+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

الحوار مع البروفيسور أشفاق أحمد
د. محمد ميكائيل

 

البروفيسور أشفاق أحمد، رئيس قسم اللّغةالعربيّة لجامعة بنارس الهندوسيّة في ولاية أترابراديش بالهند. نال جائزة فخامة الرئيس الهندي “مَهارشِي بادرايان فِياس سَمّان” عام 2013 لإسهاماته في تطوير اللّغة العربيّة وآدابها في الهند. يُعدّ عَلم من أعلام اللّغة العربيّة في الهند، وله خبرة واسعة في تدريس اللّغة العربيّة وآدابها، وباع طويل في مجال الأدب العربي الهندي؛ فقد قام بكتابة عدد من الكتب المهمّة القيّمة التي متداولة بين أوساط الباحثين ودارسي اللّغة العربيّة. ألقى الأستاذ الدكتورعشرات من المحاضرات والخطب في الحفلات الدينيّة والعلميّة أمام جمهرة الناس، بالإضافة إلى مشاركته العلميّة في الندوات والمؤتمرات الدوليّة والوطنيّة، ومساهمته في ورشات العمل، والاجتماعات، والمناقشات. كما لعب الدكتور دورا بارزا رياديا في إصلاح المناهج الدراسيّة للماجستير لقسم اللّغة العربيّة وآدابها بجامعة آسام بشيلتشار، والكليّات التابعة لها عام ألفين وستة الميلادي (2006م). ثم ساهم بكل النّشاط عام 2015 في تصميم المناهج الدراسيّة للقسم والأقسام العربيّة للكلّيات التابعة لجامعة آسام.

 السُّوال: مرحبا بكم سيّدي الأستاذ، حدثونا من فضلكم عن أسرتكم الكريمة والبيئة التي نشأتم فيها.

أ.د. أشفاق أحمد: ولدتُ في أسرة اشتغلتْ بالزّراعة منذ أمد بعيد. سكن أجدادي لمدّة غير قصيرة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في قرية “فُوْلكا”، قرب بلدة مَنِيهاري المعروفة في شرق ولاية كتيهار. وبعد إنهيار هذه القرية من جراء فيضانات نهر غَنْغا المستمرة، تنقّل والد جدّي مع أبنائه الثلاثة: محمد رضاء الله، ومحمد نعمة الله، ورمضان علي (كلهم أدوا فريضة الحج) وبناته في عشرينيات القرن العشرين إلى قرية “كورسيل”في نفس الولاية واستوطنوها. ولد أبي أحمد علي بن محمد رضاء الله- رحمهما الله- في هذه القرية عام 1931م.

كان أبي الابن الأكبرلوالدَيه. ولد أبي في أغنى الأسر في القرية. أخذ مبادئ التعليم الديني في المسجد الجامع الذي بناه جدّه قرب بيته. انقطع عن الدراسة لأسباب قاهرة؛ فاشتغل مع أبيه بالزّراعة. عملا مخلِصَين في الحقول الزراعيّة؛ فأصبح جدّي من أغنى الناس في قريته، إن لم يكن أغناهم جميعا. وممّا يجدر بالذكر هنا أنّ والدي أتمّ التدريب العسكري في خضمّ الحرب بين الهند والصين في عام 1962، ونال الشهادة. وكان أجدادنا في جيش الامبراطور الهندي فريد الدين خان المعروف بـ “شير شاه سوري” (1540-1545م).

وفي ستينيات القرن المنصرم أصيب جدّي بمرض باركنسون؛ فأصبح نحيف الجسم، ولم يكن قادرا على التحرّك من فراشه\ مكانه إلا بمساعدة الآخرين، وظل طريح الفراش لسنوات. وقد شاء الله أن يُتوفَّى والدي عاما قبل وفاة أبيه؛ فحُرِمنا من الميراث، وبدأ به الوقت العصيب لنا. انقطعتْ دراسة شقيقي الأول والثالث؛ فقد اضطرا إلى العمل في الحقول الزراعيّة القليلة المتبقّية لنا، بينما استمرت دراسة شقيقي الثالث على رغم الصعوبات الكثيرة التي واجهته في مشواره الدراسي.

ساعدنا بعض أهل القرية في استرداد بعض حقول والدنا الزراعيّة في سبعينيات القرن العشرين (أربعة فَدَادِين)؛ فبدأت أحوالنا الاقتصاديّة تتحسّن شيئا فشيئا. وفي خضمّ هذه المشكلات المتعدّدة الأنواع، عقدت أمّنا- رحمها الله وأسكنها فسيح جناته- عزمها على تعليم بعض أولادها، وقد ساعدها في ذلك والدها- رحمه الله-، وكان والدها الحاج محمد علي رجلا صالحا مخلصا للغاية. 

أتمّ شقيقي عبد الجبّار دراسته للهندسة في منتصف الثمانينات، وعُيّن مهندسا مدنيّا حكوميّا في ولاية بيهار، وبذلك انتهت فترة المشكلات والصعوبات التي استمرت لأكثر من عشر سنوات. وممّا أتذكّر من هذه الفترة الصعبة أنّ أمّي كانت تبكي في حين لآخر من جراء فقدان زوجها، والمشاكل الماليّة التي واجهتها أسرتها، والتهديدات المستمرّة التي تعرّضت لها.

عانت أمّي من مشاكل شديدة جدا طوال حياتها. كانت تروي لنا بعض ما واجهته من الصعوبات في حياتها: زوّجها والدها في سن مبكر جدا على عادة أهل القرى، وتوفّي زوجها وهي في أوائل الثلاثينيات من عمرها. وقِصَص حياتها تجعل أعيننا تدمع حتى اليوم. كنّا نراها أحيانا تتضرّع إلى الله؛ فاستجاب الله دعوة أمّي وفجزاها الجزاء الأوفر. واصل ابنها الأكبر دراسته بنفسه؛ فدرَس كتب الدين الإسلامي، والتاريخ الإسلامي والهندي، وعمل، ولايزال، مخلصا للدين والمجتمع. يعمل سكريتيرا لمدرسة “دار الهدى” بقريته كورسيل منذ عقود، ولم يتقاض أبداً راتبا لخدمته.

أصبح ابنها الثاني موظّفا حكوميّا في منتصف الثمانينات. وكانت أمّي تفتخر كثيرا بابنتها الصغرى التي درَست كتب الحديث والفقه في مدرسة القرية الإسلاميّة، كما حصلتْ على بعض الشهادات من هيئة المدارس لولاية بيهار. وفي أوائل التسعينات، أصيبت أمّي ببعض الأمراض (الحصى في الكُلْية اليسرى، وضغط الدم المرتفع)، وتوفّيت بالسكتة القلبية في العاشر من ديسمبر (الكانون الأول) عام 1996، وكانت تستعدّ في بيتها لصلاة الفجر، رحمها الله رحمة واسعة ورفع درجاتها في الجنّة.  

رُزِق والديّ أربعة أبناء وثلاث بنات، وأنا سادسهم. توفّي والدي عندما دخلتُ في السنة الثالثة من عمري؛ فلا أتذكر شيئا عنه، فضلا عن حِليته وخُلقه.

السُّوال: إنّ المجتمع الذي تنتمون إليه مجتمع متخلف في مجال التعليم والاقتصاد والثقافة والسياسة حتى يومنا هذا فكيف كان وضع هذا المجتمع حين بدأتم مشواركم الدراسي؟ هل تجدونه قد تحسّن في أيّ من المجالات وماهي؟ 

أ.د. أشفاق أحمد: ولِدتُ في قرية “كورسِيل”، التي تبعد حوالي 15 كيلومترا عن مدينة كَتِيهار في ولاية بيهار. وكانت هذه القرية الصغيرة آنذاك عُدّت من أكثر القرى تخلّفا في المنطقة في مجالات التعليم، والتجارة، والاقتصاد، والتسهيلات الأخرى للحياة، وكان جميع سكّانها يشتغلون بالزّراعة. وكان لمواطنيها حظ قليل جدا في التعليم. بدأ أطفال القرية يأخذون مبادئ التعليم الديني في المسجد الجامع منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ثم أسّس أهلها مدرسة دينيّة صغيرة في بداية السبعينات وسموّها “دار الهدى”، كما أسّست في جانبها مدرسة رسمية للتعليم الابتدائي وكانت، ولا تزال، تدير أمورها حكومة ولاية بيهار. 

كانت القرية مغمورة ومتخلفة؛ فلم تكن تتوفّر فيها تسهيلات أساسيّة، بما فيها الكهرباء، والطرق، والتلفون، والتسهيلات الحديثة الأخرى. وفي العقود اللاحقة، أخذت هذه القرية والقرى الأخرى المجاورة لها تتقدم نحو الأمام شيئا فشيئا. زاد فيها عدد المتخرِّجين في المدارس الإسلاميّة، ويوجد فيها الآن المهندسون، والأطباء، ورجال الأعمال، والمدرّسون في المدارس الحكوميّة وغير الحكوميّة، إلى جانب بعض الأساتذة الجامعيين. 

أما مدرسة “دار الهدى” بكورسيل، التي أخذتُ فيها مبادئ التعليم الإسلامي، وتعلّمت فيها اللغتين العربيّة والأرديّة؛ فقد أصبحت اليوم، بفضل الله، من كبرى المدارس الإسلاميّة في المنطقة. وممّا لا شك فيه أن الأوضاع التعليميّة والاقتصاديّة والثقافيّة والسياسيّة في المنطقة قد تحسّنت خلال العقود الأربعة الماضيّة، ولكن سير هذا التقدّم بطيء جدا. وممّا يسرّنا جدا أن عددا ملحوظا من المسلمين أسّسوا المدارس الإسلاميّة والمدارس الرسميّة الخاصة في المديريات التي تقع في شرق ولاية بيهار.

السُّوال: هل لكم أن تقدّموا لنا لمحة عن سيركم في التعليم والتّدريس؟

أ.د. أشفاق أحمد: التحقتُ بدار العلوم التابعة لندوة العلماء بلكنؤ عام 1986م حيث درستُ العلوم الإسلاميّة والعربيّة لأربع سنوات على كبار علماء الإسلام، بمن فيهم الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي، ومحمد واضح رشيد الندوي، والشيخ محمد سلمان الحسيني الندوي، وخليل الرحمان سجّاد النعماني، ونذر الحفيظ الندوي الأزهري وغيرهم، كما سنحت لي الفرصة للاستفادة مباشرة من الداعيّة الكبير الشيخ أبي الحسن علي الندوي. خرجتُ من هذه الدار حاصلا على شهادة العالميّة عام 1990م. 

كان شقيقي المهندِس عبد الجبّار يتوخّى دائما أن أحصلَ على التعليم العصري؛ فلم يكن يرى لي مستقبلا زاهرا بعد إتمام الدراسة في المدارس الإسلاميّة. وكان يصرّح دائما بأن المقررات الدراسيّة في المدارس الإسلاميّة ومناهجها قديمة وعقيمة. ولكنّ الله قدّر لي التعليم الديني الإسلامي؛ فقضيتُ سنوات في مختلف المدارس الإسلاميّة. وبعد التخرّج في ندوة العلماء، استشرته حول طموحي في الدراسة في بعض الجامعات الحكوميّة؛ فلبّى بالاقتراح وقبله على الفور، بل أصرّ عليّ أن التحق بجامعة حكوميّة عصريّة، واستعدّ لبعض الامتحانات التنافسية المركزيّة. فالتحقتُ بقسم اللّغة العربيّة بالجامعة المليّة الإسلاميّة، نيو دلهي عام 1990م حيث أكملتُ السنة الأولى من بكالويورس الآداب عام 1991م. ولقلّة التّسهيلات للطلبة في الجامعة الملّيّة الإسلاميّة، بما فيها دور الإقامة، التحقتُ نفس العام بمركز الدراسات العربيّة والإفريقيّة، مدرسة دراسات اللّغة، والأدب، والثقافة، جامعة جواهرلال نهرو بنيو دلهي، وحصلت فيها على شهادة بكالويورس الآداب عام 1993م، وشهادة الماجستير في الأدب العربي عام 1995م، وماجستير ما قبل الدكتوراه عام 1997م، ودرجة الدكتوراه عام 2002م.

اشتغلتُ عامين مترجما في سفارة الجمهورية المصرية لدى الهند لنيل خبرة في فن الترجمة، وتقوية لغتي العربيّة بالاستفادة مباشرة من العرب عن طريق الاحتكاك بهم، كما اشتغلتُ مترجما أيضا في هيئة خدمات رقابة الأنباء المركزيّة التابعة لوزارة الإعلام الهنديّة في نيو دلهي.  ثم تولّيتُ التدريس في قسم اللّغة العربيّة، جامعة آسام المركزيّة بالهند بصفتي أستاذا مساعدا عام 2004م، ثم عيّنتُ أستاذا مشاركا عام 2010 ثم أستاذا عام 2013 في نفس الجامعة. 

أدرّس بصفتي أستاذا (البروفيسور) منذ عام 2015 في قسم اللّغة العربيّة، كلية الآداب، جامعة بنارس الهندوسيّة (كبرى الجامعات السكنيّة في الهند)، فارانسي، أوترا براديش، الهند. عيّنتُ رئيسا للقسم في يناير عام 2019 لثلاث سنين. عملتُ منسّقا (مديرا) للمركز الخاص التابع للمجلس الأعلى لتمويل الجامعات الهنديّة لإعداد الطلبة المنتمين إلى الأقليات والطبقات المتخلّفة للاختبارات القوميّة المؤهلة لمنصب الأستاذ المساعد، جامعة آسام من 2011 وحتى 2015. عملتُ وأعمل عضوا لعدد من الهيئات الأكاديميّة في الهند وخارجها. أشرفتُ على 14 رسالة للدكتوراه، وأشرفُ حاليا على عدّة الرسائل للدكتوراه، كما أشرفتُ على 6 أطاريح لماجستير ما قبل الدكتوراه (إيم. فل). 

السُّوال: من فضلكم حدثونا عن الكتب المطبوعة وغير المطبوعة لكم وسلطوا قليلا من الضوء على التحديات والصعوبات عن طريق التأليف والكتابة، كما علمنا أن معظم مؤلفاتكم تفيد الدارسين في مجال الأدب العربي الهندي وتاريخه وأعلامه.

أ.د. أشفاق أحمد: التأليف عمل صعب، ويكون هذا العمل أصعب لمن ليس له اطلاع واسع في الموضوع، ودراسة عميقة في تاريخه وثقافته، ويتمتع بالقدرة التامة على اللّغة والأسلوب. والأغلبيّة الساحقة منّا في الهند تعلّم اللّغة العربيّة من خلال دراسة ممّا نشرته الدول العربيّة من الكتب والجرائد والصحف، وأكثر من 90% منّا لم يزر قطّ بلدا عربيا، فضلا عن مكوثهم فيه والتعلّم من العرب مباشرة. وعلى الرغم من ذلك، أنجبت الهند شخصيّات عِملاقة في الأدب واللّغة، وأصبحت مؤلّفاتهم جزءا لازما للمكتبات في العالم العربي. 

درستُ نخبة من أمّهات الكتب في اللّغة والأدب خلال السنوات التي قضيتها في المدارس العربيّة، وعلى رأسها دار العلوم لندوة العلماء بلكنؤ، وتوسعتْ دائرة مطالعتي للكتب خلال المرحلة الجامعيّة في نيو دلهي. ولمّا انتقلتُ إلى مدينة سيلتشار، ولاية آسام الهنديّة عام 2004، بدأت أواجه المشاكل المتنوّعة للدراسة والتأليف. تقع جامعة آسام في منطقة مغمورة ومتخلّفة جدا، وتبعد أكثر من عشرين كيلومترا عن المدينة. لا توجد في سيلتشار وحتى في ولاية آسام مكتبة تحتضن كتباًعربية بعدد ملحوظ، ما عدا الكتب القليلة التي توجد في مكتبات بعض الجامعات، والكلّيات، والمدارس الدينيّة. وبسبب موقعها الجغرافي، كانت الحياة في سيلتشار صعبة جدا؛ فكنتُ أفقد فيها حتى التسهيلات الأساسيّة. وعلى الرغم من هذه المشكلات المتنوّعة في سيلتشار، عقدتُ العزم على الدراسة والتأليف؛ فنشرت لي أربعة كتب وعشرات من البحوث والمقالات في اللغتين العربيّة والإنجليزيّة.

وممّا يجب الإشارة إليه هنا أنني درستُ أول مرّة في شكل خاص أيام دراستي في دلهي حول ما صدر من أقلام الهنود من الكتب والبحوث العربيّة. اضطررتُ إلى كتب عربية عالجت موضوع الدراسات العربيّة في الهند، وذلك للاستعداد للاختبارات التي تعقدها الهيئة العليا للجامعات. والكتب التي وجدتها في الموضوع كان عددها قليلا، كما كانت في معظمها عيوب ونواقص عديدة. فأردت أن أركّز الاهتمام على البحث فيما أنتجته الهند في اللّغة العربيّة وآدابها، إلى جانب التركير على ثقافة الهند وروابطها الوطيدة مع العالم العربي. ولأنني قضيتُ سنوات في شمال شرق الهند، كان من اللّازم أن أكتب في ثقافتها الغنيّة، وبعض لغاتها، والثقافة الإسلاميّة في الولايتين الهنديّتين: آسام ومانيبور. وهذا كله تسبّب في نشر الكتب والبحوث في مختلف المواضيع التي تهتم بالهند وثقافتها.

نشرت لي خمسة كتب باللغتين العربيّة والإنجليزيّة: “مساهمة الهند في النثر العربي خلال القرن العشرين” (نيو دلهي- 2003)؛ “النثر العربي المعاصر في الهند” (نيو دلهي- 2013)؛ “تطوّر الآداب العربيّة ومراكزها في الهند” (نيو دلهي– 2013)؛ “نفحة الهند: تراجم الشخصيّات الهنديّة في الثقافة العربيّة الإسلاميّة” (نيو دلهي– 2006)، وCertificate in Arabic Language: Listening and Speaking-II (New Delhi- 2010).

السُّوال: أذكروا يا سيدي عن المشاركة في الندوات الدوليّة والقوميّة التي قدمتم فيها بحوثا أو محاضرات؟

أ.د. أشفاق أحمد: سنحت لي الفرصة أن أشارك في عشرات من الندوات والمؤتمرات وورشات العمل الدوليّة والقوميّة والإقليميّة، وساهمتُ فيها ببحوثي المتنوّعة الموضوعات باللغات العربيّة والإنجليزيّة والأرديّة.

السُّوال: أفيدونا يا أيها الأستاذ عن المقالات المطبوعة في الجرائد والمجلات الدوليّة والوطنيّة؟

أ.د. أشفاق أحمد: نشر لي أكثر من خمسين بحثا ومقالة باللغات العربيّة، والإنجليزيّة، والأرديّة. ومن بين هذه المنشورات، العديد من البحوث والمقالات تعالج مواضيع مختلفة تهتم بثقافة شمال شرق الهند الإسلاميّة وغير الإسلاميّة.

السُّوال: نحب أن نطلع على مجال تخصصكم وأهم مؤلفاتكم ومشاريعكم البحثيّة في المستقبل.

أ.د. أشفاق أحمد: ركّزتُ الاهتمام على البحث فيما أنتجته الهند في مجال الآداب العربيّة عبْر القرون بوجه عام والقرن العشرين بوجه خاص. أريد أن أنشر كتابا يحوي ما نشره الهنود في الآداب العربيّة في العقدين الماضيين من القرن الواحد والعشرين. وإلى جانب خدمة اللّغة العربيّة وآدابها تدريسا وكتابة، أريد أن أعمل للمجتمع مباشرة: أحِسّ بضرورة ملحّة للقيام بالإصلاحات الواسعة النطاق في المجتمع المسلم. تشمل هذه الإصلاحات في مجالات التعليم والتربيّة، والخلق والسلوك، وإخراج المسلمين من “الغيتو” أو “الخندق” الذي حصروا أنفسهم فيه، ومركّب النقص الذي وقعوا في فخه لينضموا إلى التيار العام، ويعملوا لترقية الوطن، ولا يكونوا عبئاً عليه. كما هناك حاجة كبيرة للعمل على التّوفيق بين الطوائف المذهبيّة الإسلاميّة للقضاء على الاختلافات التافهة التي قامت منذ القرون المؤدّية إلى تكفير بعضهم بعضا. فالأديب\ الكاتب إنّما هو جزء حيوي للمجتمع، ويجب عليه أن يتحمّل مسئوولية الإصلاحات بالعمل مباشرة بين الناس، بالإضافة إلى التدريس والتأليف. 

السُّوال: من هم الذين أسهموا في بناء شخصيتكم علميّا وأدبيّا؟

أ.د. أشفاق أحمد: قد سبق ممّا ذكرتُ من المشكلات الاقتصاديّة، والتحدّيات اليوميّة والتهديدات الحياتيّة التي عانينا منها عقب وفاة والدي أحمد علي- رحمه الله. وفاة والدي تركت أمّي حيرانة، وأوقعتها في ورطة كبرى بالمعنى الحقيقي للكلمة. توفّي زوجها وكانت في الثلاثينيات من عمرها. وزاد الطين بلّة عندما حُرِم أولادها من الميراث، ثم كانت تواجه التهديدات يوميّا من بعض أفراد أسرة زوجها. وهذه التحدّيات والتهديدات كانت تجعلها تحزن وتبكي، وكانت تخاف جدا على حياة أولادها. ولكنّها واجهت ما قدّر االله لها من المشكلات في حياتها بشجاعة. عقدتِ العزمَ على مواصلة تعليم أولادها، وعملتْ ليلا ونهارا لتحسين الوضع الاقتصادي للأسرة، وكان يساعدها في ذلك والدها التقي والنقّي. لقد شاهدتُ بأم عيني المشكلات والصعوبات التي واجهتها أمّي، ولكنها صمدت أمام التحدّيات وصبرت وشكرت الله في جميع الأحوال. فجُهدُ والدتي المتواصل كان العامل الأقوى في تكوين شخصيّتي.

والشخصيّة الثانيّة التي أثّرت كثيرا في حياتي هو شقيقي الشفوق عبد الجبّار- حفظه الله ورعاه. واصل شقيقي جهده متوكّلا على الله، ومثابراً حتى أتمّ تعليمه، وقد عانى كثيرا من المشاكل في رحلته التعليميّة. عيّنته حكومة ولاية بيهار مهندسا عام 1985، وبهذه الوظيفة أخذ وضعنا الاقتصادي يتحسّن سريعاً. وهو من الشخصيّات القلائل الذين لا يعيشون لأنفسهم فحسب، بل يؤثرون حياة الآخرين على حياتهم. فشقيقي بذل كل ما كان في وسعه من المجهودات لرفع مستوياتنا الاقتصاديّة والتعليميّة، وكان في ذلك مخلصا دائما. فبفضل الله تعالى تكلل جهده المتواصل، ودعاء أمّي ومثابرتها، ومجهودات الشقيقين الآخرين بالنجاح الكبير؛ فيوجد في أسرتي اليوم بعض رجال الدين ودعاته، وعدد من الموظّفين في الحكومة الهنديّة، وفي حكومة ولاية بيهار، والشركات غير الحكوميّة. عانت أمي مشاكل هائلة في حياتها بعد وفاة والدنا، كما عاشتْ حياة مليئة بالسعادة والهناء لسنوات قبل وفاتها عام 1996، والفضل كله يرجع إلى الله.

السُّوال: أية شخصية علمية وأدبية أعجبتكم أكثر، ولماذا؟

أ.د. أشفاق أحمد: إنّ أول من أثّر في حياتي التعليميّة والخلقيّة كان أستاذنا مولانا محمد إسماعيل المعروف بمولوي شاهجهان. كان عالما دينيّا، ومعلّما مثاليّا، ورجلا صالحا، وكان يواظب على أداء ما فرضه الله من الصلوات والصيام، وهو الذي حافظ على النوافل في الليل والناس نيام باكيّا متضرّعا إلى الله. كان أيضا خطيبا محنّكا، استمع إليه الناس وأنصتوا له. ولد أستاذنا في أسرة فقيرة؛ فعمل ليلا ونهارا منذ طفولته، وأخلص دوما في دراسته حتى خرج من بعض المدارس عالما دينيّا. درستُ عليه في مدرسة “دار الهدى” وأخذتُ منه مبادئ التعليم الديني، كما تعلّمتُ منه مبادئ اللغتين العربيّة والأرديّة. أصرّ عليّ أن أصاحبه عام 1983 للتعليم الثانوي إلى مدرسة دينيّة في بنغال الغربية، وظلّ بها يعلّمني ويربيني لعام، وعامل معي معاملة الأخ الكبير مع أخيه الصغير، وكان يحبّني كثيرا.

وشقيقي عبد الجبّار هو الذي له أكبر الأثر، بعد أمّي، في حياتي؛ فهو بالنسبة لي المربي والمشرف. وجدتُ فيه أخا شفوقا، ومربّيا مخلصا، ورجلا يحبّ التعليم ويعيش له. وهو الذي تحمّل مسؤولية التعليم والتربيّة ودلّني دائما على الطريق الصحيح. وهو من الرجال الذين لا يعيشون لذاتهم بل يعيشون للآخرين أيضا. وهو شخصيّة يندر لها مثال في الحبّ للعلم، والشغف في المعرفة، والولع بالتربية. وهو الذي متّعه الله بأخلاق ساميّة، وقلب نقيّ، كما وهبه ذكاء وفطنة، وحبّا للإسلام والمسلمين.

وممّن ساعدني كثيرا هو صديقي في السرّاء والضرّاء الدكتور مجيب الرحمان، أستاذ في جامعة جواهرلال نهرو بنيو دلهي. وهو الذي حثّني وساعدني على الالتحاق بدار العلوم التابعة لندوة العلماء بلكنؤ، كما ساعدني على التعيين محاضرا في قسم اللّغة العربيّة، جامعة آسام بشيلتشار. وفي الواقع، ساعدني في كل مرحلة أثناء التعليم والوظيفة؛ فجزاه الله أحسن الجزاء، ومتّعه بالصّحة والسّلامة.  ولو لم يكن معي دعاء أمّي لم تتكلّل مجهوداتي بالنجاح قط- رحمها الله وأدخلها الجنّة.

وممّن تأثرت بهم كثيرا الشيخ أبو الحسن علي الندوي، والشيخ محمد واضح رشيد الندوي، والشيخ محمد سلمان الحسيني الندوي، وأستاذي ومشرفي الأستاذ محمد أسلم الإصلاحي، والأستاذ شفيق أحمد خان الندوي، كما أحببت طريقة تدريس الأستاذ السيد إحسان الرحمان. 

السُّوال: على رغم الإقبال الكبير على تعلم العربيّة في الهند ووجود تراث علمي ضخم باللّغة العربيّة على أرضها، وعلى رغم وجود عدد كبير من كتاب العربيّة في الهند لماذا يخلو المشهد الأدبي في الهند من أصناف الأدب الإبداعي كالقصة والرواية والمسرحيّة باللّغة العربيّة؟ كيف تعلل وتفسر هذه الظاهرة.؟

أ.د. أشفاق أحمد: ألف علماء الهند وكتابها عددا ضخما من الكتب في المواضيع الإسلاميّة المختلفة من الفقه، والحديث، والتفسير، والفلسفة، واللّغة، والعلوم الإسلاميّة الأخرى. أنجبت الهند عددا لا بأس به من الأدباء، والعلماء، والفقهاء، والمحدثين، والمفسرين الذين ذاع صيتهم في الدول الإسلاميّة بفضل مؤلفاتهم القيّمة. يعتبرالعديد ما أنتجه الهنود في العلوم الإسلاميّة والفنون العربيّة من أهم الكتب في العالم.

ومن اللافت للنظر، أنّ الهند عدّت من الدول غير العربيّة القليلة التي ساهمت كثيرا في تنمية اللّغة العربيّة وتطوّر آدابها منذ طلوع أشعة الإسلام على آفاقها منذ أوائل القرن الثامن الميلادي. وقد تعززت العلاقات بين الهنود والعرب في العصر الذي نعيشه لأسباب عديدة، وبفضلها ازدادت أهمّية اللّغة العربيّة في الهند. قد تنوّعت اليوم الموضوعات وتوسّع نطاقها، وتحسّن مستوى الكتابات لغة وأسلوبا. ويلاحظ هذا التغيير في كتابات علماء الإسلام الهنود أيضا؛ فالكثير منهم لا يتبعون اليوم المتقدمين من العلماء، والفقهاء، والمحدثين في أعمالهم الإسلاميّة والأدبيّة، ولا تقتصرجهود معظمهم على تأليف الشروح، وشروح الشروح، والحواشي، وحواشي الحواشي كما فعله المتقدّمين. يكتب الهنود في العصر الراهن كتبا وبحوثا ومقالات في كلّ الموضوعات وينشر ما ينتجون من جميع الدول العربيّة وغير العربيّة. 

ما زالت اللّغة العربيّة لغة دخيلة في الهند على مدى عصورها الإسلاميّة منذ بداية العهد العربي في السند بقيادة محمد بن القاسم الثقفي عام 711 إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. ولم تحظ أبدا مكانة اللّغة الأم في أية بقعة من بقاع الهند عبر العصور الإسلاميّة الطوال، ما عدا بعض السواحل الغربية حيث حازت في بعض الأحيان منزلة لغة رسمية. والسبب الرئيسي لهذا الوضع المؤسف إهمال الحكام المسلمين اللّغة العربيّة، وعدم اعتنائهم بآدابها، وقلّة شغفهم بالدراسات الإسلاميّة. فشل هؤلاء الحكام فشلا ذريعا في خلق بيئة ملائمة للغة العربيّة وآدابها من الشعر والنثر. 

ومن المعلوم جيّدا أنّ الأدب في معناه الخاص لا ينتُجُ إلّا في بيئة ملائمة له. ومن الشروط اللازمة لتطوّر الأدب الفنّي وإزدهاره تواجد دور النشر والطباعة، ووجود القراء في عدد ملحوظ، وتوافر المؤسّسات والهيئات التي تعتني به وتنفق من أجله مالا، ونيل التأييد ماديّا ومعنويّا من الدولة. وهذا كلّه يفقد فيما يتعلّق باللّغة العربيّة وآدابها طوال العصور. وعلى الرغم من هذه الأوضاع السيئة للعربيّة، نشرت في الهند كتب نالت قبولا واسعا في العالم. ويستحق إخوتنا، الذين ينشرون في العصر المعاصر قصصهم ومسرحياتهم العربيّة، كل التقدير والإشادة والتشجيع من المهتمّين بالعربيّة في هذا البلد الشاسع الأطراف. وفي الأيام القادمة سينشر من الهند الأدب الفنّي، وسيتحسّن مستوى الشعر العربي.

السُّوال: في رأيكم، ما هي فرص العمل في الإعلام العربي (الجرائد والصحف وقنوات الإذاعة والتلفاز) والشركات متعدّدة الجنسيات (MNCs) أو القطاع غير الحكومي في الهند علما أن الهند برزت كقوة اقتصاديّة وسياسيّة عملاقة على المنصة العالميّة، وأن البلدان العربيّة تحرص على تمتين العلاقات مع الهند؟

أ.د. أشفاق أحمد: أرى مستقبل اللّغة العربيّة زاهرا في وطننا الهندي. فمنذ العقود الماضيّة زاد عدد المعاهد والأقسام لتدريس هذه اللّغة، كما زادت فرص العمل لمتعلميها خلال 15 عاما الماضيّة، وذلك لأسباب سياسيّة واقتصاديّة ودبلوماسيّة وماليّة. برزت الهند في العصر الراهن كواحدة من المراكز الرئيسيّة للشركات متعدّدة الجنسيّات. وبسبب توافرالسّلام والأمن، تفتح الشركات متعدّدة الجنسيّات مكاتبها في مدن هنديّة مختلفة وتقوم بأعمالها مع الشركات والمؤسّسات العربيّة. 

فيما يلي بعض القطاعات الرئيسيّة التي توفّر الوظائف:

تتوفّر الوظائف لمتعلمي اللّغة العربيّة في الوكالات الحكوميّة والمكاتب مثل مكاتب الاستخبارات الداخليّة والخارجيّة، والسفارات / القنصليّة العامة الهنديّة، والمكاتب الأخرى في جميع أنحاء العالم العربي، إلى جانب المقاعد الشاغرة للمعلمين في مختلف الجامعات الحكوميّة، والكليّات، والمدارس الدينيّة في جميع أنحاء البلاد، والشركات متعدّدة الجنسيات الوطنيّة والأجنبيّة، والبنوك الدوليّة والشركات الماليّة ومراكز الاتصال. 

ومنذ سنوات ماضيّة بدأ سوق جديد للعمل، وهو ما يسمّى بالسياحة الطبيّة. يأتي عدد لا بأس به من المرضى من مختلف أنحاء العالم العربي إلى الهند للعلاج. وللتعامل مع هؤلاء المرضى وأقاربهم، يتوظف العديد من المستشفيات الهندية خبراء كمترجمين، ومترجمين فوريين، ومساعدين. هذا قطاع مزدهر لمن تعلّم العربيّة والإنجليزية، ويحسن التكلّم بهما. 

فتح العديد من الأشخاص مكاتب لترجمة الأفلام والكتب والرسوم المتحرّكة وما إلى ذلك إلى اللّغة العربيّة أو إلى الإنجليزيّة من العربيّة. وآلاف من متعلّمي العربيّة يعملون بصفات مختلفة في أنحاء مختلفة من العالم العربي، وخاصة في الإمارات العربيّة المتحدة، والكويت، ودولة قطر، والمملكة العربيّة السعوديّة، وسلطنة عُمان، والعراق، والعديد من البلدان الأخرى. تم تعيين بعض الخبراء كسفراء الهند أيضًا. 

وإنّ وكالات ومنظّمات عالميّة مثل الأمم المتحدة والصليب الأحمر توظّفُ خبراء العربيّة الهنود. وفي الآونة الأخيرة، فتحت حكومة الهند مكتب “أتال باشانتار يوجنا” لإعداد المترجمين والمترجمين الفوريين المتخصصين. تعتزم الحكومة اختيار خبراء اللّغة من أجزاء مختلفة من البلد ثم تدريبهم فيه، وبعد ذلك سيتم إرسالهم إلى سويسرا على نفقات الحكومة الهنديّة لجعلهم المترجمين والمترجمين الفوريين من الطراز العالمي. أدرجت الحكومة، في البداية، في هذا المشروع اللغات العربيّة والصينيّة والفرنسيّة واليابانيّة والروسيّة والإسبانيّة.

وبالإضافة إلى هذه القطاعات، هناك العديد من المجالات والقطاعات الأخرى حيث ينال خبراء العربيّة وظائفهم. وبالتالي، فإن اللّغة العربيّة تخدم الوطن ويساهم متعلموها بشكل كبير في بناء الشعب. وبما أنّ اللّغة العربيّة لا يتعلمها المسلمون فقط، فهي تلعب دورًا مهماً في التقريب بين المجتمعات المختلفة وسد الفجوة بين الطوائف المختلفة، ولاسيّما بين الهندوس والمسلمين.

السُّوال: هل عندكم شيء تحبون مشاركته مع قرائنا في الهند وخارجها؟

أ.د. أشفاق أحمد: يجب على الشعوب العربيّة أن تلعب دورا فعّالا في نشر اللّغة العربيّة في الهند، وتزيد فرص العمل لمتعلّميها في الهند والعالم العربي. تدلّ الشواهد على أنّ العرب هم الأمّة الوحيدة التي لا تبالي بلغتهم في هذا البلد العظيم. إنّ الدول كألمانيا، وفرنسا، وإسبانيا، وإسرائيل، والصين، وكوريا الجنوبية، واليابان، وحتى إيران تنفق مالا لا بأس به من أجل تنمية لغاتها، ونشر ثقافاتها في الهند. أمّا العرب فلا توجد لهم هيئآت ومنظّمات في ربوع الهند تموّل المعاهد أو المنظّمات الهنديّة لتنمية اللّغة العربيّة ونشر ثقافتهم. والموسّسات\ المنظّمات مثل جامعة الدول العربيّة فمكتبها في نيو دلهي مهجور اليوم، ولم يكن لها تأثير يستحق بالذكر في الماضي أيضا. الهند بلد حكم عليه المسلمون قرونا، وتركوا وراءهم آثارا تاريخيّة مهمّة جدا. فهل يزور العرب هذه الأماكن؟ وهل يرغبون في معرفة التاريخ الإسلامي في هذا البلد الشاسع الأطراف؟ هل لا تزداد فرص العمل لمتعلّمي اللّغة العربيّة في الهند بزياراتهم؟

السُّوال: كيف تقيًمون التعليم العالي في الجامعات الهندية؟

أ.د. أشفاق أحمد: يتمّ تدريس اللّغة العربيّة حاليا في حوالي ثلاثين جامعة ومئآت من الكلّيات في ربوع الهند. والأقسام العربيّة في هذه الجامعات والكلّيات تلعب دورا كبيرا في نشر الآداب العربيّة، ويخدم المتخرّجون فيها مجتمعهم من نواح شتى. وهؤلاء المتخرّجون عملوا\ يعملون داخل الهند وخارجها موظّفين حكوميين وغير الحكوميين، ودورهم بارز في تنمية الهند ورفع مستواها الاقتصادي.

السُّوال: ما رأيكم عن البحوث والدراسات العربيّة التي يقدمها الطلاب في الجامعات الهندية من حيث الجودة والإبداع؟

أ.د. أشفاق أحمد: تحسّن وضع اللّغة العربيّة في الهند منذ العقدين الماضيين، وسيتحسّن مستوى التعليم العربي في المستقبل لعديد من الأسباب، رغم المعاندة الشديدة من بعض الجهات للثقافة الإسلاميّة والآداب العربيّة. ازدادت التسهيلات للبحث والتحقيق، وأصبحت الوسائل للحصول على المصادر والمراجع متنوّعة وراقية سهلة. وهذه التسهيلات تمكّن الباحث من إعداد الأطروحات والبحوث القيّمة.

إنّ الشيء الذي يؤلمنا اليوم هو فقدان الإخلاص في البحث والتحقيق، وعدم رغبتهم في القراءة وتحصيل الاطلاع الواسع في الموضوع، وقلّة التركيز على موضوعاتهم. يلتحق ببعض الأقسام العربيّة الباحثون ذو مؤهّلات تكفي لإجادة بحثهم، ولكنّهم لا يخلصون في أعمالهم، ويكتبون بحوثهم في ستة شهور أو سنة. فمعظم هذه البحوث والأطروحات لا تعتني بها القارئ أو الباحث اعتناء يليق بها، ولا تضيف شيئا من المعرفة، ولا تفيد المجتمع الذي نعيشه. 

السُّوال: لكم خبرة طويلة في التدريس في مختلفة الجامعات الهندية، هل ترون أن مناهج التدريس فيها بحاجة إلى التحسين أو التغيير؟

أ.د. أشفاق أحمد: هناك ضرورة ملحّة لإدخال الإصلاحات في مناهج التعليم العربي وإجراء تغيير واسع النطاق في طرق تدريس اللّغة العربيّة في الكلّيات والجامعات الهندية. ويلزم علينا أيضا اتخاذ طرق حديثة لتدريس اللّغة العربيّة لغير الناطقين بها وفي بيئة غير عربيّة. فقد اخترع الخبراء طرقا وأساليب لتدريس اللّغة في كل زمان. اختلفت هذه الطرق والأساليب في تدريس اللغات؛ لأنّ لكلّ لغة خصائصها وأهمّيتها. لم تبق طرق التدريس وأساليبها جامدة أبدا؛ بل أدخل عليها المهرة ما يلزم من التغييرات في كلّ زمان أو اخترعوا طرقا جديدة ملائمة للعصر الذي عاشوا فيه.

راجت منذ القرون شتّى الطرق والأساليب لتدريس اللّغة العربيّة للناطقين بغيرها. وبعض هذه الطرق والأساليب والمذاهب هي كما يلي: 

  1. طريقة النحو والترجمة Grammar-Translation Method، وهي من أقدم طرق التدريس، ولاتزال شائعة في أنحاء العالم. تهتمّ هذه الطريقة بتنمية المهارة في القراءة والكتابة وتدريس قواعد اللّغة الأجنبيّة.
  2. الطريقة المباشرة Direct method، وتسمّى أيضا الطريقة الطبيعيّة. ومن النقاط الأساسيّة لهذه الطريقة هي أن يتعلّم الطالب لغة أجنبية كما يتعلّم الطفل لغته الأمّ. تهتم هذه الطريقة أساسا بتنمية المهارة في التكلّم. 
  3. الطريقة السمعيّة-الشفهيّة Audio-Lingual Method. عرفت هذه الطريقة أوّلا في الولايات المتحدة الأمريكيّة في النصف الثاني من القرن المنصرم، ثمّ راجت في سائر العالم. تؤكد هذه الطريقة على السماعة ثم التكلّم ثم القراءة، ثم الكتابة. 
  4. الطريقة الانتقائية Selective Method، وهي ظهرت ردا على الطرق الثلاث المذكورة أعلاه ولكنّها حاولت الاستفادة منها جميعا في نفس الوقت. ويعني ذلك أنّ لكل طريقة محاسنها ومعايبها؛ فيجب على المعلّم أخذ محاسن الطرق الشائعة وترك ما ورد فيها من العيوب.

على الرغم من أنّ اللّغة العربيّة وصلت إلى الهند قرونا قبل وصول الإسلام إليها، وحكم عليها المسلمون لعديد من القرون، ولكنّها لم تبرح هذه اللّغة لغة دخيلة في هذه البلاد العظمى طوال هذه العصور الطوال. وفي العصر المعاصر يتمّ تعلّم وتعليم اللّغة العربيّة في أنحاء الهند في المدارس الإسلاميّة والعصرية على نطاق واسع؛ فالملايين من الهنود تعلّموا\ يتعلّمون هذه اللّغة، وينطق بها ألوف منهم بكلّ طلاقة. ولكنّها ما زالت العربيّة ولا تزال لغة أجنبيّة في الهند، كما أشرنا إليه سابقا. 

إنّ الأغلبيّة الساحقة من المعلّمين في الهند لا تزال تتّبع طريقة النحو والترجمة لتدريس اللّغة العربيّة في المدارس والكلّيات والجامعات على كلّ المستويات. بينما العدد القليل منهم يتّبع ما يسمّى المنهج الانتقائي. وأمّا الطريقة المباشرة والطريقة السمعيّة والشفهيّة فلم يرج استخدامهما في الهند كثيرا؛ لأنّهما تحتاجان إلى تسهيلات تقنيّة عديدة وبنى تحتية ملائمة للتدريس. 

وهذه التسهيلات لا تتوافر في مدارس الهند ومعاهدها الدينيّة والعصريّة؛ لأنّ المعاهد الدينيّة تجري على خيرات المسلمين، بينما تمويل الحكومات المركزيّة والإقليميّة غير كافية لرفع مستوى تدريس اللّغة العربيّة. وبدأ منذ عقود ماضيّة استخدام طريقتي المباشرة والسمعيّة الشفهيّة أيضا في بعض المعاهد الدينيّة والحكوميّة لتواجد التسهيلات اللازمة فيها. 

تختلف طرق تدريس اللّغة العربيّة في الهند حسب مستويات الطلبة\ الطالبات في مختلف الكليات والجامعات الهنديّة. فبعض الجامعات والكلّيات تقع في المدن الصغرى أو في المناطق المتخلّفة، وبعضها الآخر يقع في المدن الكبرى المتقدّمة. ويوجد هذا الاختلاف في المستويات حتى في نفس حجرة الدرس أحيانا؛ لأنّ بعض الطلبة درسوا العربيّة للسنوات في المعاهد العربيّة الإسلاميّة وتخرّجوا منها، ويبدأ البعض منهم تعلّم العربيّة في السنة الأولى لبكالوريوس الآداب. ومن أجل هذا الاختلاف في مستويات المتعلّمين يواجه المدرّس في حجرة الدرس صعوبات متنوعة لتدريس اللّغة العربيّة.

وهنا شيء مهمّ آخر في الهند للأخذ بعين الاعتبار لتدريس اللّغة العربيّة، وهو أن الأساتذة في الكليات والجامعات يقومون بإعداد المناهج الدراسيّة وإدخال المواد فيها لتمكين المتخرّجين فيها من الحصول على الوظائف، بالإضافة إلى تدريسهم العربيّة. فمدرّسو الكليات والجامعات الهنديّة يواجهون ضغوطا شديدة لتأهيل طلبتهم للوظائف. وهذه الضغوط تضرّ تدريس العربيّة أحيانا. 

وبغضّ النظر عمّا يستخدمه المعلّمون من الطرق والأساليب لتدريس اللّغة العربيّة في البلاد الأجنبيّة في العالم، فالشيء الأهمّ هو حضور المتعلّمين في حجرات الدروس، وإخلاص المعلّمين في التدريس، ومؤهّلاتهم اللازمة لتليبة المتطلّبات المختلفة الأنواع، وأخذهم بعين الاعتبار مستقبل هذه اللّغة في بلادهم ومستقبل متعلّميها. 

أخيرا، آرى من الواجب أصالة عني ونيابة عن المجلة  أن أقدم خالص الشكر والامتنان إلى سعادتكم ولا تُسعفني الكلمات والعبارات للتعبير عن شكرًي وعرفانًي لكم يا أستاذنا الغالي لإتاحة هذه الفرصة الثمينة  لهذا الحوار القيم وتزويدنا بآرائكم السديدة ردا على الأسئلة المطروحة عن حياتكم الشخصيّة والمهنيّة الأكاديميّة، فأدعو الله تعالى أن يمنحكم دوام الصحّة والعافية وأن يطيل عمركم لكي يمكن لنا جميعا جيلا بعد جيل أن نستفيد من علمكم الغزير ومعرفتكم الواسعة، أللهم آمين، كما أتضرع إلى الله سائلا أن يتقبّل أعمالكم ومجهوداتكم ويضيفها إلي حسناتكم يوم القيامة.

مساعد التحرير للمجلة “هلال الهند”، مجلة إلكترونية فصلية دولية محكمة*

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of