+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

قصة قصيرة: السروال الأحمر
محمود عاصم

رن الجوال فانتزعته من يد أمها حينما لفتت أن الرقم الذي يظهر على الشاشة هو رقم أبيها. كانت علاقتها مع أبيها أقوى من أمها حيث يلبي أبوها كل رغبتها وطموحاتها منذ طفولتها ويحاول قدر المستطاع أن ينفذ كل ما تشتهيها.بدأت سومان تتكلم دون توقف وتسجل طلباتها لأبيها نظراً إلى قرب الموعد لعودته إلى القرية بمناسبة عيد ديفالي.

ولكن ما هذا ؟ لم تحس حرارة في لهجة أبيها ووجدت كلماته باردة بدون أحاسيس ومشاعر  اعتادت بتذوقها. توقفت برهة ثم بدأت ترمي سؤالا بعد سؤال.  كيف أنت يا أبي ؟ هل أنت مريض ؟ ماذا بك ؟ الحمى ! هل وقعت في مشكلة أو حادث، أين أنت الآن ؟ في غرفتك أم …. لا قدر الله – … في المستشفى . تكلم يا أبي تنطق.  أنا مضطربة جداً أريد الجواب منك.

لم ينبس أبوها كلماته بحرارة ودفء وبس قال : إن الأمور ليست على طبيعتها يا إبنتي. أنا أصبت بالحمى ولا أستطيع العمل منذ يومين ونصحني الطبيب أن أعاطي الدواء وأستريح لأيام لأن الضعف الذي أعقب الحمى أنهكني وأصبحت أحس ضعفا في جوارحي.

فأصرت على أمها أن تحجز لها تذكرتها لتذهب إلى أبيها لعنايته خلال المرض. فرضيت أمها بعد التشاور مع زوجها. ركبت القطار أول مرة في حياتها وهي وحيدة وشعور وحدة السفر يدخل الارتعاش في جسمها ولكنها قانعة بأنها سوف تصل بأمان وتلتقي بأبيها المريض وتداوي وتعتني بها حق العناية ليشفي بسرعة.

ولكن من سوء الحظ، بعد وصولها عند أبيها، تدهورت حالة أبيها وما كان عنده نقود كافية ليحتجز سريرا في المستشفى. شكا إلى ضيق التنفس لساعات ورحل إلى الدار الخالدة بعدها.

تحيرت من حالها ولم تدر ماذا تفعل وكيف ترجع إلى بيتها حيث تم الإعلان عن فرض إغلاق كامل في طول البلاد بعد وصولها إلى دلهي حيث يسكن أبوها.

كانت تتعرف على بعض أصدقاء أبيها الذين يخططون للسفر إلى القرية ماشياً على الأقدام. فكرت هل في وسعها أن تمشي على أقدامها لبعد ألف كيلومتر. ولكنها قررت مصاحبتهم حيث ما كان لديها خيار آخر سواه.

وقعت في غلطة بعد قطع مسافة يومين حينما جاءه الحيض الذي تجربت به أول مرة في حياتها وكانت في حيرة شديدة ولم تعرف ماذا تفعل وعمن تسئل أشياء متعلقة عن هذا. فكرت عن أمها بالشدة لتشاورها في أمرها وتذكرتها وحاجتها لم تمس بها أبدا في حياتها قبل ذلك. ولكن لم تتمكن من الاتصال بها حيث نفدت بطارية جواله في الطريق ولم تجد شحنة في سبيلها.

سمعت عن أمها عن طبيعة المحيض ولكن حينما تجربتها شعرت بقلق عميق وكانت هي على مفترق الطريق يشهدها الناس من كل جانب وأحاطها الخوف والقلق والعزلة،  إذ قابله المجتمع والناس من حوله ببوادر من النكات والأقاويل التي أدت إلى الخجل والإحراج لها. لم يكن لديها معلومات صحية عنه مما جعلها تشعر بالخوف والارتباك المزوجين بالحزن.

كانت مثقلة بالحزن مثل الإسفنج بالماء إذ لمحها فتى من أصحاب سفرها وأدرك ورطتها وهم إليها ليدلها إلى مكان منفصل تقوم بتنظيف نفسها. فنظرت إليه بتشكر ولم تنبس كلمة وأخرجت قطعة لباس من أمتعتها والذي يسمى بـ أنكوتشا وكان يستخدمها أبوها لتجفيف عروق جبينه حيث تعتبر هذه انكوتشا جزءا لا يتجزأ من حياته. قامت بنظافة في عجلة وهرعت إلى مكانها لكي لا يراها أحد فيما كانت تعمل لأن في يدها كانت قطعتين ذات لون أحمر من لباس وهما سروالها وقطعة أنكوتشا لأبيها وكانت هذه القطعات من اللباس أبغض شيي عندها في تلك اللحظات.

 بعد ساعة من الراحة بدأت القافلة رحلتها من جديد ولكنها لم تتمكن من أن تنسى ذلك الفتى الذي ساعدها حينما كانت في أشد حاجة إلى المساعدة. بعد حين وآخر تنظر إليه وتحس كأنه هو الوحيد في القافلة الذي يمكن أن تعتمد عليه. أحس الفتى نظراتها وأبدى نفس المشاعر تجاهها. فبدأ يقتربان إلى بعضهما البعض بسبب وآخر ويتبادلان الحديث فيما بينهما. حكت له حكايتها وقص لها قصته فوجد إثنان أوجه التشابه فيما بينهما أكثر من أوجه الخلاف في حياتهما فقررا في نفسهما الاقتراب بدلا من الابتعاد بعد هذه الرحلة المتعبة والتي أودت بحياة أحد من أصحاب سفرهما أثناء الرحلة حيث لم يستطع أن يبقى جوعا وعطشا لمدة طويلة.

أدرك إثنان من قربتهما حينما اعترض أحد من أصدقاء أبيها على تقرب ذلك الفتى منها في لحظة كان يتخيل أن يلقى آخر لقمة من خبزه في فمها. وكاد أن تنهي الرحلة بعد يومين حيث نظر إثنان إلى معلم طريق في لغتهما الأم ويشير إلى قربة مكانهما في القرية. كانت مشاعر إثنين تتدفق حيث لا يرى أحد أن يصل إلى منزلهما رغم مواجهة كثير من المشاكل خلال الرحلة لأنهما ذاقا طعم الحب في السفر ولم يتجرب أي واحد منهما تلك العواطف تجاه أحد في حياتهما سابقاً.

فقرر قرارهما بالزواج مع بعضمها البعض قبل نهاية السفر وأعلنا عنه أخر يوم من الرحلة. فاعترض البعض وأيد موقفهما الآخرون وكان العم راجو، أكبر رجل سنا في القافلة في تأييدهما وأكد على توفير كل تسهيلات لهما حين وصول البيت.

في لحظة دخول القافلة في القرية استقبلها أهالي القرية ولم ينتبهوا إلى تدابير احترازية لمنع انتشار فيروس كورونا وحينما أخبر راجو كل المستجدات في حياتهما وقرارهما للزواج ففرح سكان القرية بشدة وبدأوا يرقصون حيث شعروا أنهم تلقوا أي خبر سار بعد شهور.

كانت أمها وأب ذلك الفتى موجودان في حفل الزواج وكانت الدموع تتقطر من عيونهما. ذهبت أسرتان إلى مكانهما بكل فرح وسرور وأصبح اللون الأحمر من أفضل الألوان عندها حيث سبب لها في العثور على زوج محب وأسرة تراعيها بعد موت أبيها.

*الباحث في الدكتوراه، قسم الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهرلال نهرو، نيو دلهي، الهند

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of