+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

أهم الحوادث فى حياة الخنساء وأشهر أشعارها فى الرثاء
سيدة مهبارة بيضاء

ملخص البحث :

كانت تماضر بن عمرو بن الشريد الخنساء شاعرة مخضرمة أدركت العصر الجاهلية والإسلامية ، بعد ظهور الإسلام أسلمت وحسن إسلامها . أنها ولدت عام ٥٧٥م ،  أي فى أواخر العصر الجاهلية .نشأت و ترعرعت فى أحضان النعمة والثروة فكان أبوها وأخواها معاوية وصخر من  قبيلة مضر . تعدها من أبرز الشاعرت العربيات وخاصة فى فن الرثاء لقد زدته وأسهمت فيه مساهمة كبيرة ولكنها مع ذلك أبدعت فى شعرها ولونت فى تعبيرها وأصبحت من الشعراء البارزين قديما وحديثا . وأثبتت قوة شخصيتها برفضها الزواج من دريد بن الصمة أحد فرسان بني جشم لأنها آثرت الزواج من أحد بني قومها .هى تزوجت مرتين ، تزوجت للمرة الأولى بعبد العزى كان شابا صاحب لهو وقمار ، ينفق ما بيده ولا يبقي شيئا وكانت الخنساء تلجأ إلى أخيها صخر ، وولدت له ابنها سمى عمرا وعرف بأبي شجرة .  ومرة الثانية هى تزوجت بمرداس السلمي فولدت له أولاد عديدة أشتهر جميعهم بالفروسية .عرفت بقوة شخصيتها واعتزارها بأخوايها معاوية وصخر فوصفتهما فى غالبية شعرها بالكرم والجود ، وكانت تحبهما حبا جما . كان شعرها يغلب عليه البكاء والحداد والمدح والتكرار وإيقاع الحزن والبكاء ذرف الدموع ولقد نبغت شاعريتها بعد مقتل أخويها ، حيث أثر مقتل أخويها معاوية وصخر فى شاعريتها وزاد فى شهرتها الشعرية . دفعها هذا الحزن إلى حداد طويل جدا ، حيث استمرت فى ارتداء ملابس الحداد  كدليل على إخلاصها لأخويها .

الكلمات المفتاحية : الخنساء ، حياتها ، صخر ، معاوية ، دريد بن الصمة ، زواج ، رثاء ، أبنائها الأربعة ، حزن .

اسمها ولقبها :

قال ابن خلكان فى كتابه” وفيات الأعيان” : ( الخنساء ، اسمها تماضر ، بضم التاء المثناة من فوقها وفتح الميم وبعد الألف ضاد مكسورة معجمة وبعدها راء ، وهى ابنة عمرو بن الشريد السُلمى) . اسمها السيدةأم عمرو ، تُماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد  الرياحية السُليمية من قيس غيلان من مضر ، من قبيلة سُليم التى نشأ فيها زهير بن أبي  سُلمي الشاعر المعروف وسواه ، والخنساء لقبها الذي غلب على اسمها وقد لقوبها بالخنساء تشبيهًا لها بالبقرة الوحشية في جمال عينها أو هذا الاسم لقب غلب عليها وهى صبية[1] . ومعني تماضر ، البيضاء أو البياض و لقبت “بالخنساء” وهو مؤنس الأخنس ، ومن الخنس : تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل فى الأرنبة ، وهى صفة أكثر أبناء قبيلة سليم فى العصر الجاهلي وقد حافظوا على تقدمهم بين القبائل ، حتى فى ظل الإسلام . ويذكر ابن خلدون أن قبيلة الخنساء هاجرت إلى إفريقية بعد الفتح الإسلامي فاحتفظ أبناؤها بمكانتهم وحافظوا على نسبهم إلى زمنه مما جعل لهم شوكة وصولة حتى ذلك التاريخ[2] .

مولدها و نسبها و نشأتها :

 يرجع المؤرخون أن  مولدها كان عام  ٥٧٥م  ، وأن وفاتها ٦٦٤م   ، إلا أن من المؤرخين من قال أنه لا يوجد تحديد للعام الذي ولدت فيه . وأن عام ميلادها المذكور جاء به المستشرق جبرييلي ، وتبعة العرب فى ذلك [3].  هى شاعرة المخضرمة (الشعرأء المخضرمون هم الذين أدركوا العصرين العصر الجاهلى و العصر الإسلامى ) و إحدى من الصحابيات الرسول الله صلى عيه وسلمو أعظم شواعر العرب ، معظم شعرها فى رثاء لأخويها صخر ومعاوية الذين قتلا فى الجاهلية وبعد قتلهماجلست الخنساء على قبرهما زمانا طويلا و تبكيهما وترثيهما و فيه جل مراثيهما ومعظم أبياتها فى مدح صخر وكثرة إحسانه ، وأيضا ترثى أولادها الأربعة الذين شهدوا فى الحرب القادسية ، تعتبر الخنساء من أشهر نساء العرب قبل مجئ الإسلام و بعده’ كما قيل لجرير من أشعر الناس ؟ قال أنا لو لا هذه الخبيثة (يعنى الخنساء ) قال بشار :لم  تقل امرأة قط شعرا إلا تبين الضعف فيه ، فقيل له أوكذلك الخنساء ؟ قال تلك فوق الرجال[4].

كانت الخنساء واحدة من أعظم الشاعرات فى  العصر الجاهلي والإسلام تفوقت على العديد من الشعراء فى زمانها حتى قال عنها نابغة الزبياني ، أنها أشعر الجن والإنس ، عاشت قرابة السبعين عاما حتى أدركت الإسلام ، وأسلمت وحسن إسلامها وكانت فى جاهليتها تقول الشعر قليلا حتى ماتشقيقها  صخر فتدفق الشعر على لسانها بقصائد رثاء خالدة فى أمهات كتب الأدب والشعر . لها ديوان معروف ، متوسط الجحم أكثره من الرثاء  شرحه عدد من العلماء أشهرهم ابن السكيت ، ابن الأعربي ، والثعالبي وغير ذلك .

كان ولدها سيدا من سادة قومه ذا نفوذ وثروة طائلة ، وكان شديد الإفتقار بولديه “صخر ، معاوية” فإذا حضر الموسم فى عكاظ سار بهما أمام الملأ وهو ينادي ، أنا أبو خيري مضر فلا ينكر عليه أحد من مضر أو غيرها من القبائل ، ويبدو أن الخنساء كانت أصغر من أخويها هذين ، لأن المستشرق غبريالي كان قد جعل مولد معاوية عام ٥٨٠م ، مستندا إلى رواية الأصمعي التي يذكر فيها خبر  حضور والدها سوق عكاظ مع ابنه صخر ومعاوية فى السنة ٣٥للفيل ، فباعوا  لهم  أرضا فى يثرب إلى معمر بن الحارث جد الشاعر العذري جميل بثينة ، وأن عقد البيع بقى محفوظا لدى أبناء معمر إلى زمن  هارون الرشيد . وبناء على هذه الرواية فإن زمن شبابهما يجب أن يقع فى حدود السنتين ٥٨٨و ٦٠٥ لأن عام الفيل لم يتقدم السنة ٥٨٠م ، ولم يتأخر سنة ٥٤٢ م[5] . تحدث الرسول الله صلى عليه وسلم عن نسب الخنساء تفاخرا به حينما قال :

 ” إن لكل قوم حرزا ، وإن حرز العرب قيس (بن عيلان ) ، وكان أيضا عليه الصلاة والسلام –يقول : أنا ابن العواتك من سليم وفيهم  شرف وخير كثير ، و هم أصحاب الرايات الحمر .لذلك فقد اجتمعت للخنساء أسباب العزة ، وملكت عوامل الفخار من جاه ، ومال وجمال ونفوذ ، فكان لهذه الأسباب الأثر فى حياتها و فى تكوين شخصيتها ، وقد حافظت هذه الأسباب على مكانة الخنساء وهيبتها فلم يجرؤ أحد على التهجم عليها ، أو التحدث عنها ، وكذلك كانت للبيئة والمكان الذي تسكنه الأثر الواضح فى بناء شخصيتها كشاعرة ، فقد اشتهر أهم نجد بالبلاغة ، و ذهبوا بالشعر كل مذهب ، وظهر كثير من الشعراء فى هذا المكان[6].

الخنساء فى شبابها :

 تجمع الخنساء فى نفسها صفات عظيمة لا يمكن أن يمتلكها أي رجل أو امرأة أخرى ، فقد جمعت المروءة  والفروسية والبطولة والولاء والإخلاص إلى جانب تفوقها فى الشعر وكذلك إيمانها العميق بعد إسلامها . كانت الخنساء  حكيمة وحاذمة ، لم يجرؤ أحد على مهاجمتها أو التحدث عنها ، ولهذا لم يتحدث عنها أحد ولم يتفوه  شاعر بشيء يمكن أن تحملة الألسنة . كما كتب حمدو طماس فى كتابه ” ديوان الخنساء”  كانت الخنساء عاقلة حازمة ، حتى أنها قد عدت من شهيرات النساء ، ومثل هذه يخشاها المتغزلون ، فلا يجرؤ أحد على التهجم عليها أو التحدث عنها إلا لقي ما يسؤوه ، لذ لم يتكلم عليها أحد ، ولم يتفوة شاعر بشيء يمكن أن ينقل وتحملة الألسن .

حتى كان يوم أناخ فيه جشم رواحلهم ، طلبا للراحة من عناء سفر طويل إلى مكة ، وكان منزلهم فى بادية الحجاز قريبا من منازل بني سليم . وتسوق الأقدار سيد بني جشم دريدا فينطلق على فرسه فى رياضة قصيرة فلفت  نظره مشهد فتاة تهنأ بعيرا لها ، وقد تبذلت حتى فرغت منه ، فنضت عنها تيابها واغتسلت وهى لا تشعر به . وتمضي الحادثة ليسأل عنها فيعرف أنها تماضر بنت عمرو شقيقة صديقه الحميم معاوية . فيخطبها فترفض كل الوساطات في ذلك ولم تقبل بالزواج به . فنخلص إذا إلى أنه لا شك فى أن الخنساء مرت قبل دريد بتجربة زواج ، ففرضت على أبيها ألا يقطع برأي إلا بعد أن يستشيرها ودفعت منها ، فلم تتحرج حين نضت ثيابها ، ولا خجلت من أبيها حين كلمها فى الزواج ولا استحيت أن تبدي رأيها فيه [7]“.

رفضت الخنساء خطبة دريد بن الصمة :

كان دريد بن الصمة ، فارس هوازن و سيد بني جاشم ،  شارك فى قرابة مائة معركة لكنه فشل فى إحداها . وأصبح له من منعة ، كفلت له التبجيلو الشرف . وبينما هو فى رحلة قصيرة رأي منظر فتاة ترعى جملاً ، فسأل ، من هى ؟ قالوا له ، أنها تماضر بنت عمرو ، أخت صديقك العزيز معاوية سيد بني جشم ، سره هذا الخبر ، وقال :

حيوا تماضر و اربعوا صحبي     وقفوا فإن وقوفكم حسبي

أخُناس قد هام الفؤادُ بكم وأصابه تبل من الحُب

   متبذلا   تبدو    محاسنُه                           ضعُ الهناء  مواضع  النقب

ما إن رأيت ولا سمعت به   كاليوم طاليأينق جُرب

         مُتحسِّرا  نضحُ   الهناء  به                           ضحُ  العَبير  بريطةِ  العصب

فسليهمعني خُناسُإذا    عضالجميع الخطب ماخطبي[8]

فى اليوم التالي توجه إلى منزل صديقه معاوية بن عمرو ، واستقبله عمرو والد الخنساء بالترحيب . جلس دريد بن الصمة فى مجلسه وقال : جئت لأتقدم لخطبة ابنتك تماضر الخنساء

قاله عمرو :  مرحبا بك يا أبا قرة ، وانك لكريم لا يُطع فى حسبه ، والسيد لا يرد عن حاجته ، والفحل لا يقرع انفه . ولكن لهذه المرأة فى نفسها ماليس لغيرها . وأنا ذاكرلها وهى فاعلة . ثم دخل على ابنته ، وقال لها : يا خنساء ، أتاك فارس هوازن  ، وسيد بين جشم دريد بن الصمة يخطبك وهو من تعلمين ….. قالت وكان دريد يسمع حديثهما : يا أبت : اتراني تاركة بني عمي مثل عود الرماح ، وناكحة شيخ بني جشم ؟ فخرج إليه أبوها فقال : يا أبا قرة قد امتنعت ، ولعلها تجيب فيما بعد . فقال دريد : قد سمعت قولكما . قالها وهو منصرف ، دون أن يزيد عليها ،  يبدو أن أخاها معاوية ، اراد أن يجامل صديقة دريد ، فحاول إقناع الخنساء ولكنها اصرت على موقفها من الرفض ، وكان بجوارها صخراً بعطفه وحنانه . عرف فيها أبوها ، رجاحة العقل وأتزان الفكر ، فأبي إلا أن يكون زواجها بعد موافقتها ، ولم يكن ذلك حقا لكل ابنة ، وانما هو تكريم يمنح لمثيلات الخنساء . ولان الخنساء رفضت الزواج من غير بني عم فإن التاريخ ذكر أنها تزوجت من رجل من قبيلتها .

 قيل أيضا : أن دريد لما خطبها لها بعثت إليها خادمة وقالت إ انظري إليه إذا  بال  فإن كان بوله يخرق الأرض  ويخر فيها ففيه بقية ، وإن كان بوله يسيح على وجهها فلا بقيه فيه ، فتعود إليها و أخبرتها فقالت : لميبق فى هذا ، فأرسلت إليه ، ما كنت لأدع بني عمي وهم مثل عوالي الرماح ، و أتزوج شيخا فقال يهجو الخنساء :

                         لمن طلل بذات الخمس أمس        عفا بين العقيق فبطن ضرس

                  وقاك الله يا ابنة آل عمرو              من الفتيان أمثالي ونفسي

و  قالتإنني شيخ كبير                 وما نبأتها أني ابنأمس

             فلا تلدي ولا ينكحك مثلي              إذا ما ليلة طرقت بنحسِ[9]

زواجها :

لقد تزوجت الخنساء رواحة بن عبد العزى من قبيلتها “سُليم ” الذي كان عبد العزى من مقامرا وقد ضحت فى سبيل الحفاظ عليه بالكثير من طبيترها وكبريائها كي تجعله يتعلق بها ، لكنه بالغ فى انحرافه واستغل حرصها عليه أسوأ استغلال ، وانتهز مالها ومال أخيها . حيث كانت تذهب لأخيها صخر تشكو له من حالها وما نالته من مشقة معيشته ، فيقسم صخر ماله إلى نصفين ويعطيها أفضل الاثنين ، حتى انفصلت أخيرا عن زوجها ، ولدت له ابنها سمى عمرا وعرف بأبي شجرة . ومرة ثانية هى تزوجت رجلا آخر من قبيلتها هو مرداس بن أبي عامر السليمي الملقب بالفيض لسخائه وكان مرداس بالإضافة لكرمه ،  رجلا عملا بجد ولم يترك فرضة بل انتهزها ليوفر لأسرته وسائل العيش الكريم ، حتى مات فى إحدى مغامراته ، ورثت الخنساء زوجها مرداس لتكشف عن مدى الحزن والأسى لفراقه ، حيث كانت مرداس فى رأيها أفضل الناس من حيث الحلم والفروسية والشجاعة ، فولدت له أولادا عديدة  ثلاثة بنين هم زيد، ومعاوية ، وعمرو روزقت ببنت اسمها عمرة وهى أصغرهم ، واشتهر جميعهم بالفروسة .

إسلام الخنساء :

وفدت الخنساء على النبي صلى الله عيله وسلم مع قومها بني سليم فى السنة الثامنة من الهجرة ، فأسلمت وهى فى سن متقدمة وتغلغل الإسلام فى قلبها ، فتحول شعرها من الرثاء والبكاء إلى شعر المنانحة عن الإسلام والمسلمين وعن الرسول الكريم الذي كان يستشعرها وييطلب منها إلقاء شعرها على مسمعه ويقول لها : هيه يا خنساء فى إشارة إلى إعجابه بشعرها لفظا وفصاحة ، وقد تأزرت الخنساء بلغة القرآن المجيد فى أشعارها بعد الإسلام ، فاستعارت بعض الألفاظ من القرآن حرفيا كقولها فى قصيدة إلا لعينك أم ما لها[10] :

        فخر الشوامخُ  من   قتله                و زُلزلت  الأرض  زلزالها

كما قالت الخنساء فى القصيدة نفسها :

      فإن تصبر النفسُ تُلق السرور            وإن تجزع النفسُ أشقى لها

و فى نهاية أيامها وفدت الخنساء عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وكات لا تزال تبكي على شقيقيها صخر ومعاوية  ، فطلب أقاربها من عمر بن الخطاب  أن منعها عن ذلك أن بلغ  منها البكاء حدها وكان أثره على مآقيها مبلغ فقال له عمر ” اتقي الله وأيقني بالموت ، فأجابته أنها موقنة بالموت ولكنها تبكى سادة مضر بسبب موتهم على الشرك وهو ما وضحه انه قتيبة حين قال :قالت الخنساء كنت أبكي لصخر من القتل ، فأنا أبكي له اليوم من النار، وهذا دليل على عظمتها ورأفتها بأخوايها وفى الوقت ذاته تغلغل الإسلام وتمكنه من قلبها جعلها مدركة لخواتيهم العباد والجزاء فى الآخرة بناء على ما قدموه لأنفسهم فى الحياة الدنيا [11]“.

 الخنساء ، استشهد أبنائها الأربعة  :

فى عصر الإسلام تحث أبنائها الأربعة على الجهاد دفاعا عن الإسلام  وقد رافقتهم مع الجيش ، وهى تقول لهم ” إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتهم مختارين ، والله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولافضحت خالكم ، ولا  غيرت نسبكم ، وقد تعلمون  ما أعد الله  للمسلمين من الثوب الجزيل فى حرب الكافرين ، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية  ثم يقول سبحانه وتعالى { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقو الله لعلكم تفلحون } فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها وجللت نارا على أوراقها . فتيمموا وطيسها وجالدوا رسيسها تظفروا بالغنم والكرامة . فى الدار الخلد والمقامة ، فلما أضأء لهم الصبح باكروا مراكزهم فتقدموا واحدا بعد واحد ينشدون أراجيز يذكرون فيها وصية العجوز لهم حتى قتلوا عن آخرهم [12]“.استمع أبنائها إلى وصيتها ، فذهبوا  للقتال واستشهدوا جميعا فى معركة القادسية ،ولما وصلت الخنساء نبأ وفاة أبنائها لم تفزع ولم تحزن عليهم كحزنها على أخيها صخر ، ولكنها صبرت وقالت قولها المعروفة “الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم ، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم فى مستقر رحمته . وكان عمر بن الخطاب يعطيعها أرزاق بنيها الأربعة (وكان لكل منهم مائتا درهم ) حتى توفيت .

 مقتل أخيها معاوية :

كانت الخنساء ذات حسب وجاه وشرف ، كان لها أخوان معاوية وصخر، كان صخر زين العشيرة وأولهم حلما وجودا وشجاعة وجمالا و قال بعض إن صخر بن عمرو بن الحارث بن الشريد  أخوها لأبيها ومعاوية  بن عمرو أخوها لأبيها وأمها . قتل معاوية إثر تواقعه مع هاشم بن حرملة الغطفاني بسبب إحدى الجواري حيث روي صاحب الأغاني عن أبي عبيدة ” أن معاوية وافى عكاظ فى موسم من مواسم العرب ، فبينا هو يمشي بسوق عكاظ إذ لقي أسماء المرية  وكانت جميلة ، وزعم أنها بغيا فدعاها إلى نفسه فامتنعت عليه فقالت : أما علمت أني عند سيد العرب هاشم بن حرملة ؟ فقال أنا والله لأقارعنه عنك قالت : شأنك وشأنه ، فرجعت إلى  هاشم بن حرملة  فأخبرته بما قال معاوية وما قالت له ، فقال  هاشم فلعمري لا يريم أبياتنا حتى ننظر ما يكون من جهده ولما خرج الشهر الحرام وتراجع الناس  عن عكاظ ، خرج معاوية بن عمرو يريد بني مرة وبني فزارة ، فى فرسان أصحابه من بني سليم حتى إذا كان بمكان يدعى ( الحوزة أو الجوزة )دومت عليه طير ، وسنح له ظبي ، فتطير منهما ورجع فى أصحابه ، وبلغ ذلك هاشم بن حرملة فقال ما منعه من الإقدام إلا الجبن ! . ولما كانت السنة المقبلة غزاهم حتى إذا كان فى ذلك المكان سنح له ظبي وغرب فتطير فرجع ، ومضي أصحابه وتخلف فى سبعة عشر فارسا لا يريدون قتالا فوردوا ماء فرأتهم إمراة من جهينة ، فأتت هاشم بن حرملة ….. فنادى هاشم فى قومه وخرج …  فاقتتلوا ساعة وانفرد هاشم ودريد ابنا حرملة المريان لمعاوية ، فاستطرد له أحدهما فشد عليه معاوية وشغله ، واغتره الآخر فطعنه فقتله[13] .

ومما قالته الخنساء ترثى أخاها معاوية  كما يلى :

 ألا لا  أرى فى الناس مثل معاوية     إذا طرقت إحدى الليالي بداهية

          وكان لزاز الحرب عند شُبُوبها          إذا شمرت عن ساقها وهى ذاكية

              و قواد خيل نحو أخرى كأنها         سعال   و عقبان  عليها   زبانية

        فأقسمت لا ينفك دمعي وعُولتي      عليك بحزن ما دعا الله داعيه[14]

مقتل أخيها صخر :

لما دخلت الأشهر الحرم ورد صخر على قوم هاشم بن حرملة  فقال : أيكم قاتل أخى؟ فقال أحد ابني حرملة للآخر : خبره وهما دريد وهاشم بن حرملة ، فقال الجريح منهما : وقفت له فطعنني هذه الطعنة فى ذراعي وشدده عليه أخى فقتله فأين قتلت أدركت ثأرك إلا أنني لم نسلب أخاك قال : فما فعلته فرسه الشماء ؟ قال ها هى تلك خذها فأخذها ورجع . وفى العام التالي غزا صخر بني مرة قوم هاشم ودريد بن حرملة على ظهر فرسه الشماء مسودا غرتها كى لا يتعرفوا عليها ، فاقتتل معهم وقتل صخر دريد بن حرملة ، وفى هذا يقول صخر :

           ولقد قتلتكم ثُناء وموحدا                وتركت مرة مثل أمس المدبر

وفى يوم يقال له ذات الأثل أو اليوم الكلاب غزا صخر بني أسد وسبى نساءهم فتبعوه  و اقتتلوا قتالا شديدا فطعن ربيعة بن ثور الأسدي صخرا فى جنبه فالتهب جرح صخر ومرض وطال به المرض  وعاد قومه فكانوا إذا سألو ا امرأته سلمى عنه ، قالت : لا هو حي فيرجى و لا هو مات فينسى وصخر يسمع كلامها ولما أفاق من جرحه بعض الإفاقة عمد إلى زوجته فعلقاها بعمود الفسطاط حتى ماتت ، وقيل قال : ناولوني سيفي لأنظر كيف قوتي وأراد قتلها وناولوه فلم يطق السيف ، ولما طال عليه البلاء و ازداد جرحه التهابا نتأت قطعة من اللبد فى موضع الطعنة  فقالوا له : لو قطعتها لرجونا أن تبرأ فقال شأنكم فأشفق عليه بعضهم فنهاهم فأبي وقال : الموت أهون على أنا فيه ، فأحموا شفرة ثم قطعوها فيئس من نفسه و مات[15] ، فأشدت الخنساء فى رثاء صخر تقول :

ألا يا صخر إن أبكيت عيني   لقد أضحكتني دهراً طويلا

بكيتك فى نساء مُعولات     وكنت أحق من أبدي العويلا

دفعت بك الجليل وأنت حيٌّ فن ذا يدفعُ الخطب الجليلا

إذا قبُح البُكاء على قتيل   رأيت بُكاءك الحسن الجميلا [16]

وفاة الخنساء :

بعد أكثر من سبعين  عاما من التعب والبؤس قضت معظمها فى العصر الجاهلي وقليلا فى الإسلام ، ماتت الخنساء – رضي الله عنها –  مسلمة  صاحبية من صحابيات النبي صلى الله عليه وسلم فى عام ٢٤للهجرة ، وهو ما يوافق عام ٦٤٥م ، وقد أدركت الخنساء انتصار الإسلام فى حياتها ، و كانت الخنساء ذائقة الصيت ، فبدأت ببكائها ورثائها أخاها صخراً ورثائها على سادات مضر ، ثم استشهاد أبنائها الأربعة ، وقد خصص لها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فى فترة خلافته مئتي درهم  لكل  من  أبنائها الذين استشهدوا فى القادسية حتى مات رضي الله عنها[17] .

أهم أشعار فى الرثاء :

الخنساء من شواعر العرب المعترف لهن بالتقدم وهى تعد من الطبقة الثانية فى الشعر وأكثر شعرها فى رثاء أخويها صخر ومعاوية اللذين توفا فى حربا ، وجود الكلمة والجملة فى شعرها التي مملؤ جمال شعر رثاء يعني لغة وعاطفة وخيال فى كل واحد البيت شعرها . و عاطفة الخنساء على كل حال مؤثرة من القلب وتصل إلى القلب بالرغم من المبالغة فى شعرها لأنه ينبع عن شدة المحبة الأخوية الصادقة واللوعة . والصورالخيالية قليلة فى أبياتها وقد عوضها صدق شعورها وعمق حزنها الذي حبته فى تراكيب النص والكلمات ، ووصل التأثير أقصى  درجات غاية . والنص فى شعرها واضح فى المعاني سلس فى التراكيب سهل الألفاظ ممزوجا الشغفالذي يظهر لك للوهلة  الأولى أنه رثاء المرأة ، أذكر هنا بعض أهم أشعارها فى الرثاء كما يلى:

قالت الخنساء تبكي صخراً  أخاها :

                 أعيني جودا ولا تجمُدا    ألا تبكيان لصخرِ النَّدى

     ألا تبكيان الجريءالجميل ألا تبكيان الفتي السيدا

     طويل النجاد رفيع العمادساد عشيرتَه أمردا

     إذا القوم مدوا بأيديهم   إلى المجد مد إليهيدا

 فنال الذي   فوق   أيديهم                     من المجد  ثم   مضي   مُضعدا

    يكلفه القوم ما عالهم  وإن اكن أصغرهممولدا

 ترى المجد يهوى إلى بيته    يرى أفضل الكسب أن يحمدا [18]

ومن قولها ترثيه أيضالأخها صخر :

    ألا صخر إن أبكيت عيني    لقدأضحكتني دهرا طويلا

    دفعت بك الجليل وأنت حيٌّ    فمن ذا يدفع الخطبَ الجليلا

  إذا قبُح البُكاءُ على قتيل           رأيتُ بُكاءك الحسن الجميلا [19]

     بكت عيني  و  عاودَها  قذاها   بعُوَّار فماتقضي  كراها

على صخر وأي فتى كصخر   إذا مالندب لم تر أم طلاها

فتي الفتيان ما بلغوا مداها  ولا يكدَ إذا بلغت كداها

لئن جزعت بنو عمرو عليه   لقد رُزئت بنو عمرو فتاها

يا عين  مالك لا تبكين تسكابا؟  إذا راب دهرٌوكان الدهر ريابا

فأبكى أخاك لا يتام وأرملة وأبكى أخاك إذا جاورت أجنابا

  وأبكى أخاك لحيل كالقطا عُصباً  فقدنَ لما ثوى سيبا وأنهابا

يهدو بهسابحٌ نهدٌمراكله   مجلببٌ بسواد الليل جلبابا

حتى يُصبح أقواماً  يُحاربهم    أو يسلبوا دون صفِّ القوم أسلابا [20]

قالت الخنساء ترثى أخيها معاوية :

                     ألا لا أرى فى الفاعل مثل معاوية              إذاطرقت إحدى الليالى

           بداهية يُصغيالكلاب حسيسُها  وتُخرج من سرِّ النجي علانية

   ألا لا أرى كفارسالورد فارساإذا ما علته جُرأةوغلابية

وكان لزاز الحرب عندشبُوبهاإذاسرت عنساقها زبانية

         بلينا وما تبلى تِعارُ وما تُرى  على حدثِ الأيام إلا كما هية[21]

وأنشت باكية ترثى أخاها :

ألا يا عين فانهمري بغدر       وفيضيفيضةً  من غيرنزر

ولا تعدي عزاء بعد صخر    فقدغلب العزاءوعيل صبري

لمرزئةكأنالجوفمنها     بعيد النوم يشعرحر جمر

على صخر واي فتى كصخر    لعان عائلغلق بواتر

وللخصم الألد إذا تعدى    ليأخُذ حقمقهورٍ بقسر

إذا نزلتبهم سنة جماد أبي الدر لم تكسع بغبر

هناك يكونغبث حيا تلاقي    نداهُ فى جناب غير وعر[22]

 الهوامش:  

[1]مجلة القسم العربي ، جامعة بنجاب لاهور – باكستان ، عدد ٢٣ ، ٢٠١٦ ، الدكتور حفظ الرحمن ، ص ٣٣٧

[2]غرض الرثاء عند الخنساء : قصيدة ” قذي بعينك ” أنموذجا ، سالمي إيمان ، خليفي علابة ، ص : ٨

[3]شواهد الخنساء فى كتب الترث العربي ، نديم سائد شراب ، ص : ١٣

[4]دور المرأة فى إثراء اللغة العربية وآدابها عبر العصور ، فرحانة صديقي ، ص :  ٣٧

[5]شعر الجاهلية وشعرائها ، الدكتور قصى الحسين ، ص : ٤٢٦

[6]شواهد الخنساء فى كتب الترث العربي ، نديم سائد شراب ، ص : ١٤

[7]ديوان الخنساء ، حمدو طماس ، ص :  ٩ ، ٨

[8]Faissalelmasri.blogspot.com  مدونة فيصل المصري ، الخنساء لم تلد مسلها النساء ، الجمعة ٦فبراير ٢٠١

[9]شواهد الخنساء فى كتب الترث العربي ، نديم سائد شراب ، ص : ١٥

[10]https://m.maewfa.orgشعر الخنساء فى الإسلام ، م. رانيا ، آخر تحديث : ٤٤:٠٧ ، ١٥مايو ٢٠١٠ ،

[11]المرجع السابق

[12]دور المرأة فى إثراء اللغة العربية وآدابها عبر العصور ، فرحانة صديقي ، ص : ٣٢

[13]التركيب اللغوي فى شعر الخنساء ، ميلود حركاتي ، ص : ٥

[14]المرجع  السابق ، ص : ٥

[15]شواهد الخنساء فى كتب الترث العربي ، نديم سائد شراب ، ص : ١٨، ١٩

[16]المرجع السابق ، ص : ١٨، ١٩

[17] https://sotor.comنبذة الخنساء ، محمد شودب ، آخر تحديث ٢٩:١٥ ، ٣١ يوليو ٢٠١٩

[18]الخنساء ديوان ، حمدو طماس ، ص : ٣٢

[19]، العدد ١٢ ، ٢٠١٥ .القيم الخلقية فى شعر الخنساء ، طارق محمد أمين عند الله ،  ص : ٣٤٨،جامعة موصل  ، كلية التربية / قسم اللغة العربية

[20]مجلة القسم العربي ، جامعة بنجاب لاهور – باكستان ، عدد ٢٣ ، ٢٠١٦ ، الدكتور حفظ الرحمن ، ص٣٤٨

[21]مجلة القسم العربي ، جامعة بنجاب لاهور – باكستان ، عدد ٢٣ ، ٢٠١٦ ، الدكتور حفظ الرحمن ، ص٣٤٨

[22]الخنساء ديوان ، حمدو طماس ، ص : ٤٣

 

قائمة المصادر والمراجع :

  1. التركيب اللغوي فى شعرالخنساء ، فى ضوء علم اللغة الحديث ، دراسة وصفية تحليلية ، ميلود حركاتي ،  كلية الآداب والعلوم الإنسانية وآدابها جامعة باتنة ، ٢٠٠٧ .
  2. ديوان الخنساء ، شرح معانيه ومفرداته حمدو طماس  ، دار المعرفة ، بيراوت ، لبنان ، الطبعة الأولى ٢٠٠٤ .
  3. شواهد الخنساء فى كتب الترث العربي ، نديم سائد شراب ، جامعة القدس المفتوحة ، كلية الدراسات العليا ، ٢٠١٨، ٢٠١٩ .
  4. شعر الجاهلية وشعرائها ، الدكتور قصى الحسين ، منشورات المكتبة الحديثة الجامعة اللبنانية ، ٢٠٠٦ .
  5. غرض الرثاء عند الخنساء : قصيدة ” قذي بعينك ” أنموذجا ، سالمي إيمان ، خليفي علابة ، جامعة أكلي محند أو لحاج –البويرة- ، ٢٠١٣-٢٠١٤ .
  6. القيم الخلقية فى شعر الخنساء ، طارق محمد أمين عند الله ، جامعة موصل ، كلية التربية / قسم اللغة العربية ،العدد ١٢ ، ٢٠١٥ .
  7. مجلة القسم العربي ، الدكتور حفظ الرحمن ، جامعة بنجاب لاهور – باكستان ، عدد ٢٣ ، ٢٠١٦ .
  8. المرأة فى إثراء اللغة العربية و آدابها عبر العصور ، فرحانة صديقي ، حقوق الطبع محفوظة ، الطبعة الأولى ٢٠٠٣.
  9. https://m.maewfa.org شعر الخنساء فى الإسلام ، م. رانيا ، آخر تحديث : ٤٤:٠٧ ، ١٥مايو ٢٠١٠ ،.
  10. https://sotor.comنبذة الخنساء ، محمد شودب ، آخر تحديث ٢٩:١٥ ، ٣١ يوليو ٢٠١٩ .
  11. blogspot.com مدونة فيصل المصري ، الخنساء لم تلد مسلها النساء ، الجمعة ٦فبراير ٢٠١ .

*سيدة مهبارة بيضاء، الباحثة بجامعة الإسلامية للعلوم والتكنولوجية،  اونتي فورة، بلوامة كشمير، الهند.

البريد ألإلكترني: Syedahmahparaa@gmail.com

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of