+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

شهر في مدينة حيدرآباد الثقافية العريقة
د. محسن عتيق خان

كنت أتمنى منذ زمن طويل زيارة حيدرآباد لكونها مركز الثقافة الإسلامية في الهند قبل الاستقلال، وبسبب تاريخها الإسلامي العريق ومبانيها الأثرية الفمخة إذ حكمها السلاطين المسلمون قرونا، وقامت فيها دولة إسلامية كبيرة على أنقاض الإمبراطورية المغولية، وظلت ثاني أكبر دولة في الهند خلال الحكم الإنجليزي. وكانيعرف حكامها بلقب “نظام” نسبة إلى نظام الملك الذي أسس هذه الدولة في بداية القرن الثامن عشر. فسُنحت لي فرصة زيارة هذه المدينة العريقة في شكل مهمة رسمية تدريبية مع بعض زملائي من المكتب.

كنا فريق خمسة نفر مكونا من شابين و ثلاث فتيات فاجتمعنا على مطار اندراغاندي في دهلي عند الظهيرة في23 أغسطس عام 2017 ومن هنا أقلعت بنا سيارة شركة وِستارا إلى حيدرآباد. كان أخي الصغير الذي يعمل في حيدرآبادفي شركة على اتصال دائم معي وما إن خرجت من المطار اتصل بي ليأخذني إلى بيته، ولكن فضلت أن أنزل مع زملائي بالفندق At Home Apartment Hotelالذي حجزت لنا الشركة و ألقاه فيما بعد في اليوم التالي أو خلال نهاية الأسبوع، ولكنه بعد أن علم عنوان الفندق اكتشف بأن بيته يقع على قرابة 3 كم فقط من الفندق الذي كان في وائت فيلدس بحي “كوندابور” فجاء في المساءوقضينا ساعة أو ساعتين معا متجاذبين أنواعا من الحديث إذ التقينا بعد زمن طويل.

لم ندرك كيف مضى يومان في مكتبنا الذي يقع في حي “آدي بتلا” خارج مدينة حيدرآباد، وخلال غدواتنا إلى المكتب كنا نشاهد بحيرتي عثمان ساغر و حمايت ساغر اللتين بدتا لنا ساكتين هادئتين رغم عمقهما وإفادتهما الكبيرة للمدينة، وكان أنشأهما نظام حيدرآباد الأخير مير عثمان علي خان عن طريق تدمير نهر موسي في عام 1920 لتوفير مصدر إضافي لمياه الشرب لحيدر آباد ولحماية المدينة بعد الفيضان الكبير في عام 1908، وسُميت الأولى بإسمه والثانية بإسم ابنه حمايت علي خان. وكذلك كانت تقع في طريقنا حديقة واندريلا للملاهي ولكن لم نجد فرصة لزيارتها.

يوم السبت، 26 اغسطس، 2017

استيقظنا متأخرا يوم السبت والتقينا في قاعة الطعام في الظهيرة وبعد تفكير ونقاش طويل قررنا أن نتابع فيلم “انابيلا” في صالة السينما وقد تم إطلاقه قبل أسبوع فقط ثم نزور بحيرة حسين ساغر، فحجزنا المقاعد وغادرنا في سيارة كبيرة متنزهين ومتفرجين.

كان الفيلم رائعا ومخيفا وكانت زميلاتنا تصيح في بعض الأحيان من الخوف، وزميلة ذكية لنا استطاعت أن تتنبأ بعض مشاهد الفيلم قبل حدوثها وصدق تنبأها أكثر من مرة. عندما خرجنا من صالة الفيلم بعد نهاية الفيلم كانت الشمس على وشك الغروب، فأخذنا أوتو وذهبنا إلى إيت استريت أو شارع الأكل على ضفة بحيرة حسين ساغر، والجدير بالذكر أن هذه البحيرة -التي تم إنشاؤها في عهد الملك قلي قطب شاه في عام 1563 والتي سميت بإسم مخططها حسين شاه ولي- تحيطها طريق من كل جانب مثل العقد حول العنق ولذلك تعرف بـ”نيكليس رود” وهذا يضيف في جمال البحيرة، وشارع الأكل يقع على هذه الطريق حيث أكلنا بعض الوجبات ثم تقدمنا إلى الأمام وتوقفنا قليلا عند فندق حيث كان فريق يلعب بآركيسترا ثم تقدمنا إلى الأمام ومررنا بتمثال بوذاالصخري المنصوب في زاوية في هذه البحيرة، وهي تجذب أنظار الناس بسبب فخامته ويقال إنه أطول تمثال بوذا في العالم. كنا حينذاك قد تعبنا كثيرا فقررنا العودة ووصلنا فندقنا حوالى الساعة العاشرة. كان هناك دكان للبيرة في طريقنا فاشترى أحد زملائنا قوارير البيرة لهم وقارورة عصير مانجو لي إذ كان يريد أن أسهر معهم وأشاركهم في حفلة نهاية الأسبوع.

جلسنا في إحدى غرفنا في الفندق وبدأ تعاطي الخمر في ضوء ضئيل يجعل البيئة رومانطيكية وعلى موسيقى خفيفة تحلو للآذان.تطوعت إحدى زميلاتنا وبدأت تسكب الخمر في الكؤوس واحدا بعد واحد ثم توقفت عند كأسي ورأت إلي مبتسمة ومستأذنة بإشارة عينيها ولكن رفضت كل الرفض فضحكت وسكبت العصير في كأسي وعند ذلك تذكرت بيتا عربيا.

ومدامة حمراء في قارورة              زرقاء تحملها يد بيضاء

فالخمر شمس والحباب كواكب     والكف قطب والإناء سماء

كانت الليل تمضي ببطء وكانت الكؤوس تفرغ حتى أخذ الخمر لبهم فبدأ دور الرقص بعد دور الخمر والآن كان الموسيقى تلعب بأعلى صوت، دفعتني إحداهن إلى الرقص وحاولت أن ترضيني لأرقص معهن، ثم حاولت الثانية، أخيرا الثالثة ولكنني قلت لكل منهن “لا أعرف كيف أرقص، أنا أجلس هنا وأشاهد”. وخلال هذه السهرة كشفن عن بعض أسرارهن، فإحداهما لا تريد أن تعمل في الشركة بل تتمنى أن تبلغ منتهى الشهرة فهي جميلة وذكية، وأخرى تريد أن تقود فريقا في الشركة وتصعد الأدراج بسرعة وهكذا. لم ندر كيف مضى الليل حتى أطل زميلنا من الشرفة فقال ها هي قد فلق الصبح، وكان النوم فد بدأ يلعب برأسنا فخرجنا إلى غرفنا.

يوم الأحد، 27 أغسطس، 2017:

زيارة قلعة “غولكندا فورت”، ومقابر الأسرة الملكية القطب شاهية:

لم أنم طويلا إذ أيقظني رنين جرس هاتفي المحمول، فكان أخي مختار يحاول الاتصال بي وكانت في هاتفي عديدا من الاتصالات الفائتة، وكان ينتظر لي في قاعة الانتظار في الفندق، فوضعت بعض الملابس في حقيبتي وذهبت معه إلى بيته، وكنت قد قررت قبل أن أنام في الليل الماضية بأنني لا أقضي عطلة نهاية الإسبوع مع زملائي بعد اليوم فهم أصحاب السهرة والخمر وأنا رجل يحب الآثار والتاريخ. أكلت الفطور مع أخي في بيته ثم خرجنا لزيارة قلعة “غولكندا فورت”.

هذه قلعة فخمة تقع على جبل الرعاة كما يدل معنى إسمها باللغة التيلغوية وفي مكان منها -كما يقال- حُفرت أشهر جواهر الهند بما فيها كوه نور، ونور العين. وتم بناؤها كحصن طيني أولا على أيدى الأسرة الحاكمة الكَكَاتية في تلك المنطقة، ثم وقعت بأيدي الإمبراطورية البهمنية المسلمة وعند انهيارها جعلها الملك قلي قطب الملك (1512–1543) عاصمة لسلطنته وخلال عهده تحولت هذه القلعة من حصن طيني إلى قلعة حجرية ثم أضاف إليها في البناء كل من جاء بعده من أبنائه فبرز على الساحة في الصورة التي نراها اليوم.

عندما دخلنا القلعة سلمت علينا موجات النسيم البارد ووجدنا أنفسنا في داخل باب فخم، وقيل لنا إنه رواق التصفيق الذي مكون من الأسقف المرتفعة، والفتحات المقوسة، وتم استخدامه في عهد السلاطين كجهاز الإشارة، فإذا كان يدخل أحد يصفق الحراس لإنذار أو إخبار من كان يجلس في قاعة البارادري. ثم تقدمنا إلى الأمام ومررنا بغرفة ضيقة تعرف بسجن رامداس، وحسب الفولكلور كان رامداس جامع الضرائب ومرة بنى معبدا لإله راما من تحصيلات الضرائب بدون إذن الملك، وعندما اكتشف الملك ابوالحسن بأنه خان في تحصيلات الضرائب فوضعه في السجن ولم يطلق سراحه إلا بعد اثنى عشر سنة، وهناك أساطير عديدة حول الملك ورامداس ولكن لا نخوض فيها.

كانت القلعة مرتفعة عالية جدا ولم أرى قلعة مثلها من قبل في العلو والارتفاع، وعندما وصلنا أعلى القلعة بعد تسلق حوالي ثلاث مئة سلم كنا قد تعبنا، ولكن المشهد الجميل لمدينة حيدرآباد من هناك ذهب بتعبنا وأعاد إلينا نشاطنا.وفي داخل هذه القلعة مسجد صغير يعرف بالمسجد الإبراهيمي، والمسجد جميل جدا ويعتبر من معالم الهندسة المعمارية في هذه القلعة، ومن الأسف الشديد هذا المسجد مغلق على المصلين. وبجانب هذا المسجد هناك معبد هندوسي ويدخلها الزائرون الهنادك.ويبدو من مظهر هذا المعبد أنه بُني حاليا، ولكنه قديم جدا وهذا يدل على أن سلاطين هذه القلعة المسلمين كانوا يحترمون الديانات الأخرى.

ومن فوق هذه القلعة رأينا عددا من المباني تبدو مثل قلعات صغيرة على مسافة نصف كيلومتر فقط، وأخبرني أخي بأنها سبعة مقابر للأسرة الملكية المعروفة بـ “قطب شاهي”، فبعد ما نزلنا من القلعة توجهنا إلى هذه المقابر وشاهدنا هناك معالم الهند المعمارية الإسلامية في حيدرآباد. كل مقبرة فريدة من نوعها، ففي النظرة الأولى تبدو متشابهة ولكن إذا أمعنت النظر فيها أدركت أن كلا منها يختلف عن الآخر ويدل على فن معماري دقيق. وإلى جانب قبور الملوك السبعة تجد أيضًا مقابر للأعضاء الآخرين من العائلة المالكة وبعض الوزراء أيضًا، وبجنب هذه المقابر هناك عدد من المساجد الصغيرة والكبيرة. وهذه المقابر مع قلعة غولكندا فورت، وتارامتي بارادري تشكل المثلث الذهبي بمدينة حيدرآباد. عندما أذن المؤذن للعصر وبدأ حراس المقابر يعلنون للزوار عن وقت إغلاق حرم المقابر، خرجنا من هنا ثم شربنا شاي المساء في مطعم أمام بوابة المقابر وبعد ذلك عدنا للبيت.

 

يوم السبت، 2 سبتمبر، 2017

في مساء نهاية الأسبوع الثاني في مدينة حيدرآباد جاءني أخي فذهبت إلى بيته واحتفلت معه في اليوم التالي بعيد الأضحى ولقيت بعض معارفي من جامعة جواهر لال نهرو، وبعض أصدقاء أخي، وتغدينا في بيتنا وتعشينا في بيت أحد أصدقائه إذ أقام مأدبة العشاء لنا.

يوم الأحد، 3 سبتمبر، 2017

  • زيارة متحف “سالار جنغ ميوزيوم”:

في اليوم التالي ذهبت مع أخي وأسرته (المكونة من زوجته وابنه) لزيارة متحف “سالار جنغ ميوزيوم” وهو مستودع كبير للإنجازات الفنية لمختلف بلدان أوروبا وآسيا والشرق الأقصى في العالم. وكان قد تم الحصول على الجزء الرئيسي من هذه المجموعة من قبل نواب مير يوسف علي خان المعروف باسم سالار جنغ الثالث.

مجموعات متحف سالار جنغ هي مرآة البيئة البشرية الماضية التي تراوحت بين القرن الثاني قبل الميلاد وأوائل القرن العشرين الميلادي من ثقافات مختلفة مثل اليونانية والرومانية والهندوسية والجاينية والبوذية والمسيحية والإسلامية من مختلف البلدان ومختلف المواد. و قد تم تقسيم مجموعة المتحف إلى الفن الهندي وفن الشرق الأوسط وفن الشرق الأقصى والفن الأوروبي وقسم الأطفال. وبالإضافة إلى ذلك ، تم تخصيص معرض لعائلة سالار جنغ اللامعة  التي كانت مسؤولة بشكل رئيسي عن الحصول على هذه المجموعة النادرة.

وأشياء الفن الهندي تتكون من منحوتات حجرية وصور برونزية ومنسوجات مطلية (قلم كاري) ومنحوتات خشبية ومنحوتات من اليشم وأدوات معدنية وأسلحة ومخطوطات ودرع وما إلى ذلك. و يتم تمثيل الشرق الأوسط من خلال عناصره الفنية من بلاد فارس وسوريا ومصر، ومن الأشياء المهة، السجاد والورق (المخطوطات) ، والسيراميك ، والزجاج ، والأدوات المعدنية ، والأثاث ، والطلاء الخ. أما المجموعة الأوروبية فتتكون من أجسام فنية تتراوح من الأمثلة الممتازة من اللوحات الزيتية ، وأشياء زجاجية جذابة وألوان رائعة من العاج ، وأواني المينا والساعات.وهكذا هذا المتحف واحد من المتاحف الهندية القليلة التي يمكن أن تفتخر بمجموعتها الخيالية الواسعة من فنون الشرق الأقصى التي تتكون من أشياء فنية صينية ويابانية من الخزف والبرونز والمينا وألواح اللك والتطريز واللوحات والخشب وأعمال التطعيم.

وفي هذا المتحف ساعة كبيرة لا تزال تعمل ويجمع الناس في فناء المتحف لرؤية هذه الساعة الخاصة فعند اكتمال كل ساعة تجد في داخل هذه الساعة حارسا يضرب الجرس، وهذا المنظر لا يزال يعجب الناس. وفي هذا المتحف عدد كبير من المخطوطات العربية، واكتشفت انه قد تم جمع تفاصيلها في كتاب ينقسم إلى أجزاء عديدة فاشتريت الأجزاء التي كانت متوفرة في مكتبها.

قضينا في هذا المتحف وقتا كثيرا وزرنا معظم القاعات والتقطنا صورامختلفة هناك حتى غلب علينا الجوع والتعب فخرجنا منها وأخذنا آوتو إلى مطعم شاداب الشهير حيث أكلنا البرياني الحيدرابادي المعروف ثم ذهبنا إلى تشار مينار الذي يعتبر مَعلِما لمدينة حيدرآباد.

  • تشار مينار:

تشار مينار أو مبنى أربع منارات نصب تذكاري يقع في قلب مدينة حيدرآباد ويعتبر رمزا لتراثها، وحسب أسطورة شائعة كان بناه الملك محمد قلي قطب شاه السلطان الخامس من الأسرة القطب شاهية في عام 1591م رمزا لنهاية الطاعون المدمر، وكمحور تم تخطيط مدينة حيدراباد حوله. هذا المبنى من إحدى الإنجازات المعمارية العليا من عهد الأسرة القطب شاهية. والجدير بالذكر أنه عند إحدى أعمدة هذا المبنى هناك معبد هندوسي وبجنبه مقبرة لأحد الصوفيين ويزورهما الزائرون من الهنادك والمسلمون على التوالي. وكنا نتمنى أن نتسلق تشار مينار ونشاهد المباني حولها ولكننا عرفنا بأن هذا وقت الإغلاق، فبعد قضاء عدة دقائق حولها تقدمنا إلى مسجد مكة الذي يقع على بعد خمس مئة متر من هنا.

  • زيارة مسجد مكة:

هذا ثاني أشهر وأكبر المساجد في الهند بعد المسجد الجامع بدلهي، وقد تم نحت الواجهات المقوسة الثلاثة من قطعة واحدة من الجرانيت، وهو يعرف بمسجد مكة لأن السلطان محمد قلي قطب شاه استورد التراب من مكة المكرمة لبناء القوس المركزي لهذا المسجد. قاعة المسجد تتسع لعشرة آلاف المصلين في وقت واحد، وهناك صحن كبير للمسجد في وسطه حوض كبير لا يزال يفيض بالماء ولكن الماء كدر ولا يصلح للوضوء بسبب القذارة المتواجدة فيه. كنا وصلنا هناك قبل المغرب بقليل فرأينا بعض طلاب مدرسة  أقاموا جماعة للعصر في زاوية فانضممنا إلهيم وصلينا العصر معهم، ثم انتظرنا قليلا حتى أذن المؤذن للمغرب. وبعد صلاة المغرب سلمت على المؤذن وتحدثت معه فوجدت أنه ليس بمؤذن المسجد بل أحد جيرانه ويؤدي هذه الفريضة في بعض الأحيان في صورة غياب المؤذن. ثم تحدثت مع الإمام فوجدت فيه شخصية متواضعة.

يوم الأحد، 10 سبتمبر، 2017

زيارة سد “ناغا أرجن ساغر” Nagarjuna Sagar Dam:

كنت قد سمعت عن سدود كبيرة أقيمت على الأنهار الهندية وكنت معجبا بفخامتها وجمالها ولكن لم تسنح لي الفرصة قط أن أزور أحدا منها، فقررت أن أزورسد “ناغا أرجن ساغر” الذي تم بناؤه على نهر كريشنا ويقع على بعد مئة وستين كم من حيدرآباد ويستغرق السفر حوالى أربع ساعات. اكترينا سيارة على كراء محدد وخرجنا صباحا في حوالى الساعة السابعة ووصلنا في الساعة العاشرة والنصف. كان منظر السد رائعا ولكن منظر البحيرة أمامها كان أروع، فبدت كأنها تمتد على مد البصر. وفي وسط هذه البحيرة هناك جزيرة صغيرة تعرف بـ “ناغا أرجنا كوندا” وتحتوي على بعض أطلال وآثار أتباع بوذا. وفي الحقيقة كان هذا إسم مدينة قديمة عُرفت في التاريخ كأحد المراكز العلمية الرئيسية للبوذيين في الهند يشد رحالها طلاب من الصين، والبنغال، وسري لنكا، ولكن بسبب بناء سد وبحيرة ناغا أرجنا ساغر، تم غمر الآثار الأثرية في “ناغا أرجنا كوندا”، وكان لابد من حفرها ونقلها إلى أعلى الأراضي على التل، والتي أصبحت جزيرة. هناك قوارب كبيرة تأخذ الناس من الساحل إلى الجزيرة مرتين في يوم فوجدنا أنها قد غادرت قبل ساعة والدورة الثانية تذهب في الساعة الأولى والنصف، كان لدينا أكثر من ساعتين فقررنا أن نزور الشلالة القريبة المعروفة بـ “شلالة إيثيبوثالا” التي تقع على بعد عشر كم من هذا السد. وصلناها في نصف ساعة ودخلنا الحديقة التي تطل على هذه الشلالة ولكن لم نجدأي ماء هناك فهي تفيض بالماء في موسم المطر ولكن بسبب قلة الأمطار هذه المرة لم تعد الحياة إليها. عدنا من هنا في حوالى الساعة الثانية إلى السد فوجدنا القورب في زاوية.

كان الحر شديدا جدا، وكانت الشمس ملتهبة وتلفح رأسنا ووجوهنا، ولم نكن نعرف كيف نتمتع في هذا الحر ولكن عندما أخذنا مقاعدنا في القارب الذي بدأ في السفر في عدة دقائق تالية، وجدنا تغير الطقس في صورة مفاجئة إذ جاءت بعض الغيوم مع الرش الخفيف الذي أراحنا من الحر وجعل السفر ممتعا لنا، وهذا من شأن الله، لا دخل فيه للناس. زرنا على هذه الجزيرة المتحف، وأطلال بعض المباني البوذية القديمة وتمتعنا بمشاهد البحيرة من هنا وهكذا قضينا هنا حوالى ساعتين ثم ركبنا القورب الذي أوصلنا الجانب الآخر للبحيرة. فقد ركبنا قوربا غير قوربنا وهكذا سافرنا إلى الجزيرة من ولاية تلنغانا وعدنا منها إلى ولاية آندهرابراديش، فهذه البحيرة تقع على حدود هاتين الولايتين، فجانب في ولاية تلنغانا وجانب آخر في ولاية آندهرابراديش. اتصلنا بسائق سيارتنا فجاءنا في نصف ساعة. والجدير بالذكر أن سائق السيارة لم يرض أن يأخذ منا الكراء الذي كنا قد اتفقنا عليه بل طلب منا اكثر من ذلك وكنا دهشنا بطلبه غير المناسب وعدم التزامه بما قد اتفقنا عليه، فأردت أن اتصل بالشرطة ولكن بسبب اللغة الأجنبية وتعبنا وإرهاقنا فضلنا أن نعطيه ما كان يطلب فكنا في بلد أجنبي ولا فائدة في الشجار.

يوم الأحد، 17 سبتمبر، 2017

زيارة تشومحلة بليس (Chowmahalla Palace):

صباح يوم الأحد، خرجت مع أخي على دراجته النارية لمشاهدة قصر “تشومحلة بليس”مرورا بـالجسر القديم المعروف بـ”برانا بل” الذي لا يستخدم حاليا للسيارة إذ بجنبه جسر حديث آخر، ولا تجد على الجسر القديم إلا دكاكين الخضراوات والثمار. هذا أول جسر بُني في مدينة حيدرآباد ، وبين أقدم الجسور في جنوب الهند، وقد تم بناؤه على نهر “مُوسي” في عام 1578 للربط بين مدينة حيدرآباد وغولكندا خلال عهد الأسرة القطب شاهية المسلمة، وهذا الجسر لا يزال يعتبر واحدا من أقدم المعالم في حيدرآباد.

وصلنا تشومحلة بليس، فوجدنا فيها مجموعة من المحلات الجميلة التي لا تزال تقص عن الحياة المترفة التي عاشها النظام وهو لقب الملوك المسلمين الذين حكموا منطقة مترامية الأطراف من جنوب الهند منذ بداية القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن العشرين. وكان قد تم بناء هذا القصر على أيدي النظام صلابت جنغ (1751-1762)، وقد أضاف إليها ملوك آخرون حتى تم بناؤه في عهد النظام أفضال الدولة في عام 1869 وهكذا ظهر فيه مزيج من الأنماط المعمارية المختلفة والتأثيرات المتعددة فاصبح فريدا في أسلوبه وجماله وبنائه. وكان مسكنا رسميا لملوك النظام، وعُقدت فيه الاحتفالات بما فيها جلوس النظام على عرشالحكومة، واستقبال الحكام الكبار، وهو لايزال في يدي بركت علي خان مكرم جاه الذي من سلالة النظام.

وجدنا في هذا القصر فنائين كبيرين فيهما محلات فخمة، ففي الفناء الجنوبي زرنا أربعة قصور وهي أفضل محل، ومهتاب محل، وتهنيت محل، وآفتاب محل، وقد تم بناؤها على الطراز الكلاسيكي الجديد. وفي الفناء الشمالي شاهدنا سلسلة طويلة للغرف، والنافورة الكبيرة وعدة من المباني الأخرى.والمبنى المعروف بـ “خلوت مبارك” يعتبر قلب هذا القصر ففيه القاعة الكبيرة التي تحتوي العرش الملكي وهو يعُرف رسميا بـ “تخت نشان”، وفي هذه القاعة كان ملوك النظام يعقدون مجالسهم العامة والخاصة.وكانت هذه الزيارة ممتعة ومثيرة وزيادة في العلم من حيث التأريخ والآثار.

يوم الثلاثاء، 19 سبتمبر، 2017

لقاء مع الأستاذ السيد عليم أشرف الجائسي، وزيارة مولانا آزاد نيشنل أردو يونيورستي:

كان هذا أسبوعا أخيرا لنا ولم يبقى إلا عدة أيام فقررت أن أتابع كل ما أتمنى خلال الأسبوع ، وكان من قراري زيارة جامعة مولانا آزاد الوطنية الأردية (مولانا آزاد نيشنل أردو يونيورستي). ويرأس قسم اللغة العربية بهذه الجامعة الأستاذ السيد عليم أشرف الجائسي وهو من مديريتي “رائ بريلي”وينتمي إلى أسرة علمية كريمة نبيلة، ومن سلالة الشيخ مبارك بودلى الجائسي الذي لعب دورا مهما في نشر الإسلام في منطقتنا، والذي قد كتبت عنه بحثا نُشر أولا في مجلة “المعارف” الشهيرة قبل أن أنشره في صورة كتاب. فبحثت عن رقم هاتفه على الانترنت واتصلت به قائلا: “معك محسن عتيق من مديرية رائبريلي، وأتمنى لقاءك إذا أمكن” فدُهشت من جوابه إذ قال: “قل محسن عتيق من ساتنبوروا، قد وصلني كتابك، وأرحب بك.” فهو لا يعرفني فقط بإسمي بل يذكر إسم قريتي أيضا بدون أي لقاء في الماضي، وهذا يدل على حدة ذكائه وعلاقته الحميمة بمنطقته. وفي الصباح التالي زرت الجامعة ولقيته في قسمه فرحب بي ولقيني بوجه طلق، وقضى حوالى نصف ساعة معي فتجاذبنا بعض أطراف الحديث فيما يتعلق بمنطقتنا، وباللغة العربية وما إلى ذلك، وعندما استأذنته أوصلني إلى محطة أوتو خارج رحاب الجامعة في سيارته. وخلال هذا اللقاء القصير، وجدت في شخصيته رجلا متواضعا، وعالما جليلا، وصاحب علم دقيق باللغة العربية، وحامل أسلوب جميل منفرد في اللغة الأردية. وفي الطريق توجهت إلى كراتشي بيكري الذي معروف كعلامة تجارية شهيرة في حيدرآباد فاشتريت منها بعض حزمات البسكوت هدية لأصدقائي وأسرتي.

يوم الخميس، 21 سبتمبر، 2017

زيارة حديقة النباتات (Botanical Garden)، وشلبارامام (Shilparamam)

كان هذا يوما أخير لنا، فصباح اليوم التالي كان يوم المغادرة من هذه المدينة الثقافية العريقة، فأردت أن أزور بعض الأمكنة السياحية، وقبل أن أخرج من فندقي هائما على وجهي بحثت عن الأمكنة القريبة فأثار فضولي مكانان ظهرا في مقدمة القائمة وهما حديقة النباتات، وشلبارامام. فزرت أولا حديقة النباتات ولكن لم أجد فيها شيئا يعبجني، فليس هناك إلا بعض الأشجار والحدائق ولا تجد فيها إلا الفتيان والفتيات يتحابون ويتعاشقون في كل زاوية من زواياها. ومن هناك خرجت إلى شلبارامام فوجدته مكانا مثيرا للاهتمام، فهي قرية حرفية تعرض فيها مختلف الفنون والحرف التقليدية من قبل الحرفيين من جميع أنحاء البلاد. وفي مساحاتها الخضراء الطبيعية تتخلل تماثيل تم تصميمها بعناية ودقة، وكذلك مباني مصممة بشكل معقد. وجدت فيها الحرفيين من مختلف أنحاء الهند يعرضون أعمالهم بما فيها المجوهرات التقليدية وملابس الساري المنسوج يدويا، والشالات والفساتين والشراشف وغيرها. والأدوات الخشبية والمعدنية اليدوية. وهناك العديد من المحلات التجارية التي تعرض الملابس من أنواع مختلفة وبأرخص ثمن لمن يرغب في التسوق الشارعي. وهناك مكان للوجبات حيث أكلت الغداء وشربت شاي المساء وخلالهما تمتعت ركوب القورب في حوض كبير، وقبل المغادرة تمتعت بمشاهدة رقص محلي في المسرح المفتوح هناك. فكانت زيارة هذا المكان زيارة ممتعة.

وفي صباح اليوم التالي أكلت الفطور مع أخي في بيته، ثم أخذت حقائبي من فندقي ووصلت المطار ظهرا فأقلعت بي الطائرة في الساعة الثلاثة وأوصلتني دلهي بحفظ وأمان خلال ثلاث ساعات والحمد لله على ذلك.

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of