ملخص:
يعالج هذا البحث موضوع مظاهر الوسطية من خلال السيرة النبوية ويبين أن الإسلام دين الوسطية والعفو والرحمة والتسامح، متى التزم الناس بمبادئه كانوا أمة الوسطية، التي شهد لها القرآن الكريم بالخير والفضل، ووقفنا على صورة ناصعة من صور السيرة النبوية في اعتماد الوسطية في نواحي الحياة البشرية كلها، مما يدعونا إلى إعادة قراءة السيرة النبوية وسيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ساروا في الدعوة إلى الله تعالى سيرا معتدلا متوسطا هو من التفريط أبعد، ومن الغلو ليس بأقرب.
المقدمة:
مما لا شك فيه أن الحديث عن الوسطية هو حديث الساعة في عصر العولمة، وذلك في ظل الظروف الدولية التي تُرمى بها الأمة الإسلامية تارة بالتطرف وتارة أخرى بالإرهاب وتارة ثالثة بالرجعية، وذلك بسبب ظهور بعض الجماعات الإرهابية المتطرفة التي أنشأها الظلم والاستبداد، وأحيانا قد تكون هذه الجماعات صنيعة الدول المعادية لتشويه صورة الدين الحنيف السمحة، وأحيانا بسبب سوء فهم بعض المتدينين للإسلام في ظل عدم إتاحة الفرصة لتعلم الدين من مؤسساته التعليمية الأصيلة.
والإسلام هو دين الوسطية والعفو والرحمة والتسامح، وقد تميزت الأمة التي التزمت بمبادئه بكونها أمة الوسطية، وقد شهد لها القرآن بالخيرية والعدل، وذلك في قوله سبحانه: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه}[1] وقولــه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُعَلَيْكُمْ شهيداً}[2].
والوسطية صفة تحمل في طياتها التوازن والاعتدال والسمو والرفعة، وهذه الصفة الكريمة تقع بين صفتين ذميمتين هما: الغلو والتقصير أو الإفراط والتفريط.
ومع ذلك كله فقد وجدنا بعض أبنائنا ممن ادعوا الانتساب إليه يخرجون من دائرة الوسطية والاعتدال، فانحرفوا ونزعوا إلى الغلو والتطرف والإرهاب فشوهوا حقيقته، الأمر الذي فتح بابا واسعا لأعداء الإسلام لنشر الافتراءات والمزاعم التي ألصقت بالإسلام ظلما، ووصفت أتباعه بالتعصب والإرهاب وعدم التسامح وغير ذلك من الدعاوى الباطلة التي لا أصل لها، والإسلام منها براء، فكان هؤلاء المنتسبون للإسلام بقصد منهم أو بغير قصد عونا للأعداء على تحقيق مرادهم في النيل من الإسلام وأهله.
ومن هنا كانت الحاجة ماسة للإنسانية لإظهار حقيقة الإسلام المتمثلة بوسطيته وسماحته بإزالة هذه الظلمة، وإظهار الصورة الناصعة المضيئة المشرقة لهذا الدين وإزالة ما اعتراها من تشوهات بسبب هذه السلوكيات الخاطئة.
ولأننا نعيش في زمن كثرت فيه العواصف الشديدة والزوابع العنيفة من الاتهامات والحملات الإعلامية التي تتهم نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم بالإرهاب والتطرف والعنف الشديد، وهو بريئ من كل ذلك.
فتأتي ضرورة قصوى وحاجة ملحة لتدارس سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم لنقتبس من نورها قبسات تضيء للناس الحق والحقيقة وتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم نبي الأمة الوسط وهو على منهج معتدل وصراط مستقيم ليس فيه غلو ولا جفاء وسيرته حافلة بالوسطية والاعتدال في جميع جوانب الحياة المختلفة بتوازن رائع، فليس معنى أنه كان يجد قرة عينه في الصلاة أن يهمل بيته، بل كان يأمر الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم الذين يبالغون في العبادة إلى درجة إهمال شئون حياتهم الأخرى، يأمرهم أن يقللوا من العبادة، وأن يأخذوا من وقت الصلاة والصيام ويعطوا زوجاتهم وأولادهم، نعم كان يحب الإنفاق في سبيل الله ويحض عليه، لكنه ما كان يترك أصحابه ينفقون كل أموالهم في سبيل الله دون أن يتركوا شيئا لأولادهم، بل أمرهم أن يتركوا ورثتهم أغنياء، ولم يقبل منهم صلى الله عليه وسلم إنفاق المال كله في سبيل الله إلا في ظروف معينة، ومن أفراد بأعيانهم كـ الصديق رضي الله عنه في قصة الهجرة وتبوك.
وليس معنى أنه كان يحب الموت في سبيل الله أن يلقي بنفسه في المهالك دون اكتراث أبدا، بل رأيناه صلى الله عليه وسلم يلبس درعين من حديد، ويضع الخطة المناسبة للمعركة، ويرسل العيون، ويأخذ بجوانب الحيطة والحذر، ويؤمن ظهره، ويحمي جيوشه وشعبه، هكذا رأيناه في سيرته، حياة متوازنة راقية لا إفراط ولا تفريط، لا تشدد وتطرف، وكذلك لا تسيب وتنازل، حياة كلها متوازنة.
لكن إحصاء كل أمر في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أمر صعب فتارة يكون مطاردا معرضا للأذى والاضطهاد كما في حادث الهجرة، وتارة تجد أنه صلى الله عليه وسلم يعاهد قوما، وتارة يحاربهم، تارة يكون فقيرا معدما يربط على بطنه حجرين من الجوع، ولا يوقد في بيته النار ثلاثة أهلة في شهرين، وفي وقت آخر من السيرة تجد أن هذا الرجل ذاته قد أصبح غنيا تأتيه الأموال من كل بقاع الجزيرة العربية، وينفق الأموال في سبيل الله إنفاقا غير مسبوق، يعطي هذا مائة من الإبل، وهذا مائة من الإبل، وهذا أكثر، وهذا أقل ينفق إنفاقا عجيبا! هذا هو نفس الرجل الذي كان يتعامل مع المشركين واليهود والنصارى والمنافقين والمؤمنين، فتارة ينتصر عليهم، وتارة يُهزم.
كل تنوع ممكن يحصل في حياة أمة قد حدث في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذا: هذا أمر يجعل إحصاء كل مواقف السيرة أمر صعب جدا خصوصا إذا كنا نريد أن تلاحظ مظاهر هذه الوسطية في سيرته صلى الله عليه وسلم في وريقات معدودة، ولذلك سنكتفي بنماذج متنوعة لبعض هذه المظاهر سنوردها تحت عنوان: مظاهر الوسطية من خلال السيرة النبوية.
أهداف البحث:
نهدف من خلال هذا البحث إلى تحقيق الأهداف الآتية:
- بيان الحاجة الملحة لتدارس سيرة المصطفى صلى الله عليه حتى تضيء للناس الحق والحقيقة.
- بيان مدى حاجة الإنسانية لإظهار حقيقة الإسلام المتمثلة بوسطيته وسماحته، وإظهار الصورة الناصعة المضيئة المشرقة لهذا الدين وإزالة ما اعتراها من تشوهات بسبب سلوكيات خاطئة.
مشكلة البحث:
من ضمن الأسئلة التي أثارها هذ البحث ما يلي:
- ما المقصود بماهية الوسطية وأدلتها في القرآن والسنة؟
- كيف تجلت مظاهر الوسطية في السيرة النبوية؟
- ماهي ثمار الأخذ بالوسطية؟
الدراسات السابقة:
بعد الرجوع للدراسات السابقة وجدت دراسات كثيرة تتعلق بالوسطية، إلا أني لم أجد دراسة تحدثت عن معالم الوسطية من خلال ربطها بالسيرة النبوية سوى الدراسة الموسومة بمظاهر الوسطية في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، للدكتور طاهر محمود محمد يعقوب أستاذ بقسم الدراسات الإسلامية، بالجامعة الفيدرالية الأردنية للفنون والعلوم والتكنلوجيا بإسلام آباد، حيث ذكر عدة نماذج من مظاهر الوسطية، ومن الدراسات التي تناولت جانبا من تلك الجوانب واستفدت منها في هذا البحث:
ـ وسطية الإسلام لمحمود عبد الخالق السعداوي.
ـ وسطية أهل السمة والجماعة في باب القدر لعبد الله بن سليمان
ـ الوسطية في القرآن الكريم علي محمد الصلابي
وقد كانت خطتي في هذا البحث على النحو الآتي:
المقدمة: وفيها أهداف البحث ومشكلاته والدراسات السابقة.
التمهيد: ويشتمل على ماهية الوسطية وأدلتها من الكتاب والسنة
محاور البحث: يحتوي البحث على محورين: المحور الأول – مظاهر الوسطية من خلال السيرة النبوية والمحور الثاني – ثمار الأخذ بالوسطية من خلال السيرة النبوية.
الخاتمة: وفيها ما توصل إليه البحث من نتائج وتوصيات.
تمهيد: ماهية الوسطية وأدلتها من الكتاب والسنة
أولا: الوسطية في اللغة
قال ابن فارس: الواو والسين والطاء بناء صحيح يدل على العدول، والنصف. وأعدل الشيء أوسطه ووسطه، قال عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[3]، ويقولون: ضربت وسَط رأسه بفتح السين، ووسْط القوم بسكونها[4].ولكلمة “وسط” اطلاقات ومعاني متعددة عند أهل اللغة من أهمها ما يلي:
1 ـ الوسط ما بين طرفي الشيء وهو منه، أي بمعنى النصف كقولك وسط الحبل، وكسرت وسط الرمح.
2 ـ الوسط بمعنى العدل والخيار، ومنه قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[5]، أي عدلا خيارا ومنه قولهم: فلان من أوسط قومه نسبا، وفلان وسيط قومه إذا كان أوسطهم نسبا وأرفعهم محلا، أي خيارهم، ومنه واسطة القلادة وهي أنفس خرزها[6]. والعدل والخيار وإن اختلف لفظهما إلا أن معناهما واحد، لأن العدل خير والخير عدل ولا يكون الشخص خيارا إلا إذا كان عدلا[7].
قال ابن الأثير:” كل خصلة محمودة فلها طرفان مذمومان فإن السخاء وسط بين البخل والتبذير، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور[8].
3 ـ الوسط ما بين الجيد والردئ[9] ومنه قوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}[10]، أي بين الجيد والرديئ على أحد الأقوال في تفسيرها.
فهذا تفسير الوسط وحقيقة معناه، وأنه اسم لما بين طرفي الشيء، وهو منه. وأما “الوسْط “بسكون السين فهو ظرف لا اسم، جاء على وزن نظيره في المعني وهو “بين” تقول: جلست وسط القوم أي بينهم، قال سوار بن المضرب:
إني كأني أري من لا حياء له ………….. ولا أمانة وسط الناس عريانا.
ولما كانت “بين” ظرفا كانت “وسط” ظرفا، ولهذا جاءت ساكنة الأوسط لتكون على وزنها، ولما كانت “بين” لا تكون بعضا لما يضاف إليها بخلاف “الوسط” الذي هو بعض ما يضاف إليه، وكذلك “وسط ” لا تكون بعض ما تضاف إليه. ألا ترى أن وسط الدار منها، ووسط القوم غيرهم؟ وقد يقع أحد اللفظين مكان الآخر على جهة الاتساع والخروج عن الأصل، وقيل: كل منهما يقع موقع الآخر، وهو الأشبه والأقوى.
والأصل في الوسط أن يستعمل وصفا للأمور الحسية المادية: وسط الدار، وسط الحبل وسط الرمح، ثم يستعار ذلك لوصف الأمور المعنوية نحو: أوسطهم نسبا وعلما، والدين الوسط.
ونستخلص من هذا الشرح معنى دقيقا، يجب أن يَعِيَه دعاة الوسطية، في كل المجالات: وهو العلاقة التجاذبية بين الوسط وطرفيه؛ فالوسط شيء عزيز، يحتاج إلى جهد، وفقه، وعلم، وصبر، حتى ينتزع من طرفيه، ويسل من متشابهاته، وفي ذلك من المعاناة والجلد والاصطبار ما يرتقي بصاحبه إلى ما يمكن أن نسميه بـ “مقام الوسطية”.
ثانيا: الوسطية في الاصطلاح:
الوسطية هي التوازن ونعنى بها: “التوسط أو التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادین، بحیث لا ینفرد أحدهما بالتأثیر، ویطرد الطرف المقابل، بحیث لا یأخذ أحد الطرفين أكثر من حقه، ويطغى على مقابله ویحیفعلیه”.[11]
وقيل: الوسطية في الشرع هي: “الاعتدال والتوازن بینأمرین أو طرفینبین إفراط وتفريط أوغلو وتقصير، وهذه الوسطية إذن هي العدل والطريق الأوسط الذي تجتمع عنده الفضيلة[12].
وهكذا رأينا أن الوسطية صفة تحمل في طياتها التوازن والاعتدال والسمو والرفعة، وهذه الصفة الكريمة تقع بين صفتين ذميمتين هما: الغلو والتقصير أو الإفراط والتفريط.
ثالثا: الوسطية في القرآن الكريم
ورد لفظ الوسط بمشتقاته في القرآن الكريم في خمس آيات، تدور كلها حول الشيء الواقع بين طرفين، البعيد عن الغلو والتقصير: والوسطية جاءت في القرآن بمعنى: ما بين طرفي الشيء وحافتيهومن ذلك قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}[13] والصلاةالوسطى هي صلاة العصر على ما ذهب إليه بعض المفسرين[14] وذلك لما روي عن علي أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: “شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى صَلاَةِ الْعَصْرِ مَلأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا”[15] وسميت الوسطى؛ لأن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين.
ومن معانيها العدول والخيار، ومنه قوله جل وعلا: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ}[16]” أي: أعدلهم وخيرهم”[17]. يقول الإمام ابن كثير: “والوسط هاهنا: هو الخيار والأجود”[18]، وعليه فإن الله تعالى قد شرف هذه الأمة وميزها بصفة الوسطية.
وقد بين القرآن الكريم هذا المعنى لوسطية الأمة والذي فهم منها ابن كثير بأنها الخيرية في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ}[19].
وعلة هذه الخيرية أننا أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله إيمانا صادقا، فقد استحقت الأمة هذه الخيرية بالمزايا الثلاث المذكورة، وهي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاستمرار على الإيمان بالله والاعتصام جميعا بحبل الله.
إعجاز قرآني عجيب!!
من إعجاز القرآن الكريم المبهر إذا تأملنا هذه الآية الكريمة: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}[20] نجدها تقع في وسط سورة البقرة تماما ورقمها “143” وعدد آيات سورة البقرة “286” فنجد أن الآية الكريمة تقع في منتصف السورة ووسطها بالضبط، أي أن آية الوسطية جاءت على نفس منهج الوسطية تماما وسبحان الله العظيم وهذا من الإعجاز الترتيبي لآيات القرآن الكريم[21].
رابعا: الوسطية في السنة
ورد لفظ الوسط ومشتقاته في بعض الأحاديث، وفي جميعها لم يخرج عن المعنى المقرر آنفا، والذي أجمع عليه علماء اللغة والتفسير.
فجاءت الوسطية في السنة بمعنى الأوسط والأعلى، كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم:الفردوس بأنه أوسط الجنة وأعلى الجنة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس الأعلى؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة “[22].
وأصرح منه هذه القصة التي أحببت أن أنقلها على طولها؛ لما فيها من وسطية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواضعه؛ فعن عبد الله بن بسر المزني قال: “بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوه إلى الطعام، فجاء معي، فلما دنوت المنزل، أسرعت، فأعلمت أبوي، فخرجا، فتلقيا رسول صلى الله عليه وسلم ورحبا به، ووضعنا له قطيفة كانت عند زبيرته، فقعد عليها، ثم قال أبى لأمي: هات طعامك، فجاءت بقصعة فيها دقيق قد عصدته بماء وملح، فوضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “خذوا بسم الله من حواليها، وذروا ذروتها؛ فإن البركة فيها”، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلنا معه، وفضل منها فضلة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وبارك عليهم، ووسع عليهم في أرزاقهم”[23]
المحور الأول: مظاهر الوسطية من خلال السيرة النبوية:
إن السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم قدوة جميلة للبشرية جمعاء عموما وأسوة للمؤمنين خصوصا قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[24] وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً}[25].
وتتجلى مظاهر الوسطية في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في نواحي الحياة البشرية كلها، وفيما يلي نشير إلى نماذج من المسائل التي تتجلى فيها بعض مظاهر الوسطية المثلى وملامح الاعتدال السوي وأساليب التوازن الفطري وأوصاف العدل الاجتماعي في ضوء سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وشمائله الشريفة.
أولا: مظاهر الوسطية في أهداف بعثة النبي صلى الله عليه وسلم
بعث الله النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالتيسير والتسهيل لخير دليل على الوسطية في سيرته التعليمية والدعوية والمنهجية، جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم:” إن الله لم يبعثني معنتا، ولكن بعثني معلما ميسرا”[26] وعن أنس بن مالك رضي الله أن رسول الله عليه وسلم قال: “بشرو ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا”[27]. فالحديثان يمثلان التيسير والتوسط في حياته صلى الله عليه وسلم القولية والعلمية كما ينهيان عن التعنت والتنفير والتزمت في التعليم والدعوة إلى الله.
ثانيا: مظاهر الوسطية في مجال العقيدة
من ملامح وسطية الرسول صلى الله عليه وسلم ترخيصه لأصحابه المستضعفين النيل منه عند تعرضهم للعذاب الشديد على أيدي مشركي قريش في بداية الدعوة مع بقاء الإيمان راسخا في قلوبهم.
ـ (قصة عمار بن ياسر)
لاقى عمار بن ياسر أذا شديدا من قبل المشركين، ولم يكن هذا الاذى يقتصر على الأذى الجسدي المتمثل بالتعذيب بل تعداه إلى الأذى النفسي فعذبوا أبويه أمام ناظريه ثم قتلوهما بوحشية، فقد روى ابن إسحاق خبر تعذيب آل ياسر قائلا: كان عمار بن ياسر وأبوه وأمه أهل بيت إسلام وكان بنو مخزوم يعذبونهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة[28] وفي رواية : أن قريشا أكرهوا عمارا وأبويه ياسر وسمية على الارتداد فربطوا سمية بين بعيرين وجيء بحربة في قبلها، فقتلت وقتلوا ياسر وهما أول قتيلين في الإسلام وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرها فقيل يا رسول الله: إن عمارا كفر، فقال: كلا إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه فأتى عمار رسول اللهصلى الله عليه وسلوهو يبكي فجعل رسول اللهصلى الله عليه وسلم يمسح عينيه ويقول:ما لك أن عادوا لك فعد لهم[29].
ثالثا: مظاهر الوسطية في العبادة
يظهر منهج الوسطية بشكل جلي في سيرته صلى الله عليه وسلم في مراعاة أحوال الناس وظروفهم، واختلاف قدراتهم وطاقاتهم، بل ويأمر به أمته، وقد تحقق هذا المنهج في شعيرة الصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام، روى البخاري في صحيحه، عن أنس رضي الله عنه قال:” ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه”[30].
1 ـ مظاهر الوسطية في مراعاة حال الضعيف وذي الحاجة في العبادات الجماعية
ـ (قصة معاذ بن جبل رضي الله عنه)
روى جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: أقبل رجل من الأنصار ومعه ناضحان له وقد جنحت الشمس ومعاذ يصلي المغرب فدخل معه الصلاة فاستفتح معاذ البقرة أو النساء فلما رأى الرجل ذلك صلى ثم خرج، قال فبلغه ان معاذا نال منه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفتان أنت يا معاذ، أفتان أنت يا معاذ أو فاتن فاتنفاتن فلولا قرأت سبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، فصلى وراءك الكبير وذو الحاجة والضعيف”[31].
ومما أمر به في هذا الشأن كذلك ما رواه البخاري في صحيحه، عن ابن مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رجل يا رسول الله لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا من يومئذ فقال:” أيها الناس، إن منكم منفرون، فمن صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة”[32] وهكذا اعتبر صلى الله عليه وسلم أن عدم مراعاة أحوال الناس وظروفهم نوعا من التنفير، وما ذاك إلا لأجل تحقيق منهج الوسطية الذي هو العدل وعدم الإفراط أو التفريط.
2 ـ النهي عن التشدد والقصد في العبادة
ـ (قصة زينب ” أم المؤمنين “رضي الله عنها)
روى ومسلم[33] عن أنس قال: دخل رسول الله صلي الله عليه وسلم المسجد وحبل ممدود بين ساريتين[34] فقال:” ما هذا؟ ” قالوا: لزينب تصلي فإذا كسلت أو فترت أمسكت به. فقال:” حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا كسل أو فتر قعد”. وفي حديث زهير “فليقعد” فصدق من سماه الرؤف الرحيم {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}[35]، وذلك لأن العنت والمشقة مضادة للفطرة الإنسانية، والتشديد على النفس لا يرضاه الله لعباده، فإن الله لغنى عن تعذيب أنفسنا في عبادته، والقصد والاعتدال والوسطية في سائر أنواع العبادات هي الأمر المحمود.
ولاريب أن هذه التوجيهات النبوية الكريمة صريحة في رسم منهج الوسطية في العبادة، والحث على الاقتصاد والاعتدال فيها، والنهي عن التعمق والتشدد، والاقتصاد على ما يطاق من العبادة والابتعاد عن تكلف ما لا يطاق[36].
رابعا: مظاهر الوسطية في معالجة الأخطاء البشرية
من البديهيات المقررة شرعا وعقلا وحسا، أن الخطأ ملازم للبشر، لا ينفك عنهم البتة، مهما بلغ أحدهم في مقام الاستقامة والتقوى. ولذلك وضع قادة الإصلاح والتربية والتوجيه هذه الحقيقة نصب أعينهم، كان الواجب عليهم حينئذ أن يكون منهجهم المرسوم في تصحيحهم للأخطاء التي تجري في محيطِهم العملي في بعد تام عن دائرة الأهواء البشرية، والأمزجة الشخصية الواقعة، إما في طرف الإفراط أو التفريط، وهذا ما لا يكون أبدا إلا في ظل معالم الوسطية التي أرسى دعائمها النبي صلى الله عليه وسلم ووضع أسسها في معالجته لتلك الأخطاء البشرية؛ لتكون بذلك تشريعا محكما، ينطلق منه المسلمون؛ أصلا ومنهجا، وسلوكا فاعلا في توجيه مسيرة الحياة وتقويم اعوجاجها؛ تحقيقا للمصالح، ودفعا للمفاسد.
1 ـ التأني والتثبت وترك العجلة والتسرع:
ـ (قصة حاطب بن أبي بلتعة)
جاء في قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما بعث كتابا إلى كفار قريس يخبرهم فيه بأن النبي صلى الله عليه وسلم يريد غزو مكة. فهل ترى سارع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إصدار الحكم عليه، أو القضاء فيه رغم مطالبة عمر رضي الله عنه بقتله في الحال وخطورة صنيعه وجسامة فعله؟! والجواب كلا. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم سأله سؤال المتثبت، وفي غاية الهدوء والروية، قال له: “يا حاطِب، ما هذا؟”؛ كما ثبت ذلك في رواية عبيد الله بن أبي رافع، عن علي رضي الله عنه[37] وقال له كذلك: ” ما حملك يا حاطب، على ما صنعت؟”؛ كما ثبت ذلك في رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه[38].
2 ـ الحكمة:
ـ (قصة الرجل الذي بال في المسجد)
عم أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَه مَه! قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزرموه، دعوه”، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: “إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن، قال: فأمر رجلامن القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه”[39]، فانشرح صدر الأعرابي لهذه المعاملة الحسنة، ولهذا رأيت بعض العلماء نقل أن هذا الأعرابي قال: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عامله هذه المعاملة الطيبة، أما الصحابة رضوان الله عليهم، فسعوا في إزالة المنكر من غير تقدير لحال هذا الرجل الجاهل.
3 ـ الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن:
ـ (قصة الشاب الذي يستأذن في الزنى)
عن أبي أمامة، رضي الله عنه قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه، فقال: أدنه، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللّهم اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء”[40].
فانظر كيف عالج النبي صلى الله عليه وسلم هذا الداء برحمة ولين ورفق، ما عنفه، وما حمل عليه بقسوة، بل جعل يخاطب عقله، ويقوي في نفسه روح الخير، ويضعف في نفسه نار الشهوة.
وهكذا يتضح أن منهج النبي صلى الله عليه وسلم كان قائما على الاعتدال والوسطية والتيسير والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وعماده اللين والرفق في غير ضعف.
خامسا: مظاهر الوسطية في الحقوق والواجبات البدنية والأسرية
الإسلام دين الوسط والعدل، ولم يكن في التشريع ما يكون فيه القيام بأمر يكون معه التفريط والتقصير في حقوق وواجبات أخرى، كالحقوق والواجبات الأسرية والبدنية، وهذا ما دلت سيرته صلى الله عليه وسلم في توجيهاته بتحقيق التوازن والعدل في الحقوق الشرعية، والواجبات الأسرية، وخاصة ما يتعلق منها بالنوافل، وهو ما سنتعرض له في:
ـ (قصة سلمان الفارسي مع أبي الدرداء رضي الله عنهما)
روى البخاري في صحيحه، عن أبى جحيفة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين سلمان وبين أبى الدرداء فجاء سلمان يزور أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة قال ما شأنك قالت إن أخاك ليس له حاجة في الدنيا فلما جاء أبو الدرداء رحب به وقرب إليه طعاما فقال له سلمان اطعم فقال إني صائم قال أقسمت عليك إلا ما طعمت ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل معه وبات عنده فلما كان من الليل قام أبو الدرداء فحبسه سلمان ثم قال يا أبا الدرداء إن لربك عليك حقا ولأهلك عليك حقا ولجسدك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه صم وأفطر وقم ونم وائت أهلك فلما كان عند الصبح قال قم الآن فقاما فصليا ثم خرجا إلى الصلاة فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم قام إليه أبو الدرداء فأخبره بما قال سلمان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قال سلمان له وفى لفظ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا مثل ما قال لك سلمان.
فهذا هو المنهج الوسط الذي يحقق العدل في القيام بالحقوق الشرعية، والواجبات الأسرية، والنفسية، فلا تفريط ولا إفراط، بل منهج نبوي، وسنة محمدية.
سادسا: مظاهر الوسطية في الجمع بين خيري الدنيا والآخرة
من خصائص الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنها تجمع بين شؤون الدنيا والآخرة قال تعالى:{وَابْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[41].
ونجد في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم الجوانب النيرة قولا وعملا، بما يدل على أنه كان في النهار فارسا وفي الليل قائما. يؤدي الواجبات المتعلقة بأمور الدنيا ويتمتع بلذاتها وحلاوتها في غير حب مفرط لها ولا ولوع بها، ويجتهد في تحسين آخرته من حسن إلى أحسن بدون التبتل والرهبانية داعيا الله سبحانه وتعالى بهذا الدعاء:” اللهم أصلحلي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر “[42].
وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة”[43] وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة”[44].
فثبت من هذه الآثار النبوية أن شخصية المصطفى صلى الله عليه وسلم كانت جامعة بين الفردية والجماعية، بين الأولى والأخرى، بين التفرغ للعبادة والاستمتاع بطيبات وجماليات الحياة التي خلقها الله تعالى وسخرها للإنسان.
ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان النموذج الأعظم للإنسان الكامل في صفاته وشمائله وأفعاله.
ولم تخل حياته من ملح وطرائف ونكات تنهض بمهام الترويح عن النفس وتجديد ملكات وطاقات القلوب، والإعانة على جد الحياة وصعابها مع التزام الحق والصدق والعدل أي الوسط والوسطية المتميزة عن الغلو إفراطا طان أو تفريطا.
إننا نطالع في السيرة النبوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمزح ولكنه لا يقول إلا حقا، حتى قال له صحابته رضي الله عنهم: يا رسول الله، إنك تداعبنا فقال:” إني وإن داعبتكم لا أقول إلا حقا”[45]
ـ (قصة مشاهدة عائشة رضي الله عنها لعب الأحباش في المسجد)
كان صلى الله عليه وسلم يرى اللعب المباح ولا يكرهه، ولقد أفسح لفرقة من الأحباش تلعب وترقص ـ تزفن ـ وتغني بمسجد المدينة، وسأل زوجه عائشة رضي الله عنها إن كانت تشتهي أن تشاهدهم وتستمتع بألعابهم ورقصاتهم وأغنياتهم، فوقفت خلفه وخدها على خده حتى اكتفت وانصرفت عنهم، وعندما دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه المسجد وهم بنهر الأحباش، أوقفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وشجع الأحباش على مواصلة اللعب قائلا:” دونكم بني أرفده، لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، وأني أرسلت بحنفية سمحة”[46]. وهكذا نرى من خلال سيرته العطرة وسننه الرفيعة أنه لم يركن إلى الدنيا ركونا ألهاه عن الآخرة ولم يمل إلى الآخرة ميلا أنساه أداء ما كان عليه من حقوق الدنيا وأهلها، ومع ذلك كان همه الأهم وقصده الأجل الآخرة قال عز وجل: {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى}[47].
سابعا: مظاهر الوسطية في التواصل مع الثقافات
الوسطية حاجة إنسانية لأنها تؤدي إلى الانفتاح والتواصل مع الثقافات الإنسانية، فالاعتدال والوسطية يمنعان من الانعزال والانكفاء والاستغناء عن الآخر، ويؤديان إلى التفاعل معه، والانفتاح على ثقافاته والتواصل الإنساني.
ولا شك أن أساس هذا الانتفاع منهج الله من كتابه وسنة نبيه، حيث جاء هذا المنهج الرباني العالمي يأمرنا بعمارة الأرض وبناء الحياة وتطويرها، والمتأمِل للسيرة النبوية وتاريخ السلف الصالح من هذه الأمة يجد أن الأمة الإسلامية تعاملت مع غيرها من الأمم، من خلال الفتوحات الإسلامية. وعندما دخل المسلمون هذه البلاد، استطاعوا التعامل معها على أساس ما جاء به الكتاب والسنة، وانتفعوا بأخذ الأمور الدنيوية المفيدة، وترك ما لا فائدة منه.
ـ (قصة أبي ثعلبة الخشني وجابر بن عبد الله)
أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين باستعمال آنية أهل الكتاب وغيرهم من المشركين التي من صنيعهم، فعن أبي إدريس عن أبي ثعلبة الخشني قال: “قلت يا نبي الله إنا بأرض قوم من أهل الكتاب أفنأكل في آنيتهم وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم فما يصلح لي؟ قال أما ما ذكرت من أهل الكتاب فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها”[48].
وحديث جابر بن عبد الله قال: “كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بها”[49].
ـ (قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه)
في غزوة الأحزاب استفاد النبي من تجربة الفرس في الحرب لما ذكرها له الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه “وسميت الغزوة بالخندق لأجل الخندق الذي حفر حول المدينة بأمره عليه الصلاة والسلام لما أشار به سلمان الفارسي، فإنه من مكائد الفرس دون العرب”[50].
ثامنا: مظاهر الوسطية في التعامل مع الآخر:
تنبع حاجة الإنسانية للوسطية من كونها تبعث في الإنسان الاعتدال والتوازن في التعامل مع الآخر، وقد وجهنا الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الفهم حرصا منه على تعايش الإنسان مع الآخر بأمن وسلام وذلك ما سنلاحظه فيما يلي:
ـ (قصة الأنصاري الي صفع يهوديا لقوله والذي اصطفى موسى على البشر)
أخرج البخاري عن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: “بينما يهودي يعرض سلعته أعطي بها شيئا كرهه فقال لا والذي اصطفى موسى على البشر فسمعه رجل من الأنصار فقام فلطم وجهه وقال تقول والذي اصطفى موسى على البشر والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا فذهب إليه فقال أبا القاسم إن لي ذمة وعهدا فما بال فلان لطم وجهي فقال لم لطمت وجهه فذكره فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رئي في وجهه ثم قال لا تفضلوا بين أنبياء الله فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث فإذا موسى آخذ بالعرش فلا أدري أحوسب بصعقة يوم الطور أم بعث قبلي”[51].
فالإسلام قد ركز على التعايش السلمي بين أهل الأديان، وصحيفة المدينة المنورة التي تمثل دستورا بين المسلمين واليهود أكبر دليل على ذلك.
ـ(قصة ثمامة بن أثال)
كان سيد بني حنيفة، وبني حنيفة هذا موقع في اليمامة في شمال الجزيرة العربية، واليمامة هي سوق الحجاز منها يمتارون، وهذا سيدهم ومن أئمة الكفر في ذلك الوقت وأخذته خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أخذته أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فربطه في سارية من سواري المسجد ثم خرج عليه وقال له صلى الله عليه وسلم: ما عندك يا ثمامة؟”، فقال يا محمد: إن تقتل تقتل ذا دم وإن تمنن تمنن على شاكر وإن ترد المال سل منه تعطى، فتركه النبي صلى الله عليه وسلم مربوطا وحتى إذا كام من الغد خرج عنده وقال له: “ما عندك يا ثمامة؟ ” فقال هو ما قلت لك بالأمس “إن تقتل تقتل ذا دم” إذا قتلتني فلن تلام لأنني قاتلت منكم وهذا شيء طبيعي، “إن تقتل تقتل ذا دم” يعني ذا دم أخذ رقابكم وحصد أرواح أصحابك. “وإن تمنن تمنن على شاكر” إذا عفوت عني وأطلقتني شكرتك، لا أجحدك ولا أكفر نعمتك”وإن ترد المال سل منه تعطى” وإن ترد الفداء سل منه تشاء تعطى، فتركه النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من الغد سأله فأعاد عليه الكلام كله، فقال صلى الله عليه وسلم: “أطلقوا ثمامة”، فلما أطلق ثمامة خرج حتى إذا بلغ نخلا قريبا من المسجد اغتسل ثم رجع فتشهد شهادة الحق. هذا الموقف أين تتجلى وسطيته؟ النبي صلى الله عليه وسلم أمسك عدوا في غير عهد ولاذمة وفي غير شهر حرام، وذلك العدو نال من المسلمين وقتل منهم، ثم هو عدو يمسك اقتصاد المجتمع المسلم الناشئ في يده، إذا قطع عنهم الميرة هلك الناس جوعا، هذه هي الغنيمة الباردة، إذا أمسك هذا لايتأنى في قتله، ما عجل عليه فقتله، هذا طرف، طرف آخر أن يمن عليه كما من على أسرى بدر النبي صلى الله عليه وسلم قبل منهم الفداء وأطلقهم ولم يقتلهم، أخذ برأي أبي بكر ولم يأخذ برأي عمر، لو أطلقه ماذا يشيع عنه صلى الله عليه وسلم؟ أن محمدا كلما أمسك عدوا أطلقه، فلا تخشى سطو ته و لا يرهب جانبه، هذان الموقفان الطرفان بينهما هذا الموقف الوسط الذي لا يوفق إلى مثله إلا نبي، وكانت ثمرته أن أسلم ثمامة إسلام عز لا إسلام تهمة، الرجل يضمر في نفسه الإسلام ولكنه يأبى أن يسلم مقيدا، سيقال دائما أبد الدهر فلان أسلم خوفا من الموت ولكنه لما أرسل وصار مالك نفسه حينئذ تشهد، وقد قلت لكم أن اقتصاد الحجاز كان في يده فلما لقي بعض قريش قال لهم والله لاتأتيكم حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم”[52].
المحور الثاني: ثمار الأخذ بالوسطية من خلال السيرة النبوية تجلت مظاهر الوسطية في كثير من جوانب السيرة النبوية، وقد حظي الجانب الدعوي بكثير من ذلك حتى أنتجت ثمارا يانعة في شباب صاروا أئمة في الدعوة والعلم، يهتدى بهم ويقتدى بمناهجهم التي لم تكن تحيد عن هديه صلى الله عليه وسلم وفيما يلي علم من أفراد الصحابة رضي الله عنهم الذين شملهم عناية الوسطية النبوية، حتى أضحى عَلما من أعلام الهدي في الدعوة والتعليم، ويتعلق الأمر بمصعب بن عمير رضي الله عنه.
ـ (قصة مصعب بن عمير)
تذكر لنا كتب السيرة النبوية قصة مصعب بن عمير وهو يهاجر إلى المدينة بإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم للدعوة إلى الله تعالى، استجابة لطلب أهل بيعة العقبة الأولى.
يقول الدكتور أكرم ضياء العمري:” لما أنجزت بيعة العقبة الأولى، وعاد الأنصار إلى المدينة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير رضي الله عنه وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلّمهم الإسلام ويفقّههم في الدين، فقام بمهمته خير قيام وانتشر على يديه الإسلام، ورجع إلى مكة قبل بيعة العقبة الثانية”[53].
وفي اختياره لمصعب وهو شاب رضي الله عنه وهو شاب دليل على عنايته بالشباب، فقد آنس عليه الصلاة والسلام منه رشدا وفطانة ونباهة تؤهله للقيام بأمر الدعوة إلى الله في بيئة جديدة، تأسيا به صلى الله عليه وسلم في دعوته المكية التي تميزت بالوسطية والاعتدال، بحيث إنه طيلة الدعوة المكية لم يداهن المعارضين، ولم يترك أي فرصة تمكنه من الأخذ بتلابيبهم إلى سبيل الرشاد.
وهكذا نقف على صورة ناصعة من صور السيرة النبوية في الدعوة إلى الله تعالى باعتماد الوسطية وتجنب التسرع في الأحكام والتهجم على الأعداء، ولعل تكرار مصعب لهذه العبارة لكل من أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ رضي الله عنهما:” أو تجلس فتسمع؟ فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره؟” خير دليل وشاهد على أن الدعوة الإسلامية في أصولها لم تكن قائمة على الإكراه والغلو والتطرف كما هو واقع اليوم عند بعض الجماعات التي تدعوا إلى الدين بالنفور والإرهاب، فمثل هؤلاء ندعوهم إلى إعادة قراءة السيرة النبوية وسيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ساروا في الدعوة إلى الله تعالى سيرا معتدلا متوسطا هو من التفريط أبعد، ومن الغلو ليس بأقرب.
الخاتمة:
بعد إتمام هذا البحث يتين لنا أن الوسطية وصف شرعي امتدح الله به أمة الإسلام، فتميزت به عن غيرها من الأمم، وليست شعيرة أو عبادة يطلب القيام بها، بل هي:
ـ وصف لشريعة الله اعتقادا وعملا وتشتمل على كل معالم الدين عقيدة، وعبادة، وسلوكا، ولذا حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أن تحقق الأمة وصف الوسطية في كل شؤونها.
ـ من مظاهر الوسطية التي تحدثنا عنها في هذا البحث ما يلي:
- مظاهر الوسطية في أهداف بعثة النبي صلى الله عليه وسلم
- مظاهر الوسطية في مجال العقيدة
- مظاهر الوسطية في معالجة الأخطاء البشرية
- مظاهر الوسطية في الحقوق والواجبات البدنية والأسرية
- مظاهر الوسطية في الجمع بين خيري الدنيا والآخرة
- مظاهر الوسطية في التواصل مع الثقافات
- مظاهر الوسطية في التعامل مع الآخر
ـ وسطية الإسلام يجب أن نمثلها في سلوكنا وأفكارنا وتعاملنا فيما بيننا أولا ثم ننقلها إلى غيرنا ثانيا.
ـ مما لا شك فيه أن المنهج الوسطي للنبي صلى الله عليه وسلم من خلال سيرته كان جامعا بين الفردية والجماعية، وبين الأولى والأخرى، وبين التفرغ للعبادة والاستمتاع بطيبات وجماليات الحياة التي خلقها الله تعالى وسخرها للإنسان.
ـ تجلت مظاهر الوسطية في كثير من جوانب السيرة النبوية، وأنتجت ثمارا يانعة في شباب صاروا أئمة في الدعوة والعلم، يهتدى بهم ويقتدى بمناهجهم التي لم تكن تحيد عن هديه صلى الله عليه وسلم.
التوصيات:
على ضوء ما أسفر عنه هذا البحث يقترح الباحث بعض التوصيات التي من شأنها تفعيل الوسطية وذلك على النحو التالي:
ـ زيادة التوعية بأهمية التربية على منهج الوسطية في جميع شؤون الحياة، وعلى مستوى جميع الأفراد والجماعات.
ـ ضرورة تفعيل الوسطية والاعتدال والفهم الشامل للإسلام وتطبيقه في حياة الناس حتى نتغلب على جميع مظاهر الغلو والتطرف بكافة أشكاله.
الهوامش:
[1] ـ سورة آل عمران الآية 110.
[2] ـ سورة البقرة الآية 143.
[3] ـ سورة البقرة الآية 143
[4] ـ معجم مقاييس اللغة لابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا تحقيق: عبد السلام محمد هارون، بيروت دار الفكر د ت 6/108.
[5] ـ سورة البقرة الآية 143
[6] ـ معجم مقاييس اللغة لابن فارس 6/ 108.
[7] ـ لسان العرب لابن منظور أبو الفضل محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الإفريقي (المتوفى: 711هـ) بيروت دار صادر ط3 1414هـ. 7/ 430.
[8] ـ لسان العرب 7/ 430.
[9] ـ المصدر نفسه 7/ 430.
[10] ـ سورة المائدة الآية 89.
[11] ـ الخصائص العامة للإسلام للعلامة ليوسف القرضاوي مؤسسة الرسالة بيروت لبنان ط10. 2001م ص 127
[12] ـ وسطية أهل السمة والجماعة في باب القدر لعبد الله بن سليمان الغفيلي ص 174 ـ 175، مجلة البحوث الإسلامية، العدد 76. 1426هـ
[13] ـ سورة البقرة الآية 238.
[14] ـ تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، لمحمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2/345.
[15] ـ صحيح مسلم، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، رقم الحديث 1457. 3/24.
[16] ـ سورة القلم الآية 28
[17] ـ الجامع لأحكام القرآن، لأبوعبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (ت 671هـ)، دار الكتب المصرية، القاهرة، 2/212.
[18] ـ تفسير القرآن العظيم، لأبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي دار طيبة للنشر والتوزيع، 1/454.
[19] ـ سورة المائدة الآية 110.
[20] ـ سورة البقرة الآية 143
[21] ـ وسطية الإسلام لمحمود عبد الخالق السعداوي ص 11.
[22] ـ صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب درجات المجاهدين في سبيل الله، رقم الحديث: 1028
[23]ـ مسند الإمام أحمد بن حنبل، 4/188، رقم الحديث: 17714، مؤسسة قرطبة القاهرة، وذيل عليه شعيب الأرناؤوط بقوله: “إسناده صحيح على شرط مسلم، وهو خرجه في إرواء الغليل”؛ المكتب الإسلامي بيروت، الطبعة الثانية، 1405هـ 1985م، 7/40.
[24] ـ سورة سبأ الآية 28.
[25] ـ سورة الأحزاب الآية 21.
[26] ـ صحيح مسلم كتاب الطلاق باب بيان أن تتخير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالبينة 2/ 1105.
[27] ـ صحيح البخاري كتاب الأدب باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يسروا ولا تعسروا 7/ 101.
[28] ـ المستدرك علىالصحيحين للحاكمالنيسابوري 3/432.
[29] ـ تفسيرالبيضاوي،للبيضاوي،دارالفكر بيروت3/422
[30] ـ صحيح البخاري باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي حديث رقم: 708. 1/ 143.
[31] ـ صحيح البخاري باب من شكى إلى إمامه إذا طول حديث رقم: 705. 1/ 142.
[32] ـ صحيح البخاري باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يستدعي ذلك حديث رقم: 90. 1/30.
[33]ـ رواه مسلم برقم: 784.
[34]ـ السارية: العمود. وكانت أعمدة مسجده صلي الله عليه وسلم من جذوع النخل.
[35] ـ سورة التوبة الآية 182.
[36] ـ الوسطية في القرآن الكريم علي محمد الصلابي مكتبة الصحابة، الشارقة -الإمارات، الطبعة: الأولى، 1422 هـ -2001 م ص 499
[37] ـ صحيح البخاري حديث رقم: 3007. 4/59
[38] ـ صحيح البخاري حديث رقم: 6295. 8/57
[39] ـ صحيح البخاري باب الرفق في الأمر كله برقم 6025. 8/12.
[40] ـ أخرجه أحمد في “مسنده” بإسناده صحيح، 5/ 256 ـ 257
[41] ـ سورة القصص الآية 77.
[42] ـ صحيح مسلم كتاب الذكر والدعاء والتوبة باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل حديث رقم: 7078. 8/81 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[43] ـ مسند الإمام أحمد حديث رقم: 14037 21/ 433.
[44] ـ صحيح مسلم كتاب الرضاع باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة حديث رقم: 1476. 2/1090.
[45] ـ صحيح الترمذي كتاب البر والصلة باب المزاح رقم: 1990 4/357.
[46] ـ مسند الإمام أحمد حديث رقم: 24855 41/ 349.
[47] ـ سورة الضحى الآية 4.
[48] ـ صحيح مسلم كتاب الصيد بالكلاب المعلمة، رقم الحديث 5090،2/135.
[49]ـ سنن أبي داود، باب الأكل بآنية أهل الكتاب، رقم الحديث: 3840، دار الكتاب العربي، بيروت، 2/ 428.
[50] ـ عون المعبود شرح سنن أبي داود، أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، 2/79.
[51] ـ صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، باب قول الله تعالى: “وإن يونس لمن المرسلين” حديث رقم: 3414، 4/159.
[52] ـ السيرة النبوية لابن هشام لعبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين (المتوفى: 213هـ) تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر الطبعة: الثانية، 1375هـ 1955 م 2/638
[53] ـ السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد روايات السيرة النبوية 1/198.
*أستاذ تعليم عالي متعاون بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، موريتانية
Leave a Reply