+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

قصة قصيرة: لقاء افتراضي
محمود عاصم

بعد مرور أربعة أشهر على زواجهما فحسب، اضطر دانش إلى مغادرة البلاد لينضم إلى عمله في مستشفى في البلد الأجنبي لأن فترة إجازته لاتسمح له بأن يبقى مع حبيبته التي آلت له مذاق الحب وسعادة العيش وثمن الحياة وقيمة البرهات والثواني حيث في أواخر أيام إجازته بدأ يعد دقائق وساعات بدلا من الأيام والأسابيع لأنه ذاق حلاوة الحب وطعم الغرام وخاض تجربة فريدة غيرت وجهة نظره تجاه الحياة أول مرة منذ ولادته.

آن الأوان للمغادرة وحان الوقت أن يودع زوجته وهو كان يحاول كبت دموعه وما يموج في نفسه من موجات الحب وبحر الغرام وجبل الهوى لها دون أن يشعر بما يفيض من فيضانات المشاعر الجياشة في قلبها وخواطر الألم والفراق والوداع في خاطرها.

ركب الطائرة ووصل إلى مكتبه واستأنف عمله ولكن قلبه ظل معلقا بزميلتها وقرة عينيه التي أصبحت غاية حياته ومقصد عيشه. فمضت الأيام والشهور بسرعة مثل البرق واقترب موعد لرحلته إلى بيته مرة أخرى. فحجز التذكرة وبدأ يعد مرور كل يوم بلهفة وشوق وحنان كما يحنو إلى الماء الرجل المفتقد طريقه في الصحراء بين السراب. بقيت سبعة أيام وثماني ساعات فقط في ركوب الطائرة وفي اليوم التالي حينما فتح جواله وأراد أن يطلع على موجز الأخبار على الانترنيت، قرأ خبرا مؤلما عن ظهور وباء مستجد باسم كورونا  في مدينة ووهان بالصين والذي سرعان ما وصف بوباء عالمي من قبل الادارة الصحية العالمية إلا أن الخبر لم يقلقه كثيرا لأنه كان بنفسه طبيبا ويعرف عن عدة الأوبئة والجوائح في الأزمنة الغابرة بالمناطق المختلفة في العالم.

ثم وبعد ثلاثة أيام، فاجأه مقطع فيديو من قناة تلفزيونية حكومية لبلد يكسب قوته بإعلان الإغلاق الكامل لمدة أسبوعين. فوقع الخبر عليه مثل الصاعقة فطار عقله ولم يستطع ولو لبرهة أن يفكر في شيئ ما كأنه صار تمثالا بدون حركة وحينما استقر امره واستعاد نفسه وبدأ يتحرك دماغه  فتململ وتحير  بالتفكير في أن كل سبيل إلى وصال الحبيب الآن مغلق لأنه كان من المقرر أن يغادر ذلك البلد في غضون يومين ولكنه تم الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية لفترة أسبوعين.

وكان اليوم الأخير من يوم الدوام له ولكنه نبذ كل الهواجس وراءه واعتزم بتقديم ما في وسعه وبذل كل من جهوده للمساعدة في منع تفشي هذا العدوى الفتاك ولتصدى انتشار الجائحة المستجدة  لأنه أدرك الحقيقة بأن مهنته في زمن كورونا لم تبق مجرد مهنة ووظيفة بل أصبحت كفاحا من أجل البقاء ونضالا في معركة الحياة وخوضا في حرب ليست كالحروب العادية وكان في الخطوط الأمامية من مواجهة الوباء ويقضي أوقاته في المستشفى أكثر مما يقتضي عمله ووظيفته.

 وظل الامر هكذا حتى وفي يوم من الأيام شعر بوجع في رأسه وحمى وصعوبة في التنفس فتحرك فورا وخضع لفحص طبي فوجد في تقريره الطبي بأنه مصاب بالفيروس الفتاك. فصار ميئوسا وعاد ذهنه مرة أخرى الى ذكرياته الحلوة التي شاركها مع زوجته وقبلة حياته فتضاعف ألمه وحزنه وبدأ يفقدأمل اللقاء في هذه الحياة الفانية. ثم وبعد بضعة أيام قدم طلبه للعودة إلى وطنه والتمس من سلطات تلك البلاد أن ترتب الأمور لتسهيل عودته إلى بلاده.

 ومن حسن الحظ، أعلنت حكومة بلاده عن إطلاق مهمة خاصة لإخلاء مواطنيها ولكنه بأسعار مرتفعة كأنها تساعده والآخرين مثله من جهة، وتكسب الفلوس وتستبدل الجائحة بفرصة لاستغلالها من جهة أخرى. وعلى كل حال، رضي بالعودة ووصل بيته. حينما رأى حبه أمامه فجاشت خواطره وطغيت عواطفه فأراد يضمها بأيديه ويدفئ نفسه بحرارة قبلاتها. ولكن لم يستطع أن يحول أي من خواطره إلى عمل واقعي بسبب الحجر الصحي اللازم الذي حال دون لقاءه مع حبها فأمعن نظره في خدها وأراد أن يشفى غلته برؤيتها ولكن مع كل هذه المساعي لم تقنع نفسه وأحس بأن لقاءه ليس كاملا.

في اليوم التالي، بدأت تتدهور حالته وبسبب الإغلاق وقلة السرائر في المستشفيات لم يجد مكانا مناسبا في المستشفيات العالية واضطر أهله الى إدخاله في مركز من مراكز الحجر الصحي بقريته. هنا بقي بعيدا من نظرة زوجته وشعر بقلق مضاعف. وبمرور الأيام بدأت حالته الصحية تتدهور حتى ذات يوم في الصباح طارت روحه من جسده وبقي لقاءه حتى بعد وصوله إلى بيته لقاء افتراضيا دون لمس رغم قرب مكان.

*الباحث في مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهرلال نهرو نيودلهي

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of