال الأخطل:

وما منعتْ أسماءُ يومَ رحيلنا أمرُّ عليّ من خطأ ومن وزر[17]

خلاصة الكلام: ظهر مما سردناه من الشواهد من القرآن الكريم وكلام العرب أنّ:

  1. الخَاطِئ: مَنْ ارتكب الخطأ عمدًا، وأنّ المخطئ من لم يرتكبه عمدًا.
  2. وأنّ الخاطئ نادرًاما يعني مَنْ ارتكب الخطأ بدون عمد كما أنّ المخطئ نادرًاما يعني مَنْ ارتكب الخطأ عمدًا.
  3. وأنّ القرآن الكريم يختار من مفردات العربية ما يكون شائعًا استعماله. وهذه إحدى جهات معنى قوله تعالى: “وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ … بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ”. (سورة الشعراء: 193-195)

ونحمده تعالى على أنّه وفّقنا لخدمة اللغة العربية ولغة كتابه المعجز.

المصادر والمراجع

  1. القرآن الكريم
  2. أساس البلاغة لأبي القاسم الزمخشري، تحقيق: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1998م
  3. ديوان الأخطل، شرح: مهدي محمّد ناصر الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1994م
  4. ديوان الأصمعيات، تحقيق: أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف بمصر، ط3
  5. ديوان الأعشى الكبير بشرح محمود إبراهيم محمد الرضواني، وزارة الثقافة والفنون والتراث، إدارة البحوث والدراسات الثقافية، الدوحة، قطر، 2010م
  6. ديوان العجّاج، تحقيق: د. عبد الحفيظ السطلي، مكتبة أطلس، دمشق، 1971م
  7. ديوان الهذليين، الجمهورية العربية المتحدة، الثقافة والإرشاد القومي، دار الكتب، بيروت، 1996م
  8. ديوان امرئ القيس، ضبطه وصحّحه: الأستاذ مصطفى عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004م
  9. ديوان ذي الرمة، تقديم وشرح: أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1995م
  10. ديوان عمر بن أبي ربيعة المخزومي القرشي، مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر، د.ت.
  11. ديوان كُثَيِّر عَزّة، جمع وشرح: د. إحسان عبّاس، دار الثقافة، بيروت، لبنان، 1971م
  12. ديوان لبيد بن ربيعة العامري، دار صادر، بيروت، د.ت.
  13. ديوان معاوية بن أبي سفيان، جمع وتحقيق وشرح: الدكتور فاروق أسليم بن أحمد، دار صادر، بيروت، ط1، 1996م
  14. لسان العرب لابن منظور الإفريقي، دار صادر، بيروت، د.ت.
  15. موسوعة شعراء العصر الجاهلي لعبد عون الروضان، دار أسامة للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2001م

[1] مدير تحرير “مجلة الهند” وأستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي

[2] ديوانه، ص 233

[3] ديوانه، ص 55، خاطئة: رمية خاطئة

[4] لسان العرب: خطأ

[5] لسان العرب: خطأ

[6] أساس البلاغة: خطأ

[7] ديوانه، ص 48

[8] ديوانه، ص 72، المقتدر: الماهر، الحاذف: الرامي

[9] ديوانه، 1/163

[10] ديوان الأصمعيات، ص 184 أخطأ فيه وفي القرآن أخطأ به

[11] ديوان الهذليين، 1/82-83، حذوة: ما أعطِيَ، قران: جبال صغار، أجادل: صقور، مولى: ابن العمّ لأنه يكفل اليتامى عادةً.

[12] ديوانه، ص 111

[13] ديوانه، ص 121

[14] ديوانه، 2/182

[15] ديوانه، ص 526

[16] موسوعة شعراء العصر الجاهلي، ص 47

[17] ديوانه، ص 177.

الأستاذ في الجامعة الملية الإسلامية بنيو دلهي.

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of