+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

رواية “مذنبون لون دمهم في كفي”: دراسة في الشخصية
قوادري بوجلطية مريم

الملخص:

أبْدَعَ الكاتب (الحبيب السائح) ـــــ بدءًا من ما تخلفه الرواية في قارئها ــــــ في خلق عالم روائي خاص به، بحَدِ ما تحمله كلمة(إبداع) من جمال ومتعة في نسج اللغة، ومراعاة التجربة والموهبة النابعتان من تصويره للواقع الجزائري في فترة من فتراته التاريخية القاسية، ولذا يستوجب البحث في الرواية عموما والرواية الجزائرية خصوصا الحديث عن الأدب الثوري، كونها تعد متنفسا ينم عن وعي فكري يعود بالدرجة الأولى إلى عوامل مختلفة دينية، تاريخية… وغيرها، جعلت منها محورا هاما في تطور الأدب العربي المعاصر، لأن الألم الذي حُمِلت به الكتابات من رحم الفجيعة، هو الذي جعله ينقلنا بين لحظة وأخرى لزمن إفتراضي يتحقق وجوده بإحساسنا به، وأماكن خيالية تصورها حدود بيئتنا الجغرافية، وكذا شخوص ورقية اخترنا أن نحلل كيفية اكتسابها لمواصفات جسدية ونفسية من تفاعلنا معها وقياس وجه الشبه بينها وبيننا.

الكلمات المفتاحية: الرواية، الراوي، الشخصية…

1 ــ مدخل:

 يلمس المتصفح لنص رواية (مذنبون لون دمهم في كفي) ذلك التشكيل الخطابي الذي خرج من سياسة الإيديولوجيات القومية إلى جمالية أخرى من الإبداع والشاعرية، في تجسيد رغبة سكان هذا البلد وطموحاتهم وقضاياهم المتباينة، مما يؤكد أن ” الحبيب السائح كان مدركا في رواياته مظاهر هذا الثراء وحاول استغلاله، مما أعطى هذه الرواية طابعا خاصا، أوجب الاعتراف بأن كثيرا من “الروائيين الجزائريين، وخاصة في عشرية التسعينيات قد غلبتهم المحنة”([1]التي أصابت المجتمعات ومنها المجتمع الجزائري الذي لم يكن في منأى عن هذا الخطر لأسباب عديدة اختلف حولها الباحثون، غير أنَّ المتفق عليه والذي لا يوجد حوله أي اختلاف، هو ما خلفته هذه الظاهرة من مخاطر، عبَّروا عنها بطرق مختلفة ساهمت في إثراء الرصيد الفني والأدبي معًا، وجعلت من الرواية أفقًا رحبا يتسع لكل ظاهرة وشكل بحكم قدرتها على استيعاب ذلك العمق ومدى التعامل معه، بعد نقله من التأريخ وجفاء اللغة، إلى شعرية التركيب وجمالية التواشج، في إطار سردي منتظم ولَّد أدبا خاصًا تفرد بمعايشة الدافع الإبداعي قبل كل شيء.

وعليه فإن الراوي تدَّرج في تجسيده للظاهرة بشكل يتماشى مع شكل الأزمة وطبيعتها الغامضة والواضحة معًا، من حيث أن الرواية “لا تكون مميزة فقط بمادتها، ولكن أيضا بواسطة هذه الخاصية الأساسية المتمثلة في أن يكون لها شكل ما”([2])، يتمحور على بداية ووسط ونهاية، من أجل التحكم في الأحداث من جانب تباين الواقع في الزمن والحوادث وطريقة نقله إلى المتن الروائي، وما يضيفه أسلوب البناء من تغيير جذري بفعل الانفتاح على الواقع والبعد عن الـتأطير كون التاريخ لا يعود إلى الوراء، وهذا من مميزات الروائيين “أنَّهم يخلقون شخصيات تقتل شخصيات التاريخ، والسبب في ذلك هو أنَّ المؤرخين يكتفون بالحديث عن أشباح، أماَّ الروائيون فيخلقون أشخاصا من لحم وعظم”([3])، ويلبسونها ملامح من حالات عاطفية لا تغدو أن تفسر بكلمة أو جملة، وإنمَّا هي كدلالة إيحائية تقف خاصية إدراكها على أسلوب صياغتها من ناحية، وحَدْس مُتلقيها ودَرجة تفسيرها من ناحية أخرى، مما جعل من هذه الأمور وسائل لمقاربة الرواية وبنيتها السردية عامة ومنها الشخصية بصفة خاصة على سبيل التمثيل والدراسة.

2 ــــ الشخصية في الرواية(Personnage narrative):

 تشكل الشخصية أحد العناصر الأساسية في الكتابة الروائية، على الرغم من وجود تصورات ومفاهيم نظرية تتباين في تحديديها للمصطلح، لذا كان لابد من الرجوع إلى الأصل اللغوي، نحو ما أشاد به (ابن منظور) في قوله: “الشَخْصُ: والجمع أشخاص (…)كل جسم له ارتفاع، والشَّخِيُص: عظيم الشخصية، (…) شُخُصا: على وارتفع، شُخُوص البصر ارتفاع الأجفان إلى فوق وتحديد النظر” ([4])، بمعنى أن اشتقاق الفظ في اللغة العربية يدل على الذات الظاهر للعيان، والظهور الحسي المقترن بمسمى الشخص، بينما في مقابل اللفظة في اللغة الأجنبية والمنحدرة من اللغة اللاتينية لفظة (Persona) وهو مصطلح استخدم قديما، ويتفق الجميع على أنه “كان يعني القناع الذي ارتبط بالمسرح اليوناني لهذا اعتاد ممثلو اليونان والرومان في العصور القديمة على ارتداء أقنعة على وجوههم، لكي يعطوه انطباعا بالدور الذي يقومون به”([5])، مما زاد محاولة فهم الشخصية الروائية صعوبة، فرضت على النقاد والدارسين لها ضرورة الاستعانة بمجموعة من الأحكام المستقاة من مجالات معرفية متباينة، ولعَّل أهمها علم النفس الذي توغل في فهم الحوافز والمكبوتات الداخلية، قصد إثبات أن “الحتمية النفسية التي تتغير مع الزمن تعمل على التماس علاقات لسبب بالمسبب(…) لكن الشخصية تستلزم تدخلا لعلم النفس بالضرورة”([6])، من أجل تقصي البنية السيكولوجية المعقدة من أهواء ورغبات وتقلبات وانفعالات، جعلت من الشخصية كيانا غامضا تتمحور فاعليته من خلال أعمالها، ولكن لسنا بصدد الحديث عن الشخصية في تلك العلوم، لأنَ ما يهمنا في هذه الدراسة هو الشخصية في الفنون الأدبية وتحديدا الشخصية الروائية، التي تتشكل موَّزعة على طول المساحة النصية، ويتكفل القارئ بإعادة تجميعها حتى تكتمل تركيبيا ودلاليا، مع الإقرار بأن الإمساك بجل الشخصيات في الرواية أشبه بالعسر، لأنَّ حركيتها داخل الرواية وفاعليتها في بناء تصور تخييلي للأحداث، يجعل منها عالما رحبًا بذاته دون الحاجة إلى إعطائها مهمة الإفصاح عن نفسها من خلال الحوار أو اللغة، لكن هذا لا ينفي أن دراستها لا زالت من أهم المباحث التي تشكل هاجسا بالنسبة للكثير من الدارسين والمنشغلين بالدراسات السردية، وذلك بسبب اختلاف أسسها النظرية والمنهجية النابعة من خلفيات فكرية وإيديولوجية، بالإضافة إلى تباينها من الناحية الشكلية ومضامينها الدلالية، وفي ذلك يقول (تودوروف) (Todorov) “إنَّ قضية الشخصية هيَّ قبل كل شيء قضية لسانية، فالشخصيات لا وجود لها خارج الكلمات لأنَّها ليست سوى كائنات من ورق”([7])، يُحَّملها الكاتب ببعض من الفوارق داخل النص لتظهر من بين بعضها البعض.

3 ــــــ أنواع الشخصيات الروائية:

وانطلاقا من مجمل إشارات التفاوت والتي أشرنا إليها سابقا حول مفهوم الشخصية من حيث بنائها ووظيفتها، نقف أيضا عند أهم ما صنفه الدارسون لها، ومنهم ( فلاديمير بروب) ((Vladimir Propp، الذي حدد سبع شخصيات نظرا لوظيفتها ( التعدي، الشرير، المساعد، الأميرة، الباعث، البطل، البطل الزائف) ثم يأتي (غريماس) (A/ J.Greimas) منطلقا من آراء بروب ونموذجه العاملي([8])، فحددها بستة عوامل:( الذات، الموضوع، المرسل، المرسل إليه، المساعد، المعارض) كما رأى أيضًا (تودوروف)(Todorov) أنَّه لابد أن تنقسم الشخصيات إلى قسمين متقابلين بحيث نجد كل شخصية إزاء خصمها، وعل هذا الصدد نجد الكاتب في هذا النص قسَّم الشخصيات وفق مهامها على شقين، يمثل الأول نظام الساسة من خلال (لحول، عليان، الشيخ الأزرق، نصر الله، لزعر، سيف الدين، بوروينة) وأوكل لها ما يثبت أحقيتها من هذا الوجود الخاص داخل المتن من مهام ( القتل، التحريض، التنفيذ، الطب، الدعاية السياسية، التدريب)، بينما الشق الثاني جسد نظام الدولة من خلال شخصياته ( الضابط لخضر، المفتش حسن، الطبيب خالد)، وما تحمله من تفكير وإيمان بما يحث عليه القانون ويتماشى معه الشعب من مبادئ ومعتقدات ترقى إلى إنسانية البشري واجتماعيته المتميزة، بين ثنائية حكم السلطة وحكم المظلوم( الذال/ المذلول)، والتي بنى من خلالها أيضا الشخصيات الرئيسية والمحورية على البطل والبطلة (أحمد/فلة)، وهي شخصيات تقوم بدور رئيسي وبارز في سرد وسير الأحداث، أمَّا الشخصيات المساعدة المتمثلة في القاتل (لحول)، والمنتقم (رشيد)، وأعمدة النظام الثوري والسياسي ( لخضر، حسن، بوركبة)، والتي تعمد إلى مساندة الشخصيات الرئيسية في بناء الأحداث وتوترها وصولا إلى الشخصيات الثانوية، منها المساعدة مثل:(ميمون، الشيخ الأزرق…) من خلال (الوشاية، الإرشاد، التحريض) إلى جانب الشخصيات العرضية (نزهة، لكحل، زبيدة، يزيد، عبد القادر، روزا، فوزية..)، والتي يمكن الاستغناء عنها من ناحية أنها أقل حضورا في الرواية، إلا أنَّ أمام تباين هذه الصنوف التي تتكئ مرة على خاصية الثبات والتغيُّر، ومرة أخرى على الوظيفة أو العامل، وقع اختيارنا على تقسيم (فليب هامون) (Philippe Hamon) الذي اعتمد في تصنيفه على ثلاث فئات، ينبغي الإشارة إليها والتعريف بها ومحاولة إسقاطها على هذه رواية.

1/2 ــــ فئة الشخصيات المرجعية:( Une catégorie de personnage référentielles)

 وهي شخصيات تاريخية (نابليون الثالث، دوماس..)، وأسطورية (فينوس، زوس) ومجازية( الحب، الكراهية) واجتماعية( العامل، الفارس، المحتال)، تدل هذه الشخصيات كلها على معنى كلي وثابت تحدده ثقافة ما، كما تدل أيضًا على أدوار معينة ترتبط بدرجة فهم القارئ لهذه الثقافة”([9])، التي تحدد بالنظر إلى هذه الشخصية وفاعليتها داخل النص، أو ما تقوم به من أدوار تحيل عليها أو تميَّزها.

أ ـــ الشخصيات التاريخية(personnage historique):

ذكر الراوي في المقطع من هذه الرواية (ابن خلدون) في قوله: ” ثم قرأ عناوين(..) تاريخ ابن خلدون”([10])، أي أن كلمة ابن خلدون تعرف بمجرد ذكرها، وكذلك كلمة (الفلاقة) في قوله: ” إنهم آخر الفلاقة الذين طهَّرنا الجبل منهم”([11]) وهو مصطلح أطلقته فرنسا على المجاهدين باعتبارهم الخارجين عن القانون، وكذا قوله” لم أكن أعلم أنه للأمير عبدالقادر([12])، وهذه الشخصية الثورية مثلت أساس المقاومة والصمود، لذا استعارها الكاتب للتعبير عن موقف بطولي حاسم.

ب ـــ الشخصيات الأسطورية(personnage légendaires):

نجد في هذا النص شخصية(الشبح) المستنبطة من الخرافات والأساطير القديمة في قوله:” توقفت فأبصرت شبحا مرَّ مسرعا غير بعيد عني”([13])، فهذا التمثيل الإستعاري لا يدرك وإنما يستوحي من حكايات وهمية، بهدف التخويف والترهيب وهنا دلالته غير حقيقية وإنما الراوي يحاول أن يوصل للمتلقي بواسطته بعض من صفات القاتل.

جــــ ـــــــ الشخصيات المجازية(personnage métaphores):

1ــــ الحب(L’amour): وتجسدت في شخصية (أحمد) و(فلة) في قوله:” لن أنسى أنَّ فلة كانت قصة عشقي المذنب والمخجل”([14])، فأحمد اسم في معناه العام يحيل على صفة الحمد والثناء والشكر وكثير الخصال، بينما في النص هو الشخصية الناطقة بلسان الراوي والمتمكنة في ضبط صيرورة الأحداث وتعاقبها السردي، فهو مرتكز القصة والعالم بكل خبايا الشخصيات الأخرى، فأما بالنسبة لاسم فلة فهو يحيل إلى نوع من الزهور ذو رائحة زكية تدل على النضارة والشباب والحيوية والسحر والجاذبية وترمز في الرواية إلى علاقتين: علاقتها بأحمد ونظرة المجتمع، وعلاقتها بابنها لحول(إرهابي) وموقف أحمد من ذلك، في إطار تلميحي لا يعبر فقط عن مسألة وجدانية، وإنَّما يتعداها إلى قضية سياسية إذا ما أسقطنا مكانة الحبيبة على الوطن، فالراوي لم يسعى بالضرورة إلى تبيان علاقة (أحمد) بــــ (فلة) وما تحويه من أحاسيس (حزن، فرح، حب، بغض…)، بل رمى إلى نقل الحادثة بحس المعايشة، لأن” في الواقع كل شخصية تبتكرها منك أنت، فأنت لم تقتل أحدا في حياتك التي عرفتها (…) مع أنَّ الظروف مختلفة تماما”([15])، يكاد من بينها أن يصبح مرآة تعكس ما في كل واحد منها، وكأَّنه يستحضر حركتها، أقوالها، أوصافها من ماضي يعرف عنه دقائق الأمور وكباره، وهنا يبتعد الراوي عن وظيفة من وظائفه، وهي الوظيفة الروائية (Fonction narrative) مثلما يسميها (جنيت) والتي إذا “انصرف عنها الراوي، خسر اللحظة نفسها، وظيفته كراوٍ ودوره إنما يتحدد بها”([16])، وعليه فإنَّ (السائح) يمثل في هذه الرواية نموذج السرد بضمير المتكلم، أي علاقته بالشخصيات وتداخلها وتمازجها من خلال وجهة النظر التي تتراوح بينهما، كلما سيطرت الشخصية على الرواية وقدمت الأحداث والمواقف الداخلية والخارجية، وكلما فرض الراوي سيطرته فقدم الأحداث من منظوره الخاص، حتى يصبح كلا الطرفين في نسق تناوبي امتزاجي في الأدوار. نحو قوله: “فسألني إن كان ذلك أفزعني فأجبتها أني أهرب كأمثالي من الأطفال، بل تابعت واقفا صامتا ترنح العسكري الذي أخرج مسدسه وصوَّب” ([17])، أي أنه عمد إلى ضمير المتكلم في إيصال ذلك الشعور عبر زاوية الرؤية القولية وتضخيم نفسه، وجعلها محورا مشاركا في الأحداث.

2 ــــ الكراهية(La haine): تجلت في قوله: “يظهر ليقتل لحول وينبش مدفنه”([18])، وهنا يقصد شخصية رشيد الدال في اسمه على الرشد والوعي والحسن والتقدير إلا أن الكاتب حمله في النص حقد على لحول بحيث تكون هذه الصفة ملازمة له اتجاه القاتل حتى يثأر لعائلته منه.

د ــــــ الشخصيات الاجتماعية(personnage sociales):

فهي تظهر في قوله: “إن بوركبة نفسه كان هو الذي فتح قهوته منشغلا بإعداد اللوازم”([19])وهنا أوكله الروائي اسما دالا على الكبر وبلوغ سن متأخرة، مما جعله يتمحور في النص على شخصية ثورية مكافحة واعية عايشت مرحلتين، الاستعمار والاستقلال معًا، إلا أن هذه الفئة ظهرت بقلة في هذه الرواية، فلم يقحمها في النص الروائي بكثرة، وإنما استشهد بها لإيصال أفكار معينة للقارئ، وإيضاح رؤية محددة توحي بارتباطها وتعانقها مع الحدث السردي، في بلورة صورة تعكس حقائق غائبة عن الواقع.

3 ــــ فئة الشخصيات الواصلة: ((Une catégorie des personnages embrayeur

وهي تمثل “علامات حضور المؤلف في النص، أو القارئ أو من ينوب عنه، مثل الشخصيات الناطقة باسم المؤلف، حيث تشير هذه الشخصية إليه أو إلى صفة فيه، وقد تكون جملة أو شيء، كما يصعب الإمساك بها”([20])، مثل شخصية (أحمد) في هذه الرواية، والتي عبرت عن فكر الكاتب وتوجهه في تلخيص فترة العشرية السوداء التي انعكست سلبياتها على المثقف الذي كان مهددا من طرف السلطة، وقد وردت إحالات عليها كقول القاص: “طيلة تلك الأعوام ظللت أركب ما كان ذا صلة بالمذبحة، وما تلاها كأجزاء لعبة الصبر، مثلما أنقش لنجاة خزانة من الخشب الرفيع، من خلال تفاصيل اجتمعت لي من خالتي”([21]).

 والقارئ لا تغيب عليه تلميحات الذات الأنا، التي يشير بها القاص إلى نفسه في كل عبارة من عبارات النص، مشاركا في مجريات الأحداث وفي ذات الوقت يعلق على الأوضاع الاجتماعية والسياسية المزرية، والتي تزيد من توتر الشخصية البطل، ومنها أيضا شخصية (الزهرة) التي تقول للبطل بصفته (كاتبا): “قالت له راجعة إلى صدره، بحثا عن دفئ آخر: تذكرت شيطان الفتنة وسوس لي، أنك نسيت في مقالتك أن تذكر أنَّ ملابسي(…) ومواد زينتي وأدواتي وأشياء أخرى من تصورهم وصنعهم”([22])، والظاهر في هذه العبارة أنَّ (الزهرة) أشارت إلى المؤلف باعتباره كاتبا، أي صفة فيه، لا بعَده (أحمد) البطل داخل النص.

3 ــــ فئة الشخصيات التكريرية:(Une catégorie du personnage anaphores)

 تمثل هذه الفئة” الإشكالية المطروحة في أسماء العلم، ومناسبتها لنقاش لا نهائي بين المنطقيين من جهة، وبين اللسانيين من جهة أخرى، فالأولى أعطت لأسماء العلم استثناء خاص جدا، بحيث تبقى هي الأصل”([23]).

والتي أشار (حسين بحراوي) إلى مكانتها الوظيفية والفاعلية داخل البناء الروائي قائلا: ” يعمل هذا النوع من الشخصيات على التنظيم والتنفيس بين الملفوظات والتذكير بالمقاطع المنفصلة ذات الظل المتفاوت، وهي التي تفرض نفسها وتنقش في ذهن القارئ من خلال الدور المعطى لها”([24]).

وبقليل من البحث يقع القارئ على هذا النوع من الشخصيات، ممثلا إياها في هذه الرواية من خلال قوله: ” أن أكون عدت إلى تلك الأوراق التي تركها رشيد، وكأنها مُعدَّة لأن تكون كتابا”([25])، ولاشك هنا أن القارئ بمجرد اطلاعه على هذا المقطع يتبادر إلى ذهنه أن شخصية رشيد تصنف ضمن الشخصيات المتكررة الاستذكارية، لأنه قام بوظيفة التبشير والإخبار بالحادثة (المذبحة)، أي أنه قام بعملية الإحالة القبلية باستذكار (العشرية السوداء) واستشراف الوقائع والأحداث قبل حدوثها، كون هذا الصنف يمثل شخصيات تكون عبارة عن مواصفات وتلميحات موجودة داخل الرواية ولا يمكن اكتمالها إلا بإنهاء الرواية.

وعليه يمكن القول أن الإجراءات التطبيقية باللغة الأجنبية ذات نتائج نسبية، بحكم منشأها الغربي الذي لا يستوعب التركيبة الجمالية للغة العربية، أو بالأحرى الفنية الأدبية التي لا تقبل تحليل نظامي عام يقنن الإبداع ويقدم له تفاسير وهو في حد ذاته مكون اعتباطي غير معلل.

المراجع:

[1]) المتخيل في الرواية الجزائرية من المتماثل إلى المختلف، آمنة بلعلى، دار الأمل، تيزي وزو، ص: 103.

([2]) بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي، حميد لحميداني، ط: 03، 2000، المركز الثقافي

العربي، بيروت، ص: 45

 ([3]) اعترافات روائي ناشئ، إمبرتو إيكو، تر: سعيد بنكراد، ط: 01، 2014، المركز الثقافي العربي، المغرب، ص: 84

) لسان العرب، ابن منظور، مادة (ش، خ، ص)، مج: 08، ص: 48. [4](

) بنية الشكل الروائي، حسن بحراوى، ط:1، 1990، المركز الثقافي العربي، بيروت، ص: 212.[5](

) مفاهيم سردية، تزفيطان تودوروف، تر: عبد الرحمان مزيان، ط: 01، 2005، منشورات [6](

الاختلاف، ص: 73.

) المرجع السابق، ص: 213.[7](

) ينظر: بنية النص السردي، حميد لحميداني، ص: 25.[8](

)[9](Pour un statut sémiologique du personnage، Philippe Hamon، mai، 1972، P: 95.

) مذنبون لون دمهم في كفي، الحبيب السائح، ص:180. [10](

) المصدر نفسه، ص:115[11](

)المصدر السابق، ص:172.[12](

)مذنبون لون دمهم في كفي، الحبيب السائح، ص:45.[13](

) المصدر نفسه، ص: 12[14](

)تقنيات الكتابة الروائية، نانسي كريس، تر: جابر دريس، ط:1، 1430ه/2009م، الدار العربية [15](

 للعلوم، لبنان، ص: 13.

) ينظر المرجع السابق، ص: 125.[16](

)مذنبون لون دمهم في كفي، الحبيب السائح، ص: 18.[17](

) المصدر نفسه، ص: 187.[18](

)المصدر السابق، ص: 19.[19](

)[20](Pour un statu sémiologique du personnage،Philippe Hamon،p: 95

)مذنبون لون دمهم في كفي، الحبيب السائح، ص: 11.[21](

) المصدر نفسه، ص: 209.[22](

)[23](Pour un statu sémiologique du personnage، Philippe Hamon، p: 95

)بنية الشكل الروائي، حسن بحراوي، ص: 217.[24](

)مذنبون لون دمهم في كفي، الحبيب السائح، ص:12.[25](

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of