ملخص البحث :
لقد كان موضوع المرأة من أهم المواضيع الفنية الجمالية والأدبية، أن النص السردي هو الأكثر ملائمة لاحتواء هذا واستقرائه من كل النواحى الأدبية كالقصة القصيرة والرواية وغيرذلك . فإن الكتابة النسوية أرحب فضاء لكشف أسرار المرأة وملامحها الداخلية والخارجية ومعاناتها آمالها وتعبر عن صورة المرأة وتطلعاتها ، فالمرأة هي جزء الأساسي لا ينفصل بأي حال من الأحوال من كيان المجتمع الكلي . شهدت المرأة منذ أمد بعيد أنواعا من القهر والتسلط من قبل الأسرة والمجتمع وكأنها كائن لايتساوى مع الرجل في الحقوق والواجبات، وعدم المساواة بين الذكر والأنثى فى التماثيل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى كل أشكال الأنشطة الإنتاجية والاستفادة من الموارد . ولذلك ظهرت كتابة نسوية دفاعا عن المرأة عن كينونتها ووجودها وعن كرامتها، وأن المرأة ليست أقل أهمية في كافة مجالات الحياة بالنسبة إلى الرجل كماهو المزعوم عند العامة .
إن الكتابة لدى الكاتبات فعل الخلاص والهروب من العادات والتقاليد الظالمة ، بل هروبا من القهرالوجودي العام ظلت تمارسة على المرأة السلطة الذكورية منذ أمد بعيد ، كما أن الكتابة فى الوقت ذاته فعل إبداع خلاق . تناولت هذه الدراسة موضوع صورة المرأة فى الكتابة النسوية، و كيف تناولت قضايا المرأة فى فن الكتابة النسوية، فتجلت صورة المرأة فى كتابة المرأة بين حلقتين دلاليتين كبيرتين وهما: صورة المرأة البسيطة التقليدية، ويندرج ضمنها (صورة المرأة الأم وصورة المرأة الخاضعة المستلية) ، وصورة المرأة المتمردة ويندرج ضمنها (صورة المرأة العاملة ، صورة المرأة العاهرة ) . حظيت المرأة بمكانة هامة فى الكتابة النسوية لهذا اعتبرت الكتابة هي الميثاق الأنثوي الذي تسعى المرأة فيه إلى إثبات وجودها وذاتها المؤنث من أمام تسلط الثقافة الذكورية ، فعبرت فى هذا المجال بمعالجة كثير من القضايا المرأة ، وترتبط صورة المرأة فى الكتابة هي صورة مستمدة بالواقع المعيش إلى جوانب مثالية ورمزية .
الكلمات المفتاحية : صورة المرأة ، الكتابة النسوية ، قضايا المرأة ، التقليدية ، المتمردة ، صورة المرأة العاملة ، صورة المرأة العاهرة .
المدخل :
فكر النسوية :
شملت النسوية على عنصرين وهي: الأول : القيمة التي تدفع إلى تغيير المجتمع لتحقق العالم بطبقات المجتمع عدلا حسب النوع الجنسين . الثاني : والنظرية الاجتماعية التي تحلل وتشرح أساس الأسباب وديناميكا وبنية الإنتهاك على النساء . وبعبارة أخرى إن النسوية تسأل أسباب عدم المساواة الاجتماعية وعدم العدل فى العلاقة السلطوية التي وقعت بين النساء والرجال ، وبين النساء ، ورأى منصور فقيه أن النسوية حركة صدرت من افتراض ووعى أن المراة كانت مضطهدة ومستغلة أساسا ، فعلينا ان نحاول فى إنهاء تلك الاضطهاد والاستغلال[1] .
كانت الستينيات أعتبرت كولادة الحركة النسوية ، وكانت هذه الحركة تبدأ أول مرة فى الولايات الأمريكية المتحدة ، وتنبأ هذه الحركة من الجانب السياسي ، وذلك حينما كان الأمريكيون أقروا استقلالهم من الاستعمارية خلال سنة ١٧٧٦م . وإنهم يقولون فى استقلالهم إن الرجال خلقوا متساويين All men are created equal دون أن يذكروا كلمة “النساء” . ونشأت الحركة النسوي فى أمريكا كشكل من أشكال الأساليب الراديكالية التي تشمل حركة الحقوق المدنية (Civil Right) والحرية الجنسية (Sexual Liberation) . وامتدت تلك الحركة إلى أوروبا ، كندا ، واستراليا والآن تكون الحركة النسوية بحركة عالمية وتهز العالم الثالث . وأشار بعض المهتمين بالحركة النسوية ، أن الحكومة الأمريكية ليس لها اهتمام كبير بدور المرأة ومشكلتها . وتحقق آمالهن بعقد مؤتمر فى (Seneca Falls ) خلال سنة ١٨٤٨ التي تعتبر بأول ظهور الحركة النسوية المنتظمة ، وفى نهاية هذا المؤتمر أقرت كلمة [2] All men and women are created equal. يعرف معجم ) (Hachette ” النسوية بأنها منظومة فكرية أو مسلكية مدافعة عن مصالح النساء وداعية إلى توسيع حقوقهن[3] “. وتعرفها سارة غامبل (Sara Gambel) فى كتابها ” النسوية وما بعد النسوية ” بأنها “حركة سعت إلى تغيير المواقف من المرأة كامرأة قبل تغيير الظروف القائمة وما تتعرض إليه النساء من إجحاف كمواطنات على المستويات القانونية والحقوقية فى العمل و العلم و التشارك فى السلطة السياسية و المدنية[4]“. وأيضا تقول فى موضع آخر” أن النسوية تعني : كل جهد نظري أو عملي يهدف إلى مراجعه واستجوابأو نقد وتعديل النظام السائد فى البينات الإجتماعية الذي يجعل الرجل هو المركز هو الإنسان و لمرأةجنسا ثانيا أو الآخر فى أنثوية أنثى[5] “.
الكتابة لدى الكاتبات :
تجد المرأة فعل الكتابة متنفسا و مساحة لممارسة حرية القول و الفعل و الانقلابات من قيود الصمت كما أن المرأة تمارس فعل الكتابة أيضا مثلها مثل الرجل وسيلة لإثبات الذات عن طريق التعبير عن همومها بلهجة استسلامية من أجل البحث عن الحرية و رفض السلطة الذكورية ، فهى حين تكتب و تواجه بياض الورق فإنها ” لا تكتب من أجل السيطرة على الرجل كما يفعل هو بواسطة القانون والأدب لأنها حين تريد أن تسيطر عليه تستعمل كتابه من نوع آخر لا يفقه الرجل تفكيك رموزها بسهولة فهي ترمي من الكتابة و الكلام إلى تفجير كل شروخ جسدها و متموجاته ، فالكتابة إذن تفجير للمكبوت و المخفي فالمرأة من خلال مختلف أشكال كتاباتها الجسدية والرمزية تستدعي المكبوت المتراكم عبر الزمن لتعلنه فى حوارها –صراعها- مع الرجل ، خصوصا حين تقترن هذي الكتابة مع الحركات النسوية Feministes [6] “. كانت الكتابة للنساء فعل خلاص وهروب من العادات والتقاليد الجائرة ، بل هروبا من الاضطهاد الوجودي العام كنت أمارس السلطة الأبويةعلى النساء لفترة طويلة ثم اخترن لأنفسهن زاوية جديدة تسمى الأدب النسوي أو الأدب الأنثوي التي تميز بعملية من المميزات على مستوى النص الموازي والمتن الروائي مثل أن القلم وسيلة لحضورها وبروزها بالقوة والكتابة هى فعل هذا الحضور . إن الكتابة للمرأة هي انتهاك للصيغ الجاهزة لطرق مقاربة العالم التي اعتدنا عليها فى كتابة الرجل . والمرأة توجد داخل المجتمع الذكوري وخارجه ، وهي عضو فى هذا المجتمع ولكنها عضو منبود وضحية لذلك فهي مصدر بكر لمقاربة العالم والنظر إليه بعيون جديدة . تقول إنصاف قلعجي” الكتابة تعني لى أنني أحيا أتنفس .حين أكتب أكون تحت وطأة جحيم من الأفكار والرؤي . الكتابة هي محاولة الدخول فى النار فى حالة الصحو الكامل ، وهي تحتاج إلى جرأة كبيرة حتى فى عصر الديمقراطية[7]“. وتقول يمني العيد عن علاقتها بالكتابة ” الكتابة حاجة ورغبة وحب نابغ من دواخلي ، ولا أعرف ما هي أسبابها ودوافعها، وكل ما أعرفه أن الكتابة حاجة لدي رغم أنها متعبة ومؤلمة ولكن لا أستطيع أن أستغني عنها لأنها تربطني بعلاقتي مع العالم والناس وحتى بعلاقتي مع نفسي[8]“. فالكتابة للنساء هى استجابة لنداء الحاضر ورفع الجسد من الحس إلى التجريد و الانتقال من عالم الأسرار إلى عالم الأضواء ، وأن المرأة تعبر بكتاباتها عن كيانها ووجودها ومشاعرها وانفعالها فى الحياة وحاولت إثبات وجودي أمام سلطة الرجل .
صورة المرأة فى كتابة المرأة الأدبية :
مفهوم الصورة :
صورة المرأة هي صورة سجية المرأة وخلقهن يومية التي تدل على وجه المرأة وعلامة ميزاتهن . ظهرت صورة المرأة فى شخصية المرأة التي توجد فى القصة أو الرواية . إن الحديث عن الصورة الأدبية هو حديث عن نقل التجربة أو المشهد ، فالصورة تقوم بترجمة المعاني والأفكار . لا تعتمد فقط على الإيحاء وإثارة الخيال، بل إنها تنظم أمورا ، بها تتم الصورة كعمل أدبي رائع وفن قولي جميل ينشأ عنه تيارمتدفق من الصور الذهنية، من الفكر والعواطف والوجدانيات، ومن المعاني المتماسكة تماسكا عقليا منطقيا أو وجدانيا عاطفيا . وإذا كانت الصورة الأدبية تتفاوت فى تعبيرها وتأثيرها قوة وضعفا، رفعة ووضعة، فإن الأمر يجعلنا نشعر بأنه ليس كل صورة جديرة بأن تُنَمي ذوقا أدبيا رفيعا، أو تعتبر فنا قوليا أصيلا –وإنما فقط- تلك الصورة الحية النابضة والمتحركة الشاخصة التي تترك أثرها تتعمق المشاعر ويهز الوجدان . فالصورة باختصار هي ذلك الأثر الذي تتركه التجربة في الإنسان من دلائل وإيحاءات[9]. تمثل المرأة فى الكتابة العربية محورا هاما وذلك إنطلاقا من معطيات اجتماعية وأخلاقية ودينية وسياسية ورغبتها بالتحرر من ثقافة الرق والعبودية وتلك القيود التي فرضها عليها الرجل ، الذي لا يرى فيها إلا الجانب السلبي فحسب ، وفى هذا كله لا يمكن إلا للمرأة الكاتبة أن تعمل على تغيير هذه النظرة ولذلك إنخراطت فى الكتابة الإبداعية بصورة أو بأخرى لتقدم لنا صورة أخرى . يعني أن المرأة تستطيع من خلال الكتابة تغير تلك الأوضاع السلبية التي فرضها المجتمع عليها بصفة عامة وللرجل بصفة خاصة وهذا ما دفع الحركات النسائية إلى السعي لتغير النظام اللغوي التقليدي عبر وضع برنامج تحرري يأخذ بعين الإعتبار[10]. صورة المرأة أهم للمجتمع ، هي نصفه بل إنها لتشكل الجزء الأكبر والنصيب الأوفر منه ، فهي الأم والزوجة والبنت والخادمة والعشقية … وغيرذلك . تعدها خزءا أساسيا فى هذا النظام الاجتماعي وقد سجلت حضورا قويا فى صناعة التاريخ بمختلف مراحله ، وكانت مثالا وصورة رمزاً للشجاعة والبطولة والتضحية ، ومقاومة التسلط والخوف وبقيت المرأة وفيّة لنضالها مستكملة مشوارها ، فى معركة إثبات الذات فى شتى مجالات الإبداع الأدبي فعبرت عن حضورها فى هذا المجال بمعالجة كثير من القضايا المرأة وهومها ، وأيضا عبرن عن أنفسهن وتواصلن مع المجتمع وترتبط صورة المرأة بالواقع المعيش وتتجاوزه إلى جوانب مثالية ورمزية .
إذا ما كتبت المرأة عن المرأة فإن صوت الجنس هو الذي يتكلم ، هذا ما دفع الباحثين إلى التحري على صورة المرأة فى الثقافة العربية وفي الأدب عموما ، وفى الأدب النسوي خصوصا ، فالمرأة المبدعة وهي تبدع محكومة بشرط واقعي ، والذي تتحرك البطلة من خلاله ، أي للشخصية المحكومة لإرثها وتربيتها وثقافتها ووعيها الاجتماعي ، وهى إذا لم تكن لذلك وحاولت تنميط الشخصية من خلال مفاهيمها ورؤيتها سقطت الكتابة فنيا . هذا ما جعل صورة المرأة فى كتابة المرأة بين حلقين دلاليين كبيرين هما [11]:
- صورة المرأة البسيطة التقليدية ، ويندرج ضمنها .
- <