+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

قصة قصيرة مترجمة: الحياة على المِرّيخ
كتبتها ناميتا غوكهالى, نقلها من الإنجليزية إلى العربية د. مخلص الرحمن

عندما رأيت أوديت نارائن لأول مرة، عرفت على الفور أنه شخص غريب لأنني أيضا غريبة، فبإمكاني أن أعرف مثل ذلك الشخص بسهولة. تنتشر فيروموناتنا وعُقَدنا وعصبوناتنا بعضها إلى البعض، وبما أن الشخصيات الغريبة الحقيقية تكون خجولة بشكل عادي ينتهي الأمر هناك، ولكني وجدت الأمر مختلفا مع أوديت إذ قضينا معظم أوقات الكوكتيل معا في حفل عيد الميلاد المزدحم لصديقي الأفضل. كان هو صديق الأخ الأصغر لصديقي، وكان في الواقع شابا يصلح أن يصبح ابني. 

لي ثلاثة أبناء منتشرون في الكليات والجامعات في جميع أنحاء العالم. إنهم نادرا ما يكتبون إليّ. يكتفون بإرسال البطاقات البريدية مثلا “أتمنى لو كنت هنا” بدون إعطاء العناوين وفي الكتابة اليدوية غير المفهومة. هناك أيضًا بطاقات عيد الميلاد ترسل دائمًا في وقت مبكر جدا أو متأخر جدا ببضعة أشهر. أشك في أن أياً منهم يعرف متى يكون عيد ميلادي، ولكن كما أنهم، على الأرجح، لا يهتمون، أنا أتسلم البطاقات بهدوء، كما أنني قبلتُ حياتي منذ أن توفي زوجي قبل أكثر من عقد. 

لذلك كنت أعرف كيفية التعامل مع أوديت، استمعت بصبر إلى ما أخبرني عن الحياة على المريخ. قال في صوته اللطيف والناعم: “إنه يعيد حياتنا الخاصة إلى منظور عندما ندرك أننا لسنا شكل الحياة الوحيد في الكون”. 

أنا لا أهتم بالحياة على المريخ هذه الأيام، بل أبذل كل طاقاتي للعيش يوميا، لي وظيفة واشتغل حرة لعدة جرائد، ولي خادمة غير متفرغة لا تأتي في الوقت المحدد أبدا، وإمدادات المياه في منطقتي من المدينة قد تكون غير منتظمة. هناك قليل من البهجة والسرور في حياتي، ودلهي مدينة مجهدة للعيش فيها، دوما يكون الجو فيها حارا جدا أو باردا شديدا، ولا تسأل عن المواعيد النهائية والمؤتمرات الصحفية والاحتفالات المزدحمة التي أغادرها دائمًا قبل الموعد، أنت على حق لو تقول إنني متوحدة جدا. حتى رؤية اسمي مطبوعا لم تعد تعطيني أي دافع – مادو سينها مكتوب بخط عريض في أسفل الصفحة. لكن تجميل الوجه يجعل الأمور تبدو أفضل، وكذلك تناول عَشاء جيد، في بعض الأحيان، عندما يجتمع عدد من أصدقائنا الجامعيين، نرسل شَعرنا ونرفع أقدامنا، ونتعاطى مقدارا لا بأس به من الرمّ والبيرة وننسى لفترة من الوقت ما أفظع الحياة في الواقع!

تلعثم أوديت قليلا لإصابته بمرض الربو ما جعلني أشعر متوقية، لقد كان مختلفًا تماما عن أبنائي، الذين كلهم رياضيون وأذكياء وبدون قلوب. أتوقع أنهم سيتزوجون الشقراوات طويلات القامات، ويستوطنون حيثما تدفعهم غريزتهم، لكن أنا أيضا لا أنوي في أي صورة  ترتيب زواج لهم أو أي شيء مثل هذا. كان تم ترتيب زواجي، وكان زواجا سعيدا، ثم هو أخذ تلك الرحلة المشؤومة بالطائرة إلى كولكاتا، وعندما توفي، توفي معه جزء كبير مني كذلك. أعلم أن أبنائي يحملون بعضًا من تلك الآلام معهم أينما كانوا، وهم قلقون عليّ وينوون الاعتناء بي؛ إنهم مجرد شباب وغير متفكرين، والحياة اليومية تشغلهم كما تشغلني.

لم ينزعج أوديت للحياة اليومية قط كما لو أنها لم تكن موجودة له، ولم يهتم أبدًا بما أكله، ولم يشته للفتيات، ولم يكن قلقا بشأن كسب لقمة العيش. لم أكن أعرف شيئًا عن والديه أو عائلته. كان يزورني كل يوم خميس وعلى جبهته “تيلاك” علامة كبيرة من الرماد، وكنت أتطلع إلى زيارته. أنا لست طاهية جيدة ولكنني كنت أدَّخر ماركته المفضلة من السجائر وأُعدّ له بعض القهوة، إنه لم يأكل أي شيء قط لذلك لم أغامر أبدا سوى تقديمه البسكويت المستورد من العُلْبَة المزخرفة، والتي عادة ما أكلته أنا بنفسي. 

لم يتحدث أوديت عن الحياة على المريخ فحسب بل تحدث عن التنوع البيولوجي والمنطق الغامض وشِعر ريلكه وجميع أنواع الأشياء غير المحددة. هو لم يتحدث عن وظيفة قط، وأنا أعلم أنه ليس لديه أي وظيفة، ولكن الحياة على المريخ تختلف عن الحياة في دلهي، وكيف كان بإمكاني أن أشرح لأوديت ما هي كانت الحال في تربية ثلاثة أطفال، ثلاثة أولاد، ومشاهدتهم يكبرون! ويولّون ظهورهم! هذا ما حدث في أمر الواقع، لقد نسيني أبنائي وهجروني. عندما كان يجئ أوديت لرؤيتي يوم الخميس كل أسبوع ويغسلني بعطفه غير المشكوك، كان يمكنني أن أرى هذا بكل وضوح.

كان اقترض مني المال مرة واحدة فقط، وهو مبلغ ضئيل جدا حتى كان بإمكاني أن أقرضه، وهو دفعني على الفور في الأسبوع التالي. كان يتذكر عيد ميلادي بشكل غامض، على الرغم من أنني لم أخبره أبداً، و في الحقيقة إنه أحضر لي الساري، وهو قطن كانجيفارام بلون أرضي دقيق. بإيجاز، كان أصبح جزءًا من حياتي وخفف من الشعور بالوحدة وجعلني أتحمل الحياة في الصحراء العاطفية التي أصبحت دلهي بالنسبة لي.  

في اليوم الذي انتشر فيه التقرير حول الشهاب في الجريدة بشكل واسع‏ – التقرير حول قطعة الصخر التي تُظهر النشاط البيولوجي – جُنّ أوديت جنونا بشكل طبيعي، جنونا مع الفرح والراحة، وقال لي: “كنت أخبرتك بذلك”، وكان صوته عاليا ببهجة، “ألم أكن أخبرتك دائمًا؟ نحن لسنا وحدنا!”

ثم تعرضتُ للتحليل الجاد لساعة. هو أخبرني عن قطعة الصخر الصغيرة، وكل كيلوين منها، وكيف تم تشكيلها بواسطة النشاط البركاني قبل أربعة ونصف مليار عام. وأخبرني كيف انشقت عن الكوكب الأم بسبب تأثير كويكب آخر، وكيف كانت تدور حول الشمس قبل حوالي ثلاثة عشر ألف سنة، عندما هبطت في حضننا هنا في القارة القطبية الجنوبية. 

قلت بشكل متساهل: “يا له من رحلة طويلة،” وأعددت له كوبا آخر من القهوة، كان الأول قد برد مع التحادث وذبابة كانت قد غرقت فيه. ألقى أوديت عقب سيجارته في فنجان القهوة، وهي عادة كرهتها لكنه كان في مزاج جيد فلم أقل أي شيء.

عندما اكتشفت أنني مصابة بالسرطان، لم يفاجئني الأمر. لقد كنت شعرت أن أشياء كانت تحدث في جسمي، وكانت دواخل نفسي واجمة وراكدة وهائجة مع الغيظ الدفين، وبعد ذلك كانت هناك مخاوفي، مخاوفي الحقيقية، بشأن المال والشيخوخة وحتى الموت. نعم، كنت خائفة من الموت، تساءلت عما إذا كان أبنائي سيحضرون أخيرًا إذا كنت سأموت، أو سيُرسلون فقط بطاقات عزاء بريدية لبعضهم البعض عبر مسافات كبيرة. و ثدياي – ثدياي الكبيران والمرضعان المتدليان الذان كان تغذى عليهما هذه الوحوش الضخمة ذات مرة كانا بدآ يؤلمانني. كانت هناك كتلة في ثدي الأيمن التي لم تختف قط، وعندما تم التصوير الشعاعي لثدي، وتم تحديد القطعة الكبيرة الزائدة من اللحم في حامل معدني، بدأ الطبيب متألما ومقزّزا ولم يقل شيئا، وهو كان طبيبي المتخصص في أمراض النساء الذي أخبرني بأنني كنت مصابة بالسرطان في الثدي. 

أصدقائي الثلاثة في الكلية، الذين كنت أشرب الرمّ معهم، هرعوا لمساعدتي. قبل أن أعرف ذلك، كنت في المستشفى، يتم نقلي إلى هنا وهناك في عربة متخشخشة، حسنا، ليست عربة ولكن نقالة، وكانت هناك أضواء القوس و رجال يرتدون الملابس الخضراء والأقنعة، عندما أثر عليّ التخدير، اكتشفت أنني على المريخ، وكان هناك رجال لابسون بدلات العمل الخضراء في كل مكان، والحياة على كوكب المريخ لم تكن مختلفة تمامًا عن الحياة في دلهي، كانت صعبة ومملة ومؤلمة. ثم فجأة، ضوء أبيض غريب غمر الغرفة، وشعرت بالقوة والسيطرة والتوقع، كما شعرت بنفسي أن أغادر ذلك الجسم الفاسد الذي أُسيء استخدامه، وأخرج من هيكل الخلية الفوضوي المحصور إلى الممر المزدحم خارج غرفة العمليات، غافلة تماما عن الرعب المرئي للجراح، الطبيب باتنايك، أعتقد أنه كانت يده النحيفة الجراحة في القفازات المعقّمة ترفرف مثل الأسماك المُحْتَضَرة. وبالخارج في الممر كان الهواء هادئًا جدا ولم يلاحظني أحد إذ طفوت من الممر إلى الشرفة.

نظرت إلى الخارج ورأيت التقاطع بين إيمس ومستشفى سافدار جونج. كان الهواء ساكنا مع اليأس، وفي كل مكان كنت أسمع صرخات – صرخات صاخبة، صرخات هامسة، صرخات مختنَقة. لاحظت أن حذاء واحدًا من ماركة ريبوك ملقى على حافة خارج الشرفة، حذاء جديد، أنيق، غالي الثمن، متعذر تعليله، مثير للسخرية. تساءلت ماذا كان يفعل ذلك هناك، ولكن فجأة سحبتني بعض القوة القوية، كما لو كان أمسك أحد بمنكبي وسحبني إلى الخلف، تم سحبي بعيداً عن الشرفة للعودة بي مرورا بالممر المزدحم حيث كانت تحلق الذبان، من خلال الأبواب المغلقة إلى غرفة العمليات حيث كان الدكتور باتنايك لا يزال في انفعال. 

عندما استيقظت في اليوم التالي في غرفة المستشفى (وهي غرفة ذات سريرين، لكنني كنت نزيلة وحيدة(، أول شيء رأيته هو شاشة القماش الأخضر القاروري التي كانت تقسم الغرفة. كنت أتساءل دائمًا عن سبب تسميته بالأخضر القاروري، ربما يتعلق الأمر بلون قارورة برميل 69، والتي كان يتعاطها الأشِرّاء في الأفلام الهندية في أيام شبابي. ثم تذكرت الرجال باللون الأخضر ورحلتي مرورا بالممر إلى الشرفة، تذكرت حذاء ريبوك، كان ذهني مبهما وواضحا في آن واحد. رأيت أن أصدقائي أحضروا الزهور والفواكه، وجعلوا الغرفة تبدو احتفالية ومنعشة، التي كانت مفخرة بالفعل نظرا إلى نوع الغرفة.

لا حاجة لبيان أن أبنائي لم يصلوا بعد، اثنان منهم قد أرسلا برقية، والثالث يتوقع وصوله إلى دلهي في اليوم التالي. كنت على قيد الحياة، ثدي الأيسر تم تضميده ويتألم، لكن ليس بشكل لا يطاق. ما زال أثر التخدير بشكل كامل لمدة يومين كاملين، شعرت بالجفاف في فمي وانتفخ بطني لدرجة لا تصدق، وشعرت بكوني مشوشة الفكر من ظروفي. وأحسست بحضور أوديت في الغرفة. وكان وجوده لطيفا وهادئا، نظرت عيناه المضيئتان إلى وجهي بالحيرة والألم، وكان يقول لي شيئا لم أفهمه لما كنت في حالة ضبابية.

          شعرت بتحسن في اليوم الثالث؛ أزالوا التستيل وأكلت طعام المستشفى – الهُلام، الكستارد، والعدس، بهذا الترتيب. نظرت حولي لأوديت، لكنه لم يكن هناك وشعرت بالخذلان بشكل غريب. أصدقائي كانوا ساكتين ومهزومين، ويمكنني أن أرى أن روشني، صديقتي المفضلة، كانت تبكي. كان ابني قادمًا، كان يأخذ الرحلة من السويد، ولكن ماكان أحد ذاهبًا إلى المطار ليصطحبه.

          عندما أسرع الدخول في الغرفة، بدا ابني قويًا جدًا ونشيطا وحيويا للغاية، لدرجة أنني شعرت بأن طاقتي المنضبة تستعيد شحنها بمجرد رؤيته. ثديي، وهو الذي قد تم إزالته، بدأ يؤذيني بشكل لا يطاق. قد وجدت أنني كنت أبتسم، شعرت بالحماقة والشباب والأمل.

          ”مرحبا يا أمي! أنت بالتأكيد أقلقتنا لفترة من الوقت”، هو قال لي بقلق. عندما أعطاني عناقا روتينيا، فاحت منه رائحة غير مألوفة، جراء العرق وأثر الحلاقة والطائرات. لم استطيع أن أشتم شخصيتي أو شخصية ساتشين فيه تماما. إنه فحص الغرفة – وشاشة القماش الأخضر؛ ونافذة سلكية مع الذِبَّان الميتة؛ التقويم المطبوع الذي تم تأطيره وتعليقه على الجدران الصفراء إفراطا في التفاؤل. بدا غير مريح ومرتبكا؛ كانت عيناه متقلبتين، لا تلتقيان بعيني، ولكنه بعد ذلك، كان مرهقا من السفر. كنت سعيدًا، سعيدًا بشكل لا يقاس لوجوده قريبا مني.

          طبعا كان يقيم في شقتي، لم يكن يرجع إلى البيت منذ أربع سنوات. كنت قلقة بشأن ما سيأكله وهل يتمكن من العثور على المناشف النظيفة. هذه هي الأمومة، تقلق بشأن هذه الأشياء، وأخبرت روشني حيث كان مفتاح دُولاب جودريج، وحاولت أن أوضح لابني عن الماء. وكنت أتفقد أوديت، لقد حزنت بأنه لم يكن هناك.

          تذكرت كيف كان الحال عندما كان ابني قد وُلد، وكان أصغر وكنت أصبحت في الواقع خائبة الأمل من الداخل، كنت أرغب بشدة في ابنة. كنت قد حدقت في يأس في النتوء الزاحف الصغير الذي أشار إلى رجولته، ولكن بعد ذلك عندما حملته، بدأ ثدي يستشعر وخزا خفيفا، وأحسست مرة أخرى بمشاعر حب الأمومة الغامرة.

اتصل بي ابني الآخر هاتفيا أيضًا، لكن الخط كان سيئًا وكان حلقي لا يزال يتألم من جميع الأنابيب، ولكن رنين صوته ملأني بفرح واستعجاب. كان هذا ابني الأكبر، المولود الأول، وتذكرت كيف جاء مندفعا في العالم، وضعته بسهولة لا تصدق. لقد كان الأقرب إلي. كان يفعل أشياء صغيرة لأجلي – يرسم لي رسومات، ويكتب لي قصائد. عندما توفي والده كنا قد واجهنا معا، هو وأنا. ولكن الآن كان صوته نائي الجودة وتساءلت أين كان، ماذا كان يرتديه، وكيف كان يبدو، وكيف تغير في السنوات الثلاث لم أره فيها. تذكرت كيف أحضر تقارير مدرسته ليتم توقيعها، مترددا قليلا، مع أنه أحسن في أدائه، وكان حساسا للتوبيخ وواعيا جدا لمسؤولية الإبن الأكبر حتى عندما كان طفلا. 

كان لدينا جرو اسمه بروتوس كان قد اشتراه ساتشين للأولاد. كان بروتوس دُهس بسيارة أجرة في حارة وراء منزلنا، بعد شهر فقط من وفاة ساتشين. كان الأولاد في حزن لا يُتعزى عنه، لقد بكوا وناحوا حتى لم يعد بإمكاني أن أتحمل ذلك. لقد كنت جذبت ابني الأكبر بعنف من فراشه – كانت وسادته مبللة بالدموع – وصفعته حتى تألمت أكفي. لقد مضى وقت طويل، ولكن كان ينبغي أن يتضح لي في ذلك اليوم قبل مدة طويلة أنني سوف أخسره، سأخسرهم جميعًا، هذه هي السنّة التي ستجري.

أخيرًا عندما كنت وحيدة في الغرفة، وكنت أتفحص من مسافة كبيرة الورودَ الذابلة في الباقات التي أحضرها الأصدقاء، دخلت ممرضة ماليالامية مفعمة بالحيوية والنشاط في الغرفة وعرّفت نفسها. كانت الأخت الممرضة فيلومينا مشغولة من جانب مكتب الممرضات على إصرار ابني الأصغر، مع أن صديقتي روشني، كانت بالفعل ناقشت ذلك معي و قررنا ضد القطاع الخاص في التمريض. الأخت فيلومينا فحصت جداولي، وألقت نظرة على وصفاتي ثم استقرت على الكرسي بجانب سريري ومعها صحيفة.

قالت: “من اللازم أن لا تبقى ملازمة للفراش في أقرب وقت ممكن، عزيزتي”، كان لديها صوت موسيقي حلو وكلمة “عزيزتي” سحرتني. ما ناداني أحد “يا عزيزتي” منذ سنوات. أخذني النعاس، وعندما استيقظت، كانت الأخت فيلومانا لم تعد موجودة في الغرفة. طرقت ممرضة أخري من المستشفى ودخلت لتبلغني أن السرير الآخر في الغرفة ذات السريرين كان قريبا أن يحتله أحد. “حالة خطرة جدا”، قالت بقوة: “مباشرة من وحدة العناية المركزة، لا يزال خطرا، ولكن علينا أن نوفر له مكانا بصورة ما”. 

التقطتُ الصحيفة من الطاولة الموضوعة بجانب سريري. لكوني صحافية مدربة، أنا أُلقي نظرة على كل ما في صفحة في آن واحد، وأتمكن بطريقة أو بأخرى من قراءة كل شيء في الوقت ذاته. عادة ما تكون الوفيات على الصفحة السادسة، أنا أكره الوفيات، وقد دَرّبت نفسي على تجنبها. ولكن عندما رأيت وجه أوديت – وجه صديقي أوديت نارائن – في صندوق أسود الإطار، فقدت عيناي التركيز، وأصيب رأسي بالدوار لبضع دقائق، قبل أن يصبح كل شيء غير واضح وانهرت على السرير مغمية عليّ، عندما عادت الأخت فيلومينا بعد تناول الشاي، أو من الدردشة مع زميلاتها الممرضات، أو أي شيء آخر كانت قد ذهبت للقيام به، وجدتني مثل ذلك.

فحصت نبضي وصفعت وجهي بطريق أو آخر، وفجأة كنت محاطة بالممرضات والأطباء. شعرت بزيادة في القوة وشيء ما دفعني بشكل متعذر شرحه. فإذا أنا كنت جالسة في السرير أمام الأطباء المذهولين، ثم كنت واقفة. أنا دفعتهم جانبا، نهزتهم، حرفيا، كما أنهم حاولوا إيقافي، ومشيت إلى الممر بالخارج رغم أن رِجليّ كانتا متذبذبتين، وكنتُ حافية القدمين. مشيت إلى نهاية الممر وإلى الخارج مرورا بالردهة إلى الجانب الآخر حيث كانت غرفة العمليات. كانت الأخت فيلومينا تتابعني، كانت ممسكة بيدي، وتحثني على العودة إلى الغرفة، ولكن كنت أعرف إلى حيث كنت أريد أن أذهب. 

عندما رأيت حذاء ريبوك ملقى على الحافة تحت الشرفة، شعرت بسعادة لا أستطيع أن أصفها، وصلةٍ وتيقّنٍ، وشعورٍ بالراحة الهائلة حتى أنني بالفعل انهرت في أذرع الأخت فيلومينا. كانت ممرضة مؤهلة، أمسكت بكرسي متحرك وقامت بمناورة لي مرورا بالحشد المتخبط للأصدقاء والأقارب اليائسين حتى عدت إلى غرفتي حيث كنت، وراء شاشة القماش الأخضر القاروري، يتم إعطاء الأوكسجين رجلا كبير السن.

عندما عاد ابني في المساء، أخبرني أنني أبدو أفضل بشكل واضح. ابتسمت له وأهويت بيدي إليه لآخذ يديه، إنه بدا مندهشا ولكن مع ذلك ممتنا لهذه الإيماءة.

صديقي أوديت، أوديت نارائن، كان قد دهسته حافلة من فئة الخط الأحمر على التقاطع خارج معهد العلوم الطبية لعموم الهند (AllIMS)، حتما كان يجئ لزيارتي. كنت أريد قبل كل شيء أن أراه مرة أخرى، لننظر إلى تلك العيون اللطيفة المضيئة، ولأخبره أنني فهمت، في النهاية، كيف يمكن أن يضع التأمل في الحياة على المريخ الأمورَ في منظورها هنا، في نيو دلهي.

كاتبة – ناميتا غوكهالى، مديرة مهرجان جيفور للآداب، الهند
مترجم – د. مخلص الرحمن، الأستاذ المساعد بكلية هيرالال بهكت التابعة لجامعة بردوان، بنغال الغربية

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of