+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

الخيال العلمي في رواية آلة الزمن: بين فيزياء الزمن و فيزياءالراهن
ميلاد خالدي

“هناك دائما البعد التجاوز في كتاباتك”هذا ما قاله الكاتب الإنجليزي جوزيف كونراد عن أسلوب رائد الخيال العلمي الكاتب هيربرت جورج ويلز. ويلزهوكاتب بريطاني مرموق وغزير الإنتاج، ولد في لندن سنة 1866 وتوفي فيها سنة 1946. يعتبر من رواد قصص الخيال العلمي في العالم من خلال مزجه الرائع بين الواقع والفنتازيا وخوضه الساحر للعوالم المستقبلية دون أن يتغافل عن نقده للراهن المجتمعي والسياسي في تلك الفترة. كان عضوا في الجمعية الفابية التي ضمت نخبة من الكتاب والمفكرين التي تدعو إلى مبادئ العدالة الإشتراكية. من بين اهم أعماله، الرجل الخفي، حرب العوالم، جزيرة الدكتور مورو وآلة الزمن…

عندما أراد المؤلف والمخترع الأمريكي هوجو جيرنسباكHugo Gernsbackعام 1926ان يُعرِّف الخيال العلمي قال إنه: “خيال ممزوج بالحقائق العلمية والرؤية التنبئية” يعني ان هذا النمط المثير في الكتابة يتطلب عقلا علميا منغمسا وحدسا إستشرافيا وَثَّابا وهذا ما توفر في رواية آلة الزمن. صدرت رواية آلة الزمن للكاتب الإنجليزي الشهير هيربرت جورج ويلز لأول مرة سنة 1895 بلندن. وهي تعد باكورة إنتاج الكاتب من جنس أدب الخيال العلمي. هي رواية قصيرة من الحجم المتوسط لا يتجاوز عدد صفحاتها المائة صفحة، مقسمة إلى إثني عشر فصلا. كان لرواية آلة الزمن ولازالت التأثير القوي على أدب الفنتازيا والخيال العلمي في العالم، حيث أسست لهذا النوع من أدب الفنتازيا الغرائبي العابر للزمن. من بين الكتاب الذين إستلهمواأحداث هذه الرواية هم: كريستوفر باكستر، كريستوفر بريست وجورج بال… وغيرهم. كما أن السينما العالمية لم تفوت فرصة اقتباس آلة الزمن لإخراج أنجح وأمتع الافلام على الاطلاق، لتشدَّ بذلك خيال الحالمين حرفا وصورة.حيث تبدأ أحداث القصة حين كان المسافر عبر الزمن جالسا مع ثُلَّة من الشخصيات المجتمعية المهمة يشرح لهم كيفية السفر عبر الزمن بواسطة الآلة ومبدأ العمل بها. من أجل تأكيد نظريته في السفر في مجال البعد الرابع، رحلت شخصية المسافر عبر الزمن إلى سنة 802,701  بعد الميلاد،إلى عالم بعيد وهادئ يطير به إلى حنايا المستقبل حيث يلتقي بجنسين من الكائنات العجيبة من فصيلة الأقزام حيث يعتقد أنهما ينحدران من سلالة الإنسان وهما المورلوك و الإيلوي.

     تكمن أهمية رواية آلة الزمن في بعدين رئيسين: البعد العلمي التجريبي والبعد الإجتماعي. يتمثل البعد العلمي في تأسيس لمذهب المستقبلية العلمية في الأدب Futurism القائم على الخيال التجريبي والأبحاث.إذ أمكن لهيربرت ويلز ان يسبق نظرية البارت أينشتاين في النسبية التي يتكامل فيها البعد المكاني بالزماني او الزمكانSpace-time   الى جانب تفسير حركة الاجسام بسرعات قريبة من سرعة الضوء.

” من الواضح ان أي جسم حقيقي يجب ان يكون لديه امتدادا في اتجاهات اربعة: الطول، العرض، السمك والديمومة. لكن خلال فترة عجز طبيعي للجسد البشري، والتي سأشرحها لكم خلال لحظات، فإننا نجنح الى تجاهل هذا المعطى. هناك حقيقة أربعة ابعاد، ثلاثة منها والتي نسميها الاسطح الثلاثة للفضاء والرابع يمثل بعد الزمن. لكن هناك في المقابل توجه نحو اعلان فرق غير حقيقي بين الابعاد الثلاثة السابقة والبعد الاخير، لأنه حدث وان تحرك وعينا بصفة متقطعة في اتجاه واحد على امتداد البعد الأخير من بداية حياتنا الى نهايتها.”(من ترجمتي-ص 4الفصل الأول)

فمسألة تجاهل البعد الزماني في تحديد كينونة الأشياء تعود أساسا حسب الكاتب إلى عجز طبيعي للجسد البشري للنفاذ إلى البعد الرابع و الذي أصبح ضرورة ومُكَمِّلا. فالعجز لا يبرر مسألة أن البعد الزمن غير موجود. فوعينا قادر على إدراك هذا النقص ناهيك أن أبعاد الطول والعرض  و السمك لا تختلف كثيرا و بصورة جوهرية عن البعد الزماني.

حيث يواصل و يكتب“وهكذا انطلقت في الافاق، توقفت مرارا وتكرارا، في خطوات كبيرة بألاف السنوات او أكثر، يجرني لغز مصير كوكب الأرض…” (من ترجمتي-ص 55 من الفصل الحادي عشر) فاستشراف فكرة الثقوب الدودية   Wormholes التي نظر إليها الفيزيائي العظيم سيتفان كينغ ووجدت قاعدتها الأولى في رواية ” آلة الزمن” باعتبار ان هذه الفجوات او الثقوب تجسد نوعا من الجسور في نسيج الزمكان لخلق طرقا مختصرة عبر الكون تسمح لنا بإمكانية السفر نحو المستقبل بيد أن في المقابل إستحالة العودة او السفر نحو الماضي حسب ما صرح به البروفيسور البريطاني برايان كوكسو. مايحدث للمسافر عبر الزمن هو أنه يقطع سنين ضوئية وتمر عليه هو فقط كأنها دقائق أو ساعات قليلة بينما في الواقع هي عشرات الآلاف من السنين!

من المؤكد أن الجانب العلمي الإستشرافي في  رواية آلة الزمن لم يتوقف هنا بل تجاوز الابعاد المكاني و الزمانية  ليلج طائلة بيئية أخرى نرزح تحتها منذ عقدين او اكثر.ألا وهي التغيرات المناخية وارتفاع درجة حرارة الأرض و ماتسببته منمهالك. فالكاتب هنا يتساءل عن مصير كوكب الأرض وكيف أن الحياة عليها أصبحت مهددة بالإنحساروالزوال.وكأنه يحذرنا ويتوعدنا  منذ اكثر من مائة عام. ياله من عقل راجم بالغيب !!

” ، وانا انظر الى الشمس بانبهار غير معهود وهي تزداد حجما وشحوبا في السماء باتجاه الغرب، وكيف ان نمط حياة الأرض القديمة أخذ ينحسر ويضمحلّ. وفي الأخير، أكثر من ثلاثين مليون سنة من الان، فان قبة الشمس الهائلة بحمرتها الملتهبة كانت قد جاءت لتعتيم ما يقارب عشر السماء المظلمة.” (من ترجمتي-ص 55 الفصل الحادي عشر)

إن هذل كالجانب العلمي للخيال الاستباقي التجريبي الذي تطرقت إليه الرواية من زاوية السفر عبر الزمن وترجيح إمكانيةحدوثه،و مصير كوكب البسيطة الملغز…أما الجانب الحيوي الثان الذي تناولته الرواية كما أشرنا وهو الجانب الطبقي الاجتماعي. حسب توصيف الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر لدور الأدب وأبعاده الإلتزامية فإن جزءا كبيرا من الأدب هو في مدىمهاجمته للنظام الاجتماعي القائم برمته.فالمسافر عبر الزمن في رواية آلة الزمنينتقل الى عالم أخر محملا بأحكام ورؤى وإرهاصات لمعاينة ودراسة هذه الكائنات البشرية والطوائف المجتمعية رغم اختلافها الجلي من ناحية خصائصها الإجتماعية والطبقية. فالمورلوك طائفة ساذجة بشعة المظهر ومتوحشة، تهاب النور وتعيش في جوف الأرض في غياهب الظلمات ضمن نمط حياة كله عمل وعناء ومشقة. وفي مقابل ذلك تأتي طائفة الإيلويكطائفة متحضرة ووديعة تخاف الغلس والعتمة، تسكن سطح الأرض مستمتعة بما لذ وطاب من خيرات الأرض. لكنها تبقى فريسة سهلة تتغذى عليها طائفة المورلوك.المورلوكو الإيلويهما في الحقيقة جنسان مختلفان لكنهما ينتميان الى فصيلة البشر سيظهران بعد آلافالسنين و في الحقيقة ذلك هو مآلالبشرية المظلم للعلاقة النزاعية بين الأغنياء و الفقراءالتي لا تعرف إلا اتساعا و رهابا.

    ‘ وبالتالي، كما أفقه الأمر، فان انسان العالم العلوي، كان قد انساق نحو حسنه الواهن، والعالم السفلي انساق نحو مجرد صناعة ميكانيكية. لكن ذلك الوضع المثالي كان يعوزه شيء واحد حتى بالنسبة لمجال الامتياز الميكانيكي—الديمومة المطلقة. الظاهر انه كلما تقدم الزمن، فان عملية اطعام سكان العالم السفلي، رغم انه وقع الفروغ منها، كانت قد تحولت الى عملية منفصلة وغير متسقة. (من ترجمتي-ص 52 الفصل العاشر)

فقوة الرمزية تتجلى من خلال تسليط الضوء على الميز الطبقي والبون الاجتماعي اللذان اِسْتَشْرَيا في أواخر القرن التاسع عشر. فالمورلوك يجسدون الطبقة الكادحة والفقراء الذين يعيشون على الهامش و في عتمة الوجود، حيث تجبرهم الظروف القاسية على نهج سلوك فوضوي متوحش. أما الإيلوي فيجسدون الطبقة الرأسمالية حيث أن أصحابها يرفلون في النور والسلم و الخير العميم. ومن طرائف الأمور في الرواية أن طائفة المورلوكأخذت في تدجين طائفة الإيلوي وحتى الذهاب الى اِفتراسها واِلتهامها إذا جاعوا،إنه تبادل مفزع للأدوار. إنها رؤية اِستشرافية لمستقبل الانسان المريب، ينسجها خيال الكاتب، بقدر ماهي رحلة اِستكشافية في الزمن بقدر ماهي نقد صارخ للطبقية المجتمعية التي عليها أن تتغير والا فهناك ثورة اِجتماعيّةيمكن ان تحصل في أي وقت.فإذا كان الخيالأقوى من المعرفة حسب الفيزيائي البارتأينشتاين فإن الرؤى الفعلية يضعها الكتابو ما على الساسة و الحكومات إلاّ البناء عليها و الأخذ بها تحقيقا للمنجز العلمي و الرفاه الإنساني.

* ميلاد خالدي كاتب و مترجم من تونس صدر له كتابان. كتاب بالإنجليزية ببلغاريا سنة 2019   بعنوان Lithium Visions” and Platinum Sprouts وعمل مسرحي بتونس بعنوان “شيفرة جهبزاد” سنة 2020.  وعمل اخر روائي بالإنجليزية في طريقه الى النشر في العاصمة الهندية نيوديلهي، الى جانب كتاب اخر يحمل قصائد مترجمة عن شعراء من القارات الخمس.

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of