+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

التهجين وانعكاسه على اللغة العربية في الجزائر
زهية زويش

ملخص البحث:

     إن التعدد اللغوي واللهجي الذي تعيش في ظله الجزائر جعلها تكتسب طابعا لغويا خاصا من منظور نظائر هذه اللغات. إذا نجد أن أفراد المجتمع يفتخرون بهذه اللغات بكل سهولة في حواراتهم وخطاباتهم اليومية حتى أننا نلمس وجود مصطلحات ومفردات غير عربية فمعظمها مستوردة من لغات أجنبية فرنسية وانجليزية أو غيرها ، ومن هذا الإطار تولى علماء الاجتماع اللغوي البحث في الوضع اللغوي للجزائر والذي نجم عنه مخاوف عديدة من الدارسين والباحثين المهتمين لأمر اللغة العربية خشية ضياعها والقضاء عليها . خاصة أن ظاهرة التهجين أضحت حقيقة تحف بها من كل صوب ، وعلى هذا الأساس كان ولازال التهجين اللغوي محط نظر  للبحث فيه، بعدما شاع انتشاره في أوساط المجتمعات .

كلمات مفتاحية : التهجين ، اللغة ، خليط ، المجتمع الجزائري ، اللغة العربية .

مقدمة :

يعد التهجين من الموضوعات الحضارية المهمة للغاية، ونظرا لكون أن التهجين أصبح ظاهرة لا يمكن تجاهلها أو إنكار وجودها خاصة ما نجم عنها من آثار على مستوى للغة، فبعدما كان التهجين يدرس في العلوم ها هو اليوم نصادف التهجين مقره في اللغة من خلال ما تتعرض له لغتنا العربية اليوم من تشابك وتداخل بين مجموعة من اللغات في ظل ما يعرف بالتداخل اللغوي.

وإذا كان التهجين يعتبر أحد المواضيع المهمة المندرجة تحت مسألة تداخل اللغوي ،  إلاّ أن ما نراه في الوقت الراهن هو أن التهجين صار من الموضوعات التي تفرض حالها علينا في الخوض فيها ومناقشتها من زاوية أن التهجين تمكن بكل سهولة من أن يجعل اللغة  العربية الفصحى في نوع من الخليط ومزيج بين اللغات كثيرة تختلف عن العربية في الكثير من النواحي كفصلية وخصائص التي تمتاز بها  وليس هذا فقط، بل أن التهجين فتح لنا أكبر فرصة لاستقطاب أكبر قدر وعدد من الكلمات والمفردات الأجنبية وإقحامها في العربية  ولعل هذا ما نراه في واقعنا المعاش وفي مجتمعنا الحاضر ، حيث نشاهد أفراد المجتمع يستخدمون في حديثهم وتواصلهم اليومي كلمات عربية بمزيج من المفردات الفرنسية وحتى الإنجليزية والأمازيغية هذا الأخير الذي منح للعربية صورة أخرى ونكهة أخرى .

وفي هذا المسار البحثي يمكن أن نصوغ عدة أسئلة تتبادر إلى ذهنية  كل مهتم بشأن اللغة والمجتمع معا وأبرزها : ما هو التهجين ؟ وماهي مميزات اللغة الهجينة ؟ وفيما تتمثل مظاهر التهجين ومصادره؟ وما هي اللغات المستخدمة في الجزائر ؟ وما أسبابه ؟

تعريف التهجين اللغوي :

يعرف التهجين بأنه من الموضوعات اللغوية المعاصرة  التي لقيت صدى واسع للدراسة والاهتمام  من قبل العديد من اللغويين الذين يهتمون بشأن اللغات وكل ما يحف بها ، غير أن اللسانيات الاجتماعية تعد التخصص الوحيد الذي يعمد دوما إلى دراسة وتسليط الضوء على كافة الظواهر اللغوية المتعلقة بالمجتمع ، ها هو اليوم نصادف موضوعا في غاية الأهمية في اللسانيات الاجتماعية ألا وهو قضية التهجين التي تدفعنا نحو البحث المعمق فيها نظرا لكون أن مصطلح التهجين يظهر ولأول وهلة لكل باحث أنه مصطلح علمي بحت ولا مجال للشك فيه لأن بداياته الأصلية عرفت في العلوم العلمية التي تدرس التهجين كموضوع متعلق بالنبات والحيوان وغيرها  ، لنجد بعد ذلك هذا الأخير وفي الوقت الراهن مصطلح التهجين يجد عتبة أخرى يتسلل إليها في عالم اللغات وعائلتها ليفتح آفاقا بحثية مثيرة يرى من خلالها كيف للعلوم العلمية أن تتداخل مع العلوم اللغوية. والحق أن انتقال المصطلح هذا من العلوم إلى اللغة قد أعطى منحى مختلفا للغتنا .

وفي هذا المقام لا يسعنا سوى أن نقف على ماهية التهجين كمفهوم جديد في دراسات اللغوية. إذا جاء في معجم أساس البلاغة في تعريفه للفظة (هجن ) فذكر :” هجن، هجان، وهجين إذا لم تكن الأم عربية أصيلة”.[1] والواضح أن التهجين بهذه الصورة يعنى كل ما هو ليس بأصيل أي غير عربي وإنما هو مستمد من اللغات الأجنبية.

والجدير بالذكر هو أن التهجين صار من الموضوعات التي تطرح بكثرة نتيجة لما توصلت إليه لغتنا العربية من تداخل بين اللغات الأجنبية التي أزالت خصوصيتها محاولة طمس معالمها، كما مزجتها بألفاظ وكلمات غير أصلية ولا تمت للعربية بأية  صلة، فأضحت العربية بذلك متعددة الأوجه وتكاد تفقد بريقها الذي طالما عرفت به منذ الأمد البعيد، ولكن ما يهمنا في هذا السياق هو أن نحدد مفهوم التهجين من زاويته الاصطلاحية حتى يتسنى معرفة هذا الموضوع بشكل واضح، ولعل اللساني باختين يعد واحد من المهتمين  بالموضوع التهجين الذي قال عنه :” هو مزج لغتين اجتماعيتين داخل ملفوظ واحد، وهو أيضا التقاء نظامين لغويين مفصولين بحقبة زمنية وبفارق اجتماعي أو بهما معا داخل ساحة ذلك الملفوظ ولا بد ّ أن يكون قصديا.”[2]

أو هو: “عملية ابتداع لغة تقريبية أي هي خليط من نوعيات مختلفة مخترعة  لم تحافظ على أبنية المفردات المقترضة من اللغات المولدة منها لا سيما المستوى الصوتي، فالتهجين إذن عملية اصطناع تنوع / رطانة لغوية نتيجة المزج بين نظام تنوعين لغويين أو أكثر، وقد اصطنعت هذه التنوعات اللغوية لأغراض الاتصال العاجل بين الجماعات اللغوية التي لا تملك فرص النجاح إذا ما استخدمت لغاتها الأصلية لعدم وجود قناة لغوية مشتركة تؤدي إلى تخاطب مفهوم ، ثم توسعت هذه الرطانات وصارت لغات متداولة .” [3]

وأشارالأستاذ زهير الضباع فصرح :” وتتمثل هذه الظاهرة في تهجين أفراد الجماعة اللغوية للغتهم المحكية أو المكتوبة بكلمات والمفردات تنتمي إلى لغة أجنبية أخرى، وتتم هذه الظاهرة بشكل واع ومعتمد عن طريق المحاكاة أو بشكل غير واع متعمد، ويعتقد من يمارسها بأنها نوع من الرقى الحضاري، ويصبح في نظرهم من لا يمارسها غارقا في غياهب التخلف “.[4] وهكذا يظهر التهجين على أنه ترتب عن ذلك التأثير والتأثر بين لغتين فأكثر مما يمسح لأفراد الجماعة الواحدة باستعمال لغات أجنبية تتكامل مع لغتهم الأصلية من خلال استعمال مفردات من لغة ومفردات من لغة ثانية وبالتالي إحداث مزيج لغوي .

مميزات اللغات الهجينة :

وإن كان التهجين كذلك فإن ما يجدر الحديث عنه  هو تلك السمات التي تطغى على اللغة المهجنة باعتبار أن بروز التهجين كان في حقيقة الأمر راجع إلى عدة العوامل التي اختلفت في حدوثه ونشأته كقضية عصرية تستوجب منا البحث فيها لأن لغتنا العربية بات التهجين يرافقها في كل الأحوال من نقطة أن أبنائها يعتبرون التهجين في لغتهم نوعا من التحضر والتقدم الذي ينبغي على كل أفراد الجماعة التواكب معه ، إلاّ سوف يبقوا بعيدين  كل البعد عن هذا الزي الجديد في استعمال اللغة .

ومن هذا السياق يمكن لنا أن نسرد جملة الخصائص التي تتصف بها اللغات الهجينة وأهمها مايلي :

_ ” نشأة اللغات الهجينة نتيجة تعايش متحدثي اللغات الهجينة لغات مختلفة في بيئة واحدة _ تباين في موازين القوى بين متحدثي اللغات الهجينة وبين اللغة الأم .

_ لا يوجد فهم متبادل بين هذه اللغات واللغة الأصلية  .

_ هناك حاجة عملية ومحدودة للتواصل بين متحدثي تلك اللغات المختلفة وبين أهالي بلاد تلك اللغة الأم .

_ هناك مسافة اجتماعية بعيدة بين متحدثي اللغة الأصلية واللغة الهجينة، فلو قربت المسافة بين المجموعتين لتعلم الناطقون باللغة الهجينة لغة أهل البلد الأصليين ومن ثم ابتعدوا عن اللغة الهجينة .

_ لغات لغة البلد الأصلي ولغات متحدثي اللغات الهجينة ليست لها صلة قريبةّ.”[5]

_ ” للغة الهجينة لا تعلم تعليما نظاميا ، بل تكتسب من خلل معايشة مستخدميها .

_ تخلص اللغات الهجينة من القواعد غير المنتظمة في اللغة ، إذ تتسم اللغات الهجينة بانتظام كبير في قواعدها ، وتخلو من الاستثناءات كما هو الحال في اللغات الطبيعية مثل : العربية والانجليزية .

_ نظام اللغة الهجينة غير مستقر في مراحله الأولى .

_ محدودة في تراكيبها وفي عدد كلماتها .

_ سهولة تعلمها مقارنة بغيرها من اللغات .

_نظامها الصوتي بسيط مقارنة باللغة المحلية التي تأثرت بها .

_ غياب التصريف فيها .

_ غياب الروابط فيها فجملها تخلو من الروابط ” [6].

_ “غياب كثرة الضمائر .

_ تميل إلى الاحتواء على علاقات واضحة دلاليا بين الكلمات ومعانيها .

_ بساطة اللغة الهجينة بصفة عامة “[7].

وهكذا نرى أن اللغات الهجينة تعمد دوما إلى البساطة في تركيب من حيث استخدامها للألفاظ والمعاني بحيث تكون سهلة وبعيدة عن التعقيد الذي تعرف به اللغة الطبيعية ، كلا بل أن حتى نظامها الصوتي يتميز بالمرونة حتى يسهل أداء الكلام بطرق مرنة تختلف عن النظام الموجود في النظام اللغوي الأصلي للغة ذاتها ، وأيضا النظام الصرفي والدلالي يجب أن يخضع إلى يسر فيها .

ولهذا فإن عدم الحفاظ على خصائص النظام اللغوي للغة الأصلية يمنح للتهجين فرصة للولوج في اللغة مما يجعلها خليطا من اللغات متعددة و بنكهة مغايرة .

مظاهر التهجين اللغوي :

وإن كان التهجين يمثل خطرا على اللغة العربية، فإن واقعنا اليوم لا يرى من التهجين سوى المحاسن التي تتخذ منه سبيلا في تحقيق التواصل مع الغير لأن التهجين في تصورنا يجعلنا نستخدم عدد لا بأس من اللغات من منظور أن لغتنا العربية تفتقد لعدد من المصطلحات لا وجود لها مما جعل هذا الأمر يحتم على أبنائها الاستعانة بالمفردات الأجنبية لتحقيق مبتغاهم في التعبير أو لأيهام غيرهم بمدى إتقانهم للغات الأجنبية ، وكأن العربية أصبحت قاصرة كل القصر في أن تكون واحدة من اللغات العالمية التي تسعى إلى إزاحتها من بؤرة أن التطور العلمي يحتاج إلى اللغات الأخرى وليس للعربية قدرة على أداء ذلك ، ولكن لا يخفى علينا أن للتهجين مظاهر تتمثل في :

_ ” كثرة اللافتات الأجنبية في البلدان العربية .

_ أغاني فيديو كليب ، خلطة غربية في الأغاني والأداء لدرجة تسطيح الفن .

_ هيمنة اللغة الأجنبية على خطاب بعض النخبة بمعنى هيمنة لغة المستعمر .

_ السلوك النمطي في تهجين الخطاب العربي العاكس للدونية ، وتجسيد بعض الأسر لهذا الهجين في بيوتها، والعمل على التفاخر به.

_ هجران تام للغات الوطنية باعتبارها لغة التراث لا الحداثة ولحاق العصر .

_ عدم اعتماد الموروث الثقافي الوطني كمرجعية دالة في التاريخ والعلوم والأدب .

_ افتقاد المرجعية الوطنية والجري وراء المرجعيات الغربية .” [8]

والحق أن التهجين أصبح هو المسيطر على اللسان العربي فقد بات كل أفراد المجتمع يلجأون إليه في خطاباتهم الشفوية وحتى المكتوبة، وليس هذا فحسب بل نجد أيضا حتى أصحاب الطبقات الفاخرة يستعينون به في كلامهم وكأنه زخرفة لفظية تنمق الكلام وتجعله في أبهى حلة وبمقابل ذلك نلمس حتى وسائل الإعلام والأسر والمدرسة وحتى الجامعات وكل من هم ساهرين على تسيرها يمزجون العربية باللغات الأخرى، وفي نظرهم أنها السبيل الوحيد للتفاهم والتعبير عن الذات متجاهلين ضرورة استخدام اللغة الوطنية التي تمثلهم وهي العربية الفصحى .

مصادر التهجين :

وبالرغم من ذلك إلاّ أن التهجين استطاع أن يجتاح كل مجالات الحياة وأصبح يكاد يعادل اللغة الأصلية وينافسها في كيانها  ، لكن  اللغويين حاولوا بكل جهودهم اللغوية أن يحددوا لنا تلك المصادر التي عملت على وجوده وقامت على ترحيب به دون إدراك منهم بخطورة على ذلك على لغتهم .

ولعله في هذا الشأن صنفوا أهم تلك المصادر التي كانت دافعا وراء وجوده ولخصوها في النقاط التالية :

_ ” الأسرة :إن الأسر العربية لا تقوم بدورها في الحفاظ على اللغة العربية السليمة على ألسنة أبنائها ، فالكثير من الآباء أميون لا يعرفون سوى اللهجة المحلية أو لا يعرفون إلاّ اللغة الأجنبية ويجهلون العربية الفصحى فلا نجدهم يخاطبون أطفالهم في المرحلة الأولى من حياتهم إلاّ بالعامية أو بإحدى اللغات الأجنبية .

_ المدرسة : لقد ساهمت المنظومة التربوية في البلدان العربية تفاقم ظاهرة التهجين اللغوي ذلك أنها لم تؤد الدور المنوط بها في الحفاظ على اللغة العربية وصفائها بتنمية القدرات اللغوية لدى المتعلمين كما ظهر الدور السلبي في عدم تنمية المقروئية لدى التلاميذ في جميع المراحل التعليمية ، كما أن المدرسة قادرة على جعل التلميذ ينغمس في اللغة العربية باستعمال الفصحى في جميع الحصص المدرسية .

_ الأوضاع الاجتماعية :المستوى والوضع الاقتصادي والمكانة الاجتماعية للأفراد لها في توليد واستقطاب كلمات دخيلة واختفاء أخرى من اللغة الأصلية، فلقد وجدت أنه كلما ارتفعت الطبقية الاجتماعية زاد اهتمامها بالمظاهر الأرستقراطية والسعي إلى إبراز ثقافتها  المميزة وعادة ما تلبس هذه الثقافة لباسا لغويا أجنبيا .

_ العامل التاريخي : تعد المخالفات السلبية والرواسب التي تركتها لغة المستعمر في اللغة المغزوة بكل مستوياتها وخير مثال على ذلك الفترة التي قضاها الشعب الجزائري تحت الهيمنة الاستعمارية القائمة على فرنسة المجتمع واستئصال العربية وتشجيع العامية ” [9].

وانطلاقا من هذه الرؤية الجادة نثبت بالدليل القاطع أن كل أفراد المجتمع بمختلف أطيافهم ومستوياتهم يعدون المساهمين في بروز آفة التهجين لأنهم وبكل بساطة يدركون نظام لغتهم العربية وما تمتاز به من خصائص تتباين عن سمات القائمة في اللغات الأجنبية إلاّ أنهم يتخلون عن لغتهم ويعتبرون استخدام اللغات الأجنبية وتوظيف مفردات دخيلة على لغتهم نوع من الرقي الحضاري وتفاخر، كما لا ننسى دور الإعلام الذي يعد وسيلة إعلامية توعوية أضحت هي كذلك تشارك في تسريب اللحن والتهجين بدل من أن تؤدي عملها في صيانة العربية .

اللغات المستخدمة في المجتمع الجزائري:

 وغير بعيد عن موضوع التهجين نلمس أكبر حقيقة يعيشه المجتمع الجزائري بكل أقطاره هو تلك اللغة التي يتداولها في أوساط المجتمع ويتعامل بها كل فرد على اختلاف جنسه ومستواه الثقافي وحتى منزلته الاجتماعية، إذ نصطدام بواقع مرير يواجه المجتمع الجزائري في ظل التعددية اللغوية التي لازمته لسنين طويلة بعضه كان ناتجا عن الاستعمار الغاشم الذي على الرغم من مغادرته لأرض الوطن،  إلاّ أن بصماته لا تزال حية مستمرة هو تركه اللغة الفرنسية التي طبعت في ذهن كل جزائري فأصبحت لغة ثانية له، كما لا ننسى أبدا التطور العلمي الذي جاء ليفتح يده ويشمل أيضا اللغة فدفع به هو الآخر إلى تصدير بعض المفردات العلمية وغيرها، والتي ولجت إلى مجتمعنا فكانت باللغة الإنجليزية .

كما لا نهمل اللغة الأمازيغية والتي لها نصيب وافر في المجتمع الجزائري فصار بذلك مجتمعنا يمثل كوكبة من اللغات ( عربية ، أمازيغية ، فرنسية ، إنجليزية ) خاصة أن كل  هذا ترتب بفضل عدة عوامل متباينة ، وجعل اللغة العربية التي هي رمز الهوية لغة مهجنة لا تعرف لها محل .

ومن هنا يمكن أن نرصد واقع المجتمع الجزائري من الناحية اللغوية :

_ ” اللغة الأمازيغية : وهي أول لغة مكتسبة لدى غالبية سكان شمال أفريقيا ، وهي تستعمل في الخطاب الشفوي وفي الحوارات والاتصالات الحياتية الطبيعية.

_ اللهجة العامية العربية : وهي الأخرى تتنوع بتنوع مختلف المناطق داخل الوطن  الواحد كالجزائر : العامية العاصمية ، والعامية الوهرانية .

_ اللغة العربية الفصحى: تعتبر أول لغة ثانية بالنسبة لهم يتم تعلمها في المدرسة منذ الدخول إليها، وهي لغة الصحافة ووسائل الإعلام ولغة الكتب العلمية والأدبية، وهي اللغة الوطنية والرسمية ” [10].

_ اللغات الأجنبية :أما بالنسبة للغات الأجنبية فإنه من الملاحظ أن الجزائر كغيرها من بلدان العالم احتكت بغير ها من الشعوب مما أثر هذا على الوضع اللغوي السائد عندها، ففتح الباب أمام وجود عدد من اللغات الأجنبية وهذا ما أكدت عليه خولة ابراهيمي :” إن العامية المستعملة في الجزائر، تلمسان، قسنطينة، أخذت الكثير من الكلمات التركية، في حين أخذت العامية الغرب الجزائري وخصوصا وهران الكثير من الكلمات الأسبانية ….وقد كان للغة الإيطالية أيضا وللأسباب نفسها تأثير على منطقة الشرق الجزائري إلاّ أن هذه التأثيرات الأجنبية قد اقتصرت على الجانب الفرد بذاته”.[11]

_ الفرنسية : ” رغم أن الجزائر حصلت على استقلالها من فرنسا إلاّ أنها لم تتمكن من الاستقلال عنها لغويا، فاللغة الفرنسية تفوق اللغة العربية الفصحى استعمالا لعوامل اجتماعية وثقافية إذ أصبح الحديث باللغة الفرنسية مرتبطا بالحداثة والتطور في الذهنية الجزائرية “[12] كما تمثل اللغة الفرنسية إلى يومنا هذا لغة المعاملات الإدارية والاقتصادية في الكثير من القطاعات .

أما اللغات الأجنبية الأخرى  فقد أولت لها الجزائر اهتماما كبيرا وشجعت على تلقينها إذ:

” توفر المدرسة الأساسية للتلاميذ، تعليم اللغات الأجنبية بحيث يحتاج التلاميذ الاستفادة من الوثائق البسيطة المحررة بهذه اللغات والتعرف على الحضارات الأجنبية بغية التفاهم المشترك بين الشعوب .”[13]

وما يجدر الإشارة إليه في هذا المضمار أن المجتمع الجزائري يعرف تنوعا لغويا فريدا من نوعه، إذ نلمس وجود أربع أقطاب لسانية أمازيغية وعامية بمختلف تلوناتها اللسانية إضافة إلى اللغة العربية التي هي اللغة الرسمية ورمز الهوية، ضف إلى اللغة الفرنسية التي ترجع إلى حقبة الاستعمار إلاّ أن تداولها يكاد ينتشر بكثرة لدى الطبقات الثرية بهذه اللغة، إذ نجدهم يحسنون نطق الفرنسية على اللغة العربية هذا هو حال واقعنا المعاش، وليس فقط هنا وإنما لو تمعنا قليلا لوجدنا أن كل القطاعات على اختلافها تستخدم الفرنسية في تعاملاتها كما نجد أفراد مجتمعنا يقومون بمزج بين المصطلحات فمعظمها فرنسي وعربي وعامي وأيضا بربري وأحيانا الإنجليزي، الذي صار هو الأخرى محط نظر للأبناء ووطننا على تعلمها أي الإنجليزية باعتبارها لغة الحضارة والعلم .

وفي هذا المقام يقول العربي ولد الخليفة :” إن حل المعضلات التي يواجهها واقعنا اللغوي في الجزائر في حاجة إلى مزيد من البحث لاكتشاف حلول ناجعة لإشكاليات تخص بلادنا مثل: انتشار التهجين اللساني والعلاقة بين الألسنة الثلاثة أكثر استعمالا وهي العربية والأمازيغية والفرنسية والانتظار اللغوي المتزايد لصالح الفرنسية في الإدارة وقطاع الإعلام” [14]

وكأن العربي ولد خليفة يمس أكثر ظاهرة شاعت في بلادنا وهي التهجين الذي أخلط بين ثلاثي لساني والذي في ظله أفقد العربية خصوصيتها، كما أشار إلى خطورته في المجتمع وضرورة الإسراع في البحث عن حلول له وهذا :” لكون الجزائريين اعتادوا استعمال أكثر من لغة في خطابهم …فهم يفهمون بعضهم البعض ويتواصلون ويتحادثون في جميع القطر على الرغم من اختلاف لهجاتهم وتنوع ألسنتهم يمكن أن نصف لغة الجزائريين بالتعدد أو بأنها لغة هجينة فهذا مقبول .” [15]  ولعله بهذا القول نثبت أن الواقع اللغوي للجزائريين هجين مئة بالمئة لاستخدام لغات ولهجات متعددة جعلته مصاب بالتهجين لسانيا ويظهر هذا جليا أثناء خطاباتهم وكلامهم.

ولكن ما ينبغي الحديث إليه وهو الأسباب التي كانت دافعا وراء وجود التهجين في الجزائر، وهو الأمر الذي عكف باحثين على البحث فيه حيث قدموا العوامل المتسببة في التهجين ولخصوها كالآتي :

_ “العامل التاريخي: ” ومن المعلوم أن الجزائر قد تعرضت إلى الاستعمار الفرنسي ، هذا ما أدى إلى تفشي الأمية والجهل في الوسط الشعبي وشيوع لغة المستعمر محاولا بذلك طمس معالم  الشخصية الوطنية وأن يفر من لغته وثقافته إما بالإغراء أو بالقوة مما يجعله يهمش اللغة المحلية والموروث الثقافي والتراث ويتجلى ذلك في أسماء الشوارع وأحيانا جغرافية الدول.

_ العامل النفسي: ويظهر في الإحساس بنفس وضعف الذي يعاني منه العربي إزاء  اللغات الأجنبية والذي يسعى المستعمر إلى غرسه في الإنسان العربي .

العامل الاجتماعي: تغيير البنية الاجتماعية للمجتمعات وظهور طبقات متوسطة وراقية تملك جيوب منتفخة وعقول فارغة وهي فئات مترفهة تتباهي بمعرفتها للغات الأجنبية وتعلمها للغات الأجنبية” [16] .

وبوجود هذه العوامل التي تشكل القاعدة المركزية في فتح نوافذ تحتضن التهجين وما يتضمنه في ثناياها من خناجر سامة تطعن كيان وهيبة العربية ، وهو الواقع الذي فرض علينا وضع مخطط استعجالي لتجنب التهجين وإعادة العربية في مكانها الحقيقي .

الخاتمة :

وفي خضم ما تم تقديمه منذ بداية البحث إلى نهايته، يمكن أن تستنتج مجموعة من  النتائج أهمها مايلي :

_ يعتبر التهجين من المواضع المهمة للغاية في الدراسات اللغوية .

_ يعد التهجين واحد من القضايا التي تندرج ضمن قضايا التداخل اللغات .

_ تحتوي اللغات الهجينة على البساطة إلى حدّ بعيد جدا لافتقادها  الصعوبة في الكثير من الجوانب خاصة مستويات التحليل اللغوي .

_ يعرف التهجين بأنه هو عملية مزج أو خلط بين لغتين أو أكثر .

_ إن التهجين يحرف اللغة الأصلية من قواعدها ونظامها اللغوي .

_ اختلاف مصادر التهجين دون مراعاة خطورته على اللغة الوطنية لكل أمة .

_ تعدد مظاهر التهجين دليل على ضعف ايجاد حلول لهذه الآفة الخطيرة على اللغات الطبيعية.

_ تحيا اللغة العرية في كوكبة من اللغات التي جعلتها مهجنة بلغات غير عربية أفقدتها حلتها وبريقها .

_ ولوج التهجين في المجتمع الجزائري ناتج عن عدة عوامل مختلفة .

_ شيوع التهجين مرده إلى عده أسباب لا تعد ولا تحصى .

الهوامش :

[1]_ أبي القاسم جار الله محمود بن عمر بن أحمد الزمخشري ، أساس البلاغة ، تحقيق : محمد باسل عيون السود ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، 1998، 1419ه ، ص 364

[2]_ زاوي أحمد ، بنية اللغة الحوارية في روايات محمد مفلاح  ، رسالة جامعية ( دكتوراه ) ، جامعة أحمد بن بلة ، وهران ، 2015م ، ص 40.

[3]_  نجوي فيران ، لغة التخاطب العلمي الجامعي _ دراسة سوسيو لغوية جامعة سطيف أنموذجا ، رسالة جامعية ، ( دكتوراه) ، جامعة محمد لمين دباغين ، سطيف ، ص 117.

[4]_ محمد محمدداود ، اللغة كيف تحيا ؟ …. ومتي تموت ؟ ، د/ط ، دار النهضة ، مصر ، 2016م ، ص 129.

[5]_ إبراهيم بن عبد العزيز أبو حيمد ، اللغات الهجينة و المولدة دراسة لغوية اجتماعية  ، العدد1، جلد 15 ، مجلة الدراسات اللغوية ، 1424ه ، 2013م ، ص 99

[6]_ المرجع نفسه ، ص 100.

[7]_ المرجع نفسه ، ص 101.

[8]_ أمال بوقرة ، لغة الخطاب الإعلامي الإذاعي بين التهجين والفصحي ، بحث مقدم في مؤتمر ، المؤتمر العلمي الدولي الأول للعلوم الإنسانية ، ألانيا، أنطاكيا ، تركيا ، أبريل ، نيسان ، 2018م ، ص 833.

[9]_ ينظر ، المرجع نفسه ، ص 832.

[10]_ ينظر ، خالد عبد السلام ، دور اللغة الأم في تعلم اللغة العربية الفصحى في المرحلة الابتدائية بالمدرسة الجزائرية  ، رسالة جامعية ( دكتوراه ) ، جامعة فرحات عباس ، سطيف ، 2012م ، ص 98.

[11]_ ينظر ، حمار فتيحة ، الثانوية ودورها في تعليم اللغات الأجنبية للتلميذ دراسة ميدانية في ثانويات بلدية بن عكنون ، رسالة جامعية ( ماجستير) ، جامعة الجزائر ، 2008م ، ص 34.

[12]_ نصيرة زيتوني ، واقع اللغة العربية في الجزائر ، العدد 10 ، المجلد 27، مجلة جامعة النجاح للأبحاث والعلوم الإنسانية ، نابلس  ، 2013م ، ص 2109.

[13]_ يورمه الحواس ، الازدواجية اللغوية في الجزائر جامعة بجاية ، رسالة جامعية ( ماستر) ،جامعة بجاية ، 2016م ، ص 25.

[14]_ حامدو تقاين ، البرلماني والجهود اللغوية العربي ولد خليفة أنموذجا ، إشكالية الهوية اللغوية في أعماله ، منشورات مخبر الممارسات اللغوية في الجزائر ، جامعة مولود معمري ، تيزي وزو ، 2015م ، ص 18

[15]_ينظر  سمير رفاس ، إشكالية التعايش اللغوي في المجتمع الجزائري ، العدد 24، مجلة الممارسات اللغوية ، جامعة مولود معمري ، تيزي وزو ، 2014م ، ص 18.

[16]_ ينظر ، محمد لحسن ، التهجين اللغوي أسبابه ومظاهره ،د/ط ، دار الخلدونية للطباعة والنشر والتوزيع ، الجزئر ، 2010م ، ص 240

*باحثة الدكتوراه، في جامعة حسيبة بن بوعلي، الشلف، الجزائر

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of