+91 98 999 407 04
editor@aqlamalhind.com

القائمة‎

قصيدة “وتكلم الرشاش جلّ جلاله” لمفدي زكريا: دراسة دلالية
د. حسين نجاة

الملخص:

   نتناول في هذه الدّراسة قصيدة” وتكلم الرّشاش جلّ جلاله” للشاعر الجزائري مفدي زكريا-دراسة دلالية- ندرس من خلالها صفات الأصوات المتواترة في النّص، كما نتعرف أيضًا على بعض الظواهر الصوتية، والمتمثلة في بعض الصيغ الصرفية، ونبرز أيضا البنية النّحوية الطاغية في النّص، كنوع الجملة ودلالتها.

الكلمات المفتاحية: الدّلالة، الأصوات، النّص، الظواهر الصوتية، البنية النّحوية.

مقدمة:

     يُعدُّ المستوى الدّلالي من أسمى مستويات اللغة، بل هو غاية لكل دراسة لغوية الذي يهدف إلى تبيين المعنى ووضوحه، وباعتباره أساس البحث، فلّعله من المناسب أن نقدّم نبذة موجزة عن هذا العلم.

  • علم الدّلالة (Semantics)

لمادة (د- ل- ل) في اللغة العربية استعمالات متعددة وتصاريف كثيرة، فالدّلالة هي لفظة مشتقة من الفعل “دلّ    يدلّ” إذا هدى، ودلّ إذا منّ بعطائه، والأدلُّ المنان بعلمه، والتدليل من الدّلالة، بالكسر والفتح، ودلت بهذا الطريق دلالة، أي عرفته[1]، ويقول ابن منظور (ت711هـ) في معنى دلَّ: الدّليل ما يُستدل به، والدّليل الدّال، وقد دلّه على الطريق يدله دلالة ودِلالة ودُلولة، والفتح أعلى[2] ، فقد حاول ابن منظور من خلال قوله هذا أن يحدد لنا دلَّ بمعناها الحقيقي وهو الإرشاد.

أما اصطلاحًا، فقد جاء في التعريفات:” الدّلالة هي كون الشيء لحالة يلزم من العلم به شيء آخر، والشيء الأول هو الدّال، والثاني هو المدلول”[3].

من خلال التعريف يتضح أنّ المعنى الاصطلاحي للدلالة قريب جدًّا من المعنى، وذلك أنّ الدلالة في الاصطلاح هي أن يكون العلم بشيء ما موصولاً إلى العلم بشيء آخر.

أمّا علم الدّلالة فهو ببساطة :”العلم الذي يدرس المعنى أو ذلك الفرع الذي يدرس الشروط الواجب توافرها في الرّمز حتى يكون قادراً على حمل المعنى”[4]، ولذلك يُسمى أحياناً علم المعنى* .

ويعرفه ميشال زكريا: “أما علم الدلالات فهو مستوى من مستويات الوصف اللّغوي، ويتناول كل ما يتعلق بالدلالة  أو بالمعنى فيبحث مثلا في تطور معنى الكلمة ويقارن بين الحقول الدّلالية المختلفة “[5] .

ويعرّفه يانسن (Yansen) “هو العلم الذي يبحث في معاني الكلمات وأجزاء الجمل، ونعني بذلك علم الدلالة اللّغوي، أي ذلك العلم الذي يبحث في اللغات الطبيعية عندما يعتمد على نظرية معينة لتفسير المعنى، ويعدُّ هذا العلم فرع من فروع علم اللغة “[6].

ويتضح من التعريفات السابقة أنّ الموضوع الأساسي لهذا العلم هو المعنى، وبدون المعنى لا يمكن أن تكون هناك لغة.

  • نبذة موجزة عن هذا العلم:

إنّ دراسة المعنى في اللغة بدأ منذ أن حصل للإنسان وعيٌ لغوي، فقد كان هذا مع علماء اللغة الهنود، كما كان لليونان أثرهم البيّن في بلورة مفاهيم لها صلة وثيقة بعلم الدلالة، فلقد حاور أفلاطون أستاذه سقراط حول موضوع العلاقة بين اللّفظ ومعناه، وكان أفلاطون يميل في القول بالعلاقة الطبيعية بين الدال ومدلوله، أما أرسطو فكان يقول باصطلاحية العلاقة، وذهب إلى أن قسّم الكلام إلى كلام خارجي ، وكلام داخلي في النفس، فضلا على تمييزه بين الصوت والمعنى معتبراً المعنى متطابقًا مع التّصور الذي يحمله العقل”[7].

وفي حدود القرن التاسع عشر الميلادي، تشعبت الدّراسات اللغوية، فلزم ذلك تخصص البحث في جانب معين من اللغة، فظهرت النظريات اللسانية وتعددت المناهج، فبرزت الفونولوجيا التي اهتمت بدراسة وظائف الأصوات إلى جانب علم الفونتيك الذي يهتم بدراسة الأصوات المجردة، كما برزت الابستومولوجيا التي اعتنت بدراسة الاشتقاقات في اللغة، ثم علم الأبنية، والتراكيب الذي يختص بدراسة الجانب النحوي، وربطه بالجانب الدّلالي في بناء الجملة “[8].

وفي سنة 1897م أعلن اللّساني الفرنسي ميشال بريال (Michael Bréal) ميلاد علم يختص بالمعنى في اللغة وهو الدّلالة الذي أتى ليتسيد تلك الشفرة في الدّراسات اللغوية التي كانت تهتم بكل الكلمات ومادتها، وأطلق بريال اسم (Sémantique) للدلالة على علم المعاني، والذي يعني به تلك القوانين التي تُشرف على تغير المعاني، ويعالج الجانب التطوري للألفاظ اللغوية ودلالتها، واعتبر بحثه وقتئذ ثورة في دراسة علم اللغة وأول دراسة حديثة لتطور معاني  الكلمات، ويعتبر بريال أول من استعمل مصطلح علم الدلالة[9].

ويرجع الفضل لميشال بريال في تخصيص كتابه استقل بدراسة المعنى، وهو كتاب “محاولة في علم المعاني” ضبط فيه القول عن ماهية علم الدلالة ، وأبدع منهجا جديدا في دراسة المعنى.

  • أنواع الدّلالات في قصيدة “وتكلّم الرّشاش جلّ جلاله” لمفدي زكريا:

أولا: الدّلالة الصوتية:

تُعدّ الدّلالة الصوتية من أهم جوانب الدراسة الدلالية لأي نص أدبي، فمن خلال الأصوات اللغوية المستخدمة فيه يمكننا التوصل إلى الدّلالة، وقد عرفها إبراهيم أنيس: “هي الدّلالة التي تستمدّ من طبيعة بعض الأصوات في هذه العبارة، فكلمة “تنضخ” كما يحدثنا كثير من اللغويين القدماء تعبر عن فوران السائل في قوة وعنف ، وهي إذا قورنت بنظيرتها “تنضح” التي تدل على تسرب السائل في مودة وبطء، بين لنا أنّ صوت الخاء في الأولى له دخل في دلالتها” [10]، فقد أكسبها تلك القوة والعنف، وعلى هذا فالسّامع يتصور بعد سماعه لكلمة “تنضخ” عين يفور منها سائل فورانًا قويًا ، والعقل في ذلك يرجع إلى وضع صوت مكان صوت آخر.

وسأحاول في هذا العنصر دراسة الدّلالة الصوتية في قصيدة “وتكلم الرشاش جلّ جلاله” لمفدي زكريا، وذلك بمحاولة تحليل تكرار بعض الأصوات المفردة.

  • تريد الأصوات المفردة:

من مميزات لغة زكريا أنّه يتخذ من الأصوات المتكررة في كثير من الأحيان، وسيلة بلاغية ليزيد المعنى وضوحا ويضفي على الكلام طابعا جماليا، فالشاعر قد يعمد إلى تكرار صوت بعينه ليؤدي دلالة معينة أو لغرض تصوير موقف ما معتمدا في ذلك على حروف تتميز بصفات صوتية هذا من جهة، وعلى ما تثيره من تناغم موسيقي من جهة أخرى وسأحاول فيما يأتي الوقوف على ما يُحدثه تكرار بعض الأصوات في القصيدة:

  • الصوت الانفجاري:

     يرى إبراهيم أنيس أنّ “أصوات (الباء والدال والتاء والكاف أو الجيم القاهرية ) هي أصوات شديدة أو انفجارية، وهناك صفة تجمع بينهما هي انحباس الهواء معها عند مخرج كل منها يكون انحباسًا لا يسمح بمرور الهواء، حتى ينفصل العضوان المنطبقان فجأة، ويُحدث النّفس صوتًا انفجاريًا “11.

   وتتوزع استخدام الأصوات الانفجارية في القصيدة كما يلي:

الصوت عدد توارده الاستعمال بالفتح الاستعمال بالضم الاستعمال بالكسر الاستعمال بالسكون
الهمزة 56 38 5 11 02
القاف 17 08 01 02 06
الكاف 25 13 06 03 03
الجيم 17 11 02 03 01
الطاء 07 02 / / 05
الدال 03 01 / 01 01
التاء 73 44 18 06 05
الباء 43 18 09 12 04
المجموع 241 135 41 38 27

ب-الصوت الاحتكاكي:

    يُعرّف الصوت الاحتكاكي  بأنّه” الذي لا ينحبس معه الهواء انحباسًا محكما، ودائما يكون مجراه ضيّقا جدًا عند المخرج مما يكون سببا في إحداث نوع من الخفيف أو الصفير”12.

وتتوزع استخدام الأصوات الاحتكاكية في القصيدة كما يلي:

الصوت عدد توارده الاستعمال بالفتح الاستعمال بالضم الاستعمال بالكسر الاستعمال بالسكون
الخاء 25 15 / 08 02
الثاء 02 02 / / /
الحاء 21 10 04 02 05
الذال 9 8 01 / /
الصاد 11 6 01 03 01
السين 29 12 02 06 09
الشين 10 04 02 02 02
الغين 28 15 03 04 06
العين 49 28 08 09 04
الزاي 11 06 01 03 01
الفاء 17 12 / 03 2
الضاد 8 2 3 2 1
المجموع 220 120 25 42 33

ج- الصوت المهموس:

      وقد عرّفه سيبويه ” وأما المهموس فحرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه”13.

 

وقد تواترت الأصوات المهموسة في القصيدة كما يلي:

الصوت عدد توارده الاستعمال بالفتح الاستعمال بالضم الاستعمال بالكسر الاستعمال بالسكون
التاء 73 44 148 06 5
الثاء 02 02 / / /
الحاء 21 10 04 02 02
الخاء 25 15 / 08 02
السين 29 12 02 06 09
الشين 10 04 02 2 2
الصاد 11 06 01 3 01
القاف 17 08 01 2 6
الكاف 25 13 06 3 3
الهاء 19 28 08 9 4
المجموع 232 142 42 41 34

د- الصوت المجهور:

   وقد سّمي مجهورًا، كما قال ابن دريد، لأنّ “انحصار مخرجها لم يتسع فلم تسمع لها صوتا”14،  أمّا السكاكي فقد عرّف الصوت المجهور قائلا: “الجهر انحصار النفس في مخرج الحرف”15.

وقد  توزعت الأصوات المجهورة في القصيدة كما يلي:

الصوت عدد توارده الاستعمال بالفتح الاستعمال بالضم الاستعمال بالكسر الاستعمال بالسكون
الباء 43 18 09 12 09
الجيم 17 11 02 03 01
الدال 03 01 / 01 01
الرّاء 73 17 42 08 06
العين 28 15 03 04 06
اللام 53 20 07 14 12
الميم 65 23 11 20 12
النون 46 24 01 05 16
المجموع 328 125 73 74 121

من خلال الجداول نلاحظ أن كمية الأصوات الانفجارية بلغت 241 صوت، وهي متقاربة مع مثيلاتها الاحتكاكية 220 ؛ ” لأنّ معظم الأصوات الانفجارية يوجد ما يقابله من الأصوات الاحتكاكية، ومن ثم تتماثل معها في كمية الصوت فتحدثُ بنية إيقاعية في النص الشعري، وهذا يُسهم في جماليات القصيدة”16، فالشاعر في حالة قلق وانفعال، وأيضا في حالة ترقب لمصير الجزائر، وهي في يد المستعمر الغاشم.

أما الأصوات المجهورة فكانت أكثر تِردادًا في القصيدة من الأحرف المهموسة، إذ بلغت 328 صوت،  وهي كمية صوتية هائلة تستدعي جهدا صوتيًا عاليًا ونفسًا لنطقها وهذا طبيعي؛ لأنّ الجهر يعطي اللغة عنصرها الموسيقي ورنينها الخاص الذي نميز به الكلام من الصمت والجهر من الهمس والأسرار”17 ، وهذا يتوافق مع حالة الشاعر الأليمة والحزينة لما آل إليه الشعب الجزائري من تشريد وحرمان حتى من أبسط الحقوق بالإضافة إلى اللّوم والحرمان، والعتاب لما فعله المستعمر الغاشم من تعذيب وتقتيل.

مع الإشارة إلى أنّ هذا الأمر لا يُلغي دور الأحرف المهموسة في القصيدة، فالأصوات المهموسة “تحتاج للنطق بها إلى قدرٍ كبير من هواء الرئتين، مما تتطلبه نظائرها المجهورة، فالأصوات المهموسة مجهدة للنفس”18.

وقد استعمل الشاعر لهذا الصوت في مواضيع استدعت التأمل، وتقصي الحقائق مثل: تتعثر ، يتبخر، يستر…الخ.

ثانيا: الدّلالة الصرفية:

إنّ هذه الدّلالة تؤخذ عن طريق الصيغ والأبنية كاختيار المتكلم لصيغة فعّال (كذّاب) من صيغة( فاعل) فالأولى تُفيد المبالغة وتزيد في دلالتها على الثانية، ومثل هذا كثير في اللغة العربية، وبالتالي فإنّ البنية الداخلية للصيغة تُسهم في بلورة دلالات جديدة غير ظاهرة، ومن بين هذه الصيغ في قصيدة مفدي زكريا نذكر منها:

  • صيغة فعّال: ومن أمثلته في القصيدة قوله:
         والأطلس الجبار بت قراره

  فآنذاك منه الأطلس المتجبر

في هذا البيت استعمل الشاعر الفعل“جبار” على وزن فعال ليدل به على مثابرة الشعب، وتلبيته لنداء الواجب بالالتحاق بالثورة، والإسراع لحمل الرشاش فاحتضنه الأطلس الجبار، وحماه من نيران الجيش الفرنسي، كما حمّسه للمحاربة.

  • صيغة فعول: ومن أمثلته قوله:
وقلوب من…؟ هذه أنفاسنا

  فوق المذابح للسماء تتعطر؟

ورؤوس من…؟ لتلك التي ترقى إلى

  حبل المشانق، طلقة تتبختر؟

استخدم الشاعر في هذين البيتين وحدتين صرفيتين هما“قلوب’، و”رؤوس” ليبرز بهما ألم ومعاناة الشعب الجزائري من ظلم الاستعمار الغاشم، وتلذذه في تعذيب المواطن، هذا الظلم الذي أبكى القلوب، وأحرق أكباد الأمهات.

  • صيغة فعيل: برزت هذه الصيغة في قصيدة الشاعر، والتي تدل في بعض مواضيعها على الصفة المشبهة كميزة أسلوبية استحسنها الشاعر في قصيدته في قوله مثلا :
        أرض الجزائر، والسّماء تحالفا

  فاحتطّ حلفهما النجيع الأحمرا

 

وقوله أيضا:

        وبكل خافقة، رهيب خيالها

  وبكل زاوية ، حديث ينشر

وقوله أيضا:

  أو كان(يوليو) في الشهور كبا بناا

   فشفيع(يوليو) في الشهور نوفمبر

  • صيغة تفعّل: وهي صيغة ثلاثية مزيدة بحرف التاء وتضعيف العين، وقد جاءت معظمها في القصيدة للدلالة على الإصرار، وعدم الرضوخ للعدو الفرنسي الغاشم، ومن أمثلته في القصيدة قوله:
وَسَلْ المدارس، وكيف دك بناؤها

  أُنظر إلى الأحرار فيها تقبر

  • صيغة أفعل: في قوله:
والشعب أسرع للشهادة عندما

  ناداه(عقبة) للفداء(وحيدر)

حيث استخدم الشاعر هنا الفعل( أسرع)، وهو على وزن أفعل، فالشاعر يستحضر بهذه الصيغة جهاد أولئك الصحابة والفاتحين في حديثه عن جهاد الشعب الجزائري، واستشهاده الذي واصل به مسيرة عقبة وحيدر.

  • صيغة جمع المذكر السالم:

يدل الجمع السّالم عامة على إرادة الحدث على خلاف جمع التكسير الذي يدل على إبعاده، ومن أمثلته في القصيدة قول الشاعر:

 والغاضبون، العابثون، إذا هم

  سمعوا الحديث، من الحديث تدبروا!

والعزل والمستضعفون، إذا هم

  تركوا القيادة للرصاص، تحرروا!

كأنّ الشاعر استأنس بالجمع المذكر السالم فوظفه في قصيدته؛ لينتج به الدلالة المراد له، مع تملكه هذه الصيغة من إيقاع جميل .

ثالثا: الدّلالة النحوية:

إنّ عناصر الجملة العربية مرتبة ترتيبًا هندسيًا خاصًا يُوحي بدلالة الجملة الناتجة عن نوع من التقابل بين العناصر النحوية والعناصر الدّلالية، فكما يمدّ العنصر النّحوي العنصر الدلالي بالمعنى الأساسي في الجملة التي تُساعده على تمييزه وتحديده، يمدُّ العنصر الدلالي العنصر اللغوي كذلك ببعض الجوانب التي تساعده على تحديده، إذْ يوجد بين العنصرين أخذ وعطاء وتبادل تأثير دائم19، ومثال ذلك قولك:طارد الكلب القط، وطارد القط الكلب، فتغير مكان الكلمات في الجملة أدّى إلى تغير في الوظيفة النحوية التي أدت بدورها أيضا إلى تغير المعنى.

وتكون دراسة الدلالة النحوية في قصيدة مفدي زكريا كالآتي:

  • دلالة الجملة في قصيدة “وتكلم الرشاش جلّ جلاله“: من البديهي أن تشتمل النصوص الأدبية على الجمل بقسيمها الاسمية والفعلية، وكل قسم من هذين القسمين ميزات وخصائص تعبيرية، لأنّ ما تحققه الجمل الفعلية من دلالات ومعانٍ قد لا يتحقق باستعمال الجمل الاسمية والعكس صحيح، وقد نبه العلماء على هذا الأمر  في عدة مواضع، وأهم ما أكدوا عليه أن الجملة الفعلية تفيد معاني التجدد، وعدم الثبوت بينما تفيد الجمل الاسمية بثبوت المعنى أو الصفة من غير أن يقتضي تجدده شيئاً فشيئاً20 .

والجمل الاسمية في قصيدة “وتكلم الرشاش جلّ جلاله” لها أهميتها ودلالتها الخاصة، فهي تُمثل نسبة كبيرة في القصيدة إذا ما قورنت بالجمل الفعلية، إذ تواترت 31 مرة أي بنسبة 83.78% من مجموع الجمل الواردة في القصيدة  ولعل ذلك يرجع إلى دلالتها على الثبوت والاستمرار، والذي قصد به زكريا هو حثه على الثبات،  والصمود والتحريض على الجهاد والصبر، والمصابرة، والثورة على الدّخيل الغاصب حتى النصر أو الاستشهاد.

أما الجمل الفعلية، فقد تواترت في القصيدة سوى ست مرات أي بنسبة 16.21% ، ومن الأمثلة على ذلك قوله:

سلْ نسوة، فيها ذبحن ورضعا

  واسأل صبايا ، فك عنها المئزر

وسلْ المدارس، وكيف دك بناؤها

  أنظر إلى الأحرار فيها تقبر

وسل الحرائق، في لظى نيرانها

  مهج الكرام ، أصعدت تتبخر

بدأت هذه الجمل الفعلية بأفعال الأمر “سلْ” الذي تكرر ثلاث مرات، وهذا التكرار لا يمثل هنا سوى رجاء حزين يبين ما فعله المستعمر بالشعب الجزائري الذي عانى ويلات التعذيب والتشريد، حيث أضحت أرض الجزائر مرحًا لجرائمه.

ومن نتائج هذا البحث:

  • يُعدُّ المستوى الدلالي من أسمى مستويات اللغة، حيث يهدف إلى تبيين المعنى.
  • الحالة النفسية التي يمر بها الشاعر كان لها الأثر الكبير في تكرار أصوات معينة في القصيدة، كشيوع الصوامت الانفجارية والاحتكاكية، والمهموسة، والمجهورة.
  • عبّرت الصيغ الصرفية معظمها على دلالات خاصة مرتبطة بالحزن، والحرمان الذي يختلج في نفس الشاعر.
  • جاءت الدلالة النحوية في القصيدة متنوعة بين الجمل الاسمية و الفعلية، وإن غلبت عليها الجمل الاسمية بمختلف أنماطها التي دلت على ثبات مفدي زكريا الرافض للاحتلال الفرنسي.

القصيدة:

  • * تكلم الرشاش جل جلاله*:
أكباد من…؟ هذي التي تتفطر؟   ودماء من…؟ هذه التي تتقطر؟
 
وقلوب من…؟ هذه أنفاسها   فوق المذابح للسماء، تتعطر؟
 
ورؤوس من…؟ تلك التي ترقى إلى   حبل المشانق، طلقة تتبختر؟
ومن الذي…؟ عرض الجزائر شبها   من كل شاهقة، لظى تتسعر؟
أجهنم…هذي التي أفواهها   من كل فج، نقمة تتفجر؟؟
أم أرض ربك، زلزلت زلزالها   لما طغى، في أرضه، المستعمر؟
غضب الجزائر…؟ أم أحرارها   ذكروا الجراح، فأقسموا أن يتأثروا؟
أرض الجزائر، والسماء، تحالفا   فاختط حلفهما النجيع الأحمر!
” والأطلس الجبار ” بت قراره   فآنذاك منه ” الأطلس ” المتجبر
والشعب أسرع للشهادة عندما
 
  ناداه (عقبة) للفداء (وحيدر)!
وتكلم الرشاش، جل جلاله!   فاهتزت الدنيا، وضج النيّر
وتنزلت آياته، لهابة   لواحة، أصغى لها المستهتر
والنار، للألم المبرح، بلسم   يكوى بها العظم الكسير، يجبر
والنار في ” مس الجنون ” (عزيمة)   يصلى بها المستعمر المتكبر
والغاضبون، العابثون، إذا هم   سمعوا الحديث، من الحديد تدبروا!
والعزل والمستضعفون، إذا هم   تركوا القيادة للرصاص، تحرروا!
والذكريات، وإن تقادم عهدها   في أمة، أشباهها تتكرر
يوم الزمان كأمسه، وغداته   وحوادث الأيام لا تتغير
إن الجزائر لم تنم عن ثأرها   أو تنسها ألم المصاب الأعصر
هل جئت يا ” يوليو ” تذكرنا الأسى؟   عهدي بنا، طول المدى نتذكر!
في كل حي بالجزائر، صورة   وبكل شبر في الجزائر، منظر
وبكل خافقة، رهيب خيالها   وبكل زواية، حديث ينشر
وهي وصمة التاريخ! في أطوائها   للعاملين، عن (التمدن) مظهر
هي لعنة الأجيال! في (أحوالها)   أبدا فرنسا، لم تزل تتعثر
سل نسوة، فيها ذبحن، ورضعا   وإسأل صبايا، فك عنها المئزر
وسل المدارس، وكيف دك بناؤها   انظر إلى الأحرار فيها تقبر
وسل الحرائق، في لظى نيرانها   مهج الكرام، أصعدت تتبخر
لغة التمدن، للقوي ذريعة   كاللص، تحت ظلالها يستر
والسلم، ستر للنذالة، باسمها   تؤتي (الشرور) ويستباح المنكر
والناس في الأطماع، يأكل بعضهم   يعضا، ويبتلع الضعيف الأكبر
والجرح، لا يطوى على علاته   والدهر يقبل كالحظوظ ويدبر
ويح القوي من الضعاف، إذا هم   يوم القصاص على الطغاة، تنمروا!
وإذا الجزائر بالسلاح استبعدت   فمصيرها، بسلاحها، يتقرر
عن كانت (الحبات) أمس زبر جدا
 
  فاليوم (حبات) الرصاص العنبر
أو كان من (بوشناق) أمس بلاؤنا   فلقد غدونا، بالمشانق نفخر
أو أن مروحة تعد ذريعة
 
  فاليوم، بالأرواح لا نتأخر
أو كان (يوليو) في الشهور كبا بنا
 
  فشفيع (يوليو) في الشهور نوفمبر!!

 

الهوامش:

[1] – الأزهري، تهذيب اللغة، دار إحياء التراث العربي، ط1، دت، بيروت، (مادة دلل).

[2] – ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين ، لسان العرب، دار صادر ، مج11، د.ط،د.ت، بيروت، (مادة دلل).

[3] – الشريف الجرجاني،علي بن محمد ،التعريفات، مكتبة لبنان، د.ط، 1985، بيروت، ص: 109.

[4] – أحمد مختار عمر، علم الدلالة، عالم الكتب، ط 6، 1998، القاهرة، ص:11.

* – ولا نقول علم المعاني لأن هذا الأخير يعد فرعا من فروع البلاغة وبعضهم يطبق عليه اسم السيمانتيك أخذا من الكلمة الإنجليزية أو الفرنسية .

[5] – ميشال زكرياء، الألسنة (علم اللغة و الحديث)،المبادئ والأعلام، ط2 ،1983 ، ص: 211

[6] – كلنتن هيفا عبد الحميد، نظرية الحقول الدلالية ،دراسة تطبيقية في المخصص لإبن سيده ،رسالة دكتوراه، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية ،2001 ،ص: 13.

[7] – منقور عبد الجليل علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي _دراسة_ اتحاد الكتب العرب د.ط 2001دمشق ص: 15.

[8] – نفسه، ص:16.

[9] – إبراهيم محمد سليمان، مدخل إلى العلوم سيميائية الصورة ،المجلة الجامعة، العدد السادس عشر ،مج 2 ،ابريل 2014، ص: 05.

[10] – إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ مكتبة الأنجلو المصرية ،ط5 ،1984، القاهرة ،مصر، ص: 46.

[11]– إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية، مكتبة أنجلو المصرية، ط 5، 1975، ص: 23.

[12]– تمام حسان، المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي، مطبعة النجاح ،الدار البيضاء، 1979، ص: 34.

[13]– سيبويه الكتاب،  تحقيق عبد السلام مازوني، ج4،  ط1، د.ت،  بيروت، ص: 434

[14]– السكاكي،  مفتاح العلوم،  دار الرسالة،  تحقيق أكرم عثمان يوسف،  دار الرسالة،  د.ط ، 1982،  بغداد، ص: 109.

[15]– ابن دريد،  جمهرة اللغة،  دار العلم للملايين،  تحقيق رمزي منير بعلبكي،  ط1،  ، 1987 ص:8.

[16]– مراد مبروك عبد الرحمن، من الصوت إلى النص نحو نسق منهجي لدراسة النص الشعري، عالم الكتب، 1993 القاهرة ،ص :51.

[17]– إبراهيم أنيس،  الأصوات اللغوية، ص: 30.

[18] – أحمد مختار عمر، علم الدلالة، عالم الكتب، القاهرة، ط 3 ،1991 ،ص: 07.

[19]– محمد حماسة عبد اللطيف، النحو والدلالة، مدخل لدراسة المعنى النحوي، ط1، 1983، 1983م، القاهرة، مصر، ص: 113.

[20]– انظر: الجرجاني، دلائل الإعجاز في علم المعاني، تحقيق:د ياسين الأيوبي، المكتبة العصرية، بيروت، 2002م، ص:143.

*جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف –الجزائر

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of