+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

الشيخ أبو الحسن الندوي في إذاعة قطر
د. صاحب عالم الأعظمي الندوي

مقدمة:

إذاعة في قطر عام 1384هـ/1965م باسم “إذاعة الجامع الكبير” التي كانت تبث الأخبار والبرامج الدينية، وتعد النواة الأولى لإنشاء إذاعة قطر رسميًا في عام 1387هـ/1968م. وقد شهدت إذاعة قطر تطورات كبيرة في السنوات التالية حيث زاد بثها منذ عام 1389هـ/1970م فضلًا عن بث الأخبار والبرامج باللغات الأجنبية. ومنذ عام 1400هـ/1980م بدأت إذاعة قطر تبث العديد من برامجها الدينية والثقافية باللغة الأردية وقد وجدت صدى كبير بين الجالية الناطقة بها في قطر وفي باقي دول الخليج العربية. ومنذ عام 1405هـ/1985م بدأت إذاعة قطر تقدم برامج عديدة متنوعة بجميع اللغات العالمية المهمة بما فيها اللغة الفرنسية.

وفيما بعد قدمت إذاعة قطر برنامجًا جديدًا باسم “برنامج :حوار مع”. وكان الهدف الرئيس من ذلك البرنامج استضافة أعلام الفكر والأدب والثقافة من مختلف الدول العربية والإسلامية، وإجراء حوار ثقافي و فكري معهم، وبثها عبر إذاعة قطر التابعة لوزارة الإعلام. وقد أسهم في تقديم تلك البرامج الدينية والفكرية الأستاذ عبد الرحمن بن سيف المعاضدي الذي يعد من مؤسسي إذاعة قطر التي تولى مسؤولية إدارتها منذ عام 1390هـ/1971م. ويعد المعاضدي من الشخصيات القطرية المهمة التي أسهمت في تطوير الإعلام الخليجي من خلال مشاركاته في المؤسسات الإعلامية الخليجية المختلفة، وكانت له بصمات مميزة في مسيرة الإعلام القطري.

  وعلى أي حال، قام الأستاذ صلاح خليفة، مقدم برنامج “حوار مع” ومعده بإجراء العديد من اللقاءات مع كبار العلماء والشخصيات وسجلها، ثم فكرت إدارة الإذاعة بتوثيق تلك اللقاءات المسجلة وتحويلها إلى حيز القراءة ونطاقها واستعيباها بتؤدة وتمهل. وأحيلت تلك المسؤولية لمقدم البرنامج أستاذ صلاح خليفة نفسه للبحث والتنقيب في ذلك البرنامج والعثور على اللقاءات الهادفة والمفيدة من أجل ترسيخ قاعدة بيانات وتحويل أجود وأفضل ما حمله البرنامج من ثقافة وعلوم وفكر إسلامي وأدب وفنون إلى صفحات وسطور لتبقى ذخرًا ومددًا وشاهدًا على تجارب إذاعية يحتذى بها.

وقد خُصص الكتاب الثاني الذي نشر في عام 1405هـ/1985م، لنشر تسعة عشر لقاء من تلك اللقاءات التلفزيونية المسجلة التي قام بإجراء حوارها الأستاذ صلاح خليفة مع مشاهير العلماء والمفكرين والمتخصصين في العلوم الإسلامية والتاريخ الإسلامي والفنون والشعر والأدب والموسيقى والمسرح وفي مجال الصحافة والإعلام إلخ. وهو الذي دأبه على جميع حلقاته كتابة ومراجعة وإعدادها للطبع في هذا الكتاب الثاني. وبينا كنت أتصفح ذلك الكتاب الثاني وجدت فيه أول حوار لشيخنا أبي الحسن الندوي رحمه الله بعنوان :”مطلوب من المسلمين الثقة بأنفسهم وبدينهم حوار مع العالم والمفكر الإسلامي أبي الحسن الندوي (الصفحات 7-12). و بعد قراءة ذلك الحوار خطر على بالي إعادة نشره في مجلة ما، ولكني اعتقدت بأنه ربما نشر ضمن الأعمال الكاملة للشيخ في جامعة ندوة العلماء بلكهنؤ أو في مركز الإمام أبي الحسن الندوي للبحوث والدعوة والفكر الإسلامي لآل الشيخ في بلدته راي بريلي، لكهنؤ. ومن هنا، كان لابد من التأكد من الباحثين الذين اشتغلوا في ترتيب أعمال الشيخ وطباعتها ضمن أعماله الكاملة من المركز المذكور أعلاه. وبعد التأكد من بعض الباحثين تبين لي بأن ذلك الحوار لم ينشر في تلك الأعمال الكاملة، فقد نشر في ذلك الكتاب الثاني الصادر عن إذاعة قطر التابعة لوزارة الإعلام بدولة قطر الشقيقة في عام 1985م فحسب.

“وفي هذا المقام لا يسعني إلا أن أشكر صاحب “الببلوغرافيا القطرية” في موقع تويتر الإلكترونية الاجتماعية الذي تفضل مشكورًا بتزويدي بهذا المقال بعد تصويره من الكتاب المعني، فله مني جزيل الشكر والثناء المحمود”.

ولعله من المفيد أن نذكر هنا أنه كانت للشيخ الندوي صولات وجولات في الدول العربية إبان تلك الفترة في سبيل النشاطات العلمية والدعوية، فكان الشيخ قد زار قطر مرات عديدة للمشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية الفكرية. وطبقًا لبعض التقارير الصادرة عن السفارة الهندية بقطر، التي أُرسلت إلى وزارة الخارجية الهندية في عام 1400هـ/1980م، والتي عثرت عليها في الملف الأرشيفي بعنوان (Government of India, Ministry of Ext. Affair, Department of Hist. Div. Office, File No. HI/1011(94)/80). ويفيد أحد تلك التقارير الموجودة في ذلك الملف، بأنه انعقد المؤتمر الدولي الثالث عن السيرة النبوية في الدوحة في عام 1399هـ/1979م، شارك فيها ثلة من العلماء والمشايخ الكبار من الدول العربية والإسلامية بما فيهم الشيخ أبو الحسن الندوي، الأمين العام لمنظمة العلماء في الهند. وفي تلك المناسبة المهمة اختير الشيخ الندوي نائبًا لرئاسة تلك الندوة العلمية. وقد أعجب المشاركون والحاضرون جميعًا بسعة علمه واطلاعه الواسع وبعرضه المتقن باللغة العربية بطلاقة، كما حظيت كلمته التي بثها التلفيزيون القطري بتقدير كبير لدى العامة والخاصة.

 وفي التقرير السنوي لعام 1399هـ/1979م جاء ذكر أبي الحسن مرة أخرى بهذه الكلمات:”زار الشيخ أبو الحسن الندوي، الأمين العام لمنظمة العلماء في الهند، قطر برفقة تسعة قادة دينيين من الهند للمشاركة في المؤتمر الدولي الثالث عن السيرة النبوية الذي انعقد في الدوحة في المدة ما بين 24-29 من شهر نوفمبر عام 1979م. وألقى الشيخ أبو الحسن الندوي كلمته باللغة العربية بطلاقة، وأعجب المشاركون والجمهور إعجابًا شديدًا بحديثه، وتأثروا به لدرجة أن التلفزيون القطري بث حديثه فيما بعد. وانتخب الشيخ كأول نائب رئيس للمؤتمر المذكور، الأمر الذي يسهم في إثراء الدور الذي تقوم به الهند ومؤسساتها التعلمية في سبيل نشر اللغة العربية وآدابها والعلوم الإسلامية في شبه القارة الهندية.”

وتنبغي الإشارة هنا إلى أنه كان ذلك المؤتمر عقد مرتين قبل ذلك في كل من پاكستان وتركيا، وأرادت قطر باستضافة ذلك المؤتمر على أن تكون بداية احتفالات الأمة الإسلامية بمقدم القرن الخامس عشر الهجري. وقد شارك فيه ولي العهد الشيخ حمد بن خليفة نيابة عن أمير قطر آنذاك. وكان من ثمرات ذلك المؤتمر أن تبنت دولة قطر وأميرها الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني مشروع تأسيس “مركز بحوث السنة والسيرة” الذي أوصى المؤتمر بضرورة إنشائه لخدمة السنة وعلومها بمنطق العصر وآلياته، والقيام على عمل الموسوعة الحديثية.

وعلى أي حال، فإن الهدف من إعادة نشر ذلك الحوار هو إعلام علماء الهند والدعاة لا سيما علماء ندوة العلماء بمضامين ذلك الحوار وأهميته في مجال الفكر الإسلامي والدعوة الإسلامية، فضلًا عن إدراجه ضمن الأدبيات الهندية العربية. وعملي في هذا المقال هو إعادة كتابة ذلك الحوار من الكتاب المعني مع تصحيح أسماء بعض الشخصيات التاريخية مثل شخصية القائد العربي محمد بن قاسم الثقفي المتوفى 98هـ/716م الذي كتب اسمه “محمود بن قاسم الثقفي، فضلًا عن تصحيح بعض الأخطاء اللغوية والإملائية إلخ. هذا، و أقدم للقراء في التالي نص ذلك الحوار ومضامينه في التالي:

مطلوب من المسلمين: الثقة بأنفسهم ودينهم: حوار مع: العالم والمفكر الإسلامي أبي الحسن الندوي

ضيفنا ليس في حاجة إلى تعريف…يكفي أن مؤلفه “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟” والذي كتبه بالعربية، وقد ترجم ذلك الكتاب إلى لغات عديدة، ومنها اللغة الأردية اللغة الأم للأستاذ أبي الحسن الندوي الذي كان لنا معه هذا اللقاء والذي لم تثنه السنوات الطوال عن همة الكتابة والتأليف وإلقاء المحاضرات والدعوة إلى الإسلام في كل مكان من الشرق والغرب، وبلغات عديدة يجيدها، ودعوته تقوم أساسًا على اعتزازه واعتزاز كل مسلم بتراثه الإسلامي وحضارته الإسلامية، وأن الإسلام هو طريق الخلاص من كل ما يعاني منه العالم الآن من ويلات…

وقد بدأ حوارنا بكلمات له أذكرها، قال فيها بتواضع العلماء : “أنا أرحب بأسئلتك وأحاول أن أجيب عليها بما يحضرني وما يفتح به الله على ما أراه مطابقًا لعقيدتي وضميري.

سؤال: تظهر هذه الأيام بعض التحديات في مواجهة العالم الإسلامي والفكر الإسلامي، وتظهر هذه التحديات في مناطق مختلفة من العالم….ما السبيل إلى الوقوف أمامها؟

جواب: هذا موضوع كبير ويستحق أن يفرد له كتاب مستقل…وللرد على سؤالك فإني لا أتصور أن الإسلام والمسلمين بمكان من الضعف حتى أرى أن كل فلسفة وكل بريق وكل دعوة تتحداه، لا أرى الإسلام والعالم الإسلامي على هذه الدرجة من الضعف حتى يخاف عليه…إن العالم الإسلامي هو عالم مستقل ذو رسالة وصاحب دعوة ورصيد تاريخي كبير، وأعتقد أن العالم الإسلامي ليس صالحًا للبقاء فحسب، بل هو صالح للقيادة…وأنا لا أكثر من عدد التحديات، ولا أرى في كل دعوة أو قلم كاتب أو لسان مخاطب تحديًا للإسلام…أنني أعتقد بأن التحدي الرئيس أو التحدي الأكبر هو هل يعيش الإسلام ظلًا للعالم الغربي وخاضعًا له في تفكيره وقيمه وحضارته، أم يبقي عالمًا مستقلًا صاحب شخصية وصاحب رسالة ومنهج خاص في الحياة؟…هذا هو التحدي العام والشامل والسافر. فإذا استطاع العالم الإسلامي أن يصمد أمام هذا التحدي الذي يجيء من الغرب وأبرز صلاحيته ومواهبه، وأثبت أنه عالم ذو كيان وذو شخصية، وأنه له حق الوصاية على العالم، وله حق التوجيه والقيادة لركب الإنسانية، فسيبقى ويظل محتفظًا بشخصيته ورسالته، أما إذا كانت له التبعية فقط وتلميذًا ومتطفلًا على مائدة الغرب كما يحدث الآن وللأسف الشديد في كثير من المناطق الإسلامية…فعندئذ يخاف عليه أن يذوب ويفقد شخصيته ووجوده لا سمح الله بذلك…

سؤال: يقال حاليًا أن الفكر المادي الذي يسيطر على الغرب حاليًا هو أحد تلك التحديات للعالم الإسلامي…هل هذا صحيح؟

جواب: أنا أعتقد أن الفكر الغربي قد أبرز مواهبه كلها وأصبح لا يحمل جديدًا؛ فهو الآن كالحيوان المجتر…فالفكر الغربي قد أصبح ضعيفًا مفلسًا، ولا يستطيع أن يتحدى للفكر الإسلامي، كما كان سابقًا، أما الآن فهو يتدرج إلى الشيخوخة والهرم، وليس له من الدفق والحيوية بحيث يتحدى…بل أكثر من ذلك أصبح يفقد ثقته بنفسه، وقد آن الآوان للعالم الإسلامي أن ينصر مبادئه وأن يبرز مواهبه، بل أكثر من ذلك أن يتقدم وينقذ الغرب مما فيه، ويقول له يا غرب: لقد أصبحت كالفاكهة الناضجة قد حان قطافها وسقوطها، وأنا أستطيع أن أنقذك وأمدك بحياة جديدة.

سؤال: إذن ما هو الواجب على العالم الإسلامي والفكر الإسلامي أن يفعله لكي يدرأ هذا الخطر؟

جواب: أولًا لا بد أن يستعيد العالم الإسلامي ثقته برسالته ثم بشخصيته وأهدافه، وغاياته؛ لأنه الشيء الذي هدد العالم الإسلامي، وأضعفه هو حقيقة أن فقد الثقة بنفسه، وأصبح ينظر إلى الغرب كأستاذ وموجه وقائد ونسي العالم الإسلامي ما أكرمه الله به من رسالة ودعوة ومسؤولية نحو الإنسانية والبشرية كلها…فأول ما يجب على العالم الإسلامي أن يفعله أن يسترد هذه الثقة التي ضاعت أو كادت تضيع، وأن يسترها بنفسه وبالكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يواجه الغرب وجهًا لوجه في شجاعة وثقة واعتزاز على بينه من الأمر…

سؤال: هل للمؤتمرات الإسلامية جدواها في هذ المجال؟

جواب: أنا لا أنكر جدوى المؤتمرات ولكنني أصبحت ضعيف الثقة والإيمان بنتاج هذه المؤتمرات، وأرى أن العالم الإسلامي قد اتسم بكثرة المؤتمرات، ففي كل ناحية هنالك مؤتمر يدعى إليه لفيف من الناس؛ فهم يدورون في حلقة مفرغة ثم يدعون إلى مؤتمر آخر، كما أصبحت هذه المؤتمرات كذلك تغطي الواقع، فيتخيل الناس أن هنالك نشاطًا وإنتاجًا ضخمًا…وأن هذه البلد أو ذلك في خدمة الإسلام والمسلمين. فكثرة هذه المؤتمرات أضعفت قيمة هذه المؤتمرات نفسها.

سؤال: إذا لم يكن هنالك جدوى ملموسة من المؤتمرات….ماذا يجب على الفرد المسلم إذن؟

جواب: على المسلم العادي أن ينتج إنتاجًا جديًا…فعمل الفرد له قيمة كبيرة، وإذا استعرضنا تاريخ الإسلام الإصلاحي والتجديدي والعلمي والتأليفي، لرأينا أنه تاريخ عمل الأفراد ولكن قيمة الأفراد قد ضعفت أو ضاعت في خضم الأعمال الجماعية والمنظمات المعاصرة…وأنني أرى أنه من الواجب أن يعود للفرد مكانته ومركزه وقيمته الأصلية وأن يشتغل بالعمل الإسلامي الكبير وفي الإطار الواسع…وإذا أردنا أن نواجه التحديات، فيجب أن يشتغل الأفراد باختصاصاتهم ودراساتهم الخاصة في ركن من أركان العالم؛ فيكتبوا ويؤلفوا ويعملوا على مجابهة التحديات الرافدة، ولا يمكن مواجهة التحدى إلا بالدراسة الأصلية والتأمل الطويل، وهذا لا يتأتي إلا بعيدًا عن الصحف والدعاية.

سؤال: الأستاذ الندوي…نحن قرأنا كتابك القيم “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين”، ما هي الأفكار الرئيسة في هذا الكتاب؟

جواب: في الحقيقة أن قصة هذا الكتاب قصة غريبة…فالكتاب هو باكورة مؤلفاتي، فقد ألفته في سن مبكره بعد أن جاوزت الثلاثين بقليل، والموضوع كما تعرف يحتاج إلى قلم أقوى وأكبر، وإلى باحث أوسع وأعمق دراسة، ولكن كل شيء خاضع للقوانين الرتيبة، فقد يغامر شاب مثلما غامر محمد بن قاسم الثقفي غامر بنفسه، وغزا الهند وهو شاب في السابعة عشرة من عمره…كذلك كانت هذه المغامرة التأليفية..مغامرة بالنسبة لي وبالنسبة للموضوع…والكتاب يتسم بطرافة الاسم وأسلوب التفكير، فقد كان المنهج المألوف والمعروف أن يبحث المؤلفون عن مدى خسارة المسلمين جراء الحوادث التي تقع حولهم من حروب طاحنة مثلًا…والحضارات القائمة حولهم…أما أنا فقد عكست الموضوع وبحثت عن مدى خسارة العالم بانحطاط المسلمين…وفي الحقيقة لقد رفعت مستوى التأليف مستوى التفكير في هذا الكتاب، ولعل هذا مبعث رواجه، فقد طبع عدة مرات وترجم إلى عدة لغات. وأحمد الله أن أكثر مؤلفات أكتبها أولًا باللغة العربية، ثم تنقل بعد ذلك إلى لغات أخرى ومنها لغة بلادي الأردية. والفكرة السائدة والمسيطرة أو الروح التي تسيطر على هذا الكتاب أن المسلمين كانوا هم المسؤوليين عن مصير العالم واتجاه الإنسانية؛ فكانت عليهم مسؤولية ضخمة، وكان الواجب أن يشعروا بمسؤوليتهم هذه نحو العالم، وأن يوجهوا دفة سفينة الحضارة، ولكنهم مع الأسف تحت عوامل قاهرة وبفعل أسباب يطول الحديث عنها صاروا ينسحبون رويدًا رويدًا عن ميدان القيادة…فتركوا الحبل على القارب…وأصبحت الدول لا راعي لها…ولذلك لم يخسر العالم فقط بل خسر المسلمون كذلك. وقد تحدثت عن مدى خسارة العالم والإنسانية بتخلي المسلمين عن قيادة الركب الإنساني…وكما ترى فالموضوع فيه شيء من التحدى وإثارة الشعور الإسلامي…

سؤال: ذكرتم أن كتاب “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين” طبع أكثر من مرة…هل هنالك إضافات جديدة في كل طبعة؟

جواب: نعم…لقد أضفت إلى كل طبعة ما رأيته جديرًا بالإضافة، فالعالم من حولنا يتغير وأنا بدوري تلميذ دائمًا أقرأ واطلع، فإذا رأيت شيئًا جديدًا وله صلة وثيقة بموضوع الكتاب أضفته، وإذا عدت أنا حاليًا إلى قراءة فصول الكتاب مرة أخرى لوجدت أن أفكاره في مستوى جيد، وأني لأعجب لذلك واعتبره من توفيق الله سبحانه و تعالى أن الهمني في تلك السن المبكرة إلى كتابة هذا الكتاب…

سؤال: نحن نعرف أن الشباب هم عدة كل أمة…وتبذل الدول قصارى الجهد في سبيل تنشئته…ما رأيكم في شبابنا المسلم المعاصر؟

جواب: في الحقيقة فإن الشباب يعيش في حيرة، ويتأرجح في أرجوحة لا يعلم متى يستقر وإلى أين المستقر؟ والسبب في نظري هو التناقض الموجود في المجتمع الإسلامي…التناقض بين أدوات التعليم ومناهج التعليم وبين البيئة التي يعيش فيها في المدرسة والجامعة التي يعيشها في منزله…والتناقض بين ما ورثه كعقيدة وتراث وبين ما يتلقنه من أساتذته في مقاعد الدراسة وبين ما يقرؤه في الصحف والمجلات وبين ما يؤمن به ويعتقده…هذا التناقض الذي يوجد الآن في المجتمع الإسلامي هو الذي يجر الشباب إلى حيرة مردية لا نهاية لها، فهو بين هدم وبناء وبين اثبات ونفي. هذه الطبيعة غير الطبيعية ويجب أن تزول…وإذا بقيت فأنه لا يرجى من الشباب أن يكون عنده استقرار فكري أو هضم صحيح أو حماس لقيمة أو دعوة أو مبدأ…ورأي أن نعمل على صياغة نظام التعليم من جديد كما دعوت إلى ذلك مرارًا، ولي رسالة خاصة في هذا الموضوع بعنوان:”نحو التربية الإسلامية الحرة”، وأشرت فيها إلى أنه لابد من صياغة النظام التربوي وجهاز التعليم…فإذا حدث هذا فإن الشباب سوف ينجو من هذه الحيرة التي ليست في صالح المسلمين ولا في صالح الشباب أنفسهم. والأمر سهل بالنسبة للحكومات إذا صدقت في عزمها، وكانت جادة…وقيض للبلاد الإسلامية رجالًا مؤمنين عندهم الحرص والجد على صوغ المناهج التي تتفق مع العقيدة الإسلامية الحقة التي ربت شباب الإسلام الأول؛ فكانوا نماذج مشرفة اقتدى بهم المسلمون في كل عصر ومكان.

سؤال: من هم المؤهلون حاليًا للقيام بالدعوة للإسلام؟

جواب: في الحقيقة كل مسلم مكلف بالدعوة…ولكن إذا كانت الدعوة موجهة مثلًا إلى طبقة مثقفة، فإن الدعوة تحتاج في هذه الحالة إلى أناس متخصصين بحيث يستطيعون أن يفهموا فكر من سيتوجهون إليهم بالدعوة…والدعوة عامة لا بد أن يكونوا متطوعين لهذا العمل…قلبهم يعمره الإيمان…تحدوهم الرغبة الحقة في خدمة الإسلام…عازفين عن الشهوات وعن التنافس على حطام الدنيا.

سؤال: كلمة أخيرة؟

جواب: الذي أستطيع أن أقوله الآن أن يعيد المسلمون ثقتهم بأنفسهم ودينهم وأن يشعروا بأنهم أصحاب خاتم الرسالات، وأن الله سبحانه سيحاسبهم يوم القيامة عن مصير الإنسانية وعما وصلت إليه البشرية من تدهور وانحطاط ومن استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، فإذا استعاد المسلمون هذا الشعور وهذه الثقة من جديد، فإنهم يستطيعون أن يقوموا بعمل جليل في هذا العصر. وواجب الشباب المسلم أن يتعمق في دراسة الإسلام وفهمه، ولا يكون له فهمًا مستوردًا أي يأخذوا الإسلام عن كتابات غير المسلمين من أمثال المستشرقين والمتطفلين على الإسلام، وأنا أدعوهم هنا إلى إيمان جديد بالإسلام، وأنا لا أدعو لدين جديد؛ لأن هنالك اختلافًا كبيرًا بين الدعوة إلى الإيمان الجديد والدعوة إلى دين جديد…ونحن لسنا في حاجة إلى دين جديد بعد ديننا الذي أكرمنا الله به ، ومازلنا في حاجة إلى إيمان جديد يعطينا الحماس والقوة والفاعلية، وبذلك نستطيع أن نخدم الإسلام ونخدم البشرية ونواجه التحديات التي ذكرناها في بداية الحديث…

  • زميل باحث في مركز حسن بن محمد آل ثاني للدراسات التاريخية، الدوحة.

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of