+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

مرجعيات الخطاب الصّوفيّ عند عبد الرحمن الأخضري: منظومةالقدسية أنموذجًا
امحمد سحواج

ملخص:

يقرأالنّص الأدبي عادة من خلال مرجعيته النّصية،فنص منظومةالقدسية لعبد الرحمن الأخضري(ت983ه)تتقاطعه نصوص أخرى.

يمكننا رصد النصوص الغائبة التّي تؤطر منظومة القدسية، من خلال المرجعيات المختلفة التّي تحكم مضامينها.

وعليه حاول عبد الرحمن الأخضري في القدسية التّوحد بمضمون القرآن الكريم وتمثل معانيه،وبالاعتماد-أيضا-على الأحاديث النبوية،والنصوص الصّوفية التّراثية،وذلك من أجل تحقيق المقبولية،والتّواصلية ،والتّفاعليّة في نص القدسية.

الكلمات المفتاحية:  المرجعية؛ عبد الرحمن الأخضري؛ القدسية؛ منظومة؛ الخطاب الصّوفيّ.

  1. مقدمة:

كانت المرجعيات الأساسية التّي تأكدت في نص القدسية لعبد الرحمان الأخضري (ت: 983ه)، بكل أشكالها؛ القرآن الكريم، والحديث الشريف، وأقوال المتصّوفة القدامى

وعليه، هيكلت على النحو الآتيّ:

1- مفهوم المرجعية لغة واصطلاحًا.

2- مرجعيات الخطاب الصّوفيّ في منظومة القدسية لعبد الرحمان الأخضري؛

أ- المرجعية القرآنية،

ب- المرجعية الحديثيّة،

جـ- المرجعية الصّوفيّة.

  1. عبد الرحمن الأخضري حياته، وآثاره:

نشير إلى الملامح الكبرى لترجمة عبد الرحمن الأخضري(ت:983هـ)،والكشف عن علاقاته بالتصوّف والمتصوّفة، لما ذلك من الصّلة العميقةبالعنوان.

فهو: عبد الرحمن بن محمد الصّغير بن محمد بن عامر الأخضري[i]، المعروف بالأخضري وتعود نسبته إلى الصحابي الجليل العباس بن مرداس السّلمي[ii]،  نشأ في الدواودة من أولاد رياح[iii].ولم يستطع أحد من المترجمين له أن يحدد تاريخا مضبوطا لولادته، وقد رجّح خير الدين الزركلي إلى أن ميلاده في سنة (918هـ/1512م)[iv]. في حين ذهب عبد الرحمن الجيلالي أن تاريخ مولده (920هـ/1514م)[v]، أما عادل نويهض فقال إنه ولد عام (910هـ/1504م) [vi].

وتلقى عبد الرحمن الأخضري المبادئ الأولى في علوم العربية من نحو وأدب من والده محمد الصّغير بن محمد بن عامر.

أما الشيخان اللذان كان لهما أكبر الأثر في توجيهه نحو الاهتمام بالتصوف السنّي منها محمد الصّغير ومحمد بن علي الخرّوبي (ت:963هـ)،الذي تتلمذ على يد أحمد الزروق.

ولعلّ ما يبرهن على هذا التأثير الصّوفي السنّي ما ذكره  الأخضري  في منظومته القدسية حيث قال[vii]:

171-وَقَالَ بَعْضُ السَّادَةِ الصُّوفِيَّهْ  

مَقَالَةً صَادِقَةً جَلِّيَهْ

172-إِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً يَطِيرُ  

أَوْ فَوْقَ مَاءِ البَحْرِ قَدْ يَسِيرُ

173-وَلَمْ يَقِفْ عِنْدَ حُدُودِ الشَّرْعِ  

فَإِنَهُ مُسْتَدْرِج وَبِدْعِي

174-وَاعْلَمْ بِأَنَّ الخَارِقَ الرَّبَانِي

 

 

لَتَابِعُ السُّنَةِ وَالقُرْآنِ

175-وَالفَرْقُ بَيْنَ الِإفْكِ وَالصَّوَابِ  

يُعْرَفُ بِالسُّنَةِ وَالكِتَابِ

176-وَالشَّرْعُ مِيزَانُ الأُمُورِ كُلِّهَا

 

 

وَشَاهِدٌ لِأَصْلِهَا وَفَرْعِهَا

 وعلق السعيد الورثلاني(ت:1193هـ) على هذه الأبيات،بقوله:”لابد للمريد أن يجعل الشرع ميزاناً بين يديه؛لأنه هو ميزان الأمور كلها،وبه يعرف الأصل والفرع والصَحيح والفاسد والحق والباطل”[viii]، ويقول:”حتَى وإن ظهرت الكرامة على يد البدعي المخالف لسنَة النبيَ-صلى الله عليه وسلم-،فهي استدراج ومكر وخديعة”[ix].

 ومن هنا، استطاع عبد الرحمن الأخضري أن يمثل نقاء التصوف الذي يستلهم مادته ووظيفته ومرجعه ومقصده من الكتاب والسنة.

ويُعدّ عبد الرحمن الأخضري ممثلاً للتيار المناهض للتصوف الفلسفي، ومن العاملين على تسنين أغراضه وإبعاد البدعة عنه[x]، حيث نجده يُنكر بشدة على أهل الصّوفية المبتدعين المخالفين للسنّة، فيقول[xi]:

79-مِنْ شُرُوطِ الذِّكْرِ أَنْ لاَ يَسْقُطَ  

بَعْضُ حُرُوفِ الاسْمِ أَوْ يُفْرَطَ

80-فِي الْبَعْضِ مِنَ مَنَاسِكِ الشَّرِيعَهْ  

عَمْداً فَتِلْكَ بِدْعَةٌ شَنِيعَهْ

81-وَالرَّقْصُ وَالصُّرَاخُ وَالتَّصْفِيقُ  

عَمْداً بِذِكْرِ الله لَا يَلِيقُ

82-وَإِنَّمَا المَطْلُوبُ فِي الأَذْكَارِ  

الذِّكْرُ بِالخُشُوعِ وَالْوَقَارِ

83-وَغَيْرَ ذَا حَرَكَة نَفْسِيَّهْ  

إِلَّا مَعَ الغَلَبَةِ القَوِيهْ

84-فَوَاجِبٌ تَنْزِيهُ ذِكْرِ الله  

عَلَى اللَّبِيبٍ الذَّاكِرِ الأَوَّاهْ

85-عَنْ كُلِّ مَا تَفْعَلُهُ أَهْلُ البِدَعْ  

وَيَقْتَدِي بِفِعْلِ أَرْبَابِ الوَرَعِ

86-فَقَدْ رَأَيْنَا فِرْقَةً إِذْ ذَكَرُوا  

تَبَدَّعُوا وَرُبَمَا قَدْ كَفَرُوا

87-وَصَنَعُوا فِي الذِّكْرِ صُنْعاً مُنْكَراً  

طَبْعاً فَجَاهِدْهُمْ جِهَاداً أَكْبَراَ

88-خَلَوْا مِنْ اسْمِ الله حَرْفَ الهَاءِ  

وَأَلْحَدُوا فِي أَعْظَمِ الأَسْمَاءِ

101-وَقَالَ بَعْضُ سَادَةِالمُتَّبَعَهْ  

فِي رَجَزٍ يَهْجُوا بِهِالمُبْتَدِعَهْ

102-وَيَذْكُرُونَ الله بِالتَّغْيِيرِ  

وَيَشْطَحُونَ الشَطْحَ كَالْحَمِيرِ

103-وَيَنْبَحُونَ النَّبْحَ كَالْكِلَابِ  

مَذْهَبُهُمْ لَيْسَ عَلَى صَوَابِ

104-قُلْتُ وَشَاعَ أَمْرُ الاِشْتِبَاهِ  

فِي المُتَرَاسِلِينَ فِي اِسْمِ الله

105-فَمَنْ يَكُنْ مُشْتَهِراً بِالذِّكْرِ  

بِشَرْطِهِ عَنْ خَشْيَةٍ وَفِكْرِ

 وبهذه الأبيات يكون عبد الرحمن قد تطرق إلى التصوف المبني على قواعد الشريعة (الكتاب والسنة)،واستبعاد كل الممارسات والطقوس غير الملتزمة بالشرع؛ أي البدع والتي أنكرها في منظومة القدسية،منها:إسقاط بعض حروف الاسم الجلالة “الله”، والرقص والصراخ والتصفيق والتمزيق،والتحريق أثناء الذكر،”وهذه بدع شنيعة يكفي في شناعتها مخالفة السَنة النبويَة”[xii].

ويذكر عبد الرحمن الأخضري في الأبيات السابقة يذكر الأوصاف القبيحة والبدع الشنيعة، ومنها:

1-ذكر الله بتغيير تارة بالزيادة وتارة بالنقصان،وتارة على وجه الاستهزاء والسخرية.

2-البكاء والصَياح كنبح الكلاب.

3-الرقص والشَطح كشطحات الحمير.

 

أ- آثاره:

ذكر السعيد الورثلاني(ت:1193هـ) أن عبد الرحمن الأخضري ألف في مختلف العلوم النقلية والعقلية شعرا ونثرا، وقد زادت مؤلفاته على الثلاثين، منها:

  • منظومة في علم الفلك سماها بـ”السراج المنير في علم الفلك” عدد أبياتها خمسمائة بيت.
  • أزهر المطالب في علم الهيأة والأفلاك والكواكب.
  • منظومة في علم المنطق الصّوري مع شرحه، عنونها بـ”السلم المرنوق”.
  • منظومة في علمي الحساب والفرائض مع شرحها، سماها “الدرّة البيضاء”، عدد أبياتها خمسمائة بيت.
  • منظومة في البلاغة عنونها بـ”الجوهرة المكنون في ثلاثة فنون”(المعاني، والبيان والبديع) مع شرحها.
  • منظومة لكتاب الأجرومية في النحو سمّاها “الدرّة البهية “.
  • منظومة في علم الحساب.
  • شرح العقيدة الصغرى في التوحيد للشيخ السنوسي، وعنونها بـ”الفائدة الغراء في التوحيد”.
  • مختصر في فقه العبادات على مذهب الإمام مالك بن أنس.
  • منظومة القدسيّة في الردّ على المبتدعين عدد أبياتها ثلاثمائة وستة وأربعين بيتا.
  • اللامية في المدح النبوي، وتضم مائتين وأربعة وخمسين بيتا.
  • الرائية في المدح النبوي عدد أبياتها أربعة وستون بيتا.
  • التائية في المدح النبوي عدد أبياتها ثلاثون بيتا.
  • الرائية في مدح سيدي خالد وضمت أربعين بيتا[xiii].

وتوفي عبد الرحمن الأخضري في عام (983هـ/1575م)[xiv].

 

ب-التصوّف عند عبد الرحمن الأخضري:

فالجمع بين التخلي والتحلي هو التصوف عنده، وفي ذلك قوله[xv]:

257-إِذْ ذَاكَ فَالْتَفْزَعْ إِلَى التَّخَلِّي  

وَبَعْدَهُ فَافْزَعْ إِلَى التَّحَلِّي

258-وَلَازِمِ الذِّكْرَ بِكُلِّ حَالِ  

وَفِرَّ مِنْ طَوَارِقِ الخَيَالِ

ومن اللافت للانتباه في هذين البيتيَن،أنّ عبد الرحمن الأخضري جمع بين التخلي والتحلي ورغب فيهما سالك الطريق،بأن يلتزم التوبة والاستغفار من الذنوب والمعاصي والابتعاد عن كل رذيلة تستلذها النفس،والاتصاف بالصفات المحمودة،وملازمة الذَكر ودوام الاشتغال به ظاهراً وباطناً والهروب من طوارق الخيال[xvi].ونوضح هذه الأفكار في شكل الآتيَ:

يتبين من هذا الشكل التوضيحي أن التّحلي والتخلي حالان متلازمان في وقت واحد لسَالك الطريق، وتستمد دلالة التصوف عند عبد الرحمن الأخضري من المجاهدة* والإحسان**.

-المجاهدة: قوله:

19-              وَطُهِّرَ القَلْبُ مِنَ الأَدْغَالِ  

إِذْ حَلَّ فِي دَرَجَةِ الكَمَالِ

20-              لَكِنَّ أَنْوَاعَ المُجَاهَدَاتِ  

بِحَسَبِ المَقَامِ لِلسًّادَاتِ

21-              تُقَاءٌ وَ اسْتِقَامَةٌ وَكَشفُ  

وَذَاكَ مَا بِهِ القُلُوبُ تَصْفُو

ويقتفي بهذا الطرح الصّوفي للمجاهدة أثر ابن خلدون(ت:808هـ) لما أطلق اسم التصوّف على المجاهدات الثلاث، حيث عرّف كل واحدة على حدة؛ فمجاهدة التّقوى هي: رعاية الأدب مع الله في الظاهر والباطن، أما مجاهدة الاستقامة، فهي: تقويم النفس وتهذيبها بآداب الأخلاق ومجاهدة الكشف هي: رفع الحجاب ومشاهدة أنوار الربوبية في الحياة الدنيا[xvii].

– الإحسان: يعتبر عبد الرحمن الأخضري التصوف مقام الإحسان الذي به يكون تمام الدين؛ فهذا يعني أنّ كل الممارسات البدعية لا تعدّ تصوف أصلا، وفي ذلك يقول:

263-          وَذِكْرُ أَهْلُ الفَضْلِ وَالبَصَائِرْ  

يُوَازِنُ الثَلَاثَةُ الدَّوَائِرْ

264-          دَائِرَةُ الِإسْلاَمِ وَالإِيمَانِ  

فَوْقَهُمَا دَائِرَةُ الِإحْسَانِ

فنجد عبد الرحمن الأخضري يربط التصوف ببعده الأخلاقي؛ أي مجاهدة النفس من أجل تحصيل مكارم الأخلاق.

وهو يحيل لهذا المعنى الأخلاقي للتصوف على إحالتين له هما:

  • الإحالة القرآنية: يأخذ معنى «التزكية “.
  • الإحالة السنيّة: ويدل على معنى “الإحسان”.
  1. مرجعيّات الخطاب الصّوفي عند عبد الرحمن الأخضريّ في منظومته القدسيّة:

المرجعية لغة هي لفظة مشتقة من مادة “رجع”[xviii]، ويضبط صاحب لسان العرب البنية بأكثر من ضبط واحد،فيقول: “رَجَعَ يَرْجِع رجعًا ورُجُوعًا ورُجْعَى ورُجْعانًا ومرْجِعًا ومَرْجِعهُ:انصرافِ”[xix]،ومن هنا، فالمرجعية في اللغة هي العودة والرد.

 أما اصطلاحاً فيعرفها عبد الملك مرتاض على أنها “الخلفية الثقافية التي يستمد منها كل سارد”[xx].

 وأما سعيد بن ناصر الغامدي فيعرفها على “أنّها المصادر والمستندات والأدلة التي يُعتمد عليها لتكوين أي نوع من أنواع المعرفة”[xxi].

ومن هذين التعريفين الاصطلاحيين نخلص إلى أن المرجعية هي مجموعة الركائز وأصول التي يستَند عليها في تأطير أي خطاب من أجل إضفاء عليه صفة القبول لمجابهة من يناقض شرعيته.

 

أ-المرجعية القرآنيةّ:

يعدّ القرآن الكريم منهجًا للمسلمين في المجال النّظري والتّطبيقي، وهو كتاب عقائد لأهل الكلام،ومجال للتأمل والتفكير لأهل الفلسفة والحكمة،وهو كتاب عبادة وتلاوة ودعاء وذكر للزّهاد والمتصوّفة.

يمكن القول إنّ تصوّف عبد الرحمن الأخضري لم يكن أقل من غيره في بناء جهازه الاصطلاحي-في منظومة القدسية-من ألفاظ القرآن الكريم.

 فأخذ منه عددا من المصطلحات منها: الذّكر، والسرّ، والقلب والتّجلي والصّدق، والإخلاص والنّور، والحق، والباطن، والظاهر، والصّبر، والشّكر، والزّهد ومخافة النّفس، والمجاهدة والحال*.

فحضور القرآن الكريم بمادته في خطاب منظومة”القدسيّة” جليً لا لبس فيه ولا تعتيم إذ وظف جملة من آياته في القد