الملخص:
كانت قبيلة هَوْسَا واحدة من قبائل شمال نيجيريا، وأكثرها عددا، ومعظمهم مسلمون، اعتنقت القبيلة الإسلام منذ القرن الرابع عشر الميلادي[1] أو قبله[2]. وقد خضعت جميع دويلات هوسا للدولة الإصلاحية التجديدية التي أقامها الفلانيون, بقيادة العلاّمة الشيخ عثمان بن فودي تغمّده الله برحمته، ومن المعروف أنّ الإسلام ينتشر إلى جميع الآفاق العالمية مع مرافقة الثقافة العربية الإسلامية. فبوصول الإسلام إلى بلاد هَوْسَا أقبل المسلمون منهم على تعلُّم اللغة العربية, قراءة وكتابة, كوسيلة إلى فهم القرآن والأحاديث النبوية الشريفة وبقيَّة الكتب الفقهية والتشريعية. كما استعملوا الحروف العربية في كتابة لغتهم, فسموا الخط بِـ “عَجَمِي”, ولا يزال يُستعمل في البلاد إلى الآن.
إنّ شعب الهَوْسَا من الشعوب التي رُزِقت بكثرة استعمال المثل السائر في لغته، ويرى الباحث أن لغة الهَوْسَا تتساوى مع اللغة العربية في كثرة المثل الشعبي السائر واستعماله في الكلام.
يقول الأستاذان إبراهيم يَارُو يَحيى وعبدالقادر طَنْ غَنْبُو في كتابهما:”إِنَّ الهَوْسِيين يكثرون استعمل المثل الشعبي في كلامهم اليومي، صغارهم وكبارهم، رجالهم ونسائهم على حدٍّ سواء”[3].
ولعل هذه الظاهرة هي التي جرّت انتباه الباحثين إلى تدوين المثل الشعبي الهوسوي بِـ”الخط العجمي” منذ زمن بعيد قبل وصول المستعمرين إلى بلاد الهوسا. كما عنى به المستعمرون عند حركتهم في نقل ثقافة الهوسا من “الخط العَجَمِي” إلى الخط الغربي بالحروف اللاتينيّة، ما يُسمى في بلاد الهَوْسَا بِـ ( هَوْسَرْ بُوكُو) Hausar Boko .
وعلى هذا الأساس اختار الباحث الموضوع ليبرز للقارئين ما لهذا المثل من الخصائص والقيم من حيث ألفاظه ومعانيه وتأثير البيئة على المعاني، من النواحي الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
كلمات مفتاحية: المثل، الشعب النيجيري، لغة الهوسا، المعاني.
تعريف المثل عند أدباء هوسا وفوائده:
يقول يوسف يُنُوسَا في كتابه Hausa a Dunkule (هَوْسَ أَ دُنْقُلِي) يعني: المثل الهَوْسَوِي, أن المثل “كلام طويل منطو في كلمات قليلة موجزة”. وأمّا محمد ثاني إبراهيم في مقالة له بعنوان Karin Magana (كَرِنْ مَغَنَا) يعني: “المثل”, فيرى أنه: “جملة صغيرة ذات حكمة منطوية المعاني محتاجة إلى التحليل”.
ومن فوائده أنه يزيِّنُ الكلام، ويشير إلى براعة المتكلم وفصاحته في اللغة، ويجذب انتباه السامع ليركِّز عقله فيما يُقال له، للتنبيه والتوبيخ والتخيير والتعجيز والفخر والحماسة والتقبيح والتزيين وغير ذلك من الأغراض، كقولهم:
Tun ran gini ran zane (تُنْ رَنْ غِنِي رَنْ زَانِي) يعني: تطريز المصنوعات من الطين يأتي منذ يوم الصنعة. وذلك لأنها إذا جفّت لا تقبل التطريز، سواء كانت بناء أو قِدرا أو تمثالا. ويضرب هذا المثل للتنبيه إلى أنه يجب للإنسان أن يقوم بواجباته في أوانها قبل أن يفوت، فيصعب له إنجازها أو يستحيل. وكقولهم:
Duk daya, maras sallah ya je gidan Bamaguje (دُكْ طَيَا مَرَسْ صَلاَّ يَا جِي غِدَنْ بَمَاغُجِي) يعني: سِيّان، غير المصلي في بيت المجوس، أي لا فرق بين المسلم الذي لا يصلي وبين المجوس، في عدم أداء الصلاة، ولا يحتاج أحدهما إلى تنبيه الآخر بدخول وقتها.
تقسيم المثل على حسب تراكيبه ومعانيه:
ينقسم المثل الشعبي الهوسوي على حسب تراكيبه ومعانيه إلى ستة أقسام كما قسَّمها محمد ثاني إبراهيم[4] وهي كما يلي:
القسم الأول: وهذا القسم يشمل”المثل” المُكوَّن من جمل قصيرة الألفاظ ومخالفة المعاني المقصودة في المثل. وبعبارة أخرى، إن معرفة السامع لألفاظها لا يساعده على معرفة معنى المثل. نحو قولهم: (وَانِي فُرَرْسَ تَاجِ نُونُو) wane furarsa ta ji nono يعني: كثُر اللبن في مشروب فلان. وكلمة (فُرَا) “fura“ تعني نوع من الأطعمة المشروبة الشائعة في بلاد هوسا، و يُصبُّ فيه اللبن الكثير، للدلالة على اليُسر والغنى للشارب.
وهذا ما يدل عليه المثل في ظاهر ألفاظه، وأما معناه فيختلف عن هذا، إذ يُقصد به أن الإنسان الموجه إليه المثل أصبح في حالة اليُسر والغنى بعد أن كان في العسر والفقر.
ومثال آخر قولهم: (قُويْ أَبَكَ يَافِ كَاذَا أَكُرْكِي) “kwai a baka ya fi kaza akurki“ يعني: بيضة في الفم خير من دجاجة في القفص. وإن أفاد المثل بهذا التركيب معنى، إلاَّ أن المعنى المراد به غير هذا المعنى الظاهر، وإنما يضرب لكل من يكتفي بالقليل المعجَّل خشية أن يفوته الكثير المؤجَّل.
القسم الثاني: وهذا القسم من المثل يعتمد على أخبار أو روايات، واقعية أو متخيَّلة، فتظهر شخصياتها بأسماء الآدميين، أو البهائم، أو الطيور، أو الحشرات، أو الجمادات، فتتحدث كالإنسان العاقل الناطق. والذي لم يسمع عن هذه الأخبار أو الروايات، لا يفهم من المثل شيئاً، وبالتالي لا يستطيع تطبيقه في كلامه تطبيقا صحيحا. ومن ذلك قولهم: (كَلُّونْ كُورَرْ قُوسَوْ) kallon kurar kosau يعني: نَظْرُ قًوسَوْ إلى الذئب. قيل إن رجلا يُسمى قُوسَوْ سمع بوقوع ذئب في حفرة أو خندق ليلا بقرب بلدة، فعجز عن الخروج حتى طلعت الشمس، فاجتمع الناس حول الحفرة ينظرون إليه من بعيد. فأراد قُوسَوْ أن يشاهد ما كان يسمعه، ولما وصل المكان، لم يقف حيث الناس يقفون، بل أفرط في الدنووِ إلى باب الحفرة فوقع فيها. فيٌضرب لكل من أفرط في شيء حتى حدث له المشكلة. ونلاحظ أن الذي لم يعرف هذه القصة لا يعرف معنى المثل فضلا عن أن يطبقها في كلامه.
ومن ذلك قولهم: (قُونَرْ بَقِنْ وَاكِي) kunar bakin wake يعني: تحريق بَقِنْ وَاكِي. حُكِيَ أنَّ ملِكًا من ملوك بلاد هَوْسَا في العصور الماضية، تعوّد ركوب رجال أقوياء في أسفاره، مكان الفرس، تكبرا وعنادا، وكانت بطانته تبحث له الرجل المناسب للمسؤولية كلّما أراد الملك تبديل حامله. فذات يوم وقع اختيار الملك على هذا الرجل المسمى بَقِنْ وَاكِي، ولمّا أُخبِر بذلك، قال لمن حوله: “أنا آخر من يركبه الملك”، ولا يعرف أحد بمقصده بهذا القول. ذهب إلى القصر ليحمل الملك إلى زيارته، ولكنه قبل ذلك حدث أنْ أشعل ناراً على الطريق الذي سيمرُّ به مع الملك. ولمّا وصل المكان أقفز مع الملك قفزة قوية فوقعا في النار ذات لهيب مرتفع، فاحترقا في اللحظة. وبهذا عُرف ما يعني بقولته تلك. ويضرب لكل من يتعرض للخطر أو الموت لنجاة الآخرين. ونلاحظ أن الذي يجهل القصة لا يستوعب معنى المثل.
ومثال آخر قولهم: (لاَ بَرِنْ قَنْزُونْ كُرِيغِي) Labarin kanzon kurege يعني: حديث اليربوع عن( قَنْزُو)، وهو ما يمسك القدر من الطعام المطبوخ. حُكِيَ أنَّ الوحوش اجتمعت ذات يوم حول يربوع يُحدِّثها عن صفات (قَنْزُو)، وطعْمِه، وكان يغمض عينيه، و ينحفض بصوته حين الحديث، إشعارا بلذّته، فسأله واحد منهم: هل أكلته يا يربوع؟ قال: لا. فسُئِل مرّة ثانية: هل رأيته؟ قال: لا. قيل له: كيف عرفت صفاته وطعمه إذن؟ قال: أخبرني بذلك الفأر، فضحك عليه الجميع. ويضرب لمن يفرط ويغلو غلوا في بيان ما لا يوثق به، لقلة علمه أو إلمامه به. ومن الملاحظ كذلك أن الذي لم يقف على القصة لا يفهم من معنى المثل شيئا، فضلا عن أن يتذوّقها.
القسم الثالث: لهذا النوع من المثل جزءان، الأول يشمل المثل، والثاني ذكر قائله أو البيان عنه، و يتوسط بين الجزئين دائما كلمة: (إِنْجِ) Inji، نحو قولهم: (مِي نَإِيَا دَ أَبِنْدَ يَغَاغَرِ وُتَا, إِنْجِي كِيشِيَرْ قُونَنِّيَا) Me na iya da abinda ya gagari wuta, inji Kishiyar konanniya), يعني: كيف أقدر على من غلب على النار، على حدّ قول ضارَّة المصابةِ بالحريق. إنّ تعدد الزوجات من عادات أهل بلاد هوسا منذ عصورهم الجاهلية إلى الإسلامية، مع ما يعانونه- أحيانا- من التشاجر والحسد والمكايد بين الضرّات باسم الغيرة على الزوج، وبالتالي يحدث التباغض والملاكمة والمضاربة بينهنّ، وعلى هذا المنطلق نشأ هذا المثل وأمثاله. ونلاحظ أن في المثل ضرة جُرحتْ نتيجة حريق أصاب غرفتها، وحدث فيما بعد، بينها وبين ضرّتها تشاجر أدى إلى الملاكمة والمضاربة، فغلبت المريضة على الصحيحة، فسُئلت – تهكُّمًا- عن التشاجر والغالب بينهما، فأجابتْ بالمثل: (كيف أقدر على من غلب على النار؟)، لنجاتها من الحريق، ولم تمت نتيجته، فتستريح من شرِّها. ويضرب للإتيان بحجج الفشل من المغلوب عليه بين الخَسمين. ونلاحظ أنّ المتكلم- غالبا- لا يحتاج إلى إكمال الجزء الثاني من المثل، وبذكر الأول يفهم المخطب المقصود، بل يكمِّله له أحيانا.
ومثال آخر قولهم: (زَمَا وُرِي طَيَ ثَوْثَيِي نِي, إِنْجِ كِيفِي) Zama wuri daya tsautsayi ne, inji Kifi, يعني: المكث في مكان واحد خطر، على حد قول السمك. لاحَظَ أصحاب المثل أنّ السمك لا يمكث في مكان واحد في الماء، بل هو سريع التحرك والتنقل من مكان إلى آخر، فزعموا أنه يحتجّ في ذلك بهذا المثل. ويضرب لمن يريد مغادرة مكان مكث فيه زمنا طويلا، خشية أن يقع عليه خطر فيه.
يقول محمد ثاني إبراهيم أنّ ألفاظ هذا النوع من المثل قريبة لمعانيه، كما ذكر أن عدده قليل في لغة الهوسا بمقارنته مع غيره[5].
القسم الرابع: هذا النوع من المثل ينقسم إلى جزئين، الأول يشمل المثل، والثاني يشمل بيانه و قائله، كالسابق، إلاّ أنه لا يتوسّط بين الجزئين كلمة، وفي مثل هذا النوع من المثل يُجعل إنسان أو دابة في حالة الضيق ثم يُزعم أن الشخص قال الجزء الأول من المثل، ويشمل الجزء الثاني اسمه وحال الضيق الذي كان فيه، نحو قولهم: (بَا أَ قِنْ تَمُتَانِي، أَنْثِيمَ بَرَاوُو: غُدُ) Ba’a kin ta mutane, an ce ma barawo gudu، يعني: لا يُخالَف رأي الجماعة. جواب سارقٍ قُبِض عليه ثم طُلب منه أن يهرب بعد العفوِ عنه. ويضرب هذا المثل للذي تظهر منه أمارات الشك والتردد في الأخذ بنصائح غيره له في مصالحه.
ومثال آخر قولهم: (سَابُونْ سَلُو, كَاذَا تَاجِ شِيقَرْ دَرِي) Sabon salo, Kaza ta ji shikar dare، يعني: هذا نظام جديد. جواب من دجاجة سمعت حركات الفلاح وهو يخرج حبة ذرة أو دخن من سنبلاتها ليلا، فاسغربت عندما سمعت ذلك، لأنها تعرف أن العادة في هذا العمل أن يكون نهارا، وإجراؤه ليلا يدل على دليل يعرفه الفلاح وحده، ولعل هذا الدليل –كما ترجِّحه الدجاجة- محاولة تحريمها الاستفادة من الحبوب الساقطة أثناء العمل. ويضرب المثل للذي يلاحظ من غيره تدبيرات لتحريمه ما يراه حقا له.
ومثل هذا النوع من المَثل كسابقَيْه في كون ألفاظه قريبة لمعانيه، وفي كون المتكلم في غنى عن ذكر الجزء الثاني من المثل، لأن المخاطب يفهم المقصود، ولعله يتمِّمه له. مثلا إذا قال المتكلِّم: (بَا أَ قِنْ تَمُتَانِي) Ba’a kin ta mutane, يعني: لا يُخالَف رأي الجماعة. فإن المخاطب يدرك الجزء الثاني من المثل، وقد يكمّله بقوله:(أَنْثِيمَ بَرَاوُو غُدُ) an ce ma barawo gudu, يعني: قيل لسارقٍ اهربْ.
القسم الخامس: وهذا القسم يشمل النصائح وحكم الحكماء، ويتفق ألفاظ هذا النوع من المثل مع معانيه اتفاقا تاما بدون حدوث أدنى تخالف بينهما. وعلى سبيل المثال إذا كان المتكلم يريد أنْ ينصح غيره بالصدق في جميع أقواله، فإنه يقول له: (إِنْ زَاكَ فَطِ, فَطِ غَسْكِيَا) In za ka fadi, fadi gaskiya، يعني: إنْ أردتَ الكلام فقل الحق. نلاحظ أنّ معنى هذا المثل لم تخالف كلماته. وهذا النوع من المثل كثير في لغة الهوسا. منه قولهم: (مَتَنْبَيِي بَا يَا بَتَا) Matanbayi baya bata، يعني: السائل لن يضلّ. وقولهم: (زَافِنْ نِيمَا بَايَا كَاوُو سَامُو) Zafin nema baya kawo samu، يعني: لن تجلبَ العجلةُ الرزقَ. ومنه قولهم: (هَقُرِي وَدَرْ مَيْشِي) Hakuri wadar mai shi, الصبر كنز لصاحبه.
القسم السادس: وهذا القسم يشمل التلميح، وهو أن تردّ على من أساء إليك أو أثار انفعالك بطريقة موارية أيْ غير مباشرة. كأن يَعِدَ لك شخص بأنه سيعطيك شيئا ذا قيمة، فيمتنع فيما بعد، إمّا لعدم الطاقة أو للشحِّ والبخل، فأحزنك هذا التصرف منه، وأردت أن تلمح إليه بقصوره، وعجزه، فإنك يمكن أن تقول له: (مِي نَسَمَا يَثِ بَلِّي يَجِيهُومَ نَقَسَا) Mi na sama yaci balle ya jefa ma na kasa?، يعني: ما ذا أكل الذي في الفوق، فضلا عن أن يطرح الفضلة للذي في التحت؟، والذي في الفوق هو الَبنَّاء، والسيد إذن. والذي في التحت هو غلامه الذي يخلط له الطين. وأنت تقول بهذا السؤال، أن السيد لا يملك شيئا فضلا عن غلامه. وبعبارة أخرى أنت تشير إلى من وعد لك بالهبة – تلميحا– بأنه هو وسيِّده لا يملكان ما وعد أن يهبه لك. ونلاحظ أن هذا النوع من المثل ليس كسابقه، لأن ألفاظه ومعانيه يختلفان تماما، لأن المقصود من هذا المثل لم يكن على البَنَّاء وغلامه، وإنما على شخصين يعرفهما المتكلم. ومثال آخر قولهم: (كَاذَا مَيْ عِي عِي إِتَا كِي ثُورُونْ شَاهُو) Kaza mai “ya”ya ita ke tsoron shaho، يعني: دجاجة ذات فراخ تخاف صقرا، لأن التي ليس لها فراخ لا تخاف منه شيئا. يَضرب هذا المثل الرجل الذي يرى أنه لم يكن عنده حق الآخرين حتى يطلبونه منه ولو قهرا، كما أن الدجاج لا تخاف الصقر لنفسها بل لأفراخها. وهذا النوع من المثل كثير في لغة الهوسا.
هذا آخر تقسيمات المثل الشعبي عند نقاد الأدب الهَوْسَوِي, إلاّ أنهم كانوا يصرّحون أحيانا بقصورهم عن استقساء جميع أنواع المثل بهذا التقسيم[6]، بل قد يوجد أخرى غير صالحة لأيِّ نوع من هذه التقسيمات، لأن المثل الشعبي عند أصحابها متطور بتطور الأمة.
ملامح تأثير البيئة في معاني المثل:
إنّ بيئة بلاد الهَوْسَا الزمنية والمكانية قد تأثّرتْ في مَثَلِها الشعبي من نواحي كثيرة. وفيما يلي محاولة الباحث في عرض نماذج من الأمثال الشعبية التي ظهر فيها تأثير البيئة فيها من النواحي الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، على النحو التالي:
التأثير بالحياة الدينية:
الدين المجوسي هو أقدم الأديان في بلاد الهَوْسَا، وكانوا يطلقون على العبادة بـِ (بُورِي) Bori وهي عبادة الجِنِّ وأشجار مخصوصة، نحو التمر الهندي (Tsamiya), فظهر ملامح الدين في المثل، نحو قولهم: (بُورِي دَيَا سُكِي يِوَ ثَاَفِي) Bori daya su ke yiwa tsafi ، يعني: هم يعبدون معبود واحد، لأن أنواع العبادة تحت (بُورِي) كثيرة، فالذين يتفق نوع عبادتهم، يحدث بينهم حسن التفاهم والمحبة أكثر ممن يختلف. ويضر المثل للذين تتفق آراؤهم ومفاهيمهم نحو أمورٍ.
ولمَّا ظهر الإسلام وأسلم عدد كثير من الهَوْسِويين وُجد من الأمثال ما يتهكم بِـ عَبَدَةِ (بُورِي)، كقولهم: (قَرْيَا تَا قَارِي بُورِي يَا كَشِي بُوكَا)Karya ta kare bori ya kashe Boka ، يعني: انتهى الكذب، قَتَل بُورِي الكاهنَ، وبهذا يرون أن (بُورِي) والكاهن كاذبان، وبقتل أحدهما الآخر تنتهي الأكاذيب. يضرب المثل فيمن كان سببا لهلاك سيِّده.
وأمّا قولهم: (بَاءَ يِوَ الله دَبَارَا) Ba a yiwa Allah dabara، فيعني: لن يُخدع الله. ونلاحظ أنّ معنى المثل إسلاميّ بحت، لايحتاج إلى أدنى عناء في فهمه، يضرب لمن لوحظ منه تصرُّفات خادعة للوصول على أهدافه. وأوضح من ذلك قولهم: (جِنْكِرِي غَ تُوبَا كَافُرْثِنِي) Jinkiri ga tuba karamin kafirci ne، يعني: التأخر من التوبة كفر أصغر. يضرب لمن يبطئ في القيام بهمة تهاونا لها. وقد تأثر القرآن الكريم في المثل الشعبي، كقولهم: (كُووَنِي ألَّذِي دَ نَاشِ آمَنُو)، Kowane allazi da nashi amanu, يعني: لم ترِد كلمة “الذي” إلاّ ومعها آمنوا- في القرآن طبعا – وإن لم يكن حقيقة لورودها مع كفروا وغير ذلك، إلاّ أنّ هذا يدل دلالة واضحة على تأثُّرِ المثل بالقرآن الكريم. يضرب المثل للدلالة على كثرة ورود شيئين معا. وكقولهم: (إنْ كَاغَ رَاقُمِي كَغَ بُوزُو) In kaga rakumi kaga buzu، يعني: إذا رأيتَ الجمل تَرَ الطوارق معه، للدلالة على كثرة مشاهدتهما معا في بلاد الهوسا.
وأمّا قولهم: (كِيكِّيوَرْ جُومَعَا تُنْ دَغَ لاَرَبَا أَكِي غَانِيتَا) Kyakyawar juma’a tun da ga laraba ake ganeta ، يعني: يوم الجمعة الطيّب يُفهم من يوم الأربعاء. وهذا تأثُّر واضح بأيّام العرب الإسلامية. يضرب للذي يُتكهَّن بحاضره للحكم على مستقبله.
وقد تطرّق المثل الشعبي في المسائل الفقهية، كقولهم: (بَا دَنِيبَا، غَدَا تَاشِغَ حُرُمِي) Bada niba, gada ta shiga hurumi، يعني: بدوني، على حدّ قول غزالة في الحرم. الغزالة تعرف أنها فريسة الصيَاد، ولكنها تعرف كذلك أنها إذا دخلت الحرم يحرم صيدها إسلاميا، ولذلك لمّا رأت الصيّادين وهي في الحرم قالت في هدوء واطمئنان: أنا لستُ من الذين يحل لكم صيدي، فاذهبوا إلى غيري من الذين ليسوا في الحرم. يضرب للذي يواجهه الخطر فيخبأ في مأْمنٍ حصينٍ متينٍ، محسوسٍ أو معنويٍّ، من الجُدران والقوانين.
وقد اشتمل المثل على التوحيد والإيمان القاطع بأن الله هو القادر على كل شئ، كقولهم: (إنْ أَجَلِي يَايِ كِرَا كُوبَابُ ثِيوُو سَيْ أَنْجِي) Idan ajali yayi kira, ko babu ciwo sai an je، يعني: إذا نادى الأجل استُجِيب له، ولو بغير مرض. وكقولهم: (قُوفَرْ الله تَافِ تَ ثَالِي يَوَا) Kofar Allah tafi ta cali yawa، يعني: أبواب الله تفوق أبواب شبكة، هذا إيمان بأنّ وسائل الرزق عند الله لعباده كثيرة. يضرب هذا المثل للذي يقنط من الحصول على شيء محبوب لديه. كما اشتمل المثل على كلمات قصيرة ذات معاني كثيرة، والتي يمكن تشبَّه بجوامع الكلم، ومن ذلك قولهم: (هَطَ كَيْ قَرْفِي نِي) Hada kai karfi ne، يعني: الاتحاد قوّة. وقولهم: (مَيْ هَقُرِي مَوَدَاثِي) Mai hakuri mawadaci ، يعني: الصبر غنى. وغير ذلك.
وقد اشتهر علماء الهوسا خاصة قبل الجهاد الإصلاحي التجديدي بعلم الطب والعمل به، وكان الناس يؤمنون بهم ويخافونهم، فوَصَف الناس هذه الظاهرة في قولهم: (بَا فَطَادَ مَالَمِيبَا أَسِيرِي أَكِي ثُورُو) Ba fada da malami ba asiri ake tsoro، يعني: يُخاف الجدال مع العالم من أجل سحره. وذلك لأنهم يرون أن العلماء هم أصحاب الأسرار الساحرة الضارَّة، فيخافونهم لأجل ذلك. يضرب للذي يخافه الناس من أجل طبيعته الناقمة.
التأثير بالحياة الاجتماعية:
الحياة الزوجيّة من أهم عناصر الحياة الاجتماعية في الأمة، نظرا إلى إباحة تعدد الزوجات بدون حدٍّ في عادة الهوسا قبل الإسلام نرى المثل الشعبي يصور ذلك، نحو قولهم: (نَاغَ أَبِنْدَ يَإشِينِي, كِشِيَا تَرَ رَانَا غُدَا) Naga abinda ya isheni kishiya tara rana guda ، يعني: رأيتُ ما أزعجني، على حدّ قول امرأة تزوّج عليها زوجها بتسعة أُخريات في يوم واحد. ومن عادة النساء البغض على الضرة ولو واحدة، فما بالك بتسعة في يوم واحد؟. الزواج بأكثر من أربع خارج عن العقيد الإسلامية، ولكنه مباح في الجاهلية. يضرب لمن رأى ما أزعجه أكثر مما يتوقع. وأمّا قولهم: (مَاتَرْ نَا تُبَا بَاتَا رَسَ مِجِنْ أَوْرِي) Matar na tuba bata rasa mijin aure ، يعني: المرأة التّوَّابة لا تعدم زوجا. وذلك لكونها مطيعة لزوجها، لأنّ الذي يخطئ ثم يتوب مطيع. يضرب لتنبيه المخطيء الذي يتوب لا يقع في مشكلة.
ومما يتأثّر بالحياة البدوية الرِّيفيّة في المثل، قولهم: (كُووَا يَيُو مَكَ كَنْ كَرِي كَيُومَشِ نَإشتَاثِي) Kow Ya yo maka kan kara ka yo mashi na itace ، يعني: كلُ من أعطاك عنيقًا، أعطه الحطب. لأن الحطب يفوق العنيق قيمة عند إشعال النار للطبخ. يضرب للحثِّ على ردّ الإساء بأسوء منها.
التأثير بالحياة السياسيّة:
إِنّ الأنظمة السياسية معروفة لدى الهوسيين منذ العصور القديمة قبل وصول الإسلام إليها، وكان لبلاد الهوسا مدن شبيهة بمملكات أو دويلات منذ قبل وصول أبي يزيد البغدادي إليها، الذي طوّرها وقوّاها إلى حدّ المملكات أو الدويلات الكاملة، كما أثّر عليها تأثيرا لا ينساه التاريخ. ولم يزل هذا التأثير على البلاد حتى بعد توطيد الدولة الإسلامية عليها. فتواتر الملوك والأمراء والسلاطين فيها، وكان كل واحد منهم يأتي ويذهب، على حدِّ الطبيعة الإنسانية، وقد لاحظ الشعب هذه الظاهرة وقال المثل فيها كقولهم: (تَلَكَّ مَيْ غَنِنْ إِيَاكَرْ سَرْكِي) Talakka mai ganin iyakar sarki، العامة شاهدة منتهى المَلِكِ، وذلك لأنّ الملك بدون رعية ليس ملكا، وعليهم يُولَّى، وأمامهم يموت، ويُولَّى عليهم الآخر بعده، وهكذا. يضرب المثل للذي يتعجَّل في الأمور ليتمهَّل فيها، لأن في كل شيء نهاية. ومن هذا النوع قولهم: (سَرْكِي غُومَ زَامَنِي غُومَ) Sarki goma zamani goma، يعني: عشرة ملوك في عشرة عصور. لأن كل ملك له عصره ونظامه، ولا يمكن أن يتَّفق ملكان أو حاكمان أو أميران في كل شيء، وإن وُجد وجه الاتفاق بينهما سيُوجد وجوه الاختلاف بينهما. يضرب هذا المثل للذي يظهر عدم الرضَّى والضيق لتصرُّفات أحد الموكّلين بمهام الناس.
التأثير بالحياة الاقتصادية:
قد اشتهر الشعب الهوسوي باتخاذ الحرف اليدوية نحو الزراعة والخياطة والدباغة والتجليد والنجارة والطُّراز والصباغة والجزارة، وغيرها. وكل هذه الحرف تظهر في المثل الشعبي، إلاّ أنّ الباحث سيكتفي بمثالين من الزراعة في هذه الدراسة، وذلك كقولهم: (أَبِنْدَ مُتُمْ يَشُوكَا شِي زَيْ غِرْبَا) ya shuka shi zai girba Abinda mutum يعني: ما زرعتَ تحسد. يضرب لتوجيه الإنسان إلى الخير في حياته، لأنه سيلقاه ما فعله في الدنيا والآخرة، إن خيرا فخيرا، وإن شرّا فشرّا. ومن ذلك قولهم: (بَاوَنْ دَامَنَا تَاجِرِنْ رَانِي) Bawan damana tajrin rani يعني: الخادم في موسم المطر تاجر في وقت الجفاف. يضرب للحث على بذل مجهود للحصول على منفعة في المستقبل.
التأثير بالحياة الثقافية:
وقد تناول المثل الشعبي الهوسوي جميع جوانب حياة الهوسا الثقافية، من الأغنية والرقص والخطّ …إلخ. ولكن الباحث سيكتفي بمثالين فقط في الأغنية والرّقص، كما يلي: (أَنَا رُوَا سُنْثِ مَكَطِي كَنَا غَنْغَا تَسَ تَا جِقِي) Ana ruwa sunci makadi kana ganga tasa ta jike? يعني: يُقال إن العازف قد غرق في الماء وأنت تقول قد بلَّ طِبْلُه؟. لأنّ العازف أفضل من الطِّبْلِ، و لا ينبغي أنْ يُتكلَم عن الطِّبْلِ إلاّ بعد نجاة العازف، فالكلام عن الطِّبْلِ قبل نجاة العازف كلام فارغ لا فائدة فيه. يضرب المثل للتنبيه على الاهتمام بالأحسن قبل الحسن. وأمّا ما يتأثر بالرقص فكقولهم: (دُونِيَا رَوَرْ يَنْ مَاتَا نَغَبَا يَكُومَا بَايَا) Duniya rawar “yanmata, na gaba ya koma baya ، يعني: تصرُّفات الدنيا تُشبه رقص البنات، إذْ يتحوِّل الذي في الأمام إلى الوراء. يضرب المثل لتنبيه المغترُّ بنعة أنعمه الله بها، لأنها قد تزول كما زالت عن الآخرين.
سيكتفي الباحث بهذه النماذج، والراغب في المزيد يراجع كتب المتخصصين في الميدان, مثل كتاب (هَوْسَا أَ دُنْقُلِي[7]) ليوسف يُنُوسَا. وقد جمع فيه المؤلف حوالي ثمان مائة مثلاً، ورتّبها ترتيبا أبجديا كما علَّق على بعضها بلغة الهوسا. والكتاب في منتهى القيمة، بحيث لا يستغني عنه باحث في الموضوع.
الخاتمة:
إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن المثل الشعبي وتأثير البيئة على معانيه وإن لم يستوف الباحث حق البحث لقصور بضاعته عنه، إلاّ أنّ الذي لا يُدرك كلُّه لا يُترك جلُّه. و قام المتخصصون في الميدان ببحوث قيمة وشاملة في الموضوع، إلاّ أنها إمّا في اللغة الإنجليزية أو لغة الهوسا، وما كُتِب عنه باللغة العربية قليل.
مهما يكن من أمرٍ لقد مرَّ بنا في هذا البحث أنّ لغة الهوسا من اللغات التي وهبها الله بكثرة المثل الشعبي واستعمال شَعبُها له في كلامه اليوميّة. ولاحظنا كذلك أنّ حركة تدوين المثل الشعبي في بلاد الهوسا قد بدأت بالخط العَجَمِي منذ زمن بعيد قبل أيّام الاستعمار البرطاني للبلاد، كما عني المستعمرون بنقله إلى الخط اللاتيني، ما يُسمى في البلاد بـِ (بُوكُو). ولاحظ الباحث كذلك أنّ نُقّاد الأدب الهوسوي قد قسّموا المثل الشعبي إلى ستة أقسام على حسب تراكيبه ومعانيه، وتناول البحث هذه التقسيمات ونماذج منها، كما تناول تأثير البيئة الزمنية والمكانية في معانيه من جوانب الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
الهوامش والمراجع:
[1] AbdurlRahman I. Doi Islam in Nigeria, p.3
[2] قيل إنّ الإسلام وصل بلاد الهوسا منذ القرن الثاني الهجري. انظر: قريب الله بن الشيخ محمد الناصر كبرا، الرسالة الجلية لمكانة نيجيريا العلمية قبل كيان دولة صوكوتو العاصمة العلية من القرن الثاني إلى منتصف القرن الثاني عشر الهجري، ص:25
[3] Ibrahim Yaro Yahya and Abdulkadir Danganbo, Jagoran nazarin Hausa,1989 ,p.169
[4] Muhammad Sani Ibrahim, Karin Magana, Pp.1-5
[5] Ibid, p. 3
[6] Ibid, p.5
[7] Yusuf Yunusa, Hausa a Dunkule, Pp.1-120
*قسم اللغة العربية، جامعة عثمان بن فودي صكتو, نيجيريا
Leave a Reply