لقد كنت دائمًا مغرمًا بالمعالم التاريخية والمواقع الأثرية، وأية جولة توفر فرصة لزيارة مثل هذه المواقع تعد بمثابة متعة كبيرة بالنسبة لي. في شهر يناير الماضي، عندما زرت شقيقتي مع عائلتي في مدينة “سورت” للحصول على بعض الراحة من البرد القارس في دلهي منتهزا فرصة إجازة أبنائي الشتائية، قررت أن أسافر إلى أحمد آباد وأقضي بعض الوقت هناك فلم يتبق لي شيء في سورت التي كنت قد استكشفتها بالفعل خلال رحلاتي السابقة.
وفي السابع من يناير، في حوالي الساعة ال11 مساءً ، ركبت حافلة فاخرة متجهة إلى أحمد آباد مع عائلتي وعم لي فسرعان ما غلب علينا النوم لأن هذه الحافلة احتوت على كابينة مريحة تناسب الرحلة بين عشية وضحاها. وصلنا في الصباح الباكر ونزلنا عند أحد أعمامنا الذي استقر هناك. وبعد الإفطار، التقينا ببعض أقاربنا الذين كانوا يعيشون في مكان قريب، وخلال لقائهم أدركت بأنني إذا واصلت التفاعل معهم سأفقد فرصة ذهبية لتحقيق رغبتي في زيارة المواقع التاريخية لأحمد آباد، فتسللت للتو وحدي دون أن يعرف أي شخص آخر أين أذهب. وقد سبق لي أن تصفحت شبكة الإنترنت لبعض الوقت بحثا عن أهم المواقع التاريخية التي يجب أن أزورها، وزاوية “سابرماتي آشرم” -حيث عاش أبو الأمة الهندية المهاتما غاندي- ظهرت على رأس القائمة، فاكتريت أوتو وتوجهت إليها.
زيارة زاوية “سابرماتي آشرم” لمهاتما غاندي:
وعندما دخلت هذه الزاوية التي تقع على ضفة نهر سابارمتي وجدت على يساري مبنى المتحف بتصميمه الجميل، وله طابق واحد يتكون من أربع قاعات مترابطة. القاعة الأولى تعرض الأحداث المهمة من حياة المهاتما غاندي في أحمد آباد والتي امتدت لأكثر من عقد ونصف العقد (1915-1930) من خلال لوحات مرسومة باليد. والقاعة الثانية تعرض رسالة غاندي من خلال سرد حياته عن طريق مئات من الصور، وهذا يعتمد على قول غاندي الشهير “حياتي هي رسالتي”. والقاعتان الأخريان تضمان معرضًا للرسم وأرشيفًا ومكتبة.
عندما خرجت من المتحف، وجدت أمامي عددا من المباني الصغيرة ذات الأهمية التاريخية بما فيها منزل المهاتما غاندي المعروف بـ”هريداي كوند” حيث أنه عاش مع زوجته كوستوربا في الفترة من 1918 إلى 1930 ثم غادره ليخرج في مسيرة “داندي مارش” الشهيرة مع تعهده بعدم العودة إلى هذه الزاوية إلا بعد استقلال الهند. وهنا يمكنكم مشاهدة بعض الأشياء التي كان استخدمها المهاتا غاندي خلال إقامته فيه، والجديد بالذكر من هذه الأشياء طاولته للكتابة وعجلة الدوارة التي كان يستخدمها لغزل الخيط. وعلى باب هذا المنزل وجدت امرأة كانت تغزل الخيط على عجلة الدوارة.
زيارة مسجد سيدي سيد:
لقد أعجبت بهذا المكان ووددت أن أبقى هناك لمزيد من الوقت ولكن كان لدى وقت قليل وكانت الأماكن كثيرة فقررت التقدم إلى لأمام لكى أزور بعضها على الأقل. اكتريت سيارة لزيارة قلعة “بهادرا” لكن سائق السيارة أنزلني في منتصف الطريق بعد ما عرض علي بعض الأعذار وهذا يحدث أحيانًا عندما تزور مدينة غريبة. وهذه المرة ركبت سيارة مشتركة ونزلت منها عند مسجد يدعى “سيدي سيد” وهو موقع تراثي يرجع تاريخه إلى القرن السادس عشر ويشتهر بنوافذه العشرة المصنوعة من الحجر والمنحوتة بشكل معقد على الأقواس الجانبية والخلفية. ونظرا لأهميته، قد زار هذا المسجد رئيس الوزراء الهندي نريندرا مودي مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في عام 2017م.
زيارة قلعة “بهادرا”، وبوابة “تين دروازه”:
وبعد قضاء بعض الوقت في هذا المسجد، مشيت سيراً على الأقدام إلى قلعة “بهادرا” متمتعا بالتسوق النظري في دكاكين الزقاق. وكان قد تم بناء هذه القلعة على أيدي السلطان أحمد شاه الأول، مؤسس أحمد آباد في عام 1411 مع قصورها الملكية المنحوتة جيدًا والمساجد والبوابات والمساحات المفتوحة، ولكن لم يبق منها الآن سوى جزء صغير يحاول جاهدا أن يدل على فخامة القلعة المنهارة. ثم انتقلت إلى بوابة “تين دروازه” التي تعد بوابة تاريخية لقلعة “بهادرا” في الجانب الشرقي . والطريق بين قلعة “بهادرا” و”تين داروازا” هو واسع للتسوق الرخيص وقد وجدت أنه صاخب ومشغول جدا بالمتسوقين والمتسوقات، ويمكنك شراء كل شيء هنا. ويعتمد البائعون على طرق مختلفة لجذب أنظار العملاء والتي تجعلك تضحك أحيانًا، وهنا أذكر على سبيل المثال، أنني سمعت أحد البائعين الذي كان يحاول بيع لعبة صغيرة لسيدة فقيرة يقول “هذه اللعبة وردت مباشرة من دبي ولا يمكنك العثور عليها في أي مكان آخر.” وفيما أعتقد، رغم كل الفوضى الموجودة هناك، لن يندم أحد على زيارة هذا الموقع.
زيارة المسجد الجامع لأحمد آباد و مقبرة السلطان أحمد شاه:
ومشيت إلى الأمام على نفس الطريق حوالي 300 متر فوصلت إلى المسجد الجامع لأحمد آباد. وهذا المسجد مبنى من الحجر الرملي الأصفر، وكان بناه السلطان أحمد شاه الأول عام 1424، ويقع قبره في مكان قريب. عندما وصلت إلى هذا المسجد أدركت بأن بطارية هاتفي قد نفدت ولكنني كنت معجبا بجمال المسجد المدهش فلم أستطع مقاومة الرغبة في التقاط الصور، فطلبت أحد الزوار أن يلتقط لي بعض الصور ويرسله فيما بعد إلى رقم الواتساب الخاص بي، فالتقط الصور لي ولكن لم يرسلها وأنا لا أزال أنتظرها. وبعد ذلك زرت مقبرة السلطان أحمد شاه التي تقع بجوار المسجد وعليه قبعة فوجدت في فنائه عددا من المجاورين يستريحون، ثم زرت مبنى مقابر ملكاته الذي ليس في حالة جيدة إذ تطاول عليها الناس وأقاموا الدكاكين في حائطه. عندما خرجت من هذا المبنى وجدت أن الشمس على وشك الغروب فاكتريت أوتو للعودة إلى بيت عمي إذ لم أرد أن أقع في أي مشكلة في هذه المدينة الغريبة. وهكذا استطعت أن أقف على بعض معالم السلاطين المسلمين هناك وكذلك تمكنت من أن أتعرف على بعض نواحي حياة أكبر زعيم من زعماء الهند في القرن العشرين.
Leave a Reply