+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

الأمير الكبير السَّيد علي الهمداني حياته وإسهاماته العملية والفكرية
بلال أحمد بيغ

ملخص البحث:

 قد أنجبت تاريخ الأمة الإسلامية أبطالا من الرجال الذين افتخرت ولا تزال تفتخر بهم الأمة وتباهي بهم الملة، الذين سجّلوا أبواب التاريخ بالدم والدموع المتدفقة من عيونهم المترقبة إلى المرمى والمنال، وفتحوا الأبواب المتنوعة الأفكار والمتفننة العلوم، التى لم تغيّر الأحوال والظروف الظاهرة فقط، بل تغلغلت البواطن و تسرّبت إلى أعماق الجوانح الثائرة وغيّرت الكيفيات القلبية التى دفعت أصحابها إلى عالم جديد؛ العالم الفكري والثقافي، العالم الذى تقدمت فيه الفنون وتطورت الحضارات والثقافات، والتاريخ لا ينسى أحدا منهم، وهم يستحقون التقدير والاحترام، ومنهم الأمير الكبير السيد علي الهمداني رحمه الله؛ أحد من العلماء الذين غرسوا شجرة الإسلام في ولاية كشمير وقضوا أعمارهم في خدمة العلم والدين، وخلفوا آثارا في مجال العلم والفكر التي يستفاد منها حتى الآن. فهو الذى يعود إليه الفضل فى تطوير اللغة العربية ونشر الدعوة الإسلامية فى هذه الولاية، وله مؤلفات كثيرة باللغة العربية التى تنم عن خدماته العلمية والفكرية. أحاول فى مقالى هذا أن أسلط الضوء على حياته، وخدماته العلمية والفكرية بقدر الاستطاعة.

الكلمات المفتاحية: الهمداني، الكشمير، المؤلفات الأدبية.

المبحث الأول: حياة الأمير الكبير السيد علي الهمداني:

اسمه:علي [1]

لقبه:  الأمير الكبير [2] والشاه الهمدان [3] وعلى الثاني[4]

نسبه: علي بن شهاب الدين بن محمد بن علي بن يوسف بن محمد بن عبدالله بن محمد بن علي بن حسين بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد الزكي السخي[5]

ولادته: ولد علي بن شهاب الدين المهداني ﺒهمذان؛ فهي بلدة من بلاد إيران، وذلك سنة رجب 12 المرجب714ھ [6] ، وأسرته كانت مترفهة على حظ من المال والحسب وتعد من الأغنياء وأهل الثروة، وأصحاب العز والجاه، لأننا نرى أن والده على صلة برؤساء عصره فهو كان واليا على الهمدان[7] هكذا تفرغ صاحبنا المبحوث عنه للعلم والتعليم، والجدير بالملاحظة أن جو أسرته كان دينيا، وعلميا وأدبيا، والدليل على ذلك أن عمه كان عالما فاضلا متبحرا فى شتى أنواع العلوم والفنون، وبارعا فى الفقه والتصوف [8]

تعليمه: ولد صاحبنا بهمذان ونشأ، تربى وترعرع بها، فمن الطبيعي أن تلقى العلوم فى بداية دراساته فيها، فهكذا تتلمذ على عمه علاء الدين السمناني.[9] كان المترجم له قوي الذاكرة  وسريع الحفظ [10]،  فحفظ القرآن الكريم أولا، ثم تخرج فى العلوم والفنون المتداولة من التفسير والحديث والفقه على عمه المذكور [11] وبعد ذلك بايع على يد الشيخ شرف الدين محمود بن عبدالله المرزقاني، ثم على يد تقي الدين الدسى عامين [12] فبعد وفاته توجه إلى الأستاذ شرف الدين حتى بلغ إلى علو مكانه الذى لم يبلغ أحد إلا من كان من المقربين الذين لا ينتحلون غير التقى خطة، فلما ارتوى وتضلع من العلوم المتداولة على الأستاذ المذكور شحذ غرار العزيمة للرحمة عن وطنه ومألفه إلى البلاد المختلفة [13]

أسفاره: إن العلم لم ينل بسهولة بل إنما يكتسب بعد التعب والمشقة وحمل النفس على المكاره وصبرها على الشدائد، ومن أنواع الشدائد تحمل الرحلات الطويلة الشاقة التى كان العلماء وما زالوا يتحملون فى سبيل طلب العلم. وصاحبنا الهمدانى أيضا رحل إلى كثير من البلاد مثل بغداد وبلخ وبدخشان[14] والشام والروم وسريلانكا والحجاز المقدس، وحج  وزار الحرمين الشريفين مرارا ، ولكن من أهم رحلاته رحلته إلى كشمير[15] التى سطرت بالذهب فى سجل تاريخ كشمير الخالدة وفى تاريخ العالم ، وظهرت الثقافة الإسلامية الجديدة فى البلد المذكور بسبب قدومه هنا وتبليغه وإصلاحه فيها وتأثير أفكاره العالية المنورة.

  قدومه إلى كشمير:قدم السيد المذكور كشمير فى عهد السلطان شمس الدين (721-743 ھ) [16] عام 741ھ لأول مرة،[17] لا ندرى ما هو العامل الذى دعاه إلى إقامته هنا، قيل هي البيئة الصافية والنقية وحسن كشمير وجمالها ورخاءها فوجد صاحبنا المناخ الملائم هنا لنشر الدعوة الإسلامية والتبليغ والإرشاد مقارنا بالجو المخيم بالظلام والتشاؤم والتخلف والتزمت فى إيران بعد ما شن أمير تيمور الإغارة على خراسان[18] وإيران وأقام بكشمير أربعة أشهر وقضى هذه المدة القليلة فى الدعوة والتبليغ، والدراسة والتعليم، ثم قصد الحرمين الشريفين فحج وزار.

 ثم جاء فى فى عصر السلطان قطب الدين (773-781ھ) عام 773ھ ونزل ﺒمنزل السيد حسين السمناني[19] بحي علاء الدين بورة بمرافقة سبعمائة زميل له من العلماء والمبلغين والعارفين والمفسرين والمحدثين، الذين استوطنوا كشمير وأخذوا التبليغ والإرشاد، ففى هذه المرة مكث السيد المترجم له هنا حولين كاملين مبلغا وداعيا إلى الله، حتى رجع إلى تركستان من ناحية لداخ.

 ولمرة ثالثة وأخيرة اتجه صاحبنا نحو كشمير عام 785ھ، فى عصر السلطان سكندر (781-807ھ) و أقام بها مدة عام[20]  مشتغلا بالدرس والتدريس، والتصنيف والتأليف، حتى شد الرحال إلى الحجاز المقدس مع أصحابه وزملائه للتشرف بزيارة البيت العتيق، ولكن فى أثناء سفره لما بلغ إلى “كنار” من أعمال كافرستان، دعاه الداعي إلى الأجل الذى أجل الله له فى نفس المكان، ولقى برفيقه الأعلى عام 786ھ [21]

المبحث الثاني:

(أ)إسهاماته العلمية والفكرية: صاحبنا الهمداني[22] قضى عمره فى خدمة القرآن والحديث، فهو يعتبر رائد علماء اللغة العربية وأدباءها وقائدهم فى هذا المجال،[23] حيث كان إماما ومفسرا ومحدثا وفقيها ولغويا وأجمع أصحاب العلم قاطبة لعلوم الإسلام [24] وأوسعهم معرفة مع توسعه فى علم اللسان ووفور حظه من الشعر والبلاغة والخطابة والمعرفة بالسير والأخبار. كان صاحبنا على قدم راسخ من الصلاح والعفة والتحري والورع، وكان حريصا على إتباع السنة [25] مجانبا للبدع والشبهات. وفكرته كانت تدور حول الآية القرآنية: “قَدْ أفْلَحَ مَنْ ذَكَّهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسّاهَا ]الشمس:[9,10 ، يعنى فكرته “تزكية النفس أساس الفوز والفلاح. فنظرا لفكرته الأساسية أسس السيد علي الهمداني “خانقاه معلى” لتزكية نفوس المسلمين وتربية المعتقدين وتعليم المتعلمين، لأنه كان عارفا بالله ويعرف من زّكى نفسه بطاعة الله وطهّرها من دنس المعاصي والآثام فقد فاز ونال مرماه، ومن لم يعتبر المعهد العلمي والأدبي ورتّب فيه المكتبة العظيمة زينها من الكتب القيمة التى كان يجلبها من البلاد العربية المجاورة، وعلاوة على ذلك توجد فى هذا العهد المعاهد العلمية الأخرى، أشهرها: “خانقاه بلبل شاه” فهي المدرسة التي أسسها السيد عبدالرحمان المعروف ﺒبلبل شاه فهو الشخص الذي أدخل شعاع الإسلام في هذه المنطقة حتى أسلم على يده سلطان الوقت “رنجن شاه” فاختار اسما إسلاميا صدر الدين، ولكن كانت هذه المدرسة تعتبر الخطوة الأولى للدعوة والتبليغ التى ازدهرت بعد ما قدم صاحبنا الهمدانى كشمير بملازمة أصحابه من العلماء والفضلاء وصارت هذه المدرسة المعهد العلمي العظيم، ففي عصر السلطان شهاب الدين (1335-1342م) أسست “مدرسة القرآن” التي تعد من أهم المعاهد للغة العربية والعلوم الإسلامية فى وقتئذ، حيث تدرس فيها جميع العلوم والفنون المتداولة، واللغة العربية، وتخرج فيها غير قليل من العلماء والمشاهير، أحدهم ابو المشايخ الشيخ عثمان المعروف ﺒ “إمام القراء”. وبالإضافة إلى ذلك أسست الجامعات الأخرى منها: “خانقاه أعلاء” و “خانقاه والا” و”خانقاه كبروية” بينما تعتبر “خانقاه معلى” جامعة العلوم الإسلامية العالمية واللغة العربية. أسهمت هذه المدارس والمعاهد بنصيب وافر فى تربية الطلاب الذين لما تخرجوا من تلك المعاهد وهم كانوا متجملين بالتقوى والورع بالإضافة إلى كونهم متضلعين بالعلوم والفنون المختلفة.

فهكذا أغرس هذا البطل الجليل شجرة العلوم العربية وآدابها في هذه المنطقة الجبلية التى تعتبر من أقصى البلاد، حيث جاءت معه جماعة من العلماء والمفسرين والمحدثين، الذين ساهموا بنصيب وافر فى إرتقاء اللغة العربية فى هذا البلد، الذين قد توارثوا هذا العلم ورثوه لأخلاقهم جيلا بعد جيل، منهم: نور الدين جعفر البدخشى (740-798ھ) [26] وخواجه محمد إسحاق الختلانى، والشيخ قوام الدين، وأمير السيد حسين السمناني ، والسيد جلال الدين عطائى، والسيد كمال وغير ذلك، فبذل صاحبنا كل الجهود لترويج العلوم الإسلامية وإنهاض اللغة العربية [27] ففي هذا الصدر ما اكتفى السيد الموصوف على الدرس والتدريس فقط بل هو أول من اعتنى بالتصنيف والتأليف عناية خاصة فأسست دور التراجم وترجمت العديد من الكتب العربية إلى الفارسية وعلى العكس، وبدأت حركة التأليف باللغة العربية فى الولاية المذكورة، وأخذت شجرة الأدب العربي أن تنشأ فى ظل صاحبنا المبحوث عنه وهذبت وتنوعت وتفرعت وفقا لمقتضيات أهالي كشمير،[28] حتى أصبحت ولاية كشمير مصدر العلم ومنهل الأدب، وأخذ الناس يتوجهون إليها من أنحاء العالم، والطلاب يتهافتون على هذه المنابيع من أقطار العالم.

(ب) مؤلفاته باللغة العربية: كما سبقنا بالذكر بأن صاحبنا مازال فى الأسفار والتنقل، ولكن على الرغم من حياته الحافلة بالرحالات والسياحة والتجول لم يشتغل عن التصنيف والتأليف[29] فخلف آثارا عديدة باللغتين العربية والفارسية فضلا عن كلامه المنظوم باللغة الفارسية، قد يبلغ عدد آثاره إلى المائة واثنين[30] حيث أشار إليه الدكتور رياض أحمد خان، وأيضا يوجد قول صاحب “تحائف البرار” (المجلد الأول) فى هذا الصدر: “تعداد كتب و رسائل سيدرا به صد وهفتاه رسانده” ، وقال صاحب ”حدائق الحنفية” أن عدد مؤلفاته بلغ إلى المائة والسبعين، وبالإضافة إلى ذلك تناولته السيدة الدكتورة أشرف ظفر مثنية عليه باستقامته ورأيه السديد، وسعة الأفق والأسلوب المتميز والإطلاع الواسع والخبرة الدقيقة،[31] وهكذا عده الدكتور آغا حسين الهمدانى من أهم الكتاب والمؤلفين ومن مؤسسي الثقافة العربية والإسلامية في إقليم كشمير. ومن مؤلفاته كما يلي:

1- شرح الأسماء الحسنى: هذه الرسالة الموجزة فى شرح أسماء الله سبحانه وتعالى الحسنى، تشتمل على   90صفحة ، ونسخة من نسخها الخطية موجودة فى مكتبة ملي مجلس ﺒ طهران – إيران- برقم 2871، ونسخة منها فى تاجكستان رقم 1852، وهكذا توجد نسخة منها فى طاشقند دون الترقيم . قد قال المؤلف فى بداية الرسالة:

“قال الله تعالى … ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها[32] وصح عن المخبر الصادق – صلوات الله عليه – إن الله تعالى له تسعة وتسعون اسما، مائة إلا واحد على وجه التأكيد..[33]

ثم قال : والحمد لله الذى نور سماء الوجود بمصابيح الأسماء الحسنى ، وفتح أبواب خزائن الوجود بمفاتيح الصفات الحسنى وخشع بهيبة جلالة الأرواح الطاهرة فى السماوات العلى وهام بيداء عقول المهيبة فى ملإ الأعلى، وكشف على بصائر أهل العرفان أكنة حجب الريب والعمى حتى عرفوا بتصريفه وشاهدوه فى ملابس مرأت الصدور المعنى، وأحتجب حجاب عزه عن درك أبصار المحجوبين، فعموا عن مشاهدة تجليات جماله الأجلى وحرموا عن لذة أسماع خطابه الأشهى والصلوات على من أرسله بالبشارة العظمى”.

ثم بين أهمية الأسماء الحسنى ، وشرحها شرحا كاملا، مستشهدا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، بالإضافة إلى شرح لفظ “الله” –جل جلاله-.

هذه العبارة تنم أسلوب صاحبنا الهمدانى ومكانته العالية فى مجال العلم والأدب والعرفان، فهو يستخدم الأسلوب البلاغي المبهر من التشبهات والاستعارات والكنايات والمحسنات البديعة والاخرى، لأنّ هذا الأسلوب يكون أكثر تأثيرا وبيانا ووقعا في القلوب حتى يغلغل البواطن، وتتغير الكيفيات القلبية ويتجمل العالم الباطنى، مثلا نحن نرى فى قوله “والحمد لله الذى نور سماء الوجود بمصابيح الأسماء الحسنى” أسلوب الاستعارة ، يشبه المؤلف الإنسان بالسماء الذى يزين بذكر الله سبحانه وتعالى كما يتلألأ السماء بمصابيح النجوم، وهكذا شبه صدور المؤمنين بمراكز الخزائن التي تفتح بملازمة الأذكار والأوراد، هنا ”المفاتيح”هي أذكار للأسماء الصفاتية.

 وختمت الرسالة بالدعاء المذكور فى القرآن الكريم، فمن قوله تعالى : “ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب”.

2- منازل السالكين: فى بيان أحوال الأصفياء والأتقياء ، ومقامات العارفين ومسالك السالكين، الذين يقضون أعمارهم فى صفاء القلوب ويريدون التقريب إلى الله ، ويظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون.

أما المخطوطات لهذه الرسالة فهي محفوظة في المتحف البريطاني ج/2، وفي طاشقند برقم 2388ج/3، وهكذا في المكتبات: رضا وآصفية وخدابخش وجدت نسخها دون الترقيم. وتصويرها فى المكتبة المركزية بطهران برقم 24/1666 [34]

ترتيب الرسالة كما يلي:

 الباب الأول: في البدايات وهي : اليقظة والتوبة والإنابة والمحاسبة والتفكير والتذكر والقرار والسماع والرياضة والاعتصام.

الباب الثاني: هو في المقامات، وهي: الحزن والخوف والإشفاق والخشوع والإحسان والزهد والورع والتمثيل والرجاء والرياضة والرتبة.

الباب الثالث: قد جاء هذا الباب في اللمحات، وهي: الرعاية والمراقبة والحرقة والإخلاص والتهذيب والإستقامة والتوكل والتفويض والثقة والتسليم.

الباب الرابع: في بيان الأخلاق ، وهي: الصبر والشكر والحياء والصدق والإيثار واللين والإنبساط والتواضع والفترة.

الباب الخامس: في الأصول ، وهى : القصد والعزم والألوف واليقين والأنس والذكر والفقر والغناء.

الباب السادس: هو فى بيان الأدوية، وهى : الإحسان والعلم والحكمة والبصيرة والفراسة والتعظيم والإلهام والسكينة والحماية والهمة.

الباب السابع: فى الأصؤل ، وهى : المحنة والشوق والوجد والدهش والرق والذوق.

الباب الثامن: فى الولايات، فهى : اللحظة والرقة والصفاء والسرور والنفس والعزلة والفرق والغيب والتمكين.

الباب التاسع: فى بيان الحقائق، وهى : المكاشفة والمشاهدة والمعاينة والحيوة والقلب والبسط والسكر والصحوا والإتصال والإنفعال.

الباب العاشر: فى النهايات، فهى: المعرفة والفناء والبقاء والتحقيق والتلبيس والوجود والتجريد والتفريد والجمع والتوحيد. وفى النهاية يقول المؤلف:

 “وهذا مختصر فى الكشف عن الأقسام العشرة المشتمل كل قسم منها على المنازل العشرة التى لها السائرون إلى الله”.

كما لاحظنا فى المحتويات بأن الرسالة تتحدث عن مدارج السالكين و أحوال الصوفياء بأجمل الأسلوب وأحسنه، حيث تتضمن وجوها من الأدوات البلاغة التى تكشف المغلقات من الأسرار والخفايا فبطريق السلوك والمجاهدة.مثلا: “الطباق” فى الفنا والبقاء والتحقيق والتلبيس والوجود والتجريد والجمع والتوحيد وغيرة ذلك.الطباق يجمع بين الشئ وضده لأن الأشياء قد تعرف بأضدادها أكثر وضوحا وأقوى تأثيرا. وهكذا: “الجناس” في المكاشفة والمشاهدة والمعاينة، لأنّ الجناس يفيد التوافق إما بين اللفظ أو المعنى، هنا الرمز إلى إصباغ الصوفياء بصبغة الله، وهكذا كثرة إستخدام المصادر ترمز إلى كون المبدأ والمعاد إلى الله سبحانه وتعالى لأنّ مصدر هو مكان الصدور والظهور. وعلى الرغم من كونها فى أحوال الأصفياء والعارفين وفي التصوف وأسراره ورموزه، هي نموذجة أدبية ﻠطالب الأدب العربي ، حيث فيها النظم والربط واللطافة والسياجة والحلاوة والفصاحة والبلاغة والموسيقى والطلاوة والترتيب وغير ذلك.

 3- فى علماء الدين:[35] توجد نسخة منها فى ملي ملك برقم 4250 ۔هذه الرسالة المختصرة فى 7 صفحة، تتحدث عن فضائل العلماء الذين يثمرون عن ساقيهم الجد لإعلاء كلمة الحق ويبيتون لربهم سجدا وبكيا، ولا يخرون على آيات الله صما وعميانا، وفى مذمة علماء سوء الذين يعثون فى الأرض مفسدين. قد وصف المؤلف علماء الدين قائلا: “إن العلماء الذين يعتصمون بكتاب الله والمجاهدون فى إتباع رسوله، والمقتدون بأصحابه”. وقسم علماء الدين إلى ثلاثة أقسام، منها:

القسم الأول: فى العلماء الذين يعتمدون على الأحاديث النبوية فقط، مهما تكن من الصحيح والحسن والمرسل والمنقطع والموقوف والمعضل والغريب والشاذ والضعيف وغير ذلك.

 القسم الثاني: فى العلماء الذين يتفقهون فى الدين و يستخرجون و يستنبطون الأحكام من القرآن والأحاديث النبوية، فيقارعون الحجة بالحجة فى الإستخراج، ويقلدون من سبقهم من العلماء والفقهاء المثقفين فى بعض المسائل الفقهية و يعرضون عن بعض.

 والقسم الثالث: يتحدث عن العلماء المتصوفين والعارفين الذين يتبعون القرآن والسنة النبوية إتباعا كاملا، يحبون الله ورسوله كل الحب، و يحسنون فى عبادتهم كأنهم يرون الله برأي العين.

  نحن نرى بأن المؤلف لم يعتن فقط بصفاء القلوب وجلائها بل يتوجه إلى دور العلماء في إصلاح المجتمع وهو يعالج الموضوع بكل الغاية والدقة نظرا لحساسيته، مستخدما أسلوب غير مباشر اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. المؤلف يترك أسلوب الخطاب الذى يفيد النقد أو الزجر والتوبيح نظرا لمكانة العلماء فى ديننا الإسلام، فى الحقيقة أسلوب غير مباشر يرمز إلى عدم اطمئنان القائل أو الكاتب أو الخطيب على القضية المتعلقة، فهو يكون أكثر وقعا فى قلب السامع والقارئ ، فلذلك نحن نستنتج كم كان صاحبنا حريصا لإصلاح المسلمين عامة وخاصة، فلذلك توجه إلى الأصل قبل رجوعه إلى الفرع، يعنى العلماء هم أصل المجتمعات، إذا صلح الأصل صلحت الفروع كلها.

 -4 فى فضل الفقر و بيان حالات الفقراء: هذه الرسالة الموجزة فى ست عشرة صفحة، بدايتها:

 “الحمد لله الملك الحميد ذي العرش المجيد فعال لما يريد [36]الذي أخرج الخلق من مضيق العدم إلى فضاء الوجود وجعل منها الأشقياء والسعداء”.

   تتحدث هذه الرسالة عن فضيلة الفقر وبيان حالات الفقراء، واعتمد المؤلف فى هذا الصدد على سرد الآيات القرآنية فى فضيلة الفقر[37] وهكذا أورد بعضالأحاديث النبوية فى تفضل الفقر وفضيلة الفقراء، فمن قول الرسول صلى الله عليه وسلم -: “فضل الفقراء على الأغنياء كفضلي على جميع خلق الله”. و “سراج الأغنياء فى الدنيا والآخرة هم الفقراء لو لا الفقراء لهلك الأغنياء”. و “دولة الأغنياء فى الدنيا لا بقاء لها، ودولة الفقراء فى الآخرة لا نهاية لها”[38. وفي آخر الرسالة بين قليلا من خصائص العارفين والأصفياء، نقلا عن السيد محمد الأذدكانى، (أستاذه فى الطريقة والتصوف) فهي: التوبة والمجاهدة والعزلة والزهد والصمت والحزن والخوف والرجاء والتواضع والتوكل والشكر والإخلاص والورع والتوحيد والشوق والحياء وغير ذلك.[39]

5- صفة الفقراء: فنسخها الخطية محفوظة في المكتبات الآتية  ملي الملك برقم 4250/6 وفي طاشقند ، رقم ٢٣٧٧، وهكذا بعنوان “فقرية” توجد نسخة منها فى طاشقند برقم 2315 (المجلد الثالث) ، فهى خطبة من خطباته الهامة التى ألقاها فى أحوال الأصفياء والعارفين وفى أهمية الفقر وفى فضيلة الإستغناء. قد نسخت الرسالة بالضبط بعد الموازنة والمقابلة بالنسخ الأخرى الموثقة، و أولها:

  “الحمد لله والصلاة على عباده … والسلام على إخوان الصفا، أما بعد إن الله تعالى قد خصص طائفة من عباده بالإقبال عليه والتفرد به والتجرد عما سواه وملازمة الأخلاق السنية والأحوال المرضية، فوصفهم بالفقر وذكرهم فى معرض التمدح…

وقال فى مكان آخر:

“الفقر حلية الأنبياء ولباس الأولياء وشعار الأصفياء ورداء الأتقياء ومنية الصادقين ونهجة المحبين وبهجة المشتاقين ودأب المريدين وزين المحققين وشين المنافقين …” وفي وصف الفقراء يأتى بالآية القرآنية إستشهادا، فمن قوله تعالى : “ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم و أموالهم يبتغون فضلا من الله…[40]

6- الذكرية الصغرى: توجد منها عدة نسخ فى مختلف مكتبات العالم ، ففي ملي ملك نسخة برقم 4273، وفى طاشقند (المجلد الثالث) نسخة برقم 2385، وفى المكتبة المركزية ﻠ جامعة طهران – إيران – نسخة برقم 3915، و فى تاجكستان برقم 3874.

  هذه الرسالة الوجيزة فى 12 صفحة، في فضائل الذكر، – الذكر الخفي والذكر الجلي – فى ضوء الآيات القرآنية، وأولها:

   “الحمد لله المذكور لكل لسان ، المشكور لكل نطق وبيان، المعروف بها مع الأفضال والإحسان و”علمه البيان”. [41] و قسمت الرسالة إلى ثلاثة فصول:

الفصل الأول فى فضائل الذكر والفصل الثاني فى المجاهدات و كيفية الذكر. بينما الفصل الثالث فى أقسام الذكر.

إنّ الرسالة “الذكرية الصغرى” كمثل الرسالة “الذكرية الكبرى” باللغة الفارسية، كأن الرسالة الصغرى ملخص للرسالة الكبرى إلا أنها بالعربية وأضيفت إليها بعض الأبيات العربية فى وصف الصوفيا ، فنكتفى بنقل بيتين منها:

رجال أطاعوا الله فى السر والجهر     وما باشروا اللذات ضامن الدهر

أناس عليهم رحمة الله    أنزلت        فظنوا سكنونا فى اللوف فى الفقر

7- الإنسان الكامل: سميت هذه الرسالة بالروح الأعظم بالإضافة إلى “الإنسان الكامل” نظرا لأهمية البشر وفضيلة الإنسان، وللتفريق ما بين الإنسان والحيوان ، قد يبلغ الإنسان إلى ذروة الإنسانية حينما يغلب عليه الروح وتذل الشهوات الحيوانية. إن هذه الرسالة المختصرة فى أربع صفحات، تتحدث عن أوصاف “الإنسان الكامل” أي الأوصاف التى إذا يتصف بها الإنسان يقال “الإنسان الكامل”، و هى إتباع سنة الرسول – صلى الله عليه وسلم – وسنة الخلفاء الراشدين المهديين. قد توجد نسخة منها فى مكتبة ليدن ﺒ بريل ، وتصويرها يوجد فى المكتبة المركزية لجامعة طهران – إيران – برقم 272۔

8- أسرار النقطة : هذه الرسالة موجودة فى المكتبة الهندية ﺒ لندن برقم 1351 ، و فى المتحف البريطاني رقم 406 ، والقاهرة برقم 528 ، و لوت ترقيم 693/2 بعنوان “الرسالة الحسية المشيرة إلى أسرار الهوية الغيبية” . وهكذا توجد نسخة منها فى بومبائى – الهند، و ترجمتها بالفارسية توجد فى ملي ملك – باريس- برقم 4240، 4874، و في مجلس ملي بطهران بعنوان “أسرار التوحيد”، و في المكتبة الخديوية بالقاهرة – مصر– و في بومبائى – الهند – فهي دون الترقيم.

  وقد طبعت هذه الرسالة المترجمة باللغة الفارسية بعنوان “ أنهار جارية ” بشيراز عام 1341ھ ، بتحشية “ مبداء ومعاد” لملا صدر الدين وقيل صدر الشيرازى (979-1050ھ).

فهي في بيان التوحيد وأسرار المعرفة، و في صفات الأولياء والسالكين والعارفين فضلا عن بيان صفات الله سبحانه وتعالى، وتبدى الرسالة بالكلمات التالية:

  “الحمد لله الذى ظهر بما شاء بمشية الأزلية، واستتر ممن شاء عزته الرصدية وجعل خصائص النقطة بقدرته آية دلت على حقائق أحديته الغيبية واطلع طوالع حقائقها فى عالم الرقم عكسوا بشؤون تجلياته الذاتية وتنزلات آياته القدسية…”

ثم قسم المؤلف النقطة إلى ثلاثة أقسام بإعتبار مخارج الحروف منها:

درجة النقطة باعتبارها الذاتية.

درجتها فى بداية النفس الرحمانية.

درجتها فى تعيين نقطة الرحمانية.

هذه الرسالة تتحدث عن الحكمة البالغة المخفية فى طي هذه النقطة الصغيرة الحجم ولكن الكبيرة المعنى، فهي تحتوي على خزائن الأسرار والخفايا، التي تدور حول التوحيد الخالص، الإخلاص فى نية المؤمن، الذي يؤمن بالله وحده فليكن خالصا فى عبادته لله وحده، كما تكون نقطة منفردة مهما تكن تحت الحروف أو فوقها. ويليها بحث عميق ودقيق لاكتشاف إخفائها وإظهار مخازنها المغيبة[42] لا يفهمه أحد إلا من مارس شيئا من العلم أو خص أدنى لمحة من الفهم لهذه النكة، أو من له تفقه في الدين، أو من أعطاه الله حظا من المعرفة والعرفان، أوله العلاقة بالتصوف، وعلم من العلوم الإلهيات. فنظرا ﻠعبارتها الدقيقة ومعانيها العميقة ترجمها السيد أحمد عماد بالفارسية لإفادة الناس عامة.

و بالإختصار نظرا لضيق ذيل المقال لا نستطيع أن نطوّل فى الدراسة الفكرية والفنية لآثار السيد الهمدانى التى على الرغم من كون الرسائل المختصرة تحتضن خزائن العلوم والأسرار. لا أستطيع أن أستخرج الدرر المكامنة من طي هذه الحكم إلا أن أقول بعد دراسة هذه الآثار يبرز لنا بأن المؤلف كان صاحب الفكرة السامية ؛ الفكرة التى تدور حول إصلاح الباطن ، وتحت هذه الفكرة على هداية قلوب المتعلقين والمتعلمين. وهذه الرسائل تعالج القضايا التى تتعلق بالتصوف والسلوك، والمؤلف يريد صفاء القلوب وجلاء البواطن، أحيانا يتفنن أسلوبه بإستخدام الأدوات البلاغية لإجتذاب قلوب القارئين إلى هذا العالم الروحي، وحينا آخر يكتفى بإيراد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة تتعلق بفضائل الأذكار والأوراد التى تتأثر منها القلوب أكثر وأسرع من الأسلوب الإنساني. و اعتنى المؤلف أيضا بأهمية حب الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، لأنه هو جزء من الإيمان، إذا استقر هذا الحب في قلب المؤمن تتفرع أعماله ومدارجه إلى الملاء الأعلى، كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء، لأنّ “الحب” أصله ح، ب، ب، من الحبوب التى إذا تزرع فى الأرض تنبت منها الأشجار الخضراء التى تتفتح فيها الأزهار المتنوعة الألوان، تتغنى حولها الطيور وتتغرد، و تتمتع المسامع والنواظر من تلك الأغاريد. ثم توجه المؤلف من الباطن إلى الظاهر وعالج موضوع “الإنسان” يعنى هذا التجميل الباطني يجمّل الأوصاف الظاهرية، إذا يتصف الإنسان بهذه الأوصاف الجميلة يقال الإنسان الكامل، وأيضا يتحدث المؤلف عن دور العلماء فى تربية النفوس وتكميل الأوصاف الإنسانية التى تدفع الإنسان إلى التقدم والتطور والفوز والفلاح.

و هكذا نستطيع أن نستنتج من هذه الدراسة بأن التقدم الظاهرى يحتاج إلى التجميل الباطنى، ولم يُتمكن من الوصول إلى هذا التجميل إلا الاعتصام بحبل الله، ولن يستطيع الإنسان أن يعتصم بحبل لله إلا المجاهدة والرياضة، والمجاهدة فى عصرنا الحاضر هي الدعوة والإرشاد بالإضافة إلى الالتزام بالفرائض والسنن، والله أعلم بالصواب.

هوامش المقال:

 [1] رياض أحمد خان ، الدكتور، مير سيد على همدانى، أحواله و آثاره وأشعاره – بالفارية- (إسلام آباد: إدارة تحقيقات فارسى إيران و باكستان بإسلام آباد- باكستان- الطبع الثانى، 1411ھ = 1991م) ، ص3

[2] “دائرة المعارف” آريانا، كابول، المجلد الثاني، ص 95، 94

[3] أما لقبه “الشاه الهمدان” فهو بنسبته إلى همدان – بلدة من بلاد خراسان

[4] الصرفي ، يعقوب، الكشميري ، مسلك الأخيار،ص15

[5] البد خشى، نور الدين جعفر، خلاصة المناقب ، ص3

[6] دائرة المعارف الإسلامية ، ج 1 ،ص 89-90

[7] الصوفى ، غلام محي الدين، كشمير ، بالإنجليزية- ج1،ص4

[8] محب الحسن ، بروفسر، كشمير فى عهد السلاطين، – بالإنجليزية – ص78

[9] البدخشي، نور الدين جعفر، خلاصة المناقب ،ج1، ص4

[10] المرجع نفسه، ج1، ص 90

 [11]المرجع نفسه، ص 136

[12] السمناني، علاء الدولة ، شرح أحوال وأفكار، (سرحد: الجامعة الإسلامية بشاور)، ص58

[13] مولانا عبد الحي اللكهنوي ، نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر،(حيدر آباد الدكن – الهند-) ج2،ص87

[14] عبد الرحمن الجامى، نفحات الانس،ص515

[15] رياض أحمد خان، الدكتور ، مير سيد علي الهمداني،ص40

[16] البد خشى ، نور الدين جعفر، خلاصة المناقب،ص 98

 [17]رياض أحمد خان الدكتور ، مير سيد علي الهمداني،ص38

[18] أبو حامد المعروف به المسكين ، تاريخ كبير، المعروف به تحائف الأبرار ،ص12

[19] بهارستان شاهی ، ص124

[20] رياض أحمد خان، الدكتور، مير سيد علي الهمداني، ص39

[21] خواجه حسن، السيد، تاريخ حسن، (سرينغار: خانقاه معلى –كشمير المحتلة.)، ص45

[22] الندوي، أبو الحسن علي، السيد، المسلمون فى الهند، (كراتشي : مطبعة صدف) ص12

23]] كشمير فى عهد السلاطين، محب الحسن، ج2، ص34

[24] حسن شاه ، السيد ، تاريخ حسن، (الترجمة الأردية لصاحب زاده حسن شاه، بروفيسور)، ص110

[25] خزينة الأصفياء، غلام سرور المفتي اللاهوري، ج2، ص 293

[26] مناقب الجواهر، نور الدين جعفر البدخشي، ص3

[27] تاريخ كشمير، السيد علي الكشميري، ص18

[28] أبو محمد، حاجى محى الدين، المسكين، الأمرتسري، الكشميري ، تاريخ كشمير المعروف به “تحائف الأبرار” ، (أمرتسر: الهند- سنة 1322ھ) ج2، ص12

[29]  محمد أعظم خواجه، الكشميرى ، الدومرى، التاريخ الأعظمى، (لاهور- باكستان)

[30] مير سيد علي الهمداني، د-رياض أحمد خان ، ص345

[31] السيد علي الهمداني، السيدة أشرف ظفر ، ص34

[32] الأعراف: 18 ، طه: 8 ، الإسراء: 11 ، الحشر: 22-24

[33] شرح الأسماء الحسنى، السيد علي بن شهاب الدين الهمداني، خ،ملى مجلس، رقم 8

[34] مساهمة الهند فى الأدب العربي ، د-زبيد أحمد ،ص713

[35] مير سيد علي الهمداني أحواله وآثاره و أشعاره، د-رياض أحمد خان، ص190

[36] البروج: 15-26

[37] النور: 37، الكهف: 28

[38] سلمان بن الأشعث، السجستان، السنن، (بيروت: المكتبة العصرية)

[39] مير سيد علي الهمداني أحواله وآثاره و أشعاره، د- رياض أحمد خان، ص192

[40] الحشر: 8

[41] الرحمان:4

[42] مير سيد علي الهمداني أحواله وآثاره و أشعاره، د- رياض أحمد خان، ص183

*الباحث بالجامعة الإسلامية للعلوم والتكنولوجية أونتي بوره بلوامه كشمير

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of